إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الدولية في أفريقيا منذ انتهاء الحرب الباردة









العلاقات الدولية في أفريقيا

المبحث الأول

طبيعة العلاقات الدولية في أفريقيا منذ انتهاء الحرب الباردة

أولاً: الملامح الرئيسة المعاصرة العلاقات الدولية في أفريقيا

1. مضمون الاهتمام الدولي بمنطقة القارة الأفريقية

مع انتهاء الحرب الباردة، وخروج الاتحاد السوفيتي ومعسكره من مباراة التنافس والصراع على المستوي الدولي، وتفكك النظام العالمي السابق، انتقلت العلاقات الدولية إلي مستوي آخر، هو المنافسات التقليدية بين القوي العظمي حول المصالح العاجلة والآجلة في أفريقيا، وأطراف هذه المنافسات بجانب الولايات المتحدة الأمريكية الدول الأخرى ذات التاريخ الاستعماري مثل فرنسا وانجلترا وايطاليا وبلجيكا والبرتغال وأسبانيا وألمانيا، وسوف يستمر هذا الوضع خلال فترة إعادة الصياغة والتشكيل للنظام العالمي المرتقب، وهي فترة سيولة عامة تتنافس فيها قوي عالمية وقوي إقليمية، ويحكم العلاقات فيما بينها مبدأ المنافسة ومبدأ المشاركة، وستظل المواقف والسياسات والممارسات تتراوح بين هذين المبدأين إلي حين تنضج وتستقر حالة النظام العالمي الجديد، وهو الأمر الذي يجعل هذه الدول وغيرها في حالة تأهب للهجوم أو للدفاع عن ما ترتئيه من أهداف ومصالح و فرص أو محاولات لتهميشها وتهديدها.

لقد شَهدَ عقد التسعينياتِ من القرن الماضي تصاعداً ثابتاً في العنفِ عبر أفريقيا جنوب الصحراء الكُبرى، حيث ازداد عددِ الدول التي تصنف على أنها في حالة حرب، أَو أنها تعاني من النزاعاتِ المؤثرة، وقد تُضاعفُ عدد تلك الدول مِنْ 11 دولة في عام 1989 إلى 22 دولة في عام 2000. وشملت تلك الدول الصومال، وليبريا، ورواندا، والكونغو الديمقراطية (زائير سابقاً)، وساحل العاج وغيرها منذ أوائل التسعينيات، و التوتر المتنامي بين إثيوبيا وإريتريا الذي أدى إلى حرب إقليمية رئيسة؛ وكذلك الحروب الأهلية القديمة التي دامت لعقود في كل من أنجولا والسودان وقضت على حياة مئات الآلاف من الأشخاص؛ والكراهية الإثنو ـ سياسية Ethnopolitical في رواندا التي أدت إلى إبادة جماعيةِ راح ضحيتها مليون شخص تقريباً.

وعلى الرغم من أن النزاعات بصفة عامة هي إحدى خصائص المجتمعات الإنسانية منذ أزمان سحيقةِ، إلا أن طبيعة تلك النزاعات وتواصلها لسنوات طويلة، فضلاً عن توسعها وانتشارها في أرجاء القارة المختلفة، والتأثيرات الكارثية الناتجة عنها سواء كانت ذات طابع داخلي أو ذات أبعاد إقليمية ودولية تَجْعلُ من أفريقيا مجالاً مفتوحاً لتعاظم المشكلات، ولتعاظم التنافس والتكالب والتدخل الدولي في شؤونها، وهو ما ينعكس سلباً على حاضر دول القارة ومستقبلها فرادى وجماعات، ويلاحظ أن هذا يحدث بعد انتهاء مواجهات الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، والتبشير من قبل المعسكر الغربي ببداية عصر جديد من الأمن والاستقرار والتنمية في مناطق الأزمات الدولية ومنها أفريقيا.

ويبدو أن المقصود هو أمن الدول الغربية واستقرارها ونموها وليس الأفريقية، وهو ما يؤكد واقعية هذا الاستعمار الجديد، ويعزز من ذلك حقيقة أن معظم هذه النزاعات والصراعات والحروب والتي بدأت منذ انتهاء الحرب الباردة - إن لم يكن كلها- لا ترجع في جوهرها لأسباب داخلية بحتة، وإنما كانت الأسباب الدولية متلازمة، إن لم تكن ظاهرة وغالبة فيها، وذلك بسبب التأثيرات الاقتصادية(العولمة)، وتزايد الميول التوسعية ومطامح الهيمنة والسيطرة على مناطق النفوذ والأهداف والمصالح، وخصوصاً في السودان والصومال والكونغو الديمقراطية وغيرها، وبالتحديد عندما تتعارض أو تتصادم أهداف ومصالح الدول الفاعلة.

خلال هذه الفترة الانتقالية تسجل الولايات المتحدة الأمريكية تقدماً ومكاسب متنوعة، نتيجة دخولها لتحل محل نفوذ الاتحاد السوفيتي ومعسكره سابقاً حلولاً عاماً أو جزئياً، طبقاً لأوضاع كل حالة أو كل دولة في أفريقيا، ومن بين هذه الدول يوجد عدد من الدول الفرنكفونية، وهذا يحدث قلقاً واهتماماً في السياسة الفرنسية تجاه القارة الأفريقية، فهي تسعي منذ فترة لطرح وتنفيذ إطار جديد، أو إنشاء توازن مناسب ومنضبط، يحفظ لها نفوذها ووجودها الحالي، كما يعمل بأساليب متنوعة لاستعادة ما فقدته من مراكز ومناطق نفوذ تقليدية.

ويلاحظ أن وزير التجارة الأمريكي -أثناء جولة أفريقية في أواسط عام 1998- أشار في ذلك الحين إلى أن: "أفريقيا تمثل الحدود الأخيرة للمصدرين والمستثمرين الأمريكيين، وفيها إمكانات كبيرة وواعدة، وقد سبق أن ترك رجال الأعمال والمال الأمريكيون الأسواق الأفريقية لزمن طويل لتكون منطقة نفوذ لمنافسينا من الأوروبيين". وذكرت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت في زيارتها لأفريقيا خلال الفترة من 17 ـ 23 أكتوبر 1999، لعدد من الدول الأفريقية في ذلك الحين: "إن التحالفات الاقتصادية مع دول أخرى ستكون من أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، وإن التجمعات الاقتصادية الجديدة ستكون هي التحالفات العسكرية للقرن القادم".

إذاً فقد بدأت أنظار القوى الاقتصادية في العالم تتجه نحو الأسواق الأفريقية، وبدأت بعض الدول تغير سياستها تجاه أفريقيا للنفاذ إلى أسواقها والاستحواذ على نصيب كبير منها. ويأتي في مقدمة القوى المتنافسة في أفريقيا: الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والصين وإسرائيل؛ حيث يلاحظ أن لكل منهم سياسته الخاصة تجاه أفريقيا. ويظل الهدف النهائي لهذه القوى هو زيادة الوجود الاقتصادي التجاري والاستثماري في أسواق أفريقيا؛ وذلك باستخدام كل الوسائل المتاحة من معونات اقتصادية وعسكرية وفنية ومنح تعليمية، والتمهيد لذلك من خلال وسائل الاتصال والبرامج الثقافية والإعلامية والتكنولوجية. وقد تجسد الاهتمام الأمريكي والفرنسي بالأسواق الأفريقية في زيارات كل من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وخليفته جورج بوش، وكذلك الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وخليفته نيكولا ساركوزي للعديد من الدول الأفريقية خلال عقد التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثالثة، وكذلك زيارات كبار المسؤولين في الدولتين.

ويمكن الإشارة إلى أن العديد من الدول أصبح لديها إستراتيجية خاصة للتحرك في الأسواق الأفريقية، وهذا يلقي مزيدًا من الأعباء على الأطراف الأخرى بسبب شدة المنافسة في هذه الأسواق، ولذلك بات من المهم لكل طرف تعرف سياسات الدول المنافسة، ودراسة كيف تتحرك؟ وكيف ستؤثر على وجوده في الأسواق الأفريقية؟ ويمكن ملاحظة حدة هذا التنافس بوضوح بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، حيث يسعى كل منهما إلى توسيع علاقاته الاقتصادية وتعميقها مع دول القارة الأفريقية، وبمعنى آخر توسيع مناطق التعاون والمشاركة والتجارة والاستثمار والمعونات مع هذه الدول، والعمل على تطويق الجهود التي يبذلها الطرف الثاني في هذا المجال.

وعلى الرغم مما يبدو ظاهريًا من وجود تفاهم بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بشأن السياسة الخارجية لكل منهما تجاه أفريقيا، حيث اتفقتا على أن يكون هناك تفاهم أمريكي ـ فرنسي حول التنافس المحكوم والمنضبط في أسواق القارة الأفريقية، طبقًا لمبدأ العرض والطلب في مجال التجارة والاستثمار، وخاصة بعد إقرار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 1997 لمبدأ تجريم عمليات رشوة المسؤولين الأجانب عند عقد الصفقات التي تتنافس فيها شركات دولية النشاط، إلا أن كلتا الدولتين لها سياستها الخاصة تجاه دول أفريقيا، والتي تسعى إلى محاصرة نشاط الدولة الأخرى، والاستحواذ على النصيب الأكبر من الأسواق الأفريقية، وهذا يمكن ملاحظته من خلال التعرض بشيء من التفصيل لسياسات كلتا الدولتين، وغيرهما من القوى الدولية الفاعلة داخل أفريقيا، بحسبانها مناطق أهداف ومصالح ومناطق نفوذ وتوسع للاستحواذ على ثرواتها وأسواقها، واستقطاب دولها سياسياً وثقافياً بصفة عامة.

إن الأساليب المطروحة هي تقديم مستويات من التعاون الثنائي والبرامج المشتركة، والتسهيلات والدعم المالي، وجدولة الديون والمعونات العسكرية، وتأهيل الكوادر وتدريبها وتبادل المعلومات، والميدان الذي يستحوذ على الأولوية في السياسة الفرنسية هو ميدان اللغة الفرنسية، وما يرتبط بها من فنون وتعليم وثقافة وإعلام، والأطراف الأفريقية المنشودة في هذا التعاون هي النخب المسيطرة في السياسة والاقتصاد والثقافة والقوة العسكرية، والهدف النهائي لهذه الحركة متعددة المستويات والأساليب والآليات التي تُوظف في هذا الشأن هو الدفع بمخاوف الهيمنة الأمريكية، والدفع كذلك بالمخاوف الناجمة عن الصراعات والأزمات القومية والدينية والحدودية التي ترمز إلى معالم التهديد الذي تراه السياسة الفرنسية في القارة الأفريقية، ومن الأمثلة الأخيرة على هذا النشاط والتحرك المبكر والمنظم الاتفاقيات التي وقعتها فرنسا وتونس وغيرها من الدول للتعاون في ميادين الاتصال والتعليم والثقافة.

وهكذا تكتسب منطقة القارة الأفريقية أهمية خاصة، نظراً لموقعها الإستراتيجي سواء أكان الحديث عن المنطقة بمفهومها التقليدي الجيوـ سياسي العام الذي يضم المناطق الإقليمية الخمسة شمالاً، وجنوباً، وغرباً وشرقاً ووسطاً، أو بمفهومها التقليدي الجيوـ سياسي الخاص شمال الصحراء وجنويها، أو تلك المناطق المسماة بالعربفونية، أو الأنجلوفونية، أو الفرنكفونية، أو اللوزيفونية، نسبة إلى مناطق النفوذ اللغوي داخل القارة، ومن ثم تتجاوز تلك المناطق أهميتها الإقليمية إلى أخذ حظها من الظهور على الخريطة والإستراتيجية الكونية.

2. طبيعة التدخلات الدولية في أفريقيا

يرتبط بالملامح العامة للعلاقات الدولية في أفريقيا جانب آخر على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة بالنسبة للدول الأفريقية ألا وهو التدخلات الدولية، والتي تعد تطبيقاً فعلياً لمنظومة مطامع ومصالح الدول المتدخلة، ويمكن الإشارة إلى ذلك كالتالي:

أ. مفهوم التدخل في القارة الأفريقية

ينصرف مفهوم التدخل إلى الأعمال الإرادية المباشرة وغير المباشرة، التي يقوم بها شخص قانوني دولي، والتي يكون من شأنها التأثير على إرادة دولة ما في ممارسة سيادتها على المستويين الداخلي والخارجي، وذلك بصرف النظر عن أداة التدخل، أو قبول الدولة المستهدفة أو عدم قبولها للتدخل. ويشمل المفهوم السابق العناصر الآتية:

(1) أن التدخل ينطوي على عمل إرادي.

(2) أن التدخل قد يكون مباشراً أو غير مباشر.

(3) أن التدخل سلوك يباشره شخص قانوني دولي ( دولة أو منظمة دولية ).

(4) أن التدخل ينصرف إلى الشؤون الداخلية والخارجية للدولة الهدف.

(5) أن التدخل لا يقتصر على استخدام الأداة العسكرية فقط، وإنما يشمل أدوات أخرى سياسية، واقتصادية، وغيرها.

(6) أن وصف التدخل لا يتوقف على قبول أو عدم قبول الدولة المستهدفة منه.

وأصبحت هناك العديد من الأدوات والآليات التي تُسخّر وتوظف من أجل تيسير التدخلات وإتمامها من جانب الدول الفاعلة، وبأساليب متنوعة على المستوى الفردي أو الجماعي. ولتوضيح ذلك يمكن الإشارة مثلاً إلى حقيقة وجود "منظومة رأسمالية عالمية"، أصبحت هي قلب النظام العالمي كله، وتهيمن على توجيه مساره، بما يحقق أهدافها ومصالحها. ولهذه المنظومة خمسة مكونات أسس:

أولها: الدول السبع الصناعية الكبرى، والتي أصبحت تسمى بدول الثمانية (الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وكندا، واليابان وروسيا). وترتبط أجهزة وأنظمة المخابرات والمعلومات لتلك الدول الرأسمالية المتقدمة هذه بالعديد من الروابط والعلاقات الوثيقة مع أجهزة المخابرات في الدول الحليفة لها في المنطقة، كما ترتبط بذات الروابط حتى مع الجماعات المعارضة والمناوئة لأنظمة الحكم غير الحليفة لها في المنطقة. وقد نجحت الولايات المتحدة على سبيل المثال بإقناع هذه المجموعة من الدول بضرورة الالتزام الجماعي فيما بينها بمحاربة ما تطلق عليه الإرهاب الدولي.

ثانيها: المؤسسات الاقتصادية العالمية (البنك الدولي للإنشاء والتعمير صندوق النقد الدولي منظمة التجارة العالمية)، وتستغل الولايات المتحدة والدول الغربية نفوذها في هذه المؤسسات العالمية للتأثير على واقع العديد من دول المنطقة ترهيباً وترغيباً.

ويلاحظ من واقع السياسة الدولية التي تنتهج في الوقت الراهن أن كلا المؤسستَين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أضحيا أداتين من أدوات الضغوط الدولية وخصوصاً الأمريكية والأوروبية منها، بغرض تمهيد مساعيهم وتدعيمها في عمليات التدخل الدولية. وهاتان المؤسستان اللتان تأسستا بموجب اتفاقية بريتون وودز Bretton Woods الموقعة في يوليه 1944 على يد دول الحلفاء، لهما نفوذ عظيم على دول العالم الثالث، ومنها دول القارة الأفريقية، تستغلَّانِهِ من أجل:

(1) دفع الفوائد على الديون في المدى القصير؛ حيث إن ما يجنيه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من فوائد الديون لا يوازي ما قدماه من ديون منذ تأسيسهما، لا سيما في ظل استمرار مظاهر تدهور شروط التبادل التجاري بين دول العالم الثالث والدول الغربية (الأمريكية والأوروبية)، والتي من بينها انخفاض أسعار صادرات المواد الأولية، وارتفاع أسعار الواردات، ويعود ذلك إلى اختراع المواد الصناعية البديلة للمواد الأولية الطبيعية (الكاوتشوك الصناعي بدلاً من الطبيعي، والألياف الزجاجية التي حلت محل النحاس، و تواصل منافسة المنتجات الصناعية للألياف النسيجية الطبيعية). وهكذا فإن المنتجات الأساسية (المواد الخام الأولية) التي ظلت رهاناً إستراتيجياً للدول الأفريقية المصدِرة، لم تعد كذلك بالنسبة للاقتصاديات الصناعية في ظل عصر الثورة التكنولوجية.

(2) إعادة تنظيم الاقتصاديات الوطنية بما يتلاءم مع مصالح الشركات العملاقة متعدية الجنسية على المدى الطويل، وفتح المجالات أمام الاستثمارات الأميركية، في الدول التي تتبع سياسة السوق الحرة وتخضع لقوانين صندوق النقد الدولي، بدلاً من سياسة المعونات التي أشارت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة إلى أنها بلغت 15 مليار دولار خلال عشر سنوات، والتي وصلت إلى أدنى حد لها فيما بعد، وهو 650 مليون دولار سنويا. ومن ثم فإن القروض والتعاملات المالية والنقدية في مجملها أصبحت تشكل ركيزة أساسية في الاستغلال الذي ينتهج على النطاق العالمي، ضد دول العالم الثالث عامة وأفريقيا خاصة، وقد باتت أزمة الديون الأفريقية بكل صورها وتأثيراتها السالبة كذلك، بفعل السياسات والممارسات الأمريكية والأوروبية. وهذا ما دفع الأفارقة الذين اجتمعوا في جنوب أفريقيا في أوائل الألفية الثالثة، إلى وصف القانون التجاري الخاص بتنمية أفريقيا،  وممارسات الولايات المتحدة في هذا الشأن بأنها محاولة للاستعمار الجديد في أفريقيا.

(3) توجيه الضغوط من أجل تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي التي شملت الكثير من دول العالم في العقد الأخير من القرن العشرين، ومن ثَم يزداد دورها ازدياداً واضحاً في تسيير أمور النظامَين المالي والنقدي الدوليَّين، وبما يتناسب ويتوافق مع أهداف الدول الفاعلة فيهما ومصالحها وهي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها.

(4) يترتب على تزايد أهمية الدور الذي يضطلع به كل من البنك والصندوق الدوليين ومنظمة التجارة العالمية في إدارة الشؤون المالية والنقدية والتجارية للاقتصاد العالمي المعاصر أن اتسعت دائرة المشروطية السياسية Political Conditionality المرتبطة بالتمويل الدولي، حيث أصبح الاتفاق مع صندوق النقد الدولي من جانب حكومة أية دولة عضو شرطا لازما وضروريا للحصول على موارد مالية من مصادر التمويل الدولي المختلفة، كما أنه يعد شرطا للحصول على الموافقة بإعادة جدولة الديون الخارجية للدول المدينة مع مجموعة الدول الدائنة.

كما استحدث البنك الدولي من جهته نوعاً جديداً من القروض هي قروض التصحيحات الهيكلية، وهذه القروض مشروطة بالتزام الدولة المدينة بإجراء التصحيحات الهيكلية، مثل تطبيق سياسات الخصخصة، وإعادة النظر في أولويات الاستثمار، وتحرير التجارة الخارجية وغيرها. بل وزاد من ذلك ضرورة المشروطية المتبادلة بين المؤسستين الدوليتين، وكذلك امتداد المشروطية إلى المساعدات الرسمية الدولية الثنائية، وهكذا أحكمت الدول الفاعلة في هاتين المؤسستين ضغوطها على دول المنطقة المستهدفة، ومن ثم توظيفهما أداتين من أدوات التدخل الصريح والعلني في صميم الشؤون الداخلية للدول.

ثالثها: الشركات متعددة الجنسية Transnational Corporations، ويجري توظيف قدرات هذه الشركات وإمكاناتها وعلاقاتها للتأثير الاقتصادي والمالي والاستثماري على دول المنطقة، وتزداد خطورة ما تنتهجه هذه الشركات في ظل تبعية معظمها وانتمائها أساساً إلى كل من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واليابان، فضلاً عن كونها تؤثر بقوة على الاقتصاد العالمي من خلال ما يصاحب نشاطها من استثمارات مباشرة، ونقل للتكنولوجيا والخبرات التسويقية والإدارية، وتأكيد ظاهرة العولمة بكل أشكالها، وعلى المستويات كافة التمويلية والإنتاجية والتوزيعية، لا سيما أنها تسيطر على حوالي 80% من المبيعات على مستوى العالم.

رابعها: الكنيسة العالمية والمؤسسات الفرعية المنبثقة عنها، وجميعها تؤدي أدواراً وأنشطة متنوعة، سواء فيما يتعلق بالترويج لما يسمى بالحرب على الإرهاب، أو للتأثير على صانعي القرار ومتخذيه داخلياً وخارجياً، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية حيث نهج اليمين الديني والضغوط التي توجه على المستوى المؤسسي الكنسي، وعلى المستوى الفردي القس جون دانفورث المبعوث الرئاسي الأمريكي للسودان، كذلك بعض الدول الغربية الأخرى كبريطانيا والنرويج والدانمرك، كما أن الجهود المتعلقة بالتنصير في كل من إثيوبيا والصومال والسودان وكينيا وأوغندا هى وجه آخر من أوجه حقيقة ما تقوم به الكنيسة العالمية من جهود مساعدة لعمليات التدخل حتى وإن اتخذت شكلاً إنسانياً.

خامسها: المنظمات الدولية غير الحكومية، حيث تجتهد العديد منها للتمهيد لعمليات التدخل وللترويج والدفاع عنه، وبذرائع تتفاوت بين حماية حقوق الإنسان ضد انتهاكات الأنظمة الحاكمة في دول المنطقة، أو حماية حقوق الأقليات، أو التصدي لحملات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، أو تمكين الجماعات من تقرير مصيرها، أو تشجيع الديمقراطية، أو دعم منظمات المجتمع المدني في دول المنطقة وغيرها.

ويشكل الصراع على الثروات الإستراتيجية والمواد الأولية المهمة التي تذخر بها القارة الأفريقية، كاليورانيوم والمعادن الثمينة والنفط كما هو الحال في السودان، الهدف الإستراتيجي للسياسة الأميركية في المنطقة، وبات الحضور الأميركي في القرن الأفريقي أمراً واقعاً اقتصادياً حيث تشكل التجارة أحد المقومات الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية. ويبدو أن عصر السيطرة والنفوذ الفرنسي في أفريقيا عامة وفي القرن الأفريقي خاصة، وبالذات في جيبوتي والمصالح في السودان، ربما يكونان في طريقهما إلى الأفول، وترافق هذا مع مسعى من نوع آخر من جانب واشنطن بغية صوغ جغرافية سياسية جديدة في القرن الأفريقي وفي وسط وشرق أفريقيا ، ولاسيما بعدما تمكنت من إيجاد قاعدة من الأنظمة التابعة لها، تنضم حول محور كينيا وإثيوبيا وجيبوتي وإريتريا وأوغندا وتنزانيا، باستثناء السودان حالياً، الذي تسعى الولايات المتحدة إلى الإطاحة بنظام الحكم فيه وتقسيمه، والصومال المقسم أصلاً والمسلطة عليه إثيوبيا من جانب الإدارة الأمريكية.

ومن ثَم فإن الحرب الباردة التي انتهت واقعياً بانهيار الاتحاد السوفيتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي، مرشحة للظهور مرة ثانية، ولو في صورة مختلفة، ويبدو أن نقطة انطلاقها ستكون من القارة الأفريقية، وتحديداً من منطقة القرن الأفريقي؛ فقد شهد الأسبوع الأول من شهر فبراير 2007 حدثين يعطيان أقوى المؤشرات على إمكان حدوث مثل هذا التطور:

أولهما: الاهتمام الصيني المتنامي بأفريقيا، والذي من مظاهره تلك الجولات الأفريقية للزعماء الصينيين في أفريقيا، ومنها تلك الجولة التي بدأها هوجنتاو بالسودان، وشملت ثماني دول وفي محاضرة له بجامعة بريتوريا بجنوب أفريقيا أكد هوجنتاو أن الصين لم ولن تسمح لنفسها بالتصرف مثل المستعمرين الذين عانت منهم دول القارة، لأنها هي نفسها عانت في تاريخها الحديث وعلى امتداد أكثر من 100 عام بسبب القوى الأجنبية، ولهذا فهي لن تفرض معاملات غير متوازنة على دول القارة. وإنه يسعى إلى تشجيع الشركات الصينية على زيادة استثماراتها في أفريقيا، خاصة في القطاعات الإنتاجية، وذلك حتى تتمكن دول القارة من تحسين موازينها التجارية مع الصين.

ثانيهما: الاهتمام الأمريكي المتزايد بأفريقيا، والذي من مظاهره ذلك القرار الأمريكي بإنشاء قيادة عسكرية خاصة بالقارة الأفريقية، وذلك بسبب الأهمية الإستراتيجية المتعاظمة لأفريقيا، سواء في مكافحة الإرهاب أو في مواجهة النفوذ الفرنسي التقليدي، أو النفوذ الصيني المتعاظم والإيراني المتنامي في القارة.

إن من التحديات الخطيرة المترتبة على الوجود والمنافسة الأمريكية في أفريقيا ما تقدم عليه الولايات المتحدة الأمريكية من أفعال خطرة سواء كان ذلك بإدراك منها أو عدم إدراك للمخاطر المترتبة على مثل تلك الأفعال ومنها اللعبة المزدوجة التي تنتهجها مع أطراف الصراعات في أفريقيا والمتمثلة في تزويد أطراف الصراعات بالأسلحة وتقديم خدمات التدريب والإمدادات اللازمة لهم، وهو سلوك يتناقض مع ما تزعمه الإدارات الأمريكية المتعاقبة عن جهودها ومساعيها الحميدة لتسوية النزاعات والصراعات الأفريقية، ولذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة مسؤولية مباشرةً أو غير مباشرة عن العديد من دوائر العنف والمشكلات الاقتصادية التي تعاني منها القارة الأفريقية، سواء كان ذلك في حقبة الحرب الباردة أو في الفترة اللاحقة على نهايتها في أواخر ثمانينيات القرن الماضي.

والدليل على ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية سلمت ما قيمته بليون ونصف البليون دولار من الأسلحة إلى أفريقيا خلال حقبة الحرب الباردة وبالتحديد خلال الفترة (1950-1989)، وقدمت العديد من شحنات الأسلحة إلى كل من ليبريا، والصومال، والسودان، وزائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية الآن) وهو الأمر الذي أفضى إلى مشكلات العنفِ، وعدم الاستقرار، والانهيار الاقتصادي التي ظهرت تأثيراتها الكارثية في تسعينياتِ القرن الماضي. كما أن حالة الحرب الأهلية المستمرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقاً)، هي مثال صارخ للميراثِ المُدَمّرِ لسياسةِ مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى أفريقيا، حيث زودت الولايات المتحدة نظام حكم موبوتو سيسي سيكو الاستبدادي بأكثر من 300 مليون دولار من الأسلحة وأكثر من 100 مليون دولار للتدريب العسكري، وهو الأمر الذي استغله موبوتو لقمع مواطنيه ولاستنزاف ثروات البلاد الاقتصادية لمدة ثلاثة عقود من الزمان.

وهكذا بقدر ما كانت فرنسا تتراجع بخطوات سريعة  في شأن القضايا التي كانت تتبناها وتدافع عنها، كانت الولايات المتحدة تتقدم بخطوات أسرع لملء أي فراغ تتركه فرنسا من ناحية، ولتربح مواقع جديدة في القارة الأفريقية وخصوصا في مناطق النفوذ الفرنسية التقليدية في أفريقيا من ناحية أخري، والدليل على ذلك تنامي علاقات التعاون بين كل من الولايات المتحدة والعديد من الدول الفرنكفونية شديدة الارتباط بفرنسا لسنوات طويلة، ومنها السنغال والمغرب والكاميرون وساحل العاج وجيبوتي وتونس ورواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية، وهكذا فإن القائمة آخذة في التزايد، في الوقت الذي تذهب فيه السياسة الفرنسية للأخذ بسياسة دفاعية تارة، وبسياسة تكيف تارة أخري في محاولة منها لمجرد البقاء.

إن ما سبق يعني أنه في إطار نظام عالمي قديم يختفي ونظام عالمي جديد يتشكل فإن القلق الفرنسي له ما يسوِّغه ( من وجهة النظر الفرنسية) تحسبا وخشية على النفوذ والمواريث والارتباطات التي تعبر عنها مؤسسات المنظمة الفرنكفونية لا سيما أن عددا من المتناقضات والمشكلات الكبيرة تبرز في الساحة الأفريقية وفي الساحة الفرنسية ذاتها، ومن الأمثلة على  ذلك موضوع الهجرة والعمالة الأجنبية في فرنسا، والقيود المفروضة عليها، وترحيل أعداد كبيرة من هؤلاء العاملين إلي بلادهم الأفريقية، وموضوع انهيار النظم السياسية الأفريقية التي تعاونت في فترة الحرب الباردة وتصدعها، وهي تقع حاليا تحت ضغط فرنسي وأمريكي للتحول نحو الحكم المدني الديمقراطي متعدد الأحزاب وحقوق الإنسان، وموضوع الخصومة المستمرة بين اللغة والثقافة الفرنسية وبين اللغات والثقافات الوطنية في عدد من الدول الفرنكفونية وشعور المثقفين الوطنيين في هذه الدول باتجاهات نحو تهميش اللغة والثقافة الوطنية ومن الأمثلة على هذا ما تلاقيه دعوات التعريب وخططه في دول الشمال الأفريقي من ضغوط وعقبات من جانب النخبة المتفرنسة.

لقد ظلت القارة الأفريقية ميداناً للمنافسة بين القوى الدولية الكبرى لعهود طويلة، وعلى الرغم من تراجع أهمية القوى الأوروبية التقليدية ومكانتها وهي التي كانت تسيطر على أفريقيا إلا أن التنافس الدولي في القارة استمر مع تغير الفاعلين الرئيسين، ففي ظل نظام القطبية الثنائية الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية حلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق محل القوى الأوروبية التقليدية، مع اعتراف الولايات المتحدة بمصالح تلك القوى التقليدية في القارة الأفريقية، وقد انتقل الصراع بين القطبين في مرحلة الحرب الباردة إلى الساحة الأفريقية، ولكن اهتمام القطبين بالقارة في تلك الفترة تركز على محاولة استقطاب الدول الأفريقية بهدف العمل على زيادة كل طرف لنفوذه واحتواء الطرف المضاد.

ب. سياسات التدخل والتنافس على مناطق النفوذ في القارة الأفريقية

 في إطار التوضيح لسياسات التدخل والتنافس على مناطق النفوذ في القارة الأفريقية يمكن التركيز على عناصر منها:

(1) أن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنتها صراحة أن الألفية الثالثة أو القرن الحادي والعشرين سيكون أمريكيا، وهو ما يعني تحرك الولايات المتحدة المعلن والصريح نحو إقامة إمبراطورية أمريكية في هذا القرن، مع كل ما يعنيه ذلك من استثمار لجميع الفرص المتاحة ومواجهة - إن لم يكن تقويض- أية تهديدات يمكن أن تؤثر على هذا التوجه وبغض النظر عن مدى شرعيته سياسيا أو مشروعيته قانونيا. وعلى ضوء ذلك يبدو الأمر صعبا بالنسبة للمنظمة الفرنكفونية إذا ما حاولت أو اجتهدت في لعب دور سياسي أو اقتصادي.

(2) أنه في إطار التمهيد لتحجيم الدور السياسي والاقتصادي الفرنسي يلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت في اختراق الأجواء والفضاءات الفرنكفونية، ولا سيما تلك الأكثر ولاء وانتماء لسنوات طويلة ومنها الدخول الأمريكي إلى السنغال التي ظلت لعقود من الزمان ملء السمع والبصر لفرنسا، وكانت تمثل نقطة الانطلاق الحقيقية لفرنسا داخل القارة الأفريقية، والشيء ذاته يمكن أن يذكر بالنسبة للعديد من الدول التي كانت تمثل لفرنسا ركائز أساسية لتحقيق أهدافها ومصالحها في القارة الأفريقية مثل المغرب وساحل العاج والكونغو برازافيل والكونغو الديمقراطية وجيبوتي والقائمة تطول وجميعها مستهدفة أمريكيا، فإذا كان الحال كذلك فيمكن الحكم على مستقبل المنظمة الفرنكفونية بسهولة ويسر.

(3) إذا كانت فرنسا في إطار ممارسة اللعبة السياسية قد قابلت الممارسات الأمريكية بالخروج إلى مناطق غير تقليدية وغير فرنكفونية في أفريقية وأسيا وأمريكا اللاتينية، فإن هذا التوجه وإن كان مقبولاً ومرغوباً فيه سياسيا، فإنه لن يكون مقبولاً ولا مرغوباً فيه اقتصاديا ولا أمنيا، وهو الأمر الذي سيعيد صانع القرار السياسي الفرنسي إلى المربع الأول من جديد.

ما تقدم يشير إلي اهتمام كل من السياستين الفرنسية والأمريكية بقضايا دول أفريقيا، ولكن اهتمام كل منهما يعطي أولوية لشريحة أو لفئة في داخل الطبقة الحاكمة في هذه الدول ويمكن توضيح ذلك كالتالي:

(1) أنه مع اهتمام كل من السياستين الفرنسية والأمريكية بمعادلة الأمن والاستقرار والتنمية، فإن السياسة الفرنسية تعطي الأولوية للفئة السياسية العليا التي تري الأمن والاستقرار مدخلا إلي التنمية الاقتصادية والاجتماعية،   بينما تعطي السياسة الأمريكي الأولوية للفئة الاقتصادية العليا التي تري أن التنمية الاجتماعية والاقتصادية هي المدخل إلي الأمن والاستقرار، وهذا الاتفاق والاختلاف في الأولويات السياسية بين الدولتين هو ترجمة وتعبير عن المصالح القومية لكل منتهما في القارة الأفريقية، ففرنسا لديها قاعدة اقتصادية وثقافية ولغوية موجودة وموروثة وتريد أن تبني فوقها نفوذا سياسيا متناميا، بينما الولايات المتحدة تعمل على توسيع القاعدة الاقتصادية والثقافية اللغوية لتكون قاعدة متينة لبسط النفوذ السياسي المتنامي في أفريقيا جنوب الصحراء، وقد أشار وزير التجارة الأمريكية إلي شيء من هذا المعني عندما ذكر أن أفريقيا تشكل الحدود الأخيرة للمصدرين والمستثمرين الأمريكيين، وفيها إمكانات متينة واعدة، وأنه سبق لرجال الأعمال والمال الأمريكيون أن تركوا أفريقيا لزمن طويل منطقة نفوذ للمنافسين الأوروبيين.

(2) أن أياً من السياستين الفرنسية والأمريكية لم تعد تتقيد بحدود المفهوم الثقافي القديم لتقسيم أفريقيا إلي مناطق أنجلوفون وفرنكفون و لوزفون فالهجمة الاقتصادية الأمريكية لا تتوقف عند الحدود أو هذا المفهوم الموروث، والدليل على ذلك أن زيارات كبار الزعماء والمسؤولين الأمريكيين والفرنسيين لا تلتزم بهذا التقسيم الثقافي الموروث ولا تتقيد به، وينطبق ذلك أيضا على زيارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وكذلك زيارة الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلي أفريقيا عام 1998، كما أن مجمل النشاط لا يتوقف على النشاط الاقتصادي بمجالاته المتنوعة بل امتد إلي مجالات النشاط الثقافي واللغوي والإعلامي في صوره الحديثة مثل الإنترنت وقنوات الإرسال بالراديو والتليفزيون وإنشاء الجامعات والمراكز الثقافية والمنح الدراسية لطلاب الدراسات العليا بالجامعات والتدريب والمعونة الفنية.

(3) أن حفظ السلام وتطويق النزاعات المسلحة الداخلية وبين الدول الأفريقية يشغل بال كلتا السياستين الفرنسية والأمريكية، ولكن المداخل والأساليب فيها تختلف في كثير من الأحيان عن بعضها البعض،ففي حين سبق للسياسة الفرنسية أن اقترحت عقد مؤتمر دولي أفريقي لبحث مشكلات ونزاعات هضبة البحيرات العظمي ووسط أفريقيا عامة بحضور الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الأفريقية، فإن السياسة الأمريكية لأسبابها الخاصة لم تستجب لهذا الاقتراح ، ومن ثم قامت فرنسا بالدعوة لقمة فرنسية/ أفريقية شارك فيها الأمين العام للأمم المتحدة والأمين العام لمنظمة الوحدة الأفريقية وعرضت في مقدمة جدول الأعمال البحث عن حل سلمي لأزمة الكونغو الديمقراطية والنزاع الإثيوبي/ الإريتري ودور منظمة الوحدة الأفريقية والمنظمات الإقليمية الفرعية في أفريقيا لحفظ السلام في أفريقيا.

(4) أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة سَتُواجهُ مجموعةَ من التحديات التي تَتعلّقُ بالحربِ والعنف في أفريقيا. وسَتَحتاجُ العديد مِنْ جُهودِ السلامِ إلى استمرار التيقظ وعلى أعلى المستويات وسرعة التعامل معها، ومن ثم فإن على الولايات المتّحدة أن تبذل العديد من الجهود المكثفة من المساعي الدبلوماسيةِ الرامية إلى تشجّيعْ عملياتَ السلام في أفريقيا. وهو الأمر الذي يتطلب المتابعة من خلال سياسة دبلوماسية فعّالة، وأن يكون هناك تنسيق كبير مع حلفاء الولايات المتحدة، حيث إن هناك العديد من المشكلات التي تطلب التدخل العاجل لتسويتها ومنها تنشيط تطبيق اتفاقيات السلام الموقعة بين الدول، ودعم عمليات السلام في مناطق الأزمات في أفريقيا.

(5) يرى بعض المهتمين بالسياسة الأمريكية تجاه أفريقيا أن هناك ربطاً بين المشكلات التي تعاني منها دول القارة الأفريقية مثل الفساد السياسي، والحكومات الاستبدادية، وحالة الفقر والتخلف التي تعاني منها دول المنطقة وانعكاسات ذلك على مجمل الأوضاع داخل تلك الدول، وهو الأمر الذي يساعد مساعدة كبيرة على وجود البيئة المناسبة لتنامي الإرهاب، الموضوع الآخر الذي يرى معظم المتخصصين أن لَهُ تأثير جدّي وسلبي على تشكيلِ السياسة الأمريكية، وهو ضعف النشاط الإستخباراتيِ الجيدِ في المنطقة، والذي ربما يعزى إلى المستوى المنخفضِ للدعمِ الدبلوماسيِ الأمريكي في القارة الأفريقية، المقتصر على قنصلياتِ، بدلاً مِنْ أنشطة ومهامِ شاملةِ، في المواقع الأمامية المهمةِ مثل مومباسا في كينيا وزنجبار في تنزانيا، ونقص أعداد موظفي السفارةِ على سبيل المثال في جيبوتي، أَو لا وجود دبلوماسياً على سبيل المثال، الصومال والعديد من الدول الأفريقية. وفي الحقيقة، فإن غياب التمثيلِ الأمريكي القويِ في هذه الأماكن ربما يعود لحقبة الإهمال الأمريكي للشؤون الأفريقية خلال مرحلة الحرب الباردة، وهو الأمر الذي يعيقُ القدرةَ الأمريكية كثيراً لتَقييم التهديداتِ الإرهابية،ِ ولفَهْم طرقِ العَمَل الداخليِ للمجموعاتِ المعقّدةِ، والجماعاتِ الإثنيةِ الهامةِ، ناهيك عن الشبكات الدولية التي تقوم بأدوار مهمة في تَمويل الإرهابِ وتوظيفه.

(6) يلاحظ أن هناك تحولاً في التعامل الراهن للسياسة الفرنسية مع القضايا الأفريقية، وهي تتمحور حول استعداد فرنسا لتعاونٍ جديد مع أمريكا في أفريقيا وإدراكها أن التحرك الأمريكي هناك ليس مؤامرة ضدها، وأن استمرار فرنسا في الاهتمام وتقديم المعونات لأفريقيا لا يمنع من التعاون مع جميع الدول ذات الاهتمام، وأن الوجود العسكري الفرنسي يشهد إعادة الترتيب والتكيف مع الأوضاع العالمية والأفريقية، ولن يترتب عليه وجود مكثف، وإنما سوف يتحول إلي قوات لحفظ السلام وتدريبها وتسليحها وبالتوافق مع ما تأخذ به بريطانيا وأمريكا أيضاً.

(7) أنه على الرغم من هذا التنافس الأمريكي الفرنسي على الأسواق الأفريقية إلا أن البعض يرى أن سيظل لفرنسا وجود وتأثير كبير في الأسواق الأفريقية؛ وذلك بسبب موروثها الثقافي واللغوي في القارة الأفريقية، وبسبب سيطرتها على منظمة الفرانكفونية، وعلاقاتها مع الطبقات الحاكمة في معظم هذه الدول، ولكن هذا سيتوقف على استمرار هذا الدور الفرنسي في المنطقة الفرانكفونية، وعلى فشل الولايات المتحدة الأمريكية في استقطاب دولها سياسيًا وثقافيًا. ولكن وجهة النظر تلك يكتنفها العديد من الصعوبات والتحديات المتنوعة التي تحول بينها وبين الواقع الفعلي؛ إذ إن الولايات المتحدة الأمريكية مصممة على خروج الأوروبيين وعلى رأسهم فرنسا من أفريقيا، ومن ثَم تنتهج سياسات وممارسات في العديد من الدول الفرنكفونية لا تعبر فقط عن مزاحمة فرنسا وإنما عن إزاحتها.

ومعني ذلك إمكان أن يكون هنالك نوع ما من التفهم والتفاهم الفرنسي/ الأمريكي حول هذا التنافس المحكوم والمنضبط في الأسواق الأفريقية طبقا لمبدأ العرض والطلب في الاستثمار والتجارة، لا سيما بعد الاتفاق بين الدول الصناعية الكبرى وموافقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في نوفمبر 1997 على تجريم رشوة المسؤولين الأجانب عند عقد الصفقات التي تعرضها الشركات الدولية أو تتنافس عليها، وكان هذا مطلبا أمريكيا من قبل، كما تظهر مؤشرات التفهم والتفاهم في إبلاغ السياسة الأمريكية الجانب الفرنسي مقدماً بأهداف رحلة الرئيس كلينتون لأفريقيا في شهر مارس 1998 ثم الاتصال الهاتفي بين الرئيسَين كلينتون وشيراك قبل نهاية الرحلة التي زار فيها الرئيس الأمريكي دولة السنغال، والحديث عن النتائج والرؤية لمستقبل التعاون بين الدولتَين، وما سوف يثار من قضايا في اجتماع القمة الاقتصادية للدول الثماني الذي كان مقرراً انعقاده في مايو 1998.

ويلاحظ بصفة عامة أن تحولاً محسوباً بدأت فرنسا في الأخذ به منذ بداية الحضور الجدي للولايات المتحدة الأمريكية ليس في منطقة القرن الأفريقي فحسب، وإنما في جميع أرجاء القارة الأفريقية، وتصميم الإدارات الأمريكية المتعاقبة على تبني استراتيجيات تؤسس لأن يكون هذا الحضور غير محدود من حيث المناطق، ومن حيث الكثافة من ناحية، ومع عدم الأخذ في الحسبان أهداف ولا مصالح  أية قوى دولية أخرى بما في ذلك فرنسا، ولذلك فإن سياسة الحوار والتعبير عن العلاقات الودية وعن إمكان أن يكون هناك تفاهم وتعاون غير مسبوق من جانب فرنسا وبالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وحول جميع القضايا والمشكلات ذات الاهتمام المشترك، إنما يدخل في إطار السياسات الجديدة لفرنسا في القرن الحادي والعشرين.  

ثانياً: المنظور الأيديولوجي للعلاقات الدولية في أفريقيا

لم يكن من الممكن انتشار الأفكار الليبرالية في مختلف دول القارة الأوروبية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية لو لم تكن متفقة إلى أبعد الحدود مع حرية الفرد التي قادته إلى محاربة الاستبداد على الصعيد السياسي، وإلى العقلانية على الصعيد المعرفي، وإلى العلمانية، وتحرير المرأة، والديمقراطية التي تشكل التخطي الديالكتيكي لهذه الليبرالية. وقد ارتدت المبادئ الليبرالية هذه طابع فتوح دائمة للبشرية، رست في أساس المجتمعات الحديثة (حتى إذا تجاوزت الليبرالية), إلا أن حرية المشروع الاقتصادي التي بدت في ظل المجتمع التقليدي، بمنزلة مبدأ عقلاني، يحرر ولا يضطهد, و يطلق قوى الإنتاج، أصبحت فيما بعد تظاهرة لا عقلانية، و أداة للاستغلال و لمزيد من التفاوت الاجتماعي.

وتختلف الرأسمالية المعاصرة (الليبرالية الجديدة New Liberalism) منذ الربع الأخير من القرن الماضي إلى حد بعيد عن رأسمالية ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ حين شكلت الكينزية النظرية السائدة في العالم الرأسمالي. فمشهد "الرأسمالية المعاصرة" منذ السبعينيات والثمانينيات, بات مشهد "رأسماليات" أو نماذج رأسمالية, وأشكال رأسمالية, بدأت تتحدد وتتمثل في الليبرالية الجديدة" النموذج الأمريكي ـ البريطاني، أي نموذج "السوق الحرة الأنجلوساكسونية", ونموذج "أوروبا الوسطى", أي نموذج اقتصاد السوق الاجتماعية الألمانية, أو ما بات يعرف بـ"نموذج الراين" للرأسمالية المختلف اختلافاً أساسياً وجذرياً عن رأسمالية السوق الحرة الأمريكية, ونموذج "الرأسمالية اليابانية" المهندسة على أساس من الترابطات المتبادلة للاقتصاد الياباني, التي تجعله جزءاً لا يتجزأ من حياة المجتمع. وهذا بدوره مثل السوق الاجتماعية الألمانية, يختلف اختلافا كلياً بدوره عن المذهب الفردي، والمغرق في فرديته، المتمثل في نموذج السوق الحرة الأنجلوساكسونية.  ويلاحظ أن الليبرالية الجديدة لا تجيز الأشكال الاجتماعية للسوق أو أي شكل معروف من أشكال الحمائية لصالح مبدأ, أو فكرة "دولة الحد الأدنى", أي تقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية حتى أقصى حد ممكن, وتدعو إلى سوق حرة ومتحررة من كل قيد أو ضابط و من أي إشراف, أو نظام مراقبة, بدعوى أن السوق الحرة "تنظم نفسها بنفسها". ولكن الليبرالية الجديدة، جاءت بمنهاج جديد لإدارة الرأسمالية في زمن العولمة. و قد كشفت عن عدد من الحقائق أهمها:

·   تتسم العولمة الرأسمالية المتوحشة الحالية باستقطاب رؤوس الأموال والتدفقات الاستثمارية، ومن ثَم بتركيز الثروة والغنى في البلدان الرأسمالية الصناعية المتقدمة، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

·   يزداد إفقار العالم الثالث و تهميشه، وتتخذ عمليات نهبه السافرة والمقنعة طابعاً نمطياً وروتينياً.

·   تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بدور رئيس في صياغة هياكل القوة الاقتصادية من خلال قوتها السياسية والعسكرية.

ومنذ فرضت الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها المطلقة على النظام الدولي الجديد في ظل القطبية الأحادية، حاولت أن تصوغ العالم على شاكلتها ومثالها, ونشر سلطتها فيما تسميه بالعالم الفوضوي (أو الدول الفاشلة، أو محاور الشر). والولايات المتحدة لا تثق بالقانون الدولي ولا بالمواثيق الدولية, و هي تنظر إلى تحقيق الأمن, كما الدفاع عن الليبرالية الجديدة, عبر حيازة القوة العسكرية واستخدامها.وهي تزداد ميلا إلى العمل العسكري في شكل أحادي الجانب, وترفض المبادرات أو القرارات التي تتخذ تحت راية مؤسسات دولية على غرار الأمم المتحدة مثلا, وتشك في القانون الدولي وتؤثر العمل خارج نطاقه حين ترى ذلك ضروريا ـ كما هو الحال في حربها على العراق، وما تسمية حربها على الإرهاب سواء في أفغانستان أو في منطقة القرن الأفريقي أو حين تراه مفيداً لمصالحها فحسب.

ثالثاً: المنظور الأيديولوجي السوسيولوجي للتدخل في المنطقة

لقد تكونت الأيديولوجيا الليبرالية وتأسست وفقاً لما هو مطبق في الدول الغربية ذات الطابع الليبرالي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية شيئاً فشيئاً انطلاقاً من نواة أيديولوجية ذات محورين:

الأول: قناعة التكليف برسالة: كانت  الدول الليبرالية على قناعة بأنه ينبغي عليها إنجاز رسالتها التي آمنت بها، وبصدقية كونها مكلفة بها حسب الإرادة الإلهية. ومن أجل تقديم المثال عرضت للآخرين الصورة الرائعة لأمة جديدة مختارة من الله، لهدف واحد هو توزيع رسالة وحيدة لمستقبل تراه مشرقاً لكل الشعوب. وإذا كانت هذه الرسالة لا تظهر مباشرة في لغة الخطاب والتعامل الدولي، وإنما يكون الحديث عن العلمانية بمعنى فصل الدين عن الدولة، فيبدو أن هذا في التعامل مع الآخرين في مرحلة انتقالية، إلى أن تتم عملية الاحتواء والاستيعاب، ثم يبدأ عمل البعثات والإرساليات التنصيرية لتبليغ الرسالة إلى العالم أجمع وإلزامه بها.

الثاني: توافر الإمكانات والقدرات لتحقيق الرسالة: لقد كانت  الدول الليبرالية متأكدة من أنها لكي تستطيع أن تنجز هذه الغاية انجازاً جيداً، فإنه يجب أن يكون لديها الطاقات التامة باستخدام كل الوسائل. لذلك اتسمت السياسات الليبرالية بالتصميم على العمل، وبالتمسك بالهدف وبالمحافظة الدائمة على العنصر الأيديولوجي المولد للفعل. وتوصلت هذه السياسة لذروة قوتها في التنفيذ مع مطلع القرن الثامن عشر، وأصبحت في وضع أفضل منذ القرن التاسع عشر (إبان الحقبة الاستعمارية).

ومن هذا المنطلق فقد فهمت الإدارات المتعاقبة على السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية أن التحكم في العالم لا يكفيه فقط امتلاك القوة العسكرية الضاربة والهيمنة على أسواقه وحكامه، بل هو بحاجة لوسائل سوسيولوجية أخرى تصل إلى إخضاع جميع أفراده حتى تنتهي عملية الاستلاب على وجهها الأكمل، وذلك عن طريق محو ذاكرة الشعوب وإبادتها، فطالت هيمنتها عالم الاتصالات والسينما والتلفاز واللباس والجنس والطعام والشراب واللغة… وغيرها. ومن ثَم فإن اعتماد الليبرالية المتطرفة عقيدة تجارية واقتصادية هو الذي فرض هذه السياسات التي تذهب ضحية لها ليس الشعوب فحسب، بل والدول أيضاً. وتبقى الغاية الرئيسة لهذه الليبرالية هو انفتاح الأسواق أمام البضائع الأمريكية والغربية دون أية حواجز دفاعية لحماية المواطنين المحليين، كما أن أصحاب هذه العقيدة يملكون هدفاً واحداً فقط ألا وهو جني وتعظيم الثروات، مستخدمين في ذلك جميع الوسائل المشروع منها وغير المشروع دون أي رادع. وخلال صعود الليبرالية أدركت الولايات المتحدة أن التنوع السياسي والجغرافي والتاريخي في العادات والتقاليد والمعتقدات والقوانين والثقافات يشكل حواجز وروادع إنسانية وأخلاقية أمام انتشارها، لذلك دأبت على وضع الخطط والاستراتيجيات التي اقترنت بالتحالفات وبالتدخلات لفرض الليبرالية أيديولوجية وحيدة لمن أراد البقاء من الآخرين.

    يعزز من التوجه السابق أن الحملة الغربية الصهيونية بزعامة الولايات المتحدة ذات الطابع الديني، وفي مواجهة الإسلام على وجه التحديد بأبعادها العسكرية والسياسية والثقافية، هي بدء انطلاقة لحملة غزو واحتلال، وحرب إبادة، وتدمير، وترويع، وتخويف، وانتهاك لسيادة تلك الدول واستقلالها، بل والسعي لإضعافها وتفكيكها، وترى تلك المجموعات المعادية للإسلام في دوائر صنع القرارات والسياسات في الغرب أن غياب الديمقراطية والحرية (الليبرالية السياسية) في تلك البلدان، هو السبب الرئيس في نمو ظاهرة الإرهاب في العالم، والتي باتت تشكل خطراً على الأمن القومي في الغرب والولايات المتحدة بالتحديد وعلى النماذج الديمقراطية في العالم وفي مقدمتها إسرائيل.

وأن ظاهرة الإرهاب تهدد مصالح الغرب في العالم وخاصة الشرق الأوسط. وربط أصحاب هذا الرأي بين غياب الديمقراطية ورفضها، وتنامي ظاهرة الإرهاب في العالم الإسلامي، والشعور بالحقد والكراهية للولايات المتحدة والغرب والكيان الصهيوني وبين الحضارة الإسلامية، وأن الصراع الدولي اليوم لم يعد مجرد صراع إيديولوجيات، بل هو صراع حضارات. فأطلقوا نظرية صدام الحضارات المؤسسة على التصادم الحتمي بين الغرب والإسلام، بسبب ما تحمل كل حضارة من ثقافات متعارضة مع الأخرى. وجرى تعبئة إعلامية وثقافية من قبل القوى المعادية للعرب والمسلمين، لتشن حملة من التحريض المنظم في وسط الرأي العام الغربي على الإسلام وحضارته ومرتكزاته الفكرية والثقافية وبناه التعليمية.

وليس من الغرابة بمكان، أن يكون مبشرو هذه النظرية من غلاة المؤيدين للصهيونية العالمية داخل الإدارة الأمريكية في أوائل الألفية الثالثة وعلى رأسهم جورج بوش الابن ووزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد ووزيرة الخارجية كونداليزا رايس وغيرهم من الصهاينة واليهود المعادين للعرب وللإسلام معاً، من أمثال بنيامين نتنياهو وصموئيل هنتجتون إضافة إلى القوى المتصهينة المؤثرة على السياسة الأمريكية من أمثال ريتشارد بيرل وبول وولفويتز وريتشارد ارمتاج وغيرهم.

حيث بدأ نتنياهو قبل عشرين عاماً من أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن من خلال كتبه: الإرهاب الدولي، والإرهاب كيف يمكن للغرب أن ينتصر؟، ومحاربة الإرهاب كيف تستطيع الديمقراطيات هزيمة الإرهابيين المحليين والدوليين؟، بالتحريض على العرب والمسلمين في الغرب، ويفتخر بأنه كان وراء إقناع الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان بضرب ليبيا في الثمانينيات من القرن الماضي، وتحسر كثيراً لفوات فرصة ضرب سورية، بعد أن كان أقنع القيادة الأمريكية آنذاك بضربها، إلا أن اندلاع أحداث الخليج عام 1990 منع من تحقيق ذلك. واحتوت كتابات نتنياهو والتي سبقت نظرية صدام الحضارات لصموئيل هنتجتون بعشر سنوات عداءً ضد الإسلام والعروبة، وتحريضاً على مواجهة المسلمين في بلادهم وبلاد الغرب. فكتب عما أسماه بالإرهاب الإسلامي، الذي عده خطراً على ديمقراطية الغرب. وقدم للدول الغربية الوصايا لمحاربة ذلك الإرهاب. وطلب تحجيم القوة العسكرية في البلاد العربية والإسلامية، حتى لا تهدد الغرب والكيان الصهيوني. وفرض حصار على دول كسورية والعراق وإيران وغيرها من الدول الرافضة للمشروع الصهيوني والمناصرة للحق الفلسطيني، بحسبانها دولاً داعمة للإرهاب.

إذن فخلال فترة ما بعد الحرب الباردةِ بات التركيز الاستثنائي الحالي من جانب الإدارة الأمريكية، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الشرقي، ينصب - في إطار بحثهم عن العدو البديل للشيوعية - على الأصولية الإسلاميةِ واتخاذها عدواً جديداً، في إطار ممارساتهم للعلاقات الدولية، وهذا السلوك يَنْجمُ عن حقيقة أنّ صانعي السياسة الأمريكيين هم في شغل دائم في البحث عن مصادر التهديدات المحتملة والممكنة للولايات المتّحدة، وللمصالح الاقتصادية لحلفائها.

وذلك من منطلق أساس مفاده أن صعود الأصولية الإسلامية، في مقابل فشل القومية العلمانية في أفريقيا والشرق الأوسط، يجَعل من الميسور من وجهة نظر صانعي السياسة الأمريكيين والأوروبيين، اختراع الصورة الجديدةَ للعدو الجديدِ للغربِ ورسمها وتشكيلها. وهذا الأمر يفضي إلى نظام دولي جديد، ويقدم السبب الجوهري للحرب الباردةِ الجديدة وهذه المرة مع معسكر آخر هو المعسكر الإسلاميِ وتحت مسمى ومزاعم الأصولية الإسلامية، بحسبان أنها تمثل نقيضاً أيديولوجياً للغرب وللولايات المتحدة الأمريكية، كما كان الحال مع الشيوعية. ومن ثَم فإن هناك ترويجاً وتوظيفاً كبيرَين في الغرب لما يسمونه بتهديدِ الأصولية الإسلامية لهم على المستويين الداخلي والخارجي، وتصاغ السياسات والممارسات في الوقت الراهن على مستوى السياسة الدولية وفي إطار النظام الدولي الجديد على هذا الأساس.

وعلى سبيل المثال فقد كشفت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت في فترة رئاسة بيل كلينتون عن دوافع هذه السياسة الأمريكية في منطقة شرق أفريقيا بتصريحها في يناير 1998، أنه لا ينبغي أن تترك هذه المنطقة دون توجيه استراتيجي أمريكي، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج في مقدمتها قيام عدة دول إسلامية في الشرق الأفريقي.

كما يلاحظ في ظل الإدارة الأمريكية بزعامة جورج بوش (الابن)، وتحديداً منذ مارس 2000، أنه بدأت حملات في واشنطن تقودها جماعات ضغط يمينية وكنسية، وشخصيات في الكونجرس، ومراكز الأبحاث من أجل دفع الإدارة الأمريكية لتبني سياسة جدية تجاه السودان. واستجابت الإدارة الأمريكية لضغوط داخلية مورست من جانب تحالف واسع ومتباين الأطراف، يجمع بين اتجاهات سياسية شتى؛ فإدارة بوش التي تستند في قاعدتها إلى اليمين الجمهوري (المحافظين الجدد خاصة)، ولوبي شركات البترول وقعت تحت طائلة مطالب تبدو متعارضة؛ فهذا اليمين والمنظمات الكنسية تطالب بالمواجهة مع نظام الإنقاذ. أما شركات البترول فتطالب بتطبيع العلاقات مع السودان من أجل الحصول على حصة البترول، ولهذا جاء تعيين القس جون دانفورث في بداية سبتمبر 2001 لطمأنة اليمين بأن مطالبهم ستكون في رأس أولويات المبعوث الرئاسي، وفي الوقت نفسه المضي قدماً في السياسة الجدية القائمة على الضغط من خلال الحوار والتفاوض.

في إطار الانطلاقة لأيديولوجيتهم المعاصرة في التعامل مع ظاهرة الأصولية الإسلامية، يرى الخبراء الأمريكيون والغربيون أنه في منطقة عَرفتْ شعوبها الفاقةِ والقحطImmiseration ، فإن أحد أفضل الأدوات للتعامل مع الإرهابِ في القرن الأفريقي وفي اليمن، والذي تزداد فرص تناميه، هو أَنْ تَعْملَ الولايات المتّحدة الأمريكية بالتنسيق مع البلدانِ في المنطقةِ لتَحسين الشروطِ والفرصِ لمواطنيهم فيما يختص بإشباع الحاجات الإنسانية، وتحسين المستويات المعيشية لهم، والتَعَاوُن من خلال الروابطِ والمنظماتِ المحليّة، ولذلك ينبغي تقديم المساعدة ابتداء من أجل بناء المؤسساتِ المحليّة، وزيادة فاعليتها الحقيقيةِ. كما أنه من الضروري فَهْم مدى قدرةِ حكومات الدول المعنية ونواياها فيما يتعلق بتقديم خدمات الأمن والسلامةِ لمواطنيها، وكذلك مدى قدرة تلك الحكومات ونواياها فيما يتعلق بتقديم الخدماتِ الأساسيةِ الأخرى، و مدى قدرتها ونواياها في ملء الفضاءِ السياسيِ وفقا للقوانين والتشريعات الدستورية.

إن ما يجعل هناك صعوبة حقيقية في اعتماد أيديولوجية مناهضة للأصولية الإسلامية، أن معظم الأفكار والمبادئ ومنظومة القيم المتضمنة في الأيديولوجيا الليبرالية المعاصرة، وخصوصاً في مضامينها الاقتصادية ذات الطابع الرأسمالي، أو في مضامينها السياسية ذات الطابع الديمقراطي والإنساني لا تجد الدول الإسلامية غضاضة في الأخذ بها، بل وتدعي غالبيتها ذلك، سواء كان ذلك بدافع الملاءمة الفعلية لواقعها الديني ولمنظومة أفكارها وقيمها وعاداتها وتقاليدها وسلوك حياتها، أو في ظل ضغوط الترغيب أو الترهيب التي تمارس من جانب الغرب منذ بداية الألفية الجديدة، كما أن الإطار الفكري والإطار الحركي لما يسمى بالأصولية الإسلامية لا يتعارض في جوهره مع الأيديولوجيا الليبرالية المعاصرة، وهو الأمر الذي يرجح أن التنافس والصراع إنما يقومان على أساس أيديولوجي ديني. ربما يرجع في بعض أسبابه إلى نزوع الغرب إلى عدم الاعتراف من جانبهم بالإسلام ديناً سماوياً، وحتى إن اعترفوا فإنهم يشعرون أنهم في إطار تنافس ديني، يستوجب منهم نصرة ما هم عليه، وفي ذات الوقت نزوع الأصولية الإسلامية إلى أنها مستهدفة ومستدرجة إلى هذا التنافس والصراع الأيديولوجي ذي الطابع الديني.

ويشير الخبراء الأمريكيون إلى أن الإسلامُ يقوم بدور مهم في كل من منطقة القرن الأفريقي واليمن، وهو ما يمثل منعطفاً حرجاً للولايات المتّحدةِ الأمريكية، ويصنف هؤلاء الخبراء أنواعاً عدة من الإسلام داخل المظلة الواسعةِ للإسلامِ الشامل، ويذهبون في ذلك إلى أن هناك الإسلام الصوفي Sufi، وأنه هو النمط التقليدي المنتشر في أنحاء القرن الأفريقي كافة، وينظر إليه على أنه أكثر تسامحاً بالمقارنة مع أنماط الإسلامِ الأخرى، وأقل بعثاً وتحفيزاً على الجهادِ الإرهابيِ العالميِ. وأنه على الرغم من هذا، فإن الإسلام الوهابي Wahhabist  يتزايد دوره في المنطقةِ.

ومن ثَم يكون هناك تأثيرِ للوهابيةِ وللعربية السعودية في أنحاء المنطقة كافة. وأن الوهابية ذلك المذهب الإسلامِي موطنه المملكة العربية السعودية ومضمونه الَرْبطُ بين الدينَ والممارسة السياسية. ويصفه هؤلاء الخبراء بأنه أكثر المذاهب الإسلامية انتشاراًأكثرها تشدداً وتصلباً. وأن المنظمات الوهابية الخيريةَ تضطلع بتقديم الخدمات الاجتماعية، والرعاية الصحية والتعليم في منطقةِ القرن الأفريقي التي تتسم بالفاقةِ، وهو ما يَجْعلُ هذا المذهب أكثر قبولاً من جانب السكان المحليين. وأنه في ظل الظروف الاقتصادية المتدنية لدول المنطقة يكون التعليم في المدارسِ هناك تابعاً لهذه المنظمات، حيث لا تكون هناك خيارات أو بدائل أخرى، بحيث تتنامى الوهابيةِ ليس عقيدة أو أيديولوجيا، وإنما بديلاً متاحاً في مجال التعليم. ويشير هؤلاء الخبراء إلى أن الوهابية لا تعني الإرهابَ، لَكنَّها تُجسّدُ الفلسفة الأصولية التي يذهب أتباعها على الأرجح للاقتناع والانجذاب إلى الإرهابِ والجهادِ. وينبغي أن يكون في بلدان المنطقةِ دعم أمريكي، ويَجِبُ أَنْ يُزوّدَ المواطنون في تلك الدول ببدائل Alternatives  للخدمات الاجتماعية تُقابلَ ما تقوم به المنظمات الخيريةِ الوهابيةِ. كما أن الترابط بين البلدانِ الأخرى في المنطقةِ يجب أنْ يبقي أيضاً. وعلى الرغم من أن المملكة العربية السعودية لا تصنف جغرافيا ولا إقليميا ضمن منطقةِ القرن الأفريقي، إلا أن تأثيرها الثقافي يَجِبُ أَنْ يُراقبَ.

وعلى جانب آخر متمم للتوجهات الأيديولوجية الدينية الغربية والأمريكية تحديداً، فقد سعت إسرائيل إلى الإدعاء بأن الانتماء العربي ـ الإسلامي لأفريقيا لا يستند إلى أساس، بزعم أن الجغرافيا لا تصنع رابطة، بل على العكس من ذلك فإنها في هذه الحالة تمثل حاجزاً بين الدول العربية في أفريقيا وبين الدول الأفريقية، وأن دول الشمال الأفريقي العربية تختلف عن دول جنوب الصحراء الزنجية. وأن هذه الدول الشمالية العربية تمثل كتلة إسلامية مقابل الدول الجنوبية التي تغلب عليها المسيحية، وأن بدايات الاتصال العربي بأفريقيا جاءت من خلال تجارة الرقيق، وأن السلوك العربي تجاه أفريقيا تغلب عليه النواحي المصلحية والانتهازية، وأخذت هذه الدعايات تصور الأقليات العربية في شرق ووسط وغرب أفريقيا وغيرها على أنها صورة جديدة للمستعمر الأبيض المستغل.

في الوقت نفسه سعت إسرائيل إلى توطيد علاقاتها مع الحركات الثورية المنشقة مثل حركة الجيش الشعبي في جنوب السودان بقيادة "جون جرانج" وأخذت تصور حركته على أنها تسعى إلى تحرير "المسيحيين" من نير اضطهاد "المسلمين" الشماليين، على الرغم مما في هذه المقولة - وغيرها من المزاعم والادعاءات السابقة - من مغالطات أيسرها أن الجنوبيين المسلمين أكثر عدداً من المسيحيين في هذه المناطق.

وما يحدث في دارفور مثال واضح للتدخل الدعائي والتشويش المتعمد الغربي والإسرائيلي للتفرقة بين أهالي دارفور على أساس عرقي، ومن منطلق التفرقة بين الزنوج والعرب؛ مستغلين الأخطاء المتراكمة التي ارتكبتها الحكومات السودانية المتعاقبة من عدم اهتمام بمشكلات الإقليم، نتيجة ظروف داخلية وإقليمية ودولية فرضت على تلك الحكومات، وتركت تأثيراتها السالبة على سياساتها وممارساتها، ويدحض مثل تلك المزاعم الحياة المشركة التي يحياها مواطنو الإقليم واتحادهم واندماجهم لسنوات طويلة؛ فالكل يدين بالإسلام وعلي المذهب المالكي، كما أن وحدة العادات والتقاليد والثقافة والتاريخ، فضلاً عن علاقات التقارب والتصاهر، وتداخل علاقات المصالح والتعاون، هي عناصر توحيد أكثر من كونها عناصر تفرقة.

ويبدو أن المغزى والمضمون الديني هما الأساس في اختلاق الأعداء وإيجاد الذرائع والمسوغات لأية توجهات وسياسات وممارسات لاحقة، وأن الحروب الصليبية التي يمهد الغرب ويعد لها ـ من قبل ومن بعد ـ تتغير وتتطور أشكالها وهياكلها وأطرافها، على حسب تغير الظروف والأحوال والمستجدات، فقد حدثت عبر قرون مختلفة، كما حدثت في القرن العشرين مع الشيوعية اللا دينية، ويتم الإعداد لها حالياً في القرن الحادي والعشرين مع الإسلامية الدينية، وحتى أيضاً مع الصين ذات الطابع الشيوعي، والتي تتعرض لمحاولات الغزو الديني المسيحي من ناحية، ومن الضغوط بشأن وضعها اللاديني، ولا تكون من ثَم الأهداف والمصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية سوى مسوغات منطقية وعملية لإعلان حرب باردة عالمية جديدة.

ويلاحظ في هذا الخصوص أن صامويل هنتجتون حذر من تطور القوى العسكرية الإسلامية والصينية، بل وحذر من تعاون أكيد بين الإسلام والصين لمواجهة الحضارة الغربية، علماً أنها أكذوبة يسوقها هنتجتون للرأي العام الغربي لخلق حالة من الهلع والخوف المستقبلي من هاتين الحضارتين. فالإسلام لا يشكل دولة كالصين، بل دول متعددة الأشكال والأنظمة السياسية، وينتهج معظمها النمط الغربي سياسياً وتشريعياً. أما الدول التي تتبع الشريعة الإسلامية فهي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. وهذا ما ينسف كل مقولة هنتجتون في التحالف الإسلامي الصيني المستقبلي.

كما أن الصين تنتهج النظام الشيوعي، ولا يقوم نظامها السياسي على تعاليم كونفوشيس. وأخطر ما تحمل أفكار هنتجتون هو تحذيره للغرب من النمو الديمغرافي للمسلمين، وفي رأيه هذا سيؤدي بالشباب المسلم نتيجة البطالة إلى تكوين مجموعات متمردة وعنيفة داخل مجتمعاتها. كما يدفع هؤلاء إلى الهجرة إلى بلاد الغرب الأوربي والأمريكي، وهنا تكمن الخطورة على الغرب من هذه الهجرة. فالإسلام كما يصوره هنتجتون يحرض على العنف وسفك الدماء، وأن المسلمين متورطون في أعمال العنف أكثر من كل شعوب الحضارات الأخرى. والسبب كما يدعي هي صعوبة اندماجهم مع شعوب الحضارات الأخرى. لهذا فالإسلام مصدر عدم الاستقرار في العالم.

كما يرى الخبراء الأمريكيون أن أية سياسة إقليمية تتعلق بالقارة الأفريقية يجري التخطيط لها، يَجِبُ أَنْ تَأْخذَ في الحسبان كل الدول في الشمال الأفريقي (مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، موريتانيا، المغرب) والدول في الغرب الأفريقي (نيجيريا، السنغال، غانا وغيرها)، وكذلك الدول في الجنوب الأفريقي (جنوب أفريقيا، زامبيا، زيمبابوي)، وأيضا الدول في الوسط الأفريقي (الكونغو الديمقراطية، أنجولا، أفريقيا الوسطى وغيرها) وأخيراً الدول في الشرق الأفريقي (السودان، إثيوبيا، الصومال، كينيا، تنزانيا، وأوغندا، وجيبوتي وإرينريا، وجزر القمر أيضاً)، وعلى حد زعم هؤلاء أن بعض مواطني جزر القمر (الكوموريون) قد اشتركوا في تفجيراتِ سفارة الولايات المتحدةَ الأمريكية في عام 1998، وأن هناك العديد مِنْ الروابطِ الثقافيةِ والعرقيةِ بين كل من كينيا، وتنزانيا، وأوغندا، وهو ما يتطلب مراعاته في التعامل مع دول المنطقة، بالإضافة إلى الترابطِ الجغرافيِ الواضحِ فيما بينهم.

كما أن هناك ضرورة لأن تشمل اهتمامات القوة المشتركة للقرن الأفريقي كل من كينيا والصومال وإثيوبيا والسودان وإريتريا وجيبوتي واليمن بادعاء أن الأسلحةَ، والأموال، والإرهابَ يَتدفّقُ على طول مضيق باب المندب، وأنه من الصعب مُرَاقَبَة الشريط الساحلي لكل من جيبوتي وكينيا بدون أيضاً تضمين تنزانيا إلى ذلك. وتعد أوغندا على قائمةِ اهتمام القوة المشتركة للقرن الأفريقي على الرغم من أن مصدر القلق بالنسبة لأوغندا ينبع من أنشطة جيشَ مقاومةِ الرب المسيحيِ منذ ثماني عشْرة سنةِ. وليس معْرَوفاً إن كانت لتلك الحركة ارتباطات مع تنظيم القاعدةِ أَو الإرهابيين الإسلاميينِ الآخرينِ. وفي هذا الإطار فإن جُهود التطويرِ المدنيةِ يَجِبُ أَنْ تَأْخذَ في الحسبان هذا الترابطِ الإقليميِ أيضاً. كما أن التهديدُات الناجمة عن الدول الفاشلةِ والدول الضعيفة أيضاً يمثل خطراً للمنطقةِ.

حيث يستغل ضعف تلك الدول وفشلها على الأرجح مِن قِبل الإرهابيين مِنْ الدول الأقوى. أما الدول الاستبدادية القوية في أفريقيا التي تُرهبُ سكانَهم وإن كانوا لا يُشكّلونَ تهديدَا فوريَا للولايات المتّحدةِ، لأن سياساتهم وممارساتهم تكون غير مؤثرة (فعالة)  Disaffectedوأيضا غير مجدية Immiserated، إلا أن سكان هذه الدول يُمْكِنُ أَنْ يُشكّلوا تهديداً على المدى البعيد. وهذا الأمر يشكل صعوبة أمام الولايات المتّحدةِ الأمريكية الّتي تجبرها ظروف المنطقة على طلب المساندة والتعامل مع دول معينة معروفة بكونها أنظمة استبدادية. ويفرض عليها ضرورة المراجعة والتعديل والتكيف من أجل المواصلة.

رابعاً: محفزات العلاقات الدولية في أفريقيا

1. أطماع الدول المتدخلة في القارة الأفريقية

بالنظر إلى الدول الفاعلة المتدخلة في شؤون منطقة دول القرن الأفريقي، فيمكن الإشارة إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا الأولى، بحسبانها على رأس الدول المتدخلة في شؤون المنطقة، وخصوصا في ظل الأحادية القطبية التي مازالت الولايات المتحدة تتمتع بها حتى الوقت الراهن، والثانية – فرنسا – بحسبان أنها تضطلع بدور كبير في عمليات التدخل لأمور تتعلق بتاريخها الاستعماري، وبعلاقاتها وبنفوذها في القارة عموما، وفي المنطقة محل الدراسة على وجه التخصيص، وهي في كل الأمور المتعلقة بذلك اصطدمت بالقوى الدولية صاحبة المصالح سواء كان الاتحاد السوفيتي سابقا إبان حقبة الحرب الباردة أو الولايات المتحدة في الوقت الراهن.

غير أن اللافت للنظر هو أن من بين تلك القوى الصين، قوة كبرى صاعدة، تمتلك قاعدة سياسية واقتصادية راسخة مع العديد من الدول الأفريقية، وإسرائيل التي تحاول وضع مشروعها الصهيوني في أفريقيا موضع التنفيذ الفعلي، إلى جانب قوى دولية أخرى ذات أهداف ومصالح متنوعة مثل اليابان، ثم تأتى الدول ذات التاريخ الاستعماري مثل فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وألمانيا وأسبانيا والبرتغال وبلجيكا، التي تحاول العودة للقارة مرة أخرى، وإن كان في أطر جديدة. وهذه القوى الدولية لهم قدر في عمليات التدخل وفي التأثير على مجريات الأمور والأحداث في ذات المنطقة.

هكذا تعمل القوى الكبرى على تنمية نفوذها في القارة، فالولايات المتحدة الأمريكية تحاول استغلال أدواتها السياسية والاقتصادية والعسكرية من خلال تفردها بقمة النظام العالمي، بينما تعمل القوى الأخرى من خلال روابطها السابقة مثل الفرانكفونية والكومنولث، أو من خلال إنشاء روابط أو منتديات جديدة بينها وبين أفريقيا مثل الصين واليابان وقانون "الفرص والنمو الأفريقي الأمريكي AGAD، وأيضاً من خلال العلاقات الثنائية في محاولة من الدول الكبرى أن تستغل أية ميزة نسبية لها في هذا المجال، حيث تستخدم جميع القوى الكبرى في هذا السياق العديد من الأساليب والأدوات من تعاون ثنائي والبرامج المشتركة والتسهيلات والدعم المالي وجدولة الديون والمعونات العسكرية وتأهيل وتدريب الكوادر وتبادل المعلومات وغيرها، وذلك من خلال إستراتيجيات الترغيب والترهيب.

2. استغلال أوضاع الدول في القارة الأفريقية

إن أكثر القضايا أهمية في القارة الأفريقية، والتي تؤثر على حاضرها ومستقبلها وتساعد على استقدام التدخلات الأجنبية بصورها المباشرة وغير المباشرة، يُمْكِنُ أَنْ تُقسّمَ إلى ثلاثة تصنيفاتِ، ويُشار إلى نماذج منها كالتالي:

أ. مشكلة الجفاف

إن مشكلة الجفاف التي تعاني منها دول المنطقة مشابهة لمشكلات السبعينياتِ والثمانينيات من القرن الماضي. وظروف الجفافِ المستمرةِ والتي تعاني منها دول المنطقة، تتسبّبْ دوماً في النَقْص الحادّ في الغذاءِ، وتعريض حياة أكثر من 16 مليون من البشر في القرن الأفريقي للخطر ِوخصوصاً في إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتي. لقد طالب مسؤولو الإغاثةِ الدولية الدول والمنظمات المعنية بتقديم ما يعادل 940 ألف طنِ مِنْ تبرّعاتِ الغذاءِ الطارئةِ لتَفادي النوبة المتكررة لهذا الجفاف، بحيث لا تتكرر كارثة أوائِل السبعينياتِ عندما هلكت الملايينِ من الأثيوبيين وعاني مليون آخر الجوّع، ومن ثَم فهذه واحدة من المشكلات الكبيرة في القرن الأفريقي الكبير، ولا يرد توضيح عن ذكرها لحقيقتها الفعلية ولا النتائجِ الحقيقية لما تتسبب فيه من نتائج وتأثيرات في دول المنطقةِ.

والجدير بالذكر أن مشكلات المجاعةِ لا تَقف عند حد تَجْويع الناسِ؛ ولكنها تترك تأثيرات بالغة كانتشار الأمراضِ، وتزايد أعداد اللاجئين، وحدوث مجاعة حيوانية أيضاً، وهكذا فهذه لَيستْ مشكلةً سهلةً الحَلّ، ويستعصي على دول المنطقة في ظل الظروف الراهنة وفي ظل المشكلات الأخرى التي يعانون منها أن يتعاملوا معها.

ب. استمرار النزاعات والصراعات والحروب الأهلية الأفريقية

فضلاً عن النزاعات الداخلية المتعدّدة الوجوه المتَركزة في دول القارة الأفريقية، حيث كانت المنطقة مسرحاً للنزاعات على مدار العقود الخمسة الماضية وجعلت كل دولها والشعوب القاطنة فيها غير مستقرة وغير آمنة. ففي الأوقات الراهنة، يلاحظ بوضوح استمرار تلك الصراعات على سبيل المثال في منطقة القرن الأفريقي كالذي دار في جنوب السودان، أو ظهور نزاعات وصراعات جديدة كما في المنطقتين الغربية والشرقية من السودان، وأيضاً النزاع في الشمال الكيني؛ والنزاع الذي يشمل أغلب مناطق الصومال وأقاليمه، والنزاع في شمال أوغندا، وحالة عدم الاستقرار في كل من إثيوبيا، وفي منطقة غرب تنزانيا، وكُلّها أمثلة على حالاتِ النزاعِ الصعبة في القارةِ.

وبالإضافة إلى تلك النزاعِات ذات الطابع الداخلي، تشهد المنطقةَ نزاعات بين الدول مثل التَوَتّرِ بين السودان وإريتريا، والتَوَتّرات الكينية ـ الصومالية، والعلاقات المضطربة بين أوغندا والسودان، وبين السودان وإثيوبيا أحياناً، والصراع التقليدي بين إثيوبيا والصومال، وجميعها ستبقي على حالة الاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقةَ. وقد أدت النزاعات المختلفةِ إلى إنهاك الدول في المنطقةِ وإضعافها بل والوصول بها إلى مرحلة الانهيار كما هو الحال في الصومال، هذا بالإضافة إلى تلك النزاعات والصراعات في باقي المناطق داخل القارة الأفريقية.

إن كُلّ هذه النزاعاتِ ذات صلة مباشرة أَو غير مباشرة بالسلوك الإقليمي لدول القارة فيما بين بعضها بعضاً، أو بالسلوك الدولي متداخلاً مع السلوك الإقليمي ومع السلوك الداخلي للدول فرادى. وعلى سبيل المثال حالة الاستقطاب الإقليمي للصراع في الكونغو الديمقراطية، وكذلك في السودان ففي الوقت الذي تساند السودان المجموعات المتمرّدة في إثيوبيا، وإريتريا، وأوغندا، والصومال، فإن تلك الدول تسعى هي الأخرى إلى تقديم مختلف أنواع الدعم للحركات المتمردة داخل السودان، كما أن التدخل الإثيوبي في الصومال يدفع الحركات المناهضة للنظام الحاكم في إثيوبيا وخصوصاً حركة تحرير الأوجادين إلى تصعيد هجماتها ضده، فضلاً عن تنامي حركة المقاومة الصومالية في مواجهة الوجود الإثيوبي على الأراضي الصومالية، كما أن هذا الوضع دفع إريتريا لتقديم دعمها للحركات الصومالية المناهضة للوجود الإثيوبي في الصومال وذلك في رد فعل لحالة العداء القائمة بينها وبين إثيوبيا، وهو الأمر الذي يقابل بدعم إثيوبي مضاد لجماعات صومالية في مواجهة إريتريا، وهكذا فإن دول منطقة القرن الأفريقي تعيش حالة من النزاعات والصراعات المستمرة والمتجددة، يساعدها على البقاء في تلك الحلقة المفرغة الدعم والتدخل الدولي وفقاً لحسابات ومصالح متعددة ومتنوعة.

ج. أزمة المياه

تعد مشكلة المياه أيضاً أحد مصادر القلق والتوتر المهمّة داخل القارة الأفريقية في منطقة دول القرن الأفريقي الكبير خاصة وبعض مناطق الصحراء الكبرى. ففضلاً عن وجود المجاعات ونوبات الجفاف المتكررة في المنطقة، والتي تعد ذات تأثيرات مهمّة وبالغة على المنطقةِ بكاملها. فإن مشكلة المياه لا تقل في مخاطرها عن ذلك، وبالتأكيد ما لم يتم تفعيل الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، واستحداث اتفاقيات أخرى بموجب القواعد والقوانين الدولية ذات الصلة بذلك، لترشيد وتوظيف استعمال المياه في القارة الأفريقية، فإن حرباً على تلك المياه مرشحة بأن تحدث في أي وقت.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك الكثير من الجهود المستمرة والمفاوضات بين بلدانِ حوض النيل َ Nile Basinمن أجل الاستفادة العادلةِ والمشتركة من مصادرِ المياه، ويحْدث ذلك في مواجهة ميراث تاريخي معقّد مِنْ المعاهداتِ الاستعمارية التي وضعتها كل من بريطانيا ودول أخرى من بينها إيطاليا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا. وهذه المفاوضات المستمرة بين دول حوض النيل بَلغتْ ذروتها مَع توسع الموضوعات التي يجري التباحث والتفاوض بشأنها والتي لا تقتصر فقط على استعمال مياه نهر النيلِ، وإنما تشمل أيضاً مياه المصادرِ الإقليميةِ الأخرى مثل النيل الأزرقِ ونهركاجيرا Kagera، ونهر السيميليكيSemliki ، ونهرإيسانجو Isango، ونهرالسوباط Sabot، وبحيرة تانا Tsana. والدول المطلة على ضفاف تلك المسطحات المائية هي كينيا وأوغندا وتنزانيا وإثيوبيا والسودان ومصر. ولا شك إن إجراء المفاوضات حول موضوعات المياه إنما يدخل في إطار الاهتمام الدولي بأزمة المياه، وبما يمكن تسميته بحرب المياه العالميةِ" بين الدول.

هذه الأنواع الثلاثة مِنْ أنماط المشكلات التي تواجه دول القارة الأفريقية وهي المجاعة، والنزاعات والصراعات والحروب الأهلية، والمياه، كُلّها مشكلات كبرى تُؤدّي إلى العديد من المشكلاتِ الأخرى. وهو الأمر الذي يعرض ملايين البشر لكثير من الأخطارِ، كما أنه يهدد بهلاك الملايين ودول المنطقة ذاتها أشد عرضة للتهديد إذا لم تجد تلك القضايا والمشكلات لها حلولاً وتسويات مناسبة وحاسمة في القارة الأفريقية.

3. العوامل المشجعة على التدخل في القارة الأفريقية

إذا كان السبب الرئيس في عمليات التدخل الدولي المختلفة في القارة الأفريقية يعزى إلى السياسات والإستراتيجيات الأجنبية تجاه تلك المنطقة، فليس بالإمكان إغفال حقيقة مساعدة الأنظمة الحاكمة لدولها لهم على ذلك بطرق مباشرة وغير مباشرة من خلال العوامل التالية التي عملت القوى الكبرى على الاستفادة منها وتوظيفها، من أجل تحقيق أغراضها وهى:

أ. تنامي الانتماءات والولاءات التحتية (الدونية) على الانتماءات والولاءات الوطنية، وهو الأمر الذي يساعد القوى صاحبة الأهداف والمصالح على إحداث الاختراقات المناسبة، ومن ثم التدخل المباشر وغير المباشر في تلك الدول الأفريقية.

ب. تباين المستويات الثقافية والحضارية والاقتصادية بين دول المنطقة وارتباط العديد منها بالدول الأفريقية التي كانت مستعمرة، سواء كانت ذات طابع أنجلوفوني أو فرنكفوني، وهو الأمر الذي يسهم في دوام العلاقات مع تلك الدول ومن ثم تواصل تدخلها في شؤون دول المنطقة، ومواصلة بذل جهودها من أجل تحقيق أهدافها ومصالحها، وفقاً لسياسات وآليات وممارسات جديدة.

ج. افتقاد الشرعية السياسية الحقيقية في تلك الدول الأفريقية مع تعاظم المشكلات الداخلية وتنوعها، ومن ثم اعتماد أنظمتها الحاكمة في بقائها في السلطة على الظهير الأجنبي، مقابل تقديم التسهيلات والمشاركة في تيسير التدخل، ليس هذا فحسب وإنما في تثبيته وتوطينه داخل تلك الدول.

د. عدم قدرة دول القارة الأفريقية على إحداث التكامل السياسي الحقيقي سواء الرأسي منه أو الأفقي، لأسباب كثيرة ذات طابع سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وتاريخي وغير ذلك، ومن ثم فإن شيوع الصراعات والحروب الأهلية، يمثل سمة من السمات الرئيسة لدولها، وهو الأمر الذي يؤدى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني، ويعطي الذرائع والمسوغات للدول الأجنبية للتدخل السافر بوجهيه المباشر وغير المباشر في صميم الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

هـ. سوء الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها دول القارة الأفريقية، وحاجتها الملحة للدعم الأجنبي من أجل التنمية وتوفير الحاجات الضرورية لشعوبها، الأمر الذي يؤدى إلى حالة من التبعية للدول المانحة، ما يوجد المسوغات للتدخل في الشؤون الداخلية.

و. استغلال القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة موضوع "الحملة الدولية ضد الإرهاب" مسوغاً لإدانة بعض دول القارة توطئة للتدخل المباشر وغير المباشر بها، كما حدث ويحدث في الصومال، والسودان، والترتيبات والاتفاقيات مع دول أخرى كجيبوتي وإثيوبيا وكينيا وأوغندا.

ز. عدم ارتباط هذه  الدول الأفريقية بروابط أمنية إقليمية مباشرة، (باستثناء الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا) وإن كان هناك توجه في هذا الشأن من خلال المنظمة شبه الإقليمية المسماة الهيئة الحكومية للتنمية (الإيجاد) ذات الصبغة السياسية والاقتصادية، حيث تحاول تلك المنظمة تطوير اهتماماتها لتشمل موضوعات أخرى أمنية بخلاف التنمية: كالعمل على تسوية النزاعات بين أعضائها، وأيضا عمليات إحلال السلام فيما بينها، غير أنها لا تمتلك آليات عسكرية للقيام بهذه الأدوار التي اقتصرت على الجهود السياسية في المشكلتين السودانية، والصومالية وعلى الرغم من سعى قمم الإيجاد المختلفة لزيادة تعاونها الإستراتيجي والأمني و تطويره لمواجهة المخاطر المحيطة بالإقليم، واتفاقها على تشكيل عناصر أمنية وعسكرية. ومن أمثلة ذلك التركيز على آلية الإنذار المبكر والاستجابة للصراع، وفرقة الانتشار السريع في شرق أفريقيا.

ولكن يبقى ارتباط منظمة الإيجاد بما يسمى بمنتدى شركاء الإيجاد، الذي يضم في عضويته دولاً أوروبية وأمريكية، يمثل ذريعة ووسيلة للتدخل في شؤون منطقة القرن الأفريقي، أكثر من كونه يسعى إلى تحقيق أهداف واستراتيجيات ومصالح أمنية لدولها.

و. كما أنه من اللافت للنظر أن ميثاق الاتحاد الأفريقي في إطار تناوله لمسألة التدخل في شؤون الدول الأفريقية، استحدث على غير المعهود في ظل المنظمة القارية السابقة (منظمة الوحدة الأفريقية) إمكان التدخل كالتالي:

(1) حق الدول الأعضاء في طلب التدخل من الاتحاد لإعادة السلام والأمن ورفض التغييرات غير الدستورية للحكومات.

(2) التدخل بدون طلب في الحروب التي تشمل جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم حرب أو إبادة جماعية.

(3) كما أن اعتماد السياسة الدفاعية للاتحاد لموضوعات تخص المجتمع المدني مثل حقوق الإنسان والبيئة ودور المرأة وتمكينها، وذلك تمشياً مع الأيديولوجية المعاصرة للنظام العالمي الجديد يساعد مساعدة مباشرة وغير مباشرة في استغلالها وتوظيفها للتدخل في الشؤون الداخلية لدول القارة الأفريقية.