إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في القرن الإفريقي





القرن الأفريقي

مناطق النزاع الإثيوبي ـ الإريتري
الهجوم الإثيوبي على الصومال
التوزيع الديموجرافي
الحدود السياسية لإثيوبيا
الحدود السياسية لإريتريا
الخريطة الإدارية لإريتريا
جمهورية الصومال الديموقراطية



الأكــــراد

المبحث التاسع

موقف المنظمات الإقليمية والدولية والمجتمع الدولي

أولاً: موقف منظمة الوحدة الأفريقية

نجح الإمبراطور، في عقد مؤتمر قمة أفريقي، في أديس أبابا عام 1963م . أَظْهَر إثيوبيا بمظهر الدولة المحبة للتضامن، والوحدة الأفريقية.

وبإنشاء منظمة الوحدة الأفريقية، منظمة إقليمية، أصبحت مسؤولة، عن حل المشاكل الإقليمية في القارة. وحاولت جبهة التحرير الإريترية، أن تعرض قضيتها على المنظمة، فعرضت في عام 1965م، الموضوع على سكرتير عام المنظمة، "المستر دياللوتيللى"، الذي كان يزور الصومال، وطالبت أن تدرج القضية، في جدول أعمال المنظمة، وتكوين لجنة خاصة، لتقصي الحقائق، ولإجراء استفتاء حر، تحت إشراف الأمم المتحدة. وطالبت الجبهة، بضرورة تقديم المساعدات لها، بناء على قرار مساعدة حركات التحرر الأفريقية. وتكررت مثل تلك المحاولة، ولكنها جميعاً لم تصل إلى حل للمشكلة، للأسباب الآتية:

1. نجاح الإمبراطور هيلاسيلاسي، في تصوير المشكلة، على أنها مشكلة داخلية، وكان يعتمد في ذلك على صلاته الحميمة، بالكثير من رؤساء الدول الأفريقية.

2. نص في ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية ـ المادة الثانية ـ على "وحدة الدول الأفريقية، وعلى الدفاع عن سيادة دول المنظمة، وسلامة أراضيها، واستقلالها"، كذلك النص ـ في مادته الثالثة ـ على "عدم التدخل، في الشؤون الداخلية للدول. واحترام سيادة كل دولة، وسلامة أراضيها، وحقها الأكيد في الحياة، تحت ظل الاستقلال".

وبذلت جبهة التحرير الإريترية، جهوداً كبيرة، للاعتراف بها، كإحدى جبهات التحرير الأفريقية، ولكنها لم توفق، نتيجة لأن لجنة التحرير، التابعة للمنظمة، كانت تهدف أساساً إلى تحرير القارة، من الاستعمار الأجنبي، وقامت منذ بداية إنشائها، للعمل من أجل تحرير روديسيا، وجنوب أفريقيا، وبقايا الاستعمار البرتغالي، وقد حرصت إثيوبيا منذ البداية، على أن تكون عضواً في هذه اللجنة، بتسعة أعضاء، ثم تزايد العدد إلى أن أصبح سبعة عشر عضواً.

جاء الموقف السلبي للدول الأفريقية، من المشكلة، بسبب أن عدداً كبيراً، من تلك الدول، لديها مشاكل داخلية، مع بعض القوميات، التي ترغب في الاستقلال. وكذلك، مشاكل على الحدود مع الجوار، مما دفعها إلى الامتناع، عن مساندة جبهة التحرير الإريترية، خشية أن تكون مساندتها حافزاً لحركات التحرر في دولها، أن تحذو حذوها.

عوامل أثرت على أداء جبهة التحرير الإريترية

جرت بعض الأحداث، التي أثرت في موقف جبهة التحرير الإريترية، وأهمها:

1. قيام حرب 1967، التي انتهت بهزيمة الدول العربية، وقد كان للهزيمة تأثير سلبي، على الجبهة، حيث توقفت الأموال، والأسلحة العربية، التي كانت تصل إلى الجبهة.

2. زيارة وزير الخارجية الإثيوبي إلى السّودان، والاتفاق على تشكيل لجنة وزارية، مشتركة، لحل المشاكل المعلقة على الحدود.

3. أعلنت الجبهة الإريترية عام 1968م، أن إثيوبيا منحت إسرائيل، بعض الجزر، بالقرب من باب المندب، لإنشاء قواعد عسكرية بحرية لها. كذلك، محطات وقود، في كل من جزيرة "حالب"، ومرسى "فاطمة"، وميناء عصب. وقد كان لذلك آثار إيجابية قوية، حيث أُعيد تدفق المساعدات السورية، ثم كان أول لقاء، بين الثورة الفلسطينية وحركة التحرير الفلسطينية (فتح)، والثورة الإريترية، حيث دَرَّبَت المقاتلين الإريتريين، على أعمال مهاجمة السفارات، وخطف الطائرات، ثم مارست ذلك عملياً، بتدمير طائرة إثيوبية، في مطار فرانكفورت، في مارس 1969م، ثم مهاجمة طائرة أخرى في مطار كراتشي، في يونيه 1969م، كذلك اختطاف طائرة، وإرغامها على الهبوط، في مطار الخرطوم، في أغسطس 1969م، وأخرى في عدن في سبتمبر 1969م، وقد أدى كل ذلك إلى لفت الأنظار، لأبعاد الصراع الدائر في إريتريا.

ثانياً: الموقف الدولي

تمثّل الموقف الدولي من النزاع والصراع الإثيوبي ـ الإريتري في الآتي:

1. الجهود الجيبوتية

فور نشوب الأزمة بين إريتريا وإثيوبيا، وفي محاولة لاحتواء الموقف، أسرع، في جولة يوم 15 مايو 1998، الرئيس الجيبوتي، حسن جوليد، الذي يرأس الدورة الحالية لمنظمة حكومات شرق أفريقيا للتنمية ومكافحة التصحر (إيجاد)، التي تضم في عضويتها إريتريا وإثيوبيا، ورافقه في جولته المكوكية بين أديس أبابا وأسمرة، أمين عام المنظمة، الإريتري الجنسية، "بتستكي جبري". وعلى الرغم من فشل جهوده لتسوية النزاع، فإنه جددها في 25 من الشهر نفسه، لكنه فشل في إقناع إريتريا بسحب قواتها من المناطق الحدودية المتنازع عليها، وهو أمرٌ تعده أديس أبابا شرطاً مسبقاً، للدخول في مفاوضات حل النزاع.

2. الجهود الأمريكية ـ الرواندية

قامت سوزان رايس، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية، بجولة في المنطقة في 17 مايو 1998م، لم تحقق نتائج إيجابية. ثم أعقبها في 26 من الشهر نفسه زيارة وفد أمريكي للمنطقة، ضم ديفيد دان، المسؤول عن شرق أفريقيا بدائرة الشؤون الأفريقية بالخارجية الأمريكية، وروبرت هوك، السفير الأمريكي السابق في إريتريا. كما توسطت رواندا في النزاع بالتنسيق مع الولايات المتحدة، حيث قام نائب رئيس رواندا، بول كاجامي، بجولة بين أديس أبابا وأسمرة، وذلك عقب زيارة أسياسي أفورقي إلى كيجالي وأوغندا، ولقائه بالمسؤولين هناك. وقد أسفرت هذه الجهود عن مبادرة أمريكية ـ رواندية مشتركة، أعلنت في أول يونيه 1998م من أربع نقاط هي:

أ. انسحاب القوات الإريترية من الأراضي المتنازع عليها.

ب. نزع سلاح المناطق المتنازع عليها.

ج. إخضاع تلك المناطق لمراقبة وسطاء دوليين، مع عودة الإدارة المدنية إليها.

د. بدء مفاوضات ترسيم الحدود.

وتستجيب الخطة لمطلب إثيوبيا بسحب القوات الإريترية، كما تستوعب اقتراح إريتريا الداعي إلى نزع السّلاح في المناطق المتنازع عليها، وبدء المفاوضات. وفي 8 يونيه 1998م أجرى الرئيس الأمريكي اتصالات هاتفية، بكل من أسياسي أفورقي وميليس زيناوي، لوضع حد للقتال بينهما. وفي الوقت نفسه قدمت الولايات المتحدة الأمريكية، بالاشتراك مع إيطاليا، في الرابع من الشهر نفسه اقتراحاً، بوقف الغارات الجوية على الأهداف المدنية فوراً، قبلته أسمرة وأديس أبابا.

3. الجهود الأفريقية

بدأت بإدانة منظمة الوحدة الأفريقية، استخدام الخيار العسكري في تسوية النّزاع. ودعت الطرفين إلى استخدام الوسائل السِّلمية لتسويته. وقام سالم أحمد سالم، السكرتير العام للمنظمة، بجولة مكوكية بين الدولتين في 26 مايو 1998م. ورفضت أديس أبابا وساطة المنظمة. وتدعيماً لهذه الجهود، أجرى الرئيس الليبي، معمر القذافي، رئيس تجمع دول الساحل والصحراء، في 22 مايو 1998م اتصالات هاتفية، بكل من أسياسي أفورقي وميليس زيناوي، لتسوية النّزاع. وكلف الأمين العام، والأمين العام المساعد، متابعة هذه الجهود. وفي 2 يونيه قدمت ليبيا اقتراحاً، بإرسال قوة فصل أفريقية في المنطقة الحدودية المتنازع عليها. وفي 6 يونيه 1998م تبنى مجلس وزراء خارجية دول منظمة الوحدة الأفريقية، اقتراحاً مصرياً، يقضي بوقف الأعمال العدائية بين الدولتين فوراً، والقبول بالمبادرة الأمريكية ـ الرواندية، أساساً للمفاوضات. وقد احتل هذا النزاع مكاناً بارزاً في مباحثات قمة الدول الأفريقية الـ 24 في واجادوجو ببوريكينافاسو، حيث دعا البيان الختامي إلى ضرورة وقف الأعمال العدائية بين البلدين، واللجوء إلى الحوار لتسوية الأزمة. كما اتفق القادة على مبدأ الوساطة لحل هذا النزاع، وتشكيل لجنة خاصة بذلك، يترأسها الرئيس البوركيني بليز كامباوري. ورحبت إريتريا بوساطة منظمة الوحدة الأفريقية، لكن إثيوبيا تحفظت. وضمت اللجنة في عضويتها رئيس رواندا، ورئيس زيمبابوي، ووزير خارجية جيبوتي، وسالم أحمد سالم، الأمين العام للمنظمة. وقامت اللجنة بزيارات مكوكية بين أديس أبابا وأسمرة، على أساس الدفع بالمبادرة الأمريكية ـ الرواندية. وفشلت جهود المنظمة لرفض أسمرة، سحب قواتها إلى حدود ما قبل 6 مايو 1998م، وإعلانها موت المبادرة الأمريكية ـ الرواندية. وأعلنت المنظمة في 20 يونيه 1998م، أنها ستشكل لجنة من عدد من الخبراء والسفراء، لبحث خرائط المنطقة، والمعاهدات المبرمة، خلال العهد الاستعماري، مع جميع الوثائق التاريخية ذات الصلة، بهدف تحديد حق أي من الدولتين في المناطق المتنازع عليها.

4. موقف الأمم المتحدة

أصدر مجلس الأمن في اجتماع طارئ، في 5 يونيه 1998م، بياناً، طالب فيه بوقف فوري لإطلاق النار بين البلدين، مندداً بنشوب النزاع المسلح، وداعياً إلى اللجوء للوسائل السِّلمية لتسوية النزاع. وحاولت الأمم المتحدة القيام بوساطة بين الدولتين، عن طريق أمينها العام، إلاّ أن إريتريا رفضت تدخل الأمم المتحدة في النزاع، خاصة "مجلس الأمن". وأعلنت أن اللجوء إلى الأمم المتحدة مضيعة للوقت، بينما رحّبت إثيوبيا بوساطة المنظمة الدولية. وظلت المنظمة تدعم محاولات الوساطة، التي تقوم بها الأطراف المختلفة، خاصة المبادرة الأمريكية ـ الرواندية، وجهود منظمة الوحدة الأفريقية.

5. موقف مجلس الأمن

أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، عن استيائه لفشل الجهود الدولية في إقناع الدولتين بالعودة إلى طاولة المفاوضات.

وقد استمرت المعارك العنيفة بين الدولتين، على ثلاث جبهات، على الرغم من التهديدات، التي أعلنها مجلس الأمن الدولي، وأعطى البلدين مهلة 72 ساعة لوقف الحرب، ملمحاً إلى احتمال فرض "إجراءات" في حال عدم الالتزام بذلك.

ووافق الأعضاء الخمسة عشر بالإجماع، على قرار قدمته بريطانيا، يُلزم مجلس الأمن العودة إلى الاجتماع مرة أخرى في غضون 72 ساعة "لاتخاذ خطوات فورية لضمان الامتثال لهذا القرار، في حال استمرار العمليات الحربية". وأدان القرار، بقوة، تجدد القتال بين البلدين، وطالب "بأن يتوقف الجانبان على الفور، عن كل العمليات الحربية، وبالامتناع عن أي استخدام آخر للقوة".

وصرّحت مصادر سياسية في الأمم المتحدة، أنه حُذفت جملة من النص النهائي، لقرار مجلس الأمن، كانت تقضي بـ "الحظر الفوري لبيع أسلحة أو معدات مماثلة من كل الأنواع". وأوضحت هذه المصادر أن هذا الحذف حدث بسبب "أن بعض الوفود تريد مشاورة حكوماتها، قبل الالتزام بمثل هذا الموقف".

وظهر في المناقشات، التي دارت في مجلس الأمن، تباين وجهات النظر في ما يتعلق بغرض حظر دبلوماسي على إثيوبيا وإريتريا. وأصرت بعض الدول على إبقاء القنوات السياسية مفتوحة، من أجل محاولة إقناع البلدين بالتفاوض سلماً.

ودعت كل من موسكو، والقاهرة، والجزائر، بجانب قرار مجلس الأمن، البلدين إلى وقف الحرب بينهما. وقال وزير الخارجية المصري، عمرو موسى: "إن الرئيس حسني مبارك، تلقى رسالة، بهذا الخصوص من الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، تنادي بالتنفيذ السريع والفوري لمبادرة منظمة الوحدة الأفريقية، الخاصة بإحلال السلام بين البلدين الجارين"، مشيراً إلى أن القاهرة تدعم دور بوتفليقة ومجهوداته لوقف القتال، وتنفيذ المبادرة الأفريقية.

أعلنت إريتريا عن موافقتها على وقف إطلاق النار، في الوقت الذي كان فيه مجلس الأمن الدولي يبحث مشروع قرار، تقدمت به الولايات المتحدة، يدعو إلى فرض حظر عسكري على توريد المعدات والتجهيزات العسكرية إلى إريتريا وإثيوبيا، وفرض عقوبات دبلوماسية على الدولة، التي ترفض وقف إطلاق النار، وهي في هذه الحالة إثيوبيا. ورفضت إثيوبيا وقف إطلاق النار، إلا بعد الشروع في مفاوضات السلام، تحت رعاية منظمة الوحدة الأفريقية.

وأكد وزير خارجية إريتريا، في رسالة وجهها إلى رئيس مجلس الأمن، موافقة إريتريا على قرار المجلس الرقم 1297، الداعي إلى الوقف الفوري لكل الأعمال العسكرية، وإلى استئناف المحادثات بين الطرفين. وبالمقابل، وجه وزير خارجية إثيوبيا، سيوم ميسفين، رسالة إلى رئيس مجلس الأمن، قال فيها "إن المحادثات غير المباشرة يجب أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار، وإلى السلام الشامل".

وتقدمت الولايات المتحدة بمشروع قرار إلى مجلس الأمن، يدعو إلى فرض حظر عسكري على إريتريا وإثيوبيا، لكن روسيا والصين عارضتا مشروع القرار الأمريكي، الذي قدم إلى مجلس الأمن في 15 مايو 2000م.

وقرر مجلس الأمن، بسبب عدم توافق الآراء حول إجراءات العقوبات، التي ينوي فرضها على البلدين، بحث الموضوع على مستوى خبراء الدول الأعضاء في المجلس، خصوصاً بعد أن تقدمت روسيا بمشروع قرار مضاد للمشروع الأمريكي. فالمشروع الروسي لا يدعو إلى فرض حظر عسكري، وإنما يكتفي بدعوة كلا البلدين إلى التعاون التام مع منظمة الوحدة الأفريقية، ويدعو المنظمة إلى إرسال مبعوث خاص إلى إريتريا وإثيوبيا للسعي إلى وقف إطلاق النار، وإلى استئناف المحادثات. ويدعو المشروع الروسي الأمين العام للأمم المتحدة إلى إرسال مبعوث خاص إلى المنطقة، وإلى أفريقيا، لدعم جهود منظمة الوحدة الأفريقية. بينما يدعو مشروع القرار الأمريكي، إضافة إلى الحظر العسكري على البلدين، إلى فرض حظر على سفر المسؤولين الكبار في إثيوبيا، ويقرر رفع هذا الإجراء في الوقت، الذي يقدم فيه الأمين العام، كوفي أنان، تقريراً إلى مجلس الأمن، يؤكد فيه أن إثيوبيا قد أوقفت كل العمليات العسكرية ضد حكومة إريتريا.

ويَعِد مشروع القرار الأمريكي بإلغاء العقوبات على البلدين، فور توقيعهما على اتفاقية السلام بينهما، ووقف كل العمليات العسكرية.

6. الموقف الأوروبي

التزم بإدانة اللجوء للوسائل العسكرية لحل النزاع، ودعا إلى وقف إطلاق النار، والتفاوض لتسوية النّزاع، في بيان صدر عن وزراء خارجية الاتحاد بلوكسمبورج، في 8 يونيه 1998م. وسعت إيطاليا في جهود للوساطة بين الجانبين، حيث أرسلت مبعوثاً إيطالياً للمنطقة. وفي 16 يونيه 1998م، أعرب زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة كارديف، عاصمة ويلز، عن تأييدهم لجهود الوساطة الأمريكية ـ الرواندية، لتكون أساساً لإنهاء النزاع.

7. الموقف العربي

شددت الدول العربية على ضرورة حل الدولتين نزاعهما الحدودي، بالطرق السِّلمية، وتجنب استخدام القوة. فمن ثوابت السياسة الخارجية المصرية، أن القرن الأفريقي يعتبر الحزام الجنوبي للأمن القومي العربي والمصري، وأن هذا الأمن يدور في واقع الأمر، حول قضية أمن البحر الأحمر، وقضية حماية مياه النيل. وفي هذا الإطار، فور نشوب الأزمة، دعت مصر الدولتين إلى الطرق السِّلمية، واستبعاد الخيار العسكري، إذ إن الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، يؤثر على الاستقرار العام في البحر الأحمر وأعالي النيل. وتؤكد مصر على أن موقفها من النزاع، هو جزء من الموقف الأفريقي، ولا توجد مبادرة مصرية منفردة لحل النزاع بين الدولتين، ولكنها مبادرة أفريقية، مصر جزء منها. وتتحرك مصر في هذا الإطار، الذي يدعو للوقف الفوري لإطلاق النار، وبدء حوار فوري بين الجانبين، ودعم الأطراف، التي تسعى في الوساطة، وجهود منظمة الوحدة الأفريقية، التي تؤيد المبادرة الأمريكية ـ الرواندية، وعدم تعدد المبادرات، لأن هذا التعدد لن يكون في صالح القضية.

8. الموقف المصري

استقبل الرئيس المصري، محمد حسني مبارك، في 11 يونيه 1998م، وزير الخارجية الإثيوبي، سيوم ميسفين، الذي سلمه رسالة من رئيس وزراء إثيوبيا ميليس زيناوي بشأن هذا النزاع. وكان قد سبقه في 10 يونيه استقبال الرئيس مبارك لوزير الحكومات المحلية الإريتري، الذي حمل رسالة من الرئيس أفورقي حول الموضوع نفسه. كما تلقى الرئيس مبارك رسالة من أسياسي أفورقي في 14 يونيه، سلمها وزير خارجية إريتريا. ورحبت الدولتان بتدخل مصري سريع لحل الأزمة، إلاّ أن الدور المصري انصبّ في اتجاه دعم الجهود المبذولة، عن طريق منظمة الوحدة الأفريقية.

9. المبادرة الليبية

أجرى الزعيم الليبي، العقيد معمر القذافي، في 16 مايو 2000م، اتصالات مع الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، الرئيس الحالي لمنظمة الوحدة الأفريقية، ورئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي، والرئيس الإريتري، أسياسي أفورقي. وشدد على ضرورة وضع حد للمعارك المستمرة على كل الجبهات بين أسمرة وأديس أبابا، ودعا إلى الحوار لحل الأزمة. وكانت مجموعة دول الساحل والصحراء، التي أسست بمبادرة من ليبيا، قد دعت، في 13 مايو 2000م، إلى وقف إطلاق النار، بين إريتريا وإثيوبيا، واقترحت التوسط لحل النزاع في أعقاب محادثات بين القذافي والرئيس التشادي، إدريس ديبي، الرئيس الحالي للمجموعة.

ومن ثم اتسم الموقف الدولي إزاء هذا الصراع بالآتي:

1. سرعة رد الفعل الدولي، أو الاستجابة الدولية، لنشوب النزاع، وسرعة التدخل الدولي بالوساطة والمساعي الحميدة، خاصة من قِبل جيبوتي، ورواندا، والولايات المتحدة الأمريكية، وإيطاليا، التي لها مصالح مؤكدة في تسوية النزاع، وعدم تفاقمه. إضافة إلى دور منظمة الوحدة الأفريقية، ومصر، وليبيا، التي تهتم بحفظ الأمن والاستقرار في القارة، وفي منطقة القرن الأفريقي، وأعالي النيل، للأهمية الإستراتيجية للمنطقة.

2. الإدانة الدولية لأسلوب الخيار العسكري في تسوية النزاع، ودعوة البلدين إلى وقف القتال، والعودة إلى الوسائل السلمية لتسويته، باستخدام الوسائل السياسية، كالوساطة والمساعي الحميدة، أو المفاوضات، أو من خلال الوسائل القضائية، كالتحكيم.

3. على الرغم من تعدد جهود الوساطة، فإنها اتسمت بالتنسيق فيما بينها، خاصة مع الجهود الأمريكية ـ الرواندية، والتي أفرزت مبادرة من أربع نقاط، تُعد أساساً لتسوية الأزمة. وانصبّت الجهود الأخرى على دعم هذه المبادرة، التي تطرح أسس تسوية الصراع سلمياً.

4. فشلت جميع الجهود الدولية للوساطة، أو التوفيق بين الدولتين في تسوية الصراع، ما عدا المبادرة الأمريكية والإيطالية، القاضية بوقف الغارات الجوية المتبادلة.

وعلى الرغم من تعدد جهود الوساطة الإقليمية والدولية، فإن الجانبين لا يزالان يتمسكان بموقفيهما. ومن ثم يبدو أن هذا الصراع لن يجد حلاً في المستقبل القريب. في ضوء مواقف الطرفين، وتوازن القوى القائم، حيث هناك تعادل في ميزان القوى العسكري بين الجانبين، سواء في العدد البشري للقوات أو في العتاد. فالأسلحة الإريترية معدات ضخمة، جزء كبير منها غنمته من الجيش الإثيوبي. وقد نوعت إريتريا مصادر تسليحها بعد حصولها على الاستقلال في 1993م، خاصة من الولايات المتحدة وإسرائيل وإيطاليا، من دبابات وصواريخ ومدافع طويلة المدى، ومضادة للطائرات. وأنشأت سلاحاً للبحرية، وسلاحاً جوياً، بمساعدات إيطالية، وأمريكية، وإسرائيلية. وتعتمد إريتريا أساساً في حربها الحالية مع إثيوبيا، على استخدام الدبابات والمدافع الأرضية والصواريخ.

ويضم الجيش الإريتري 220 ألف مقاتل، منهم 60 ألف جندي عامل، و40 ألفاً في الاحتياط، و120 ألف متطوع، لعدد سكان يصل إلى 3 ملايين نسمة. أما إثيوبيا فمعظم أسلحتها ورثتها عن نظام منجستو هايلا مريام، وهي أسلحة سوفيتية من دول اشتراكية سابقة، لكنها قديمة ومتهالكة. ولم تُجدد إثيوبيا قواتها ومعداتها. ويضم سلاح الجو الإثيوبي 400 طائرة، غالبيتها من نوع ميج "MIG". أما قدرات إثيوبيا على الأرض، فضعيفة مقارنة مع إريتريا، وتعتمد إثيوبيا على سلاح الجو في معاركها مع إريتريا للتأثير على القدرات القتالية للقوات الإريترية، الأكثر تدريباً وكفاءة. ويصل تعداد جيش إثيوبيا إلى 150 ألف مقاتل، علماً بأن عدد سكانها يصل إلى 85 مليون نسمة. وتواجه إثيوبيا مشكلة تعدد العرقيات، إذ تضم قوميات عدة، منها الأمهرا، والأورومو، والعفر، كما تغلب عليها قومية التيجراي. وترى هذه القوميات أن الحرب الحالية، هي حرب قومية التيجراي، نظراً لأن مسرحها الأساسي يدور في المنطقة، التي تسكنها هذه القومية. وهذه العوامل تشجع على استمرار الصراع، في ضوء ضعف الموقف الدولي، وعدم وجود موقف حاسم للوساطة وتسوية الصراع، الذي لن يتم حسمه إلاّ بالوسائل السِّلمية، ولكن بعد أن يعيش البلدان جولات أخرى من الصراع العسكري.

وفي 17 مايو 2000م، فرض مجلس الأمن حظراً عسكرياً على إريتريا وإثيوبيا، مدته 12 شهراً، وقد اتخذ المجلس قراره بالإجماع، بعد مشاورات مكثفة استمرت أكثر من خمس ساعات. وتبنى المجلس قراره ذا الرقم 1298.

وطلب المجلس من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ومن جميع المنظمات، أن تمتنع عن بيع، أو توريد الأسلحة والمعدات ذات الصلة من أي نوع، بما في ذلك الأسلحة، والذخائر، والمركبات والمعدات العسكرية، وشبه العسكرية، وقطع غيارها إلى البلدين، عن طريق رعاياها أو من أراضيها، أو باستعمال السفن التي ترفع أعلامها أو طائراتها، بصرف النظر عما إذا كان منشؤها أقاليم هذه الدول إو لم يكن.

وأدان المجلس استمرار القتال بين البلدين، وطالبهما بوقف جميع العمليات العسكرية على الفور، وبالامتناع عن مواصلة استعمال القوة، واستئناف محادثات السلام الجوهرية، في أقرب وقت ممكن، ومن دون شروط مسبقة، تحت رعاية منظمة الوحدة الأفريقية، على أساس خطة السلام التي اضطلعت بها منظمة الوحدة الأفريقية.

ويُعد القرار أول إجراء اتخذه مجلس الأمن، منذ اندلاع النزاع بين البلدين، قالت الأوساط الدبلوماسية إن مجلس الأمن سجل أول سابقة، باستخدام ما يسمى "العقوبات الذكية"، حيث قرر لأول مرة فرض حظر لفترة محددة من الزمن. وقرر المجلس بعد انتهاء فترة العقوبات أن يقرر: هل امتثلت حكومتا إريتريا وإثيوبيا لطلبات المجلس، وهل سيمدد العقوبات بالشروط نفسها، وهذا يعني أن تمديد الحظر بعد 12 شهراً يحتاج إلى قرار جديد من مجلس الأمن.

ثالثاً: اتساع دائرة الحرب ونشاط الوساطات

اتسعت دائرة المعارك بين البلدين، واستأنفتا الحرب الحدودية، بينهما، متخطية الحدود إلى العمق الإريتري. وأعلنت إثيوبيا استيلاءها على مدينتي داس وبارنتو، واعترفت إريتريا رسمياً بانسحابها من الأخيرة (تبعد نحو 250 كم غرب أسمرة). وشهدت أسمرة، ومدن أخرى إريترية، موجة نزوح لعشرات الآلاف من المواطنين، الذين فروا من جنوب غربي البلاد.

وطالبت أسمرة مجلس الأمن بـ"التدخل لوقف الحرب، وفرض عقوبات على إثيوبيا، التي احتلت مناطق إريترية، وعقد جلسة طارئة لمناقشة هذه القضية".

وعلى صعيد الوساطات الخارجية، في أول خطوة للتوسط بين البلدين، عقب هذه المعارك الأخيرة، وصل إلى أديس أبابا الدكتور عبدالسلام التريكي، أمين اللجنة الشعبية العامة للوحدة الأفريقية، موفداً من الزعيم الليبي، معمر القذافي، إلى رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي. والتقى التريكي وزير خارجية إثيوبيا، سيوم مسفن، وبحث معه في إمكان وقف القتال وحل الأزمة الحدودية، بالطرق السلمية، والالتزام باقتراحات خطة منظمة الوحدة الأفريقية.

كما تسلم الرئيس المصري، حسني مبارك، رسالة خطية من الرئيس الإريتري، أسياسي أفورقي، تطلب من مصر اتخاذ موقف، وأن تقوم بدور فعال في هذه الظروف، وإدانة "الغزو، وتقديم المساعدات الإنسانية للإريتريين المهجرين من قراهم ومدنهم".

واستأنف الدبلوماسيون جهود الوساطة، في حين اندلعت المعارك للمرة الأولى على الجبهة الشرقية، التي تمر عبرها الطريق المؤدية إلى مرفأ عصب الإريتري.

وقد وصل مبعوث الاتحاد الأوروبي الخاص، رينو سيري، إلى العاصمة الإريترية، في زيارة استمرت أربع ساعات التقى خلالها الرئيس، أسياسي أفورقي، ووزير الخارجية، هايلي ولد تنسائي. واختار سيري زيارة أسمرة أولا، بسبب الوضع الإنساني "الكارثي" فيها، ثم توجه بعدها إلى أديس أبابا.

من جهته، اعتبر أحمد أويحيى، مبعوث الرئيس الجزائري، الذي يقوم بجولة مكوكية، بين أديس أبابا وأسمرة، أن استئناف المفاوضات بين إريتريا وإثيوبيا، لا يزال ممكناً، لكن يجب أن يسبقه وقف للمعارك.

وأعلن مبعوث رئاسة منظمة الوحدة الأفريقية، قبل لقائه زيناوي "لدينا أمل في أن يعود الجانبان إلى طاولة المفاوضات، على أساس الاتفاق الإطار (اتفاق السلام الذي اقترحته منظمة الوحدة الأفريقية) وشروط التطبيق التي وقعا عليها". وقال "إن الحكمة تقضي بأن يسبق استئناف المفاوضات وقف لإطلاق النار"، مذكراً بأن رئاسة المنظمة أعربت في 19 مايو 2000م عن "تأييدها لاستئناف المفاوضات غير المباشرة". وقد أشارت أسمرة إلى رغبتها في "وقف فوري لإطلاق النار".

وعلى الصعيد الدبلوماسي، دعا رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي، السفراء الأفارقة المعتمدين لدى منظمة الوحدة الأفريقية، إلى "لقاء صحافي" حول النزاع بين إثيوبيا وإريتريا.

وكانت القوات الإثيوبية قد حققت اختراقات كبيرة في عمق الأراضي الإريترية، على الجبهة الغربية.

وأعلن دبلوماسي من منظمة الوحدة الأفريقية، أن "إثيوبيا تريد طمأنة الجميع حول نيتها".

وشددت الحكومة الإثيوبية مراراً أن لا نية لها في "ضم" إريتريا، وإنما هدفها إضعاف الجيش الإريتري.

كما اعترفت إريتريا بأن القوات الإثيوبية شنت هجوماً واسعاً على جبهة عليتينا ماراب، التي تبعد مسافة 155 كم من العاصمة أسمرة، وأكدت ما أعلنته أديس أبابا عن اندلاع معارك ضارية، على الجبهتين الوسطى في زال إمبسا، والشرقية، في بوري القريبة من البحر الأحمر.

وقال رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي، إن قواته "حققت تقدماً كبيراً" في زال إمبسا "وستتمكن من استرداد كل الأراضي الإثيوبية التي احتلتها إريتريا في (مايو) 1998م خلال الأيام المقبلة".

وذكر بيان رسمي إريتري أن قوات بلاده "صدت الهجوم، وكبّدت الإثيوبيين خسائر فادحة". وقال مسؤول عسكري إريتري إن قواته أخرجت أكثر من 37 ألف جندي إثيوبي من مسرح العمليات، من بينهم 12 ألف قتيل، وتعد زال إمبسا أحد المواقع القليلة في المنطقة الوسطى، التي ما زالت تحت سيطرة القوات الإريترية وتعتبرها إثيوبيا تابعة لها. وللوصول إليها، تقدم الجيش الإثيوبي باتجاهين إلى عمق الأراضي الإريترية، في بارنتو، وتوكومبيا، (جنوب غرب) ورام حجر وساوا (جنوب) في شكل كماشة، بعيداً عن مناطق الحدود المتنازع عليها، ليلتف على زال إمبسا. وفي الوقت نفسه، صعد قصفه الجوي على بقية الجبهات، خصوصاً الجنوبية في بوري، القريبة من ميناء عصب، على البحر الأحمر. لكن مسؤولا إريتريا في أسمرة قلل، من أهمية العمليات الإثيوبية الأخيرة.

وقد أعلن الموفد الخاص للاتحاد الأوروبي، رينو سيري، في أديس أبابا، أن إريتريا وافقت على استئناف مفاوضات السلام مع إثيوبيا "بلا شروط". وكانت إريتريا تضع حتى الآن شروطا مسبقة، هي توقيع اتفاق سلام وضعته منظمة الوحدة الأفريقية، ووقف فوري لإطلاق النار، وهو ما رفضته إثيوبيا. ولكنه أضاف "أن الإريتريين وافقوا على العودة إلى الجزائر بلا شروط مسبقة، لكن هذا يجب أن يتم التحقق منه شخصياً من قبل أحمد أويحيى (الموفد الخاص لرئاسة منظمة الوحدة الأفريقية) خلال لقائه مع الرئيس، أسياسي أفورقي.

رابعاً: مساعي منظمة الوحدة الأفريقية

وصل الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، إلى أديس أبابا، بصفته رئيساً لمنظمة الوحدة الأفريقية، والتقى على الفور رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي. وكانت المنظمة قد طلبت من إثيوبيا وإريتريا إعادة نشر قواتها "فوراً" في النقاط التي كانت فيها قبل السادس من مايو 1998م، أي موعد بدء الحرب بين البلدين، للسماح بمعاودة المفاوضات.

وذكرت المنظمة الأفريقية في بيانها أنها "أخذت علماً بإعلان إثيوبيا، وورد فيه أنها ليس لديها أي مطامع في الأراضي الإريترية، وتطلب منها بأن تؤكد موقفها مجدداً علناً ورسمياً"، كما "أخذت علماً بتعهد إثيوبيا وإريتريا بتطبيق اتفاق الإطار والترتيبات التي وافقت عليها، وخصوصاً تسوية خلافهما الحدودي، طبقاً للوثيقتين المذكورتين سابقاً".

إلى ذلك، أعلنت إريتريا أنها صدت هجوماً إثيوبياً كبيراً على جبهتها الوسطى، وكبّدت عدوها خسائر فادحة، كما أسقطت أربع طائرات مقاتلة من نوع 23ـMIG، وأفادت وزارة الخارجية في بيان "الهجوم الواسع النطاق، الذي شنته إثيوبيا، تم صده، وتكبدت إثيوبيا أكبر خسائر خلال يوم واحد، منذ أن استأنفت حربها العدوانية، قبل أسبوعين تقريباً". وأضاف البيان "أربع طائرات مقاتلة إثيوبية من نوع 23ـMIG أسقطت". وكان مسؤولون في أديس أبابا قد قالوا في وقت سابق إن كل طائراتهم عادت إلى قواعدها سالمة.

وقال بيان الخارجية الإريترية إن قوات أسمرة صدت هجوماً إثيوبياً على جبهة بطول 150 كم، تمتد من نهر ميريب إلى إليتينيا، ملحقة خسائر كبيرة بقوات أديس أبابا "هي أسوأ الخسائر" منذ استئناف المعارك بين البلدين. وعلى الجبهة الغربية، حيث سيطرت القوات الإثيوبية، في 18 مايو على بيرينتو، المدينة الرئيسية في جنوب غربي إريتريا، أكد البيان أن "الخسائر الإجمالية للعدو تقدر بنحو 37 رجلاً و19 دبابة، وخمس قطع مدفعية ثقيلة، وتسعة مدافع متحركة مضادة للطائرات". ونفت إريتريا ادعاءات إثيوبيا بأنها على وشك تحقيق نصر نهائي.

وفي إشارة إلى تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي، باقتراب القوات الإثيوبية إلى حسم المعارك، أكد الرئيس الإريتري، أسياسي أفورقي، في أول ظهور علني منذ اندلاع القتال قبل أسبوعين، أن إريتريا ستنتصر على إثيوبيا حتى إذا استمرت المعارك فترة طويلة.

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي قد أعلن أن قواته حققت تقدماً كبيراً على الجبهة الوسطى في زال إبسا ـ إيغال، التي تقول إثيوبيا إن القوات الإريترية احتلتها قبل عامين. وتكهن زيناوي بأن تحسم قواته المعارك باسترداد المناطق المحتلة في الجبهة الوسطى.

خامساً: استمرار الحرب على رغم المفاوضات

لم تظهر أي مؤشرات إلى وقف الحرب الدائرة بين إثيوبيا وإريتريا، على الرغم من إعلان أسمرة الانسحاب من مدينة زال إبسا، أهم المناطق الحدودية، المتنازع عليها بين البلدين، وتأكيد أديس أبابا أن قواتها استعادتها بعد معارك ضارية، و رفعت العلم الإثيوبي فوقها.

ومع سقوط زال إبسا، الواقعة على بعد 155 كم جنوب أسمرة، في أيدي الإثيوبيين، لم يبق من المناطق المتنازع عليها بين الجانبين سوى منطقة بوري، القريبة من ميناء عصب، المطل على البحر الأحمر.

وكان الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، رئيس الدورة الحالية لمنظمة الوحدة الأفريقية، وصل فجأة إلى أديس أبابا، وأجرى محادثات مع رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي، في محاولة جديدة لإقناعه بوقف الحرب، وكان قبل ذلك في أسمرة، وأجرى محادثات مماثلة مع الرئيس أسياسي أفورقي، الذي جدد له موافقته على الاقتراحات التي عرضتها المنظمة الأفريقية، وكذلك على الاقتراحات الأخيرة التي عرضها أخيرا السيد أحمد أويحيى، مبعوث الرئيس الجزائري، وتنص على سحب القوات الإريترية، إلى حدود ما قبل مايو 1998م.

برزت أزمة ثقة كبيرة مفقودة بين طرفي النزاع الإريتري والإثيوبي أدت إلى تعطيل مؤقت للوساطة الأفريقية بينهما، والتي يقودها السيد أحمد أويحيى، المبعوث الخاص للرئيس الجزائري، رئيس الدورة الحالية لمنظمة الوحدة الأفريقية، عبدالعزيز بوتفليقة.

وكان أويحيى عرض خلال جولاته المكوكية، اقتراحات جديد تنص على "إعلان كل من طرفي النزاع رسمياً سحب قواته من المناطق المتنازع عليها، والتزام إريتريا سحب قواتها من المناطق التي تحتلها، وتدعي إثيوبيا ملكيتها، وإعادتها إلى الإدارة المدنية، التي كانت فيها قبل (مايو) 1998م" لدى بدء النزاع، "وإعلان إثيوبيا رسمياً بأن لا مطامع لديها في الأراضي الإريترية، التي احتلتها" خلال الأسبوعين الماضيين".

وأكد أويحيى في أديس أبابا أن إثيوبيا وافقت على اقتراحاته، في حين لم يتمكن من لقاء أفورقي في أسمرة، للحصول على موافقته، مشيراً في الوقت نفسه إلى صعوبة موافقة أي من الطرفين على وساطته، خصوصاً "في هذه المرحلة المتقدمة عسكرياً".

وقد أعلنت إريتريا موافقتها على سحب قواتها من كل مناطق النزاع الحدودي مع إثيوبيا، والعودة إلى خطوط ما قبل 6 مايو (أيار) 1998م، بداية الحرب بين البلدين، وبدأت بالفعل سحب قواتها من منطقة زال إبسا.

واعتبرت إثيوبيا أنها حققت نصراً بطولياً على إريتريا، بعد أن وافقت الحكومة الإريترية على الانسحاب إلى حدود مايو 1998م. وقال بيان صادر عن الناطق باسم الحكومة الإثيوبية إن القوات الإثيوبية تمكنت من "تحرير زال إبسا، بعد أن انتصرت على الجيش الإريتري، الذي كان على وشك الانهيار". وقال البيان إن الإثيوبيين "رفعوا منتصف الليلة قبل الماضية علم بلادهم على زال إبسا". لكن الإذاعة الإثيوبية قالت إن أديس أبابا تطالب بسحب القوات الإريترية من مناطق بدا وبوري الشرقية أيضا. وقال وزير الخارجية الإريتري، هيلي ولد تنسائي، في مؤتمر صحافي، "قررنا إعادة نشر قواتنا في مناطق النزاع، والعودة إلى مواقع ما قبل 6 مايو 1998م، واستئناف عملية التفاوض، في الجزائر، وإرسال وفد للتفاوض ومناقشة وثيقة التدابير الفنية، وذلك لإيجاد حل نهائي للنزاع، وفقاً لوثائق المنظمة الأفريقية الثلاث.

في هذه الأثناء، وصل الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، الرئيس الحالي لمنظمة الوحدة الأفريقية، إلى إريتريا، قادماً من أديس أبابا، وذلك لإجراء محادثات مع الرئيس، أسياسي أفورقي، ضمن مساعيه الهادفة لمحاولة التوصل إلى حل سلمي للنزاع الدموي. ووافقت أسمرة على خطة أفريقية جديدة مكونة من سبع نقاط.

وافقت إريتريا على سحب قواتها من كل مناطق النزاع والعودة إلى خطوط ما قبل 6 مايو 1998م، وتوقيع وقف إطلاق النار، وبدأت عملياً بسحب قواتها، من منطقة زال إبسا. وزارت "الشرق الأوسط" مدينة زال إبسا المدمرة قبل انسحاب قوات أسمرة التي كانت تسيطر عليها. وتعرض الصحافيون أثناء زيارتهم المدينة إلى قصف إثيوبي مدفعي، وهذا ما كاد يتسبب في مجزرة يذهب ضحيتها 25 صحافياً دولياً. من جانبها، رفضت أديس أبابا العرض الإريتري بالانسحاب. وأعلنت الإذاعة الإثيوبية أن أديس أبابا تطالب بسحب القوات الإريترية من مناطق بدا وبوري الشرقية.

وصرح وزير الخارجية الإريتري، هيلي ولدي تنسائي، للصحافيين "إعادة نشر قواتنا في مناطق النزاع، والعودة إلى مواقع ما قبل 6 مايو 1998م، واستئناف عملية التفاوض في الجزائر، وإرسال وفد للتفاوض، ومناقشة وثيقة التدابير الفنية بهدف التوصل إلى حل نهائي للنزاع، وفقاً لوثائق منظمة الوحدة الأفريقية.

وذكر الوزير الإريتري، أن القوات الإثيوبية ما زالت تقوم بشنّ هجوم بري على محور ظرونا، وأكد أن قوات بلاده أكملت انسحابها. إلى ذلك، وصل الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، بوصفه الرئيس الحالي لمنظمة الوحدة الأفريقية، قادماً من أديس أبابا، لإجراء محادثات مع الرئيس، أسياسي أفورقي، ضمن مساعيه الهادفة للتوصل إلى حل سلمي للنزاع.

ووافقت أسمرة على خطة أفريقية جديدة مكونة من سبع نقاط، أهمها أن يخفض البلدان مستوى الصراع العسكري، وأن تسحب إريتريا قواتها إلى مواقع ما قبل 6 مايو 1998م، ثم تليها أديس أبابا في ذلك، وتنفذ المنظمة الأفريقية خطتها السلمية التي تهدف إلى ترسيم الحدود بين البلدين، في نهاية المطاف. وعلى الرغم من هذه المساعي الدبلوماسية، فإن أسمرة أعلنت أن القتال لا يزال مستمراً.

سادساً: نجاح جهود الوساطة وتوقف المعارك

نجحت جهود الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، في إقناع إثيوبيا بحضور مفاوضات غير مباشرة، مع إريتريا، لوقف الحرب.

وأعلن أحمد أويحيى، المبعوث الخاص للرئيس، عبدالعزيز بوتفليقة، في أديس أبابا، أن إثيوبيا وافقت على استئناف المفاوضات غير المباشرة مع إريتريا في الجزائر. ولم يعلق أويحيى على سؤال حول احتمال التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فيما تواصل القوات الإثيوبية التوغل في الأراضي الإريترية. وانسحبت قوات أسمرة من جبهتي "بادي" و"بوري"، ودخلت المعارك بين البلدين مرحلة جديدة بإعلان القوات الإثيوبية أنها سيطرت على منطقتي فورتي وسنافي، لتصبح على بعد 135 كم فقط من العاصمة الإريترية.

وفي الوقت نفسه، قال السفير الإثيوبي لدى كينيا، إن بلاده "تسعى إلى القضاء على الجيش الإريتري، وستواصل عملياتها العسكرية، طالما أنه لا يزال يشكل تهديداً للأمن القومي الإثيوبي". وأضاف أن "إثيوبيا ستقضي على آلة الحرب الإريترية، من أجل أمن أفضل للمنطقة". وتزامن إعلان السفير الإثيوبي مع إعلان أسمرة انسحاب قواتها من جبهة "بوري" الغربية.

وقد أكدت إثيوبيا أنها توغلت داخل أراضي إريتريا، وأنها تواصل المعارك إلى أن تنسحب إريتريا من آخر شبر من أراضيها. وبينما أعلنت منظمة الوحدة الأفريقية أن أسمرة بدأت بالفعل في سحب قواتها من آخر المناطق في الأراضي المتنازع عليها بين البلدين، أشارت أديس أبابا إلى أن أسمرة تناور في مسألة الانسحاب، وأنها ما تزال تحتفظ ببعض المناطق الإثيوبية. وفي هذه الأثناء، يستعد البلدان لبدء محادثات غير مباشرة في الجزائر لوقف إطلاق النار.

وكانت منظمة الوحدة الأفريقية تأمل، أن يكون إعلان إريتريا أنها ستنسحب إلى مواقع ما قبل معارك مايو 1998م كافياً لوقف إطلاق النار، إلا أن القتال استمر. وقالت إثيوبيا إن إريتريالا تزال تحتل "جيوبا"، إلى جانب بادي وبوري، في الجبهة الغربية من الحدود التي تمتد لمسافة 1000كم. وقال هايلي كروس، المتحدث باسم الحكومة في مدينة أديجرات الشمالية إن الحكومة الإثيوبية هي وحدها التي ستؤكد انسحاب إريتريا من جميع الأراضي المحتلة. وأضاف "لا نصدق إلا أنفسنا، لا نصدق أن هذا النظام سيتركنا لشأننا من دون أي عدوان آخر".

وقال كيروس إن القوات الإثيوبية تقدمت داخل أراضي إريتريا، على طول جبهة عريضة، وأنها تتحرك شمال أدكييه، على بعد أقل من 100 كم جنوب أسمرة، بعد أن استولت عليها.

غير أنه اتضح أن هذه التصريحات مبالغ فيها، إذ أن مراسل وكالة رويترز في المدينة التي يقطنها 150 ألف نسمة قال إنه من الجلي أنها في أيدي الجانب الإريتري، وإن القتال يحتدم جنوبها. وقال كيروس إن أديس أبابا تحتفظ بحقها في شن هجوم في أي مكان، مادامت "القوات الإريترية" على أراض تعتبرها إثيوبيا ملكاً لها. وقال "سنذهب إلى حد لازم لاستعادة أرضنا. يمكن أن يتقهقروا إلى أسمرة أو كيرين، سنطاردهم أينما ذهبوا".

وهكذا عاد الرئيس الجزائري، الرئيس الحالي لمنظمة الوحدة الأفريقية، عبدالعزيز بوتفليقة، إلى بلاده، بعد جولة، بذل خلالها جهوداً مكثفة في عاصمتي البلدين لاحتواء النزاع المسلح بينهما، مما أسفر عن قبول الطرفين استئناف المحادثات بينهما في العاصمة الجزائرية، والعودة إلى طاولة المفاوضات، بهدف تسوية الأزمة سلمياً.