إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الدولية في أفريقيا منذ انتهاء الحرب الباردة









العلاقات الدولية في أفريقيا

المبحث الخامس

 علاقات الصين بأفريقيا منذ انتهاء الحرب الباردة

في مجال التناول لأوضاع التدخلات الدولية في منطقة القرن الأفريقي، لا يغيب عن ذلك الموقف والاهتمام الصيني بهذه المسألة، فالصين تعد واحدة من أهم القوى الفاعلة في العالم في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، ومنذ نشأة جمهورية الصين الشعبية في عام 1949 والعلاقات الصينية ـ الأفريقية تشهد تطوراً ملحوظاً يقوم على أساس الأهداف والمصالح المشتركة وعلاقات الصداقة والتعاون تشهد تنامياً في المجالات المختلفة.

لقد بدأت الصين علاقاتها مع أفريقيا مساندةً لحركات التحرير فيها خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وتحولت في التسعينيات نحو الاستثمار والتجارة في الموارد الطبيعية غير المستغلة في القارة ، وهو ما يناسب الصين التي تمر بحالة من التطور الاقتصادي، والتي تحتاج معها إلى الكثير من تلك الموارد. ومن ناحية أخرى فإن التعامل الصيني الذي لا يربط نشاطه الاقتصادي بإجراءات صندوق النقد الدولي، أو الدفع باتجاه الشروط السياسية وما يتعلق منها بضرورة التحول الديمقراطي ومكافحة الفساد أو قضايا حقوق الإنسان، وغير ذلك من القضايا التي تعدها كثير من تلك الدول تدخلاً مباشرا في صميم شؤونها الداخلية، يعد نمطاً وبديلاً أكثر قبولاً عند كثير من الأنظمة الأفريقية.

أولاً: طبيعة السياسة الصينية تجاه أفريقيا منذ انتهاء الحرب الباردة

إن ظهور الصين قوَّة عالمية متصاعدة تحتم ضرورة انتباهها إلى أفريقيا، فشراكة الصين الجديدة وإستراتيجيتها مَع أفريقيا، كَشفَت عنها قمّةَ بكين حيث انعقد منتدى التعاون الصيني مع أفريقيا في نوفمبر 2006، حيث مثل هذا المؤتمر لحظة تاريخيةً في علاقات الصين بأفريقيا. ولا سيما في ظل مشاركة 43 رئيس دولة وما مجموعه 48 من الوفود الأفريقية. وقد أعقبت تلك القمّة، زيارة كبار المسؤولين الصينيين، بمن فيهم الرّئيس هو جينتاو Hu Jintao ولي زاوينج Li Zhaoxing وزير خارجية لـ 15 بلداً أفريقيا مختلفاً خلال الربع الأول من عام 2007. كما جاء مساعد وزير الخارجية زاي Zhai في زيارة إلى السودان في يونيه 2007، والتعيين اللاحق للسفير ليو جوكين Liu Guijin مبعوثاً خاصّاً للصين بشأن دارفور. وهو ما يعكس اهتماما عاما بأفريقيا واهتماماً خاصاً بمنطقة القرن الأفريقي وعلى وجه التحديد السودان، وفي مجال توضيح هذا الاهتمام بتلك المنطقة لابد من الإشارة إلى ما يلي:

1. الأسس العامة للسياسة الصينية تجاه القارة الأفريقية

وفيما يلي المبادئ والأهداف العامة للسياسة الصينية تجاه قارة أفريقيا:

 أ. الإخلاص والصداقة والمساواة

تتمسك الصين بالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي وتحترم خيار الدول الأفريقية المستقل في انتهاج طريق التنمية الملائم لها، وتدعم تضامن الدول الأفريقية بما يخدم تقويتها.

ب. المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة

تؤيد الصين الدول الأفريقية في التنمية الاقتصادية والبناء السياسي، وتنفذ التعاون بمختلف الأشكال في مجالات التنمية الاقتصادية والتجارية والاجتماعية، وتدفع بالمصالح المشتركة للصين وأفريقيا.

ج. التأييد المتبادل والتنسيق الوثيق

تسعى الصين نحو تعزيز التعاون مع أفريقيا في المنظمات المتعددة الأطراف بما فيها الأمم المتحدة لتأييد كل منهما للمطالب العادلة للآخر ومقترحاته المناسبة، وتواصل مناشدة المجتمع الدولي لإيلاء المزيد من الاهتمام بالسلام والتنمية في أفريقيا.

د. الاستفادة من التجارب الثنائية والسعي وراء التنمية المشتركة

تعمل الصين في إطار علاقاتها مع أفريقيا على الاستفادة من التجارب الثنائية ولا سيما فيما يتعلق بخبرات الإدارة والتنمية، وتعزيز التبادل والتعاون في مجالات العلوم والتعليم والثقافة والصحة، كما تدعم الصين الدول الأفريقية في بناء قدراتها، وتشارك في جهود استكشاف طرق التنمية المستدامة. إن مبدأ "صين واحدة" هو الأساس السياسي للصين في إقامة وتطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية والمنظمات الإقليمية. وتشيد الحكومة الصينية بالتزام معظم الدول الأفريقية بمبدأ "صين واحدة" وعدم تطوير علاقات رسمية وزيارات رسمية مع تايوان ودعم قضية توحيد الصين. وترغب الصين في إقامة علاقات وتطويرها مع الدول التي لم تُقم علاقات دبلوماسية مع الصين على أساس مبدأ "صين واحدة".

ثانياً: الأهداف والمصالح الصينية في أفريقيا

1. إستراتيجية الصين تجاه القارة الأفريقية

تنتهج الصين إستراتيجية تجاه أفريقيا، وتقوم تلك الإستراتيجية على الأسس الآتية:

أ. العمل على مضاعفة حجم المساعدة الصينية لأفريقيا في عام 2006، وحتى حلول عام 2009.

ب. تقديم ثلاثة مليارات دولار قروض ميسرة و25 مليار دولار اعتمادات للمشترين التفضيليين لأفريقيا خلال الثلاث السنوات القادمة.

ج. إنشاء صندوق الصين أفريقيا للتنمية برصيد خمسة مليارات دولار، لتشجيع الشركات الصينية على الاستثمار في أفريقيا وتقديم المساعدات لها.

د. بناء مركز مؤتمرات للإتحاد الأفريقي، لدعم الدول الأفريقية في جهودها لتقوية نفسها من خلال الوحدة ودعم عملية التكامل الأفريقي.

هـ. إلغاء الديون بأشكالها كافة، القروض الحكومية الحسنة، والمستحقة السداد في نهاية عام 2005 على الدول الفقيرة المثقلة بالديون والدول الأقل نمواً في أفريقيا التي تربطها علاقات دبلوماسية بالصين.

و. مواصلة فتح السوق الصينية أمام أفريقيا عن طريق زيادة عدد السلع التصديرية المعفاة من الرسوم إلى الصين من 190 سلعة إلى 440 سلعة من الدول الأفريقية الأقل نمواً في أفريقيا، والتي تربطها علاقات دبلوماسية بالصين كذلك.

ز. إقامة مناطق للتعاون التجاري والاقتصادي في أفريقيا، وتدريب 15 ألف مهني أفريقي، وإرسال 100 خبير زراعي كبير إلى أفريقيا، وإقامة عشرة مراكز للتكنولوجيا الزراعية في أفريقيا، وبناء 30 مستشفي في أفريقيا، منحة لتوفير أدوية مكافحة الملاريا، وبناء 30 مركز لمكافحة وعلاج الملاريا في أفريقيا، وزيادة عدد الحاصلين على منح الحكومة الصينية للطلاب الأفارقة من ألفي طالب كل عام حالياً إلى أربعة آلاف طالب سنوياً بحلول عام 2009.

ح. تتبع الصين في علاقاتها مع الدول الأفريقية مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية وتقدم نفسها دائماً على أنها بلد نامٍ، لتضمن التقرب للدول والشعوب الأفريقية.

ط. يمكن للدول الأفريقية إبرام اتفاقيات تعاون اقتصادي مع الصين، ودون الارتباط بشروط سياسية، كما هو الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي والمنظمات الاقتصادية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي). كما تحرص الصين في الوقت نفسه على الحصول على دعم الدول الأفريقية في المحافل الدولية فيما يتعلق بوضع تايوان وبمسألة حقوق الإنسان في الصين.

وبناءً على ما تقدم فإن الصين لم تفصل أفريقيا عن استراتيجياتها الكونية، والتي تقوم ببناء علاقاتها في القارة على أسس من التعاون والتبادل الثنائي في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، ومن ثم فهي تتمتع بعلاقات متوازنة يسودها الاحترام والتقدير مع دول القارة.

ثالثاً: أساليب وآليات تفعيل العلاقات الصينية مع أفريقيا

1. أساليب تنفيذ السياسة الصينية تجاه القارة الأفريقية

أ. المؤتمرات الدولية

تعتمد الصين على دبلوماسية المؤتمرات التي تحرص على انعقادها دورياً بمشاركة وفود من الدول الأفريقية، ويمكن الإشارة إلى بعض هذه المؤتمرات كالتالي:

(1) المؤتمر الوزاري الصيني الأفريقي الأول

انعقد المؤتمر الوزاري الصيني الأفريقي الأول في الفترة من 10 إلى 12 أكتوبر 2000 بالعاصمة الصينية بكين، وتناول المؤتمر موضوعات اتجاهات التنمية الجديدة وعلاقات الصداقة الأفريقية الصينية وكيفية الاستفادة منها وكانت أجندة المؤتمر الرئيسة هي:

(أ) العمل على إنشاء علاقات اقتصادية وسياسية جديدة في القرن الحادي والعشرين.

(ب) كيف يمكن تقوية التعاون الاقتصادي في ظل الظروف الراهنة.

وعقد خلال المؤتمر أربع ورش عمل تناولت موضوعات الاستثمار والتجارة بين أفريقيا والصين، خبرات الإصلاح في الصين وأفريقيا، القضاء على الفقر والتنمية الزراعية المستدامة، التعاون في مجالات العلوم والتربية والصحة والتكنولوجيا بين الصين وأفريقيا. وقد أصدر المؤتمر إعلان بكين للتعاون بين الصين وأفريقيا وبرنامج الصين وأفريقيا للتعاون في المجال الاجتماعي والاقتصادي.

(2) المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى التعاون الصيني ـ الأفريقي

عُقد المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يومي 15 و16 ديسمبر 2003. حيث ألقى رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو كلمة أمام مراسم افتتاح المنتدى الذي حضره نظيره الإثيوبي ميليس زيناوي وعشرة من رؤساء الدول و الحكومات الأفارقة و70 وزيراً من الحكومات في الصين و44 دولة افريقية وممثلون للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية. وأكد المؤتمر الوزاري الثاني لمنتدى التعاون الصيني ـ الأفريقي، الذي عقد لأول مرة في القارة الأفريقية واستضافته كل من الصين وإثيوبيا مشتركتين.

وكان تعزيز الصداقة وتنميتها بين الصين وأفريقيا، ودعم التعاون وتبادل المنافع الموضوعين الأساسيَّين في المنتدى. واستعرض المنتدى أعمال المتابعة والتقدم الذي أحرزه الجانبان في المجالات السياسية والاقتصادية منذ انعقاد المؤتمر الوزاري الأول في بكين عام 2000. كما بحث المنتدى خطة عمل أديس أبابا لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي (2004 - 2006) واقرها. وتحدد هذه الخطة إطاراً للتعاون بين الجانبين في الأعوام الثلاثة القادمة. كما ركز زعماء الدول ووزراء الحكومات في مناقشاتهم على الأفكار الجديدة والطرق الجديدة لدعم التعاون الصيني - الأفريقي في المجالات السياسية والاقتصادية والتنمية الاجتماعية وتوصلوا الى تفاهم مشترك حول عدد كبير من القضايا.

من جهة أخرى اتفق منظمو المشروعات من الصين وأفريقيا على عدد من برامج التعاون، كما قررت الصين والدول الأفريقية بذل جهود مشتركة لبناء شراكة تعاون شامل جديدة وطويلة الأمد ومستقرة وتبادلية النفع. ومثل حضور رئيس مجلس الدولة في المؤتمر أول زيارة من القيادة الصينية الجديدة لأفريقيا، ويشير ذلك إلى أن الصين تولى اهتماما كبيرا بالوحدة والتعاون مع الدول النامية، وترسى أساساً متينا للشراكة الصينية - الأفريقية الجديدة.

ب. القمم الاستثنائية

شهدت العاصمة الصينية بكين خلال يومي 4 و5 نوفمبر 2006، انعقاد القمة الاستثنائية الصينية ـ الأفريقية، بمشاركة 48 دولة أفريقية بالإضافة إلى الصين. وركزت القمة على تقييم واقع العلاقات الصينية ـ الأفريقية، وسبل تطوير تلك العلاقات. وتشير المؤشرات إلى تسارع معدلات نمو التجارة السلعية والعسكرية الصينية - الأفريقية، بالإضافة إلى تطور العلاقات الدبلوماسية والثقافية بين الجانبين، فقد تضاعف حجم التجارة الصينية - الأفريقية سنويا منذ عام 1995، إلى وصلت إلى 39,7 بليون دولار في عام 2005. وقد شهدت القمة إعلان الصين عن حزمة جديدة من المساعدات الصينية لدول القارة، بالإضافة إلى توقيع عدد كبير من الصفقات والعقود التجارية بلغت قيمتها حوالي 2 بليون دولار. فقد تم إقرار "خطة عمل" للتعاون بين الجانبين خلال الفترة (2007- 2009) في إطار "منتدى التعاون الصيني ـ الأفريقي"، والإعلان عن إلغاء الديون الصينية المستحقة على الـ 31 دولة الأكثر فقرا والأكثر مديونية في القارة، قدرت بنحو 1,3 بليون دولار أمريكي، وزيادة عدد بنود الصادرات السلعية الأفريقية المعفاة من الرسوم الجمركية والتي تحصل على معاملة تعريفية قيمتها صفر، والتي تستوردها من الدول الأفريقية الأقل تقدما وتقيم علاقات دبلوماسية مع الصين من 190 بندا إلى 440 بندا.

بالإضافة إلى ذلك، فقد التزمت الصين خلال القمة باستمرار الدعم الصيني للقارة الأفريقية ومضاعفة المساعدات الصينية المقدمة لدول القارة خلال عام 2006 إلى الضعف بحلول عام 2009. والواقع أن التطور الكبير في العلاقات الصينية- الأفريقية يمثل أحد الأمثلة المعبرة عن التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية الصينية، وتصاعد دور الصين ونفوذها بوصفها قوة عالمية، فقد اتسمت تلك السياسة بحدوث تحسن كبير في علاقات الصين الثنائية مع عدد كبير من دول العالم، خاصة الجيران الآسيويين في إقليمي جنوب، وجنوب شرقي آسيا، وكوريا الجنوبية بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي.

2. آليات تفعيل العلاقات الصينية مع أفريقيا

أ. الأداة الاقتصادية

(1) العامل الاقتصادي في العلاقات الصينية ـ الأفريقية

تستند العلاقات الصينية ـ الأفريقية إلى العامل الاقتصادي، حيث تنظر الصين إلى أفريقيا على أنها مصدر لتغذية قاعدتها الصناعية المحلية التي تحتاج إلى كميات ضخمة من المواد الخام للمحافظة على معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، خاصة الحديد الخام. وفي هذا الإطار، تستورد الصين النفط والنحاس والبلاتين والذهب والنيكل من زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، كما تستورد الحديد الخام من جنوب أفريقيا وموزمبيق. وتقوم الصين بمساعدة الدول الأفريقية في تشييد الكثير من البنية الأساسية، مثل مشروع بناء السكك الحديدية في أنجولا. وعلى ضوء تلك التطورات والأبعاد المهمة في علاقة الصين بالقارة الأفريقية، تبذل الولايات المتحدة جهوداً كبيرة لاستيعاب تلك التوجهات الجديدة في السياسة الاقتصادية الصينية الخارجية وفهمها وعلى ضوء ذلك اتخاذ قرارات محددة تجاه الصين، وتستند إلى معلومات واضحة حول تلك التوجهات. إلا أن هذه الجهود لازالت تواجه بعض العقبات، ومنها غياب المعلومات والبيانات حول حجم المعاملات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا.

من ناحية أخرى فإن النفط الأفريقي يلعب دوراً مهماً في توثيق علاقات الصين بأفريقيا، على أساس أن المتطلبات النفطية الصينية تتزايد بوتيرة عالية، وقد ساعد ذلك على دَفْع حركة التجارة الصينية الأفريقية في السَنَوات الأخيرة. وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 1993, أصبحتْ الصين مستورد رئيس للنفط وهي تخطط للاعتمادْ على أن تكون وارداتها النفطية تعادل نسبة 45 بالمائة منْ استخداماتها بحلول عام 2010.

ونتيجة لذلك تحرص الصين على تُطوّيرُ علاقات وثيقة مع البلدان الغنية بالنفط في أفريقيا مثل أنجولا، ونيجيريا والسودان. ومنذ عام 1995 بَدأَت الصين سياسة الاقتصاد النفطي الخارجي“Outward looking Oil Economy Policy" والتي تأخذ في الحسبان متوسط تكلفة الإنتاج النفطي من السواحل الصينية مُقَارَنةً بتكلفة استيراد نظيره الأفريقي أَو الشرق الأوسطي. وفي إطار الاهتمام بالنفط فإن الشركات الصينية العاملة في هذا المجال تتوزع في أماكن ومناطق متنوّعة من العالم ككندا، وبيرو، والسودان. وقد عزز من العلاقات الخاصة بين الصين والعديد من البلدان المنتجة للنفط، استناد تلك العلاقات واعتمادها على مبيعات الأسلحة والتي تساعد أيضاً على مُوَازَنَة التكاليف في هذا الشأن.

(2) إلغاء الديون وتقديم المساعدات

منذ نوفمبر 2006، أَخذتْ بكين خطوات مُتتَابَعَة فيما يتعلق بالتزاماتها نحو البلدان الأفريقية بالإعْلان عن إلغاء مبلغ 1.42 بليون دولار أمريكي من الديون الأفريقية، كما أعلنت أنها ستلغي مبلغ بليون دولار أمريكي من هذه الديون في منتصف مايو 2007, كما أثارتْ الصين انتباهاً دولياً في منتصف مايو 2007 عندما استضافت المؤتمر السنويَ للتنمية الأفريقية في شنغهاي. وأعلنت فيه موافقتها على تخصيص مبلغ إضافي مقداره 20 بليون دولار أمريكي تعهدت بها لتطوير البنى التحتية في أفريقيا على مدار السَنَوات الثلاث التالية. كما قدْمت مبلغ ثلاثة بلايين دولار أمريكي للقروض التفضيلية، وبليونَي دولار أمريكي للتصدير التفضيلي إلى البلدان الأفريقية في السَنَوات الثلاث التالية؛ كما أقدمت على إلغاء القروض الحكومية بدون فائدةَ التي كَانتْ مُسْتَحقّة بنهاية عام 2005، للبلدان الأفريقية التي ترتبط بروابط دبلوماسية مَع الصين والدول شديدة التأثر بالديون والدول الأقل نمواً.

ب. الأداة العسكرية والأمنية

(1) التحرك العسكري الصيني في القارة

بالإضافة إلى تزويد الدول الأفريقية بالأسلحة والذخائر، فقد قدمت الصين التدريب العسكري لعدة دول أفريقية منها السودان وغينيا الاستوائية، ونيجيريا والكاميرون وغيرها، كما أوفدت المتخصصين الصينيين في الأجهزة العسكرية الثقيلة َإلى تلك البلاد، وتعقد هذه الصفقات العسكرية مقابل النفط من الدول النفطية منها. كما تقدم الصين الأسلحة والتدريب العسكري إلى دول أخرى منْ أفريقيا، ويحدث ذلك في أغلب الأحيان أثناء أوقات النزاعات والصراعات. ووفقاً لأحد تقارير الكونجرس الأمريكي - نقلاً عن خبراء أمريكيين- فإن الصادرات الصينية من الأسلحة إلى أفريقيا مثلت نسبتها 10 بالمائة منْ مجموع انتقال الأسلحةُ التقليديةُ إلى أفريقيا بين عامي 1996 - 2003. وأنه بينما كَانتْ رحى الحرب تدور بين إثيوبيا وإريتريا، قدمت الشركات الصينية أسلحة لكلتا الدولتين بما يعادل مبلغ بليون دولار أمريكي بين عامي 1998 و2000. وأنه في عام 1995 كانت سفينة صينية تَحْملُ 152 طنَ منْ الذخيرة والأسلحة الخفيفة رُفض الترخيص لها أَنْ تُفرغَ حمولتها في تنزانيا، وأن هذه الشحنة كانت متّجههَ إلى قوات تعمل تحت هيمنة التوتسي في بوروندي.

ويرى بعض المتخصصين أنه على الأقل فإن ثلاث عشْرة شحنة سرية منْ الأسلحة قادمة من الصين سُلّمتْ في دار السلام بتنزانيا، وذلك دون معرفة لوجهاتها النهائية وأن معظم هذه الشحنات من الأسلحة كانت تمرر تحت مسمى معدّات زراعية. ويبدو أنها كَانتْ تتّجهْ إلى منطقة البحيرات الكبرى التي مزّقتها الحرب. كذلك فإن حكومة روبرت موجابي Mugabe في زمبابوي طلبت من الصين تزويدها بعدد 12 من الطائرات المقاتلة من نوع FC1 بالإضافة إلى عدد 100 عربة عسكرية في أواخر 2004، وأن قيمة صفقة الطائرات العسكرية المتقدّمة ذكرُها كَانتْ تساوي 200 مليون دولار. وقد أثار هذا السلوك موجة من الغضب في الجنوب الأفريقي، لما يُمْكنُ أَنْ يترتب عليه من إثارة سباقَ التسلح في تلك المنطقة من أفريقيا. وما تجدر الإشارة إليه أن إحدى صفقات الأسلحة المرسلة إلى زيمبابوي كانت مقايضة مع شحنة تقدر بثمانية أطنان من عاج الفيل الزيمبابوي في مايو 2000.

ويشير بعض المتخصصين الآخرين إلى أن السلوك الصيني فيما يتعلق بتزويد الدول الأفريقي بالأسلحة تعتوره الكثير من المثالب، ومنها على سبيل المثال، أن تزويد كل من إثيوبيا وإريتريا جاء رغماً عن وجود قرار من مجلس الأمن الدولي بحظر بيع الأسلحة للدولتين، كما أن الأسلحة التي تزود بها توظف لضرب القوى المعارضة للنظام الحاكم هناك، في كل من الجنوب والغرب والشرق، كما أن تدفق شحنات الأسلحة الصينية إلى منطقة البحيرات الكبرى أسهم في حالة عدم الاستقرار في تلك المنطقة.

وبصفة عامة وفي مجال الاهتمامات والتحركات العسكرية الصينية في أفريقيا وعلى وجه التحديد منطقة دول القرن الأفريقي يمكن ملاحظة ما يلي:

(أ) أن الصين لم تبرز أية إستراتيجية عسكرية في أفريقيا، وإنما يأتي دورها في سياق البناء التدريجي للدور الصيني المستقبلي أن تكون قوة كبرى وقطباً في إطار النظام العالمي متعدد الأقطاب، ومن هذا المنطلق ينحصر دورها في إمداد العديد من الدول الأفريقية باحتياجاتها من المعدات والأسلحة، إضافة إلى تقديم المنح التدريبية للعسكريين الأفارقة في المجالات العسكرية المتنوعة.

(ب) أن الصين شاركت منذ عام 2004 في قوات حفظ السلام (567 عنصر عسكري) في الكونغو الديمقراطية، وفي ليبريا وساحل العاج وجنوب السودان وبوروندي، وبين أثيوبيا وإريتريا، وإقامة تعاون عسكري محدود مع السودان والكونغو الديمقراطية وأثيوبيا، إضافة لمساندة عمليات إزالة الألغام في أثيوبيا وإريتريا، وعدد آخر من الدول الأفريقية، ولعل استثماراتها الكبيرة في مجال النفط بالقارة يفسر مشاركة الصين في عمليات حفظ السلام بالقارة لا سيما السودان.

هكذا تبدو التحركات الصينية في القارة مستقرة ومتطورة حفاظاً على مصالحها الحيوية (النفط التجارة) وتهيئة دورها المستقبلي الذي يرشحها أن تكون إحدى القوى الواعدة للنظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب، واضعة في حسبانها عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول القارة، وهو ما يجعلها أكثر قبولاً من الآخرين.

(2) توظيف الأداة الأمنية

تواجه بكين أيضاً دوراً أكثر نشاطاً في المجالات الأمنية. كما تسهم الصين بجنود من الشرطة للمشاركة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وفيما يتعلق بأفريقيا، فق زادَ عدد هؤلاء الجنود عشرة أضعافَ عما كان عليه في عام 2001. فابتداء منْ مايو 2007، قّدمتْ الصين أكثر من 1,800 من الجنود، والمراقبين العسكريين والمدنيين، ورجال الشرطة للمشاركة في عمليات حفظ السلام التابع للأمم المتحدة الحالية. وقد عملت ثلاثة أرباع قوّات حفظ السلام الصينية الداعمة لبعثة الأمم المتحدةَ في أفريقيا (في كل من ليبريا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والسودان).

ج. الأداة الدبلوماسية

على الجبهة الدبلوماسية، تسعى بكين وبتصميم لإكْمال عملية إزالة الروابط الثنائية بين تايوان وعدد ضئيل منْ العواصم الأفريقية، والتَعجيل بالدخول إلى أفريقيا لتدَعْيم الولاءات العالمية لها، بحسبان أفريقيا قائدة للعالم النامي. والأكثر أهميةً في هذا الشأن، إن نظرة بكين إلى أفريقيا تتلاءم وتدخل مباشرة ضمن السياسة الخارجية الصينية العالمية، وتتكامل مع منظومة سياساتها في كل من جنوب شرق آسيا، ووسط آسيا، وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط. ويدخل هذا في سياق طموح بكين الإستراتيجي لتَقَدُّم "مفهوم جديد للأمن " الذي يُمْكنُ بموجبه أن تَضْمنَ الصين الارتفاع السلمي في ترتيب مكانتها الدولية قوَّة عالمية عن طريق تَقوّية علاقاتها مَع الجيران الرئيسيين والمناطق ذات الأهمية لها. ومن خلال النظرة التَقْويمية الشاملة، وتنطلق الصين في هذا الشأن من سعي دؤوب لتحمل مسؤولية القيادة وانتهاج التطويرَ المستمر والعمل من أجل الاستقرار السياسي الداخلي، وتوظيف ميراثها التاريخي وعلاقاتها المتنوعة للارتقاء بالصين ضمن المجموعة الدولية، وذلك في ظل هدفَها الطويل المدى الرامي إلى إقامة نظام دولي "ديمقراطي" وعادل ومتعدّد الأقطاب.

وفي إطار هذا التوجه الدبلوماسي العام فقد أشار رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو خلال حديثه أمام المؤتمر الوزاري الأفريقي الثاني بأديس أبابا في عام 2003 إلى أن الصين هي أكبر دولة نامية، وأن أفريقيا هي أكبر قارة نامية. لذلك فإن التعاون الصيني ـ الأفريقي جزء لا يتجزأ من التعاون بين الجنوب ـ الجنوب. وأن السياسة الثابتة للحكومة الصينية هي تدعيم التضامن والتعاون مع الدول الأفريقية والدول النامية الأخرى. وأضاف أن الصين مستعدة للعمل مع الدول الأفريقية من أجل مواصلة تطوير وتدعيم نمط الشراكة الجديدة الذي يتسم بالاستقرار طويل الأجل، والمساواة، والمنفعة المتبادلة، والتعاون الشامل لجعل هذه الصداقة قدوة للتعاون بين الجنوب ـ الجنوب. وأن التعاون الصيني ـ الأفريقي يجب أن يتجسد في المزيد من الأعمال والمصالح المشتركة، ويجب أن يسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الأفريقية، وفي جهودها لتحسين مستوى معيشة شعوبها. ووفقاً لهذا التصور فإن الصين تري إمكانية تعزيز العلاقات الصينية ـ الأفريقية من خلال التركيز على ما يلي:

(1) تعزيز تنمية الصداقة التقليدية بين الصين وأفريقيا عبر الدعم المتبادل

تتحرك الحكومة الصينية نحو مواصلة توسيع التبادلات عالية المستوى بين الجانبين، وإعطاء قوة دفع جديدة للعلاقات الودية الصينية ـ الأفريقية، ولآلية منتدى التعاون الصيني ـ الأفريقي من خلال اجتماعات وحوارات دورية على مستوى القادة. كما ساندت الصين الدول الأفريقية في إقامة الاتحاد الأفريقي، وتطبيق برنامج الشراكة الجديدة من أجل التنمية في أفريقيا (نيباد)، وتعزيز التكامل والتعاون الإقليمي وشبه الإقليمي. وتواصل الحكومة الصينية حث المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة، على اتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لدعم الدول الأفريقية والمنظمات الإقليمية في جهودها لتسوية الصراعات. وكذلك تواصل الصين المشاركة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في أفريقيا، وتقديم المساعدة لجهود حفظ السلام التي تتولاها المنظمات الأفريقية الإقليمية.

(2) تعزيز الديمقراط في العلاقات الدولية من خلال تكثيف التشاور

تروج الصين بأن لديها ذات الأهداف والمصالح التي تسعى أفريقيا إلى تحقيقها وخصوصاً فيما يتعلق بتعزيز الديمقراطية في العلاقات الدولية. وتأييد موقف أفريقيا حول التعددية، ووجوب تكثيف المجتمع الدولي للمشاورات، والعمل من أجل المحافظة على عالم متنوع، وتسهيل التبادلات والتباري بين الحضارات وأنماط التنمية المختلفة. وتأييد الالتزام بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وحماية منظمة الأمم المتحدة، ودورها في معالجة القضايا الدولية الرئيسة. وترى الصين أنها وبصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، فهي تحرص على الوقوف إلى جانب قضايا الدول النامية في أفريقيا وأجزاء العالم الأخرى، وتدعم مطالبها المشروعة ومقترحاتها العملية.

(3) المواجهة الجماعية لتحديات العولمة من خلال تنسيق المواقف

ترى الصين أن على الدول النامية أن تستفيد من العولمة بدلاً من أن تهمش. كما يجب على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات لمساعدة تلك الدول في التغلب على الصعوبات، وتعزيز قدراتها على تحسين الذات، وحماية البيئة، والتنمية المستدامة. وأنه على الدول المتقدمة التزام ومسؤولية بفتح أسواقها أكثر وإلغاء الحواجز التجارية والدعم الزراعي، والوفاء بإخلاص بتعهداتها تجاه الدول النامية، من خلال تقديم المزيد من المساعدات والإعفاء من الديون. كما ترى الحكومة الصينية أنها تدعم و تشارك بنشاط في حوار الشمال- الجنوب، وتعمل على تنسيق مواقفها مع الدول الأفريقية في عملية صياغة القواعد الاقتصادية الدولية، ومفاوضات التجارة متعددة الأطراف، بغرض حماية الحقوق والمصالح المشروعة للدول النامية.

(4) تنمية العلاقات الودية الصينية ـ الأفريقية من خلال تعزيز التعاون

من أجل تسهيل التعاون العملي بين الصين وأفريقيا، تتحرك الحكومة الصينية تدريجياً نحو زيادة المساعدات التي تقدمها لأفريقيا في إطار منتدى التعاون الصيني ـ الأفريقي. وكذلك التحرك نحو فتح أكبر للأسواق الصينية، وبدون رسوم لبعض السلع القادمة من الدول الأقل تقدما في أفريقيا. وأيضاً زيادة استثمار رؤوس الأموال في صندوق تنمية الموارد البشرية الأفريقي بنسبة 33%، وتوفير مختلف أنواع التدريب المهني للأفارقة. وتشجيع وتسهيل التعاون ذي المنفعة المتبادلة بين الشركات الصينية والأفريقية، وكذلك تشجيع الشركات الصينية على الاستثمار في أفريقيا.

وفي إطار تطوير أدواتها الدبلوماسية في التعامل مع الدول الأفريقية ركزت الصين على ما يعرف بالدبلوماسية الصحية "Heath Diplomacy" وهي تقوم على تَأسيس علاقة بين فرق الأطباء الصينيين وملايين الأفريقيين العاديين، وذلك من خلال الدعم الحكومي الصيني المباشر أو من خلال الرعاية الصينية للبرامج الطبية والصحية ذات الصلة بمواطني الدول التي تقيم معها علاقات دبلوماسية، وهو الأمر الذي تكسب بفضله امتنان العديد منْ الزعماء الأفريقيين المتلهّفين لإشباع هذه المصلحة العامة عند مواطنيهم. كما تُزوّدُ الصين أيضاً عدداً من البلدان الأفريقية ـ فضلاً عن الفرق والبعثات الطبّية ـ بالأجهزة الطبية المجّانية، وتقوم بتنفيذ برامجُ طبية نشيطةُ للوقاية ولمقاومة الأمراض المعدية مثل الملارياً ومرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز).

وفي عام 2002، أجرتْ وزارة الصحة الصينية دورتين تدريبيتين دوليتين في تقنيات الوقاية ومعالجة الملاريا والأمراض الاستوائية، شارك فيها 30 متدرب منْ 17 بلد أفريقي (دورة تدريبية دولية أولى للسيطرة على مرض الملاريا، في 10 سبتمبر 2002). وفي تلك السَنَة نفسها، أقيم منتدى الطبّ التقليدي والمواد الصيدلانية حضره مشاركون منْ 21 بلداً أفريقياً (تحت رعاية جمعية الصحة العالمية، في 31 أكتوبر 2002). ومنذ أن أرسلت الصين أول فريق طبي لها في عام 1964 إلى دولة أفريقية بدعوة من الحكومة الجزائرية. ظلت ترسل فرقاً طبية إلى دول أفريقية أخرى دورياً وبلغ مجموع عناصرها أكثر من 15 ألف طبيب إلى أكثر منْ 47 دولة أفريقية وعالجتْ تقريباً 180 مليون من المرضى الأفريقيين وفي عام 2003، أرسلت الصين ما مجموعه 860 من المتخصصين الطبيين موزعين على 35 فريقاً طبياً إلى 34 دولة أفريقية. وهو ما يعني بالنسبة للصين توظيف القطاع الطبي الصيني للقيام بمهام دبلوماسية غير مباشرة أو لتعزيز مهام بعثاتها الدبلوماسية في تلك البلدان.

رابعاً: التحديات التي تواجه الوجود الصيني في أفريقيا

1. التنافس الدولي في المنطقة

تعد الصين إحدى أهم القوى الدولية الواعدة وأحد أقطاب النظام الدولي المنتظر أن يكون متعدد الأقطاب، وللصين سياسة هادئة ومستقرة في القارة على مدار الخمسين عاماً الماضية من منظور تقديم نفسها وحتى الآن على أنها إحدى دول العالم الثالث النامي في محاولة منها للحصول على موطئ قدم لها في القارة إلى أن نجحت في ترسيخها، وذلك من منطلق استعدادها الدائم لمساعدة الدول المستقلة لتوطيد هذا الاستقلال فإلى جانب الأسلحة والتدريب الذي قدمته لبعض حركات التحرير الأفريقية إبان عصر القطبية الثنائية ركزت الصين في أفريقيا على إقامة عدد من المشاريع الكبرى مثل خط السكك الحديدية بين زامبيا وتنزانيا والذي يخدم عدة دول، وكذلك في تمويل إقامة منشآت رياضية ضخمة أو مراكز كبيرة للمؤتمرات (مصر والسودان ودول أخرى)... إلخ.

وفي أحيان كثيرة كانت تقدم مثل هذه المشروعات منحاً دون مقابل أو بمقابل رمزي. وفي العقد الأخير وبعد انتقال بكين إلى ما يشبه النظام "الرأسمالي" في الاقتصاد والانفتاح الكبير على العالم، تخلت الصين عن سياسة إقامة المشروعات الكبيرة في أفريقيا وبدأت تركز على العلاقات التجارية ولذلك شهدت الصادرات الصينية إلى أفريقيا طفرة هائلة في السنوات الأخيرة حتى وصلت إلى أكثر من 20 مليار دولار في عام 2005. كما انتهى عصر إقامة المشروعات الضخمة منحاً دون مقابل مع استمرار تقديم المساعدات في مجال الخبرات الفنية والمشروعات الصغيرة. وإلى جانب ذلك عملت الصين على تدعيم علاقاتها الأفريقية بدافع التنافس مع حكومة "تايوان" التي استغلت حاجة بعض الدول الأفريقية للمساعدات، لدفعها إلى الاعتراف بها.

وعلى الرغم من الاهتمام الواضح الذي توليه الصين للعلاقات والشراكة مع أفريقيا عموما ومنطقة القرن الأفريقي على وجه التخصيص، وفي ظل الحرص الصيني على ضرورة استمرار وتعزيز تلك العلاقات، فإن هناك العديد من التحديات التي تواجه الوجود والتوسع والنفوذ الصيني هناك، فالجهود والمساعدات المختلفة والمستمرة سواء في المجالات الدبلوماسية والسياسية أو في المجالات الاقتصادية والعسكرية وغيرها، ليس بإمكان الصين التنازل عنها أمام الاندفاع والتوسع الأمريكي المتنامي، أو أمام حسابات التنافس الدولي ولا سيما الأمريكي والأوروبي وأن يكون كل هذا على حساب الصين، ولذلك فإن هذا يعد أحد التحديات التي تواجه مطامح الصين وسياساتها وتحركاتها في الوقت الراهن.

2. رد الفعل الأمريكي على التدخل الصيني في القرن الأفريقي

تمثل ردود الأفعال للولايات المتحدة الأمريكية على تنامي الاهتمام والحضور والتوسع الصيني في منطقة القرن الأفريقي واحدة أيضا من أهم التحديات التي تواجه السياسة الصينية في تلك المنطقة ويمكن الإشارة إلى بعض جوانب ردود الأفعال تلك كالتالي:

أ. تشجيع اتخاذ إجراءات محددة إزاء السياسات الصينية

في مؤشر على الاهتمام الأمريكي بالصعود الصيني، قام الكونجرس الأمريكي، في أكتوبر 2000، بإنشاء "لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية الأمريكية ـ الصينية" U.S.- China Economic and Security Review Commission (USCC، كي تكون أداة لمتابعة ودراسة واقع العلاقات التجارية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، وانعكاس تلك العلاقات على الأمن القومي الأمريكي والمصالح الأمريكية. وتقوم اللجنة برفع اقتراحاتها وتوصياتها إلى الكونجرس، سواء فيما يتعلق بالتشريعات والقوانين أو فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية ذات الصلة. ويتركز عمل اللجنة في ثماني مجالات أساسية، هي: الانتشار النووي، التحويلات الاقتصادية، الطاقة، أسواق رأس المال الأمريكية، التطورات الإقليمية الاقتصادية والأمنية، البرامج الثنائية الأمريكية- الصينية، الالتزام الصيني بقواعد واتفاقات منظمة التجارة العالمية، وأخيرا القيود المفروضة على حريات التعبير والنفاذ إلى المعلومات في الصين. وتقوم اللجنة بإصدار تقرير سنوي حول تلك القضايا، يرفع إلى الكونجرس.

وقد أشار رئيس اللجنة، "لاري ورتزل" Larry Wortzel، في المؤتمر الصحفي الذي عقد بمناسبة صدور التقرير الأخير للجنة الذي قدم إلى الكونجرس، في 16 نوفمبر 2006، إلى أن "اللجنة تعتقد أنه في الوقت الذي تعد فيه الصين فاعلا عالميا، إلا أن شعورها بالمسؤولية لا يتناسب مع قوتها المتنامية". ويطرح التقرير عددا من التوصيات للكونجرس الأمريكي في ستة مجالات مختلفة، أهمها العلاقات التجارية الثنائية بين الصين والولايات المتحدة، والأنشطة الصينية على المستويين الإقليمي والعالمي، والقضايا الصينية الداخلية مثل السيطرة على الإعلام والمعلومات. وتطرح اللجنة تقييما شديد السلبية لمعظم السياسات الصينية. وذهب "ورتزل" إلى أن اللجنة "كانت تأمل أن تقوم الصين بتوظيف موقعها داخل مجلس الأمن ونفوذها السياسي والمتنامي في آسيا وأفريقيا وباقي الأقاليم الأخرى، للتعامل (بمسؤولية) مع الكثير من المشكلات الخطيرة، إلا أن ذلك لم يحدث".

وتدعو اللجنة الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات محددة إزاء السياسات النقدية الصينية وسياسات العملة، والتي لا تسمح بتعويم أو تحرير العملة الصينية في الأسواق الدولية، والمضي قدما في الانتقادات الأمريكية حول حقوق الملكية الفكرية في الصين وإثارة تلك القضية بقوة بسبب فشل الصين في دعم تلك الحقوق. كما تنصح اللجنة الإدارة الأمريكية بإثارة قضية حريات الإعلام والإنترنت والتأكيد على أن مسألة اعتقال الصحفيين بسبب نشر معلومات لا ترضى عنها الحكومة الصينية يثير استياء المجتمع الدولي. ويتناول التقرير قضية العلاقات الصينية مع أفريقيا، خاصة فيما يتعلق بالصراع في إقليم دارفور السوداني. ويؤكد التقرير في هذا الإطار على حاجة الولايات المتحدة للوصول إلى تسوية لهذا الصراع ووقف عمليات الإبادة والتطهير الجارية في الإقليم وتوفير الأمن وحقوق الإنسان الأساسية للسكان المتضررين.

ب. تنامي القلق الأمريكي من المساعدات الصينية

هناك قلق كبير في واشنطن حول التسهيلات التي تقدمها الصين لأفريقيا في مجال المساعدات، والتي لا تقيد مطلقا بأية شروط أو أبعاد إنسانية أو سياسية؛ إذ ترفض الصين ترفض ربط علاقاتها الاقتصادية مع القارة سواء بسجلات حقوق الإنسان أو الديمقراطية على نحو ما تفعل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية. وقد أصبحت هذه السياسة الصينية سياسة رسمية بالفعل بعد أن أعلن رئيس الوزراء الصيني "وين جياباو" Wen Jiabao أثناء القمة الصينية ـ الأفريقية الأخيرة أن "المساعدات الصينية لأفريقيا هي مساعدات مخلصة، غير أنانية وغير مشروطة".

ويشير تقرير "لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية الأمريكية ـ الصينية" إلى أنه في ضوء الارتباط والعلاقة الإيجابية الواضحة بين النمو المتسارع للنفوذ الدبلوماسي للصين من ناحية، وتزايد معدلات النمو الاقتصادي والأهمية الاقتصادية للصين من ناحية أخرى، يجب أن تتشكك الولايات المتحدة في مصداقية إعلان الصين التزامها بمسؤوليتها الجيو ـ سياسية، وأنه في ضوء تصاعد النفوذ الصيني في مختلف الأقاليم، فإن دعم الصين للنظم القمعية والدول المارقة، واحتمال تحولها إلى قوة موازية للولايات المتحدة في النظام الدولي، هي قضايا يجب أن تكون موضع اهتمام الولايات المتحدة وقلقها.

ج. موقف الكونجرس الأمريكي من التواجد الصيني بمنطقة القرن الأفريقي

يتناول تقرير "لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية الأمريكية ـ الصينية قضية العلاقات الصينية مع أفريقيا، خاصة فيما يتعلق بالصراع في إقليم دارفور السوداني. ويؤكد التقرير في هذا الإطار على حاجة الولايات المتحدة للوصول إلى تسوية لهذا الصراع ووقف عمليات الإبادة والتطهير الجارية في الإقليم وتوفير الأمن وحقوق الإنسان الأساسية للسكان المتضررين؛ إذ يؤكد التقرير في هذا المجال أن السودان تمثل أحد الأمثلة البارزة لطبيعة المنهج الصيني في أفريقيا، وإحدى القضايا التي تثير اهتمام الحكومة الأمريكية وقلقها بصرف النظر عن الخطوط والتوجهات الحزبية.

وقد ذهبت كارولين بارثولوميو Carolyn Bartholomew، نائب رئيس "لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية الأمريكية ـ الصينية"، في مداخلتها بمؤتمر معهد "أمريكان انتربرايز" إلى أن الصين "ترغب على ما يبدو في التعامل مع الدول المارقة للحصول على النفط في موازنة النفوذ الأمريكي". وأضافت "بارثولوميو" أنه لا توجد علاقات ثنائية هدامة في القارة الأفريقية أكثر من العلاقات الصينية- السودانية، سواء بالنسبة للمصالح الأمريكية أو بالنسبة لمصالح الشعب السوداني".

لكن يلاحظ أنه وإزاء العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على السودان عام 1997، أصبح المجال واسعاً أمام الصين، للاستثمار في مجال النفط السوداني. ولذلك تمتلك شركة النفط الوطنية الصينية نحو 40% من أسهم شركة بترول أعالي النيل، والتي تسيطر على اثنين من أهم حقول النفط في ولاية أعالي النيل. وتعد كل من مصر والسودان من أهم الشركاء التجاريين للصين في منطقة دول حوض النيل، والقرن الأفريقي، كما أن للصين استثمارات في بعض دول المنطقة ولا سيما السودان في مجالات النفط خاصة والكونغو الديمقراطية في مجال استخراج المعادن خاصة مثل النحاس والكوبالت وكذلك في مجال الطاقة الكهرومائية.

3. المعارضة الأفريقية والدولية للسياسة الصينية

أ. المعارضة الأفريقية للسياسة الصينية في أفريقيا

تواجه الصين بعض التحديات التي تتعلق بمعارضة بعض جماعات المصالح داخل بعض الدول الأفريقية ـ ومنها زيمبابوي وناميبيا وغيرها ـ للسياسة الصينية الرامية إلى إغراق الأسواق الأفريقية بالسلع الصينية رخيصة الثمن والتي تهدد الصناعات المحلية في الدول الأفريقية من ناحية، كما أنها تهدد مصير الآلاف من العمال الأفارقة الذين يعملون في تلك المصانع والمؤسسات الصناعية الوطنية الأفريقية، كما أن هذا السلوك الصيني يُثبّطُ من عزيمة الاعتماد والاكتفاء الذاتي من التصنيع الأفريقي.

بالإضافة إلى ذلك فإن الصين تواجه العديد من العقبات التي ترتبط باللغة، والثقافة، والدين والتحيّز الإثني. وهذا الأمر يفرض على الصينيين من أجل أن يتعاملوا على نحو واسع في أفريقيا، أن يتعلم سفراؤها ودبلوماسيوها، ورجال الأعمال، والتقنيون، والأطباء، وجنود حفظ السلام وغيرهم اللغاتَ السائدة في أفريقيا- مثل الإنجليزية والفرنسية والعربية- لكي تكُونَ سياستها أكثر فاعلية وأكثر اندماجاً مع الواقع الأفريقي على مستوياته المختلفة.

ب. المعارضة الدولية للسياسة الصينية في أفريقيا

تواجه الصين العديد من الاتهامات الدولية من جانب الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية الأخرى بقصور الشفافية الصينية، ومن ثم فإن هناك ضغوط متزايدة أيضاً على الصين تتمثل في ضرورة امتثالها لاعتناق الشفافية وضرورة العمَلُ بتَنسيق أوسع في مجالات تقديم التبرعات والمساعدات في أفريقيا، وضرورة مراجعة الممارسات الصينية المتعلقة برَبْط القروض بالصادرات السلعية لأفريقيا وهو الأمر الذي يبدو متناقضا مع مجموعة ممارسات الإقراض الحالية، على ضوء ما تقوم به اتفاقيات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

يلاحظ في أواخر 2006، إن مصرف الاستثمار الأوروبي وصندوق النقدي الدولي حذّرَا الصين من تنامي وضعها دائناً رئيساً في مجال الديون الجديدة الواقعة على البلدان الأفريقية. وهو الأمر الذي دفع الرئيس السابق للبنك الدولي بول وولفويتز Wolfowitz إلى الإعلان، في 14 أكتوبر 2006، أن واشنطن تدعو الدول الدائنة إلى مبادرة تتضمن الإعفاء من الديون المتراكمة على الدول الأفريقية والتي تبلغ قيمتها 31 بليون دولار أمريكي وفقاً لمقررات مؤتمر قمّة مجموعة الدول الثماني الكبرى الذي انعقد في جلنجلس Gleneagles باسكوتلندا عام 2005. فضلاً عن ذلك فقد وصفت وزارة الخزانة الأمريكية الصين "دائناً خبيثاً "يُزاولُ" إقراضاً انتهازياً".

ويبدو أن جزءاً كبيراً منْ المخاوف الغربية المتعلقة بممارسات الإقراض الصينية تَنْجمُ عن عدم دقة البيانات والمعلومات المعلنة من جانب الصينيين، فيما يتعلق بالتبرعات والمساعدات والقروض وحجم الاستثمارات وطبيعة الآليات الثنائية والمتعددة الأطراف التي تستخدمها الصين في إطار علاقاتها مع الدول الأفريقية، وربما يكون ذلك أحد الأسباب التي دفعت بنك التصدير والاستيراد الصيني لتوقّيعَ مذكّرة تفاهم مع البنك الدولي في مايو 2007، تتعلق بتُحسّينُ التعاونَ في مجالات وفي مشاريع استثمار الطاقةَ والطرقَ في دول مثل أوغندا وغانا وموزمبيق، وقد اعتبر البنك الدولي السلوك الصيني بأنه خطوة في الاتجاه الصّحيح لأَنْ تُصبحَ الصين ممثلاً مهماً ومؤثراً في النظام الدولي، وأن تكون واحداً من الدائنين الجيدين والمتبرعين للدول الأفريقية ومن ذوي السمعة الحسنة عالمياً.

ويُركّزُ الأمريكيون في انتقادهم للسياسات والممارسات الصينية على أنها لا تفسر إلا على ضوء مساعي الصين لتوسيع مناطق نفوذها وللحصول على الطاقة. ويجادل البعض من الأمريكيين بأنّ الارتباط الصينيَ بأفريقيا والسياسات والممارسات ذات الصلة به هو بالدرجة الأولى يشكل تهدّيداً مباشراً للمصالح الأمريكية، وهؤلاء يلحون في الدعوة لضرورة مجابهته وإدانته واحتوائه. وفي هذا الخصوص فقد اصطَفّت العديد من جماعات ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان غير الحكومية، وَشرعت في الضغطَ الحادَّ على الحكومة الأمريكية لحملها على اتخاذ الإجراءات التأديبية الحاسمة ردَّاً على السياسات والمواقف الصينية في أفريقيا.

4. توجهات السياسة الصينية الراهنة تجاه أفريقيا

تشير توجهات السياسة الدولية الحالية – ولا سيما لدى صانعي القرارات والسياسات ومتخذيها من الغربيين- إلى الإقرار بأن الصين سَتُصبحُ إحدى القوى الدولية الرئيسة الفاعلة في أفريقيا، وهو الأمر الذي يمثل تحدياً حقيقياً ليس للأهداف والمصالح الأمريكية والأوروبية التقليدية فحسب، وإنما أيضاً للمشروع الغربي العالمي الرامي إلى الترويج والنشر للديمقراطية وحقوق الإنسان، والذي لا ينال اهتماماً صينياً في إطار تعاملها مع دول أفريقيا، وهو الأمر الذي يلقى قبولاً واستحساناً من جانب العديد من الأنظمة الحاكمة في تلك الدول الأفريقية.

وعلى هذا الأساس يتنامى النشاط الصيني داخل القارة، وهذا الوضع يسترعي انتباه الولايات المتّحدة والدول الغربية الأخرى واهتمامها. والدليل على هذا النشاط الاقتصادي المتنامي أنه مع نهاية عام 2005 بدأت الصين تظهر على نحو واسع أنها الشريك التجاري الثالث، والأكثر أهميةً بعد الولايات المتّحدة وفرنسا وقبل المملكة المتّحدة. وأن هذا التطور المتسارع في علاقات بكين الاقتصادية ومصالحها بأفريقيا يستند على ثلاثة عوامل:

الأول: الرؤية الاقتصادية الكليَّة الصينية للحالة ولمجمل الأوضاع في أفريقيا، والتي ترى أنها تَأْخذُ منعطفاً جيّداً. وتستند هذه الرؤية وهذا التحليل على الاعتقاد بأن تلك البلدان الأفريقية تتَبنّى مجموعة من الإجراءات النشيطة والمتواصلة للدفع وللإسراع بالخصخصة، وهو الأمر الذي يمثل انفتاحاً على التجارة الدولية، وأن هذا سيساعد على إصلاحُ اقتصادياتهم. وتعتقد الصين أن مثل هذا الوضع يتيح فرصُاً عظيمةُ للشركات الصينية.

الثاني: المنتجون الصينيون وأصحاب الأعمال الذين يقدمون أنواعَاً شتى من السلع رخيصة الأثمان ومقبولة الجودة ويروجون لها وممكن بيعها بكميات هائلةُ في أفريقيا، لملامستها مستويات دخول الغالبية العظمى من السكان داخل تلك الدول، وفي ذات الوقت تشبع ميولهم وحاجاتهم الاستهلاكية، وذلك على عكس المنتجات الغربية.

الثالث: إصرار الصينيين وسعيهم الدؤوب والمتواصل لضمان الوصول إلى المصادر الطبيعية الوفيرة، من النَفط الخامّ، والمعادن، والثروة السمكية وغيرها من الموارد التي تراها الصين ضرورية ولازمة لعملية التصنيع.

ويرى الأمريكيون أن ارتباط الصين بأفريقيا هو نوع من الارتباط التوسّعي، وأنه يتسم أيضاً بتزايد نفوذها، وهو ما يمثل حقيقة جديدة معقّدة ومتعدّدة الأبعاد، حيث إن السياسةَ الصينيةَ الحريصة على البقاء في السودان، ومن أجل نفطه تحديداً زاد من تعقيدات مواقفها تجاه النظام الحاكم السوداني من ناحية، وتجاه المجتمع الدولي من ناحية أخرى،. بالمقابل، هناك ميل بين المحافظين الصينيين لمُجَادَلَة الولايات المتّحدة والبلدان الغربية الأخرى التي تُحاولُ مجرّد إجبار الصين على الخروج من السودان وأَنْ تُنفرد هي بنفطه، وأَنْ الدليل على ذلك سياسات وسلوكيات الولايات المتّحدةَ من قبل في التعامل مع غينيا الاستوائية ومنطقة خليج غينيا، وأنجولا وغيرها من الدول والمناطق التي ظهرت بها اكتشافات بترولية، ومن ثَم فإن موقفها تجاه السودان لا يمكن تفسيره إلا من خلال تلك المعطيات التي توضح نزعتها الاستبدادية في علاقاتها الدولية.

ويلاحظ بصفة عامة أن الولايات المتحدة وعلى الرغم من أنها تولي اهتماماً كبيراً لعلاقات الصين بأفريقيا بحسبانها أحد المنافسين لها في أفريقيا، إلا أنها على ما يبدو تنظر إلى تلك العلاقات أنها لا تمثل تهديداً مباشراً لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة؛ إذ إن تلك العلاقات على مستوياتها المتنوعة السياسية منها والاقتصادية وغيرها تعد بسيطة، ولا تشكل تهديداً حقيقياً لها، ومع ذلك فإنها تتحفظ بشأن تنامي تلك العلاقات مستقبلياً، ومن ثم فإنها تتعامل بحذر وبحرص تجاه تلك العلاقات.