إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي






إندونيسيا
ليبيا
مدينة أريحا
إيطاليا
مشروع التقسيم
المملكة الأردنية الهاشمية
الأماكن المقدسة
الهند
الباكستان
الجمهورية اللبنانية
الجمهورية العربية السورية
الجزائر
الشرق الأوسط
العراق
القدس القديمة
تونس
تركيا
جمهورية مصر العربية
دولة الكويت
Jerusalem's Holy places
فرنسا



ملحق

ملحق

حديث الرئيس بورقيبة إلى أعضاء المكتب القومي للطلبة الدستوريين

 

سؤال حول موقف الرئيس من قضية فلسطين. جواب فخامة الرئيس

إني لم أذهب إلى الشرق من أجل قضية فلسطين. ولكن بعض الإخوان، أبوا إلاّ أن يطلعوني على حالة، أثارت شفقتي. وبما أن طبيعتي أبعد ما تكون عن اللف والدوران، فقد أبَيت، لِما عرفت به من جدية، أن أنساق في تيار التدجيل، الذي كان الإخوان الفلسطينيون ضحيته منذ عشرين سنة، لم تزدهم إلاّ تعاسة، ولم تكفِ لحمل المخطئين على التراجع عن خطئهم. وهكذا، فتحت صدري لهؤلاء الإخوان، وقلت لهم إن هذا الحماس، الذي لمسته، وهذه المناداة بالعودة إلى الديار والرجوع إلى الوطن السليب، أمر مرغوب فيه. فإن هذا الحماس أشبه ما يكون بالمحرك، لكن لا بد من عقل لتوجيه قوة هذا المحرك وطاقته، في سبيل الهدف. وهذه الطريقة الفعالة، لم يستطيعوا تصورها، ولم يقبلوا دعوتي إلى اتّباعها لمضايقة إسرائيل، بل اكتفوا بشتم الصهاينة وسبّهم. وقد أكّدت لهم، أنني أوافقهم على أن إسرائيل جديرة بكل ما يوجهون لها من شتم وسباب، ولكن، أي جدوى من هذا الشتم؟ وماذا جنينا من ورائه، خلال سبع عشرة سنة؟

وهكذا، بينما أحدثهم عن الطريقة المؤدية إلى الهدف، يأبون إلاّ أن يقفوا عند الهدف، وأن يسترسلوا في التشكي والتظلم.

ولو وقفنا مثل هذا الموقف، وانتظرنا الاستقلال، وامتنعنا عن مفاوضة فرنسا، ما لم تخرج من بلادنا، لَما أمكن أن تخرج، فعلاً. ولكننا تحايلنا عليها، وأخذنا نحاورها ونداورها، واعتمدنا ما يقره القانون الدولي، وما أمضت عليه فرنسا نفسها، في معاهدة باردو، من أن الحماية وضع وقتي، شبيه بالوصاية، وأنه يهدف إلى الأخذ بيد الدولة المحمية، حتى تتقدم، وتصبح دولة عصرية، لا إلى ابتلاعها وإرهاقها وتسليط وسائل العنف عليها. وهكذا اعتمدنا في كفاحنا الجدل المنطقي، من جهة، والقوة الشعبية، من جهة ثانية. وأمّا الإخوان في الشرق، فقد وقفوا عند المناداة باستقلال فلسطين، وأبَوْ أن يقبلوا النصيحة، التي تساعدهم على تحقيق الاستقلال. ذلك أنهم يعانون نفسية، كتلك التي عرفت تونس، منذ 30 سنة، ولم يجدوا مَن يستنبط لهم حلاً لقضيتهم، ولو كانت هناك طريقة أخرى، لرحّبنا بها. ولكنهم يصرون على اتّباع تلك التي جربوها طيلة 17 سنة، دون جدوى. أمّا طريقتنا، فقد حققت خلال عشر سنين فقط، هذه النتائج الباهرة. وبينما كانت فلسطين على أبواب الاستقلال، إذ نزلت الدول العربية كلها الميدان من أجل تحريرها، كنّا نحن في المغرب، نخوض الكفاح بمفردنا، ومع ذلك، فقد استطعنا أن نتخلص من فرنسا. ورغم أنى أبديت استعدادي لاتّباع أية طريقة مجدية، فقد أبَوْا إلاّ أن يزعموا، أنني ضد فلسطين، وأنني مع اليهود. تلك هي نفسيتهم.

وأجاب الرئيس عن سؤال، يتعلق بالأخبار الرائجة حول التفاهم مع إسرائيل، فقال:

هذه الأخبار صادرة عن تل أبيب. وأعتقد أن الهدف منها هو التمويه على الرأي العام العربي، وتوريط تونس، بادعاء أنها ستتفاوض مع إسرائيل.

إنني لست زعيماً فلسطينياً. وقد أكّدت لإخواننا أنه لا يمكنني، نظراً إلى وضع تونس الجغرافي، أن أتزعم الحركة الفلسطينية، رغم العطف الأخوي، الذي أشعر به نحو إخواننا الفلسطينيين. على أنني أتمنى، أن تكون هناك نية طيبة، واتجاه لقبول الحل الوسط، الذي عرضته، أعني تطبيق كل مقررات الأمم المتحدة، بما فيها قرار التقسيم، الذي يمكّننا من مساحة شاسعة من الأراضي، التي بيد إسرائيل، وبما فيها، أيضاً، قرار عودة اللاجئين؛ فإن هذه القرارات مترابطة، وضرورية لإقرار التوازن.

أجل، إنني أتمنى أن تكون هناك نية صادقة لقبول هذا المبدأ، واعتماده أساساً للتفاوض، لكن الإسرائيليين، لم يعلنوا قبولهم، ولا رغبتهم في التفاوض، وإنما تظاهروا بميلهم إلى دعوة بورقيبة، لأنه أبدى رأياً معقولاً وموقفاً. وإذا كانوا يعتقدون هذا، فما عليهم إلاّ أن يتصلوا بالفلسطينيين، للتفاهم معهم حول هذا الرأي، الذي استصوبوه. إن شعور الإخوان العرب بفداحة مسؤولياتهم في هذه النكبة إذا أخرجوا الناس من ديارهم، بدعوى أنهم سينزلون جيوشهم في أرض فلسطين، جعلهم يغرقون في هذه الحرب الكلامية، التي تشنها الإذاعات. أمّا أنا، فقد أكّدت عزمي على عرض القضية في مؤتمر القمة، الذي تقرر انعقاده في الرباط عرضاً صريحاً. ذلك أنه لم يعد هناك مجال للتمويه والتهرب، إذا ما أعلنت إسرائيل استعدادها للتفاوض، على أساس المبدأ، الذي تقدم ذكره، والذي يمكّننا من جانب عظيم من الأراضي الفلسطينية، ومن إعادة اللاجئين إلى ديارهم، ويخفف، في الوقت ذاته، حدة الهلع من الحرب وسَورة العداء وشدة التوتر، ويتيح للجميع أن يتنفسوا الصعداء، وأن يظفروا بوضع أفضل من الوضع الحالي. وقد لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلى تغيير نظرة كل من العرب واليهود إلى بعضهم بعضاً، ويساعد على إيجاد جو يسُوده التعاون لفائدة الجميع.

ولا شك أن مثل هذا الوضع، أفضل بكثير من الوضع الحالي، الذي يقف فيه الطرفان، وجهاً لوجه، ويأبى كل منهما، أن يعترف بالآخر، بينما يتغلغل النفوذ الإسرائيلي في أفريقيا وآسيا. وهذا هو موقفي. فأنا لا أريد أن أفرض نفسي زعيماً للشعب الفلسطيني، وإنما دعاني إلى إبداء رأي في حل هذه القضية، شعوري العربي، وحساسيتي التي جعلتني أتألم للحالة، التي وجدت عليها الإخوان الفلسطينيين. ولو كنت ممن يحسبون حساب أنفسهم، لقلت لأولئك الإخوان ما يطربون لسماعه من العبارات المعسولة، التي تؤكد عودتهم، واستماتتنا جميعاً في سبيل تحقيق هذه العودة. لكني أبعد الناس عن مثل هذا السلوك الملتوي، القائم على التمويه والتضليل. إنه أفدح العيوب، أن نلقي في رَوع هؤلاء الإخوان المنكوبين، أننا سنحقق عودتهم، بينما لا توجد أية دولة، تعمل على تهيئة خطة هجومية لتحرير فلسطين، وإن تصريحات أركان الحرب والعسكريين العرب، تؤكد ذلك، إذ يقولون إنهم إنما يجمعون الأسلحة لرد العدوان الإسرائيلي المتوقع. لكن أي عدوان هذا الذي يتحدثون عنه؟ ألم تقم الدنيا في وجه إسرائيل، عند عدوانها الماضي؟ ألم تجبرها على النكوص على أعقابها؟

إن دول العالم، لم تترك الصهيونيين يعتدون على العرب، ولن تترك العرب يعتدون على الصهاينة. وهكذا، تتراكم الأسلحة، التي يجمعونها دون فائدة، وتتبدد الأموال، وتفشل خطط التنمية، بسبب الانقلابات والثورات والانتفاضات، ومن أجل مشكلة مغلوطة.

ونحن إنما ننادي باحترام مقررات هيئة الأمم المتحدة، لأنها تعود علينا بالفائدة، حتى لو رفضت إسرائيل هذا المبدأ. ذلك لان العدالة، تكون إلى جانبنا، ولأننا نكون أقوى حجة. إذا أشعلنا نار الحرب، فلا يخفى أن هناك مواقف سياسية، تحتد لتدعيم الكفاح المسلح، وتمكينه من سند قانوني، يجعله مقبولاً لدى الشعوب والرأي العام العالمي، وهكذا نأمن من أن يكون جميع الناس ضدنا.

أمّا إذا وافقت إسرائيل على هذا المبدأ، فعليها أن تتفاوض مع الفلسطينيين، الذين يهمهم الأمر. إنني أبديت رأيي بكل وضوح. ولكن بقي أن نعرف موقف اليهود من هذا الرأي. فإذا قبلوه، فالأمر واضح، كما تقدم. وإذا لم يقبلوه، فعلى أي أساس نتفاهم؟ وأي مبرر للذهاب إلى تل أبيب، أو للقدوم إلى هنا، لكي أُتهم اتهامات باطلة، ويفرغ من أمري، ليهدأ الجميع بالاً؟ فإني أبعد الناس عن ذلك.

أجل، إنني لو كنت زعيم فلسطين، لتفاوضت مع الإسرائيليين، كما تفاوضت مع فرنسا، كلما وجدت منها ميلاً إلى ذلك. ولقد حدث، عندما كنت في القاهرة، عام 1945، أن دعاني السيد لوكوي، سفير فرنسا هناك، فلم أتردد في الاتصال به، الأمر الذي أثار استنكار بعض الغرانطة المستقرين في مصر، مثل السيد الخضر حسين، الذي بعث لي من يشاورني في الأمر، ويوضح لي أن ما أبلغه عن ذلك الاتصال، يعد من قبيل التواتر، الذي يفيد القطع، وأن عدم اطّلاعه بنفسه على ذلك، يدعوه إلى التوقف، حتى لا يحرق قبره بيده. ولكنني أكّدت لذلك الذي جاء يشاورني، اتصالي بالسفارة الفرنسية، وتساءلت: أي حرج في ذلك، بعد السنوات الخمس، التي قضيتها في سجون فرنسا، والعامين اللذين أمضيتهما في المنافي؟ وأوضحت أنني سلمت للسفير لوكوي تقريراً حول مطالبنا الوطنية، وأن هذا التقرير، نال إعجابه، وجعله ينقلب على حكومته، ويذهب إلى فرنسا، لبيان وجهة نظره.

هكذا يقتضي الكفاح. أمّا أن أغلق باب داري، وأقيم فيها، على مقتي للفرنسيين، فلن أكون إلاّ كهذا الرجل، الذي ما كاد يفتح باب داره، في أول أيام الحماية، ويشاهد جندياً فرنسياً، حتى أغلق الباب، وعاد إلى عقر بيته، ولم يبارحه إلاّ إلى قبره.

إن طريقة كهذه، تصادف، بدون شك، هوى في نفس إسرائيل، خصوصاً وأنها تمكّنا من استغلال السباب والتهديد، اللذين توجههما إليها الإذاعات العربية، للحصول على مزيد من الأموال والأسلحة، بدعوى أنها مهددة بالخطر من قِبل العرب. أمّا الاتجاه المعقول، الذي يجلب لنا عطف الدول، فإنه لا يروقها. والأمر، هنا، شبيه بما حدث إبّان كفاحنا التحريري، إذ فضل كولونا جماعة الغرانطة[1]، رغم تطرفهم على بورقيبة، الذي أبدى استعداده لقبول الحكم الذاتي، عندما قدم مشروع النقاط السبع.

وإذا ثبت أن الأمر جد، فإننا مستعدون لمفاتحة الدول العربية في الموضوع، وطلب رأيها في الموقف، الذي ينبغي اتخاذه. على أنني أدرك، أن ليس هناك بينهم من يستطيع أن يتخلص من النزعة الغوغائية، ولا من الخوف، من أن يظهر أمام الرأي العام، أقلّ وطنية وغيرة على الفلسطينيين. ولهذا، فإني أشك في نجاح سعي مثل هذا. ولكنه، على كل حال، سعي قائم على أساس متين، وبعيد عما تريد أن توحي به هذه الأخبار، من الذهاب إلى إسرائيل، أو القدوم إلى تونس، للتحدث مع بورقيبة. فإن هذه الأمور، لا أساس لها من الصحة. ذلك لأن بورقيبة، لا يريد أن يكون طرفاً في الحوار، وما على إسرائيل، إذا وافقت على الرأي، الذي أبديناه، إلاّ أن تتصل بإخواننا العرب، لترى موقفهم من ذلك الرأي. ويمكن أن يتم مثل هذا الاتصال في روما، أو في أي بلد أجنبي. وهكذا، يمكن أن تجتمع عناصر من هنا وهناك، ويتم التفاهم مع عبدالناصر، ونصل إلى نتيجة، حَرية بتغيير وجه الشرق الأدنى.

ولكن أين نحن من هذا؟ فالإسرائيليون لا يقبلون التفريط في أي جزء من أرض يافا أو عكا أو الناصرة أو غيرها. والعرب متخوفون من بعضهم بعضاً، بحيث لا يستطيعون أن يتخلوا عن المواقف، التي عرفتم عيّنة منها في موقف الدكتور القمحاوي[2]، الذي لا يهمه إلاّ أن يقول ما تُملي عليه العاطفة الجموح، ثم يستريح، ويترك أهل البلاء في بلائهم، ولا يعنيه أن تتحرر فلسطين، بقدر ما يعنيه أن يظهر بمظهر المناضل في سبيلها. وهكذا، فهو لا يعترف بإسرائيل ويأبى إلاّ أن يردد، أن أرض فلسطين، لا تتسع لليهود، متناسياً أنها اتسعت لهم منذ 17 سنة، وأنهم مستقرون بها، دون أن يعبأوا بنا، ودون أن يأخذوا مواقفنا مأخذ الجد.

وجواباًعلى سؤال آخر، قال الرئيس

إن تصريحات عبدالناصر لصحيفة "رياليتيه"، حول القضية الفلسطينية، تفتقر إلى الوضوح، ذلك أنه اكتفى بذكر القرار، الخاص بعودة اللاجئين، حتى لكأن القضية انحصرت في هذه العودة، وكأن يريد أن يقول إننا مستعدون لقبول الحل، إذا مكّنت إسرائيل اللاجئين من العودة إلى ديارهم. وفي هذا من التعجيز ما لا يخفى، ذلك لأن إسرائيل، لا تقبل مثل هذه العودة، التي تعني حلول اللاجئين محلها.

ومن أجل ذلك، ملت إلى حل وسط، يضمن لنا عودة اللاجئين، ويضمن لها اعترافنا بوجودها داخل الحدود، التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة، داخل الأراضي، التي استحوذوا عليها إثر الغلطة الفادحة، التي ارتكبها العرب، عندما رفضوا مقررات المنتظم الأممي، مما جعل نصيبهم يتضاءل، ويصبح أقلّ مما أعطتهم الأمم المتحدة. وهكذا، فإن الحل يقتضي احترام مبدأ وجود إسرائيل، ويضمن لنا، في مقابل ذلك، ربحاً هاماً، يفوق الأرض والمدن، التي نسترجعها، إذ نتمكن من إعادة اللاجئين، ومن إيجاد وضع يسُوده التوازن، لفائدة العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص. وإنني أرى أن نتمسك بهذا المبدأ، وأن نترك الصهاينة يرفضون، فإن تمسكنا به، يدل على أننا تراجعنا في خطئنا، وعدنا إلى طريق الصواب. وفي هذا ما لا يخفى من مضايقة إسرائيل، ووضعها في موقف حرج لا تحسد عليه.       

 



[1]  هكذا وردت في نص الإجابة.

[2]  إشارة إلى كلمة الدكتور وليد القمحاوي، نقيب أطباء الأردن، التي ألقاها في المؤتمر الرابع للأطباء العرب، المنعقد في تونس، خلال شهر أبريل 1965.