إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في القرن الإفريقي





القرن الأفريقي

مناطق النزاع الإثيوبي ـ الإريتري
الهجوم الإثيوبي على الصومال
التوزيع الديموجرافي
الحدود السياسية لإثيوبيا
الحدود السياسية لإريتريا
الخريطة الإدارية لإريتريا
جمهورية الصومال الديموقراطية



المبحث الخامس عشر

المبحث الخامس عشر

أعمال القرصنة البحرية وارتباطها بالأوضاع في المنطقة

يُعد البحر الأحمر أقصر طرق النقل بين الشمال والجنوب، ويلعب دوراً مؤثراً في اقتصاديات دول الخليج العربي، ودول جنوب شرق آسيا، والدول الأوروبية. ومن هنا تكمن أهميته الإستراتيجية.

إن أي عوامل مؤثرة على أمن البحر الأحمر تؤثر على التجارة العالمية، وبالضرورة على اقتصاديات الدول التي تنتقل تجارتها من خلاله، شمالاً أو جنوباً. كما يُتخذ البحر الأحمر منفذاً رئيسياً للتبادل التجاري للدول المتشاطئة عليه، والتي لا يمتلك عدد منها منافذ بحرية أخرى سواه.

ولو نظرنا إلى الدول العربية والإفريقية، فإن البحر الأحمر يشكل أهمية إستراتيجية لها؛ ولهذا له دور مؤثر كممر ملاحي رئيسي في عمليات التعاون فيما بينها.

بدأت عمليات القرصنة منذ عشر سنوات تقريباً على هذا الممر المائي، وأخذت تتزايد حتى وصلت ذروتها عام 2008. وبلغ عدد الاعتداءات على السفن أكثر من 100 اعتداء، ونجح القراصنة في احتجاز 40 سفينة، دفع معظمها الفدية. وكانت أضخم السفن المحتجزة الناقلة السعودية سريوس ستار، التي تحمل 200 مليون برميل نفط. ويقدر مجموع ما حصل عليه القراصنة هذا العام من فُدى ما بين 18 - 30 مليون دولار.

1. تعريف القرصنة طبقاً لاتفاق جنيف عام 1958

عَرَّف اتفاق جنيف، عام 1958، القرصنة في المادة 15 (بأنها إتيان أعمال إكراه وانتواء إتيان تلك الأعمال في البحر العام، دون وكالة مشروعة، وخارج نطاق اختصاص أية دولة).

2. أركان جريمة القرصنة

أ. أعمال إكراه: تُرتكب ضد سفينة أو طائرة، أو أن تكون السفينة أو الطائرة هي أداة ارتكابها.

ب. ارتكابها في البحر العام: أي أن القرصنة جريمة بحرية، تقع خارج ولاية أية دولة.

ج. ألا تكون هناك وكالة مشروعة: أي لا تكون هذه الأعمال مما يقرره القانون الدولي لمن يأتي هذه الأعمال بنفسه أو يأمر بمباشرتها.

د. أن يكون الدافع مصلحة شخصية: أي بنية السلب والنهب.

3. القرصنة طبقاً للقانون الدولي البحري

أ. بينت الفقرة الأولى من المادة 101 من اتفاقية البحار، لعام 1982، الأركان الواجب تحققها لحدوث جريمة القرصنة، بوصفها جريمة دولية: (أي أعمال عنف أو احتجاز أو نهب غير قانونية تُرتكب بنية تحقيق منافع خاصة، بواسطة طاقم أو ركاب سفينة أو طائرة خاصة، وذلك في أعالي البحار).

ووفقاً لهذا المادة، فإن أي أعمال عنف مسلحة تُرتكب ضد السفن داخل المياه الإقليمية للدول، التي تبعد مسافة 12 ميلاً بحرياً من شواطئ الدول (أي داخل المياه الإقليمية)، لا تُعد جريمة قرصنة بحرية وفقاً للتكييف القانوني، ولكن تُعد أعمال سطو مسلح كأي سرقة تُرتكب داخل إقليم الدولة وتخضع لقوانينها الداخلية. ولا بد أيضاً أن تُرتكب جريمة القرصنة البحرية بهدف تحقيق مصالح وأهداف شخصية لمرتكبـي الجريمـة (أي القراصنة)، فإذا كان الهدف من الاحتجاز أو النهب هدفاً سياسياً، كالترويج لقضية سياسية أو لفت الأنظار العالمية لقضية أخرى، تخرج عن تحقيق مصالح شخصية؛ فإن هذه الأفعال لا تُعد إلا سطواً مسلحاً، وإن وقع في أعالي البحار.

ب. أوضحت المادة 100 في اتفاقية القرصنة، من وجهة نظر الاتفاقيات الدولية، أن على جميع الدول واجباً عاماً بالتعاون في قمع القرصنة في أعالي البحار، أو في أي مكان خارج ولاية أي دولة. وعليه أعطى القانون الدولي لكل دولة اختصاصاً وولاية وسلطة ضبط سفينة القرصنة والقبض على من فيها من الأشخاص، وضبط ما فيها من الممتلكات، ولا تقوم بعملية الضبط إلا سفن حربية أو طائرات عسكرية أو سفن تحمل علامات واضحة تدل على أنها في خدمة حكومية، ومأذون لها بذلك.

ج. تناولت اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية، لعام 1988، أي شخص يرتكب جرماً، إذا ما استولى بصورة غير مشروعة على سفينة أو السيطرة عليها باستخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وكذلك تدمير السفينة أو إلحاق الضرر بها أو بطاقمها، ما يمكن أن يُعرض للخطر الملاحة الآمنة لهذه السفينة.

4. القائمون بأعمال القرصنة

بدأت ظاهرة القرصنة منذ انهيار الدولة الصومالية، عام 1991، وسيطرة عصابات أمراء الحرب وميليشياتهم القبلية على أجزاء الصومال. ولم يتمكن هؤلاء من ملء الفراغ الذي تركه انهيار الدولة، ومن هنا برزت مجموعات قوية من المسلحين الصوماليين تتشكل من ثلاثة عناصر أساسية تقوم بأعمال القرصنة، وهي:

أ. الميليشيات التي كانت تعمل لدى أمراء الحرب، وهم يشكلون القوات المسلحة.

ب. الصيادون المحليون الذين لهم الخبرة البحرية الكافية.

ج. مجموعة تتولى استخدام أجهزة الملاحة وأجهزة الاتصال المتطورة، وتقوم بالوساطة بين الخاطفين وأطقم السفن وأصحابها بلغات أجنبية.

حاولت وسائل الإعلام اتهام المحاكم الإسلامية وحركة شباب المجاهدين بالقيام بعمليات القرصنة، للحصول على الأموال اللازمة لشراء السلاح، غير أن رد هذا الاتهام يكمن في أن مسرح عمليات هذه الجماعات هو المسرح البري في جنوب الصومال، والذي يبعد كثيراً عن مناطق اختطاف السفن. كما أن الفترة التي تولى الحكم فيها اتحاد المحاكم الإسلامية، تضاءلت فيها أعمال القرصنة، بل يمكن القول إنها اختفت تقريباً.

5. مناطق نشاط أعمال القرصنة

تتركز أعمال نشاط القرصنة في نقاط الاختناق البحري، وتحديداً في خليج عدن والقرن الإفريقي. ويشير المحللون إلى أن معظم القراصنة منتشرون على السواحل الصومالية، وتُقدر أعدادهم بحوالي 1100  قرصان، موزعون على أربع مجموعات.

كما يوجد نشاط لأعمال القرصنة في خليج نيجيريا بغرب إفريقيا، إضافة إلى مضيق ملقا بين إندونيسيا وماليزيا، إلا أن الضوء لم يُسلط عليهما كما سلطته وسائل الإعلام على الشواطئ الصومالية وخليج عدن.

6. طرق القرصنة وأساليبها

أ. انتظار السفينة المستهدفة

يجمع القراصنة معلومات عن خط سير السفن الكبيرة، بواسطة معاونون لهم في بعض الموانئ. ثم يتربص القراصنة بهذه السفن على خط سيرها لاصطيادها. ويكون ذلك باستخدام سفن مدنية كسفن رئيسية تبحر لمسافة كبيرة، وعند اكتشاف السفينة المراد استهدافها والمُبلغ عنها، يتم إنزال زوارق خفيفة سريعة لمحاصرة السفينة المستهدفة، ومهاجمتها والاستيلاء عليها واحتجاز طاقمها، ثم السيطرة عليها حتى الوصول إلى ميناء يخضع لسيطرة القراصنة.

ب. الصيد الحر

تخرج مجموعات القراصنة في قاربين مسلحين، ويتجولون في عمق المياه الإقليمية لاختيار السفينة الهدف. ثم تطلق نيران المدافع الرشاشة حولها، بغرض إرهاب الطاقم وإخضاعه. وقد يعمل القراصنة في مجموعات تتقدمهم دوريات استطلاع تبلغ المجموعات عن السفينة المراد اختطافها، لكي يُتخذ التشكيل المناسب لمحاصرة السفينة ومنعها من الهرب، ثم يتسللون إلى سطحها للسيطرة عليها، واصطحابها إلى الميناء المُعد لاستقبالها.

وفي كلتا الحالتين، يجري الاتصال بالشركة المالكة والتفاوض معها بشأن الفدية المطلوبة.

7. جهود مقاومة عمليات القرصنة

أ. أصدر مجلس الأمن مجموعة إجراءات لتأكيد السماح بقتال القراصنة ومواجهتهم، بحكم القانون الدولي.

ب. شكَّل الاتحاد الأوروبي قوات خاصة لمواجهة أعمال القرصنة، وزوَّد السفن بقوات خاصة لحراستها، وقد أرسل ست بوارج وثلاث طائرات استطلاع تجوب مساحة 1.6 مليون كم2.

ج. مهاجمة القواعد البرية والموانئ الخاضعة للقراصنة، وذلك بقصفها جواً أو بحراً.

د. الهجوم على أي سفن مُشتبه بها بقطع الأساطيل البحرية، وتدميرها في عرض البحر.

هـ. تضافر المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية، وخاصة الاتحاد الإفريقي، للعمل على بناء الدولة في الصومال، وتشكيل حكومة قوية يمكنها فرض سيطرتها للقضاء على هذه الظاهرة.

8. التحركات الدولية والعربية للقضاء على الظاهرة

أ. في منتصف يونيه 2008، أصدر مجلس الأمن الدولي ستة قرارات بهذا الشأن، وهي القرارات التي أُجيزت تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حيث أتاحت الدخول إلى المياه الإقليمية الصومالية لمهاجمة القراصنة.

ب. صدر قرار مجلس الأمن الرقم 1851، الذي يدعو إلى إنشاء منظومة أمنية لحماية البحر الأحمر بتعاون دولي لمواجهة الظاهرة، نتيجة عجز الصومال عن القضاء عليها.

ج. دعا القرار الرقم 1846 إلى نشر قطع بحرية من دول مختلفة لمكافحة الظاهرة.

د. تلاحظ عدم فاعلية النظام العربي في مواجهة أعمال القرصنة، وغياب المبادرات العربية الخاصة بضمان أمن البحر الأحمر.

هـ. قلة الأساطيل البحرية العربية، وعدم وجود تعاون في هذا المجال بين الدول العربية.

و. على الجانب الإفريقي، تعاني الصومال من الانهيار، وكذا ضعف الاقتصاديات في كل من إريتريا والسودان وكينيا، ما يحجم أدوارها في المشاركة في إطار منظومة تأمين البحر الأحمر.

ز. في 20 نوفمبر 2008، عقد مجلس السلم والأمن العربي للجامعة العربية، ولم يقدم أي تدابير خاصة للقضاء على الظاهرة.

9. الوجود البحري الأمريكي في البحر الأحمر والخليج العربي

أشار بعض المحللين بأن المستفيد الأول من هذه الظاهرة هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي كان في استطاعتها القضاء على القرصنة وإيقاف هذه الأعمال بواسطة أسطولها، أو الأساطيل الأوروبية المنتشرة أمام السواحل الصومالية؛ ولكنها لم تقم بذلك لرغبتها في السيطرة على الممرات المائية الدولية، مثل مضيق جبل طارق، ومضيق هرمز، وتسعى للسيطرة على مضيق باب المندب.

يتمثل الوجود البحري الأمريكي في البحر الأحمر والخليج العربي، في الأسطول الخامس، لتأمين المصالح الأمريكية في الخليج العربي، ويتكون من الآتي:

أ. مجموعة حاملات طائرات، وتشمل (حاملة طائرات، وقوة حراسة، و22 مدمرة وطراد)، ويُضاف إليها حاملة ثانية من إمكانيات الأسطول السابع، في حالة الطوارئ.

ب. مجموعة غواصات نووية، وتشمل من 1 – 2 غواصة، مجهزة بالصواريخ البالسيتية.

ج. مجموعة دعم ومعاونة، تضم قوات الاقتحام، ومشاة الأسطول، والمعاونة الإدارية والفنية، وتتكون من 15 – 20 قطعة بحرية.

د. تبلغ قوة الأسطول الخامس في الأحوال العادية من 22 – 25 وحدة بحرية، إضافة إلى 70 – 80 طائرة قتال مختلفة. وتبلغ القوة البشرية من 18 – 22 ألف فرد.

هـ. يدعم الأسطول الخامس في أوقات الطوارئ بمساعدات من الأسطول السابع بالمحيط الهادي، أو الأسطول السادس في البحر الأحمر.

و. يوجد مركز قيادة الأسطول الخامس بقاعدة أرمادا بالمنامة، عاصمة البحرين.

ز. الاعتماد الإداري والفني للأسطول الخامس في المنطقة على القواعد البحرية، بكل من الكويت، والإمارات، وقطر، وعمان، ومسقط، وصلالة، والسعودية قاعدة البحر الأحمر، والقواعد البحرية في إريتريا.

10. حجم المبالغ التي حصل عليها القراصنة

في تقرير أفاد به Shatam House Investigation Center، أن المبالغ التي حصل عليها القراصنة في الصومال خلال عام 2008، بلغت 30 مليون دولار، وأنهم هاجموا 60 سفينة في خليج عدن والمحيط الهندي، منذ بداية عام 2008. وقد كانت أعلى فدية هي لناقلة النفط السعودية SERIS Star، وبلغت 25 مليون دولار.

ووفقاً لتقرير مكتب البحرية العالمي، فقد تضاعفت أعمال القرصنة البحرية ثلاث مرات منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى عام 2008، وأن ما يجري الإبلاغ عنه من عمليات القرصنة يراوح ما بين 10% و50% فقط من إجمالي الهجمات، خشية زيادة رسوم التأمين. وأن حجم الأضرار المادية الناتجة عن عمليات القرصنة البحرية، تصل إلى 16 مليار دولار سنوياً.