إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي






إندونيسيا
ليبيا
مدينة أريحا
إيطاليا
مشروع التقسيم
المملكة الأردنية الهاشمية
الأماكن المقدسة
الهند
الباكستان
الجمهورية اللبنانية
الجمهورية العربية السورية
الجزائر
الشرق الأوسط
العراق
القدس القديمة
تونس
تركيا
جمهورية مصر العربية
دولة الكويت
Jerusalem's Holy places
فرنسا



الملحق الرقم (10)

ملحق

بيان كميل شمعون حول مقترحات بورقيبة

 

       "عندما تقرر عقد اجتماع رؤساء الحكومات العربية في القاهرة، في 26 أيار (مايو) الفائت، كان من المؤمل أن ينجح المؤتمر في التغلب على الأزمة، التي ولدتها تصريحات الرئيس الحبيب بورقيبة في بيروت والأردن. غير أن الخطاب الذي ألقاه سيادة الرئيس التونسي، قبيل مؤتمر القاهرة، في اجتماع المجلس الوطني لحزب الدستور، جاء يذكي النار، ويجدد الأزمة. كان الرئيس التونسي قد فاته، بكل أسف، تقدير أسباب ردة الفعل الشديدة، التي أحدثتها تصريحاته تلك، لعدة أسباب، أهمها أنّ حديث الصلح مع إسرائيل، والتعايش السلمي بين العرب وإسرائيل في ظل مقررات الأمم المتحدة، صدر عن الرئيس بورقيبة، الذي كان يتمتع، في العالم العربي، بشهرة، اكتسبها من بعد النظر والشجاعة والعزم والصلابة، منذ أن قاد بلاده، بخطوات ثابتة، نحو السيادة التامة، وأدخل تعديلات وإصلاحات جذرية في جهازها السياسي والاجتماعي.

       لذلك، لم يكن يُنتظر من رجل" بنزرت"، صاحب الإرادة الفولاذية، أن يهوي إلى مستوى الضعف، الذي اتصفت به فكرة المصالحة مع إسرائيل، والتي عرضها على العرب، في خضم نضالهم مع الصهيونيين. والسبب الثاني، هو أن الرئيس التونسي، عالج، بذهنية الرجل المتفرج، قضية نفذت إلى صميم كل عربي، وسمت بها الشعوب العربية قاطبة، فوق جميع القضايا، وأجمعت الرأي عليها، دون تردد أو تخاذل، على كثير من الخلافات، التي تتجاذب بعض الدول العربية حول قضايا أخرى.

       إننا مع إعجابنا بما أنجزه الرئيس بورقيبة في حياته السياسية، لا يسعنا إلاّ القول إنه ارتكب خطأ جسيماً في الحلول، التي اقترحها للقضية الفلسطينية.

أولاً: لأنه عمد، متطوعاً ومنفرداً، إلى تقديم عرض علني، يكون، بالنتيجة، عقد صلح بين العرب وإسرائيل، قبل أن يستطلع آراء زملائه ملوك ورؤساء الدول العربية، حتى أولئك الذين قام بزيارتهم. وكان عليه لا أن يستشيرهم وحسب، في موضوع حيوي كقضية فلسطين، بل أن يدعو الملوك والرؤساء العرب إلى مؤتمر خاص تناقش فيه مقترحاته. فإما أن تُقبَل أو أن تُرَد، وفق ما تستحقه من اهتمام وتقدير.

ثانياً: لأنه أهمل تعاليم التاريخ وعبَره. فجاء يطلب من العرب أن يضحوا، مختارين، بحقوق كرستها الأحقاب والعصور، بحجة أن قضية فلسطين تبرز، في الآونة الحاضرة، كأنها تستعصي على كل حل. وإن التمسك المستميت بالأهداف الوطنية، وملاحقتها بأي وسيلة، كانا الكفيل دائماً ببلوغ هذه الأهداف.

       ومن هنا، نرى كيف تمكن العرب من استعادة سواحل البحر الأبيض المتوسط، بعد ما احتلها الغرب قرنين كاملين. كما أفلحت الشعوب التشيكية واليوغسلافية، في التاريخ الحديث، في بناء دول مستقلة، بعد ما نسفت الإمبراطورية النمساوية المجرية من جذورها. وكيف ازدهر البلقان بدول حديثة بعد ما قاسى من الحكم العثماني طوال أربعة قرون. وكيف نهضت فنلندا من كبوتها الطويلة، وألقت عنها نير القياصرة. وكيف عادت الألزاس واللورين إلى الوطن الأم. وأخيراً، كيف بقيت "بنزرت" تونسية؟

       ونود أن نسأل الرئيس بورقيبة: هل يعتقد أن الشعوب العربية، ستقبل مقترحاته، التي نعتها بالحلول الحكيمة؟ ولماذا يريد أن يفرق بين الحكمة والعدالة، وهما في الأساس رفيقتان متلازمتان؟ لماذا يريد أن يستهدي بالحكمة بعد فوات الأوان؟ مع العلم أن الأمم المتحدة، لو استوحت الحكمة عندما اتخذت قراراتها عام 1947، لكانت أحجمت عن التقسيم؟ لماذا يطلب من العرب، كما طلب سواه من قبل، أن يستسلموا لتلك الحكمة، التي كان من مقتضياتها، دائماً وأبداً، الرضوخ لمشيئة القوي، ومن ثم، التنازل عن حق من حقوقهم، المرة تلو الأخرى؟

       نحن لا نتهم بورقيبة بسوء النية، أو بسلوك طريق المزايدة، ليظفر بعطف الدول الغربية ومساعدتها. فقد يكون عذره - إذا جاز العذر - أن الرئيس التونسي، يجهل بعض نواحي كارثة فلسطين. وعلى كل حال، فمهما اتسع اطّلاعه، فقد ظل معزولاً عنها، ولم يرافقها منذ نشأتها. وهو لم يتألم لفداحة الظلم، الذي حل بشعب آمن، لم يطالب إلاّ بحقه المشروع في حياة حرة كريمة في وطنه، ولم يحس، من ثم، باليأس والقنوط الشديدين اللذين أحدثهما استيلاء شعب غريب على أرض، ارتوت بفيض من دم المواطنين العرب، جيلاً بعد جيل، وباتت محط آمالهم وأمانيهم، ولم يشاهد بأم العين، كيف أقدمت أكبر هيئة عالمية، بتأثير دولة معينة، على تجزئة بلد بكامله، بغية إشباع مطمع الصهيونية الغادرة.

       ولكن إذا اعتبرنا أن الرئيس التونسي قد سبب بعض الاضطراب الفكري، الذي شغل الرأي العام العربي، في الآونة الأخيرة، فإنه لمن الافتئات على الحق والحقيقة، أن نلقي على عاتقه وزر النتائج، التي انتهى إليها مؤتمر القاهرة الأخير. وبعبارة أوضح نقول، إن فشل هذا المؤتمر، وفشل أي مؤتمر عقد في الماضي، وسيعقد في المستقبل، يعود إلى :

أولاً: إن جميع الحكومات العربية، لم تكن دائماً صريحة في ما يتعلق بمستقبل فلسطين، وبشكل يبدد كل تأويل وتفسير. فتارة، كان بعض هذه الحكومات ينكر، في مجال بحث الموضوع مع هيئات أجنبية، أنه يضمر نيات عدائية تجاه إسرائيل. وطورا،ً يعلن، كما حدث في باندونج، موافقته على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، دون أن يستثني قرارات التقسيم. وقد نسبت مجلة فرنسية معروفة إلى رئيس دولة عربية، تصريحاً، التقى في أهدافه ومعانيه مع اقتراحات الرئيس بورقيبة دون أن يصدر عن المراجع الرسمية في تلك الدولة، أي نفي أو تكذيب لما أوردته المجلة.

ثانياً: استغلال قضية فلسطين بغية كسب التأييـد الرخيص، وتجنيد القوى الفلسطينية، لتنفيذ أغراض، لا تمت بصِلة إلى مستقبل وطنهم... وأخيراً سياسة الارتجال.

       فبتأثير سياسة الاستغلال والارتجال، أعلنّا بشدة عزمنا على إنقاذ فلسطين من براثن الصهيونية، وبتأثيرها أيضاً، هددنا بإبادة إسرائيل، إذا حولت مجرى نهر الأردن. ولكن ما أن جرّت إسرائيل مياه الأردن، حتى أعلنّا، بالشدة نفسها، أن للحرب ملابسات وأخطاراً وإننا لسنا على استعداد لإشعال نارها. ثم استبدلنا بفكرة الحرب خاطرة تحويل روافد نهر الأردن، وهي كفيلة، على حدّ قولنا، بأن تمنع كل قطرة ماء عن النهر. وقد فاتنا أن نوضح للرأي العام، إما عن ارتجال، أو عن قصد واستغلال، أن مشروع تحويل الروافد، عند إنجازه وفقاً للخطة المرسومة، لا يحرم إسرائيل، إلاّ من نسبة ضئيلة، لا تتجاوز الخمسة والعشرين بالمائة من مياه نهر الأردن.

       ولم نقف عند هذا الحد. فما أن تأزم الجو بين بعض الدول العربية وإسرائيل، حتى أوضحنا أن مشروع تحويل الروافد نفسه، أصبح أمراً، يصعب تحقيقه، نظراً إلى الأوضاع التي تسود الدول العربية، وبسبب وجود خمسين ألف جندي مصري في اليمن، يقاتلون اليمنيين و "الاستعمار البريطاني". وكم كان وجود هؤلاء في قطاع غزة أجدى وانفع!

ثالثاً: سياسة الأطماع وحب السيطرة، وتدخل بعض الدول العربية في شؤون دول عربية أخرى، بمختلف أساليب الدس والتآمر، والحملات الصحفية، والإذاعة، والتدخل العسكري، مما يخالف صراحة نصوص ميثاق جامعة الدول العربية، التي تدعو إلى احترام سيادة كل دولة. وقد خلق ذلك جواً من الريبة والشك والخوف، وحال دون قيام تعاون صحيح طويل المدى، بين دول الجامعة، وحمل دولاً معينة على إرهاق نفسها بالمحافظة على سلامة أوضاعها الداخلية. فكان أن فقدت هذه الدول تلك الثقة، التي يستحيل عليها ومن دونها أن تؤدي قسطها من التضحية المشتركة لإنقاذ فلسطين، والمحافظة على مصالح العرب وكرامتهم في العالم.

       هذا هو الداء. أمّا الدواء، فهو أن يصار إلى مؤتمر لرؤساء وملوك الدول العربية، يعقد، لا في القاهرة، أو تونس، أو الرياض أو دمشق، وإنما في عاصمة كبيروت، منزهة عن التيارات المتطرفة، وبعيدة عن الخلافات المستمرة. هذا المؤتمر يكون مقدمة لمؤتمر الدار البيضاء ويبحث فيه:

أولاً: موضوع تنقية العلاقات العربية، لا على أساس العاطفة والكرامات الشخصية، بل في ضوء ميثاق الجامعة العربية، نصاً وروحاً.

ثانياً: مستقبل فلسطين بصورة واضحة، حتى لا تُبقى مجالاً للتراجع أو التأويل أو التبديل،إضافة إلى المخطط العملي المدروس، لتحقيق هذا المستقبل، آجلاً أم عاجلاً والذي يضمن للعرب كرامتهم في العالم وسلامة مصالحهم.

ثالثاً: مقدار مساهمة كل دولة تنتمي إلى الجامعة العربية، في تنفيذ هذا المخطط، بكل صراحة وواقعية، بغية تجنب أي خلاف، قد ينشأ، في المستقبل، بين الدول العربية.

       أمّا إذا لم تتم تنقية هذه العلاقات، ولم تحدد المسؤولية والواجبات، فلسنا نرى أي فوائد من عقد المؤتمرات، إلاّ إذا كانت غايتها إلهاء الرأي العام بتوافه الأمور. ولسنا نلمس أيضاً أي فائدة حتى من استمرار الجامعة، وإن كنّا من الذين أشرفوا على ولادتها، وأرادوها منظمة إقليمية مثالية، تسودها المحبة والتعاون والبناء، وتساندها إرادة فاعلة لتحقيق العدالة الدولية والقيم الإنسانية.