إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي






إندونيسيا
ليبيا
مدينة أريحا
إيطاليا
مشروع التقسيم
المملكة الأردنية الهاشمية
الأماكن المقدسة
الهند
الباكستان
الجمهورية اللبنانية
الجمهورية العربية السورية
الجزائر
الشرق الأوسط
العراق
القدس القديمة
تونس
تركيا
جمهورية مصر العربية
دولة الكويت
Jerusalem's Holy places
فرنسا



ملحق

ملحق

رسالة الرئيس بورقيبة[1]

إلى الرئيس جمال عبدالناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة

أمّا بعد، فإن واجب الأخوّة، وواجب العروبة، يُمليان عليّ أن أخاطبكم في قضية عزيزة علينا جميعاً، كثيراً ما تبادلنا الرأي في شأنها، وكان يخيّل إليّ أنّا متفقان بخصوص النقط الجوهرية منها.

وإن ما توطد بيننا من روابط الأخوّة والتفاهم، أثناء مقابلاتنا العديدة، وبخاصة خلال زيارتي الأخيرة إلى الجمهورية العربية المتحدة، لَيجعلني أعتقد، أن الخلافات، مهْما تكن، يمكن التغلب عليها بالمنطق السليم والنية الطاهرة والعزيمة الصادقة.

وإن ما لقيته من شعب مصر، ومن شعوب المشرق العربي عامة، من إكرام وتبجيل، لَمرتسم في نفسي، ولن يمحي أثره مهْما تقلبت الأحوال. وإن ذلك لَدَين يضاف إلى واجبي، كعربي، فيُملي عليّ أن أفعل كل ما في وسعي لأجنب الشعوب العربية مغبة الانقسام والتناحر، في ظروف هم فيها أحوج ما يكونون إلى التكاتف والتضامن من أجل العمل الإيجابي.

ولقد زرت اللاجئين في المملكة الأردنية، ووقفت بنفسي على ما يقاسونه من حرمان وخَصاصة ومس في الكرامة؛ والعيان أقوى من ألف رواية. وكان في مقدوري أن أقول لهم ما تعودوه من كلام معسول، يثير حماسهم، ويكسبني إعجابهم وتأييدهم. ولكنى شعرت بأن الواجب، الذي لا يمكننا الإخلال به أو التغاضي عنه، هو مصارحتهم بما يعيد إليهم الشعور بأن مصيرهم بأيديهم، وأنهم مسؤولون عن صنع هذا المصير بما يقيمونه من خطط، ويرسمونه من أهداف ويأتونه من أعمال، بدل التجمد في موقف المطالبة العاطفية، التي تتغذى بالآمال، ولا تسفر عن فعل.

ولم أستغرب ما ذهبت إليه بعض الصحف في بعض الأقطار العربية، من استنكار وثلب[2]، بقدر ما استغربت ما بدر من بعض الأوساط المسؤولة في القاهرة، بخصوص الموقف، الذي وقفته، والتصريحات التي فُهْتُ بها؛ والحال؛ أننا متفقان في الجوهر، كما تبيّن لي ذلك من خلال محادثاتنا الكثـيرة عن قضية فلسطين.

وأنتم أعلم الناس بأن المشكل، لا يتعلق بالهدف، الذي لا يمكن أن يتطرق إليه خلاف أو نزاع، هو تمكّن إخواننا الفلسطينيين من استرجاع وطنهم المغصوب، وإنما الذي أشَكَلَ فهْمه على بعض الأوساط، أو أُسيء فهْمه عمداً، في بعض الدوائر، إنما يتعلق بكيفية الوصول إلى ذلك الهدف. فخلطوا، عمداً وغفلة، بين الغاية والوسيلة، وحملوا الاجتهاد في استنباط الوسائل محمل التخلي عن الهدف، أو التنكر له.

ولئن كان ما قلته، يغاير ما ألِفَه الكثيرون من جمجمة لفظية، لا طائل من ورائها، فإن المسؤولين العرب عامة، والمسؤولين المصريين بوجه أخص، على علم من حقائق الأمور. واعتقادي أن الشخصيات الرسمية، التي تسرعت إلى إبداء الاستنكار، إنما فعلت ذلك بغية مرضاة الجمهورية العربية المتحدة، وذلك لأسباب داخلية، لا تغرب عن أحد. لذا، أعتبر من المفيد، أن أخاطبكم أنتم مباشرة. وسأتوخّى نفس الصراحة التي عهدتموها فيّ، سواء في مباحثاتنا الخاصة، أو في الخُطب، التي صدعت بها على رؤوس الملأ، في شتى المناسبات.

ونحن جميعاً متفقون على أنه من المستحيل، في الظروف الراهنة، أن تشن الدول العربية حرباً على إسرائيل لتحرير فلسطين، وإرجاعها إلى أهلها وأصحابها. وأذكّركم، في هذا الصدد، بمداولات اجتماعَي القاهرة والإسكندرية. ولست أعتقد أن في تأكيد ذلك إفشاء لسر ما.

ويتعذر على الدول العربية القيام بأي عملية هجومية، في الوقت الحاضر، لسببين: أولهما أنها غير متأهبة لمواجهة الحرب، ولا قابلة لمبدأ تسلل عصابات المقاومين من أبناء فلسطين. والثاني أن الوضع الدولي يحُول، أيضاً، دون ذلك، لاجتماع الشقين، الغربي والشرقي، في الأمم المتحدة على المحافظة على السلم، واستعدادهما لردع أي محاولة، تهدف إلى تغيير الوضع الحالي، بالعنف، في هذه المنطقة.

وليس هناك، في الوقت الحاضر، ما يحمل على الأمل بأن الحالة، سوف تتغير في أمد معقول، يمكن التكهن به، بينما تزداد تكاليف التسليح وطأة على الدول العربية، فتحد من قدرتها على النمو واكتساب الأسباب الحقيقية للقوة والمناعة.

وكثيراً ما تناولت هذا الموضوع مع عدد من المسؤولين في المشرق العربي، فكانوا دوماً يجيبون بأن أكبر حسرة في نفوسهم إصرارهم على التمسك بمواقف سلبية، تجاه الحلول، التي عرضتها عليهم منظمة الأمم المتحدة.

ولقد قلتم لي، بلسانكم، خلال محادثة لنا عن ذلك، إنكم أثرتم موجة من الغضب، لمّا صرحتم، أثناء باندونج، بأن ما عرضته الأمم المتحدة، سنة 1948، يمكن اعتباره حلاً مرْضياً، فأجبتكم بأني مستعد لاتخاذ مواقف جريئة في هذا الصدد، وأضفت مازحاً: (وآمل أن لا تهاجمني، عندئذ، أبواق إذاعة القاهرة وصوت العرب).

وإن الخطة التي اقترحتها في أريحا، ثم شرحتها، ووضعتها في تصريحات متوالية، لا تختلف، في الجوهر، عن الموقف الذي أعلنتم عنه، سنة 1955. وقد تقدمت بهذه الخطة نفسها في الخطاب، الذي ألقيته في الاجتماع الأول لرؤساء الدول العربية، بالقاهرة، في يناير من سنة 1964.

وهي خطة لا تهدف إلى الاستكانة وقبول الحلول، كما يظن البعض، بل هي تهدف إلى تحريك القضية، بعد أن تجمدت وتعفنت، وكاد الرأي العام العالمي ينساها، وأجمع أصدقاؤنا من العالم الثالث، من الدول غير المنحازة، على اعتبارها من القضايا المحفوظة. فمن أوكد واجباتنا انتشال القضية من هذا التدهور، الذي وصلت إليه، وذلك بإرجاعها إلى الحيّز، الذي تصبح فيه من شواغل الرأي العام العالمي.

ومن أؤكد واجباتنا، أيضاً، أن نقرأ للخطة السياسية حسابها، فلا نعوّل على القول وحدة، لأنه كما أسلفنا، لا يفضي إلى نتيجة إيجابية. فلا بد، إذاً، من كسب الأنصار، وتهيئة الرأي العام الدولي إلى مساندتنا بصورة من الصور. لذلك، اقترحت أن نعود إلى قبول مقررات الأمم المتحدة، في شأن إرجاع اللاجئين إلى ديارهم، وتخلّي إسرائيل عن جانب هام من فلسطين المحتلة.

وكنت أتوقع - والأيام أقامت دليلاً على ذلك - إن إسرائيل لن تقبل الخضوع لمقررات الأمم المتحدة، وأنها بذلك، ومن حيث لا تريد، سوف تعزز موقفنا، إذ تظهر الدول العربية، في نضالها من أجل فلسطين، في موقف المدافع عن قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بمبادئها.

وكنت واثقاً - والأحداث قد أيدت ذلك - أن الدول الكبرى، ستستنكر رفض إسرائيل الانصياع لمقررات الأمم المتحدة فيكسب العرب من ذلك بصورة غير مباشرة، وتتزعزع الأركان، التي يعتمد عليها الاستعمار الصهيوني، نتيجة للتفرقة بين إسرائيل ومناصريها. ولا يخلو الحال من أحد أمرين: إما أن تقبل إسرائيل، في النهاية، مقررات المنظمة الدولية، وهو الأبعد، فتسمح برجوع اللاجئين، وتتنازل عن قسم من الأرض المحتلة فتتغير بذلك المعطيات لمصلحة العرب، وتظهر إمكانيات جديدة من شأنها أن تؤدي إلى الحل النهائي.

وإمّا، وهو الأقرب، أن تصر إسرائيل على الرفض، فيكون موقف العرب، هو الأقوى في حال نشوب حرب بين الطرفين.

ومهْما يكن من أمر، فإن المهم هو الخروج بالقضية من حالة الموات، ودفعها إلى الأمام.  وإذّاك، لا بد لها من التطور السريع نحو الوضع، الذي يمكّن حتماً من بلوغ الحل النهائي، ما دامت قد دخلت الأحداث الحية، واندفعت بقوة اندفاعها. فالخطة التي صدعت بها، تهدف إلى مضايقة إسرائيل، وقلب الآية عليها، وكسب عطف الرأي العام الدولي على قضيتنا.

وهى لا تختلف، في جوهرها عن الموقف، الذي عبّرتم عنه، باقتضاب، في تصريحاتكم الأخيرة إلى صحيفة "ريالتيه" ووكالة (أوبرا موندي)، إذ قلتم ما معناه، أن العرب راضون بما طالب به الأفارقة والآسيويون، سنة 1955، من رجوع إلى مقررات الأمم المتحدة، في خصوص قضية فلسطين.

فأين الخلاف بيننا إذاً؟ ألسنا متفقين من صلب القضية؟ ألسنا على رأي واحد، في خصوص عدم نجاعة الحرب في الظروف الراهنة؟ مع تأكيد تضامن تونس مع شقيقاتها، في حالة نشوب حرب مع إسرائيل، وذلك طبقاً لما تعهدنا به في نطاق الدفاع المشترك وضمن هيئة القيادة العربية الموحدة.

ألسنا نرى معاً ضرورة الأخذ بسياسة المراحل، في استرجاع الوطن السليب؟ وذلك على غرار ما فعلته كافة الشعوب العربية، في استرجاع سيادتها، لا أستثني منها شعباً واحداً، لا مشرقاً، ولا مغرباً.

وإني لأتذكر أني قلت، في خطابي إلى الملوك والرؤساء المجتمعين بالقاهرة، إن الكفاح يقتضي، أحياناً، من المسؤولين، أن يغامروا بسمعتهم وماضيهم، فيجابهوا غضب الجماهير، في سبيل حلول جريئة، لا تظهر نجاعتها للعيان، إلاّ بعد مدة.

ولقد كرست حياتي كلها للكفاح من أجل الحرية والعدالة، لا بالنسبة إلى تونس فقط، بل في مصلحة الأمة العربية جمعاء. وإني مستعد للمغامرة من جديد في سبيلها، رغم الحملات المستعرة والتهجمات السخيفة، التي تهدف إلى تضليل الرأي العام العربي، باستعمال لغة الشتم والندب، بدل التروي وإعمال العقل وإجراء الحوار النزيه.

وإني لمستعد لذلك، وإن أدى الأمر إلى القطعية مع بعض الأشقاء، الذين يعز علينا التخالف معهم، ولكن التخلي عن الحق، أشقّ على نفوسنا.

ولقد عرفت تونس محنة القطيعة، من قَبْل، وواجهتها بصبر وجلد. ولم يغير ذلك من وفائها لعروبتها، ولم ينل من إيمانها بنفسها، ولم يزعزع ثقتها بمصيرها.

وإن كانت القضية، وهو ما نأمل، ناشئة عن مجرد سوء التفاهم، ولا تشوبها النوايا، فإني مستعد لعقد اجتماع معكم، في التاريخ والمكان، اللذين يمكن الاتفاق عليهما، قصد توضيح الموقف وحماية الوحدة العربية من التصدع، وتعزيزاً للطاقة العربية على بناء الكرامة والحرية والمناعة. وفّقنا الله جميعاً إلى ما فيه الخير والرشد.

الحبيب برقيبة      رئيس الجمهورية التونسية

 



[1]  هي الرسالة التي بعثها الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة إلى الرئيس جمال عبدالناصر، في 29 أبريل 1965.

[2]  كما وردت في نص الرسالة.