إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الأكراد والمشكلة الكردية




الملا مصطفى البرزاني
جلال طالباني
عبدالله أوج آلان
عبدالرحمن قاسملو


منطقة الأكراد "كردستان"



الأكــــراد

ثالثاً: المسألة الكردية في العهد الجمهوري العراقي

1. انقلاب 14 يوليه 1958، وانعكاساته على المسألة الكردية

في 14 يوليه 1958، قاد اللواء عبدالكريم قاسم انقلاباً، أطاح بالنظام الملكي في العراق. وكان الانقلاب ذا توجهات اشتراكية.

رأى الزعماء الجدد، أن القضية الكردية جزء من الحركة الوطنية في العراق، إذ شاركت العناصر الكردية المثقفة في التخطيط للانقلاب. لذلك، فإنه لدى تعيين مجلـس السيادة الثلاثي، على أثر الانقلاب، كان أحد أركانه العقيد خالد النقشبندي، ممثلاً الأكراد. كما مثل الأكراد وزير واحد من أصل عشرة وزراء، ضمتهم الوزارة الأولى للانقلاب. إضافة إلى تعيين ضابط كردي عضواً في المحكمة العسكرية العليا الخاصة.

ونص الدستور المؤقت، في المادة الثالثة، "أن العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن، ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية، ضمن الوحـدة العراقية". وهي سابقة، تعَد الأولى في تاريخ الأكراد، الذين احتلوا مناصب عليا في الدولة.

وعاد الملا مصطفى البارزاني إلى العراق، حيث استقبلته الحكومة العراقية وأعضاء الحزب الشيوعي العراقي، استقبال الفاتحين، في 5 أكتوبر 1958، فأعطي مسكناً في أحد القصور الملكية، التي كان يسكنها نوري السعيد، والأمير عبدالإله، الذي كان وصياً على العرش الهاشمي في العراق. وخصصت لهم رواتب شهرية عالية، وميزات أخرى.

وأمر عبد الكريم قاسم مجلس الإعمار، بأن يبني مدينة سكنية كاملة للأكراد العائدين من الاتحاد السوفيتي في ناحية بارزان. ويصرف لهم الرواتب والمعاشات الشهرية. ومكّن عبد الكريم قاسم الملا مصطفى البارزاني، من استعادة نفوذه وسيطرته على منطقته، بعد ثلاثة عشرعاماً. وكان قاسم يهدف من ذلك إلى السيطرة على المنطقة الشمالية من العراق، والحؤول دون ثوراتها ضده، خاصة بعد ثورة الموصل التي قادها القوميون العرب، عام 1959. فقد أدى إبعاد عبدالكريم قاسم القوميين، واعتماده على الشيوعيين والأكراد، إلى محاولة الضباط القوميين العرب إطاحته، والقضاء عليه، ومنها حركة الموصل في 8 مارس 1959 التي قادها عبد الوهاب الشواف، أحد الضباط المشاركين في انقلاب 14 يوليه، والتي استعان عليها عبدالكريم قاسم بالشيوعيين في الموصل، والأكراد من أنصار البارزاني، فقضوا عليها، وقتل الشواف على يد أحد الأكراد. ويُجمع المؤرخون على أن سرعة تحرك الأكراد، الناجمة عن التنسيق، والاتصال السريع، بين عبدالكريم قاسم والملا البارزاني، هو السبب في إخماد هذه المحاولة.

وبعد فشل هذه الحادثة مباشرة، سمح اللواء عبدالكريم قاسم لأتباع الملا مصطفى البارزاني، بالعودة من الاتحاد السوفيتي إلى العراق، وعبَرت، في 7 أبريل 1959، قناة السويس، الباخرة الروسية (غروزيا)، وعلى ظهرها 755 جندياً كردياً (وقيل 855)، تتراوح أعمارهم ما بين الثالثة والعشرين والثالثة والثلاثين، مسلحين تسليحاً كاملاً، في طريقهم إلى العراق، وكان يواكب تلك الباخرة ثلاث أُخَر، هي: متشنكوف، ونيكولاي بيجوروف، وجاقان، وهي محملة بالأسلحة والذخائر. وأعلن، وقتها، أنهم أكراد العراق، ويعودون إليه، بعد تحرره.

وفي 14 يوليه 1959، اشترك الأكراد مع المنظمات الشيوعية، في الحوادث التي وقعت في كركوك، في أثناء احتفالات الانقلاب بعيده الأول. وتُعَد هذه الحوادث انعكاساً للفوضى السياسية، التي كانت يعيشها العراق في هذه المرحلة، ولنية الحكومة التخلص من العناصر، القومية والدينية، إذ وافق يوم 14 يوليه 1959، العاشر من محرم "يوم عاشوراء" ذا الأهمية الدينية الخاصة في العراق. وخلال الاحتفالات بعيد الانقلاب، جرت اصطدامات دموية، في وسط العراق وجنوبيه، وفي كركوك، حيث اتخذت أبعاداً أوسع، وذهب ضحيتها 79 قتيلاً، معظمهم من التركمان. وقد أثارت هذه الأحداث الزعيم عبدالكريم قاسم، فألقى كلمة في كنيسة مار يوسف، في 19 يوليه 1959، هاجم فيها أعمال العنف، التي ارتكبت في كركوك ومدن أخرى. ثم عقد مؤتمراً صحفياً، في 29 يوليه 1959، تحدث فيه عن الجرائم، التي ارتكبت في كركوك، وأشار، من طرف خفيّ، إلى أن الشيوعيين، هم الذين ارتكبوها.

وبعد هذه الأحداث توطدت علاقات الملا مصطفى البارزاني بالزعيم عبدالكريم قاسم، مما شجع الزعيم الكردي على تقديم طلب رسمي، لإشهار الحزب الديموقراطي الكردستاني، "بارتي ديمقراطي كوردستان"، في 9 يناير 1960. وقد أقرت وزارة الداخلية الطلب، وأُعلن الحزب في 9 فبراير 1960. وكان برنامجه، في مجمله، يسير على الخطوط الماركسية اللينية، ونص:

في مادته الثانية: أن الحزب ديموقراطي ثوري، يمثل مصالح الفلاحين والكسبة والحِرفيين والمثقفين، في كردستان العراق.

ونصت المادة الثالثة: أن الحزب، ينتفع، في نضاله السياسي، وفي تحليلاته الاجتماعية، من النظرية العلمية الماركسية اللينية.

وفي المادة الرابعة: أن الحزب يناضل من أجل صيانة الجمهورية العراقية، وتوسيع اتجاهها الديموقراطي وتعميقه.

كما نص البرنامج على توطيد علاقات الأخوّة والصداقة مع الحزب الشيوعي العراقي، والحزب الوطني الديموقراطي، والمنظمات الديموقراطية في العراق. ويناضل الحزب من أجل حصول الشعب الكردي على حق التمثيل والتوظيف، في جميع مرافق الدولة، بما يتلاءم مع تعداد الأكراد في العراق.

ونصت المادة 23: على أن الحزب يساند نضال الشعب الكردي، في مختلف أجزاء كردستان، للتحرر من نير الاستعمار والرجعية. وقد رفضت وزارة الداخلية العراقية هذه المادة، ورفعتها من برنامج الحزب. وقد عمل الحزب، بنجاح، على بث الدعوة القومية بين الأكراد، في غضون العلاقات الحسنة بين الملا البارزاني وعبدالكريم قاسم. إلا أن شهر العسل، لم يدم طويلاً.

2. ثورة الأكراد 1961

بدءاً من مارس 1960، بدأ الجفاء يباعد بين عبدالكريم قاسم والملا مصطفى البارزاني، بسبب ضغوط الزعيم الكردي لتطبيق المادة الثالثة من الدستور بحذافيرها، وتحقيق الإصلاحات الاجتماعية، في كردستان العراق. وبدأت جريدة الحزب "خه بات"، الناطقة بلسان الحزب الديموقراطي الكردستاني، تهاجم الحكم العراقي، وتطالب بإلغاء الأحكام العرفية، والأوضاع الاستثنائية، وبالإفراج عن المعتقلين …

عندئذٍ، رأى عبد الكريم قاسم، أن الحزب الكردي، يشكل عقبة في طريق حكمه الفردي، فبدأ يطارد قادته، ويعتقل أعضاءه. وأغلق صحيفته "خه بات"، في مارس 1961، بتهمة نشرها مقالاً، ناقشت فيه المادتين الثانية والثالثة، من الدستور المؤقت. وقد أدت هذه الإجراءات إلى انحسار نشاط الحزب، في الشمال فقط، مع تصاعد مقاومته، إذ أعلن البارزاني منطقة كردستان، دولة كردية مستقلة.

وفي يوليه 1961، بلغ التوتر ذروته، بين الأكراد وعبدالكريم قاسم ، فتوجه الجيش العراقي لضرب التجمع الكردي المسلح، في المنطقة الشمالية، الذي يقاوم سياسة الحكومة. وحاول البارزاني تخفيف حدّة التوتر، والحيلولة دون وصولها إلى تصادم مسلح، إذ قدم الحزب الكردستاني مذكرة إلى عبدالكريم قاسم، في 20 يوليه 1961، عرض فيها الإهمال الذي تعانيه المنطقة الكردية. وقدم مطالب الحزب، والأكراد، من الحكومة، في 13 نقطة، تتلخص في الآتي:

أ. سحب قوات الجيش العراقي، التي أرسلت إلى كردستان، وعدم إجراء أي تحركات عسكرية، غير عادية، في غير الأماكن المعتادة لها، في السنين السابقة.

ب. سحب الموظفين العموميين، الذين لهم دور بارز في الحوادث الأخيرة، ومحاكمتهم.

ج. إعادة الموظفين المبعَدين من كردستان إلى أماكنهم السابقة، وتعيين قيادات من الأكراد المخلصين، في الوظائف الرئيسية .

د. تطبيق المادة الثالثة من الدستور تطبيقاً كاملاً.

هـ. تطهير جهاز الحكومة من العناصر المعادية لروح انقلاب 14 يوليه التحررية.

و. إطلاق الحريات الديموقراطية للشعب، وسرعة تحويل البلاد إلى النظام الديموقراطي .

ز. تنفيذ مقررات مؤتمر المعلمين الأكراد، لسنة 1960، لتطوير الثقافة الكردية.

ح. جعل اللغة الكردية لغة رسمية في جميع الدوائر الرسمية، في كردستان.

ط. إزالة آثار التفرقة العنصرية، المتبعة في حق الأكراد، ومعاقبة الداعين إليها بين أبناء شعب العراق الواحـد.

ي. إطلاق زراعة التبغ، في الأماكن الصالحة لزراعته.

ك. تعديل قانون ضريبة الأرض، بما يرفع العبء عن كاهل الفلاحين.

ل. إنشاء مشروعات في كردستان، بما يقضي على البطالة المتفشية.

م. القضاء على الغلاء الفاحش، والضرب على أيدي المتَّجِرين بأقوات الشعب.

ويلاحظ أن المطالب الواردة في المذكرة، هي المطالب نفسها، الواردة في مذكرات سابقة، تقدم بها الأكراد، خلال مراحل كفاحهم المستمرة. وبتحليل المذكرة فإن 40% منها مطالب إصلاح سياسي. 20% مطالب قومية، فيما يتعلق باللغة ووضع الأكراد في العراق. ثم 40% مطالب إصلاح، اقتصادي واجتماعي، يتعلق بالأكراد أنفسهم.

ولم يستجب عبدالكريم قاسم لما جاء في المذكرة، ودأب على تعزيز الحشود العسكرية، في المناطق الشمالية، بهدف القضاء على الحركة الكردية.

وفي مواجَهة ذلك، اشتعلت الثورة الكردية في كل أرجاء كردستان العراق. وانضم إليها العديد من كبار الإقطاعيين والآغوات، الذين كانوا قد فروا إلى إيران، بعد انقلاب يوليه 1958. واحتلت عناصر كردية من "البشمركة"، أي الفدائيين سد دربندخان. وحرض قادة الأكراد القبائل الموالية لهم، ضد القبائل الموالية للحكومة. وأعلن الحزب الديموقراطي الكردستاني الإضراب العام، في المنطقة الشمالية، في 6 سبتمبر 1961، فتعطلت الأسواق والمصانع. وبذلك عاشت كردستان العراق في فوضى سياسية، وعسكرية، أجبرت الحكومة على التدخل بالقوات المسلحة،التي بدأت توجيه ضرباتها إلى قطاعات عديدة من مناطق الأكـراد، بدءاً من 9 سبتمبر 1961 حين اشتعل القتال، واستمر حوالي 17 شهراً، متصلاً حيناً، ومتقطعاً أحياناً، حتى سقوط حكم عبدالكريم قاسم، في 8 فبراير 1963.

3. أسباب ثورة 1961

هناك رأيان متعارضان في أسباب الثورة:

أ. الرأي الرسمي للحكومة

ويتلخص في أن الحزب الديموقراطي الكردستاني، لم يكن هو المحرض على هذه الثورة، أو المخطط لها. وإنما استُغل، بصفته تنظيماً جاهزاً للنهوض بمثل هذه الأعمال، من ثلاث جهات. وهي:

(1) طبقة كبار الإقطاعيين والآغوات، الذين شملهم قانون الإصلاح الزراعي، وفروا إلى إيران، عقب انقلاب يوليه، فوجدت فيهم طهران أداة مهمة للتأثير في النظام العراقي الجديد.

(2) الدوائر الاستعمارية، المتمثلة في حلف شمال الأطلسي، والإدارتَين، الإنجليزية والأمريكية، وشركة نفط العراق. وجميعها تأثرت بالانقلاب العراقي. "وقد يكون الهدف، وهو شغل الإدارة العراقية عن مسألة الكويت".

(3) بعض القبائل والعشائر الكردية، التي تأثرت، سلباً، بالانقلاب.

وقد هيأت هذه الأسباب فرصة للحزب الكردستاني، لاستغلال حالة التذمر المتصاعدة. فأقحم نفسه في هذه الحركة، محاولاً السيطرة عليها، وتسخيرها لأهدافه، في مواجَهة عبدالكريم قاسم بعد أن اعتقل بعض أعضائه، وأغلق جريدته. في الوقت عينه، فإن الحزب الكردستاني، لم يكن على استعداد لأن يجد نفسه معزولاً عن أي حركة ثورية في العراق. ويلخص أحد قادة الأكراد أسباب هذه الحركة ودوافعها، في خطاب أمام جمعية الطلبة الأكراد، في مدينة هانوفر، في ألمانيا، عام 1964 - في الآتي:

·  إرباك الوضع الداخلي في البلاد، وإضعاف حكومة عبدالكريم قاسم، في المفاوضات النفطية الجارية وقتئذٍ، والضغط عليها، بغية الاستسلام، والتراجع عن المطالب العراقية المشروعة، في هذه المفاوضات .

·  إعاقة تطبيق قانون الإصلاح الزراعي، في شمالي العراق، لأنه أدى إلى تضرر الآغوات الإقطاعيين. كما أنه قد يؤدي إلى ضغط الفلاحين الإيرانيين على حكومتهم، من أجل قانون إصلاح زراعي مماثل.

والوقائع التاريخية، المؤيدة لوجهة النظر هذه، هي:

(1) اتهام عبدالكريم قاسم، في مؤتمر صحفي، عقده في مبنى وزارة الدفاع، بتاريخ 23 أغسطس 1961، الشركات النفطية الاحتكارية، بتحريض الإقطاعيين الأكراد على التمرد، ليمارسوا ضغطا على العراق، في مجالين:

(أ) مفاوضات النفط الجارية، آنذاك، بين الحكومة العراقية والشركات الأجنبية، حول مطالب العراق المشروعة في ثرواته النفطية.

(ب) مطالبة العراق بالكويت، والإنزال البريطاني فيها.

(2) اتهام عبدالكريم قاسم، في المؤتمر الصحفي عينه، كلاً من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بأنهما وراء حركة التمرد في الشمال، وقوله: "لقد صرفت السفارة البريطانية ما يقرب من نصف مليون دينار، على هذه الأعمال العدوانية الخبيثة".

(3) اعتراف السفير البريطاني في بغداد، همفري تريفيليان، بأنه جال في شمالي العراق، واجتمع، خلال جولته، بشيوخ الأكراد. إلا أنه لم يذكر دعمه لهؤلاء الشيوخ" .

ب. الرأي الثاني

وهو يمثل وجهة نظر الأكراد أنفسهم، التي تعكسها المطالب الثلاثة عشر، التي تضمنتها في مذكرتهم المقدمة إلى عبدالكريم قاسم، في 20 يوليه 1961، والتي حرصوا فيها أن تكون مطالبهم في صميم القضية الكردية.

وهكذا، يلاحظ أن الفجوة بين وجهتَي النظر متباينة تبايناً تاماً، فالحكومة ترى ثورة الأكراد، عام 1961، هي نتيجة تحريض خارجي، للضغط على العراق في ثلاث مسائل رئيسية، وهي: النفط، والكويت، والإصلاح الزراعي. فضلاً عن معاقبة حكومة الانقلاب على إلغائها انضمام العراق إلى حلف بغداد، واتجاهه إلى الماركسية. أما الأكراد، فيرون ثورتهم رد فعل طبيعياً، في سبيل المطالبة بتحقيق آمالهم، وإصلاح أحوالهم، في كردستان العراق.

4. شكل الصراع بين الجبهتين

اتخذ القتال بين القوات الحكومية والأكراد نمط الاشتباكات السابقة عينه، والمتمثل في قتال بالنيران، وهجمات محدودة، وكمائن وإغارات متفرقة، وحرق المزروعات. واستطاعت العناصر الكردية، المسلحة بأسلحة غربية، والتي تؤازرها إيران وبعض الدول الغربية، من السيطرة على معظم المناطق الكردية، من زاخو، في أقصى الشمال، إلى مدينة السليمانية، عاصمة الأكراد. وكان من أسباب ضعف الحكومة في السيطرة على الموقف، هو انشغالها بالصراع في عدة جبهات، في وقت واحد، ولاسيما جبهة الكويت، التي أعلن عبدالكريم قاسم، أنها جزء من العراق.

وبدءاً من عام 1962 تداول الطرفان مَواقع القتال. فخلال الربيع والصيف، تشن قوات الحكومة النظامية هجماتها الرئيسية، ضد معاقل الأكراد، وتنجح في الاستيلاء على الأراضي، متوسطة الارتفاع، "جنوب المناطق الجبلية الوعرة، في شمالي العراق". بينما ينسحب المقاتلون الأكراد، "بقتال أو من دون قتال"، إلى تلك المناطق الجبلية الوعرة، التي اعتادوا العيش فيها. وفي بداية الخريف، وبدء تساقط الثلوج، يشن "البشمركة" الأكراد هجماتهم الساحقة، ضد القوات الحكومية، ويجبرونها على الانسحاب، جنوباً. واللافت أن استخدام القوات الحكومية الطائرات والمدفعية، في أعمالها القتالية. لم يكن ذا تأثير يتناسب مع حجم استخدامها - نظراً إلى الطبيعة الجبلية الممتلئة بالغيران والكهوف والوديان، التي يلجأ إليها الأكراد. وتجعل تأثير النيران ضعيفاً، في الوقت عينه. وقد تكبد سلاح الطيران العراقي خسائر كبيرة، في قتاله ضد الأكراد، نظراً إلى اصطدام الكثير من الطائرات بالقمم الجبلية.

5. نتائج ثورة عام 1961

أهم هذه النتائج هي إضعاف موقف عبدالكريم قاسم في الداخل والخارج، وتشتيت جهوده ما بين الشمال والجنوب. فأخفق في ضم الكويت، وفشل في إخماد ثورة الأكراد، وعجز عن إثبات ذاته في نطاق القومية العربية، ولم ينجح في تدعيم تحالفه مع الاتحاد السوفيتي.

والنتيجة الثانية هي فقدانه السيطرة على الوضع الداخلي، مما أدى إلى نجاح تحالف القوميين العرب، في تنظيم انقلابهم، في 8 فبراير 1963.

والنتيجة الثالثة هي تنامي قوة الأكراد في الشمال، وإثبات قدرتهم على التأثير في الوضع الداخلي. بل تعدى الأمر ذلك، إذ إن نجاح ثورة 1961، أدى إلى لفت نظر بعض الجهات الأجنبية، إلى اتخاذ الأكراد وسيلة للتأثير في الحكم العراقي، لمصلحتها.

رابعاً: المسألة الكردية، في ظِل حُكم الأخَوين عارف

1. انقلاب 8 فبراير 1963

في 8 فبراير1963، نجح انقلاب الجبهة القومية في العراق، المكونة من التحالف القومي، والبعثيين القوميين، برئاسة المشير عبدالسلام عارف الذي استولى على الحكم، وقبض على أقطاب الحكم السابقين، وشكل لهم محكمة عسكرية، دانتهم، وأعدم عبدالكريم قاسم. وتولّى عبدالسلام عارف رئاسة الجمهورية، ممثلاً تيار التحالف القومي. وتولّى أحمد حسن البكر رئاسة الوزارة، ممثلاً تيار البعثيين القوميين.

ولم يكن تحالفهما تحالفاً إستراتيجياً،وإنما كان تحالفاً تكتيكياً، الهدف منه هو القفز إلى السلطة. لذلك، بدأ كلٌّ من التيارين، يعمل على تحقيق مصالحه، منذ اللحظة الأولى لنجاح الانقلاب.

فمن الجانب البعثي، انطلق ما يسمى "الحرس القومي"، وهو ميليشيا عسكرية بعثية، دموية، تمارس عملها في الشارع العراقي، ونفّذت إعدامات، بالجملة، شملت الشيوعيين وأنصار عبدالكريم قاسم، وكل من يشتبه في عدم ترحيبه بالنظام الجديد، فضلاً عن مصادرة ممتلكاتهم. في الوقت عينه، كانت الجبهة القومية ترصد تلك الإجراءات، وهي غير راضية عما يحدث. ووجهت ضربتها، في 18 نوفمبر 1963، للقبض على البعثيين والمتعاطفين معهم. ووضع أحمد حسن البكر في معتقل عسكري، وانفرد عبدالسلام عارف بالسلطة، بعد تسعة أشهر من الانقلاب. وشُكلت حكومة جديدة، في 20 نوفمـبر 1963، ضمت ضباطاً من البعثيين المعتدلين، والناصريين والمستقلين.

وقد شهد عام 1963 بداية جديدة لتطور المسألة الكردية، إذ ظهرت معسكرات تدريب "البشمركة" الأكراد، سواء في إيران أو في كردستان العراق. وتدفق الخبراء (معظمهم إيرانيون)، لتولّي مسؤولية التدريب، وتدفقت أسلحة جديدة، لم يكن يعرفها الأكراد من قبْل، مثل المدافع المضادّة للطائرات. في الوقت عينه، بدأت أحداث الصراع الكردي ـ الحكومي، في العراق، تتصدر الإعلام الغربي.

وقد سارت الأمور في العراق في اتجاه قومي بشكل عام، وكان هناك أحداث مهمة، أثرت في مجريات الأمور، وخصوصاً ما يتعلق بالقضية الكردية، وهي:

أ. الاتجاه القومي العراقي إلى الوحدة بين مصر وسورية والعراق، بمبادرة من العراق نفسه، إذ اجتمعت وفود الدول الثلاث، في أبريل 1963، وأقرت مشروع الدولة الاتحادية، ووقعه رؤساؤها.

ب. إصدار الحكومة دستوراً مؤقتاً، جديداً، في 29 أبريل 1964، جاء فيه أن الشعب العراقي جزء من الأمة العربية، هدفه الوحدة العربية الشاملة.

ج. تنحية البعثيين عن مراكز الحكم، في أكتوبر 1964، نظراً إلى عودتهم إلى الأنشطة المشتبه فيها.

د. موت الرئيس عبدالسلام عارف، عام 1966، في حادث طائرة عمودية، وتولى مسؤولية الحكم شقيقه عبدالرحمن عارف. واستمرت الحكومة العراقية على النهج السابق عينه.

هـ. انتهاء الحكم "العارفي" بانقلاب 17 يوليه 1968، وتولّى حزب "البعث" السلطة.

2. معالجة الحكومة العراقية المسألة الكردية

نص البيان الأول للانقلاب على "تحقيق وحدة الشعب الوطنية، بما يتطلب تعزيز الأخوّة العربية ـ الكردية، بما يضمن مصالحها القومية، ويقوّي نضالها المشترك ضد الاستعمار، واحترام حقوق الأقليات، وتمكينها من المساهمة في الحياة الوطنية".

واستجاب الحزب الديموقراطي الكردستاني لهذه المبادرة، وأرسل برقية تأييد إلى مجلس قيادة الانقلاب الجديد، جاء فيها أنهم ينتظرون "من الحكام الجدد خطوات عملية، لحل القضية الكردية، على أساس الحكم الذاتي، الذي يرسي قواعد أزلية للأخوّة العربية ـ الكردية".

وفي اليوم التالي، أمر الملا مصطفى البارزاني بإيقاف النيران على جميع الجبهات، في كردستان. كما وصل جلال الطالباني إلى بغداد، في 19 فبراير 1963، ممثلاً شخصياً للزعيم الكردي لإجراء مفاوضات الصلح، التي كانت تهدف إلى أن تعلن حكومة بغداد اعترافها الصريح بحق الأكراد في الحكم الذاتي، وأن يتم ذلك في مدة، أقصاها الأول من مارس 1963.

وقد استجابت الحكومة، مبدئياً، لهذا المطلب، وصدر بيان عن مجلس قيادة الانقلاب، في الموعد المحدد، ينص على "أن الثورة عازمة عزماً أكيداً على تصفية آثار الحكم القاسمي البغيض وإزالتها، بالعمل على تطبيق مشاركة جميع المواطنين في الوطن الواحد، وضمان حقوق إخواننا الأكراد".

وفي 4 مارس، بدأت المفاوضات بين حكومة العراق ووفد الأكراد، برئاسة جلال الطالباني الذي عرض مطالبه التي تتلخص في الآتي:

أ. الاعتراف بحق الأكراد في الحكم الذاتي.

ب. تشكيل مجلس تشريعي ومجلس تنفيذي كرديَّين.

ج. تعيين شخصية كردية نائباً لرئيس جمهورية العراق، على أن ينتخبه الأكراد، ويكون مقره في بغداد.

د. تشكيل وحدة أمن كردية، مقرها في كردستان.

هـ. تخصيص حصة عادلة من الموارد المالية، لإنفاقها على مشروعات عمرانية، في كردستان .

و. جعْل اللغة الكردية لغة رسمية، إلى جانب اللغة العربية، في إقليم كردستان.

واللافت أن هذه المطالب، تفوق كثيراً المطالب السابق تقديمها إلى حكومة عبدالكريم قاسم، إذ إن الأكـراد يطالبون بحكم ذاتي متكامل، عدا الدفاع والخارجية. كما يريدون أن يشتركوا في إدارة السياسة العامة للدولة، من طريق نائب الرئيس. ويعود ذلك إلى سببين:

الأول: هو نجاح الأكراد في إثبات وجودهم، والسيطرة على معظم إقليم كردستان، نتيجة السياسة الخاطئة لعبد الكريم قاسم تجاههم.

الثاني: الدعم، المادي والمعنوي، الذي تلقاه الأكراد من مصادر خارجية، أهمها إيران.

مع الرغبة في إيجاد تفاهم مع الأكراد، أرسلت الحكومة، في 7 مارس 1963، وفداً شعبياً، لمقابلة الملا مصطفى البارزاني، وتهيئة الجو لمفاوضات مثمرة، واستبدال عبارة "الإدارة الذاتية" بعبارة "الحكـم الذاتي"، على أن تتخذ الحكومة عدة إجراءات في هذا المجال. ونجح الوفد في مهمته وأصـدر مجلس قيادة الانقلاب، في 9 مارس 1963، بياناً، يقضي بإقرار الحقوق القومية للأكراد، على أساس "اللامركزية".

وأعدت الحكومة المشروع القاضي بتقسيم العراق إلى ست محافظات، تكون إحداها في شمالي العراق، وهي السليمانية، وتتكون من ألوية أربيل والسليمانية ودهوك. مما يعـني خروج مصادر النفط، في كركوك، من المنطقة الكردية. إلا أن الملا البارزاني رفض المشروع. وقدم ثلاثة مطالب جديدة إلى الحكومة. وهي:

أ. إقامة جيش كردي محلي، يشمل وحدات الشرطة.

ب. يخصص 75% من عائدات النفط للحكم الذاتي الكردي.

ج. تضم منطقة كردستان لواءَي الموصل وكركوك.

إزاء ذلك، توقفت المفاوضات، لاستحالة تنفيذ المطالب الكردية، وإصرار الحكومة على ألا يتعدى مفهوم "اللامركزية" الشؤون الإدارية. وتأجلت المفاوضات مع الأكراد، مؤقتاً، ريثما تتضح نتائج مفاوضات الوحدة الثلاثية، بين مصر وسورية والعراق.

ولكي تثبت الحكومة العراقية للأكراد حسن نيتها، سمحت بسفر وفد، برئاسة جلال الطالباني، إلى القاهرة ليقدم مذكرة إلى الوفود، المشتركة في مباحثات الوحدة، التي بدأت في 8 أبريل 1963. واجتمع الوفد مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أولاً، نظراً إلى ما يبديه من تعاطف مع القضية الكردية، "لكنه لم يَعِد بشيء محدد". ثم قدم الأكراد إلى الوفود المجتمعة مذكرة، جاء فيها:

أ. إذا بقي العراق من دون تغيير في كيانه، يقتصر مطلب الشعب الكردي، في العراق على البيان الصادر عن الجمهورية العراقية، في شأن الحقوق القومية للشعب الكردي، على أساس اللامركزية.

ب. إذا انضم العراق إلى اتحاد فيدرالي، يجب منح الشعب الكردي، في العراق، حكماً ذاتياً، بمفهومه المعـروف، بعيداً عن أي تأويل.

ج. إذا اندمج العراق في وحدة كاملة مع دولة عربية أخرى، يكوّن الشعب الكردي، في العراق، إقليماً، مرتبطـاً بالدولة الموحَّدة، على نحو يحقق الغاية من صيانة وجوده، وينفي، في الوقت نفسه، الانفصال، ويضمن تطوير العلاقات الوثيقة، بين الشَعبين الشقيقَين نحو مستقبل أفضل.

وفي القاهرة وُقِّع ميثاق الدولة الاتحادية، في 17 أبريل 1963. وبعد أسبوع واحد، تقدم الوفد الكردي المفاوض إلى الحكومة العراقية، في 24 أبريل 1963، بمشروع معدل لمقترحاته السابقة، أقلّ تشدداً من سابقَيه، ويتضمن الآتي:

أ. أن يتضمن الدستور العراقي نصوصاً لجهاز تشريعي أعلى، للجمهورية ولرئيس الجمهورية والحكومة.

ب. تنظيم الجهاز المختص بممارسة الشعب الكردي لحقوقه القومية، في الأمور، التشريعية والتنفيذية والقضائية، في منطقة كردستان.

ج. استقلال منطقة كردستان بماليتها الخاصة، المكونة من الموارد المحلية، فضلاً عن حصتها من الموارد العامة.

د. كون نائب رئيس الجمهورية كردياً، ينتخبه الأكراد.

هـ. تمثيل شعب كردستان، في المجلس الوطني العراقي، بعدد من النواب، يتلاءم مع نسبة عدده إلى سكان العراق.

و. تطبيق "شرط" النسبة العددية، فيما يتعلق بعدد الوزراء والموظفين، والجامعات والكليات العسكرية، والشرطة.

وأبدت الحكومة العراقية استعدادها لقبول بعض المطالب فيما يتعلق باللغة الكردية، وفتح مدارس جديدة، وجامعة كردية، والإصلاح الإداري. ولكنها لم تقبَل المطالب، العسكرية والمالية، على أساس أن وجود تشكيلات عسكرية كردية، وحصول الأكراد على الاستقلال المالي، قد يغريانهم بالتفكير في الانفصال.

وحيال فشل المفاوضات، تصاعد الصراع العسكري، مرة أخرى، بدءاً من يونيه 1963. ولكنه أخذ هذه المرة، منحى جديداً، فقد نجحت الحكومة العراقية في تجنيد القبائل والمشايخ، المناوئين للبارزاني، وهي قبائل الزيباريين، وشكلت منهم قوات غير نظامية. في الوقت عينه، شكلت قوة "فرسان صلاح الدين" وقوة "فرسان خالد بن الوليد"، من بعض رجال القبائل العربية، في لواء الموصل، وسلحتهم تسليحاً جيداً، لعرقلة أهداف البارزاني، وتشتيت قواه، داخل منطقة كردستان نفسها. كذلك، أرسلت سورية قوات عسكرية، لمساندة الحكومة العراقية.

أما الأكراد، فتدفقت إليهم المعونات، العسكرية والمادية، من إيران، فاستعدت "البشمركة" لمقاومة قوات الحكومة.

ومع استمرار القتال، والنذر بتوسعة مجالاته. تدخل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وأوقف القتال، في فبراير 1964، قبل حلول الربيع، الذي يعطي الفرصة للقوات الحكومية لاستخدام المعدات، ومطاردة القوات المناوئة.

وتبادل الطرفان الأسرى، ورُفع الحصار، ووعدت الحكومة العراقية بحل المنظمات، شبه العسكرية، الكردية، التابعة لها. وعادت الإدارة العراقية إلى مناطق الأكراد، ووضعت خطة لإعمارها، وساد فيها السلام، حوالي 20 شهراً متصلة.

وبصدور الدستور المؤقت، في أكتوبر 1964، رأى الأكراد، أن ما ورد فيه، يُعَد انتقاصاً للحقوق، التي اكتسبوها من الدستور المؤقت لإنقلاب 14 يوليه 1958. وقدم البارزاني مذكرة إلى الرئيس عبدالسلام عارف، في 11 أكتوبر 1964، تتضمن مطالب هي:

أ. حق الشعب الكردي في الحكم الذاتي، ضمن جمهورية عراقية دستورية وديموقراطية.

ب. حل قوات الفرسان، "صلاح الدين وخالد بن الوليد"، وتجريدهم من السلاح وتسريحهم.

ج. في حالة قيام وحدة أو اتحاد، بين العراق وأي قطْر عربي آخر، تصبح كردستان إقليماً، يتمتع بالحقوق عينها، التي تتمتع بها أقاليم الوحدة أو الاتحاد. ويلتزم بواجباتها نفسها.

ورأت الحكومة العراقية، أن هذه المطالب، هي تكرار لموقف كردي متشدِّد. وردَّت عليها بطلب حل قوات الأنصار الكردية "البشمركة". واستمرت المباحثات تواجه ظروفاً صعبة، حتى أصدرت الحكومة العراقية تعديلاً للدستور المؤقت في 9 سبتمبر 1965م، وأصبحت المادة 19، تنص على أن "يقر هذا الدستور الحقوق القومية للأكراد، ضمن الشعب العراقي، في وحدة وطنية متآخية".

ومع نهاية عام 1965، وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود. وفي أوائل عام 1966، اشتعل القتال في الشمال، مرة أخرى. وكان البارزانيون في وضع أفضل مما كانوا عليه، نتيجة لاستمرار الدعم، وتدريب العناصر الموالية لهم. في الوقت عينه، كانت القوات الحكومية في وضع أسوأ، نتيجة لانتقال السلطة، واختلاف المفاهيم بين أعضاء القيادة العراقية. وقد استغل الملا مصطفى البارزاني هذه الأوضاع، ووسع نطاق سيطرته على كردستان، وأصبح زعيماً عاماً للقبائل الكردية، إلى جانب زعامته للحزب الديموقراطي الكردستاني.

وفي مواجَهة ذلك استمرت الحكومة العراقية على نهجها السابق عينه، في تجنيد القبائل الزيبارية وغيرهم من القبائل التي تناوئ البارزانيين وإغداق الأموال عليها، مع توجيه الضربات إلى الأكراد البارزانيين بوساطة الطائرات والمدفعية، وإرسال القوات لإخضاعهم للسلطة.

وكانت النتائج النهائية لهذا الصراع في صالح البارزانيين، لتمكُّنهم من السيطرة على المناطق الجبلية الوعرة، لمعرفتهم بالتضاريس، التي تحقق الإخفاء أو المناورات الآمنة، والتأمين ضد القصف، الجوي والمدفعي، ولإتقانهم لحرب العصابات، وتسلُّحهم بأسلحة حديثة.

ولم تهدأ العمليات العسكرية، إلا في عقب بيان عبدالرحمن البزاز، رئيس الحكومة العراقية، الصادر في 29 يونيه 1966، والذي أكد فيه استعداد الحكومة لتنفيذ ما جاء في الدستور المؤقت، في أبريل 1964، وتعديلاته فيما يتعلق بحقوق الأكراد القومية، وتنفيذاً لذلك، صدر قانون المحافظات، على أساس من اللامركزية في إدارة الشمال، بأن يكون لكلِّ لواء، ولكلِّ قضاء، ولكل ناحية، شخصية معنوية معترف بها. وأكد البيان استعداد الحكومة للاعتراف باللغة الكردية، وتمثيل الأكراد في المجلس الوطني، ومشاركتهم في الوظائف المدنية العامة، وأن تخصص الحكومة جزءاً كبيراً من ميزانيتها، لإعمار منطقة كردستان، كما أيدت الحكومة إنشاء جامعة في السليمانية، ووعدت بالاستقلال الإداري للمناطق الكردية، مقابل أن يسلم الأكراد سلاحهم.

وفي نهاية هذه المرحلة من الجمهورية العراقية الثانية، بدا الملا مصطفى البارزاني، وكأنه ملك لكردستان غير المتوج، إذ أخذ يجبي الرسوم والضرائب والأتاوي، ويرهب خصومه، ويجتذب الشباب الأكراد، الذين انخرطوا في الحزب الديموقراطي الكردستاني. بل حاول أن يظهر بمظهر المحرر لكل العراق ، فطالب بالديموقراطية الكاملة، والحياة البرلمانية، في كل أنحاء العراق. وتبنى قضية الأقليات، القومية والدينية في العراق.

وفي 17 يوليه 1968، أطاح البعثيون حكم عبدالرحمن عارف في العراق، وبدأت المسألة الكردية مرحلة جديدة.


 



[1] تقع قرية بارزان على سفوح جبال شيرين الجنوبية الواقعة في جنوب سلسلة جبال شيروان الفاصلة بين حدود تركيا مع العراق. وهي تابعة لقضاء الزيبار وتقع على بعد 25 كم شمال شرقي مدينة عقرة .وتقع في منطقة جبلية وعرة تحيط بها الجبال وترتفع أكثر من ألفي متر فوق مستوى سطح البحر، هذا الموقع جعلها منيعة على من أرادها وأكسبت أهلها البأس والشدة، وصارت موئلاً للعصيان وملجأ للهاربين من العدالة.