إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / القدس (سياسياً... وتاريخياً... ودينياً)




وثيقة الأمان العمري
باب ستنا مريم
قبة الصخرة

مملكتي اليهودية وإسرائيل
إنشاء الوحدات السكنية في المستعمرات
مجسم لقبة الصخرة
مجسماً لمدينة إيليا كابيتولينا
الأطواق الاستيطانية حول القدس
الاستيطان اليهودي
الحفريات حول الحرم الشريف
القدس والنفق ـ الأزمة
القدس والانتداب البريطاني
القدس تحت الاحتلال البريطاني
القدس في الثمانينيات
القدس في التسعينيات
القدس في الخمسينيات
القدس في الستينيات
القدس في السبعينيات
خطة الأمم المتحدة للقدس
فلسطين في عهد سليمان وداود

الأوضاع النهائية في فلسطين
الأراضي المصادرة في القدس
القدس منذ عام 1967
القدس بين عامي 1949-1967
قرار تقسيم فلسطين



بسم الله الرحمن الرحيم

ويتلخص هذا المشروع في الآتي

1. فيما يخص اليهود

أ. يحصل اليهود على معظم المناطق الساحلية الغربية، من حيفا إلى عسقلان جنوباً، مع ترك جيب ساحلي صغير لمدينة يافا العربية أساساً، والمجاورة لمدينة تل أبيب الجديدة، اليهودية كلها.

ب. يحصل اليهود على المنطقة الزراعية الغنية، التي كانوا قد قضوا زمناً طويلاً في تطويرها، في الجليل الشرقي، وشمال السامرة، بالقرب من بحيرة طبرية.

ج. أن تكون منطقة النقب، غير المأهولة، منطقة يهودية (حتى يمكن استيعاب اليهود المهاجرين الجدد).

2. فيما يخص العرب

أ. يحصل العرب على معظم وسط الضفة الغربية (يهودا والسامرة).

ب. يحصل العرب على المنطقة الساحلية الجنوبية، الممتدة من عسقلان حتى رفح.

ج. يحصل العرب على صحراء النقب الشمالية الغربية.

    أما منطقة مدينة القدس، فقد نص القرار على أن توضع المدينة تحت إشراف دولي (المدينة القديمة العربية أساساً، والحي اليهودي الناشئ حديثاً إلى جوارها). كما نص أيضاً على أن تكون مدينة بيت لحم، المجاورة، داخل هذا الجيب الدولي أيضاً. ويوضح نص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 181، فيما يتعلق بالقدس. (اُنظر ملحق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 181)

    وتوضح (خريطة قرار تقسيم فلسطين)، تقسيم فلسطين، طبقاً للقرار (181) . كما يوضح (شكل خطة الأمم المتحدة للقدس)، خطة تقسيم القدس، طبقاً للقرار نفسه.

    وكان أن رفض العرب مشروع التقسيم، ومن ثم ازداد الموقف اشتعالاً، وهو ما عُرف بالحرب غير المعلنة.

ثالثاً: الحرب غير المعلنة

    أُطلق تعبير "فترة الحرب غير المعلنة"، على الفترة السابقة للجولة العربية الإسرائيلية الأولى، التي امتدت خمسة أشهر ونصف الشهر، إذ بدأت في الأول من ديسمبر 1947، عقب قرار التقسيم مباشرة، واستمرت حتى يوم 14 مايو 1948، وهو يوم إعلان قيام دولة إسرائيل، ويوافق اليوم السابق لتدخل الجيوش العربية، لتبدأ أولى الجولات بين العرب وإسرائيل. وقد أجمع المؤرخون العسكريون، في مجملهم، على تقسيم هذه الفترة، إلى مرحلتين رئيسيتين، لكل منهما سماتها المميزة.

المرحلة الأولى: وهي مرحلة النشاط العربي غير المنسق

    تبلغ مدة هذه المرحلة أربعة أشهر، من الأول من ديسمبر 1947، حتى 31 مارس 1948. وقد تميزت بالمبادأة من جهة الجانب العربي، وإن كان العنصر الفعّال فيها قوات غير نظامية، من الجانبين. وكان هدف الأعمال العربية هو الحفاظ على عروبة فلسطين. أما الهدف اليهودي، فكان تأمين موقف اليهود في قرار التقسيم، إضافة إلى المستعمرات اليهودية خارجه.

    كان معظم الأعمال القتالية في هذه المرحلة، ينحصر في أعمال الإغارات وقطع الطريق وعمليات التخريب. وبانتهاء هذه المرحلة، كانت القوات العربية المتمثلة في جيشَي الجهاد المقدس والإنقاذ، قد كبدت اليهود خسائر كبيرة. وظهر من ذلك، أن الصراع وصل إلى مرحلة تنبئ بالخطر، وذلك لنجاح العرب في شل حركة المستعمرات اليهودية، وإدارة حرب استنزاف قاسية ضدها، بما أعطى الانطباع للعالم، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، أن هزيمة اليهود باتت على الأبواب. وقد أيد هذا الرأي قيادة القوات البريطانية، ما حدا بالولايات المتحدة أن تمارس الضغوط على الدول العربية، وعلى مصر، لإيقاف إطلاق النيران، حفاظاً على الدولة اليهودية الوليدة. لكن اليهود رفضوا ذلك، وبادروا بالتحول إلى الهجوم، طبقاً للخطة (د). ومن ثم، انتقل إلى المرحلة الثانية من الحرب غير المعلنة.

المرحلة الثانية: وهي مرحلة النشاط اليهودي المضاد

    تبلغ مدة هذه المرحلة، شهراً ونصف الشهر، من الأول من أبريل - 14 مايو 1948. وقد تبدلت فيها الأوضاع، إذ تميزت بالمبادأة من جهة الجانب اليهودي. وكان العنصر الفعال فيها قوات عربية غير نظامية، ومتطوعين عرب، وقوات شبه عسكرية إسرائيلية. وبالنسبة إلى الأهداف، كما انعكست على الجانبين، فقد تبدل الهدف العربي، ليُصبح مقاومة المخطط اليهودي، وتأمين المناطق العربية ضد الأعمال الإرهابية اليهودية، التي ارتكزت على تنفيذ الخطة (د). إذ أصبح الهدف اليهودي إخلاء فلسطين من أكبر عدد من العرب، وتأمين شبكة المواصلات البرية والبحرية، وتأمين المستعمرات والاحتفاظ بها داخل وخارج القسم اليهودي من قرار التقسيم. وبذلك، انتقل الصراع المسلح في فلسطين إلى مستوى آخر من القتال بتحول القيادة اليهودية إلى الهجوم، داخل وخارج القسم اليهودي من قرار التقسيم، إذ طرأ على القتال في المسرح تغيير جذري، في شكله ومحتواه، فلم تقتصر أعمال القتال في فلسطين على مجرد الإغارات والكمائن، بل أخذت، للمرة الأولى، شكل المعارك العسكرية التقليدية، بكل أبعادها وعنفها. فبينما فشل جيشا الجهاد المقدس والإنقاذ في الاحتفاظ بالمدن العربية، ذات الكثافة السكانية الكبيرة، مثل صفد ويافا، فقد حققت القيادة العامة الإسرائيلية نجاحاً كبيراً، بفضل تفوّقها، العددي والنوعي، ومركزية السيطرة الميدانية، والتخطيط المبكر للعمليات، فضلاً عن الإصرار على الاحتفاظ بالمبادأة في يدها بصفة دائمة، بالعمل من خطوط داخلية، وأسلوب نقل الجهود الرئيسية بين الاتجاهات المختلفة.

    وبنهاية المرحلة الثانية من الحرب غير المعلنة، سيطرت القيادة اليهودية على حوالي 20% من مساحة فلسطين، بعد أن كانت لا تتحكم إلا في 3% فقط، وقد شمل ذلك القدس العربية، التي ظلت في يد اليهود.

وبإعلان استقلال إسرائيل، في 14 مايو 1948، أعلنت الدول العربية، ومنها مصر، تدخلها في فلسطين. وبذلك، تحوّل الصراع إلى حرب معلنة بين الدول العربية والدولة الناشئة، إسرائيل.

رابعاً: القدس والتقسيم من عام 1948 حتى عام 1967

    عقب إعلان قيام دولة إسرائيل، في 14 مايو 1948، أعلنت الدول العربية الحرب على إسرائيل، ودخلت جيوشها إلى أرض فلسطين، في 15 مايو 1948. غير أن الحرب انتهت في غير مصلحة الدول العربية. وعلى الرغم من القرار الرقم (181)، الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 29 نوفمبر 1947، والقرار اللاحق الرقم (194)، في 11 ديسمبر 1948، والخاص بنظام للإدارة الدولية لمدينة القدس، فإن الأمر الواقع الذي فرضته الحرب، فرض نفسه بتقسيم فلسطين وتقسيم القطر إلى شطرين: القدس الشرقية، وقد وضعها الأردن تحت إدارته، والقدس الغربية، التي ضمتها إسرائيل كجزء منها.

    وفي 11 مايو 1949، أصبحت إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة، مع أن حدودها السياسية لم تستقر، ومع أن الأردن وسورية ولبنان، لم تكن قد وقعت الهدنة، ومع أن أكثر من نصف أعضاء هيئة الأمم، لم يكونوا قد اعترفوا بإسرائيل. وجرى توقيع "ميثاق لوزان"، بين العرب وإسرائيل، ولجنة التوفيق الدولية. وهو ميثاق ينص على "احترام اليهود الحدود المقررة للتقسيم، وموافقتهم على تدويل القدس، وعلى عودة اللاجئين واستعادتهم حقوقهم وأملاكهم، والتعويض للذين لا يرغبون في العودة منهم". وقد أقرت هيئة الأمم هذه الأسس، الواردة في ميثاق لوزان، غير أن إسرائيل رفضت التزامها وتطبيقها، مما استدعى عقد دورة جديدة من الاجتماعات في لوزان، في 19 يوليه 1949، تقدمت خلالها الولايات المتحدة الأمريكية باقتراحات، أبرز ما فيها: "جعل منطقة القدس منطقة دولية، وتقسيمها إلى ثلاث مناطق: عربية ويهودية ومقدسة. ووضع الأماكن المقدسة تحت الإشراف الدولي المباشر. وإدارة المنطقتين، العربية واليهودية، بواسطة سلطات محلية، عربية ويهودية، تحت إشراف الأمم المتحدة". وقد رفضت إسرائيل هذه المقترحات، كما رفضها العرب، خاصة الأردن، الذي كان موقفه معارضاً لفكرة تدويل القدس وقيام حكومة مستقلة في القسم العربي من فلسطين.

    ومنذ ذلك التاريخ، تحول الاهتمام الدولي إلى قضية اللاجئين على حساب قضية القدس، التي حظيت بصدور القرار الرقم 303، في 9 ديسمبر 1949، الذي دعا إلى "تدويل القدس، وحماية الأماكن المقدسة". وفوّض القرار هيئة الأمم "إدارة شؤون المدينة من طريق مجلس الوصاية. وتكليف هذا المجلس إعداد دستور وتنفيذه في الحال. على أن تكون حدود المنطقة شاملةً مدينة القدس الحالية، والقرى والمدن المجاورة، التي تقع في حدود بيت لحم جنوباً، وعين كارم وأبي ديس شرقاً، وشعفاط شمالاً. وعلى أن يفرغ مجلس الوصاية من وضع النظام وإقراره وتنفيذه، في دورته المقبلة. وأن يُمنع اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يحُول دون تنفيذ الدستور". وتشكل، بالفعل، مجلس الوصاية من الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا والاتحاد السوفيتي وفرنسا والصين وأستراليا وبلجيكا والعراق ونيوزيلندا والفلبين والمكسيك وسان دومنجو. وبدأ جلساته في 12 ديسمبر 1949، واستمر في مداولاته حتى 4 أبريل 1950 حيث صدر عنه الدستور الخاص بالتدويل، تنفيذاً لقرار الأمم المتحدة. وتضمن الخطوط العريضة التالية:

1. شمول تدويل مدينة القدس والمدن والقرى الداخلية، طبقاً للحدود الواردة في القرار.

2. تعيين المنطقة المجردة من السلاح.

3. قيام حاكم عام، تعيّنه هيئة الأمم المتحدة، على رأس الإدارة.

4. قيام مجلس تشريعي، يشترك فيه المسلمون والمسيحيون واليهود، بأعداد متساوية من المقاعد، لمساعدة الحاكم العام، الذي له حق الاعتراض (Veto).

    كما احتوى الدستور أحكاماً عديدة، تتعلق بالأماكن المقدسة وحرية زيارتها، وبالتعليم والشؤون الاقتصادية، وتشكيل سلطات محلية، يهودية وعربية، ذات استقلال ذاتي، لتصريف الشؤون العمرانية والإدارية والبلدية.

    وقد رفض العرب وإسرائيل التعاون لتنفيذ هذا الدستور. وأعلن مجلس الوصاية تنصّله من المهمة. ثم أعاد الموضوع إلى الجمعية العمومية. وبعد أشهر عدة، سحب الاتحاد السوفيتي تأييده للتدويل. كما امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا عن التصويت. ومن ثم، تعثر التدويل.

    وكان الملك عبدالله (الأردن)، قد سار على طريق ضم القدس والضفة الغربية، منذ ديسمبر 1949 (إلغاء الجمارك والجوازات بين الضفتين، وإلغاء إدارة فلسطين الخاصة، وتوحيد الإدارة، وحل البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة)، وهو تاريخ نقل الكنيست الإسرائيلي من تل أبيب إلى القدس. وفي 23 يناير 1950، أعلنت إسرائيل القدس عاصمة لها. وفي 24 أبريل 1950، صدر القرار الأردني بضم القدس والضفة الغربية. واعترفت به بريطانيا في 27 من الشهر نفسه، في حين رفضته جامعة الدول العربية، وصوّتت على فصل الأردن من عضويتها.

    غير أن قرار الضم، وتأييد بريطانيا له، لم يؤسسا أي اعتراف دولي بحق الأردن في القدس، أو الضفة الغربية، أي أن القرار الأردني، لم يصبح له أي سند أو شرعية في القانون الدولي. فقد استمرت الأمم المتحدة، على الرغم من إعلان الأردن منح القدس وضعية الأمانة، وجعلها عاصمة ثانية للمملكة، عام 1959، استمرت في الدعوة والضغط من أجل تنفيذ قرار التدويل، وذلك طوال الفترة من عام 1949 وحتى عام 1967. وينطبق الموقف الدولي نفسه، على القسم الغربي من المدينة، الذي خضع للاحتلال الإسرائيلي. إذ استمرت الأمم المتحدة في رفض الاعتراف بالقوانين والأنظمة الإسرائيلية المطبقة في القدس. ومع أن معظم الدول الغربية، تعاملت مع الأمر الإسرائيلي الواقع في القدس، إلا أنها لم تصل إلى حد إضفاء الشرعية الدولية عليه، خاصة عدم نقل السفارات من تل أبيب إلى القدس.

    وعلى الرغم من الإجراءات الأردنية، بالنسبة إلى القدس الشرقية، ظل هناك عدد من القنصليات العربية: السعودية والمصرية واللبنانية ومكتب للجامعة العربية، وكذلك بعض القنصليات الأجنبية: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وتركيا وإيطاليا.

    شكلت القدس الشرقية مركزاً للنشاط السياسي. ففيها انعقدت الجلسة الأولى للمجلس الوطني الفلسطيني، في يوم 28 مايو 1964، الذي أعلن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية. كما توافد على القدس الشرقية العديد من الشخصيات، العربية والأجنبية، منهم: الملك سعود بن عبدالعزيز، وأمير الكويت الشيخ صباح سالم الصباح، والبابا بولس السادس، والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة وغيرهم.

    كما أصبحت القدس (بشطرَيها) نقطة الالتقاء الوحيدة لسكان فلسطين (العرب)، ففيها البوابة الخاصة بالمرور ما بين شطرَي القدس (وفلسطين في الوقت نفسه)، وذلك من معبَر بوابة "مندليوم"، التي أطلق عليها البعض اسم "بوابة الدموع"[1]، وهو معبَر في المنطقة الحرام في: "مياشيرم"، قرب حي سعد وسعيد. وكان يمر عبْر هذه البوابة، كل أسبوعين، قافلة التموين إلى الجامعة العبرية وإلى مستشفى هداسا[2]، تحت إشراف مراقبي الأمم المتحدة.

    كما كانت بوابة مندليوم نفسها، معبَراً للقناصل ورجال السلك الدبلوماسي ورجال الدين، ليتنقلوا بين الجانبين، العربي والإسرائيلي، لمدينة القدس. كما كان يسمح لبعض عرب إسرائيل، الفاصلة بين شطري القدس، عدا في أعياد الميلاد، باجتياز الحدود عند البوابة لزيارة أقاربهم في الأردن (الضفتين الشرقية والغربية).

    وبعد استقرار الأوضاع السياسية، وتوقيع اتفاقيات الهدنة المختلفة، عاد النشاط إلى القدس الشرقية، مرة أخرى، إذ كانت المدينة تمتلئ بالزائرين، من الأردن ومن جميع أنحاء العالم. غير أن الاحتفالات الدينية، اقتصرت على ما يُقام داخل أسوار الحرم الشريف، وليس خارجه، كما كان معتاداً في الماضي.

خامساًً: القدس بعد حرب يونيه 1967 وحتى عام 1997

    في حرب يونيه 1967، احتلت إسرائيل ما تبقى من القدس والضفة الغربية حتى نهر الأردن. ففي الساعة العاشرة والنصف، صباح يوم 7 يونيه 1967، دخل الإسرائيليون ساحة الحرم القدسي الشريف، وأطلقوا القذائف على باب المسجد الأقصى، واقتحموه، ورفعوا عليه العلم الإسرائيلي. ولم تمضِ خمسة أيام، حتى أصدرت الحكومة الإسرائيلية قراراً، يجعل القدس والضفة الغربية، جزءاً من إسرائيل (11 يونيه 1967). وفي 27 يونيه 1967، أصدر الكنيست قانوناً، عدل بموجبه القانون القديم، الخاص بالإجراءات الإدارية. وينص على أن كل منطقة، تخضع لسيطرة القوات المسلحة الإسرائيلية، تدخل تحت نطاق التشريعات الإسرائيلية. ويتيح التعديل الجديد، أن يمتد قانون الدولة الإسرائيلية وتشريعاتها وإدارتها إلى أي منطقة من أرض إسرائيل (بما فيها الأرض المحتلة، من وجهة نظر إسرائيل)، تحددها الحكومة بقرار. وفي 28 يونيه، أصدرت الحكومة الإسرائيلية قراراً أخيراً، بتطبيق هذا التعديل في منطقة مساحتها 4047م2 من القدس الشرقية والضفة الغربية. وهي تمتد من مطار قلنديا في الشمال، إلى سور بحر في الجنوب، وتشمل مدينة القدس القديمة. وقد كانت مساحة بلدية القدس الشرقية، تحت الحكم الأردني، حوالي 1500م2، ومساحة بلدية القدس الغربية، تحت الحكم الإسرائيلي، حوالي 5396م2. أما مساحة البلدية الجديدة، فوصلت 10253م2.

    وفي اليوم نفسه، جرى تعديل جديد، سمح لبلدية القدس الغربية بتوسيع حدودها، لتشمل المساحة نفسها التي ينطبق عليها قانون التعديل السابق. وفي 29 يونيه، أُعلن حل أمانة القدس الشرقية، ونقل جميع أملاكها، ووضعها تحت تصرف بلدية القدس الغربية. وقد أعقب ذلك تشكيل الهيئة الإسلامية العليا في القدس، برئاسة الشيخ عبدالحميد السايح، في 14 يوليه 1967، غير أن إسرائيل ما لبثت أن أبعدته، يوم 24 سبتمبر، من العام نفسه. وفي 7 مارس 1968، أبعدت كذلك أمين القدس، روحي الخطيب. ومع أن إسرائيل، لم تستخدم لفظ "الضم" أبداً، وإنما تحدثت عن "دمج خدمات"، إلا أن إجراءاتها، كانت ضماً فعلياً للقدس الشرقية. وإزاء ذلك، اتخذ المجتمع الدولي موقفاً معارضاً ومديناً لإجراءاتها. ففي 4 يوليه 1967، صدر القرار الرقم 2253 عن الجمعية العامة، يدعو إسرائيل إلى الامتناع عن اتخاذ أي عمل من شأنه تغيير وضع القدس (اُنظر ملحق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 2253). وفي 14 يوليه 1967، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار الرقم 2254، يعلن بطلان كل الإجراءات، التي تغيّر من وضعية المدينة (اُنظر ملحق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 2254) ، وقراراً آخر بإرسال مبعوث خاص للأمين العام للمنظمة الدولية، هو أرنستو ثالمان، لإجراء تحقيق حول الوضع في القدس. وقد أبلغته السلطات الإسرائيلية أن اندماج القدس الشرقية في إسرائيل، أمر لا رجوع عنه ولا تفاوض حوله.

    وفي عديد من القرارات، منها القرار 252 لعام 1968، الصادر عن مجلس الأمن، والقرار 271 لعام 1969، حددت المنظمة الدولية موقفها من كل الإجراءات، التي اتخذتها وتتخذها إسرائيل، واحتفظت بشرعية القرار الخاص بتدويل القدس.

    وقد رفض المجتمع الدولي الإجراءات الإسرائيلية، إذ وضح ذلك داخل الهيئات التابعة للأمم المتحدة، مثل منظمة اليونسكو UNESCO ولجنة حقوق الإنسان وغيرهما. واستمر تمسك هذه الهيئات بموقف إعلان بطلان أي إجراء، يمس طابع المدينة، القانوني والمادي.

    وقد أضيف إلى ذلك عدد من القرارات الأخرى، الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة، تؤكد عدم شرعية الاستيلاء على الأرض بالقوة المسلحة، وعدم الاعتراف باحتلال إسرائيل للقدس الشرقية. وحين حاولت إسرائيل، في يوليه 1980، القيام بخطوات لجعل القدس الموحدة عاصمة لها، صدر القرار الرقم 476، في 30 من الشهر نفسه، ثم القرار 478، في 20 أغسطس، الشهر التالي، ليؤكدا بطلان وعدم شرعية أي إجراء، يغيّر من وضعية القدس. وتضمّن القراران دعوة الدول، التي افتتحت بعثات دبلوماسية لها في القدس، إلى إغلاق هذه البعثات.

    وكانت إسرائيل قد بدأت بنقل بعض إداراتها إلى القسم الشرقي من المدينة، ثم أصدرت قانوناً أساسياً يرى "أن القدس الكاملة، والموحدة، هي عاصمة إسرائيل، ومركز رئيس الدولة والكنيست والحكومة والمحكمة العليا". وكان الهدف ـ بطبيعة الحال ـ سياسياً، لعدم إمكان تحقيق هدف قانوني دولي في هذا المجال. وكان رأي المجتمع الدولي في عمل إسرائيل، أنه محاولة لوأد توصيات الأمم المتحدة حول القدس، إضافة إلى أن هذه الإجراءات أجهضت مسار اتفاقيات كامب ديفيد، والتي كانت تتضمن قسماً خاصاً بمستقبل القدس.

    وقد شهد عقد الثمانينيات أحداثاً محورية عدة. ففي 11 أبريل 1982، اقتحمت مجموعة من الإسرائيليين المسجد الأقصى وأطلقوا النار على المصلّين. وفي 9 ديسمبر 1987، اندلعت أحداث الانتفاضة الفلسطينية في غزة، ثم ما لبثت أن امتدت إلى الضفة الغربية، ومنها إلى القدس. وقد شكلت تلك الانتفاضة ثورة شعبية فلسطينية، أربكت الحسابات الإسرائيلية، وزادت من تعاطف المجتمع الدولي مع الفلسطينيين. كما ظل المجتمع الدولي، حتى نهاية الثمانينيات على رأيه الرافض للإجراءات الإسرائيلية، والثبات على موقفه الداعي إلى "عدم شرعية، وبطلان الاستيلاء على الأرض بالقوة"، أي جعْل القدس الشرقية جزءاً من الأراضي المحتلة، واستمرار شرعية قرارات ومواثيق التدويل للعام 1949.

وكان من نتيجة التعنّت الإسرائيلي، أن حدثت مجزرة الحرم الشريف، التي وقعت يوم الإثنين 8 أكتوبر 1990، وهو العمل الذي ألهب مشاعر المسلمين في أنحاء العالم، كما رفضه المجتمع الدولي كذلك. وقد صدر على إِثره قرار مجلس الأمن الرقم 672، في 12 من الشهر نفسه، الذي يدين أعمال العنف، التي ارتكبتها قوات الأمن الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. ثم تكررت المأساة، مرة أخرى، في 25 فبراير 1994، في مدينة الخليل، في ما عرف بمذبحة الحرم الإبراهيمي.

    ثم عُقد مؤتمر مدريد، واتفاقيات أوسلو، في عامَي 1991، 1993، في محاولة لإرساء السلام في المنطقة. وكان أن اتُّفق في إطارها على تأجيل مناقشة القدس، ضمن موضوعات أخرى، إلى المرحلة النهائية، الأمر الذي أبعد قضيتها عن الساحة الدولية، وهو ما أعلنته الولايات المتحدة الأمريكية أن المنظمة الدولية ليست هي المكان المناسب لمناقشة المسألة.

    وفي 18 مايو 1995، منع الفيتو الأمريكي مجلس الأمن من إصدار قراره، بإدانة مصادرة إسرائيل للأراضي العربية في القدس، الأمر الذي يؤرخ لبداية مرحلة جديدة في السياسة الأمريكية تجاه قضية هذه المدينة، أبرز معالمها قرار الكونجرس نقل السفارة إلى القدس.

    وفي 24 يوليه 1996، صدر قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، بالسماح لجماعة "أمناء جبل الهيكل" الإسرائيلية، بالدخول إلى الحرم الشريف.

    تلك كانت مسيرة مدينة القدس الشريف، التي تعاقبت عليها الأحداث الجسام، إلا أنها بقيت مدينة عربية، طوال ثمانية عشر قرناً، وستظل ـ بإذن الله ـ.




[1] بوابة الدموع: أطلقت إسرائيل هذا الاسم على بوابة "مندليوم"، نظراً إلى أن أحد ضباطها قتل هناك.

[2] لم تتمكن القوات الأردنية من احتلال الجامعة العبرية وهداسا، في حرب عام 1948. ومن ثَم، فقد بقيتا في المنطقة الحرام، تشرف عليهما الأمم المتحدة، ولكن تحت حراسة إسرائيلية.