إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في القرن الإفريقي





القرن الأفريقي

مناطق النزاع الإثيوبي ـ الإريتري
الهجوم الإثيوبي على الصومال
التوزيع الديموجرافي
الحدود السياسية لإثيوبيا
الحدود السياسية لإريتريا
الخريطة الإدارية لإريتريا
جمهورية الصومال الديموقراطية



الأكــــراد

المبحث الحادي عشر

الصِّراع القبلي في جيبوتي وآثاره

أولاً: الأهمية الجيوبولوتيكية

1. الموقع

تقع جيبوتي في جنوب غربي خليج عدن، وعلى السّاحل الشرقي للقارة الأفريقية. يحدها من الشّمال الغربي "إريتريا"، ومن الغرب والجنوب "إثيوبيا"، بحدود طولها 500 كم، ومن الجنوب الشّرقي "الصّومال" بحدود طولها 100 كم، ومن الشرق "باب المندب، وخليج عدن"، بحدود طولها 350 كم. ويشكل موقع جيبوتي أهمية إستراتيجية للأسباب الآتية:

أ. إطلالتها على باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ولصلاحية الممر الملاحي عبر جزيرة "بريم" اليمنية للملاحة، ويمكن لجيبوتي السيطرة عليه.

ب. وتمثل شواطئ جيبوتي وميناؤها، أهمية إستراتيجية لعمليات النقل البحري والجوي، لقوات القوى الكبرى في تحركها من مناطق تمركزها، إلى مناطق التوتر الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، والبحر الأحمر، والخليج العربي، وشرق أفريقيا، والمحيط الهندي، وصولاً إلى آسيا.

ج. إمكانية إقامة قواعد بحرية أمام سواحلها البحرية، وفي الجزر التابعة لها، وأهمها جزيرة رأس دوميرا، والتي تطالب بها إريتريا، على أساس أنها من الجزر الإريترية.

د. صلاحية المناخ للعمليات والملاحة طوال العام، مما يساعد على تنشيط حركة الملاحة في اتجاهي الشمال والجنوب.

هـ. يحقق طول السّاحل ووجود ميناءي جيبوتي وأبوك، إمكانية رسو السفن على اختلاف حمولتها وأنواعها.

و. تُعد جيبوتي منفذاً رئيساً إلى شرق أفريقيا، نتيجة لشكل خليج تاجورا، الذي يُشكل مثلثاً قاعدته ميناء خليج عدن، ورأسه ممتد إلى مسافة كبيرة داخل اليابس.

ز. زادت الأهمية الإستراتيجية لجيبوتي في عام 1990م، خلال حرب الخليج الثانية، واستخدمت قوات التحالف الموانئ والسواحل الجيبوتية.

ح. يُعد ميناء جيبوتي منفذاً رئيساً لإثيوبيا، خاصة في ظل الصراع القائم بين إثيوبيا وإريتريا، إضافة إلى خط سكة حديد جيبوتي/هرر، الذي تمتلك إثيوبيا 50% من أسهمه.

ط. الدور الحيوي الذي يلعبه الموقع، بصفته طريقاً للتجارة الدولية، مما يؤدى إلى زيادة العلاقات بين جيبوتي والقوى الإقليمية والعالمية، المُستخدِمة للبحر الأحمر.

ي. اشتراك جيبوتي في حدودها الدّولية مع إثيوبيا، والصومال، وإريتريا، وهي دول تعاني من مشاكل داخلية، واضطرابات خارجية فيما بينها، أدى إلى فرض سياسة خاصة على جيبوتي تجاه تلك الدول، فضلاً عن تفاقم مشكلة اللاجئين.

2. السُّكان

تُعد جيبوتي دولة ذات نظام قبلي، تسيطر فيه النّزعات القبلية، على مجريات السياسة الداخلية. ومن أشهر قبائلها، وأكبرها عدداً:

أ. قبيلة العيسى

وهي من أصل صومالي، يبلغ تعدادها حوالي 400 ألف نسمة، موزعين على جيبوتي، وشمال الصومال، ومنطقة هرر في إثيوبيا. ويقطن منهم في العاصمة جيبوتي، ومحافظتي "علي صبيح، ودخيل"، حوالي 230 ألف نسمة، يشكلون 47% من تعداد السكان الكلي في جيبوتي. وينتمي إلى قبيلة العيسى الرئيس "حسن جوليد"، رئيس جيبوتي السّابق، والرئيس الحالي "إسماعيل عمر جيله"، و "إسماعيل مريد" رئيس الديوان، و"عبدالله شرورة" وزير الدفاع.

وتنقسم قبيلة العيسى إلى قسمين رئيسيين:

(1) الأبجال

ويشكل 75% من القبيلة، وينقسم إلى أربعة أفرع:

(أ). فرع "سعد موسى"، ويعيش عدد قليل منهم في جيبوتي.

(ب). فرع "الماسان"، ويقطن عدد قليل منهم في جيبوتي، ومعظم رجال السلطة ينتمون إلى هذا الفرع، الذي يقطن غالبيته في شمال الصومال.

(ج). فرع "الوربنة"، وهو أصغر الفروع، ويقطن أهله في غربي البلاد، في منطقة "علي صبيح".

(د). فرع "أود حجب يونس"، ولا يقطن أحد منهم في جيبوتي.

(2) الدالول

ويمثل 25% من قبيلة العيسى، وينقسم إلى أربعة أفرع، يقطن فرعان منهما في جيبوتي، هما:

(أ). فرع "الفورلايا"، وهو أقوى أفرع الدالول، ويقطنون في منطقة "جيبوتي ودخيل".

(ب). فرع "الهورنة"، ويقطن عدد قليل منهم في جيبوتي.

وتسيطر قبيلة العيسى على مقاليد الأمور في الدولة، وتوجه سياستها الخارجية، ولهم ارتباطاتهم القبلية مع شمال الصومال.

ب. قبيلة العفر

ويبلغ تعدادها حوالى 140 ألف نسمة من البدو. ويستوطنون 20 ألف كم2 من مساحته الدولة، في عدة مناطق: العاصمة "جيبوتي، وتاجورا، وأبوك، ودخيل"، ويستوطن باقي القبيلة في إريتريا "إقليم دانكاليا"، الذي يشكل 40% من مساحة الدولة، والباقي في إثيوبيا، حيث يحتل 15% من إقليم تيجراي. ومن هذه القبيلة رئيس الوزراء "برخت حمدو"، وللقبيلة أطماعها في إنشاء دولة عفرية مستقلة، باستقطاع الأجزاء التي تقطنها القبيلة، من كل من جيبوتي، وإريتريا، وإثيوبيا، وقد أملى ذلك سياسات خاصة بين دول المنطقة، لمجابهة هذا المخطط.

وتنقسم قبيلة العفر، إلى الفروع التالية:

(1) الكدروسول: يقطنون في مديرية دخيل.

(2) الدينة: يقطنون في مديرية دخيل.

(3) الأداعيل: يقطنون في مديرية أبوخ.

(4) البدوتاميل: يقطنون في مديرية أبوخ.

(5) الحصوبة: يقطنون في مديرية تاجورا.

وهناك فروع صغيرة "الأبلة، والنوكاير، والشرونو، والبلوتا، وأنطوتا"، ويقطون في منطقة أبوخ وتاجوره.

وتتصارع هذه القبيلة على السلطة مع قبيلة العيسى، وبينهما كثيرٌ من المشاكل والاشتباكات.

ج. قبيلة الجادا بورسي

يبلغ تعدادها حوالي نصف مليون نسمة، وتقطن في جيبوتي، وشمال غربي الصومال، والمرتفعات الإثيوبية الملاصقة لجيبوتي، في منطقة "هرر وديرداوا". وعدد الذين يسكنون جيبوتي منهم غير معروف بدقة، نتيجة لهجرة عدد كبير منهم من الصومال إلى جيبوتي. وتُعد هذه القبيلة أكثر تحضُراً من العيسى والعفر، ولها دور فعّال على المسرح السياسي.

د. قبيلة الإسحاق

يبلغ تعدادها مليون نسمة، وتقطن في جيبوتي، والسّاحل الشّمالي للصّومال، وفي منطقة الأُوجادين في إثيوبيا. وقد هاجر منها 90 ألف نسمة، من فرع "الهاروال"، إلى جيبوتي، بعد ازدهار حركة التجارة فيها، بعد إنشاء ميناء جيبوتي وخط سكة حديد جيبوتي، هرر. وهى أكثر القبائل الموجودة في جيبوتي تحضراً، وتلعب دوراً مهماً في الحياة التجارية.

ثانياً: الأوضاع الداخلية، وعوامل الصِّراع

نالت جيبوتي "ساحل الصومال الفرنسي" استقلالها، بعد الاتفاق مع فرنسا على منح الإقليم حق الاستقلال. عقب استفتاء في 8 يناير 1977م صوّت لصالح الاستقلال. جرت الانتخابات في مايو 1977م، وعقد المجلس أولى جلساته في 12 مايو 1977م، وأُعلن استقلال الدولة في يونيه 1977م.

وبدأ الصراع القبلي منذ بداية الاستقلال، وظهرت نتائج ذلك في نتيجة الانتخابات. فقد شُكل البرلمان من 65 عضواً: "33 عضواً من قبائل العيسى، و30عضواً من قبائل العفر، وعضوين للعرب".

وفاز "حسن جوليد إبتادون"، من قبائل العيسى، ورئيس حزب الرابطة الشعبية للاستقلال. وساندت قبائل العفر "حسن جوليد"، لتولي رئاسة الجمهورية عند إعلان استقلالها. وأوجد "حسن جوليد" نوعاً من الموازنة في الحكم، بين قبائل العيسى والعفر، من خلال إشراكهم في نظام الحكم بنسب متوازنة، وإن كان العيسى قد احتلوا المناصب الحيوية.

ألغى الرئيس جوليد الأحزاب في 1982م، واتبع نظام الحزب الواحد الحاكم، وهو "حزب التجمع الشعبي من أجل التقدم"، الذي يرأسه الرئيس، بعد تغيير اسمه السابق. وشُكلت لجنة لوضع الدستور في12 يناير 1992م، وجرى الاستفتاء عليه في 4 سبتمبر 1992م. ونص الدستور على أن يكون عدد الأحزاب أربعة أحزاب فقط. وبلغت نسبة الموافقة على الدستور 96.63%، وهذا مكّن الرئيس جوليد من إلغاء أربعة أحزاب، من الثمانية التي كانت قائمة.

أُجريت انتخابات برلمانية في 18 ديسمبر 1992م، فاز فيها حزب الاتحاد الشعبي الحاكم بالأغلبية المطلقة، بنسبة 74.5% من مقاعد البرلمان، وعددها 65 مقعداً. وعُقِدَتْ أول جلسة للجمعية الوطنية في 2 مارس 1993م، وأُعيد انتخاب الرئيس حسن جوليد، لفترة رئاسة جديدة مدتها 6 سنوات في مايو 1993م، ولم تشارك المعارضة العفرية فيها.

نجح الرئيس جوليد في تصفية مواقع المعارضة العفرية في الشّمال، ووقعت معاهدة إقرار سلام بين الحكومة، وجبهة F.R.U.D. (حركة استعادة الحرية والديموقراطية) المعارضة العفرية، في 26 ديسمبر 1994م.

وقد ظلت الأوضاع الداخلية تتعرض إلى عدم استقرار، بسبب العوامل الآتية:

1. النزاعات القبلية، خاصة مع العفر، الذين يتلقون الدعم من عفر إريتريا وإثيوبيا.

2. تصاعد الأزمة الاقتصادية.

3. تنامي التيارات الدينية الأصولية.

4. زيادة أعداد اللاجئين من دول الجوار "الصومال، إرتريا، إثيوبيا،"، مما يُلقي الكثير من الأعباء الأمنية والاقتصادية، على النظام الحاكم.

وفي ضوء هذه الأوضاع، ظلت المعارضة العفرية تُطالب بالآتي:

1. إلغاء الدستور الجديد، الذي اعتمدته الحكومة من جانب واحد.

2. حل المجلس التشريعي (البرلمان).

3. إلغاء القوانين، التي وضعت لإِنشاء الأحزاب، والتشريعات الخاصة بها.

أعاد الرئيس حسن جوليد، تشكيل الوزارة في 8 يونيه 1995م، بعد توقيع اتفاق المصالحة مع جبهة "F.R.U.D."، وكان تشكيلها قد تأخر للأسباب الآتية:

1. صعوبة إيجاد التمويل اللازم، لتنفيذ البند الخاص بدمج قوات الجماعة المنشقة العسكرية، في إطار القوات المسلحة الجيبوتية. ويرجع ذلك إلى نقص السِّيولة، المطلوبة لدفع رواتب هذا العدد الإضافي من الجنود، إذ يطالب الجناح المنشق بضم 1400 فرد إلى القوات المسلحة، بينما ترى الحكومة الاكتفاء بضم 500 فرد فقط.

2. استمرار الصِّراع والخلاف بين قيادات الجناح المنشق، أثّرت بالسّلب على تطبيق بنود الاتفاقية، بسبب الصراع بين "جان ماري"، رئيس الجبهة، و"أجروي كفلي"، الأمين العام لها، حول الدور القيادي لكل منهما.

3. تزايد حدة الصراع داخل الحزب الحاكم نفسه، نتيجة لتخوف بعض قياداته من التأثيرات السّلبية المحتملة، لتطبيق بنود الاتفاق مع جبهة "F.R.U.D"، على وضعهم ودورهم القيادي. في الوقت، الذي تزايدت فيه حدة الصراعات داخل الحزب، بين عدد من قيادي الحزب، مثل "إسماعيل عمر جيله" مدير مكتب رئيس الجمهورية، آنذاك، و"مؤمن بهادون فارح"، وزير العدل والشؤون الإسلامية، في الفترة من 1993م إلى 1996م، والذي أقاله الرئيس جوليد، في 27 مارس 1996م، وكان يتنافس مع "إسماعيل جيله"، على منصب رئيس الجمهورية، عند تنحي الرئيس حسن جوليد.

1. الأحزاب والقوى السياسية

أ. الأحزاب الشرعية

(1) حزب التجمع الشعبي من أجل التقدم: أُنشئ هذا الحزب في 4 مارس 1979م، برئاسة الرئيس حسن جوليد. ويتكون المكتب السياسي للحزب من 15 عضواً، يجري تعيينهم من قبائل العيسى. والحزب ذو انتماءات وطنية، وإن كان يميل إلى الصومال. ويَنتخب المؤتمر العام للحزب، ويُعقد كل 3 سنوات، اللجنة المركزية للحزب. ويتميز الحزب بالتنظيم الجيد، ويُعد أكثر الأحزاب، تأييداً شعبياً.

(2) الحزب الوطني الديموقراطي "P.R.D.": بقيادة محمد جامع عيلاني، وهو من أحزاب المعارضة الشّرعية.

(3) حزب التجديد الديموقراطي "P.N.D." بقيادة "وادن روبللي عوالي"، وهو من أحزاب المعارضة الشّرعية.

وهناك حركة استعادة (تدعيم) الحرية والديموقراطية "F.R.U.D"، وهي معارضة غير شرعية، تسعى لإقامة الحزب الشّرعي الرابع، من الأحزاب الأربعة، التي سمح دستور الدولة بإنشائها.

ب. عناصر المعارضة المسلحة

شكلت المعارضة ستة أحزاب، اتسمت بالضعف والتأثير المحدود. هي:

(1) جبهة إقرار الوحدة الديموقراطية: ويُشكلها العفر، وعين "أحمد ديني" رئيساً لها.

(2) الجبهة الديموقراطية الجيبوتية: تتشكل من قبيلة الدوالول، وهي فرع من العيسى، وعيّن "عمر علي خيري" رئيساً لها.

(3) حزب الحركة الوطنية الجيبوتي: ويتكون الحزب من القبائل الصومالية، ويرأسه "محمد حسين حسن".

(4) حزب التحرك من أجل البناء والسلام: شكلته طائفة العرب، ويرأسه "جلال عبد الرحمن".

(5) حزب الاتحاد الديموقراطي الجيبوتي: شكلته قبائل "جاد أبورسي" الصومالية الأصل، ويرأسه "مهدي إبراهيم".

(6) حزب الاتحاد الاجتماعي الديموقراطي: شكلته قبائل الفورلايا، وهى من فرع الدالول من قبيلة العيسى، وعُيّن عبد الله حلمي رئيساً له.

ونتيجة لضعف المعارضة وتفككها، اتحدت الأحزاب وكوّنت "الجبهة المتحدة المعارضة"، بهدف الصراع المسلح، لقلب نظام الحكم، والذي تعدُه نظاماً ديكتاتورياً. كما ترى في جبهة إقرار الوحدة الديموقراطية، القوى الضاربة، في الجبهة المتحدة المعارضة. وقد نجحت تلك الجبهة في توجيه ضربات مؤثرة ضد القوات الحكومية، وتمكنت من السيطرة على ثلثي أراضي الدولة، خلال عاميّ 1991م و1992م.

ثالثاً: أثر الصراعات الداخلية، على استقرار الدولة

1. الخلافات مع جبهة F.R.U.D.

أدت سيطرة حزب "التجمع الشعبي من أجل التقدم"، بزعامة رئيس الدولة، على مقاليد الأمور، وشعور قبائل العفر، صاحبة النفوذ قبل الاستقلال، بأن هناك تحيزاً ضدها، وأن دورها السياسي لا يتلاءم مع تعدادها، إلى حدوث مواجهات مسلحة بين جبهة "F.R.U.D." والحكومة. ومن أهم هذه المواجهات هجوم المعارضة على شمالي البلاد، ذي الأغلبية العفرية، في أكتوبر 1991م، حيث استولت الجبهة على جزء كبير من الأراضي.

ونتيجة لأعمال القتال، تأثر الموقف الاقتصادي، المتدني أصلا، وزادت المشاكل الداخلية، خاصة الجانب الأمني منها. ويظهر ذلك من الأحداث الآتية:

أ. استياء بعض العسكريين، بسبب عجز النظام عن زيادة رواتب الجنود، وإضراب قوات الأمن في 31 يناير 1993م.

ب. زيادة الخلاف والصِّراع داخل الحزب الحاكم، حول من يُعتمد تأييده لخلافة الرئيس جوليد، في رئاسة الحزب والدولة.

ج. اتخاذ الحكومة عدداً من الإجراءات لعلاج الموقف الاقتصادي، مثل زيادة الضرائب، وتخفيض المرتبات، ومحاولة الحصول على مساعدات خارجية، خاصة من فرنسا.

استثمرت الحكومة الخلافات الدائرة داخل جبهة "F.R.U.D"، خاصة تلك التي بين القادة السياسيين والعسكريين. وكذلك، ضعف الجبهة مادياً وعسكرياً. واستقطبت مجموعة من الجبهة للانشقاق عن أحمد ديني، ووقع اتفاق مع الجماعة المنشقة، بقيادة "أجرو كفلي" في 26 ديسمبر 1994م. وتضمن الاتفاق النقاط الرئيسية الآتية:

أ. إقامة السّلام العادل والدائم، بين جميع المواطنين في جيبوتي.

ب. احترام الجماعة المنشقة عن الجبهة، للدستور والتشريعات واللوائح المختلفة.

ج. تتعهد الحكومة بأن تكفل لمقاتلي الجماعة المنشقة، العمل والانخراط في المجالات: السياسية، والعسكرية، والإدارية، والاقتصادية والاجتماعية، مع السماح باستيعاب بعض عناصرهم المقاتلة، في القوات النظامية.

د. العفو عن مقاتلي الجبهة الموجودين في المنفى، من دون استثناء، وإعادة كل حقوقهم المدنية، وتتعهد الدولة بضمان سلامتهم.

هـ. تحويل جناح جبهة "F.R.U.D"، إلى حزب سياسي قانوني في البلاد، خلال المرحلة المقبلة، ليصبح الحزب الرابع، في مقابل التخلي عن الصراع المسلح ضد الحكومة.

وعلى الرغم من توقيع الاتفاق، فإنه جُوبه بعدد من المشاكل والصعوبات، مثل:

أ. معارضة "أحمد دينى"، رئيس الجبهة، للاتفاق قبل توقيعه، ثم رفضه للنتائج، التي جرى التوصل إليها، وإصراره على استمرار الكفاح المسلح ضد الحكومة.

ب. رفض قيادات المعارضة العفرية، في شمال جيبوتي، الاعتراف بالاتفاق، انطلاقاً من عدم اشتراك الجناح الرئيسي للجبهة، في تلك المحادثات.

2. أسباب الاضطرابات الداخلية وانعكاساتها

شهدت جيبوتي اعتباراً من منتصف عام 1994م، اضطرابات داخلية، يمكن سردها في النقاط الآتية:

أ. إلقاء مجموعة من أفراد المعارضة المسلحة، قنبلة في الإستاد، أثناء مباراة لكرة القدم، وذلك في منتصف أبريل 1994.

ب. إسقاط قوات جبهة إعادة الوحدة الديموقراطية، طائرة عمودية حكومية، في 18 مارس 1995م، مما أدى إلى دفع الحكومة بقوات مسلحة إلى المناطق الشّمالية، للسيطرة على نشاطات المعارضة فيها.

ج. إلقاء مجموعة من عناصر المعارضة الجيبوتية، قنبلة على مطعم في الحي السّابع، وهو حي شعبي في العاصمة جيبوتي، في أغسطس 1995م، أسفر عن إصابة أربعة أشخاص.

د. في أغسطس 1995م وقعت اشتباكات على حدود جيبوتي والصومال، بين قوات حرس الحدود الجيبوتية، ضد عناصر مسلحة من قبائل العيسى، في منطقة "باديسلي" على مسافة 5 كم داخل الأراضي الصومالية، مما أدى إلى تحرك القوات المسلحة في جيبوتي إلى المنطقة، للسيطرة عليها، وتأمين الطرق لمنع أي تسلل من الصومال، إلى داخل جيبوتي.

هـ. شهد شهر أغسطس 1995م مواجهات مسلحة، بين قوات الحكومة وبين جبهة "F.R.U.D"، في مناطق "رندة، وخور أنجر، وعاعيلا، وأنوولى" في شمال جيبوتي، نتج عنها تدمير ثلاث عربات، وإسقاط طائرة عمودية، مما أدى إلى حملة تفتيش شنتها الحكومة، واعتقال عدد من المعارضين.

3. الأَسباب التي أَدت إلى الاضطرابات

ترجع أعمال العنف، التي شهدتها جيبوتي، والصراع المسلح بين الحكومة والمعارضة، إلى مطالبة المعارضة بالآتي:

أ. حل جميع الميليشيات القبلية المسلّحة، التي شكّلتها الحكومة.

ب. مراجعة الدستور والقوانين، التي قد تساعد على الدكتاتورية.

ج. الموافقة على إنشاء أحزاب جديدة، وعدم قصرها على أربعة أحزاب فقط.

د. إقرار اللامركزية، وعدم السّيطرة الدكتاتورية.

هـ. مراجعة القوائم الانتخابية والمدنية وتعديلها.

و. تشكيل حكومة انتقالية شرعية، تمارس كل الصّلاحيات.

4. الانعكاسات

أدت الاضطرابات إلى الآتي:

أ. انعكست الاضطرابات والصراعات الداخلية، بين الحكومة والمعارضة، على الأَوضاع الاجتماعية، والاقتصادية للبلاد.

ب. أدت الصراعات إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، وبلغ عجز الموازنة العامة للدولة حوالي 120 مليون دولار، مما دفع الحكومة، إلى رفع، الأسعار وترشيد الإنفاق.

5. الصِّراع على تولي الرئاسة

أُصيب الرئيس حسن جوليد بأزمة صحية، في ديسمبر 1995م. وظهر بوضوح عدم قدرته على تولي الحكم، لبلوغه سن الثمانين. وبدأت مرحلة من الصراع على السلطة لخلافة الرئيس، بين كل من:

أ. إسماعيل عمر جيله: مدير مكتب الرئيس وابن شقيقه، والمسؤول عن جهاز الأمن في الدولة.

ب. مؤمن بها دون فارح: وزير العدل والشؤون الإسلامية.

ج. إسماعيل جدي مريد: رئيس ديوان رئيس الجمهورية.

د. محمد جامع عيلابى: رئيس حزب التقدم الديموقراطي.

وانتهى الصراع في عام 1996م بتولي "إسماعيل عمر جيله" رئاسة الدولة.

رابعاً: علاقات جيبوتي مع دول الجوار، وأثرها على الحرب الأهلية

1. العلاقات مع إثيوبيا

سعت إثيوبيا، قبل استقلال جيبوتي، إلى ضم الإقليم إليها (وكان يطلق عليه "الصومال الفرنسي") أو بقائه تحت السيطرة الفرنسية، حتى لا يُشكل تهديداً لأمن إثيوبيا. وركزت إثيوبيا جهودها لتنفيذ ذلك، في الاستفتاء، الذي أُجري في 8 يناير 1977م، تحت إشراف جامعة الدول العربية، وفيه صُوّت لصالح الاستقلال.

وعقب استقلال الإقليم، اشتد التنافس العرقي داخله، حيث سيطرت قبائل العيسى على مقاليد الأمور، حين عُيّن رئيس الدولة من العيسى، ورئيس الوزراء من العفر. وتوترت الأمور بينهما، مما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء. ثم أُقيل ثاني رئيس للوزراء، مما أحدث قلاقل واضطرابات، شنّتها قبيلة العفر بدعم من إثيوبيا، أدت إلى توتر الموقف بين الدولتين.

تعاطفت جيبوتي مع الصومال في حربها ضد إثيوبيا عام 1977م . وعندما تحولت الحرب إلى صالح إثيوبيا، فتحت جيبوتي الباب أمام آلاف المهاجرين من العيسى، من إقليم الأوجادين، للاستقرار داخل جيبوتي، ومنحتهم الجنسية. وأدى ذلك إلى زيادة تعداد العيسى، مما أقلق العفر وإثيوبيا، اللتين خشيتا التقارب الصّومالي/الجيبوتي.

اتبعت جيبوتي سياسة متوازنة مع دول المنطقة، فحافظت على علاقاتها مع إثيوبيا، لضمان استمرار استخدام إثيوبيا خط سكة حديد جيبوتي/هرر، وميناء جيبوتي، للحفاظ على ما تحققه جيبوتي من عائد نتيجة لذلك الاستخدام، حيث تستلم إثيوبيا 75% من وارداتها، من طريق ميناء جيبوتي.

رأت إثيوبيا في نشاط العفر في المنطقة، وتنسيق ذلك النشاط بين العفر، في كل من إريتريا، وإثيوبيا، وجيبوتي، تهديداً لأمنها القومي. لذا، ساهمت إثيوبيا في دعم جيبوتي، عند قيام العفر بعمليات في الشمال، خلال شهري يناير، وفبراير 1995م، خاصة أن قوات مرتزقة، من قوات "منجستو هيلا ماريام"، الرئيس الإثيوبي السّابق، دعمت قوات العفر.

2. العلاقات مع الصومال

ترى الصّومال أن جيبوتي، على الرغم من استقلالها، هي أحد الأقاليم الصومالية الخمسة، وتسعى إلى ضمها، لتكوين الصومال الكبير. وظلت هذه السياسة سائدة في فترة حكم الرئيس سياد برى، وإن كانت قد توقفت بعد ذلك، نتيجة للوضع الذي آل إليه الصومال.

وتحاول جيبوتي إقامة علاقات متوازنة مع الصومال، وباقي دول القرن، حفاظاً على أمنها، وبسبب انتماء العيسى في جيبوتي إلى قبائل العيسى الصومالية. كذلك، كانت جيبوتي وفرنسا تخشيان من الوجود السّوفيتي في الصومال، في فترة السّبعينيات.

وفي أواخر عام 1979م استقبلت جيبوتي وفداً صومالياً على مستوى عال، برئاسة "العميد أحمد سليمان" رئيس هيئة الأمن القومي الصومالي. وفي تلك الزيارة، جرى الاتفاق على الآتي:

أ. تشغيل خط طيران هيرجيسا في الشمال، إلى جيبوتي.

ب. فتح الطريق الساحلي بين الدولتين.

ج. تعهد الصومال بعدم إثارة أي اضطرابات داخلية في جيبوتي، ومنع تسرب أي أسلحة أو معدات إلى داخل الإقليم، عبر أراضيها.

وفي ضوء سياسة جيبوتي السِّلمية، بذل الرئيس حسن جوليد، محاولات للوساطة بين الصومال وإثيوبيا عام 1981م . فزار الصومال في شهر أبريل، بهدف محاولة بدء حوار بينهما، من أجل تهدئة التوتر، وإيجاد حل أفريقي للمشكلة. ولكن رد الرئيس الصومالي، جاء سلبياً، حين طلب من الرئيس جوليد أن ينظر إلى المشكلة، بما يتفق وقوميته الصومالية.

لم تُظهر جيبوتي اعتراضاً على انفصال شمال الصومال، "جمهورية أرض الصومال" الحالية، بهدف تأمين حدودها الجنوبية، مع الصومال.

3. العلاقات مع إريتريا

عقب استقلال إريتريا عام 1993م، بدأت مرحلة من العلاقات القوية مع جيبوتي، انطلاقاً من المصالح المشتركة بين الدولتين. ويتمثل ذلك في القضاء على أي محاولة للعفر، تسعى إلى الانفصال من الدولتين، وتكوين دولة عفرية، تشمل النصف الشمالي من جيبوتي، وإقليم دانكاليا في إريتريا، والجزء الملاصق من الأراضي الإثيوبية للحدود الإريترية، جنوب ميناء عصب. فشُكِّلت لجنة مشتركة لتبادل المعلومات، وتنسيق العمل ضد العفر. وأُقيمت علاقات للتبادل التجاري بين الدولتين، وجرى تشغيل خط للطيران يربط جيبوتي بإريتريا، وأديس أبابا.

وعندما نالت إريتريا استقلالها، واستخدمت إثيوبيا ميناء عصب الإريتري، تقلصت حركة الصادرات والواردات الإثيوبية من ميناء جيبوتي، مما أثر على الدخل القومي لها.

وعندما نشبت الحرب الإريترية، الإثيوبية، اتهمت إريتريا جيبوتي بتحيزها لإثيوبيا، وسماحها لها باستيراد أسلحة عبر ميناء جيبوتي، فقطعت جيبوتي علاقاتها الدبلوماسية مع إريتريا.

خامساً: العلاقات الإقليمية

1. المملكة العربية السعودية

تهتم المملكة العربية السعودية بعلاقاتها مع جيبوتي، لارتباطها بأمنها القومي في البحر الأحمر، ولموقع جيبوتي الإستراتيجي عليه، ولتأمين الممر الرئيس لبترول المملكة العربية السعودية، المتجه إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

وتأتي المملكة العربية السعودية ثاني دولة بعد فرنسا، في تقديم الدعم والمساعدات إلى جيبوتي في مختلف المجالات: الزراعة، والإسكان والتعمير، والمهام العسكرية. كما قدمت المملكة العربية السعودية قرضاً، لبناء 300 وحدة سكنية، في جيبوتي.

2. جمهورية مصر العربية

تهتم مصر بعلاقاتها مع جيبوتي، انطلاقاً من اهتمام مصر بالاتجاه الإستراتيجي للبحر الأحمر، والاتجاه الإستراتيجي الجنوبي الشرقي" منطقة القرن الأفريقي"، وكلاهما من الاتجاهات الإستراتيجية المهمة، للأمن القومي المصري.

كما لعبت مصر دوراً أساسياً في تنفيذ الاستفتاء الشعبي على الاستقلال في جيبوتي، والذي جرى في 8 يناير، عام 1977م .

وقد قطعت جيبوتي علاقاتها بمصر، تمشياً مع القرار العربي بقطع العلاقات مع القاهرة بعد توقيع اتفاقية السّلام المصرية ـ الإسرائيلية. ولكنها أعادتها في الثاني والعشرين من أكتوبر، 1986م، قبل اتخاذ القرار في جامعة الدول العربية، بإعادة العلاقات مع مصر. وأدى ذلك إلى زيادة فرص التعاون في مختلف المجالات، بين الدولتين.

وتقدم مصر معونات ومساعدات لجيبوتي، في مجالات التعليم، والخبراء، والمستشارين في شتى المجالات، إضافة إلى المجال العسكري، وتخصيص منح تعليمية لأبناء جيبوتي، في الجامعات والمعاهد المصرية.

أيدت جيبوتي مصر في إعادة مقر جامعة الدول العربية إلى القاهرة، وحضرت جميع الاجتماعات، التي عقدت بخصوص هذا الموضوع، على المستوى الوزاري، أو المندوبين الدائمين في الجامعة. وأيدت عودة المقر إلى القاهرة، على الرغم من تعرضها لضغوط، من بعض الدول العربية، لتغيير موقفها.

وتبادلت الدولتان عدداً من الزيارات الرسمية. فزار الرئيس حسن جوليد القاهرة في يونيه 1991م، واستعرض مع الرئيس محمد حسني مبارك العلاقات الثنائية بين الدولتين، والقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك.

ثم زار رئيس وزراء جيبوتي القاهرة في يناير 1992م، لدراسة سبل تهيئة التبادل التجاري مع مصر، وفتح مجال للاستثمارات المصرية في جيبوتي، وإمكانية الاستفادة من ميناء جيبوتي، ليكون خطاً رئيسياً للملاحة، ومنطقة حرة.

3. اليمن

العلاقات بين اليمن وجيبوتي علاقات جيدة، ومرجع ذلك إلى أهمية موقع الدولتين على البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، لأن لكليهما السّيطرة الجغرافية على المضيق.

وقّعت الدولتان العديد من اتفاقيات التعاون المشترك، وأهمها اتفاق أغسطس 1995م، الخاص بتبادل المعلومات الأمنية والعسكرية بين الدولتين، فيما يتعلق بأمن البحر الأحمر.

وقد لجأ عدد من اليمنيين الجنوبيين إلى جيبوتي، بعد الحرب بين شمال اليمن وجنوبه، والتي انتهت في 7 يوليه 1994م. إضافة إلى هروب 8 طيارين بطائرات "مي 8"، أعادت جيبوتي سبعة منهم إلى اليمن. وقد أدى ذلك إلى توتر العلاقات بين الدولتين.

وقد تحسنت العلاقات بين الدولتين، بعد مغادرة اليمنيين الجنوبيين أراضي جيبوتي، بعد أن أصدرت الحكومة اليمنية عفواً عاماً عنهم.

وتوجد مشكلتان، لم يتم حلهما بعد، بين الدولتين، وهما: تحديد المياه الإقليمية، والسيطرة على عمليات التهريب للأسلحة والمخدرات، إلى كلتا الدولتين.

4. إسرائيل

عقب استقلال جيبوتي في 27 يونيه 1977م، عملت على تصفية الوجود الإسرائيلي داخل البلاد. وكان حجم الاستثمارات الإسرائيلية في جيبوتي، يبلغ حوالي 23 مليون دولار.

وعقب إعادة العلاقات بين جيبوتي ومصر، حاولت إسرائيل تبادل التمثيل الدّبلوماسي مع جيبوتي، ووعدتها بمساعدات اقتصادية. ولكن جيبوتي رفضت ذلك.

ويوجد نشاط إسرائيلي في جيبوتي، تحت ستار، شركات المقاولات الإسرائيليةSEGEFOM، التي غادرت جيبوتي عند إعلان استقلالها، ولكنها عادت في شركةSECETE الفرنسية للإنشاءات والمقاولات، التي يملكها يهودي فرنسي، يعمل معه مجموعة من المهندسين والفنيين الفرنسيين اليهود. كما تضم الشركة أيضاً، عدداً من المستشارين والخبراء الفرنسيين اليهود.

سادساً: العلاقات الدولية

1. فرنسا

اهتمت فرنسا بجيبوتي منذ عام 1860م، بسبب الحيوية الإستراتيجية لموقعها، وإشرافها على باب المندب. وفي إطار هذا الاهتمام، وقّعت فرنسا معاهدة مع شيوخ قبائل العفر في عام 1862م، وسيطرت على ميناء "أبوك"، على الطرف الشمالي لخليج "تاجورا، لأهمية الميناء للتجارة البحرية. وكان ذلك الإجراء يحقق لها التوازن، مع الوجود البريطاني في عدن. وسُمّى الإقليم "السّاحل الصّومالي الفرنسي"، وصدر بذلك مرسوم في 20 مايو 1896.

تزايد الوجود الفرنسي في الإقليم، في أعقاب نشاط الحركة التجارية ورواجها في المنطقة. فأنشأت فرنسا مدينة جديدة في الطرف الجنوبي من خليج تاجورا، أُطلق عليها اسم "جيبوتي"، وسمّى الإقليم باسمها.

وفي عام 1957م، أصدرت الحكومة الفرنسية دستوراً جديداً، تطبيقاً للقانون الإداري، الذي صدر في فرنسا 1956م، ينص على تقسيم الإقليم إلى أربع دوائر. وُشكّلت جمعية عمومية للإقليم، ومجلس وزاري برئاسة الحاكم الفرنسي. ويتولى زعيم الأغلبية في الجمعية الإقليمية، منصب نائب رئيس الوزراء. وشُكّل مجلس الوزراء من أربعة من الصوماليين، اثنين من العفر، وواحد من العرب، وواحد من الجالية الأوروبية. وهذا يوضح سيطرة الصوماليين، منذ نشأة الإقليم.

وأجريت الانتخابات عام 1957م، وفاز فيها حزب الاتحاد الجمهوري، برئاسة "محمود حربي"، الذي تولى منصب نائب رئيس الوزراء، وانتُخب، كذلك، نائباً عن الإقليم في البرلمان الفرنسي.

أجرت السلطات الفرنسية استفتاءً، عام 1958م، حول استمرار تبعية الإقليم لفرنسا، أسفر عن تأييد 75% من السكان لاستمرار هذه التبعية. ولكن العناصر الوطنية اتهمت فرنسا بتزوير الاستفتاء، وقامت حركة مقاومة مسلحة ضد فرنسا في الإقليم، واعتقل "محمود حربي"، نائب رئيس الوزراء في عام 1959م .

أجرت فرنسا استفتاء آخر في مارس 1967م، تمكنت به من الحصول على موافقة أغلبية السكان على استمرار التبعية لفرنسا. لذا، شهد الإقليم حالة من العنف في عام 1968م، ففرضت فرنسا الأحكام العرفية عليه.

قدمت فرنسا مشروعاً إلى البرلمان الفرنسي، لمنح الإقليم حكماً ذاتيا، وأجرت انتخابات تشريعية في الإقليم، الذي تغيّر اسمه من "الساحل الصومالي الفرنسي"، إلى إقليم "العفر والعيسى، بالقانون الرقم 67 ـ 521، بتاريخ 3 يوليه 1967م. ومنح الإقليم حكماً ذاتياً، ولكن فرنسا احتفظت لنفسها بالدفاع، والأمن الداخلي، والمالية، والسياسة الخارجية، وعُيّن "على عارف" رئيساً لمجلس الوزراء.

أعلن الرئيس الفرنسي في عام 1975م، عن رغبة بلاده في منح الاستقلال للإقليم، وأُقيل رئيس مجلس الوزراء، وعُيّن "عبد الله كامل"، رئيساً لحكومة الوحدة الوطنية.

وعُقد في باريس مؤتمر للجانبين، الجيبوتي والفرنسي، في الفترة من 28 فبراير، إلى 17 مارس 1977م، أسفر عن النتائج الآتية:

أ. الاتفاق على جدول زمني للاستقلال.

ب. الاتفاق على إجراء استفتاء لتقرير المصير، وإجراء الانتخابات البرلمانية.

ج. التضامن مع فرنسا في كل المجالات، بما فيها المجال العسكري.

د. تشكيل ثلاث لجان لصياغة شكل التعاون وأُسلوبه، بين الدولتين.

وجرى الاستفتاء في 8 مايو 1977م، وجاءت نتيجته في صالح الاستقلال بنسبة 98%. وأجريت الانتخابات البرلمانية، وشُكِّل البرلمان، من 65 عضواً، وأُعلن استقلال الإقليم في 27 يونيه 1977م.

وعقب الاستقلال لم تتدخل فرنسا في جيبوتي، إلا مرة واحدة، عام 1991م، نتيجة للأحداث، التي مرَّت بها البلاد، لوضع دستور جديد للدولة. ووضع الدستور في سبتمبر 1992م، وسمح بالتعددية الحزبية (أربعة أحزاب).

وتدعم فرنسا الاقتصاد الجيبوتي، وتؤمن الدولة ضد التهديدات الخارجية والداخلية. وتمثل المساعدات الفرنسية جزءاً أساسياً في موازنة الدولة. ووقعت فرنسا مع جيبوتي عدة اتفاقيات اقتصادية وأمنية، مثل:

أ. اتفاق دفاع مشترك بين الدولتين عام 1977م، يوجد بموجبه 5000 جندي فرنسي في جيبوتي.

ب. مساعدات اقتصادية تعادل 60%، من حجم المساعدات الإجمالية.

ج. توقيع معاهدة في نوفمبر 1992م، تنص على مساهمة فرنسا في الموازنة العامة لجيبوتي، بمبلغ 25 مليون فرنك فرنسى، وتستمر لمدة 10 سنوات.

د. اتفاق للإشراف على تدريب القوات المسلحة الجيبوتية.

وفي ديسمبر 1990م قُدِّم تقرير إلى فرنسا، من وزيرها "آلان فيفيان"، أشار إلى وجود ظلم واضطهاد تمارسهما حكومة جيبوتي، في حق القوميات الأخرى. وأوضح ضرورة إعادة التوازن والتوزيع العادل للسلطة بين القوميات، مع منحها ضمانات دستورية. ودعا إلى تطويق الأزمة في جيبوتي، قبل أن تمتد نيرانها إلى الدول المجاورة ويشتعل الحريق، في القرن الأفريقي.

وفي يناير 1991م أعلنت جيبوتي، أنها ستعيد النّظر في وجود القوات الفرنسية، مما أدى إلى تراجع فرنسا، وسُحب ملف الوساطة من "آلان فيفيان"، وسُلِّم إلى "بوديجو"، مدير الشؤون الأفريقية بالخارجية الفرنسية، الذي اتخذ موقفاً مناقضاً لموقف "آلان فيفيان"، ولكن الوساطة الفرنسية لم يكتب لها النجاح.

2. الولايات المتحدة الأمريكية

تبني جيبوتي علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية على أسلوب متوازن، لا يؤثر على علاقاتها مع فرنسا، على الرغم من حرص الولايات المتحدة الأمريكية على وجودها في جيبوتي، لمراقبة الصراع الذي يدور في منطقة القرن الأفريقي، ولتزايد الأهمية الإستراتيجية لجيبوتي، نتيجة لحرب الخليج الثانية. وكذلك، للحفاظ على مصالحها الأمنية والاقتصادية في المنطقة، في إطار الصراع الدائر الآن بينها وبين فرنسا، داخل القارة الأفريقية.

وقّعت الولايات المتحدة الأمريكية عدداً من الاتفاقيات مع جيبوتي، لتقديم المساعدات والمنح في شتى المجالات، بما فيها المجال العسكري. كما اتفقت على منح جيبوتي منحة مالية قدرها مليونا دولار سنوياً، للمساهمة في حل الأزمة الاقتصادية.

ومع تطور العلاقات بين الدولتين، زادت الولايات المتحدة الأمريكية حجم بعثتها العسكرية في جيبوتي، وكذلك عدد المبعوثين الجيبوتيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية. كما أمدت الولايات المتحدة الأمريكية جيبوتي ببعض المعدات العسكرية.

3. روسيا الاتحادية

ترتبط جيبوتي مع روسيا بعلاقات جيدة، وقد وقعت معها صفقة أسلحة مدفوعة الثمن في عام 1992م، اشترت جيبوتي بموجبها مجموعة من الأسلحة والذخائر.

كما جرى توقيع اتفاق تعاون ثقافي وعلمي بين الدولتين؛ لتعزيز العلاقات بينهما في عام 1993م . وقد زار نائب وزير خارجية روسيا الاتحادية جيبوتي، في أكتوبر 1995م، بهدف تشجيع التبادل التجاري بين الدولتين، وزيادة حجم الاستثمارات الروسية في جيبوتي، والاستفادة من المنطقة الحرة فيها. واتفق على تقديم قطع غيار للمعدات الروسية، التي تستخدمها القوات المسلحة في جيبوتي.

4. الصين

وقّعت الصين مع جيبوتي اتفاقاً في ديسمبر 1991م، لإرسال 17طناً من الأسلحة الخفيفة إلى جيبوتي، وتم تنفيذ هذا الاتفاق في يناير 1992م.

كما وقِّع اتفاق تعاون اقتصادي في سبتمبر 1994م، تُقدم الصين بمقتضاه بعض المساعدات إلى جيبوتي، والمتمثلة في: الأرز، والمعدات، والملابس الرياضية، والأدوات المدرسية.