إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الدولية في أفريقيا منذ انتهاء الحرب الباردة









العلاقات الدولية في أفريقيا

المبحث الثاني

علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بأفريقيا منذ انتهاء الحرب الباردة

لقد شهدت القارة الأفريقية العديد من التدخلات إبان حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، وخضعت دول تلك المنطقة لمحاولات شتي من الاحتواء، والاستيعاب وتأثرت بالصراع الدولي المحتدم وبالتدخلات السافرة في أرجاء تلك المنطقة. وفي إطار تناول التدخل الأمريكي في تلك المنطقة سيُعطى قدراً أكبر من الاهتمام بالمقارنة مع التدخلات الدولية الأخرى، وذلك لأسباب منها:

1. الأهمية غير المسبوقة للولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة مقارنة بفترات سابقة، وكثافة العلاقات مع دول المنطقة، ومحاولات الربط بينها وبين مناطق وقضايا ومشكلات عالمية، كالحرب على الإرهاب وحرية الملاحة البحرية وأمنها، وسلامة الانتقال الآمن والدائم للتجارة الدولية وضمانه وغير ذلك من القضايا، لها ولحلفائها.

2. تعاظم منظومة التأثيرات التي ترى الولايات المتحدة الأمريكية أنها ترتبط بحاضرها وبمستقبلها، سواء كان الأمر يتعلق بمكانتها العالمية، أو بحجم المخاوف من التهديدات ذات الصلة بأمنها واستقرارها وبمصالحها على المستويين الداخلي والدولي وتعدد هذه المخاوف وتنوعها.

أولاً: الإطار العام للتوجهات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية منذ انتهاء الحرب الباردة

إن الإطار العام الذي يحكم توجهات الولايات المتحدة الأمريكية منذ انتهاء الحرب الباردة، وتحديداً منذ أوائل الألفية الثالثة، يتمثل فيما يلي:

·   أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى، وفقاً لإستراتيجيتها للأمن القومي، أن الصراعات الكبرى للقرن العشرين انتهت بين الحرية والدكتاتورية بانتصار حاسم لقوى الحرية، وبقيام أنموذجٍ واحدٍ للنجاح القومي قابل للاستدامة والمتمثل في الحرية، والديمقراطية، والأعمال والأسواق الحرة (الحرية السياسية والاقتصادية). وأنه في القرن الواحد والعشرين سوف لن تتمكن إلاّ الدول التي تشارك في الالتزام بحماية حقوق الإنسان الأساسية، وضمان الحرية السياسية والاقتصادية من إطلاق قدرات شعوبها وتأمين رخائها في المستقبل. يتوق الناس في كل مكان إلى حرية الكلام والتعبير؛ واختيار من سيحكمهم؛ وحرية العبادة؛ وتعليم أولادهم، ذكوراً وإناثاً؛ وتأمين الملكية الخاصة؛ والاستفادة من جهدهم. هذه القيم صحيحة، وصادقة بالنسبة لكل إنسان، وفي كل مجتمع، ويمثل واجب الدفاع عن هذه القيم ضد أعدائها هدفاً مشتركاً للشعوب المحبة للحرية عبر العالم وعبر العصور.

·   كما تدعي الولايات المتحدة الأمريكية، وفقاً لإستراتيجيتها عن الأمن القومي، أنه على الرغم من أنها تتمتع بامتلاك قوة عسكرية كبيرة وبنفوذ اقتصادي وسياسي عظيمين. إلا أنها لا تستخدم تلك القوة للضغط باتجاه تأمين أفضلية أحادية. وإنما تسعى بدلاً من ذلك إلى خلق توازن قوى يساند الحرية الإنسانية، ويساعد في خلق الظروف التي تتمكن في ظلها جميع الدول والمجتمعات من اختيار المكافآت والتحديات التي تطرحها الحرية السياسية والاقتصادية. ففي عالم آمن، يستطيع الناس جعل حياتهم أفضل. وأنها سوف تدافع عن السلام من خلال محاربة الإرهابيين والطغاة. والمحافظة على السلام من خلال إقامة علاقات جيدة بين الدول الكبرى. وتوسيع أفق السلام من خلال تشجيع المجتمعات الحرة والمنفتحة في كل قارة.

·   وتعتقد الإدارة الأمريكية أن الدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية ضد أعدائها هو الالتزام الأول والأساس للحكومة الفدرالية. وأن طرائق أداء هذه المهمة تغيرت بدرجة كبيرة في الوقت الراهن؛ فقد كان الأعداء في الماضي يحتاجون إلى جيوش جرارة وقدرات صناعية هائلة ليتمكنوا من تهديد أمن الولايات المتحدة. أما الآن فتستطيع شبكات مستترة من الأفراد الزج بالفوضى والألم عبر شواطئ البلاد بثمن يقل عن ثمن شراء دبابة واحدة. كما أمسى الإرهابيون منظمين للتغلغل في المجتمعات المنفتحة واستغلال التكنولوجيات العصرية.

·   ومن أجل دحر هذا التهديد، تهدد الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام كل أداة متوافرة في الترسانة الأمريكية وفي قوتها العسكرية، وأن تكون هناك أنظمة دفاعية أفضل، وأن يفرض تطبيق القوانين، وتطوير أداء الاستخبارات، وبذل جهود نشطة لقطع التمويل المالي عن الإرهابيين. وذلك من منطلق أن الحرب ضد الإرهابيين الذين يملكون قدرات عالمية هو مشروع على مستوى عالمي شامل ولا حدود زمنية له. وأن الولايات المتحدة سوف تساعد الدول التي تحتاج إلى المساعدة في محاربة الإرهاب. وسوف تحاسب الولايات المتحدة الدول التي تتورط في الإرهاب، ومن ضمنها تلك التي تمنح ملاذاً آمناً للإرهابيين ـ لأن حلفاء الإرهاب هم أعداء الحضارة. ويجب أن لا تسمح الولايات المتحدة ولا الدول المتعاونة معها للإرهابيين بتطوير قواعد انطلاق جديدة. والسعي معاً لحرمانهم من الملاذ الآمن في كل حالة ومن كل ناحية.

1.  التوجهات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية وفقاً لإستراتيجيتها للأمن القومي

منذ انتهاء الحرب الباردة وخروج الاتحاد السوفيتي (السابق) من أفريقيا، وما أدى إليه ذلك من تغير في علاقات القارة بالقوى الدولية على ضوء التوازنات الجديدة التي أحدثها تربع الولايات المتحدة الأمريكية على قمة النظام العالمي الجديد والإقرار بأنها الفاعل الرئيس على مستوى العالم، فقد انتقلت علاقات القارة الأفريقية بالولايات المتحدة والقوى الكبرى إلى مستوى آخر من التعاون أحياناً والمنافسة التقليدية أحياناً أخرى، بين تلك القوى وبعضها البعض حول مصالحها المتنوعة في القارة، وفي المناطق المستهدفة على وجه الخصوص.

أ. أهداف إستراتيجية التدخل الأمريكي في القارة الأفريقية وأبعادها:

تتركز أهداف إستراتيجية التدخل الأمريكي في القارة الأفريقية وأبعادها فيما يلي:

(1) أهداف إستراتيجية التدخل الأمريكي في منطقة القارة الأفريقية

تَبنّتْ وزارة الخارجيةَ الأمريكية في أوائل الألفية الثالثة خمسة أهدافَ، ذكرت أنها ستُوجّهُ جُهودَ سياستها لمُوَاجَهَة الأسباب التي تُؤدّي إلى فشل الدولة القومية في أفريقيا بصفة عامة، وفي منطقة القرن الأفريقي بصفة خاصة:

(أ) التحرك نحو ترسيخ الديمقراطية، والحكم الجيد، والاحترام لحكم القانون.

(ب) محاربة انتشار مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والأمراض المعدية الأخرى التي تهدّد بتدمير المواطنين في دول المنطقة.

(ج) التوسّعْ في التجارةً والاستثمار الأمريكي مَع دول المنطقة لدَفْع التنمية الاقتصادية وتَحسين الإرادة لدى شعوبها.

(د) حماية البيئة في دول المنطقة لأن المؤسسات والشعوب لا يَستطيعونَ أن ينجحوا في ممارسة الحكم وإدارة شؤونهم متى كان الهواءَ ملوثا وغير صحي، والماء غير متوافرُ، والغابات والأراضي الزراعية تتَحوّل إلى أرض جرداء.

(هـ) إنهاء الحروب في دول المنطقة، واعتبار هذا من الأمور المهمة والضروريةُ.

(2) أبعاد إستراتيجية التدخل الأمريكي في القارة الأفريقية

بعد فترة من التهميش الأمريكي للقارة الأفريقية، عاد الاهتمام الأمريكي بالقارة مرة أخرى منذ انتهاء الحرب الباردة، عبر اعتماد إستراتيجية ذات أبعاد منها:

(أ) التوسع الخارجي في سياق الصبغة الإمبراطورية للقرن الحادي والعشرين، وبحسبانه من جانب بعض الأمريكيين (كولن باول وزير الخارجية السابق) أنه سيكون قرناً أمريكيا خالصاً.

(ب) البعد الاقتصادي المتمثل في النفط (خاصة في السودان وغيره من المناطق) وباقي ثروات القارة وكونها كذلك سوقاً كبيرة واعدة.

(ج) القرن الأفريقي الكبير المسيطر على خطوط الملاحة البحرية من الشرق للغرب والعكس، بوصفه كذلك أحد المداخل لقلب أفريقيا الذي بالسيطرة عليه يمكن تهديد معظم القارة.

(د) الدور الأفريقي في الحملة الدولية ضد الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة (وخصوصا في شرق أفريقيا وبالتحديد القرن الأفريقي)، وذلك على ضوء نظرية بوش التي أعلنها في سبتمبر 2002. وأبرز خطوطها كالآتي:

·   اقتراب استراتيجي يبلور شكل العالم والتهديدات بالنسبة للولايات المتحدة في مشكلتين هما "الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل".

·   اعتماد إستراتيجية العمل الوقائي، بمعنى شن حرب استباقية ضد هذه التهديدات، وفي مواجهة لمن حاولوا فرض إرادتهم على الولايات المتحدة أو حلفائها أو أصدقائها"، سواء كانوا في ذلك دولاً أو جماعات أو تنظيمات تتبنى مثل تلك التهديدات، وثمة عنصران أساسيان في هذه الإستراتيجية:

- تأكيد فكرة "العمل الاستباقي المنفرد في حالة هجوم وشيك"مؤكد، بمعنى توقع استخدام القوة في مواجهة أي هجوم وشيك Imminent Attack، وهى فكرة، يدعمها القانون الدولي.

- توسيع مفهوم الحرب الوقائية لتشمل إمكان استخدام القوة، حتى بدون دليل واضح على إمكان هجوم وشيك ضد الولايات المتحدة، فليس ثمة ضرورة للتأكد من أن هناك هجوم خطير تتجمع نذره ضد الدولة الأمريكية.

ب. أولويات السياسة الأمريكية وفقاً لإستراتيجيتها للأمن القومي

في هذا السياق قامت الولايات المتحدة الأمريكية بترتيب إستراتيجيتها الكونية، واتجهت إلى أوروبا أولاً، ثم إلى وسط آسيا، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 خاصة، وإعلان الولايات المتحدة الحملة الدولية ضد الإرهاب، الأمر الذي أدى إلى تأخر أسبقية القارة الأفريقية في سلم أولويات الإستراتيجية الأمريكية، إلا أن طبيعة المستجدات والمتغيرات الدولية وواقعها وإلحاح الأهداف والمصالح الأمريكية وتنوعها، دفعت الولايات المتحدة الأمريكية، وباقي الدول الحليفة لها صاحبة المصالح في القارة، إلى إعادة تنشيط اهتماماتها وأدوارها فيها، وذلك نظراً للآتي:

(1) احتمالات تحول تنظيم القاعدة من أفغانستان إلى أفريقيا واتخاذها ملجأ للتنظيم هرباً من الملاحقة في أفغانستان.

(2) الاكتشافات النفطية الواعدة في السودان تحديداً، إضافة للمعادن الإستراتيجية الأخرى.

(3) الموقع الإستراتيجي المسيطر على خطوط الملاحة الدولية، سواء في باب المندب على البحر الأحمر، أو من طريق رأس الرجاء الصالح (الكيب) بجنوب أفريقيا، إضافة إلى جوار شمال أفريقيا لدول جنوب المتوسط.

وفي إطار مقارنة النظام العالمي وتحليله أثناء الحرب الباردة وما بعدها، يشير الواقع السياسي الدولي إلى حرص الإدارات الأمريكية المتعاقبة على خلق واقع سياسي عالمي جديد، تنفرد فيه الولايات المتحدة بمكانة الدولة القائدة والمسيطرة، في ظل الأحادية القطبية، التي مازالت تميز النظام الدولي في الوقت الراهن، كما يرى البعض أن هناك بُعداً آخر لهذه الظاهرة الاجتماعية المعقّدة، يرتكز على استنتاجين مُتَرابَطين:

أولهما: أن السياسة الخارجية الأمريكية - وإن كانت هي العاملُ الرئيس في تَقْرير النظام العالمي الجديد- لا يمكنها أن تواجه تحديات القرن الحادي والعشرين بمفردها، وذلك وفقاً لرؤية بعض الإستراتيجيين في الإدارة الجمهورية أنه لا توجد أي دولة في العالم تستطيع تحقيق ذلك. حتى الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى سبيل المثال نجد أن تحقيق النصر في الحرب ضد الإرهاب يحتاج إلى وجود شبكة عمل بين الولايات المتحدة وحلفائها.

ثانيهما: أن المصلحة الاقتصادية الأمريكية هي الركيزة الأساسيةُ في تَشكيل النظام العالمي الجديد.

ومن هذا المنطلق فإن الإدارة الأمريكية في تحركها تجاه منطقة القرن الأفريقي تحرص على التأكيد أن مصالحها في تلك المنطقة بصفة عامّةَ، ووفقا لمزاعمها، تَتضمّنُ:

(1) ضمان الأمن والدفاع عن العالم وسلامه، في إطار التعاون والتضامن داخل منظومة المجتمع الدولي.

(2) ضمان الحصول على الإمدادات النفطية، لها ولحلفائها، وخصوصاً من منطقة الخليج العربي، أو من أية مناطق أخرى.

(3) ضمان تأمين خطوطَ الاتصال والانتقال عبر طرق ومسارات التجارة الدولية، وخصوصا في المحيط الهندي، وصوب طريق رأس الرجاء الصالح، وعبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس .

(4) ضمان أمن شركائها التجاريين، سواء الأوروبيين أو في المناطق المختلفة في العالم واستقرارهم.

ثانياً. آليات ومتطلبات سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في أفريقيا

1. آليات التدخل الأمريكي في القارة الأفريقية

أ. إستراتيجية التدخل العسكري ـ الأمني

تستند الإستراتيجية الأمريكية للتدخل العسكري/ الأمني في أفريقيا على ما يلي:

(1) المراجعة والتصرف العسكري التلقائي والوقائي

لقد اعترفت إدارة بوشَ بأنّ هناك العديد من الحاجاتَ لمراجعة سياسة الولايات المتحدة تجاه أفريقيا، وخصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، لذلك فإن إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2002، على سبيل المثال ركزت على تُشجّيع الأمنَ الجَماعي، ودعمَ البلدان الأخرى في التعامل مع مشكلات أفريقيا، ومن ثم فإن أفريقيا القادرة وإصْلاح أوضاع دولها، وتقوية المنظمات الإقليمية والفرعية يجب أنْ يرقى إلى التعامل مع التهديدات العالمية. وأنه بدون التركيز على مثل تلك الأمور فسيكون من الصعب إنجاز الأهداف المبتغاة. وتضيف إستراتيجية الإدارةَ الأمريكية أساساً واضحَاً أيضاً، أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيةَ سَتَتصرّفُ تلقائياً ووقائياً بالقوة العسكرية ضدّ الجماعات الإرهابية أَو الدول المارقة التي تحاول الحصول على أسلحة الدمار الشاملَ.

لكن تلك القواعد والوسائل المقترحة لإحداث التغيير الحقيقي في النوايا الإستراتيجية في التعامل مع أفريقي غير واضحة؛ لقد أظهر الرّئيس جورج بوش رغبة إدارته في تخصيص مصادر أكثر لمساندةً إستراتيجية خاصة بأفريقيا في الإطار العام للإستراتيجية العالمية الأمريكية، وبموجب ذلك زادتْ الولايات المتّحدةُ الأمريكية زيادة ملحوظة المساعدات المقدمة إلى الدول الأفريقية لمُسَاعَدَتها على الَتعاملُ مع مرض الإيدز، بالإضافة إلى أن اقتراح الرئيسَ بوش المتعلق بحسابَ تحدي الألفيةَ جاء في صفة مبادرةَ لمُخَاطَبَة حالات فشل برامج المساعدات التقليدية، وزاد من أهمية الاتجاه في هذا النهج الرغبة الأمريكية وتصميمها على مكافحة الإرهاب، ولذلك قدمت الولايات المتحدة الأمريكية مبلغ مئة مليون دولار أمريكي لدول معينة معنية بهذا الأمر في شرق أفريقيا، خطوة في الاتجاه الصّحيح من المنظور الأمريكي، وفي إطار التحرك نحو وضعه موضع التنفيذ الفعلي.

(2) ضمان الوجود العسكري المناسب في المنطقة المستهدفة

إن الإستراتيجية العسكرية الأمريكية تفترض وجود الكم والنوع المناسب من القوّات المُسَلَّحة التي يمكنها إنجازُ الأهدافَ المتضمنة في إستراتيجية الأمن القومي، وخصوصاً ما يتعلق بمناطق الأزمات التي تؤثر على المصالح الوطنية الأمريكية. ويلاحظ أن الولايات المتّحدة الأمريكية، وفي إطار مراجعاتها لإستراتيجيتها العسكرية الوطنية الرسمية، ابتداءً من عام 2001، جعلت تفضيلات وأولوياتَ وزارة الدفاع الأمريكية تتحرك باتجاه التركيز على بناء قدرة الشركاء الأفريقيين، لزيادة قدراتهم العسكرية والأمنية؛ وذلك لضمان الأداء المناسب فيما يتعلق بقضايا الأمن الجَماعي ومشكلاته.

بمعنى أن القيادة الحالية في وزارة الدّفاع الأمريكية، بل والإدارة الأمريكية وعلى أعلى مستوياتها، حريصة على التحديد الدقيق والتَشكيل الواضح للسياسات والمواقف الأمريكية تجاه أفريقيا، بعامة وتجاه منطقة القرن الأفريقي بخاصة. ولذلك فإن الممارسات الرسمية تعتمد على هيئة الأركان المشتركة في القيام بمهام الإشراف التامّ على النشاطات العسكرية الأمريكية في أفريقيا، وتبعاً لذلك أيضا يكلف القادةَ الميدانيون المقاتلونَ بمهمّات متنوعة لتَطوير خططهم الميدانية في المناطق التي تخضع لمسؤولياتهم. أما في الإطار العام للإستراتيجية العسكرية الأمريكية في المناطق الأفريقية المختلفة وخصوصا في مناطق أفريقيا جنوب الصحراء الكُبرى فإنه يَتضمّنُ عدّة أهداف مثل:

(أ) التَرويج للاستقرار في المنطقة.

(ب) التَرويج لضرورة الالتزام بالديمقراطية في دول المنطقة.

(ج) الحرص على اكتساب المهارات العسكرية. وخصوصاً ما يتعلق منها بأنشطة التدريب على أعمال حفظ السلام الأساسية وواجباته، وتقديم المساعدات الإنسانية، وأساليب السيطرة المدنية، وخصوصاً في مواجهة العمليات الإرهابية الدولية.

(3) ضمان التنسيق والتنفيذ الفعلي للإستراتيجية العسكرية

على الرغم من أن أعمال التنسيق واتساق النشاطات في الخطط الميدانية في المناطق المستهدفة في أفريقيا مع الإستراتيجية الوطنية الأمريكية، فإن القضية الحقيقية تظل مرتبطة بكيفية الإبقاء على وضع تلك الإستراتيجية موضع التنفيذ الفعلي؛ حيث إن جميع الخطط الميدانية تَفتقرُ إلى الأموال الكافية، والتخطيط المنظّم، والتنسيق الكافي بين الأجهزة والجهات المختلفة، والإجراءات العملية والفعّالة لجعل الخطةَ المتعلقة بأفريقيا مؤثرة وإيجابية، مع ضرورة مراعاة أيضاُ الظروف والمخاطر الداخلية في المناطق الأفريقية المستهدفة التي يواجهها القادة الميدانيون، ولذلك -وفي إطار الاهتمام بالوجود في أفريقيا وبتطوير العلاقات معها- فإن الأمر يحتاج لمزيد من التخطيط، وتقديم الدعم الأفضل اللازم لأداء المهام والأدوار المحددة، واستمرار التيقظ والانتباه من جانب جميع الأجهزة ذات الصلة، بما فيها أجهزة الاستخبارات، وتوفير المصادر الملائمة لضمان تحقيق الأهداف والمصالح المحددة.

(4) ضرورة الربط بين مناطق الأهداف والمصالح الأمريكية

إن الحقائقَ الجيوـ إستراتيجية Geostrategic في الوقت الحاضر، ومن المنظور الأمريكي، تشير إلى أنّ لأفريقيا مصالح مع البلدان في الشرق الأوسط والشرق الأدنى المرتبطتان بالقيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) ، وخصوصاً فيما يتعلق بالأمور المرتبطة بالتهديدات العالمية، والقضايا الاقتصادية مثل الطاقة (تحديداً النفط) والتجارة، وأنه بدون الحاجة لتوضيح الثقل السكاني الإسلامي في أفريقيا، فإن هناك أسباباً جيدة للنَظْر إلى أفريقيا والشرق الأوسط مجمعاً ملائماً لمصالح الأمن الأمريكي. وأن خطورة احتمال أن يكون هناك صراع ديني بين الشمال الأفريقي الإسلاميَ وأفريقيا جنوب الصحراء الكُبرى المسيحية، يتطلب من الولايات المتّحدة مُراقبة هذا الوضع والتعامل معه، بوصفها القوة الدولية الوحيدة القادرة على ذلك، من أجل تحقيق أهدافها ومصالحها وحمايتها في أفريقيا وفي العالم.

إن المخاوفُ الفعلية المتزايدةُ المرتبطة بأحداث ومجريات الأمور في الشرق الأوسط، بما في ذلك احتلال العراق، تجعل هناك ضرورة حقيقية للربط بين ثلاث مناطق رئيسة في ظل قيادة مركزية موحدة وهي منطقة الشرق الأوسط، ومنطقة الشرق الأدنى، ومنطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكُبرى، بمعنى أن تكون هناك قيادات فرعية، للكل منطقة منها، وترتبط جميعها بقيادة المنطقة المركزية CENTCOM، وبالتنسيق أيضا مع القيادة الجنوبية الأمريكية، التي تُديرُ الارتباط العسكري في مناطق أمريكا اللاتينية، كما أن إعادة تنظيم القيادة الأوروبية يُمْكنُ أَنْ يوظف للمُسَاعَدَة على تَأسيس قيادةَ أفريقيا. وذلك في مجمله لضمان إدارة الأزمات والمشكلات والمخاوف الأمنية المشتركة بأساليب وبآليات عملية، ومع مراعاة ضرورة وأهمية التقليل من الاعتماد على التدخلات الأمريكية المباشرة. إن هذا يعني ببساطة أن هناك إستراتيجية كونية للولايات المتحدة ترتبط بجميع مناطق العالم، وأن هناك استراتيجيات فرعية تتعلق بتلك المناطق، وأن الاهتمام الأمريكي بأفريقيا، ووضع إستراتيجية وقيادة فرعية خاصة بها يدخل في إطار الدمج بين مناطق الأهداف والمصالح الأمريكية العالمية.

من هنا فإن أي قيادة أمريكية فرعية في أفريقيا يجب أن تَبقي أقربَ ما تكون من المنطقة، وأن تساعدها في أداء مهامها أجهزة استخباراتية ممتازة، وأن تعْملُ مباشرةً مَع الزعماء المدنيين والعسكريين في المنطقة، ويُمْكنُ أَنْ يكون هناك موظّفون ومختصون داخل الأجهزة ذات الصلة بتلك القيادة، يكون من مهامها الرئيسة التَركيز على التعامل مع المشكلات السياسية والأمنية/ العسكرية والاقتصادية الرئيسية التي تعاني منها دول القارة. وعلى مستوى القيادة ينبغي أن يجري تنسيقُ التدريبات، وإجراء المناورات المشتركة داخل الدول والمناطق المستهدفة داخل القارة الأفريقية، والتخطيط تخطيطاً دورياً وثابتاً لحالات الطوارئ المُخْتَلفة. وسيترتب على ذلك أن تلك القيادة سَتَكُونُ في موقع أفضل لإعْلام القيادة السياسية في واشنطن بالحالة على أرض الواقع، بما يمكنها من أن تكون أكثرَ إقناعاً لصُنّاع السياسة عند تقديم النصح والمشورة. ومن شأن ذلك تجنيب القادة السياسيين احتمالات الإقدام على اتخاذ قرارات بالتَدَخُّل المباشر في عمليات عسكرية طائشة أَو خاطئة.

(5) الاستعداد الدائم للرَدّ العسكري المناسب

يرى الخبراء الأمريكيون أن الجيش الأمريكي أنجز مجموعة منْ الأدوار في اليمن والقرن الأفريقي. بالإضافة إلى تعقّبَ الكثير من الإرهابيين Terrorist وأسرهم وقتلهم. ويَشْتركُّ، الجيش مع الدول المضيفة في العمل على تحسين قدرتها  Capacityعلى مُرَاقَبَة النشاط الإرهابي واحتوائه، ويسهم في مشروعات التنمية في المنطقة. ولعل التأخر عن الحضور المناسب في المنطقة مرده إلى التخطيط لغَزْو العراق، فضلاً عن دخول قوات أمريكية إلى أفغانستان، فالجيش الأمريكي لَمْ يُردْ فتح مُوَاجَهَة أمامية ثالثة في شرق أفريقيا. وهو الأمر الذي يفسر تأخر عمل القوّة المشتركة المشتركة في القرن الأفريقي The Combined Joint Task Force Horn of Africa (CJTF-HOA)  حتى عام 2002، من أجل مواجههَ الإرهابيين مباشرة هناك، ولمُسَاعَدَة دول المنطقة في التعامل مع الإرهابيين، ولمُسَاعَدَة البلدان المضيّفة في السيطرة على المساحات والفضاءات غير المسيطر عليها من جانب حكوماتها، خصوصاً المناطق الحدودية والأشرطة الساحلية.

وعلى سبيل المثال فإن حوالي 1400 فرد تقريباً من الأمريكيين يُشرفونَ على المناطق المحيطة بكل من كينيا، والصومال، والسودان، وإريتريا، وجيبوتي، واليمن، وإثيوبيا، والمياه الساحلية للبحر الأحمر، وخليج عدن، والمحيط الهندي. ويتمركز مقرّ هذه القوة في جيبوتي، بسبب موقعها على مضيق باب المندب، وعلى مشارف واحد من أهم طرق الملاحة البحرية في العالم والذي يعد من الأهداف المحتملة للنشاط الإرهابي.

ويرى الأمريكيون أنه في مستهل عمل القوة المشتركة للقرن الأفريقي The Combined Joint Task Force Horn of Africa (CJTF-HOA) ، كان هناك عدد يراوح بين ثلاثة إلى خمسة منظمين Terrorist Organizers  من الإرهابيين، وحوالي خمسة وعشرين داعمين لهم. وأنه بحلول عام 2004، فإن خمسة وستّين إرهابيا كَانَوا بين أسير أَو قتيل، وأن لجنةَ العمل الخاصة التابعة للقوة تَفْحصت عدد 550 فردَ آخرينَ وصنفتهم إرهابيين أَو داعمين محتملين لهم. وأن أغلب هؤلاء المشتبه بهم اعتقلوا Apprehended وحبسوا في البلدان المضيّفة بدلاً منْ نقلهم إلى الولايات المتّحدة. كما بَدأَت القوة المشتركة للقرن الأفريقي العَمَل داخل جيوش الدول المضيفة في المنطقة لتَحسين قدرتها لمحاربة الإرهاب في المناطق الأقلّ تقدماً وفوق وأسفل المناطق المتاخمة للسواحل.

وعلى سبيل المثال فإن القوات البحرية الكينية دُرّبتْ لتَعمَلُ بكفاءة أكبر في مراقبة السواحل، وعلى إجراءات الإيواء الملائمة. كما تلقت القوات اليمنية كلاً من المعدات اللازمة والتدريبات المناسبة لمُرَاقَبَة شريطه الساحلي، ودخلت كل من إثيوبيا وإريتريا في مشاريع تدريبية عسكرية. وتركز القوة المشتركة للقرن الأفريقي من وراء عملية تدريب الجيوش المحليّة إلى التأسيس لبنية تحتية قوية وفعالة، أكثر من مجرد امتلاكها للتكنولوجيا العسكرية المتقدّمة بدون التدريب على استعمالها عملياً، ومن ثَم فإن هناك هدفاً أساسياً للقوة المشتركة يتمثل في زيادة قدرة القوات المحلية وكفاءتها وإحلالها محل قوّات التحالف تدريجياً.

إن الإدراك والتحرك الأمريكي ينطلقان من حسبان أن منطقة القرن الأفريقي تعادل ثلثي حجم الولايات المتّحدة تقريبا، وأن أحد التحديات الكبرى في تلك المنطقة من العالم، هو تلك المناطق من الأراضي غير المسيطر عليها من جانب دول المنطقة، ولذلك تحاول القوة المشتركة التَرويج للاستقرار والأمن في الفراغات غير المَحْكُومة، خطوة أولى نحو بذل مزيد من الاهتمام بقضايا النمو الاقتصادي والتنمية الوطنية. وأنه في المنطقة أيضاً بَعْض المراكز المأهولة بالسكان Populated، لكن هذا الوضع ليس في كل دول المنطقة فمُعظمها عكس ذلك، وأن السكان في هذه المناطقَ متناثرين في أغلب الأحيان في مناطق شتى وتَرْبطُهم علاقات وانتماءات قوية بالمجموعات العرقية المحليّة، أَو بالجماعات الدينية بدلاً منْ ارتباطهم وانتمائهم القومي للدولة الوطنية.

ومن هنا -ومن منظور جغرافي- يجب الاهتمام بالبنية الأساسية Infrastructural كما يجب أن تعاد صياغة العلاقات الاقتصادية الداخلية لرَبْط الحدود والمناطق المهمشة بالعواصم الوطنية. بهدف زيادة قدرة الحكومات الوطنية على إحكام سيطرتها على تلك المناطق، وبأَنَّ تكون هذه المناطق مُتّحدةً بالدولة القومية، بدلاً منْ تصورات البعض بضرورة احتلالها.

إن القوة المشتركة للقرن الأفريقي تَعْملُ مَع الزعماء المحليّين لمُسَاعَدَتهم على تعرف منافعَ وجودها بينهم في مناطقهم لتَحسين ظروف التنمية والتطوير، والاهتمام بالبنية الأساسية؛ ليساعد ذلك على زيادة تدفق الفرص الاقتصادية. وعلى أية حال، يَبْقى هناك تحد أساس أمام بلدان المنطقة أنفسهم، وهو التَركيز على إحكام السيطرة على فراغاتهم غير المَحْكُومة، من خلال تَمْكين الحكومات الإقليمية للإنْجاز بمستوى وظيفي عالي منْ الثقة داخليا، ومن خلال التفاهم والتنسيق والتعاون المشترك إقليمياً. مع مراعاة أنه ربما يعيقهم في سبيل إنجاز ذلك مصادرَهم المحدودةَ، وقضاياهم الأكثرَ إلحّاحاً، مثل الأزمات الداخلية وحروب الحدود وغيرها.

ومع أن الحَلول في هذا الشأنّ سَتستغرقُ سَنَواتَ، وعلى الرغم منْ فداحة العقبات الظاهرة وذات الصلة بذلك، لكن يمكن إنجاز تلك المهمة في ظل علاقات التكيفً والشراكةَ بوصف ذلك أفضل طريق للتعامل معها. إن اهتمام القوة المشتركة للقرن الأفريقي بمشروعات التنمية المدنية في منطقة القرن الأفريقي لا ينبغي أن يتوقف عندها بمفردها، وإنما بالتعاون مع سفارات الولايات المتحدة والقوات العسكرية للدول المضيفة، وهذا العمل المشترك سيكون له  تأثير إيجابي. وترى القوة المشتركة للقرن الأفريقي أن جهودها يجب أن تكون على المدى القريب، وأنه على المدى البعيد يجب أن يسند الأمر المتعلق بالتنمية والمساعدة الإنسانية إلى المؤسسات والوكالات المدنية الأمريكية.

ب. التوظيف المناسب لإستراتيجية التدخل الاقتصادي 

يلاحظ أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الألفية الثالثة ليست انتقائية كسابق عهدها خلال حقبة الحرب الباردة، وإنما هي سياسة وإستراتيجية عامة تجاه أفريقيا بأسرها، كما أنها ليست انتقائية في جانب أو جوانب محددة من الأهداف والمصالح، وإنما هي منظومة مفتوحة من تلك الأهداف والمصالح، فهي وإن كان لها تركيز أو أولوية في التعامل مع منطقة القرن الأفريقي بمفهومه الكبير، إلا أن هذا يتداخل أيضا مع نظرتها المتكاملة عن أفريقيا شمال وجنوب الصحراء. 

وعلى سبيل المثال فإن تقريراً أصدرته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) عام 1999 قد أكد أن النهج الاستقلالي الذي تتجه إليه دول شرق ووسط أفريقيا، وسعيها إلى إنشاء السوق الأفريقية المشتركة، سيؤثر على المصالح الأمريكية في المنطقة، وأن الهدف الأمريكي هو إحداث تغيير سياسي سريع في المنطقة، وعلمنة الحكم في السودان ليرتبط مع دول البحيرات العظمى في إطار تحالف قوي يضم كلاً من أوغندا، وإثيوبيا، والكونجو الديمقراطية، والسودان الجديد، ومن ثم التحكم في منطقة حوض النيل، وإخضاع الدول الواقعة عليها للسياسيات الأمريكية.

وهو ما يعني أن ليست الدول الأفريقية فحسب هي المستهدفة من وراء السياسة الأمريكية الراهنة، وإنما ينصرف الأمر أيضاً إلى التكتلات الاقتصادية الإقليمية، وعلى رأسها الجماعة الاقتصادية الأفريقية، التي ربما كان السعي إلى تفريغها من محتواها والحد من فعاليتها، خصوصاً مع التأسيس للاتحاد الأفريقي، والذي لم تتضمن الاتفاقية المؤسسة له تحديداً واضحاً لعلاقة الاتحاد بتلك الجماعة، بل لم يرد ذكرها إلا من خلال الإشارة إلى أن الاتحاد يستهدف التعجيل بتحقيق أهدافها، أما ما عدا ذلك فقد كان هناك تغييب لها، ولو كان الأمر غير مقصود وأن الجماعة غير مستهدفة بهذا التغييب الصريح لأفسحت الاتفاقية مجالاً أمام توضيح الوضع القانوني للجماعة في ظل الاتحاد خصوصاً وأنه كان ينظر إليها بوصفها التنظيم الاقتصادي القاري، وطبيعة العلاقة المباشرة بينهما، لكن هذا لم يحدث. ومن ثَم فإن ما يسري على تلك الجماعة يسري على الجماعات الاقتصادية الفرعية(المنظمات الاقتصادية شبه الإقليمية) التي كان من المؤمل أن تعمل في كنف تلك الجماعة وتحت مظلتها.

وتتمثل الإستراتيجية الاقتصادية الأمريكية تجاه منطقة القرن الأفريقي في الآتي:

(1) توسيع قاعدة النفوذ الاقتصادي الأمريكي في القارة الأفريقية، وفي منطقة القرن الأفريقي، وخصوصاً في السودان وكينيا وإثيوبيا وأوغندا.

(2) استقطاب الدول الأفريقية ثقافيًا وسياسيًا وإعلاميًا لخدمة الأغراض الاقتصادية، وهو ما يحدث بالفعل في العديد من دول المنطقة مثل كينيا وإثيوبيا وجيبوتي وأوغندا.

(3) العمل على إحداث تغييرات اقتصادية وسياسية في دول منطقة القرن الأفريقي، وبما يتوافق ويخدم الأهداف والمصالح الأمريكية.

ويهدف هذا التوجه الأمريكي في النهاية إلى التعبير عن مدى الأهداف والمصالح الاقتصادية التي تركز عليها الولايات المتحدة وحجمها، والتي تراها لازمة وضرورية ليس لها وحدها، وإنما لصالح الدول الأفريقية أيضاً، ومنها  إقامة منطقة تجارة حرة بين الولايات المتحدة والدول الأفريقية عامة؛ على أن يكون ذلك مع بداية عام 2020، وأن يدعم ذلك إنشاء بنك لتمويل الصادرات والواردات بين الطرفين، وقد جاء ذلك في "وثيقة تنمية أفريقيا والفرص المتاحة ونهاية الاعتماد على الغير" التي صدرت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1996.

كما يهدف هذا التوجه أيضاً إلى تطويق التحركات الفرنسية والصينية، حيث يلاحظ أن الولايات المتحدة تحاول تطويق التحركات المنافسة؛ وذلك لتوسيع قاعدة الوجود الأمريكي في الأسواق الأفريقية، وهو ما اتضح بصوره جلية في سعي الولايات المتحدة الأمريكية لعقد مشاركة مع بعض دول المغرب العربي؛ وذلك لتطويق الدور الأوروبي في شمال أفريقيا وخاصة الدور الفرنسي، وكذلك لعرقلة محاولة الصين أن تجد موضع قدم في بعض دول منطقة القرن الأفريقي كالسودان مثلاً، كما تدعم الولايات المتحدة كل هذه الجهود أمنيًا من خلال مشاركتها في تدريب ما أطلق عليه قوات حفظ السلام في أفريقيا، ودعمها للمناورات العسكرية التي تجرى في هذا الإطار، وخاصة ما عرف بمناورات "جيد يامانا 1998" على الحدود المشتركة لكل من السنغال ومالي وموريتانيا.

2. متطلبات التدخل الأمريكي في القارة الأفريقية

هناك العديد من الضرورات والمتطلبات الأمريكية التي تراها الولايات المتحدة مناسبة ولازمة قبل الإقدام على أية عملية من عمليات التدخل في منطقة القرن الأفريقي، وزاد إلحاحها وحرصها في هذا الشأن خصوصاً منذ أن بدأت تحركاتها الرامية لشن هجمات انتقامية في إطار حملتها العالمية في مواجهة ما تسميه الحرب على الإرهاب الدولي، ويتعين على الدول الأفريقية وخصوصاً تلك التي تبدي صداقة تجاهها، وتطمع في التحالف معها والحصول على دعمها، وبالتحديد في المناطق الرئيسة من القارة الأفريقية، أن تتجاوب وتتعاون معها، في أمور وحالات محددة ومتنوعة، ومن أهمها:

أ. المشاركة الكاملة للدول الأفريقية الصديقة في التحالف الأمريكي الدولي للحرب ضد الإرهاب.

ب. التعاون مع وكالة الاستخبارات الأمريكية بتزويدها بالمعلومات المطلوبة كافة، وتسهيل مهام البعثات الاستخباراتية الخاصة الموفدة إليها.

ج. تشديد أنظمة أمن الحدود، وفرض مزيد من الرقابة لمراقبة التحركات والمنافذ.

د. التعاون في القبض على المشتبه فيهم الموجودين داخل البلاد الأفريقية، وتسليمهم للولايات المتحدة الأمريكية.

هـ. المشاركة الجادة في تعقب خلايا منظمات إرهابية ومتعاونين معها.

و. وضع بعض التيارات الأصولية التي لها "نوايا عدوانية" ضد الولايات المتحدة ومصالحها داخل عدد من الدول الأفريقية موضع ملاحظة أجهزة الاستخبارات، لمراقبة تحركاتها ونشاطاها واتصالاتها.

ومن المنظور الأمريكي، فإن منطقة القرن الأفريقي بصفة خاصة وشرق أفريقيا بصفة عامة، هي إحدى المناطق المتهمة بالإرهاب، أو المرشحة لأن تكون كذلك، في ظل إمكان لجوء الإرهابيين إليها وإيوائها لهم، وخاصة في كل من: جيبوتي، إريتريا، أثيوبيا، الصومال، السودان، كينيا، وغيرها. ويرجع السبب في ذلك حسب الزعم الأمريكي إلى أنها منطقة خصبة لتنامي الإرهاب بها، كما أن بها صراعات كثيرة تساعد على تورط الإرهاب فيها0 كما أنها منطقة تقع على طريق الأساطيل الأمريكية الذاهبة للخليج، ومن ثم يكون وجود الإرهابيين في تلك الدول مناسبة لمحاولة النيل من مظاهر الوجود الأمريكي في المنطقة. ومن أهم مظاهر وأدوات الحركة  الأمريكية لمقاومة الإرهاب في المنطقة، ما يلى:

·   تخصيص 100 مليون دولار لعمليات مقاومة الإرهاب.

·   بناء بعض القواعد العسكرية، وقد بدأت بجيبوتي في أوائل 2003، حيث سمح رئيسها عمر جيله بناء قاعدة أمريكية كامب ليمونيه (900 جندي) بهدف مقاومة الإرهاب، هذا إضافة إلى التسهيلات المقدمة في كينيا وإثيوبيا وغيرها.

3. إعطاء أولوية لمحاربة الإرهاب العالمي في أفريقيا

أ. الترويج لمحاربة الإرهاب العالمي في منطقة القرن الأفريقي

من التوصياتَ التي يحرص الخبراءَ الأمريكيون على الترويج لها لمحاربة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي والمناطق المجاورة لها، ما يلي:

(1) أن اليمن والبلدان في القرن الأفريقي تُشكّلُ منطقة للإرهاب، وينبغي أن ترتبط سياسة مكافحة الإرهاب بهذه المنطقة ارتباطاً وثيقاً؛ بحيث تنبع من المنطقة وتطبق فيها ويكون ذلك مسؤولية كلة دولة من دولها.

(2) أن الجهد المبذول في محاربة الإرهاب في القرن الأفريقي واليمن يجب أن يكون جهداً متصلاً متواصلاًعلى مدى طويل، وليس كما هو الآن محدوداً وقصير المدى.

(3) التفاعل الجاد والضروري مع أية رؤية فعّالة ومتماسكة، تكون قادرة على ضم أطراف ودول إلى جانب الدبلوماسية الأمريكية ومبادرات الأمن.

(4) أن الفاقة، وعدم الرضا، واليأس ليست الأسباب المباشرة للإرهاب، لكنها تقدم البيئةً المناسبة لتنشئة الإرهابيين، كما تساعد على إمكان تجنيّدهم، والترويج للإرهاب؛ ولذلك فإن على المؤسسات والوكالات المدنية الأمريكية أَنْ تُركّزَ على تَقْوية  الحكومات، وتحسين شرعيتها داخل دول المنطقة، والمساعدة في عملية إعادة البناء للمؤسسات وللبنى التحتية، والمساعدة في خْلقُ الوظائفَ، وتطوير التعليم ، ومحاولة تشجيع الحكومات على ضرورة الأخذ بحكم القانون في البلدان في المنطقة.

(5) أنه على الولايات المتّحدة والحكومات المحليّة أَنْ يعملا سويا وبتنسيق وتعاون مشترك من أجل استمالة الجماعات الإسلامية في أنحاء المنطقة كافة، وأن يسعيا من أجل الحد من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية بين السكان المسلمين وغير المسلمين، وخاصة في كل من إثيوبيا، وإريتريا، وكينيا، وأوغندا حيث تحكم في تلك الدول حكومات لا يُسيطر عليها مسلمون.

(6) العمل من أجل مساعدة إثيوبيا وإريتريا على حَلّ خلافهما الحدودي ووضع نهاية للحرب بينهما.

(7) من الضروري السيطرة على تدفقَ الأسلحة الخفيفة داخل المنطقة، وكذلك مُراقبة حظرَ التسلح على الصومال، ومواصلة فرض المقاطعةَ على انتقال الأسلحة إلى السودان.

(8) ضرورة مواصلة الجُهود العسكرية الأمريكية وتشجيعها، وأن يكون ذلك بقدر من التنظّيم والتنسيق داخل منطقة القرن الأفريقي. كما يجب على الولايات المتّحدة الأمريكية أَنْ تُواصلَ دَعْم أمن دول المنطقة وتقويته وتحفيزها على مكافحة الإرهاب وكذلك تُشجّيعُ التعاون الإقليمي  Transregionalفي هذا الشأن.

(9) أهمية تَحسين مقدرة أفراد المخابرات الأمريكية، على التحليل، وصنع السياسة بكفاءة، فعلى الموظفين الأمريكيين أنْ يتعلموا اللغات، وأن يكونوا على دراية ومعرفة كافية بالتاريخ، والأديان، والثقافات، وبشعوب هذه المنطقة.

ويلاحظ أن الإدارة الأمريكية في عهد بوش الابن -وهي بصدد التعامل مع الملف الأفريقي ووضع الإستراتيجية المناسبة لهذا الغرض- وجدت أنها ليس بإمكانها تحقيق أهدافَها ومصالحها في أفريقيا بدون إستراتيجية عسكرية أمريكية، والمطلوب من تلك الإستراتيجية ما يلي:

ب. التحرك لزيادة الجهود لاتخاذ التدابير الأمنية المتعلقة بمخاطر الإرهاب

تحركت إدارة بوش على أساس أن عليها أَنْ تَزيدَ جُهودَها لتَنسيق التدابير الأمنية المتعلقة بمخاطر الإرهاب في البلدان الأفريقية. وأن على الولايات المتّحدة الأمريكية أيضاً أَنْ تكون مستعدة دوماً لاتخاذ الإجراءات الوقائية، لا سيما أن بعض مصادر الاستخبارات الأمريكية تُشيرُ إلى إمكان قيام الجماعات الإرهابية بالإعداد لاستعمال أسلحة الدمار الشامل. وأنَّ مثل هذا التهديد الإرهابي، يتطلب ضرورة ضربات إجهاضية معللة بسبب الدفاع عن النّفسَ.

ج. الاستعداد للتَدَخُّل المباشر لحماية المصالح الأمريكية

في إطار حماية الأهداف والمصالح الأمريكية يرى الأمريكيون أن الولايات المتحدة الأمريكية أنْ لا تخشى استخدام قواتها بحسم في حالة تهديد مصالحها الوطنية الحيوية، ومن الناحية الأخرى، وحتى إذا لم تكن المصالح الأمريكية الحيوية مهدّدة بالضياع، فالولايات المتّحدة يَجبُ عليها أَنْ تَكُونَ حذرةَ، وأن لا تتوانى أبداً عن تقديم المساعدات العسكرية إلى دول المنطقة ليس فقط من أجل الحيلولة دون حدوث الإبادة الجماعية، بل التحرك من أجل منعها.

لقد كَانتْ الولايات المتّحدة راضيةَ رضى كبيراً عن الدور الذي تقوم به في أفريقيا في عقد التسعينيات من القرن الماضي،. باستثناء التدخّل الأمريكي في الصومال، وعلى الرغم من أن هذا التدخّلَ كان الوحيد الذي يتسم بالأهمية على مستوى القارة في ذلك العقد. إلا أن النتائج السيئة المتمخضة عنها العملية العسكرية الأمريكية في مقديشيو أضعفتْ عزيمةَ إدارة كلينتون عن القيام بدور أكثر فاعلية.

د. حث دول المنطقة لضمان مشاركتها في محاربة الإرهاب

يتم التركيز في هذا الشأن على ما يلي:

(1) تنبيه دول المنطقة لمخاطر وتهديدات الإرهاب الدولي

يرى بعض من الخبراءَ الأمريكيين أنّه على الرغم من أن تزايد النشاط الإرهابي ممكن بدرجة كبيرة في المنطقة، إلا أنه من الصعب التسليم بوجود "معاقلَ" للإرهاب في البلدان المعنية. ويرى البعض أن الذي يَفتقرُ إليه في القرن هو الحافزُ والدافع للاقتناع بمواجهة الإرهاب، وكذلك قوة الإطار الأيديولوجي بين الإسلاميين وخصوصا في حشد وتعبئة الكثيرين من المواطنين في دول المنطقة ليَكُونوا مجاهدينَ قادمَين. وفي مناطق تتسم بضعف أنظمة الحكم وإمكان وجود نشاط جيد لمهربي الأسلحة Gunrunners، وتزايد أعداد الإرهابيين (سواء كانوا أجانب أو أصليين).

وفي ظل أعمال التهميش الاقتصادي والسياسي والاجتماعي..، لبعض الشرائح المجتمعية في تلك الدول فإن المشاهد على ضوء هذا الواقع التنامي لأعمال التمرّد المحليّة على جميع صور الحياة الداخلية، وتوافر الحافز والدافع للانخراط في أية نشاطات، ومن ثَم فإن إساءة فهم هؤلاء وتوظيفهم بطرق مناسبة، يؤدي إلى تزايد إمْكان أَنْ يُصبح هؤلاء قاطراتَ للإرهاب الدولي، وإن كان الأمر لم يصل بعد إلى هذا الحد حتى الوقت الراهن.

وبناء على هذا فإن مستويات التهديدَ يجب تناولها والتعامل معها آنياً، وبوضوح ومن خلال الطرق المختلفة، وبدون فَصْل الأهداف قصيرة الأمد وطويلة المدى، ويتطلب هذا مراجعة داخل النظام السياسي الأمريكي بسبب الميول المتأصّلة فيه، وبسبب السياسات التي تنتهج، والقرارات التي تتخذ وتعطي انطباعاً بالامتعاض لدى الكثير من الجماعات التي ترى ضرورة الضغط على هذا النظام من أجل تفهم مطالبهم.

من ناحية أخرى على الولايات المتّحدة الأمريكية أَنْ تَدرك أنّ بَعْض البلدان في المنطقة تُحاولُ محاربة التهديدات الإرهابية الداخلية الموجهة إليها هي ذاتها، وتحاول استغلال التوجه الدولي الرامي لمحاربة الإرهاب للتورط في أعمال قمع داخلية للمعارضين والمناوئين لها. ومن ذلك على سبيل موقف رئيس الوزراء الأثيوبي ميليس زيناوي  Meles Zenawiالذي أعلن منذ البداية انضمامه إلى جانب الولايات المتّحدة في الحرب على الإرهاب، معللاً ذلك بأن إثيوبيا ظلت لسنوات عديدة ضحية لهذا الإرهاب. وهو أمر يعني توظيف البلدان لحملة محاربة التهديدات الإرهابية العالمية واسَتعمالُها ذريعة لتَنفيذ جداول أعمال ترتبط بالقمع الداخلي؛ ولذلك فإن على الولايات المتّحدة الأمريكية أَنْ تَتعاونَ مع الجُهود المحليّة لتلك الدول، ولكن مع مراعاة عدم التورط في محاولات الابتزاز والمقايضة الذي يمكن أن تلجأ إليه بعض الدول في هذا الشأن.

(2) تقديم المساعدات العسكرية لزيادة فاعلية الدول على مواجهة الإرهاب

(أ) المساعدة والدعم العسكريً خلال مرحلة المواجهة

في هذا الشأن يركز الإستراتيجيون الأمريكيون على أن الدور الأكثر ملاءمة للقوات الأمريكية في حالة ضرورة التدخّل في أفريقيا، أن يكون مستنداً بدرجة أساسية على تقديم الدعم المناسب من جانب جيوش الدول الأفريقية على المستوى الإقليمي، بما في ذلك الإمدادات وتسهيلات النقل الجوي والبحري؛ والاستخبارات المتقدّمة، والمراقبة، وعمليات الاستطلاع؛ والاتصالات؛ وربما بَعْض الأصول لحماية القوة المتدخلة. فعلى سبيل المثال، في عام 1999، احتاج الأمريكيون إلى الدعم اللوجستي للتدخّل الدولي في تيمور الشرقية. ومن ثم فإن نموذج تيمور الشرقية يَجبُ أَنْ يَعْملَ به نموذجاً لأية قوات أمريكية يُمْكنُ أَنْ تتدخل بفائدة وبفعالية لدَعْم العمليات الإنسانية الحيوية. مع مراعاة أن الاستعمال الواسع النطاق للقوات المقاتلة الأمريكية في أفريقيا لَيسَ مرغوباً فيه على إطلاقه. وإنما ينبغي توظيف القوّات المُسَلَّحةَ لتَلْبية مطالب الحرب العالمية على الإرهاب.

وعلى الولايات المتّحدة الأمريكية في هذا الشأن أَنْ تَقيسَ دورَها بعناية في عمليات صنع السلام، فمثل هذه العمليات يمكن أن تورط الولايات المتّحدةَ في النزاعات التي تَتطلّبُ مصادر وإمدادات عسكريةَ كبيرةَ. ومن ثَم فإن على الولايات المتّحدة أيضاً أَنْ تدخر قواتَها لمهمات القوة العظمى العالمية التي لا يكون عندها سوى القوَّة العسكرية القادرة على القيام بذلك، وبناءً على ذلك فيجبُ على الولايات المتّحدة أَنْ تحدد وتقدم مساعدتَها العسكريةَ لأفريقيا بطريقة أفضل تعْكسُ حاجاتَ أفريقيا، بما يساعد على سد الثغرات والفجوات في قدرات جيوش الدول المعنية بالاهتمام الأمريكي، والقادرة على مساعدة الولايات المتحدة في مساعيها من أجل تحقيق أهدافها ورعاية مصالحها، ووضع سياساتها موضع التنفيذ الفعلي كلما كانت هناك ضرورة تستدعي ذلك.

(ب) تقديم المساعدات العسكرية  للدول الموالية للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة

يرى الخبراء الأمريكيون أن أفضل طريق للولايات المتّحدة لمَنْع إبادة ملايين الأفريقيين هو منع حملاتَ الإبادةَ عن طريق كبح التهديدات والصراعات الخطيرة قَبْلَ أَنْ تصبح جدّيةَ. والذي يساعد بطريقة عملية في هذا الشأن هو مُسَاعَدَة الدول الأفريقية، ومنها كينيا وإثيوبيا وجيبوتي وأوغندا على أَنْ تُصبحَ أعضاء أكثرَ إنتاجاً في نطاق الأسرة العالمية. وتقديم المُسَاعَدَة لاعتماد تطوير الجيوش الأفريقية هو من الأمور الضرورية، وهو منْ الأهمية بمكان للولايات المتحدة الأمريكية لمساعدتها على تَحسين قدرتها على التدخل لإيقاْف الإبادة الجماعية، والتعاملُ مع الأزمات الإنسانية، ومُكافحة الإرهاب.

4. ضمان مشاركة المؤسسات الوطنية والإقليمية في الحملة على الإرهاب

أ. ضمان مشاركة  المؤسسات الوطنية في الحملة العالمية على الإرهاب

في التصور الأمريكي، وتحديداً في إطار التعامل مع الحرب على الإرهاب، فإنه لا يجب على الجيشَ أن يتصدى وحده أو أَنْ يَأْخذَ مركز الصدارة في التصدي لها، بل على العكس من ذلك فإن جهود المؤسسات والوكالات المدنية وعملياتها يمكن أن تكون أفضل تجهيزاً وقبولاً في تقديم الدعم على المدى الأطول أجلاً للمجتمع المدني داخل دول المنطقة. وتجدر الإشارة أنه في يناير 2005 تشكلت لجنة استشارية كبيرة تابعة لوزير الدفاع الأمريكي -في ذلك الحين- دونالد رامسفيلد وقد خرجت تلك اللجنة بتوصية مماثلة، حيث حَثت على ضرورة التوسّع وأهميته منْ جانب وزارة الخارجية في التعامل مع التحديات الدبلوماسية، من أجل بناء واقع جديد وبناء في تلك المنطقة، وأنه ليس بالإمكان أنْ تتحمل وزارة الدفاع الأمريكية تلك التحديات بمفردها.

إذن فبالإضافة إلى الجُهودَ العسكريةَ في المنطقة، هناك تأكيدات من جانب الخبراء والمستشارين بأن دوراً أكبر يَجبُ أَنْ يسند لوزارة الخارجية ووكالات أخرى، من أجل تَحسين العلاقات وأساليب التعامل مع الدول في المنطقة ومع أنظمتها الحاكمة وتطويرها، بما في ذلك تطوير نظم الحكم، والبنى التحتية، والخدمات الصحية، والتعليم. ومع مراعاة ضرورة تأكيد عدم الوقوف فقط عند بناء الطرق، والعيادات، والمَدارس، لكن على ضرورة تَبنّي تلك الدول للمؤسسات وللممارسات الديمقراطية وأن تدرب الجماعات المحليةَ على تَطبيق الحكم الجيد وعلى الالتزام بتقديم الخدمات الاجتماعية، وهو ما يعني أن الأمر لا ينصرف إلى اتجاه بناء المَدارس وغيرها من المرافق فحسب، ولكن إلى بناء العقيدةَ التي تَترافق مع إعادة البناء المادي لمجتمعات تلك الدول. وهو ما يتطلب على سبيل المثال إعداد المعلّم وتأهيل المَدارس لتكون بديلاً عالمياً وعلمانياً وفعّالاً في مجال قطاع التعليم، ومن هنا فإن أي إسهام أو مشاركة من جانب الولايات المتّحدة والحكومات المحليّة يَجبُ أَنْ يكون في هذا السياق، ولمواجهة الدور المتنامي للمنظمات الخيرية الوهابية في مدارس العديد من تلك الدول.

ومن ناحية أخرى فإن إضفاء الديمقراطية على أنظمة تلك الدول وإن كان أمرا مرغوباً فيه وضرورياً بوصفه ناحية تطوير إيجابية في إطار عملية إعادة البناء والتأهيل، لَكنَّ يجب أنْ يُقدّمَ ذلك الطرح بديلاً موثوقاً به في نجاعته، ومقترناً بضرورة إحداث نمو اقتصادي حقيقي في دول المنطقة والإعلاء من شأن مواطنيها ومكانتهم وتحسين مستوياتهم المعيشية.

ومن ثَم فإن تَحفيز النمو الاقتصادي سيساعد بدرجة أساسية في تخفيض حدة الاستياء العام بين كثير من القطاعات المجتمعية بخاصة، كما يساعد في إعادة البناء بعامة، ومن ثَم فإن البرامج والسياسات المعتمدة يَجبُ أَنْ تَعطى الأولوية وأن تمنح الفرصةَ لقابلية الحركة accelerate خارج نطاق الفاقة. وعلى الولايات المتّحدة الأمريكية أَنْ تُروّجَ للسياسات التي تُشجّعُ على نمو التوظيف، وتخفّيضُ عددَ الشباب العاطلين والساخطين وإتاحة المجالات أمامهم من أجل حرية التعبير، كما يجب على الولايات المتحدة أن تأخذ في الحسبان أنه في الوقت الذي تعاني فيه دول المنطقةُ عُموماً منْ الفاقة البالغة، فإن عدمَ التكافؤ بين أوضاع المسلمين وغير المسلمين في بَعْض تلك البلدان يعد من الأخطار الحقيقية على المدى البعيد، حيث ينجم عنه حالة من حالات عدم الرضا مع إمكان تصاعد ردود الفعل العَنيفة. ومن ثَم فإن الدول شركاء الولايات المتّحدة في المنطقة يَجبُ عليها أَنْ تَعْملَ من أجل الحد من الخلل في المساواة الاجتماعية والاقتصادية بغض النظر عن كون السكان مسلمين وغير مسلمين.

ب. ضمان مشاركة  المؤسسات الإقليمية في الحملة العالمية على الإرهاب

إن هناك حاجة للتنسيقَ بسرعة بين الوكالات الأمريكية العسكرية والمدنية، بالإضافة إلى التعاون الكامل مع جموع المواطنين والشركاء الدوليين المحتملين، بما في ذلك البلدان في المنطقة، والأُمم المتّحدة، والإتحاد الأوربي، والإتحاد الأفريقي، والبلدان على المستوى الدولي فرادى وجماعات، والمنظمات غير الحكومية.

والمنطلق أن يكون هناك شراكة حقيقية، بوصفها ضرورة من أجل النَجاح، مع مراعاة عدم إمكان نجاح الجُهود في هذا الخصوص بدون تحسين فعلي لقدرة البلدان في المنطقة على التعامل مع التهديدات الإرهابية، وذلك خلال الوجود العسكري وتشديد وسائل المُرَاقَبَة وتنويعها للأوضاع في المنطقة، ومن خلال تَزويد دول المنطقة بأنظمة حكم أفضل، ومن خلال المُسَاعَدَة من أجل توليد فرص اقتصادية أنفع. وما يدفع إلى ذلك أن الولايات المتّحدة الأمريكية وشركاءها لا يَستطيعونَ تَحَمُّل غَزْو كُلّ البلاد التي يُخشى من كونها تشكل تهديدا إرهابيا لها. وطالما أنها حرب عالمية على الإرهاب، فإن على الولايات المتّحدة وشركائها أَنْ يَتعاونوا مع الجماعات المحلية ويَستثمروا في القدرة الإقليمية في المستويات المدنية والدبلوماسية والعسكرية.

5. تدعيم قوة التدخّل الأفريقية والتنسيق مع المناطق الأخرى

تحركت إدارة بوش للَعْملَ مباشرةً وبالتنسيق مع الحكومة البريطانية للاستفادة من جُهودها وتاريخها في أفريقيا، خصوصاً وأن لَها خبرة طويلة في مجالات التدخّل، وللمُسَاعَدَة أيضاً على تَكوين القوة الأفريقية وتدريبها تلك التي يُمْكنُ أَنْ تَتدخّلَ في حالات الأزمات داخل القارة الأفريقية. وأنه يمكن للولايات المتّحدة أَنْ تُشجّعَ دولاً أفريقيةَ مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا لمُوَاجَهَة أعباء حفظ السلام في القارة، مع ملاحظة أن جهود الدولتين اصطدمت بَتضاربُ القرارات والسياسات، ومن ثم أنماط السلوك والممارسات ذات الصلة بالماضي، كما أن العديد منْ جُهودهما كَانتْ محبطة، ومعوّقَة بالأجهزة السيّئة، ونقص المصادر والإمكانات، وافتقاد القدرة على السيطرة[1].

ولذلك فإنّ التصور الأمريكي في الوقت الراهن يتمثل في إعادة المراجعة والتقييم الدقيق والموضوعي لهذا الوضع، وبذل المزيد من المساعي والجهود من أجل نجاح إستراتيجيتها في هذا الشأن، واعتمادا على هؤلاء بحسبانهم حلفاء يمكن الاعتماد عليهم والوثوق في جهودهم وثقلهم داخل القارة الأفريقية.

ويلاحظ في ظل هذا التوجه التركيز على أن أفريقيا لديها قوة بشريةُ عسكريةُ كبيرة لمُقَابَلَة احتياجاتها الأمنية بل وتفوق تلك الاحتياجات. وأن المشكل في الوقت الراهن يتمثل في أنّ القوات الحالية ذات تدريب سيئ وهي فاسدة في أغلب الأحيان، وهي تَميلُ إلى مُهَاجَمَة البلدان المجاورة بدلاً منْ مُسَاعَدَتهم. ومن ثم فإن الولايات المتّحدة يُمْكنُ أَنْ تعتمد اعتماداً أفضل على مُسَاعَدَة الحلفاء الأفريقيين للحُصُول على دعمهم العسكري في إطار من التنسيق والتنظيم وباستخدام وسائل جديدة. ومن تلك الوسائل تُزوّيدُ البلدانَ الأفريقية بأساليب الإنذار المبكر وأجهزته والمعونات التقنية، بالإضافة إلى تزويدهم بنظم التربية العسكرية الدوليةً وتقديم المنح الَتدرّيبية في الولايات المتّحدة الأمريكية.

إن هذا التحدي وإن كان سَيَستغرقُ العديد منْ السَنَوات، لكن تأثيراته ونتائجه في النهاية ستكون أفضل من سلسلة التدخّلات المباشرة في مناطق الأزمات المختلفة. وأن سياسة الولايات المتّحدةَ العسكريةَ المتعلقة بأفريقيا(وفقاً للأمريكيين) تتطلب مزيداً من المراجعة والاهتمام. ومن ثم فإن أية قيادة موحّدة فرعية لأفريقيا ينبغي أن تمنح الجيشَ الأمريكي آليةَ للقيام بمهمات عملية في القارة، وأن تُخفّضُ في الوقت ذاته من إمكان التدخل الأمريكي المباشر إلا عند الضرورة.

ثالثاً: علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول الحليفة في أفريقيا

إن تزايد الاهتمام الأمريكي بالقارة الأفريقية، وفي الواقع الفعلي، ربما مرده إلى كون هذه الأخيرة مصدراً رئيساً للمواد الخام والموارد الطبيعية، إلى جانب كونها سوقاً استهلاكية هائلة ـ كما سبق الإشارة من قبل ـ حتى إن الإدارة الأمريكية الحالية ـ إدارة بوش الابن ـ صارت تتحدث عن " النظام الأفريقي الجديد " وفقاً للمواصفات الأمريكية، حيث تريد أمريكا ربط أفريقيا بها، وتخلي هذه الأخيرة عن ارتباطاتها السابقة والتاريخية، لكن المأزق الذي يواجهه المسؤولون الأمريكيون هو طبيعة الصراعات الداخلية وحدتها وتعقيدها، فتجربة الصومال كانت درساً قاسياً للأمريكيين يجعلهم يفكرون ملياً قبل الإقدام على ما يسمى بالتدخل العسكري المباشر في شؤون القارة، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية غالبا ما تريد ضمان وجودها بدون مغامرات عسكرية ولا خسائر بشرية، وتكتفي واشنطن في الوقت الحاضر باستعدادها لتدريب قوات أفريقية من داخل القارة للقيام بمهام حفظ السلام و إعدادها لإدارة الأزمات . وهكذا انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ المشروع الفرنسي - البريطاني في "خلق قوة سلام أفريقية" واحتواء هذا المشروع واستقطابه.

ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أن السياسات والممارسات الأمريكية، أخذت طابعا استراتيجياً عاماً، يحكم منطقة القرن الأفريقي بأسرها وفقا للتصور الذي سبقت الإشارة إليه، فضلاً مجموعة من السياسات والإستراتيجيات الفرعية في التعامل مع دول المنطقة، والتي تظهر درجة ما من الإصرار على تدخلات أمريكية صريحة في شؤون دول المنطقة. ولتعزيز الوجود العسكري الأمريكي فيها، حيث يكون التحرك عبر عدة محاور في مجال التعاون العسكري الأمريكي الأفريقي والتي تشمل "اتفاقيات برامج مبادرات" وهى غالباً ما تدور حول دعم قدرات بعض الجيوش الأفريقية، وتأهيلها لعمليات حفظ السلام، والإسهام في نشر القيم والمبادئ الأمريكية مع السماح بوجود دوري للقوات الأمريكية بدول القارة، وعقد اتفاقات للتعاون الأمني وتبادل المعلومات مع كل دول القرن الأفريقي.

رابعاً: علاقات الولايات المتحدة مع الدول المناوئة لها في أفريقيا

لا تقتصر أهمية القرن الأفريقي على حسابات الموقع فحسب، وإنما تتعداها للموارد الطبيعية، خاصة النفط الذي بدأ يظهر في الآونة الأخيرة في السودان، وهو ما يعد أحد أسباب سعى واشنطن تحديداً لإيجاد حل لقضية الجنوب. وكذلك في الصومال. ولعل أحد تفسيرات تدخل واشنطن في الأزمة الصومالية هو بداية ظهور النفط في الأراضي الصومالية ، إضافة لسيطرة المحاكم الإسلامية على معظم الأراضي الصومالية، وما تتردد عن وجود علاقات لها بتنظيم القاعدة، الأمر الذي دفعها لإعطاء الضوء الأخضر في فبراير 2007 لإثيوبيا لاجتياح الصومال. وكذلك لأن القرن الأفريقي يحتل موقعاً مهما في الإستراتيجية العسكرية الأمريكية؛ فهو يأتي من بين أربع مناطق كانت تدخل في نطاق اهتمام القيادة المركزية الأمريكية قبل أن تحل محلها القيادة الجديدة التي ستكون مسؤولة عن الأمن في القارة.

إن التصور العام لصانعي ومتخذي القرار والسياسة الأمريكيين أن الأوضاع في كل من الصومال والسودان تمثل تهديداً حالياً ومستقبلياً للمصالح الأمريكية في المنطقة، ومن ثم فهما في منزلة الدولتَين المناوئتَين للولايات المتحدة الأمريكية، وتعاملت مع كل منهما، بإستراتيجية ووفقاً لسياسات ولممارسات تتناسب مع ظروف كل منها وأوضاعها، وقد اعتمدت في هذا الصدد على حلفائها في المنطقة، من خلال أدوار ومهام محددة، يجري التنسيق المسبق بشأنها، كما يجري توظيف القدرات العسكرية والأمنية المشتركة من أجل نجاح الأهداف الموضوعة، ويلاحظ أن الحشد الأمريكي في هذا الشأن لم يتوقف على الحلفاء الإقليميين أو حتى الدوليين فحسب وإنما ذهب إلى أبعد من ذلك إلى اختراق الجبهات الوطنية داخل الدولتَين، ومن ثم أصبح للولايات المتحدة حلفاء محليين لا تقل أدوارهم وخدماتهم عن الحلفاء الآخرين

خامساً: معوقات إستراتيجية لسياسة الولايات المتحدة في أفريقيا

لقد واكب إستراتيجية التدخل الأمريكي في القارة الأفريقية العديد من التحديات والتهديدات المحتملة لها، ومن ثم فإن الأمر لا يبدو سهلاً بالنسبة للولايات المتحدة؛ فثمة عوائق قد تحول دون مضى الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في طريقها، أبرزها ما يلي:

1. يواجه البعد العسكري في هذه الإستراتيجية تحديات كبيرة، فإن في عدم القدرة على القضاء على المقاومة العراقية وأيضاً المقاومة الأفغانية درساً للقوات الأمريكية في التدخل العسكري، ويدفعها للمزيد من الحرص والحذر عند أية فكرة للتدخل من جديد في القارة.

2. يمثل النفوذ الفرنسي في عشرين دولة أفريقية فرنكفونية عائقاً أمام الولايات المتحدة؛ فباريس ذاتها بدأت في تعديل سياستها التي خسرت بسببها كثيراً في أفريقيا؛ حيث ألغت الشروط السياسية للمعونات، واستبدلت بها شروط المصلحة؛ كما رفعت مساعداتها لأفريقيا إلى ما يزيد عن 0.7% من دخلها القومي بدون ربطها بالديمقراطية.

3. استمرار عدم الاستقرار في أفريقيا يصعب من تطبيق الإستراتيجية الأمريكية، فأفريقيا مثقلة بالديون والفقر والمرض، كما أن الصراعات السياسية والعرقية ما زالت موجودة بدول القارة، حتى الذي خمد منها يصعب ضمان عدم تصاعده من جديد. يضاف إلى ذلك الرأي العام الأفريقي المناهض للولايات المتحدة في كثير من دول القارة، ويكفي الإشارة إلى المظاهرات التي خرجت في كينيا وتنزانيا والكاميرون لتعبر عن غضبها من الغزو الأمريكي للعراق.

4. أن قتل ثمانية عشر جندياً أمريكياً من قوات البحرية الأمريكية (المارينز) في الصومال، والتمثيل بجثثهم في شوارع مقديشيو لا يزال عالقاً في أذهان الرأي العام الأمريكي. ومن ثم فإن مجرد وجود إستراتيجية أمريكية لا يعنى ضمان نجاحها نجاحاً كاملاً والدليل على ذلك ما حدث في كل من العراق وأفغانستان وعدم القدرة على حسم الموقف العسكري بهما.

ويرى كثير من المحللين أن فشل التدخل الأمريكي في الصومال قد أعاد إلى أذهان الساسة والشعب في الولايات المتحدة ذكرى حرب فيتنام، وأدى إلى ترسخ الاعتقاد بعدم وجوب تدخل الولايات المتحدة مستقبلاً في أي عملية لحفظ السلم في أفريقيا، وخاصة العمليات التي تعتمد على القوات البرية، نظراً لما ينطوي عليه ذلك من مخاطر جمة، وفي هذا الإطار أصدر الرئيس كلينتون القرار الرئاسي الرقم 25 في مايو 1994، والذي حظر استخدام القوات البرية الأمريكية خارج البلاد، كما أدى إلى تخفيض حاد في الميزانية الأمريكية المخصصة لعمليات حفظ السلم. ومن جهة أخرى دفعت الولايات المتحدة داخل الأمم المتحدة لإقرار تقييد عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلم وضبطها في المستقبل، خاصة بعد أن حملت الولايات المتحدة المنظمة الدولية مسؤولية الإخفاق في الصومال، حيث وضعت الولايات المتحدة شروطاً لدعم عمليات حفظ السلم في المستقبل ومنها:

أ. أن يكون هناك تقدير مسبق لمدة العملية.

ب. أن تكون العملية موجهة ضد تهديد حقيقي للسلم العالمي.

ج. أن تكون ذات ميزانية دقيقة.

ورغم الانتقادات والتحفظات التي أثيرت حول الاقتراح الأمريكي، فقد عزمت الولايات المتحدة على تنفيذ اقتراحها، حيث أرسلت 120 خبيراً عسكرياً إلى أوغندا في يوليه 1997، وذلك في إطار برنامج لتدريب قوات الدول الأفريقية على عمليات التدخل في الأزمات، وذلك بتكلفة تقدر بنحو 15 مليون دولار. كما أرسلت 120 خبيراً عسكرياً إلى السنغال، لتدريب 750 جندياً سنغالياً على المهارات اللازمة لحفظ السلم والعمليات الإنسانية، وذلك بتكلفة تقدر بنحو 15 مليون دولار أيضاً. وقد تأكدت الرغبة الأمريكية في إنشاء قوة أفريقية لحفظ السلم الإقليمي بصفة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، ومن ثم، خصصت الولايات المتحدة 15 مليون دولار لصالح مبادرة مواجهة الأزمات الأفريقية في ميزانياتها القومية لعام 2002. كما شاركت القوات الأمريكية في تدريبات عسكرية مشتركة مع كينيا في المنطقة الساحلية.

لقد عدت الولايات المتّحدةَ القرن الأفريقي، ولأكثر من عقد من الزمان، مصدرا رئيسا للإرهاب العالمي. وعندما استولت الجبهة الإسلامية القومية على السلطة في السودان في 1989 ووضعت مشروعها المتمثل في إقامة الدولة الإسلامية، فإنها شجعت بذلك الجماعات الإسلامية الأصولية حَول العَالَم. ووفقا للزعم الأمريكي فإن السودان مَثَّل بوضوح ملجأً آمناً للإرهابيين بما في ذلك أسامة بن لادن والقاعدة خلال تسعينيات القرن الماضي، وهو الأمر الذي لفت الانتباه إلى المخاطر الكامنة في منطقة القرن الأفريقي الكبير، أضف إلى ذلك فإن بعض الأمريكيين يرى أن الإرهابيين الإسلاميين متورطين في قتل 18 جنديا أمريكياً في مقديشيو بالصومال عام 1993, وأنهم نفذوا أيضا بعد ذلك بخمسة أعوام بعمليات في مناطق أخرى، حيث فجَّروا السفارتَين الأمريكيتَين في نيروبي بكينيا، وفي دار السلام بتنزانيا، وقتل من جراء ذلك أكثر من 200 شخص وجْرحُ أكثر منْ 4000 شخص. وأنه في أكتوبر 2000 ضُربَت مدمرة الولايات المتّحدة USS Cole، من قبل إرهابيين من اليمن، قبالة الساحل الشرقي لأفريقيا في هجوم أودى بحياةَ 17 بحّاراً أمريكياً. وأنه أيضاً في نوفمبر 2002 وبدعم من القاعدةَ فإن الإرهابيين قَصفوا فندقاً وحاولوا إسقاط طائرةً إسرائيليةً بواسطة قذيفة أرض/ جوّ بالقُرْب من مومباسا Mombassa بكينيا.

لسَنَوات عديدة ظلت مناطق حوض النيل، والقرن الأفريقي، والبحيرات العظمى تعاني من الضعف، والفساد، والتناحر بين الدول، وهو ما مثل أرضاً خصبة للإسلاميين على حد الزعم الأمريكي. وكان رد الفعل الأمريكي يتمثل في محاولة وضع حد للإرهاب الإقليمي، ومن ثم فقد نفذت الهجوم العسكري على السودان في أعقاب تفجيرات السفارةَ على أهداف محددة داخل العمق السوداني. وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضدّ الولايات المتّحدة، فقد زاد ذلك ليس فقط تعاظم الاهتمام بضرورة مكافحة الإرهاب، وإنما مثل ذلك نقطة البدء الرئيسة لاعتماد الولايات المتحدة إستراتيجية تشنُّ بموجبها الحرب ضدّ الإرهاب، في أنحاء متفرقة من العالم.



[1] يلاحظ في هذا الشأن استخدام إثيوبيا في منطقة شرق أفريقيا للقيام بهذا الدور في الوقت الراهن، وخصوصا من خلال تدخلها المباشر في الصومال، وفي الضغط على إريتريا، وفي ظل وجود دول أخرى في المنطقة تقوم بدور مهم أو هي مستعدة أن تنوب عن الولايات المتحدة الأمريكية في مجالات التدخل أو أداء مهام ذات صلة مثل أوغندا وكينيا وتنزانيا.