إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الأكراد والمشكلة الكردية




الملا مصطفى البرزاني
جلال طالباني
عبدالله أوج آلان
عبدالرحمن قاسملو


منطقة الأكراد "كردستان"



الأكــــراد

المبحث السابع

الأكراد في إيران وسورية وأرمينيا

أولاً: الأكراد في إيران

لم يختلف وضع الأكراد في إيران عن وضع إخوانهم في تركيا، فقد أصرّ الإيرانيون على اعتبار السلالتين، الكردية والإيرانية، تنبعان من أصل واحد. ولذلك فليست هناك مبررات للفرقة والعداوة بين أبناء الجنس الواحد. ولم يعترف بأنهم قومية لها تميزها. وتعرضوا لعمليات الصهر والدمج في المجتمع الإيراني، والتهجير من مواطنهم إلى مناطق أخرى في إيران.

1. الانتفاضات الكردية، في إيران، حتى الحرب العالمية الثانية

أ. ثورة إسماعيل سيمكو، عام 1921

عقب الحرب العالمية الأولى، نشبت في كردستان الإيرانية انتفاضات، من أبرزها تلك التي قادها إسماعيل آغا سيمكو، زعيم قبيلة شكاك الكردية، في إقليم أورمية بين عامَي 1920 و1925. وأخذت حركته في البداية طابع مقاتلة النساطرة الأشوريين، ثم امتدت واتسعت إلى أن وصلت بلاد أورمية، التي اتخذها سيمكو قاعدة لحركاته، وفرض سيطرته بمساعدة أربعين ألف من أفراد قبيلته الشكاك القوية، في الإقليم الواقع شرق أورمية، ورفع راية العصيان من كردستان إيران، تحت شعار القومية الكردية. وأقام الصلة الوثيقة مع الشيخ محمود الحفيد، في السليمانية، عام 1923. غير أن الإنجليز دفعوه إلى محاربة الأشوريين فقتل زعيمهم مار شمعون. وقد أدى ذلك إلى إضعاف مركز سيمكو.

وفي عام 1925، أصبح رضا خان شاهاً على إيران، فطبق سياسة التحكم بجميع الأقليات وصهرهم، بمن في ذلك الأكراد. ولهذا السبب، وجد أن من الأهمية أن يقضي على سيمكو. وعندئذ، جردت الحكومة الإيرانية عليه حملة عسكرية، قضت عليه بعد معارك دامية. واضطر سيمكو زعيم الحركة وقائدها إلى اللجوء إلى العراق والإقامة في شمالي رواندوز.

وظل سيمكو حتى عام 1930 يقود معارك عديدة ضد القوات، الإيرانية والتركية والعراقية، محرزاً النجاح في أكثر الحالات. وقد دعي في 21 يونيه 1930، إلى مدينة شنو، للتفاوض مع ممثل القوات الإيرانية، إلا أن هذا الأخير دبر مقتله.

ب. حركة جعفر سلطان، عام 1931

اندلعت الانتفاضة التالية في إيران، في خريف 1931، في الجنوب بقيادة جعفر سلطان هورمان، من منطقة همدان. وشأن بقية الانتفاضات، تم القضاء على هذه الانتفاضة بقسوة، فكان أن أعلن ممثل كردستان في البرلمان الإيراني، أن ليس ثمة مشكلة كردية في إيران. وزعم أن الأكراد يعتبرون أنفسهم إيرانيين، ولا يفكرون بشيء سوى إيران.

وحرم الأكراد الإيرانيون من كافة حقوقهم القومية. فقد منع استعمال اللغة الكردية، ولم يسمح للأكراد حتى بارتداء أزيائهم القومية. وقد ألقى الكثيرون منهم في السجون، لعدم طاعتهم هذا التحريم. وأرسل بعضهم إلى المنفى.

ج. حركة الشيخ حمه رشيد، عام 1941

الانتفاضة الكردية الثالثة، تزعمها الشيخ حمه رشيد خان، في عام 1941م، وكانت انتفاضة قبلية محضة، نشأت نتيجة فراغ في السلطة. وقد اتبع أساليب الغارة على القرى، والسلب والنهب، فاستولى على مهاباد وإقليم ساقز - بانه. وظل مستقلاً بسيطرته حتى طرده الجيش الإيراني، فلجأ إلى العراق، عام 1942، حيث ألقي القبض عليه هناك. ولكنه عاد إلى إيران عام 1945 على رأس قوة من رجاله، قوامها مائتا فارس مسلح، وظلوا في مأمن من الجيش الإيراني، يتحاشون الاصطدام به. ولكنه أخفق، فيما، بعد في المحافظة على الأمن والنظام.

2. جمهورية مهاباد

في عام 1941، دخلت قوات الحلفاء إيران، ومعها القوات السوفيتية، التي تمركزت في شمال البلاد، فقُضي على حكم الشاه رضا، ونُصب ابنه محمد رضا مكانه. وفي يناير عام 1945، أعلنت آذربيجان الإيرانية حكومة يسارية مستقلة، تحت قيادة الحزب الديموقراطي الآذربيجاني، ويرأسها جعفر بيشواري. وكانت هذه الحكومة مدعومة من السوفيت مادياً ومعنوياً. وأصبحت اللغة الآذربيجانية، التي كانت ممنوعة من الاستعمال في السابق، لغة رسمية.

والواقع أن الجزء الشمالي من كردستان الإيرانية، بعاصمته مهاباد، لم يتم احتلاله من قبل الحلفاء، طيلة سنوات الحرب، فبعد أن طُردت آخر قوات البوليس الإيراني من مهاباد، عام 1944، تولى الشعب الحكم بنفسه. وقد انبثقت من ذلك الحين منظمة في مهاباد، اسمها (كومه له زياني كورد) أي جمعية الإحياء (البعث) الكردي، كأول تنظيم سياسي كردي.

وفي 15 أغسطس 1945، تأسس الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني، الذي عرف، اختصاراً، باسم (حدكا) في مهاباد، متخذاً جمعية الإحياء (البعث) الكردي قاعدة له. ويتزعمه قاضي محمد علي قاسم. وكانت للشيخ عزالدين الحسيني، الزعيم الكردي الإيراني، صلة قوية به.

وكانت أهم مواد البرنامج، الذي وضعه الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني: تحقيق الحرية والحكم الذاتي للشعب الكردي ضمن نطاق الدولة الإيراينة. واستعمال اللغة الكردية في التعليم وجعلها اللغة الرسمية في الشؤون الإدارية والسلطة العليا في المنطقة، وإقامة وحدة وعلاقات أخوية مع شعب آذربيجان وبقية الأقليات القومية في نضالها المشترك، وتحسين الأوضاع الاقتصادية باستثمار الموارد الطبيعية في كردستان، وتنمية الزراعة والتجارة وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية.

وكان جعفر بيشواري - الذي سبق أن حارب القوات الإيرانية واستعان بالقبائل الكردية - وعد زعماء الأكراد بحكومة مستقلة في نطاق دولة آذربيجان الجديدة. فلما تحقق لبشواري ما كان يصبو إليه، طالبه الأكراد بتحقيق وعده لهم، وقامت جمهورية كردية شعبية في 23 يناير 1946، واتخذت من مهاباد عاصمة لها، وكان على رأسها زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني قاضي محمد.

وقد استمر الحكم الكردي عشرة أشهر، إلا إنه حقق في هذه الفترة فوائد جمة للشعب الكردي. فأصبحت اللغة الكردية اللغة الرسمية، وازدادت الجرائد والكتب الصادرة باللغة الكردية. وتأسس أول مسرح كردي. وتولى الكتبة الأكراد الوظائف التي كان يشغلها الفرس الآذربيجانيون من قبل، وشكلت قوات عسكرية وميليشيا كردية لتحل محل شرطة الحكومة وجيشها.

واستطاعت حكومة مهاباد أن تحقق في هذه الفترة القصيرة إصلاحات كثيرة، خاصة في النواحي الزراعية والثقافية والإدارية. وكان قاضي محمد نفسه شخصاً معتدلاً في آرائه ومطالبه، وكان يبدو كما وصفه روزفلت الصغير- رجلاً ذا معتقدات راسخة، مع شجاعة نادرة وتضحية عظيمة، وفوق ذلك اتساع في الأفق واعتدال في التفكير، وكان جل مطالبه هو الحكم الذاتي.

وفي 23 أبريل 1946، عقدت معاهدة بين الحكومة الديموقراطية (اليسارية) الآذربيجانية وبين الحكومة الوطنية الكردية، تؤكد الصداقة والوحدة بينهما.

ولكن بعد عشرة أشهر من قيام الجمهورية الكردية، اضطرت القوات السوفيتية المرابطة في شمال إيران، نتيجة للضغط من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الانسحاب، وعندئذ زحف الجيش الإيراني بدعم بريطاني لاستعادة آذربيجان، فاحتل مهاباد وقضى على حكومة قاضي، وأُعدم قائد الحكومة قاضي محمد وأخوه صادر قاضي عضو البرلمان الإيراني، وابن عمه سيف قاضي وزير دفاع جمهورية مهاباد، وذلك في 31 مارس 1947.

لقد كانت السلطة القانونية، التي تمارسها الحكومة الكردية في مهاباد، محصورة في الجزء الشمالي من كردستان الإيرانية، وهي تشمل 30% من كردستان الإيرانية، أما الجزء الجنوبي من كردستان، وهو الذي يمتد على رقعة واسعة، فقد بقي في يد الحكومة الإيرانية، وهذا مكن الحكومة الإيرانية من شن هجومها العسكري السريع على مواقع حكومة مهاباد.

وبعد سقوط مهاباد قام البارزانيون العراقيون- الذين كانوا قد لجأوا إلى هناك وقدموا عوناً للحكومة الوطنية الكردية في إيران - بالاشتباك في قتال عنيف غير متكافىء مع القوات الإيرانية، يقودهم مصطفى البارزاني الذي كان قائداً للقوات المسلحة التابعة لجمهورية مهاباد. وأبدوا مقاومة شديدة ضد الإيرانيين. وأصدر شاه إيران أمره، في 3 مارس 1947، بقصف جوي ومدفعي لكافة المراكز التي تقيم فيها عوائل البارزانيين.ويجب أن تنتهي المشكلة برمتها في 3 أبريل 1947، لكي لا يتمكن البارزانيون من الهرب.

وتمكن البارزانيون من دخول العراق، حيث كانت تنتظرهم القوات العراقية فواجهتهم بالقتال، واضطروا إلى ترك النساء والأطفال في منطقة بارزان بينما دخل الرجال وعددهم خمسمائة رجل إلى تركيا. ومنها استطاعوا العودة ثانية إلى إيران يقودهم مصطفى البارزاني. وواجهتهم القوات الإيرانية، وبعد قتال عنيف، تلقى فيه المقاتلون الأكراد الدعم من الشعب الكردي، تمكن البارزاني ورفاقه من عبور نهر( أراس) فدخلوا الاتحاد السوفيتي لاجئين، وبقوا هناك حتى قيام الثورة العراقية، عام 1958م".

ومن ذلك التاريخ، ظل الحزب الديموقراطي الكردستاني في إيران يعمل سراً، رافعاً شعار "الحكم الذاتي لكردستان ضمن نظام ديمقراطي لإيران.

ولم يحدث على الساحة الكردية الإيرانية ما يلفت النظر خلال الفترة منذ سقوط جمهورية مهاباد، عام 1946، حتى قيام الثورة الإيرانية على يد الخميني وسقوط نظام شاه إيران، عام 1979.

3. الحركة الكردية، بعد ثورة الخميني في إيران

أسهمت الجماهير الكردية، عام 1979، في المظاهرات المعادية لنظام شاه إيران، خاصة في مناطقهم في كرمنشاه وسننداج ومهاباد وأروميا. وابتهج الأكراد عندما سقط الشاه، في فبراير 1979، وتجاوبوا مع بقية الشعب الإيراني في الشعور برفع الظلم عنهم. وتوقعوا أن يحصلوا من السلطة الإسلامية الجديدة على حق الحكم الذاتي. وشكلوا لأنفسهم ميليشيات باسم "البشمركة"، وأصدروا عدداً من المطبوعات باللغة الكردية، التي كانت محظورة منذ عام 1946.

وأرسلت الحكومة الجديدة في طهران لجنة لتقصي الحقائق في المقاطعة الكردية، وعقد الحزب الديموقراطي الكردستاني (حدكا) مؤتمراً جماهيرياً حاشداً، في 3 مارس 1979، في مهاباد، معلناً بداية ظهوره العلني، ومزاولة نشاطه لإقناع السلطة الجديدة بتقديم تنازلات للأكراد.

وفي 28 مارس 1979، توجه وفد كردي إلى (قم) على رأسه الدكتورعبد الرحمن قاسملو، لعرض مطالب الأكراد على آية الله الخميني، وكان عبد الرحمن قاسملو قد انتخب عضواً في مجلس الخبراء، الذي شكلته الثورة الإسلامية، نائباً عن كردستان إيران. ولكن الوفد فوجئ بأن الخميني يرفض الاعتراف بالحكم الذاتي للأكراد، في نطاق الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وكانت المطالب الكردية متواضعة، وقد أكدت السلطة أن الطابع الديني، للجمهورية الإسلامية كفيل بتحقيق ما تصبو إليه القوميات.

وقد أدى رفض الخميني منح الأكراد نوعاً من الاستقلال إلى تدهور الوضع في كردستان، حيث عمل الأكراد على طرد القوات الإيرانية من كثير من المدن الكردية.

وكان الخميني يسعى إلى إضعاف اليسار الإيراني من خلال سحق القوى الكردية، فقد كانت هذه القوى - كما هو في العراق وتركيا ـ ملجأ تقليدياً لكل فروع الحركات اليسارية والماركسية.

نشب القتال بين قوات البشمركة الكردية وقوات الحرس الثوري الإيراني في أبريل 1979، في مدينة نقده، التي يقطنها الأكراد والآذريون. وكان الحزب الديموقراطي الكردستاني يقوم بتعبئة الجماهير. واشتدت المصادمات حتى إن الخميني صرح بقوله: أن ما نواجهه ليس قضية كردية إنما قضية شيوعية". وعلى أثر ذلك أصدر الخميني، في أغسطس 1979، فتوى الجهاد ضد "الكفرة في كردستان".

وتعرضت مدينة سننداج للقصف الجوي بطائرات الفانتوم، من جراء القتال الذي احتدم بين الأكراد والقوات الإيرانية، في مايو 1980. ولحق بالأهالي والمدينة خسائر كبيرة.

شن الجيش الإيراني في 17 أغسطس عام 1980، هجوماً على القرى والمدن الكردية بدأ من باوه في محافظة كرمنشاه، بدعوى ضرب النشاطات اليسارية. وبعد سقوط المدن والمعاقل الكردية في ساقز ومهاباد وسننداج وسردشت في يد الجيش الإيراني، انتقلت بعدها القوات الكردية إلى الجبال وبدأت مرحلة حرب طويلة الأمد. حيث كانت الطائرات العمودية تغير على معاقل الأكراد والقرى التي يأوي إليها البشمركة.

وصرح مهدي بارزكان، أول رئيس للوزراء في إيران، بعد الثورة، قائلاً :إن التعبئة العسكرية ضد الأكراد قد أمر بها الخميني بصفته قائداً أعلى للقوات المسلحة الإيرانية، وكانت مبنية على معلومات مغلوطة.

وقد وجد الحزب الديموقراطي الكردستاني في إيران الدعم من الاتحاد السوفيتي، باعتباره حليفاً له، خاصة بعد مواقف الثورة الإيرانية المعادية للغزو السوفيتي لأفغانستان، والمناهضة لحكومة أفغانستان الشيوعية. واستطاع تسريب كثير من عملائه ذوي الأصل الكردي أي من الأكراد القاطنين في أرمينيا وآذربيجان.

ولما نشب الحرب بين العراق وإيران، في 22 سبتمبر 1980، بدأت قيادة الثورة الإيرانية التعامل مع الحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي بزعامة مسعود البارزاني المقيم في طهران، واتفق معهم على العمل سوياً ضد أكراد إيران وضد العراق وأن يصفي العناصر اليسارية من حزبه، وألا يتدخل في شؤون كردستان إيران. في مقابل ذلك يحصل البارزاني على المال والسلاح والتسهيلات وتمكينه من تجميع قواته في زيوه وتدفع لهم رواتب.

لقد انتهز عبد الرحمن قاسملو فرصة وقوع الحرب بين العراق وإيران، فعرض أن ينضم بقواته إلى الحكومة الإيرانية في هذه الحرب، في مقابل ضمان حقوق الأكراد. ولكن الحكومة الإيرانية لم تبد حماساً لهذا العرض.

وحتى تصل السطات الإيرانية لهدنة مؤقتة مع الأكراد بسبب الحرب مع العراق، قامت بعدد من الإعدامات في صفوف أكراد إيران في قرية باوه بقضاء نقده، وقصفت القوات الإيرانية القرى الكردية قصفاً عشوائياً، ثم أصدر الخميني نداء، في 4 نوفمبر 1980، يدعو إلى التفاهم وحل المسألة الكردية سلمياً. واستجاب الحزب الديموقراطي الكردستاني في إيران لهذا النداء ببيان عنوانه "لبيّك"، وتوقف القتال نتيجة لذلك.

تبع نداء الخميني هذا مباحثات بين قيادة الثورة الكردية ووفود من الحكومة الإيرانية لم تثمر شيئاً. وفي ربيع عام 1981، قدم وفد من الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني (حدكا) برئاسة غني بلوريان لمقابلة رئيس الجمهورية الإيرانية أبوالحسن بني صدر، وقدم له مطالبه لخصها في ست نقاط أساسية، ولما عرضها رئيس الجمهورية على مجلس الثورة الإيرانية رفضها.

أدى موقف السلطة الثورية الإيرانية هذا إزاء الحقوق الكردية إلى توتر الوضع في كردستان، فقاطعوا الاستفتاء الذي جرى على الجمهورية الإسلامية. فأمر الخميني، في أكتوبر 1981، بسحق التمرد الكردي وسقطت مدينة بوكان في يد القوات الإيرانية التي استعادتها من يد الأكراد. وهي مدينة ذات أهمية إستراتيجية لوقوعها على مفترق الطريق الرئيسي، الذي يعبر كردستان الإيرانية. ولجأ المقاتلون الأكراد إلى الجبال.

في أواخر عام 1982، وأوائل عام 1983، استولت قوات الحكومة الإيرانية على طريق بيران شهر - سردشت، وقطع طريق الإمدادات الكردية من العراق التي كانت الشريان الحيوي لتموين قوات الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني.

وأصدر بسبب ذلك الدكتور عبد الرحمن قاسملو بياناً من إذاعة بغداد، في أبريل عام 1983، يناشد العالم نصرة الشعب الكردي ضد الحكومة الإيرانية.

انتقلت الحرب العراقية الإيرانية في بعض مراحلها إلى الجبهات الكردية على الحدود، فتعرضت القرى والمدن الكردية للخراب والتدمير في حرب لا ناقة لهم فيها ولاجمل، وقصفت قرى مثل حاجي عمران ومهران وشلير بقضاء بنجوين. ومسحت قرية مريوان وقصر شيرين من على الأرض. وشنت غارات على حلبجة وسيد صادق في شهر زور.

4. موقف إيران من نشاط الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني

أ. تعتبر إيران أن قيام هذا الحزب خروج على القانون الإيراني. وأن جميع أعماله نوع من العمليات الإرهابية في غير مصلحة إيران.

ب. تطارد الحكومة الإيرانية نشاطات الحزب من طريق الحرب بالوكالة باستخدام الأحزاب الكردية العراقية المتحالفة معها. أو من خلال تنفيذ هجمات مسلحة يشنها الجيش الإيراني ضد معاقل الحزب. وكانت أبرز المعارك في هذا المجال هي عمليات 1994، 1996.

ج. تطارد الحكومة الإيرانية قيادات الحزب في الخارج، فاغتالت في فيينا، عام 1989، الدكتور عبد الرحمن قاسملو، زعيم الحزب واثنين من رفاقه. كما اغتالت أيضاً، في عام 1992، زعيم الحزب الذي تولى من بعده، وهو صادق شرفكندي مع أربعة من القيادة الكردية، في مدينة برلين الألمانية، عام 1992.

5. أهم الأحزاب الكردية في إيران

أ. جمعية كومه له - ز. ك -

كلمة "كومه له" أو" كومه لي"، تعني الجمعية، والاسم الكامل للجمعية هو: " كومه له ي زيانه وه ى كوردستان" أي جمعية بعث كردستان.

تأسست هذه الجمعية في كردستان إيران، في 6 سبتمبر 1942، وتركز نشاطها في مهاباد، واستمر هذا النشاط إلى ما بعد ولادة جمهورية مهاباد 1946، فتحول اسمها إلى الحزب الديموقراطي الكردستاني. ولقيت هذه الجمعية دعماً من الأكراد في العراق، وانتسب إليها قاضي محمد الذي تولى رئاسة جمهورية مهاباد ('منذر الموصلي، الحياة السياسية والحزبية في كوردستان، ص 271-276').

ب. الحزب الديموقراطي الكردستاني (حدكا)

نشأ هذا الحزب بعد جمعية البعث الكردي (كومه له) في سبتمبر 1945، وكان له دور كبير في تأسيس جمهورية مهاباد، عام 1946، ولقى دعماً من الاتحاد السوفيتي، مما جعل الحزب يصطبغ بالصبغة الماركسية. وكان يدعو للحكم الذاتي في كردستان في إطار الدولة الإيرانية، ولم يتبنَّ الدعوة للانفصال.

وأهم مبادئه التي وردت في برنامجه:

(1) يتمتع الشعب الكردي في إيران بالحكم الذاتي في إدارة شؤونه المحلية، ويحصل على الحكم الذاتي ضمن إطار الدولة الإيرانية.

(2) تكون اللغة الكردية لغة التعليم واللغة الرسمية في دواوين الحكومة.

(3) ينتخب المجلس التشريعي المحلي أولاً، بحسب أحكام الدستور الإيراني، ويكون له حق الإشراف والرقابة في كل أمور الدولة العامة.

(4) الموظفون الرسميون يتم اختيارهم من الأكراد.

(5) تتحقق المساواة القانونية بين الفلاحين والملاك ويضمن مستقبلهما معاً.

(6) يقوم الحزب الديموقراطي الكردستاني ببذل جهود خاصة لتحقيق الوحدة والأخوة التامة مع الشعب الأذربيجاني وغيره من الشعوب، التي تعيش في أذربيجان كالأشوريين والأرمن.

(7)يجاهد الحزب في تحسين ورفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي للشعب الكردي، باستغلال مصادر الثروة الطبيعية الكثيرة في كردستان، ويعمل على تطوير الزراعة والتجارة ورفع مستوى الصحة والتعليم.

8. يأمل الحزب في أن تكون الشعوب الإيرانية قادرة على العمل لأجل رفاهها، وفي سبيل تقدم البلاد الإيرانية ككل.

ثانياً: الأكراد في سورية وأرمينيا

1. في سورية

يقدر بعض الكتاب العرب الأقلية الكردية في سورية (ومعها لبنان) بحوالي ثلاثمائة وخمسين ألف نسمة، وهذا الرقم هو عدد الأكراد الذي ورد في تقرير عصبة الأمم، عام 1925، ولكن الكتاب الأكراد يقدرون عددهم بمليون وربع المليون نسمة أي عشرة بالمائة من سكان سورية، ولكنهم في الحقيقة لا يتجاوزون مليون نسمة أي 9% من سكان سورية.

ويقيمون في الشمال الشرقي (إقليم الجزيرة السورية، محافظة الحسكة) وفي الشمال وفي منطقتي عين العرب (كوبانية) وعفرين (جبل الأكراد) قرب حلب. ويسكن في دمشق نحو مائة ألف كردي في حي الصالحية، وفي حلب بضعة آلاف منهم. وتقع في بلادهم حقول نفط كراتشوك ورميلان.

والأكراد ليسوا طارئين على البلاد السورية، كما يدعي بعض الكتاب بأن الأكراد قد لجأوا إلى سورية من تركيا، عام 1926، بعد فشل ثورة الشيخ سعيد بيران، والبطش الذي لحق بهم من جراء ذلك. فمواطنهم قريبة من الحدود السورية التركية -العراقية التي يقطن أغلبها الأكراد في تلك الدول.

والأقلية الكردية في سورية غير معترف بها في الدستور أو القوانين، وبالتالي تجاهلت الحكومات السورية حقوق الأكراد الثقافية، وحقهم في استخدام اللغة الكردية والتعلم بها. وكانت السلطات تمنع تداول الأشرطة والكتب الكردية.

وفي 23 أغسطس 1962، أجري إحصاء للسكان في منطقة الجزيرة السورية حيث يقيم معظم السكان الأكراد، بذريعة صد تسلل الأكراد من تركيا إلى سورية. وأدى الإحصاء إلى تجريد أكثر من مائة وخمسين ألف كردي من حقوق المواطنة السورية. وفي العام نفسه باشرت الحكومة تطبيق سياسة تعريب المناطق الكردية، وفق قانون "الحزام العربي"، فعمدت إلى توطين عائلات عربية محل السكان الأكراد، وفي بلادهم وفي أرضهم. واستمرت هذه السياسة إلى عام 1975.

اتسمت الحركة الكردية في سورية بطابعها السياسي السلمي، فنأت بنفسها وبالأكراد عن المواجهة الدامية ورد الفعل السوري العنيف. فقد ظهرت الحركة الكردية في سورية في الثلاثينيات من هذا القرن على شكل جمعيات ونواد ثقافية واجتماعية ورياضية. وانحصر نشاط الحركة القومية الكردية في المطالبة بحقوق ثقافية وسياسية متواضعة. وتعاونت مع الجمعيات التي نشطت على الساحة التركية مثل جمعية خويبون. وأصدرت مجلة "هاوار" (أي الصرخة) باللغة الكردية.

وتأسس في سورية الحزب الديموقراطي الكردستاني، عام 1957، وترأسه الدكتور نور الدين زازا، ودعا في انطلاقته إلى تحرير كردستان وتوحيدها من طريق الثورة. وطال الاعتقال عام 1960، معظم قياديي الحزب، فانفرط عقده. ولما خرج قادته من السجون، عام 1961، أعادوا النظر في برنامجهم وقصروه على المطالبة بحقوق الأكراد السوريين الثقافية والسياسية. وظهر في الوقت نفسه حزب كردي آخر، هو الحزب الديموقراطي اليساري الكردي، أراد المشي في النهج الثوري الأول للحزب الديموقراطي الكردستاني، لكنه اضطر بدوره إلى انتهاج سياسة معتدلة في أواخر الستينيات. وقد انخرط الأكراد في العمل ضمن الحزب الشيوعي السوري الذي أسسه خالد بكداش وهو كردي سوري في الخمسينيات من هذا القرن.

موقف سورية من القضية الكردية عموماً

في الوقت الذي تتجاهل فيه سورية وجود أقلية كردية لديها، فإنها تقف موقفاً إيجابياً من بعض فصائل الأكراد في العراق وتركيا. فتقدم الدعم المادي والمعنوي لها. وتنطلق سورية في مواقفها هذه من حساباتها الإستراتيجية ومصالحها الخاصة. حيث العداء بين حزب البعث الحاكم في سورية والبعث الحاكم في العراق، وحيث الجو غير الودي الذي يسود العلاقات بين سورية وتركيا، وأيضاً الدعم الذي تلقاه المنظمات اليسارية عموماً من سورية.

علاقتها مع الأحزاب الكردية العراقية طيبة، خاصة مع الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، الذي أعلن تأسيس الحزب من دمشق، في يونيه 1975م. ويقيم الطالباني معظم أوقاته في العاصمة السورية، وينتقل إلى البلد الذي يجده في حالة عداء مع النظام السياسي في العراق، وهذا ما ينطبق على النظام السوري.

وضمت دمشق الأحزاب الكردية العراقية ضمن الأحزاب المعارضة للنظام العراقي بعد حرب الخليج. وأجرت مصالحة بين الزعيمين الكرديين المتنافسين مسعود البارزاني وجلال الطالباني.

تقدم سورية الدعم لحزب العمال الكردستاني التركي منذ عام 1984، ويقيم زعيم الحزب وقيادته في دمشق حيث انتقل إليها من سهل البقاع اللبناني. وتدعي المخابرات التركية بوجود أربعة آلاف مسلح على الحدود السورية - التركية وفي معسكر معصوم قورقماز في البقاع اللبناني. وسورية تستخدم حزب العمال الكردستاني ورقة ضاغطة على تركيا إزاء موضوع مياه الفرات، مما يدفع بالعلاقات السورية التركية نحو التعقيد.

وانطلقت بعض العمليات العسكرية لحزب العمال من الأراضي السورية، عام 1986. وكاد الوضع ينفجر بين البلدين ولكنهما اتفقا فيما بعد على بروتوكول، وقع عام 1987، يقضي بالمحافظة على الأمن ومكافحة الإرهاب.

ومؤخراً زودت المخابرات الأمريكية والإسرائيلية المخابرات التركية معلومات عن مواقع حزب العمال الكردستاني في لبنان. وهدد سليمان ديميريل، في مارس 1992، بأن تركيا تحتفظ بحقها في ملاحقة مسلحي حزب العمال أينما كانوا

2. الأكراد في أرمينيا وآذربيجان

يتداخل الأكراد والأرمن في منطقة كردستان وأرمينيا، فهم جيران منذ القدم، وبينهم علاقات قديمة يشوبها عدم الود في كثير من الفترات التاريخية.

وتقيم جاليات كردية في منطقة نخجوان (نختشوان) وحول إيريفان (عاصمة أرمينيا) ومنطقة قرا باغ في آذربيجان.

ويقدر عدد الأكراد في أرمينيا وآذربيجان في حدود نصف مليون نسمة.

ولما وقعت أرمينيا وآذربيجان تحت السيطرة السوفيتية، أصبح الأكراد هناك من الرعايا السوفيت وانخرطوا في الأحزاب الشيوعية. وأتاح لهم الاتحاد السوفيتي إصدار جرائد و مطبوعات باللغة الكردية التي صارت تكتب بالحروف الروسية. وافتتحوا المدارس الكردية التي كانت تدرس فيها اللغة الكردية. ولايشكل وجودهم في تينك الجمهوريتين أي مشكلة قومية.

وكان الأكراد في أرمينيا وآذربيجان عوناً لبعض الحركات الكردية في إيران والعراق وتركيا، واستخدمهم الروس في التسلل إلى تلك البلاد للمشاركة في الانتفاضات.

وتذكر بعض الأخبار غير المؤكدة أن حزب العمال الكردستاني التركي افتتح له معسكرات تدريب في أرمينيا، التي ليست لها علاقات حسنة مع تركيا، بسبب العداء التاريخي بين الأرمن والأتراك، وبسبب النزاع بين أرمينيا مع جمهورية آذربيجان التركية منطقة قرا باغ.

3. تطورات القضية الكردية في ضوء المصالحة الكردية ـ الكردية في واشنطن

في منتصف سبتمبر 1998م التقى مسعود البارزاني زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني وجلال الطالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، في واشنطن،واجتمعا مع وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت،ومستشار الأمن القومي الأمريكي صموئيل بيرجر.وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جيمس روبن،أن أولبرايت أعربت للزعيمين الكرديين عن استمرار اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بأوضاع الأكراد،وجميع سكان شمال العراق.والوزيرة الأمريكية عدت الزعيمين الكرديين ممثلين لأصوات ملايين الأكراد في العراق.وتناولت المباحثات الوضع في العراق والمناخ الأمني والسياسي السائد في كردستان العراق،والاحتياجات الأمنية وبرامج المساعدات الإنسانية لسكان المنطقة.

وتستخدم واشنطن الورقة الكردية في صراعها ضد العراق منذ انتهاء حرب الخليج الثانية في مارس 1991م، وتقدم الدعم للمنطقة الكردية تحت غطاء الأمم المتحدة.وتمنع أي نشاط للقوات العراقية في شمال العراق.وتدعم إذاعة (العراق الحر) التي تبث إرسالها من براغ،وتساهم في برامجها عناصر كردية.

ومن هنا جاء اجتماع واشنطن بعد تأزم الوضع بين بغداد وواشنطن،وتصعيده نتيجة لإعلان العراق إيقافه التعاون مع فرق التفتيش الدولية، وطالب مجلس الأمن التراجع عن قراره الرقم 1194، الصادر في 9 سبتمبر 1998م، ويقضي بتجميد المراجعة الدورية لرفع الحظر عن العراق.

وتوصل الطرفان الكرديان العراقيان إلى مصالحة برعاية أمريكية،أنهت هذه المصالحة أربع سنوات من الصراع المسلح على السلطة في المناطق الكردية،البعيدة عن سيطرة الحكومة المركزية العراقية.ووقع الطرفان اتفاقهما في 17سبتمبر 1998م.

وقد سبق أن توصل طرفا النزاع الكردي إلى اتفاق لوقف الصراع بينهما في مايو 1994م برعاية تركيا.إلا إنه سرعان ما تجددت الاشتباكات بينهما ثانية.إضافة إلى تكرر اشتباكات مماثلة بين قوات الحركة الإسلامية الكردية لأكراد العراق وقوات الاتحاد الوطني الكردستاني.ولهذا فإن احتمال عودة الحزبين الكرديين إلى الصراع ثانية وتجدده بينهما لازال قائماً، وخاصة أن التباين في وجهات النظر في المسائل المشتركة بينهما لم تحل جذرياً.وأهم هذه المسائل هي:

أ. الموارد المالية المحصلة من الجمارك في المنطقة العراقية الشمالية.

ب. البرلمان الوطني الكردستاني والعلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد،ومع المعارضة العراقية.

ج. العلاقات مع كل من إيران وتركيا،التي يحتفظ كل طرف بعلاقات جيدة مع إحداها دون الأخرى.

ويهدف اتفاق واشنطن إذا نفذ، إلى:

أ. عودة الإدارة الكردية الموحدة لممارسة عملها في شمال العراق.

ب. تشكيل حكومة موحدة تسعى لإجراء انتخابات برلمانية في صيف 1999م.

ج. تقاسم العائدات المالية من الجمارك وغيرها من موارد دخل المنطقة بين الحزبين الكرديين.

وقد وضع جدول زمني لتنفيذ الاتفاق الذي جاء حلاً وسطاً لمشاكل الحزبين.

وقد اتضح من تصريحات الزعيمين الكرديين أن اتفاقهما ليس ضد مصلحة أية دولة في المنطقة بل هو اتفاق سياسي يهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار في شمال العراق، وسوف يساعد كل جيران العراق على السلام. كما أكدا على وحدة أراضي العراق.

وقد نفت الحكومة الأمريكية بدورها على لسان نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي ديفيد ويلش،أن يكون هدف الاتفاق هو إقامة دولة كردستان المنفصلة عن العراق، بل يهدف إلى الحيلولة دون تكرار انتهاكات لحقوق الإنسان في شمال العراق.