إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في القرن الإفريقي





القرن الأفريقي

مناطق النزاع الإثيوبي ـ الإريتري
الهجوم الإثيوبي على الصومال
التوزيع الديموجرافي
الحدود السياسية لإثيوبيا
الحدود السياسية لإريتريا
الخريطة الإدارية لإريتريا
جمهورية الصومال الديموقراطية



المبحث الثاني عشر

ب. الأسباب الإقليمية

(1) العقبات الإقليمية

مثلت العقبات الإقليمية إحدى المشكلات الرئيسية، التي عرقلت مساعي تسوية الأزمة الصومالية. ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو التالي:

(أ) تأتي في مقدمة تلك العقبات إثيوبيا، التي دأبت على اختراق الحدود الصومالية، في الفترة الأخيرة، وخاصة بعد التوصل إلى اتفاق سلام مع إريتريا، في يوليه 2001، بدعوى مطاردة القوات المعارضة للحكم في أديس أبابا. والمقصود بتلك القوات هي القوى الإسلامية الصومالية، وفي طليعتها الاتحاد الإسلامي الصومالي؛ وحركة الإصلاح، التي تعمل على دعم جماعة الاتحاد الإسلامي الأوجاديني، الساعية إلى استقلال إقليم الأوجادين (يقطن به 5 ملايين مسلم. اقتطعته بريطانيا من الصومال. وأعطته لإثيوبيا، عام 1954). بيد أن ما يحمل إثيوبيا على ذلك هو أنها دولة حبيسة، تسعى إلى إيجاد منافذ لها إلى ساحل البحر الأحمر، وخاصة في ظل حالة العداء مع إريتريا، وإغلاق ميناءَي زيلغ وبربرة في وجهها؛  إضافة إلى صغر ميناء جيبوتي البديل، وارتفاع نفقات النقل. ومن ثَم، تحاول إثيوبيا الضغط على أيّ حكومة صومالية، من أجل ضمان منفذ لها إلى البحر؛ وإن كان السبب الأقوى، ومن وجهة نظر أديس أبابا، هو رغبتها في إبقاء حالة عدم الاستقرار في الصومال؛ لصرف الحكومة الجديدة عن ملف الأوجادين.

(ب) أمّا كينيا، فإن الآثار الاقتصادية للحرب، قد انعكست عليها سلباً؛ فالسلع الصومالية، تُهرَّب عبْر الحدود، وتُباع بسعر هو أقلّ من سعر السلع الكينية؛ بسبب فرق الجمارك. وهو ما دفع الرئيس الكيني، "أراب موي"، إلى إغلاق الحدود: البرية والجوية، مع الصومال، أكثر من ثلاث مرات، خلال السنوات العشر الماضية.

(2) الجهود الإقليمية في التسوية

(أ) اجتماع أوسا (إثيوبيا)، مارس 2001

في أوائل مارس 2001، اجتمع قادة الفصائل الصومالية، المعارضة لعملية عرتا للسلام، في أوسا، بإثيوبيا. وأصدروا بياناً، في 20 من الشهر عينه، في شأن تكوين مجلس صومالي للمصالحة والتجديد؛ بهدف دفع الصومال نحو عقد مؤتمر شامل للمصالحة ؛ تمهيداً لتأليف حكومة انتقالية. كما اجتمع الأعضاء مع الأمين العام لمنظمة الوحدة الأفريقية، الذي أكد التزام المنظمة المستمر تجاه الصومال.

(ب) منتدى شركاء الإيجاد، مارس 2001

عقد منتدى شركاء الإيجاد اجتماعاً، في 21 مارس 2001، في المستوى الوزاري، في روما، بإيطاليا؛ لبحث الوضع في الصومال. وأكد في إعلانه الختامي دعمه للصومال، في مساعيه إلى إحلال السلام، وتحقيق الاستقرار. وأكد الشركاء استعدادهم لمساعدة الحكومة الانتقالية الوطنية، والمناطق التي أمكن إحلال السلام والاستقرار بها.

(ج) الدور الكيني، عام 2001

في مايو 2001، استضاف الرئيس الكيني، أراب موي، رئيس الحكومة الصومالية الانتقالية الوطنية. وناقش معه التطورات السياسية في منطقة القرن الأفريقي، وعملية المصالحة الصومالية. كما اجتمع مع قادة الفصائل الصومالية، الأعضاء في المجلس الصومالي للمصالحة؛ بهدف التخطيط لتحقيق المصالحة والسلام. وقد تواصلت هذه الجهود الكينية، تحت رعاية "الإيجاد"، في قمة الخرطوم، في يناير 2002.

(د) الدور الكيني، في الفترة من 2002 إلى 2003

بدأ، في منتصف أكتوبر 2002، مؤتمر الدوريت، بنيروبي، برعاية المنظمات: الإقليمية والدولية. وبدأت الجولة الأولى، بحضور رؤساء كينيا والسودان وأوغندا؛ والأمين العام للاتحاد الأفريقي؛ ومبعوث كلّ من الأمين العام للأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية؛ وممثلين عن الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وشاركت فيه الأطراف الصومالية، والحكومة الانتقالية، وقادة الفصائل المعارضة. وبلغ عدد المشاركين 300 عضو. ورفضت جمهورية أرض الصومال المشاركة.

وركزت الجولة الأولى في وضع أُسُس للمفاوضات. وامتدت حتى 16 نوفمبر 2002.

بدأت المرحلة الثانية في نوفمبر 2002. وقُسِّمت أعمالها بين خمس لجان، وهي:

·   لجنة الدستور والفيدرالية.

·   لجنة نزع السلاح، وتأهيل الميليشيات.

·   لجنة الاقتصاد، وإعادة الإعمار.

·   لجنة التعاون: الدولي والإقليمي.

·   لجنة المصالحة وحل الخلافات.

وبدأت المرحلة الثالثة في 11 فبراير 2003 (بعد الانتقال إلى نيروبي). وكانت تختص بالمفاوضات. إلا أن المؤتمر، تعرض لتدهور مفاجئ، في 11 مارس 2003. وقررت الحكومة الانتقالية الانسحاب منه.

(هـ) المبادرة الليبية، عام 2003 (اتفاق طرابلس)

نجحت القيادة الليبية في إقناع عدد من الفصائل الصومالية بتوقيع اتفاق مصالحة، مع الرئيس "صلاد حسن"، في إطار ما عُرف بوثيقة المصالحة؛ فوُقِّعت في 14 نوفمبر 2003.

وعلى الرغم من أنه لم تتضح تفاصيل الاتفاق، إلا أن الفصائل الصومالية، المشاركة في مؤتمر نيروبي، عارضت بشدة اتفاق طرابلس.

(و) الدور الكيني في المشكلة الصومالية، عام 2004

وَقَّعت الأحزاب المتصارعة اتفاقية السلام، في كينيا، في 27 يناير 2004. كما أجريت الانتخابات الرئاسية الصومالية في نيروبي، عاصمة كينيا، في 10 أكتوبر 2004. وبلغ عدد المتنافسين 70 شخصاً، سرعان ما انخفض إلى 30 شخصاً؛ بيد أن المنافسة، كانت بين خمسة: عبدالقاسم صلاد ـ عبدالله عدو ـ حسين عيديد ـ محمد طيري ـ عبدالله يوسف.

2. الحرب الإثيوبية على الصومال (الفترة من 20 ديسمبر 2006 حتى الأول يناير 2007) (اُنظر خريطة الهجوم الإثيوبي على الصومال)

شهدت الفترة، من يونيه حتى ديسمبر 2006، تصاعداً في المواجهة، بين قوات المحاكم الإسلامية والحكومة الانتقالية، بعد سيطرة الأولى على وسط الصومال وجزء من جنوبيه؛ وسعيها إلى نشر نفوذها، للسيطرة على شماليه. وفي منتصف يونيه 2006، تمكنت الحكومة من حمْل البرلمان الصومالي على إصدار قرار، يسمح بنشر قوات حفظ سلام أفريقية في الصومال. واستندت إلى هذا القرار، في التحرك نحو إثيوبيا؛ لطلب قوات عسكرية، تحمي العاصمة المؤقتة، "بيداوا"، ومناطق جنوب غربي البلاد، تحت اسم: "تدريب القوات الحكومية".

انضمت المحاكم الإسلامية إلى مباحثات جيبوتي، التي حضرها رئيس اتحاد تلك المحاكم الإسلامية ومسؤولون من إثيوبيا، ودبلوماسيون أجانب. وفاوضت كذلك الحكومة الانتقالية، تحت إشراف الجامعة العربية، في الخرطوم، عبْر أربع جولات، كان آخرها في ديسمبر 2006؛ وأثمرت اتفاقيتَين، تضمنتا الدعوة إلى الاعتراف المتبادل، وبحث الترتيبات الأمنية؛ إلا أن النتيجة كانت مغايرة تماماً.

ولم تَحُلِ المفاوضات السياسية دون التحرك العسكري. فالمحاكم الإسلامية، استمرت في توسيع نفوذها العسكري، ووصلت إلى مناطق قريبة من "بيداوا". أمّا الحكومة الانتقالية، فسمحت بانتشار بعض القوات الإثيوبية في المدينة الآنفة؛ مع ازدياد تلك القوات، بعد صدور قرار مجلس الأمن، الرقم 1725، في 6 ديسمبر 2006، والذي يقضي بالسماح بإرسال قوات أفريقية إلى الصومال؛ وعلى الرغم من اشتراطه، أن تكون القوات الأفريقية من خارج دول الجوار الجغرافي لذلك البلد.

تدفقت القوات الإثيوبية، بأسلحة ثقيلة، ودبابات، ومدفعية، داخل الأراضي الصومالية. وقدرها البعض، حتى منتصف ديسمبر 2006، بما يرواح بين 4 و6 آلاف رجل. وانهارت معها مفاوضات الخرطوم في تَقاسُم السلطة؛ وهو ما أشار إلى رغبة الحكومة الانتقالية عن مشاركة المحاكم الإسلامية في السلطة، وعدم جديتها في التفاوض؛ نظراً إلى وجود ترتيبات أخرى، مع أديس أبابا، لشن حرب حاسمة، تقضي على قوات المحاكم المذكورة، تبدأ في 20 ديسمبر 2006.

أ. القوات المتحاربة

(1) القوات الإثيوبية

راوحت قوات الجيش النظامي الإثيوبي بين 15 و20 ألف جندي. توزعتهم وحدات: مدرعة وآلية ومشاة محملة. ودعمتهم القوات الجوية الإثيوبية، التي استخدمت مطارات إثيوبية قريبة من الحدود.

(2) قوات الحكومة الصومالية

ناهزت عدة مئات من القوات النظامية الحكومية، المحدودة التسليح؛ إضافة إلى عدة مئات من الميليشيات المسلحة، التابعة لبعض الزعماء السياسيين، العاملين، والمؤيدين للحكومة الصومالية.

(3) قوات المحاكم الإسلامية

قدرتها بعض المصادر بعدة آلاف من المقاتلين. وهي ميليشيات مسلحة، تعتمد على تسليحها وخبرتها بحرب العصابات، وقتال المدن؛ إلا أنها غير مدربة على الحرب النظامية. وأشار بعض التقارير إلى وجود نحو ألفَي مقاتل إريتري في الصومال.

(4) القوات الأمريكية

شاركت الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة حرب بالوكالة؛ داعمة إثيوبيا، ومستهدفة القضاء على المحاكم الإسلامية. وأشار بعض المصادر إلى أن خطط الحرب، ربما كانت بمشاركة إثيوبية ـ أمريكية ـ إسرائيلية؛ فضلاً عن مشاركة واشنطن بأعمال قتال قواتها الجوية، والقوات الخاصة الأمريكية، انطلاقاً من حاملة الطائرات، "أيزنهاور"، على سواحل الصومال؛ ومن قواعد أخرى في كينيا وإثيوبيا، رصد منها ما اعترفت به الولايات المتحدة الأمريكية.

(أ) الموجة الأولى: في 8 يناير 2007، باستخدام طائرات الهجوم الأرضي Gunship AC – 130.

(ب) الموجة الثانية: في 9 يناير 2007، باستخدام الطائرات العمودية المسلحة للهجوم الأرضي، والطائرات العمودية لنقل القوات الخاصة.

(ج) الموجة الثالثة: في 10 يناير 2007، باستخدام طائرات قاذفة، وطائرات هجوم أرضي؛ ثم عمليات إبرار جوي لقوات خاصة أمريكية. وأدت الإغارة: الجوية والبرية، إلى مقتل العشرات من المدنيين.

(د) عمليات استطلاع جوي: استهدفت متابعة أعمال القتال، وموقف قوات المحاكم الإسلامية. وأُعلن بها منذ 26 ديسمبر 2006.

ب. الأهداف: السياسية والعسكرية، للحرب

(1) الأهداف الإثيوبية

(أ) القضاء على نظام المحاكم الإسلامية، لكونه نظاماً إسلامياً متشدداً يتعارض مع النظام المسيحي في إثيوبيا، قلعة النصرانية في وسط أفريقيا؛ إضافة إلى أنه مصدر تهديد وقلق للمصالح الإثيوبية في الصومال، أو المنطقة الحدودية المشتركة، وخاصة إقليم الأوجادين.

(ب) إعادة الحكومة الصومالية المؤقتة إلى السلطة، لفرض سيطرتها على الدولة، حيث تصبح حليفاً لإثيوبيا، يسمح لها بفتح ممرات إلى المحيط الهندي، والقضاء على الوجود الإريتري في الصومال، واحتواء المدّ الإسلامي داخل هذا البلد، وعدم انتشاره في الأراضي الإثيوبية.

(ج) عزل الدور الإقليمي لإريتريا وإضعافه، وخلق ظروف إقليمية مناسبة، تلائم فرض الشروط الإثيوبية لحل القضايا العالقة مع أسمرة، سلماً أو حرباً.

(د) تعزيز الدور الإقليمي لإثيوبيا، بصفتها القوة العظمى الإقليمية، المؤثرة في أمن منطقة القرن الأفريقي.

(2) الحكومة الانتقالية

(أ) القضاء على نظام المحاكم الإسلامية، وفرض السيطرة الحكومية على كلّ أرض الصومال.

(ب) في 5 يناير 2007، أعلن محمد حسن عيديد، وزير الداخلية، ونائب رئيس الوزراء الصومالي، احتمال انضمام الصومال إلى إثيوبيا، في شكل اتحاد، يضم البلدَين؛ إلا أنه سرعان ما تراجع عن إعلانه.

(3) المحاكم الإسلامية

ركزت المحاكم الإسلامية أهدافها في قتال القوات الإثيوبية، وطردها من الصومال. ولم تعلن في أهدافها القضاء على الحكومة الانتقالية.

(4) الولايات المتحدة الأمريكية

لم تطابق الأهداف الأمريكية نظيرتها الإثيوبية فقط؛ بل زادت عليها القضاء على المجاهدين الإسلاميين، وتنظيم القاعدة؛ وإقامة نظام سياسي صومالي علماني، حليف وشريك للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على الإرهاب، ويمهد لوجود أمريكي آمن في منطقة القرن الإفريقي، مستقبلاً.

ج. دور المنظمات: الإقليمية والدولية، في الحرب

(1) بادرت جامعة الدول العربية إلى توجيه نداء، في 23 ديسمبر 2006، خامس أيام الحرب، إلى الأطراف الصومالية؛ للوقف الفوري لإطلاق النار، وأصدرت بياناً، طالبت فيه القوات الإثيوبية بوقف أعمال القتال، والانسحاب من الصومال.

(2) وفي 27 ديسمبر 2006، طالب الاتحاد الأفريقي القوات الإثيوبية بمغادرة الصومال فوراً؛ وتقديم دعم عاجل للحكومة الصومالية الانتقالية.

(3) طالبت منظمة المؤتمر الإسلامي، في 27 ديسمبر 2006، بانسحاب القوات الإثيوبية من الصومال، محذرة من اشتعال منطقة القرن الأفريقي. وأعلنت إرسال لجنة لزيارة الصومال، والدول المجاورة. تكونت اللجنة من ممثلين عن جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، وتوجهوا إلى أديس أبابا، في 29 ديسمبر 2006.

(4) فشل مجلس الأمن في إصدار قرار، يوقف الحرب؛ على الرغم من اجتماعه مرتَين، في 26 و28 ديسمبر 2006؛ وذلك بسبب الفيتو الأمريكي، وتأييد واشنطن الضمني للهجوم الإثيوبي على الصومال، على أساس أنه رد على اعتداء المحاكم الإسلامية. وأكدت الخارجية الأمريكية، أن ما تفعله إثيوبيا هو محاولة لمنع تدفق الأسلحة إلى الصومال. ورأت أن قيادات المحاكم الإسلامية، تتبع تنظيم القاعدة.

د. عوامل نجاح القوات الإثيوبية في الحرب

(1) امتلاك القوات الإثيوبية للتفوق في ميزان القوى، وتمتعها بقدرات عسكرية هي أفضل مما تتمتع به قوات المحاكم الإسلامية، في مجال التسليح والقيادة والسيطرة؛ والقدرة على المناورة؛ والدعم الجوي من قواعد عسكرية إثيوبية، قريبة من الحدود.

(2) محدودية المهام القتالية للقوات الإثيوبية، والتي تركزت في وسط الصومال والجزء الشرقي من جنوبيه؛ إذ إن شماليه، يضم دولة "بونتي لاند"، و"جمهورية أرض الصومال"؛ وفي الجنوب "جمهورية جنوب غرب الصومال". وهي مناطق تابعة لزعماء مؤيدين للحكومة الانتقالية، وخارج سيطرة المحاكم الإسلامية. زِد على ذلك استناد القوات الإثيوبية إلى الجمهورية الأخيرة، لانطلاق عملياتها ضد المحاكم الإسلامية.

(3) قوات المحاكم الإسلامية هي، أصلاً، ميليشيات مسلحة، خبرتها القتالية، تتركز في حرب العصابات والقتال في المدن. كما أن مناطق وسط الصومال وجنوبيه، تُعَدّ مساحات واسعة، أكبر من قدرة ميليشيات المحاكم على السيطرة عليها والدفاع عنها. وفترة سيطرة المحاكم على النظام السياسي، لم تتعدَّ سبعة أشهر؛ وهي فترة غير كافية لإعادة هيكلة وتنظيم وتسليح وتدريب الميليشيات، لتكون قوات نظامية. أضف إلى ذلك قصور ميزانية المحاكم عن توفير الموارد المالية، اللازمة لتسليح قواتها تسليحاً جيداً.

(4) إن طبيعة الحرب، في العلم العسكري، تمثل شكلاً من أشكال "الحروب غير المتماثلة"، بين قوات نظامية وميليشيات مسلحة، تفتقر على أيّ نوع من قوات الردع، أو أيّ أساس من أُسُس النجاح. ولذلك، كان من الطبيعي سرعة انهيار قوات المحاكم الإسلامية، بعد ستة أيام من الحرب.

(5) الدعم الأمريكي: المباشر وغير المباشر، للقوات الإثيوبية؛ لإدارة حرب بالوكالة، وتحقيق مصالح إستراتيجية مشتركة. وأكدت المصادر: الأمريكية والصومالية، الغارات الجوية وعمليات القوات الخاصة الأمريكية؛ لمطاردة قوات المحاكم الإسلامية الفارّة في المناطق الصومالية الجنوبية، وفي الحدود مع كينيا، وفي الجزر الساحلية، جنوبي الصومال. ولا تغفل التعاون الاستخباراتي الأمريكي - الإثيوبي، الذي أكده الرئيس "ميلس زيناوي"، رئيس الوزراء الإثيوبي.

3. تطور الأوضاع في الصومال (مرحلة ما بعد الحرب)

أ. بعد تفكك نظام المحاكم الإسلامية، واختفاء ميليشياتها المسلحة، التي سلَّم جزء منها سلاحه إلى الحكومة الانتقالية، أُعلن تكوين جديد للمقاومة، أُطلق عليه: "جبهة المقاومة الوطنية لتحرير الصومال". وتضم هذه الجبهة شرائح المجتمع الصومالي، بجميع توجهاته: الدينية والفكرية والأيديولوجية والعشائرية. وكان لها نشاط في عدد من عمليات المقاومة ضد القوات الإثيوبية، وخاصة عمليات قصف بالهاون، وتدمير مركبات إثيوبية، داخل العاصمة، مقديشيو، وخارجها؛ وذلك في إطار استمرار المقاومة للاحتلال الإثيوبي.

ب. أكد الرجل الثاني في المحاكم الإسلامية، الشيخ شريف أحمد، في حديث إعلامي، في الثاني من فبراير 2007، في كينيا، استعداده لمحاورة الحكومة الصومالية، وإثيوبيا، والولايات المتحدة الأمريكية، في تحقيق السلام والاستقرار في الصومال، البلد المحتاج إلى المصالحة. وأشار إلى استمرار المقاومة للقوات الإثيوبية، والقوات الأفريقية لحفظ السلام، المزمع نشرها في الصومال. وعلى الرغم من أن الحكومة الصومالية، فتحت، سابقاً، باب الحوار والمصالحة، إلا أن الأمر بقي رهيناً بالثقة والشفافية، ورؤية الأطراف للأسس السياسية للمصالحة والحوار. ويوفي اليوم عينه، أعلنت واشنطن استعدادها، بجدية، لفتح ممثلية دبلوماسية أمريكية في الصومال؛ آخذة في الحسبان الظروف الراهنة: السياسية والأمنية والدبلوماسية.

ج. أعلنت إثيوبيا أنها لا تنوي استمرار وجودها العسكري في الصومال، وأنها خفضته تخفيضاً، بشكل يحقق التوازن واستقرار الأوضاع في هذا البلد. والانسحاب النهائي منه رهن بوصول قوات حفظ السلام الأفريقية إليه. وعلى الجانب الآخر، تحرك الاتحاد الأفريقي لدعوة الدول الأفريقية للمشاركة في قوات حفظ السلام في الصومال، في ظروف استجابة أفريقية محدودة. وكُرِّرَت الدعوة، وبُحِثَت، خلال القِمة الثامنة لذلك الاتحاد (29 – 31 يناير 2007). واتُّفق على إرسال 4 آلاف جندي إليه، خلال أسابيع. وسخَّرت الجزائر 12 طائرة نقْل عسكرية. كما اتُّفِق رفع عديد القوة الأفريقية إلى 8 آلاف جندي، في مرحلة لاحقة.

ثانياً. تطور الصراع بين إثيوبيا وإريتريا

في الثالث عشر من مايو 2000، تجدد القتال، وبصورة حادة، على طول الجبهة الغربية للحدود الإثيوبية- الإريترية، حيث وصلت حشود الدولتَين، في الأسبوع الأول للقتال، إلى ستمائة ألف مقاتل؛ ليبدأ فصل جديد وعنيف في الصراع الحدودي، الذي بدأت شرارته الأولى تحديداً في السادس من مايو 1998، حينما تبادلت الدولتان الاتهام بانتهاك الحدود؛ وسرعان ما تحول ذلك إلى مواجهات عسكرية بينهما. وفي ضوء الأوضاع: الاقتصادية والسياسية، المتردية، لدول منطقة القرن الأفريقي، وقف الكثير من المراقبين في حيرة، أمام الحرب الإثيوبية- الإريترية، على الحدود بينهما، والتي نشبت من جراء ادعاء كلّ طرف اعتداء الطرف الآخر، واستيلاءه على أراضٍ تابعة لإقليم المدعي. وقد نبعت دهشة المراقبين من واقع الحرب، التي جاءت في ظل تطورات ومستجدات، شهدتها ساحة القرن الإفريقي. وكانت تشير، في مجملها، إلى تقارب بين النظامَين الحاكمَين في أديس أبابا وأسمرة، وصل إلى درجة الوقوف المشترك ضد النظام السوداني، ودعم القوى التي تعارضه؛ على الرغم من اختلاف منطلقاتهما وأسبابهما، باستثناء إعلانهما الخشية من محاولات النظام السوداني، في تسعينيات القرن العشرين، تصدير الأصولية الإسلامية إليهما، ودعمه لقوى المعارضة في الدولتَين.

وكانت إريتريا وإثيوبيا، قد وقعتا، في العاصمة الجزائرية، اتفاق سلام شامل، ينهي حرباً حدودية دموية، استمرت عامَين، في نهاية القرن العشرين؛ وأودت بحياة عشرات الآلاف من مواطني البلدَين.  ووقع الاتفاق عن الجانب الإريتري الرئيس أسياس أفورقي، وعن الجانب الإثيوبي رئيس الوزراء، ميليس زيناوي. وقد حضر مراسم التوقيع الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان، ووزيرة الخارجية الأمريكية، مادلين أولبرايت؛ والرئيس النيجيري، أولوسيغون أوباسانجو؛ والرئيس الحالي لمنظمة الوحدة الأفريقية، رئيس توغو، الجنرال غناسينغبي إياديما؛ والرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة. كما وقع الاتفاق كلّ من أولبرايت، وعنان، والأمين العام لمنظمة الوحدة الأفريقية، أحمد سالم أحمد؛ وممثل الاتحاد الأوروبي، الإيطالي رينو سيري؛ والرئيس بوتفليقة.  وكان توقيعه بعد عدة شهور من الجهود الدولية، ووساطة قادها الرئيس الجزائري، نيابة عن منظمة الوحدة الأفريقية، تمكن أثناءها من التوصل إلى وقف إطلاق النار بين البلدَين، في 18 يونيه 2000. وكان الأمين العام للأمم المتحدة، قد صرح بأن قوات حفظ سلام، تابعة للأمم المتحدة، قوامها 4500 جندي، بدأت بالانتشار في طول الحدود المتنازع فيها؛ لمساعدة الجانبَين على إعادة بناء الثقة بينهما.

وفي أوائل نوفمبر 2003، أعلنت بعثة الأمم المتحدة إلى إثيوبيا وإريتريا، أن الوضع بين هذَين البلدَين الجارَين، في القرن الأفريقي، أصبح أكثر سوءاً مما كان عليه سابقاً. وقالت المتحدثة باسم البعثة الدولية، في مؤتمر صحفي، في العاصمة الإريترية، أسمرة، إن البعثة تراقب الوضع، بكثير من الانتباه؛ إدراكاً لأن الوضع القائم هناك، ما زال متوتراً سياسياً. وأشارت المتحدثة إلى أن الوضع، عسكرياً، مستقر بين الدولتَين. ولكنها أوضحت أن بعثة الأمم المتحدة، "لاحظت تحركاً لقوات الدفاع الإريترية، من القطاع الأوسط، ومن أماكن أخرى، إلى القطاع الغربي". وذكرت تايلور، أن قوات إريترية، انتقلت إلى قرية بادمي؛ وهي، حالياً، في الأراضي الإثيوبية، وموضع نزاع بين البلدَين. وقالت إن الجانب الإريتري، أبلغها أن مهمة هذه القوات هي المشاركة في أعمال الحصاد، وبعض أعمال البناء. وأكدت أن القوات الإريترية، تتحرك خارج المنطقة الأمنية، المحددة داخل الأراضي الإريترية، بعرض 25 كم، وطول ألف كم، على الجانب الإريتري من الحدود مع إثيوبيا؛ بموجب اتفاق الجزائر، لعام 2000. وتقضى الاتفاقات بأن لا يسمح للقوات الإريترية المسلحة تسليحاً ثقيلاً بالتحرك داخل هذه المنطقة.

ثالثاً: المبادرة الإثيوبية، نوفمبر 2004

أعلن الرئيس الإثيوبي، "ميلس زيناوي"، في 25 نوفمبر 2004، مبادرة جديدة، مكونة من أربع نقاط أساسية، تتعلق بالأزمة الحدودية مع إريتريا. وتضمنت موافقة إثيوبيا على قرار لجنة ترسيم الحدود الدولية، الصادر في أبريل 2002، في شأن أحقية إريتريا في المناطق الحدودية، المتنازع فيها بين الجانبَين، وخاصة منطقة بادمي؛ وهو ما كانت أديس أبابا ترفضه.

وترتكز المبادرة الإثيوبية على الآتي:

1. القبول المبدئي لقرار لجنة ترسيم الحدود.

2. الأسلوب السلمي هو الخيار الوحيد، لحل الخلافات بين البلدَين.

3. ضرورة حل الخلاف، عبْر الحوار المباشر، والمفاوضات.

4. تراجع إثيوبيا عن قرارها الخاص برفض دفع التزاماتها المالية إلى لجنة ترسيم الحدود.

ومع ذلك، فإن إريتريا رفضت هذه المبادرة، وعَدَّتْها مناورة سياسية؛  ما جعلها في مأزق، أمام المجتمع: الدولي والأفريقي، الذي أعلن ترحيبه بالمبادرة؛ فأمست في شبه عزلة، دولياً وإقليمياً.

وفي أواخر عام 2006، ازدادت حدة التوتر بين الدولتَين، حتى باتت تنذر باشتعال الحرب، مرة أخرى، في أيّ لحظة. فقد أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي حشد عشرة آلاف جندي إريتري، في الحدود مع إثيوبيا. وقال إن بلاده لن ترد، إلا إذا تعرضت للهجوم. ولكنه أضاف أن الحكومة الإريترية، هي المورد الرئيسي لأسلحة المعارضين الإثيوبيين، والمسؤولة عن تدريبهم. كما حاول الربط بين الحرب بين إثيوبيا وإريتريا، وبين الصومال وإريتريا في مواجهة بلاده. وذكر أن أديس أبابا في حالة حرب مع الإسلاميين في الصومال؛ لكونهم أعلنوا الجهاد ضدها. واعترف كذلك بدعم إثيوبيا للحكومة المؤقتة في الصومال.