إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي






إندونيسيا
ليبيا
مدينة أريحا
إيطاليا
مشروع التقسيم
المملكة الأردنية الهاشمية
الأماكن المقدسة
الهند
الباكستان
الجمهورية اللبنانية
الجمهورية العربية السورية
الجزائر
الشرق الأوسط
العراق
القدس القديمة
تونس
تركيا
جمهورية مصر العربية
دولة الكويت
Jerusalem's Holy places
فرنسا



ملحق

ملحق

بيان القيادة القومية لحزب البعث، حول القضية الفلسطينية

 

"إن حزب البعث الاشتراكي، في الوقت الذي يستنكر فيه موقف الحبيب بورقيبة من قضية فلسطين استنكارا شديدا، ويشتم منه رائحة التواطؤ مع الاستعمار والصهيونية، لا يريد لهذا الموقف أن يمر على الشعب العربي، في كل مكان، مروراً عابراً، لا يثير فيه إلاّ الغضب، وإنما يود أن يبين، كيف أن منطق المساومة، ومنطق المناورة اللذين لا يستندان إلى الأهداف القومية، يمكن أن ينزلقا، بسهولة، إلى مواقف الخيانة.

إن الدعوة، التي وجهها الحبيب بورقيبة إلى الأقطار العربية، للتفاوض مع الصهيونية حول قرار التقسيم، هو حلقة من سلسة، بدأت تحاك خيوطها قبل زيارة الرئيس التونسي إلى عدد من الأقطار العربية في المشرق. ففي 27/12/1964، طرحت مجلة "أفريقيا الفتاة" التونسية، الصادرة باللغة الفرنسية، والمعروفة بصِلاتها بالرئيس التونسي، موضوع الحوار بين العرب والصهاينة، لحل القضية الفلسطينية على أسُس "واقعية"، أي انطلاقاً من أن إسرائيل هي واقع، يجب على العرب أن يعترفوا به. وما أن طرح هذا الموضوع، حتى هب جميع الزعماء الصهاينة إلى الترحيب به، ومن ضمنهم زعماء الأحزاب الصهيونية، بمن فيهم بن جوريون. وقد رسخت الضجة، التي أثيرت حول هذا الطرح، في عدد ضخم من الصحف، الاعتقاد بأن المجلة التونسية، تقوم بعملية جس نبض، بوحي من دوائر عليا، لها كلمتها في توجيه السياسة الدولية.

ثم جاءت زيارة بورقيبة إلى عدد من الأقطار العربية، بعد أن تبنّت أكثر الصحفيين الغربيين هذا الموقف التونسي، "غير الرسمي"، لمتابعة هذا الخط الانهزامي، وترسيخه في نفوس عدد من الحكام العرب، باسم الواقعية والمصالح. وهذه السياسية المبنية على الأمر الواقع، هي التي بشّر بها الغرب، منذ جريمة التقسيم، وقيام دولة الصهيونية. إلاّ أنها فشلت باستمرار، فكان لا بد من وسيط عربي، يجعل الانهزام والاغتصاب أكثر تقبلاً. فوجد الغرب في بورقيبة، الوسيلة المثلى، لتحقيق هذا المخطط القديم - الجديد. وكان من الطبيعي أن يستثنى القطر السوري من هذه الجولة، الرامية إلى القبول باستمرار الكيان السياسي الصهيوني. فاستثناء القطر السوري، لم يكن عفوياً، بل جاء تنفيذاً لرغبة فوق رغبة الرئيس التونسي، وتدخل ضمن إطار المخطط الموضوع لعزل القطر السوري، كوسيلة لإضعافه، أو على الأقل لتجميد تأثيره قومياً.

إن زيارة بورقيبة إلى عدد من أقطار المشرق العربي، لم تكن جولة دعائية، لإعادة اعتبار الرئيس التونسي، ولتقوية مركزه الشخصي، على الصعيدين المحلي والخارجي، بل إن قضية فلسطين، كانت نقطة أساسية في برنامج الرحلة. وقد أثبت ذلك تصريحاته في عمان وبيروت، عندما اقترح "الحل السلمي"، وهو التعبير المنمّق للقبول بالاغتصاب وبالعنصرية العدوانية، كمنطلق لإنشاء الدول.

إن الحبيب بورقيبة، ليس ساذجاً في مواقفه السياسية، وإن كان يعتمد، في كثير من المواقف، الأسلوب المسرحي. فخطبه وتصريحاته وتصرفاته، تعّبر عن خطة مؤقتة ومُحكمة التفاصيل. لقد سبق هذه العرض للاستسلام، تهيئة طويلة ومواقف خاطئة، من قبل الدول العربية وكثير من حكامها. إن بورقيبة لم يكن ليجرؤ على هذا الموقف الخائن لشعب فلسطين، لو لم يجد أن الموقف العربي الرسمي مليء بالثغرات التي تفتح المجال أمام هذه التطورات.

لقد كان الموقف العربي الرسمي، منذ عام 1948 حتى اليوم، ينطلق من القبول بقرارات التقسيم، التي صوتت عليها هيئة الأمم المتحدة، في عام 1947، بتأثير الضغط الأنجلو - أمريكي والتأييد السوفيتي. فالحكومات العربية، كانت، وما زالت، تدافع عن قرارات التقسيم، وتطالب إسرائيل بتنفيذها. والتبرير لهذا الموقف، كان دوماً أن إسرائيل لن تقبل بهذا التقسيم، ومن ثم، فهي تظهر أمام الرأي العام العالمي، أنها متمردة على قرارات الأمم المتحدة. إن هذا التبرير ساذج ومخرب، بالنسبة إلى القضية الفلسطينية وما موقف بورقيبة الأخير، سوى مظهر من مظاهر التخريب، التي أحدثها القبول الرسمي بقرار التقسيم. إن القبول بقرارات التقسيم يعني الاعتراف الضمني بشرعية الكيان الإسرائيلي، وتنحصر القضية، عندئذ، في خلاف حول المساحة والحدود.

فإذا كان قرار التقسيم شرعياً، فإن وجود إسرائيل يصبح واقعاً مفروغاً منه، فأتى عامل الوقت ليرسخه ويقويه. إن التبريرات التكتيكية، لا يجوز، في حال من الأحوال، أن تكون مناقضة لأهداف العرب القومية، وللأسُس التي تُبنى عليها أي شرعية.

هناك مبدأ أساسي، لا معنى لهيئة الأمم المتحدة، إن لم تصنه، وهو حق تقرير الشعوب لمصيرها. وقد جاءت ولادة إسرائيل تحدياً لهذا المبدأ الأساسي، وفرضت إسرائيل بالضغط والقوة، على أنقاض شعب فلسطين العربي وعلى أشلائه. إن قرار التقسيم، هو إجهاض لحرية الشعوب وحقها في تحديد مستقبلها وصياغة كيانها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

لذلك، فإن أي قبول من قبل الحكومات العربية بقرار التقسيم، يعنى تخلّيها عن مبدأ حرية الشعوب في تقرير مصيرها. وعندما تتخلى الحكومات العربية عن هذا المبدأ، فإن القضية الفلسطينية، تفقِد طابعها الأساسي الإنساني التحرري، كما تفقِد أيضاً فاعليتها. إذ إن الموقف، الذي ينتج من رفض كلي للوجود الصهيوني، على اعتباره اغتصاباً وعدواناً ووسيلة استعمارية جديدة، يختلف تماما عن الموقف الذي يناقش، رسمياً، الحدود والمساحات، التي تحتلها الدولة الجديدة. وقبول قرار التقسيم من قبل الحكومات، هو الباب الذي يفتح أمام أي حاكم للقبول بإسرائيل.

إن موقف بورقيبة الأخير، ودعوته للدخول في مفاوضات مع إسرائيل، هما النتيجة الطبيعية لموقف الحكومات العربية الرسمي، ولقبولها بقرار التقسيم في هيئة الأمم المتحدة. إن بورقيبة لا يخرج، في اقتراحاته، عن مضمون قرار التقسيم، بل خطا خطوة في سبيل تحقيق هذا القرار وتجسيده. لقد استغل بورقيبة الموقف العربي الرسمي، وبعض التصريحات الصادرة عن الحكام العرب، لينفُذ من خلالها إلى محاولة تصفية قضية فلسطين.

فالاكتفاء بكشف دور بورقيبة في هذه القضية المصيرية، وشن الحملات الإذاعية والصحفية لفضح المخطط الذي ينفّذه، لا يكفيان لإنقاذ فلسطين من مهالك، يبغيها لها الغرب، من خلال بورقيبة وغير بورقيبة.

إن المسؤولية الأولى، التي تقع على العرب في هذه المرحلة الدقيقة، هي سد الثغرات، التي يمكن أن ينفُذ من خلالها الغرب، ومنفّذو خططه، أمثال الحبيب بورقيبة. والخطوة الأولى، التي يجب على الحكومات العربية أن تتخذها، هي تصحيح طرح قضية فلسطين دولياً، واتّباع منطق المصارحة والتصميم، مكان المراوغة والاختباء وراء الاعتبارات التكتيكية، التي تجر، تدريجياً، إلى الاستسلام للواقع.

الحقيقة الأولى، التي يجب أن ينطلق منها الشعب العربي وحكوماته، هي أن، مجرد وجود الكيان الإسرائيلي الاستعماري، هو عدوان في ذاته، عدوان على حق الشعب العربي في فلسطين في تقرير مصيره، وعدوان على حقه في وجوده في وطنه. وإن نضال شعب فلسطين ليس نضالاً من أجل بضعة كيلومترات هنا وهناك، وإنما هو نضال من أجل حق البقاء والتحرر. وأن فلسطين هي ملك لشعب فلسطين، وأن هذا الشعب هو، وحده، المؤهل لتحديد مستقبل بلده، وأن قرار التقسيم هو نسف للأسُس، التي قامت عليها هيئة الأمم المتحدة.

والحقيقة الثانية، التي يجب أن تنتج من الحقيقة الأولى، هي أن الحل الوحيد لقضية فلسطين، هو تحرير فلسطين من الاستعمار الصهيوني، وليس هناك أي حل آخر غير ذلك. وأن على العرب أن يبذلوا كل جهودهم العسكرية والاقتصادية والسياسية، لإزالة هذا الوجود العدواني القائم على الاغتصاب والعنصرية.

لقد وقف بورقيبة، صراحة وعلناً، موقف التواطؤ والخيانة. ولكن الرد الحاسم على موقفه، لا يكون بالاستنكار فحسب، وإنما يكون بإعادة قضية فلسطين إلى أصالتها وحقيقتها، وإبعادها عن ميدان المساومات الرخيصة، التي طبعت موقف كثير من حكام العرب منها. فلئن أباح بورقيبة لنفسه، أن يقف من هذه القضية موقفه المتواطئ، فلقد استند إلى منطلقات، كانت على لسان الحكومات العربية، سواء في هيئة الأمم المتحدة أو في المؤتمرات الدولية.

إن حزب البعث العربي الاشتراكي، يدعو كافة الهيئات التقدمية العربية إلى التكاتف، للضغط على الحكومات العربية، لتبديل موقفها من قضية فلسطين، وإعلان رفضها الصريح لقرارات التقسيم، واستعدادها لإعادة النظر في كافة خططها ومواقفها، على أساس هذا الرفض، وعلى أساس معارضة الوجود الصهيوني نفسه وعدم شرعيته.

أمّا بورقيبة نفسه، فإن الشعب العربي كله، والشعب في تونس على الأخص، مدعّو إلى بتره من جسم هذه الأمة، وفضحه وفضح مؤامراته الاستعمارية".