إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشروع الرئيس التونسي، الحبيب بورقيبة، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي






إندونيسيا
ليبيا
مدينة أريحا
إيطاليا
مشروع التقسيم
المملكة الأردنية الهاشمية
الأماكن المقدسة
الهند
الباكستان
الجمهورية اللبنانية
الجمهورية العربية السورية
الجزائر
الشرق الأوسط
العراق
القدس القديمة
تونس
تركيا
جمهورية مصر العربية
دولة الكويت
Jerusalem's Holy places
فرنسا



القسم الثالث

 

القسم الثالث

مشروعات التسوية المقدمة لحل الصراع العربي الإسرائيلي

منذ عام 1948 وحتى المشروع التونسي

       عندما تدخلت الحكومات العربية عسكرياً، لإنقاذ فلسطين من السيطرة الصهيونية، عقب قرار أتُخذ في اجتماع دمشق، يوم 12 أبريل 1948، تعرضت، فور دخولها إلى فلسطين، للضغوط الدولية، لحمْلها على قبول الهدنة[1]. وبينما كان العرب يخوضون المعارك ضد اليهود، فُرضت الهدنتان، الأولى والثانية من قبل مجلس الأمن، وكانتا تمثلان نقطة تحول في معركة فلسطين، إذ استغلهما اليهود في الحصول على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة.

       وهكذا، قررت اللجنة السياسية لمجلس الجامعة العربية، قبول طلب مجلس الأمن، في يونيه 1948، على أساس أن وقف القتال وسيلة لإيجاد حل عادل للقضية. وبدأ الوسيط الدولي، الكونت فولك برنادوت Folke Bernadotte (Count) ، اتصالاته بالفريقين، بحثاً عن تسوية للنزاع، فقدَّم، في 27 يونيه 1948، أول مشروع سلام.

مشروع الكونت فولك برنادوت

تضمن مشروع وسيط الأمم المتحدة، في فلسطين، النقاط التالية:

أولاً: الانتقال من مرحلة وقف القتال، إلى تحقيق هدنة دائمة، أو سلام، بين العرب واليهود.

ثانياً : توضع القدس تحت رقابة الأمم المتحدة.

ثالثاً : تتولى لجنة منبثقة من الأمم المتحدة، ترسيم الحدود بين العرب واليهود.

رابعاً: تشرف لجنة دولية على حل مشكلة اللاجئين حلاً، يختار اللاجئون بموجبه بين العودة إلى منازلهم، أو تعويضهم عما فقدوه وفي هذا الصدد، قال الكونت برنادوت: "إن حرمان اللاجئين من العودة إلى ديارهم، سيُعدّ خرقاً لأبسط مبادئ العدالة، خصوصاً في الوقت الذي يتدفق فيه اليهود إلى فلسطين".

خامساً: دعوة الأمم المتحدة إلى تأليف لجنة متابعة ومصالحة دولية، للتوصل إلى تسوية سلمية للوضع في فلسطين.

       لكن الصهاينة، اغتالوا الكونت برنادوت، على يد عصابة "شتيرن" الصهيونية، في القدس، يوم 17 سبتمبر 1948. وخرقوا اتفاقية الهدنة، واجتاحوا النقب، واستولوا على معظم القرى العربية في الجليل. فعيّنت الأمم المتحدة، يوم 4 نوفمبر 1948، رالف بانشRalph Bunche ، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، وسيطاً دولياً، خلفاً لبرنادوت، ليشرف على تنفيذ قرار مجلس الأمن، القاضي بانسحاب الطرفين إلى المراكز، التي كان كل طرف يحتلها، قبل 14 أكتوبر.

لجنة التوفيق والمصالحة[2]

       شُكلت هذه اللجنة بقرار الأمم المتحدة الرقم 194، بتاريخ 11 ديسمبر 1948، من ثلاث دول أعضاء في الأمم المتحدة، وهم فرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، على أن تكون مهمة اللجنة، ما يلي:

أولاً: تنفيذ بالمهام التي أوكلت إلى وسيط الأمم المتحدة السابق، الكونت برنادوت، بموجب قرار الجمعية العامة الرقم 186، الصادر بتاريخ 14مايو 1948. وكانت مهام الوسيط الدولي، التي وردت في هذا القرار، تنحصر في الآتي:

أ.  بذل مساعيه الحميدة، لدى السلطات المحلية والطائفية في فلسطين، من أجل تأمين الخدمات العامة، الضرورية لسلامة سكان فلسطين ورفاهيتهم.

ب. تأمين حماية الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية.

ج. التعاون مع لجنة الهدنة في فلسطين.

د. التعاون مع هيئات الأمم المتحدة المختلفة، لضمان رفاهية سكان المنطقة.

ثانياً: تنفيذ المهام والتوجيهات المحددة، الصادرة إليها بموجب القرار الحالي، وكذلك المهام والتوجيهات الإضافية، التي قد تصدرها إليها الجمعية العامة ومجلس الأمن.

ثالثاً: تنفذ اللجنة، بناء على طلب مجلس الأمن، أي مهمة، تَكِلها، حالياً، قرارات مجلس الأمن إلى وسيط الأمم المتحدة في فلسطين، أو إلى لجنة الأمم المتحدة للهدنة.

        وتطلب الأمم المتحدة من اللجنة، أن تبدأ عملها فوراً، حتى تقيم، في أقرب وقت، علاقات بين الأطراف نفسها، وبين هذه الأطراف واللجنة. كما تدعو الحكومات والسلطات المعنية إلى توسيع نطاق المفاوضات، وإلى البحث عن اتفاق بطريق المفاوضات، التي تجري إمّا مباشرة، أو مع لجنة التوفيق، بغية إجراء تسوية لجميع المسائل المعلقة.

        وتقرر الجمعية العامة أيضاً وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين، الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم. وأصدرت الجمعية العامة تعليماتها إلى لجنة التوفيق، بتسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات.

المشروع النرويجي

        بعد فشل مهمة لجنة التوفيق، التابعة للأمم المتحدة، تقدَّم مندوب النرويج بمشروع قرار إلى هيئة الأمم المتحدة، بتاريخ 26 نوفمبر 1952، من أجل تسوية الخلافات العربية - الإسرائيلية. وقد شارك بعض الدول في تقديم هذا المشروع. وهو ينص على ما يلي:

أولاً: مناشدة الطرفين، العربي والإسرائيلي، الامتناع عن أي أعمال عدوانية ضد بعضهما.

ثانياً: التأكيد من جديد للمبدأ القائل "إن المسؤولية الرئيسية في الوصول إلى تسوية الخلافات، تقع على عاتق الحكومات المعنية".

ثالثاً: حث تلك الحكومات على الدخول في مفاوضات مباشرة، وفي أقرب فرصة ممكنة.

رابعاً: دعوة لجنة التوفيق لتقديم خدماتها من أجل تحقيق التسوية.

مشروع "جاما" الأمريكي

        بعد نجاح ثورة يوليه 1952، في مصر، وبعد أن تركزت جهود النظام الجديد في مصر على التخلص من بقايا الاستعمار الإنجليزي، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك فرصة لعرض وساطتها السرية، لتسوية النزاع العربي - الإسرائيلي، وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً. وعلى الرغم من أن الاتصالات المصرية ـ الإسرائيلية، كانت قد انقطعت، في أوائل عام 1955، إثر عودة ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion إلى السلطة، وهجوم إسرائيل على غزة، وتوجه مصر للحصول على السلاح من مصادر غير المصادر الغربية التقليدية، والذي تُوِّج بصفقة السلاح المعروفة مع تشيكوسلوفاكيا، عادت الدبلوماسية الأمريكية إلى محاولاتها، لإحياء الاتصالات المصرية -  الإسرائيلية، على أعلى المستويات. ففي سبتمبر 1955، أجرى كيرميت روزفلت[3] (Kermet Roosevelt) اتصالات سرية مع الرئيس جمال عبدالناصر، هدفها إقناعه باتخاذ إجراءات معينة، بهدف موازنة صفقة السلاح مع تشيكوسلوفاكيا، وذلك خدمة للسلام في المنطقة وكان من رأي روزفلت أن يعلن الرئيس عبدالناصر، أن صفقة السلاح التشيكية تمثل أسلحة دفاعية محضة، وأن مصر مستعدة لاتخاذ خطوات إيجابية نحو السلام، إذا رأت أن الطرف الإسرائيلي سيستجيب بخطوات مماثلة. ومع أن وزير الخارجية الأمريكية، جون فوستر دالاسJohn Foster Dulles ، كان قد ندد بصفقة الأسلحة التشيكية، وتأثيرها السلبي، على حد زعمه، إلاّ أن الدبلوماسية الأمريكية، حرصت على استمرار الاتصالات السرية بين مصر وإسرائيل. ولقد أطلق اسم "جاما" على المشروع، وتكفل روزفلت مع مايلز كوبلاند، بالجانب السري، وتكفل روبرت أندرسون بالجانب العلني. أمّا تفاصيل مشروع "جاما"، وفقاً لرواية كوبلاند ومذكرات بن جوريون، فهي كما يلي:

        يجري كل من روزفلت ومايلز كوبلاند سلسلة من المحادثات مع الرئيس جمال عبدالناصر، هدفها الوصول إلى تحديد موقف أساسي، تنطلق منه المفاوضات. كما يجري أمريكيان آخران محادثات مماثلة مع بن جوريون، من أجل الوصول إلى تحديد موقف إسرائيلي مشابه. بعد ذلك، ينتقل أندرسون بين القاهرة وتل أبيب، من أجل تضييق شقة الخلاف بين الموقفين، إلى أدنى حدٍّ ممكن. عندئذ، يتمّ ترتيب اجتماع سري بين عبدالناصر وبن جوريون، على متن يخت خاص في البحر الأبيض المتوسط، لسد الفجوة نهائياً بين الطرفين. ويؤكد كوبلاند، أن روزفلت حصل على موافقة كل من الرئيس جمال عبدالناصر وبن جوريون على هذه الترتيبات، مع إصرار الرئيس عبدالناصر على نقطتين:

الأولى: يجب أن تحصل مصر على أكثر من مجرد ممر (وسيتم تحديد عرض هذا الممر في المفاوضات مع إسرائيل) لربطها بالأردن.

الثانية: على الإسرائيليين أن يوافقوا، من حيث المبدأ، على قبول الفلسطينيين، الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم.

        على هذا الأساس، سافر روبرت أندرسون[4] من القاهرة إلى تل أبيب، يوم 3 يناير 1956، حيث عقدت اجتماعات مطولة مع المسؤولين هناك، بمن فيهم بن جوريون في حضور ممثل عن وكالة الاستخبارات المركزية (الأمريكية)CIA. ويستفاد من مذكرات بن جوريون، أن المحادثات كانت تدور حول قضيتين:

أولاً: السلام بين مصر وإسرائيل، وتخفيف حدة التوتر والاشتباكات على الحدود. ويؤكد بن جوريون ما قاله كوبلاند حول اشتراط عبدالناصر لتحقيق السلام، أن تقبل إسرائيل حل مشكلة اللاجئين، وفقاً لقرارات هيئة الأمم المتحدة.

ثانياً: تأمين اتصال إقليمي بين أفريقيا وآسيا العربيتين.

        وخلاصة القول، إن مشروع جاما قد مات ودفن، نتيجة لرفض بن جوريون مناقشة التفاصيل المتعلقة بالتنازلات الإسرائيلية. وقد برر يعقوب هيرتزوج[5]، الذي حضر الاجتماعات الإسرائيلية مع أندرسون، موقف إسرائيل، بقوله، في صحيفة "معاريف"، يوم 6 أغسطس 1971: "لم تكن إسرائيل تعتقد أن في استطاعة عبدالناصر عقد صلح معها، حتى لو أراد ذلك، بسبب المعارضة، الداخلية والعربية، لمثل هذه الاتصالات". كما يقول بن جوريون في مذكراته، إنه كان يعتقد أن عبدالناصر، كان يجري هذه الاتصالات على سبيل المناورة، ومن أجل كسب الوقت، كي يتيح الفرصة أمام جيشه لاستيعـاب السلاح السوفيتي الجديد.

بيان دالاس في التمهيد لمشروع جونستون

        في ربيع عام 1953، قام جون فوستر دالاس، وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، بجولة في دول الشرق الأوسط. وقدَّم دالاس، في أول يونيه 1953، تقريراً عن جولته، تطرق فيه إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين. ومما جاء في التقرير: "وعلى مقربة من إسرائيل، يتجمع العدد الأكبر من اللاجئين العرب. وعددهم يزيد على 800 ألف لاجئ، وهم الذين هربوا من فلسطين، عندما استولى عليها الإسرائيليون. إن بعض هؤلاء اللاجئين، يمكن إسكانهم في المنطقة التي تحتلها إسرائيل حالياً، لكن معظمهم يستطيع، بصورة أجدى، أن يندمج في حياة البلدان العربية المجاورة. بيد أن هذا يعتمد على مشاريع الري، التي يمكن بواسطتها استثمار أراضٍ جديدة. ففي طول المنطقة، نجد أن الحاجة الكبرى هي إلى الماء. وتتوافر أموال الأمم المتحدة، وأموال أخرى أيضاً لمساعدة اللاجئين. هذه الأموال، يمكن إنفاق القسم الأكبر منها في سبيل استثمار الأنهار، التي تمر في البلدان العربية وإسرائيل، استثماراً منسقاً".

        ويلاحظ الدكتور فايز صايغ، مدير، مركز الأبحاث بمنظمة التحرير الفلسطينية، أن السياسة الأمريكية هذه، ترتكز على القواعد التالية:

  1. التخلي عن فكرة العودة، إلاّ للعدد القليل من اللاجئين الفلسطينيين.
  2. إدماج السواد الأعظم من الفلسطينيين في البلاد العربية المجاورة، وحصر قضيتهم في النطاق الاقتصادي، وربطها بالتنمية الاقتصادية الزراعية في المنطقة العربية.
  3. اقتراح مشاريع ري مشتركة، تقوم بها البلدان العربية وإسرائيل معاً، بواسطة معونات مالية من الخارج.

وقد مهّد وزير الخارجية الأمريكي، دالاس، بهذا البيان، لمشروع جونستون، الذي أُعلن في العام نفسه.

مشروع جونستون 1953 - 1955

        يستهدف هذا المشروع معالجة، قضية اللاجئين الفلسطينيين وقضية فلسطين برمّتها، أو بمعنى أدق تصفيتهما، من طريق تعاون الدول العربية وإسرائيل على استثمار مياه نهر الأردن استثماراً مشتركاً.

        وقد بدأ أريك جونستون، مبعوث الرئيس أيزنهاورDwight David Eisenhower، زياراته إلى المنطقة، في أكتوبر 1953. ثم عاود زيارتها ثلاث مرات، كان آخرها في خريف 1955. ويتضح الاستمرار في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، في أن قواعد مشروع جونستون، كانت قد أرسيت في عهد الرئيس هاري ترومانHarry Truman. ويتلخص مشروع جونستون في النقاط التالية:

أولاً: ينفذ المشروع على خمس مراحل. تستغرق كل مرحلة منها سنتين أو ثلاثاً. وتقدر نفقات المشروع بنحو مائة وثلاثين مليون دولار. ينفق منها نحو ثلاثين في المائة على توليد الطاقة الكهربائية، وبناء محطاتها.

ثانياً: إنشاء خزان، على بعد نحو عشرين كم من ملتقى نهر الحاصباني بنهر الأردن، في منطقة واقعة شرق قرية "إبل السقي" اللبنانية. وفي هذا الخزان، تجمع مياه النهر في فصل الشتاء، وتقدر بنحو مائة وثلاثين مليون متر مكعب في العام، وتوزع في الأشهر التي تمس الحاجة فيها إلى الري. وبواسطة هذا الخزان، يصبح في الاستطاعة التحكم، نسبيا،ً في مياه القسم العلوي من نهر الأردن، التي تصب في بحيرة طبرية. وتُشق قناة، تتفرع من هذا الخزان إلى قرب مستعمرة "تل حي" (في فلسطين المحتلة)، تُشيد عليها محطة لتوليد القوة الكهربائية، ثم تجري منها المياه إلى القناة الأساسية، التي ستزود منطقة جبال الجليل بالمياه.

ثالثاً: إنشاء سد على ملتقى مياه نهر "دان" بالقناة الأساسية في الجليل، لتحويل مياه نهر دان وتل قاضي إلى تلك القناة.

رابعاً: إنشاء سد آخر بالقرب من قرية عين الحمراء (في فلسطين المحتلة)، لتحويل مياه نهر بانياس إلى القناة الأساسية، لري منطقة جبال الجليل.

خامساً: إنشاء قناة أساسية، طولها مائة وعشرون كيلومتراً، تتحول إليها مياه نهر بانياس ونهر دان ومنابع تل القاضي ومياه القسم، الذي يقع تحت السد في نهر الحاصباني. وتجري المياه في هذه القناة جنوباً، حتى تصل إلى غرب مدينة طبرية. وتتفرع عن هذه القناة الأساسية أقنية فرعية، طولها نحو مائة وعشرة كيلومترات، لري جبال الجليل ومرج ابن عامر.

سادساً: تجفيف المستنقعات الواقعة شمالي بحيرة الحولة، واستغلالها، بعد ذلك، في زراعة الحبوب. وإنشاء قنوات محلية في تلك المنطقة، وتوسيع مخرج المياه من بحيرة طبرية.

سابعاً: زيادة مترين في ارتفاع السد القائم على نهر الأردن، عند خروجه من بحيرة طبرية، لزيادة تخزين المياه.

ثامناً: إنشاء قناتين من سد بحيرة طبرية، الأولى لري جميع أراضي الغور الغربي من بحيرة طبرية إلى البحر الميت، ويبلغ طولها نحو مائة كيلومتر (عدا الأقنية التي تتفرع عنها). أمّا القناة الأخرى، فالغرض منها ضخ المياه من بحيرة طبرية إلى الغور الشرقي، في أوقات الجفاف.

تاسعاً: إنشاء قناة تبدأ من سد نهر اليرموك، قرب العدسية (في الأردن)، تستخدم مياهها في توليد الكهرباء، بواسطة محطة تُنشأ قرب العدسية، وتحول منها مياه النهر إلى بحيرة طبرية.

عاشراً: إنشاء سد ومحطة كهرباء لمياه اليرموك، قرب محطة (المقارن) في الأردن، لزيادة مخزون المياه في خزان بحيرة طبرية.

        وقد شكّلت الحكومات العربية، المصرية والسورية واللبنانية والأردنية، لجنة فنية من الخبراء العرب، لدراسة هذا المشروع، وإبداء رأيهم فيه. وفيما يلي اعتراض لجنة الخبراء العرب على المشروع:

أولاً: رفضت لجنة الخبراء العرب مبدأ تخزين مياه نهر اليرموك في بحيرة طبرية، لأن معظم هذه البحيرة، يقع تحت إشراف السلطة اليهودية، بينما تنبع هذه المياه من أراضٍ عربية.

ثانياً: في ما يتعلق بإنشاء سد المقارن على نهر اليرموك، يقترح مشروع جونستون جعل هذا السد بارتفاع 58 متراً، بطاقة تخزينية 73 مليون متر مكعب من الماء، وتصريف بقية المياه إلى بحيرة طبرية. على أن يكون في الإمكان تعلية السد إلى ارتفاع 95 متراً، في المستقبل، لحجز 195مليون متر مكعب، إذا دعت الحاجة إلى تخزين كمية أكبر من المياه، لري الأراضي. ويبدو أن الغاية من ذلك أن يتكلف مشروع جونستون الإنفاق على تعلية السد وزيادة التخزين. وأن تمول المشروع الحكومتان السورية والأردنية، كل منهما من ميزانيتها الخاصة. ولذلك، اعترضت لجنة الخبراء العرب على هذا الاقتراح، وطالبت بإنشاء السد على نهر اليرموك، بارتفاع 150 متراً، من البداية، لحجز 400 مليون متر مكعب من الماء، للاستفادة منها في ري الأراضي وتوليد الكهرباء.

ثالثاً: يقترح مشروع جونستون، أن تكون محطة توليد القوة الكهربائية في العدسية (الأردن)، بقوة 23 ألف كيلو وات، على أن تزداد قوتها إلى 28 ألف كيلو وات، إذا زاد ارتفاع السد. لكنه يرجئ أمر إنشاء هذه المحطة، بحجة أن الأردن في غير حاجة إليها الآن. ويبدو أن سبب الإرجاء هو توفير نفقات إنشائها، وإلقاء هذه النفقات على عاتق الحكومة الأردنية، إذا ما رغبت في إنشائها، في المستقبل.

رابعاً: اعترضت لجنة الخبراء العرب على اقتراح مشروع جونستون، إنشاء محطة توليد الطاقة الكهربائية من مياه الحاصباني، في مستعمرة "تل حي" اليهودية، وحرمان لبنان من الاستفادة منها. وطالبت بإنشاء هذه المحطة في الأراضي اللبنانية، وإمداد اليهود بما يزيد على حاجة لبنان من الكهرباء.

خامساً: بموجب مشروع جونستون، لا تستطيع سورية أن تروي أكثر من ثلاثين ألف دونم من الأراضي الزراعية، من مياه نهر اليرموك. كما أن المشروع يحرمها من الاستفادة من مياه نهرَي بانياس ودان وتل القاضي، في ري أي مساحة من الأرض. على حين قررت لجنة الخبراء العرب، أن سورية تستطيع أن تروي ما مساحته 68 ألف دونم من مياه نهر اليرموك، و20 ألف دونم من مياه نهر بانياس، و22 ألف دونم من مياه نهر الأردن.

سادساً: بينما يحرم مشروع جونستون الأراضي اللبنانية من أي ري من مياه نهر الحاصباني، بعد إنشاء سدّ عليه، وتحويل مياهه إلى المنطقة اليهودية، تقرر لجنة الخبراء العرب، أن في الاستطاعة ري ثلاثين ألف دونم من الأراضي اللبنانية، من مياه النهر.

        وقد ارتفعت أصوات الاحتجاج العربية، الشعبية والرسمية، تطالب برفض مشروع جونستون. وكان الفلسطينيون أول من رفع صوته باستنكارها، وآخر قرار لهم برفض مشروعات جونستون، هو القرار الذي اتخذه مؤتمر اللاجئين، المنعقد في القدس، بتاريخ 20 يوليه 1955.

الموقف الفلسطيني من مشروع جونستون

        اتخذ مؤتمر اللاجئين الفلسطينيين، الذي انعقد في القدس، بتاريخ 20 يوليه 1955، قراراً بالإجماع برفض المشروع، جاء فيه: يرفض اللاجئون الفلسطينيون كل مشروع، أو تفكير يرمي إلى تصفية قضية اللاجئين، وحل قضية فلسطين حلاٍّ، لا يحقق المطالب الوطنية. كما يرفضون مشاريع الإسكان، ومشروع جونستون، الذي يؤدي، في النهاية، إلى عقد صلح مع إسرائيل أو التعاون معها".

        كما أصدرت اللجنة التنفيذية لمؤتمر اللاجئين، في قطاع غزة، مذكرة، أرسلتها إلى رؤساء الحكومات العربية. ومما جاء في هذه المذكرة: "إن دولة إسرائيل، ما هي إلا بذرة الاستعمار الأنجلو ـ أمريكي في البلاد العربية. ولن يكون نضال العرب نضالاً صحيحاً، منبعثاً من الأماني القومية للأمة العربية، إلاّ إذا حاربنا الأصل والفرع، والذين أمدّوا إسرائيل بالحياة، ولا يزالون يمدّونها. وإن في معاونة الاستعمار أو مهادنته تدعيماً لإسرائيل، وتثبيتاً لأركانها، وتقوية لبنائها. وهاهو الاستعمار يأتي بمشروع جونستون، الذي أُعد لتوطين عرب فلسطين في البلاد العربية، وإعطاء إسرائيل كميات كبيرة من المياه العربية، لاستصلاح الأرض المغتصبة، حتى تتسع ليهود آخرين، يجلبون إليها من مختلف بقاع العالم. فإذا ما وافقت الدول العربية على مشروع جونستون وأمثاله، الذي يرفضه عرب فلسطين، إنما تكون:

  1. قد باعدت بين عرب فلسطين وعودتهم إلى بلادهم، بتوطينهم في البلاد العربية.
  2. قد قضت على قرارات الأمم المتحدة، في خصوص فلسطين.
  3. قد قوَّت إسرائيل، بجلب إمدادات جديدة من الرجال، تكون مادة هذه الدولة، لتلتهم بلداً بعد آخر من البلاد العربية، حتى يتحقق الحلم، وتصبح إسرائيل من الفرات إلى النيل".

        فالموافقة على مشروع جونستون، وأشباهه من مشاريع الاستعمار، لا تقضي به الدول العربية على فلسطين بالاندثار من الوجود فحسب بل تقضي به كل دولة من هذه الدول بالإعدام على شعبها نفسه".




[1]  في 14 أبريل 1948، صدر قرار مجلس الأمن الرقم 46، يدعو إلى وقف العمليات العسكرية في فلسطين.

[2]  تقرر أن تعرض لجنة من الجمعية العامة، مكونة من الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية  والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، اقتراحاً بأسماء الدول الثلاث، التي ستتكون منها ``لجنة التوفيق``، على الجمعية العامة، لموافقتها قبل نهاية القسم الأول من دورتها الحالية. واقترحت اللجنة، فرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، لتكوين ``لجنة التوفيق والمصالحة``. وقد أقرت الجمعية الاقتراح.

[3]  كان من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في منطقة الشرق الأوسط، قبل قيام ثورة 23 يوليه 1952. ثم أصبح، خلال فترة إدارة الرئيس أيزنهاور، عام 1953، المستشار الشخصي لوزير الخارجية، جون فوستر دالاس.

[4]  عمل وزيراً للبحرية، عامَي 1953، 1954، ثم نائباً لوزير الدفاع، حتى يوليه 1955، ثم خلف جورج همفري، كوزير للخزانة، عام 1957.

[5]  ممثل الحكومة الإسرائيلية، في المباحثات، التي أجراها أندرسون.

[6]  وُلد في روسيا، 15 أكتوبر 1894، وتوفـي عام 1965. هاجر إلى فلسطين عام 1906، وأصبح، في عام 1933، عضواً بارزاً في الوكالة اليهودية، وأحد المساعدين المقربين إلى ديفيد بن جوريون. من حزب الماباي. تولى وزارة الخارجية، من  مايو 1948 إلى يناير 1954. وتولى رئاسة الوزارة ووزارة الخارجية، من يناير 1954 إلى نوفمبر 1955. ثم عيِّن وزيراً للخارجية من نوفمبر 1955 إلى يونيه 1956. راجع: مايكل بريشر، ``نظام السياسة الخارجية لإسرائيل``، إعداد مركز البحوث والمعلومات، لندن، جامعة أكسفورد، 1972، ص 892.

[7]  رجل سياسي لبناني، درس الحقوق، وشغل منصب رئيس الوزراء، في لبنان، عدة مرات.