إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / اتفاقيات السلام العربية ـ الإسرائيلية خلال القرن العشرين





الحدود الأردنية الإسرائيلية
الحدود بين الأردن وفلسطين
قرار تقسيم فلسطين




المبحث الأول

المبحث الثاني

اتفاق كامب ديفيد سبتمبر 1978

أولاً: بدء المحادثات والموقفين المصري والإسرائيلي

في أعقاب مؤتمر قلعة ليدز، عادت إسرائيل إلى ممارسة المراوغة والتعويق، وواصلت بناء المستعمرات في الأراضي المحتلة، ورفضت القيام بأي لمحة تعبر عن حسن نواياها، بل إنها اقترحت على الولايات المتحدة الأمريكية التخلي عن فكرة التوصل إلى التسوية الشاملة، والاكتفاء بعقد اتفاقيات مرحلية، وبناء على ذلك طلبت القيادة السياسية المصرية من البعثة العسكرية الإسرائيلية التابعة للوفد الإسرائيلي في اللجنة العسكرية، مغادرة مصر في 27 يوليه 1978.

وللتغلب على هذه الأزمة وجهت القيادة السياسية الأمريكية الدعوة لعقد قمة ثلاثية في كامب ديفيد (Camp David)، يحضرها رؤساء مصر وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

ومع بدء محادثات كامب ديفيد في الخامس من سبتمبر 1978، تبلور الموقف المصري في شكل مشروع متكامل اشتمل على العناصر الأساسية الآتية:

1. الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، وإزالة المستوطنات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة طبقاً لجدول زمني.

2. ضمان الأمن والسيادة، والسلام الإقليمي، والاستقلال السياسي لكل دولة عن طريق ترتيبات تشمل إقامة مناطق منزوعة السلاح، ومناطق محدودة القوات، ووضع قوات عازلة تابعة للأمم المتحدة على جانبي الحدود، ووضع نظام للإنذار المبكر على أساس المعاملة بالمثل، وتحديد نوع الأسلحة التي تحصل عليها دول الصراع، مع ضرورة انضمام الأطراف إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

3. تعهد جميع الأطراف بعدم اللجوء للقوة، أو استخدامها لتسوية المنازعات، وحل ما يثار من منازعات بالوسائل السلمية.

4. إلغاء نظام الحكم العسكري، والإدارة المدنية الإسرائيلية من الضفة الغربية وقطاع غزة، بمجرد التوقيع على معاهدة السلام، وانتقال السلطة إلى الجانب العربي على نحو سلمى منظم.

5. انسحاب إسرائيل من القدس إلى خط الهدنة المبين في اتفاقية الهدنة عام 1948، طبقاً لمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأرض بطريق الحرب، على أن تعود السيادة العربية على القدس.

6. إقامة علاقات طبيعية بين الأطراف بالتوازي الزمني، مع تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي.

7. تعهد إسرائيل بدفع تعويضات شاملة عن الأضرار الناتجة عن العمليات التي نفذتها قواتها المسلحة ضد السكان والمنشآت المدنية، وكذلك عن استغلالها للموارد الطبيعية في الأراضي المحتلة.

8. اشتراك ممثلي الشعب الفلسطيني في محادثات السلام.

9. إبرام معاهدة السلام خلال ثلاثة شهور من تاريخ توقيع إعلان المبادئ.

10. اشتراك الولايات المتحدة الأمريكية في المحادثات المتعلقة بكيفية تنفيذ الاتفاق، مع ضمانها لتنفيذ إطار ومعاهدات السلام.

11. ضمان مجلس الأمن لمعاهدات السلام، وتحققه من احترام جميع أحكامها، وضمانه للحدود بين الأطراف.

كذلك يمكن استخلاص الموقف الإسرائيلي قبيل قمة كامب ديفيد من مناقشة مجلس الوزراء الإسرائيلي، والكنيست الإسرائيلي، وتصريحات المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية في الآتي:

1. يجب أن تكون المفاوضات مباشرة، وألا تتقدم الولايات المتحدة الأمريكية بأية مقترحات.

2. أن تكون الامتيازات متبادلة بين الأطراف، وأن يكون قرار مجلس الأمن رقم 242، وليس أية قرارات أخرى للأمم المتحدة، هو الأساس للمفاوضات.

3. عدم التحدث عن الضفة الغربية؛ لأنها من اختصاص الأردن، وليس لمصر تفويض بالحديث في هذا الشأن، مع تجاهل موضوع الجولان.

4. وفي الوقت نفسه يمكن عقد اتفاقيتين في كامب ديفيد: الأولى تتعلق بإجراء تسوية مع مصر حول سيناء والأخرى تتعلق بالحكم الذاتي الفلسطيني.

5. كذلك تبلور الموقف الإسرائيلي في عدم مناقشة موضوع القدس الشرقية، وضرورة استمرارها تحت السيطرة الإسرائيلية، مع إعطاء العرب حق الدخول والخروج والإشراف المدني على المناطق المقدسة العربية.

6. على الوفد في كامب ديفيد محاولة الوصول إلى اتفاق بين الأطراف، وليس إعلان مبادئ.

ثانياً: الدوافع وراء عقد اتفاقيتي كامب ديفيد

وقد كان لموافقة إسرائيل على عقد اتفاق كامب ديفيد، بوثيقتيها[1]، دوافع عديدة، وهى تعدّ مدخلات الموافقة، وتتركز في الرغبة بالاحتفاظ بقوة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية عسكرياً واقتصاديا وتحسين موقفها الدولي، واقتصار الاتفاقية الخاصة بالسلام على إطار عام لم يوضح وضعاً معيناً بذاته للضفة وغزة، مع عدم النص في الاتفاقية على عدم جواز اكتساب الأرض بالحرب، مكتفية بالإشارة إلى القرار رقم 242، كما نصت على حق الاعتراض بالنسبة للمسائل المهمة الخاصة بالمشكلة الفلسطينية، كما وصفت السلطة الفلسطينية بأنها ذات طبيعة إدارية وليست سياسية "حكم ذاتي إداري"، وفي الوقت نفسه، لم تتطرق لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولم تتعرض لمشكلة القدس، واكتفت بتبادل الخطابات في هذا الشأن بالاتفاقية.

تتمثل الدوافع الحقيقية للموقف المصري من خلال التأكيد على أن الوجود الإسرائيلي أصبح واقعاً إقليمياً ودولياً، تلتزم القوى الكبرى بما فيها الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية بضمان أمنه وحماية شرعية بقائه، وأن الدول العربية قد ارتضت الالتجاء إلى الوسائل السلمية من خلال قبولها المشاركة في مؤتمر جنيف، وقد ظل مجال الدعوة إلى استئناف المؤتمر متعثراً منذ آخر انعقاد له في ديسمبر 1973- يناير 1974، هذا بالإضافة إلى عدم إمكان الاتفاق على نوع اللجان فيه، كما أن البيان السوفيتي الأمريكي الذي أعلن في مطلع أكتوبر 1977، وقبل قيام الرئيس الراحل السادات بمبادرة السلام، قد حقق الخطوة العامة لأساس انعقاد مؤتمر جنيف وهى انسحاب إسرائيل من "أرض عربية محتلة" ـ طبقاً للتفسير الإسرائيلي ـ طبقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 242، وضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات طبيعية بالإضافة إلى الاتفاق على بعض إجراءات لضمان أمن الحدود بين إسرائيل وجيرانها العرب.

ثالثاً: المفاوضات حول القضية الفلسطينية

في 13 أكتوبر 1978، تقدمت مصر بمذكرة إلى وزارة الخارجية الأمريكية حول المفاوضات المتعلقة بالضفة الغربية وغزة تضمنت الخطوات التي يتعين على حكومة إسرائيل اتخاذها لإيجاد مناخ يؤدى إلى تنفيذ سليم لنصوص الاتفاق، وكذلك أرسلت مصر إلى الخارجية الأمريكية عدداً من الخطابات الخاصة بهذا الموضوع.

كما تقدمت مصر إلى الخارجية الأمريكية بنقاط خمس عاجلة مقترحة تكون مقدمة لإجراءات بناء الثقة في الأراضي المحتلة في 23 فبراير 1979 وقد تضمنت: "رفع الحظر عن الأنشطة السياسية والسماح بمزاولتها، وإزالة القيود على حرية انتقال السكان، والعفو عن المسجونين السياسيين، بالإضافة إلى اتخاذ الخطوات لجمع شمل العائلات من خلال عودة أعداد من النازحين منذ عام 1967، مع العمل على نقل قيادة القوات الإسرائيلية من مواقعها الحالية إلى مواقع خارج المدن والقرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، ووقف المناورات العسكرية في هذه الأراضي[2].

وفي 26 مارس 1979 أرسل الرئيس الأمريكي خطاباً مشتركاً إلى رئيس جمهورية مصر العربية "أنور السادات" و"مناحم بيجن" رئيس وزراء إسرائيل حول محادثات الحكم الذاتي وكان الخطاب يؤكد على ما تم الاتفاق عليه بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد[3].

وفي نطاق مباحثات الحكم الذاتي عقد الاجتماع يوم 25 مايو 1979 في إسرائيل بين وزراء خارجية الدول الثلاث "مصر ـ إسرائيل ـ الولايات المتحدة الأمريكية[4]، هذا وقد ألقى مندوب مصر كلمة أكد فيها على إن هذه اللجنة مفوضة لتقرير مستقبل الشعب الفلسطيني، وأنه يجب احترام مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب، بالإضافة إلى ضرورة احترام القرار 242 بكل أجزائه بالنسبة للحل الكامل للمشكلة الفلسطينية كما نص عليها "الإطار".

في الاجتماع الذي عقد في هرتزيليا في 25 يونيه 1979، حول إجراء مفاوضات إقامة سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة، تقدمت مصر بمقترحات محددة تشمل الموضوعات المراد دراستها ومقترحات تنفيذها، حيث اشتملت على الأسس التالية: نصوص ميثاق الأمم المتحدة، نصوص قراري مجلس الأمن رقم 242، ورقم 338، وإطار السلام في الشرق الأوسط، والخطاب المشترك الموجه للرئيس كارتر في 24 مارس 1979، والهدفين النهائي والانتقالي، والهدف من الفترة الانتقالية، والفترة الانتقالية، وسلطة الحكم الذاتي[5].

كما تقدمت مصر، خلال الاجتماع الذي عقد في تل أبيب في 28 يناير 1980، بنموذج مقترح للحكم الذاتي الكامل للضفة الغربية وقطاع غزة، الذي اشتمل على مقدمة توضح الإطار الواجب الاهتداء به في تحديد سلطات الحكومة العسكرية ومسؤولياتها وإداراتها المدنية، وانسحاب الحكومة العسكرية، ونقل السلطة، إضافة إلى المسؤوليات التي تمارسها سلطة الحكم الذاتي.

ومن ناحية أخرى أرسلت مصر العديد من الخطابات إلى وزير الخارجية الأمريكي تعبر فيها عن رأى مصر في الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة الرامية لتغيير السمة الجغرافية مع زيادة حجم المستوطنات الإسرائيلية بها.

وفى اجتماع أول مايو 1980 في هرتزيليا، تقدم الوفد المصري بسبع نقاط محددة لتحقيق أهداف إطار العمل الخاص بالسلام في الشرق الأوسط، وتتلخص في الآتي:

1. يمنح السكان الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة حكماً ذاتياً كاملاً، مما يتطلب ـ وفقاً لقواعد القانون الدولي ـ ممارسة سلطات تشريعية، وتنفيذية، وقضائية.

2. تتألف سلطة الحكم الذاتي المنتخبة من عدد مناسب من الممثلين المنتخبين.

3. ينبغي الاتفاق على وقف إنشاء المستوطنات وقف التوسع فيها.

4. بما أن القدس الشرقية تعد جزءاً لا يتجزأ من الضفة الغربية، فينبغي أن يكون لسكان القدس العربية الحق في المشاركة في انتخابات سلطة الحكم الذاتي.

5. ينبغي إيلاء الاهتمام المناسب بمسائل الأمن المشروع لكافة الأطراف.

6. تمارس سلطة الحكم الذاتي المنتخبة سلطاتها خلال الفترة الانتقالية التي سيحدد في نهايتها الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة.

وفى نهاية المباحثات تقدمت مصر في الرابع من مايو 1980، بمشروع الاتفاق على رؤوس موضوعات تتضمن: "الانتخابات، والفترة الانتقالية، وانسحاب الحكومة العسكرية، وسلطات السلطة ومسؤولياتها، واللجنة المستمرة، والمفاوضات الخاصة بالوضع النهائي".

ومن أجل الحفاظ على قوة الدفع نحو تسوية سلمية شاملة والتغلب على الصعوبات التي نشأت خلال المفاوضات حول إقامة الحكم الذاتي الكامل، فقد تقدمت مصر بمشروع اتفاق في 25 يوليه 1980، سُلّم إلى الجانب الأمريكي في نيويورك، يتضمن بعض المقترحات التي يجب أن تتخذ خلال هذه المرحلة، بالإضافة إلى بعض الترتيبات لخفض إعداد القوات الإسرائيلية بالضفة الغربية وقطاع غزة خلال المرحلة التمهيدية، وكيفية اتخاذ إجراءات بناء الثقة بالضفة الغربية وقطاع غزة خلال هذه المرحلة، مع عدم اتخاذ أية تدابير من جانب واحد تؤثر في الوضع السكاني، أو الجغرافي، أو القانوني للضفة الغربية وقطاع غزة خلال هذه الفترة.

عموماً يمكننا القول: إنه من خلال تلك الاجتماعات التي عقدت خلال عامي 1979 ، 1980 بشأن إقامة ترتيبات انتقالية في الضفة الغربية وغزة، كان هناك الكثير من نقاط الخلاف بين الجانبين المصري والإسرائيلي، والتي تركزت حول القدس، والمستوطنات الإسرائيلية، وطرق اشتراك الفلسطينيين في عملية السلام، وشكل الحكم الذاتي الفلسطيني بالأراضي المحتلة، والسلطات والمستوطنات التي ستمارسها سلطة الحكم الذاتي "المجلس الإداري وفقاً لاتفاقيات كامب ديفيد"، وشكل الانتخابات بالأراضي المحتلة ونظامها.

رابعاً: معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية "مارس 1979"

استمرت الاتصالات لعدة أسابيع قبل أن يحدث تقارب في وجهة النظر المصرية الأمريكية من ناحية، والإسرائيلية من ناحية أخرى بشأن موضوع الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبدأت المرحلة الثانية من مفاوضات معاهدة السلام في واشنطن في منتصف شهر مارس 1979، ولم تستغرق هذه المرحلة أكثر من عشرة أيام، وصل خلالها إلى واشنطن الرئيس السادات، ومناحم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلي، حيث ظلت المباحثات بشأن ما بقي من موضوعات معلقاً سواء بشأن الحكم الذاتي أو بشأن بترول سيناء حتى اليوم السابق لتوقيع المعاهدة.

وتم الاتفاق على صيغة الخطابات المتبادلة والمتطابقة بشأن موضوع الحكم الذاتي، التي اتخذت وثيقة ملحقة بمعاهدة السلام، وتم التوقيع عليها ضمن وثائق المعاهدة في 26 مارس 1979، وقد تضمنت الخطابات المتبادلة، الخطوات العملية التي ستتخذ من أجل تحقيق تسوية شاملة تتفق مع ما جاء في إطار السلام والبدء في تنفيذ النصوص الخاصة بالضفة الغربية وقطاع غزة.

هذا وقد وقعت مصر وإسرائيل على معاهدة السلام في 26 مارس 1979، التي تألفت من ديباجة وتسع مواد أساسية، وألحقت بها بعض الملاحق والوثائق الخاصة ببروتوكول انسحاب إسرائيل من سيناء وترتيبات الأمن، وتطبيع العلاقات، وكذلك تفسيرات لبعض المواد، كما ألحقت بها الخرائط التوضيحية اللازمة. والمعاهدة ما هي إلا خطوة على طريق السلام الشامل في المنطقة وفتحت فرص السلام بين إسرائيل وأي من جيرانها العرب (الفقرتان الرابعة والسادسة من الديباجة).

1. تحليل لمعاهدة السلام

أ. تميز الانسحاب من سيناء بالشمول سواء للقوات العسكرية أو المدنيين وتصفية المستوطنات، بما يترتب عليه ممارسة مصر لسيادتها على كل سيناء.

ب. حرصت مصر على عدم المساس بوضع قطاع غزة "أرضاً محتلة يمكن التفاوض بشأنها مثل الضفة الغربية"، حيث نصت المادة الرابعة أن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، وذلك دون المساس بما يتعلق بوضع قطاع غزة.

ج. تحقق ترتيبات الأمن المتبادلة الحد الأقصى لأمن إسرائيل وأمن مصر نسبياً، بما تضمنته من إقامة مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية والإسرائيلية، كما أن هذه الترتيبات ذات طابع مؤقت يمكن تعديلها بناء على طلب أحد الطرفين "المادة الرابعة".

د. حرصت مصر على أن تتضمن التغييرات الرسمية في المحضر المتفق عليه، إعادة النظر في ترتيبات الأمن المتبادلة خلال ثلاثة شهور من طلب أحد الطرفين، وهذا يتيح لمصر طلب إعادة توزيع حجم القوات في سيناء في المستقبل وتعديله، على ضوء تطور عملية السلام.

هـ. في الوقت نفسه فإن المعاهدة حققت أولى خطوات حل القضية الفلسطينية بتوقيع الاتفاق التكميلي، الذي يستهدف إقامة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة، كذلك فرضت المعاهدة على إسرائيل ـ لأول مرة ـ قبول الانسحاب من كل الأراضي المصرية المحتلة، ويمكن المطالبة في أي مفاوضات مقبلة بتطبيق هذا المبدأ على باقي الأراضي العربية المحتلة في إطار التسوية الشاملة.

و. تعدّ المعاهدة أول تجربة لإيجاد أسلوب آخر لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي يمكن الاستفادة من إيجابياتها وتفادي سلبياتها في أي تعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل مستقبلاً في طريق التسوية الشاملة.

ز. ويمكن القول: إن المعاهدة حققت ـ من وجهة النظر الإسرائيلية ـ العديد من المزايا مثل؛ اكتسابها لشرعية الوجود في المنطقة، مع تحقيق ضمانات أمن كافية كانت تسعى إليها، كذلك نجحت في تحييد الجبهة المصرية التي تعدّ أقوى الجبهات أمامها، وبذلك يمكن أن تعمل بحرية على الجبهات الأخرى.

ح. نصوص المعاهدة لم تلزم إسرائيل في نص مباشر بتحقيق الحكم الذاتي الفلسطيني، وإنما جاء هذا الاتفاق في خطاب متبادل، وبذلك يمكنها المماطلة والتسويف في هذا الموضوع، كما ضمنت لها حرية الملاحة في قناة السويس وخليج العقبة، وكذلك العبور الجوى لطائراتها في الأجواء المصرية، وهذا يتيح لها تنمية اقتصادها.

ط. المعاهدة لم تلزم إسرائيل بأية التزامات خاصة بالقدس، وبذلك فإنها تحقق أهداف إسرائيل في اتخاذها عاصمة لها، وهذا ما تنبهت إليه مبادرة الرئيس السابق ريجان[6]، مما يعدّ أحد إيجابيات هذه المبادرة.

ي. إن إتمام المعاهدة خارج جهود الأمم المتحدة لا يلزم إسرائيل بأي التزام يجمع عليه المجتمع الدولي، وفى الوقت نفسه فإن ضمانات الولايات المتحدة الأمريكية وحدها لتنفيذ المعاهدة يحقق لإسرائيل إمكانية التدخل الأمريكي إلى جانبها في حالة خرق بند من بنود المعاهدة أو التهديد بذلك، بل إن إسرائيل تعد هذه المعاهدة سلاماً منفرداً مع مصر، ولا تلزمها بأية التزامات مع الدول العربية الأخرى، إلى أن تحقق مع هذه الدول تسوية سلمية.

2. موقف الدول العربية ونظرتها للمعاهدة

عارضت الدول العربية ـ عدا السودان وسلطنة عُمان ـ النتائج التي توصلت إليها جهود السلام، وإن اختلفت حدة التعبير عن معارضتها، وتباينت ردود الفعل بين الانتقادات الحادة من جانب مجموعة الرفض التي تزعمتها العراق، وبين الإعلان عن مواقف محددة بشكل متحفظ بزعامة المملكة العربية السعودية، وإلى جانب الكتلة المعارضة، عبرت بعض الدول عن مواقف محايدة، من بينها المغرب وموريتانيا، ويمكن تقسيم موقف الدول العربية طبقاً لما ظهر من مؤتمر بغداد في الثالث من نوفمبر 1978 كالآتي:

أ. العراقي: ويضم العراق، وسورية، واليمن الجنوبية، والجزائر، وليبيا، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتعاطفت أو تعاونت معها المملكة الأردنية الهاشمية، وقد هاجمت هذه الدول معاهدة السلام[7] ورأت أنها لم تسفر عن أية نقاط لصالح القضية الفلسطينية، وأنها تمس صميم عروبة القدس.

ب. المحور السعودي: ويضم السعودية، ودول الخليج، عدا عُمان: واتسم موقف هذه الدول بالاعتدال النسبي والدبلوماسية الهادئة.

ج. لبـنان: اعترضت على كامب ديفيد ومعاهدة السلام؛ لأنها ترى أن الاتفاقيتين قد أغفلتا الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأن معاهدة السلام قد ذكرت الشعب، وأغفلت الأرض.

د. تونس: كان اعتراضها على أساس أن المعاهدة لم تنص على قيام دولة فلسطينية، وعدم احترام الإجماع العربي، كما أن المعاهدة لم تستجب لمطالب الشعوب الإسلامية فيما يتعلق بالقدس.

خامساً: المتغيرات الدولية والإقليمية التي تلت توقيع معاهدة السلام وتأثيرها في إستراتيجية السلام

إن الصراع العربي الإسرائيلي يتأثر وتتحدد مراحله بثلاثة أبعاد رئيسة، هي: الصهيونية العالمية وإسرائيل من ناحية، والعرب والفلسطينيين من ناحية ثانية، ثم الدول العظمى ذات المصلحة والتأثير والتوجيه من ناحية ثالثة.

ومنذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، طرأت على المنطقة تطورات ومتغيرات كثيرة، كان لها أكبر الأثر في مستقبل الصراع بين العرب وإسرائيل، وكان الغزو الإسرائيلي للبنان في الخامس من يونيه 1982 أبرز تلك التطورات، ثم ما تبعه من تقديم مبادرة أمريكية للتسوية السلمية وكذلك النتائج التي توصل إليها مؤتمر القمة العربي بمدينة "فاس" عـام 1982، وتقديمه لمبادرة عربية لتسوية الصراع.

وسنتعرض لبعض المتغيرات التي لها تأثيرها في مستقبل الصراع في الآتي:

1. سياسة إسرائيل بعد معاهدة السلام

تحكمت نظرة إسرائيل لمعاهدة السلام بوصفها حلاً منفرداً مع مصر في صياغة سياستها وقراراتها، وحاولت أن تفرغ اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام من مضمونها وتفصل بين السلام مع مصر ومفهوم التسوية الشاملة بالسعي في اتجاهين متوازيين، الأول تنفيذ التزاماتها على الجبهة المصرية والاتجاه الآخر هو الحيلولة دون التوصل لتنفيذ الشق الثاني من اتفاقية كامب ديفيد، الذي يحقق الحكم الذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن وجهة نظر محايدة، فإن سياسة إسرائيل العدوانية التوسعية لم تتغير كثيراً بعد توقيع معاهدة السلام، ويؤيد هذا الرأي ما تلاها من أحداث مثل؛ تدمير المفاعل النووي العراقي في يونيه1981 وإعلانها ضم هضبة الجولان السورية في ديسمبر1981 ثم عدوانها على لبنان من يونيه 1982.

2. تنفيذ إسرائيل لالتزاماتها على الجبهة المصرية

في 26 أبريل 1982، أتمت إسرائيل انسحابها من سيناء، ولكنها كانت في قلق شديد من احتمال تراجع مصر عن سياستها السلمية وعرقلتها لتطبيع العلاقات، وكذلك تخوفت من احتمالات عودة ربط مصر بالجهود العربية للتسوية، كل ذلك جعلها تثير الكثير من المشكلات قبل إتمام عملية الانسحاب بهدف إشعار مصر بالحساسية الشديدة تجاه أي تحول أو تغيير في السياسة المصرية مستقبلاً.

وكانت الخلافات التي أثارتها إسرائيل مع مصر حول مسألة طابا، تمثل جزءاً من خطتها للإعداد لمرحلة ما بعد الانسحاب، فقد هدفت إلى الإبقاء على وضع طابا معلقاً حتى تستخدمها للمناورة السياسية وتجميد أي جهود للبدء في توسيع عملية السلام.

ويمكن القول إن تنفيذ إسرائيل لالتزاماتها على الجبهة المصرية، كان من منطلق نظرتها لمعاهدة السلام بوصفها حلاً منفرداً مع مصر، لا يلزمها بأية قيود في حركتها على الجبهات الأخرى، ولا يلزمها كذلك بالشق الثاني من التسوية الشاملة، وهو حل المسألة الفلسطينية وتحقيق الحكم الذاتي الكامل.

3. عرقلة إسرائيل لمباحثات الحكم الذاتي

نظراً للتباعد الكبير بين المفهوم المصري والمفهوم الإسرائيلي لمسألة الحكم الذاتي، فقد اتبعت إسرائيل أسلوبي المراوغة والتسويف في المفاوضات بهدف تأجيل البت في هذه المسألة لأطول فترة ممكنةْ، وعملت، في الوقت نفسه، على إيجاد واقع جديد يسمح لها بتنفيذ مخططاتها التوسعية في الأراضي العربية.

وقد نجحت إسرائيل فعلاً في تحقيق أهدافها، وتجاوزت المباحثات حول هذه المسألة شهرها الثلاثين دون التوصل إلى نجاح، ثم توقفت تماماً في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، كما نجحت كذلك في إيجاد واقع جديد بعد غزوها للبنان، وإخراج المقاومة الفلسطينية.

والحكم الذاتي في التصور الإسرائيلي ينبغي النظر إليه في إطار الأساس الاستيطاني الذي يفصل بين السكان والأرض، وهذا هو موقف الحكومة الإسرائيلية منذ أعلنه رئيس وزرائها " مناحم بيجن" في مؤتمر الإسماعيلية عام 1977.

والفترة الانتقالية التي وردت في اتفاقية كامب ديفيد ـ طبقاً للمفهوم الإسرائيلي ـ ما هي إلا فرصة لترتيب السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة وصياغتها، للقبول بالحكم الذاتي في إطار السيادة الإسرائيلية على هذه المناطق. ولتنفيذ هذا المفهوم بدأ النشاط الاستيطاني الإسرائيلي يتصاعد بشكل خطير في تلك المناطق لإيجاد واقع إسرائيلي ينفذ على مدى الخمس سنوات التالية لموازنة الواقع العربي الفلسطيني، حيث بلغ عدد المستوطنات التي أقامتها إسرائيل في الضفة الغربية وغزة حتى أول عـام 1982 86 مستوطنة.

4. ضم إسرائيل لهضبة الجولان السورية

تأتي الجولان في المرتبة الثانية من ناحية الأهمية الإستراتيجية لإسرائيل بعد القدس مباشرة، وقبل الضفة الغربية وقطاع غزة، ولذلك أعلنت إسرائيل في الرابع عشر من ديسمبر1981 ضم تلك الهضبة للأراضي الإسرائيلية، ووقف "بيجن" أمام الكنيست الإسرائيلي يقول: "إن الجولان كانت لأجيال عديدة جزءاً مكملاً لأرض إسرائيل القديمة، وإن قرار ضمها يعدّ قراراً تاريخياً عظيماً".

هذا وتمثل هضبة الجولان أهمية إستراتيجية بالنسبة لإسرائيل؛ نتيجة لارتفاعها وإشرافها على المناطق الإسرائيلية المتاخمة لها، مما يهدد القرى الآهلة بالسكان في شمال إسرائيل، علاوة على أن ثلث موارد إسرائيل من المياه يأتي من منحدرات تلك الهضبة.

ولمّا كانت سيطرة سورية على لبنان تهدد الأوضاع الدفاعية لإسرائيل من ناحية الشمال، فإن الوجود الإسرائيلي في الجولان يؤمن تلك الأوضاع ، وتتميز هضبة الجولان بقلة عدد السكان، وهذا يسهل عملية الاستيطان اليهودي بها، إذ لا يتجاوز عدد سكان الجولان 13 ألف نسمة، أغلبهم من الدروز، وتهدف إسرائيل إلى توطين ما يوازيهم من اليهود، وزراعة 120 ألف دونم، كما يتجاوز عدد المستوطنات الإسرائيلية في الهضبة أكثر من عشرين مستوطنة.

5. مشكلة طابا

نصّت معاهدة السلام، التي أبرمت بين جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل في 26 مارس 1979، على أن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية المتعارف عليها بين مصر وأرض فلسطين التي كانت تحت الانتداب سابقاً، وقد توصلت اللجنة المشتركة التي تم تشكيلها إلى اتفاق حول مواقع الجانب الأعظم من المائة علامة التي ترسم الحدود.

وفيما يتعلق بالعلامات مثار الخلاف فقد اتفق الجانبان في 25 أبريل 1982 على طرح القضايا الفنية المتبقية فيما يتعلق بالحدود الدولية إلى إجراء متفق عليه، الذي من شأنه أن يحقق حلاً نهائياً وكاملاً بما يتفق مع معاهدة السلام ، ولكن لم تسفر المفاوضات بين الطرفين عن نتيجة.

وفى 11 سبتمبر1986، اتفق الطرفان على إحالة خلافاتهما، فيما يتعلق بموقع أربع عشرة علامة من علامات الحدود إلى لجنة للتحكيم، وتطبيقاً لأحكام تسوية التحكيم فإن الأطراف تبادلت المذكرات والمذكرات المضادة وردود الإدعاء بناء على طلب مشترك للجانبين.

وسبق جلسات الاستماع تفقد عدد من المواقع المتنازع عليها وتم سماع الإدعاء والحجج شفهياً في جلستين، والمعروف أن الحدود الدولية بين مصر وإسرائيل كانت قد حُددت أصلاً بمقتضى اتفاق أول أكتوبر 1906 بين السلطنة التركية والخديوية المصرية. ولم يطرأ أي تغيير على خط الحدود سواء حين أصبحت مصر مستقلة، أو عندما أصبحت فلسطين ـ أبان فترة عصبة الأمم ـ أرضاً تحت الانتداب وخاضعة للإدارة البريطانية، كما لم تحدث أي تغييرات أثناء فترة الانتداب أو بعدها، وطبقاً للخلاف الذي نشأ بين اللجنة العليا المشتركة بين مصر وإسرائيل لتنفيذ المعاهدة والاتفاق على مسائل التطبيع، فقد حدث خلاف بين الجانبين على تحديد بعض نقط الحدود الدولية خاصة النقطة رقم 91 في موقع طابا، وبناء على هذه الخلافات وعدم الاتفاق في الرأي وطبقاً للمادة السابعة من معاهدة السلام، فقد اتفق الطرفان على إحالة المشكلة إلى لجنة للتحكيم.

6. طابا ومشارطة التحكيم

أ. طابا واتفاقية الحدود في أول أكتوبر 1906

أبرمت هذه الاتفاقية بين مندوبي الدولة العلية، ومندوبي الخديوية الجليلة المصرية في 13 شعبان المعظم 1324 هجرية الموافق أول أكتوبر 1906، بشأن تعيين خط فاصل إداري بينهما وفقاً للخريطة المرفوعة لهذه الاتفاقية، من نقطة رأس طابا الكائنة، على الساحل الغربي بخليج العقبة، يمتد إلى قمة جبل فورت، ثم يتجه إلى نقطة لا تتجاوز مائتي متر إلى الشرق من قمة جبل فتحي باشا، ومنها إلى نقطة تلاقي امتداد هذا الخط بالعامود المقام، من نقطة على مائتي متر في قمة جبل فتحي باشا، على الخط الذي يربط مركز تلك القمة بنقطة المفرق "هي ملتقى طريق غزة إلى العقبة بطريق نخل إلى العقبة"، ومن نقطة التلاقي المذكورة إلى الثيلة، وتستمر في شرح الحدود حتى شاطئ البحر المتوسط.

هذا وقد دلت الوثائق على أن موقع طابا المحدد في اتفاقية عام 1906، والموضح بالخريطة هو مصري وذلك طبقاً للآتي:

(1) مذكرة من لويد المندوب السامي البريطاني إلى وزير الخارجية المصرية عبد الخالق ثروت عام 1926، التي نصّت على أن الحدود بين مصر وفلسطين هي الحدود التي حُددت في اتفاق عـام 1906 نفسها وأنه لم يتم المساس بهذه الحدود.

(2) عدد من تقارير المخابرات المصرية في أغسطس 1914 وتؤكد جميعها على الحدود المصرية.

(3) عدد من التقارير السنوية لمصلحة الحدود المصرية في الفترة من عام 1931 - 1933، ويوضح فيها موقع نقطة مركز البوليس المصري في أم الرشراش[8] على خليج العقبة، الذي وصفته بأنه موقع مناسب لأهداف الأمن العام لموقعها العام وارتفاعها.

(4) كتاب الإحصاء السنوي لمصر عام 1909 الصادر عن وزارة المالية، الذي أوضح حدود مصر الشمالية والجنوبية والشرقية، فيذكر الحدود المصرية شرقاً، ثم وضع خط الحدود عام 1907 ويمتد من رفح قرب السويس إلى رأس خليج العقبة عند طابا خط عرض 521 529 شمالاً، وخط طول 34  555 شرقاً، صخرة جرانيتية على الساحل" ومن ثم يتجه جنوباً إلى البحر الأحمر حتى خط عرض 522شمالاً الذي يشكل حدود السودان الشمالية.

(5) ما ذكره كتاب نعوم شقير "تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها"، الذي حدد في فقراته الحدود المصرية.

(6) ترسيم الحدود الذي ورد في كتيب عن فلسطين وشرق الأردن أصدرته إدارة مخابرات البحرية البريطانية في ديسمبر 1943، الذي يذكر: "يمتد خط حدود فلسطين من العقبة على طول الخليج إلى بير طابا ثم باتجاه شمالي غربي إلى البحر المتوسط إلى الشمال الغربي من رفح مباشرة " خط عرض 531 519 شمالاً، وخط طول 34  513 شرقاً.

ب. قرار هيئة التحكيم

طبقاً لما رأته المحكمة، وبناء على الأدلة الوثائقية المصرية، قررت هيئة التحكيم: "أن موقع علامة الحدود رقم 91 هو الموقع نفسه الذي قدمته مصر، وأن المحكمة لا تملك سلطة تحديد الخط الذي يفصل بين العلامة 91 وشاطئ خليج العقبة وما بعده".

وترى المحكمة، بالنسبة لتنفيذ الحكم، أن المادة الرابعة عشرة من شروط التحكيم تنص على الآتي:

(1) مصر وإسرائيل متفقتان على أن حكم المحكمة نهائي وملزم.

(2) يتعهد الطرفان بتنفيذ هذا الحكم وفقاً لمعاهدة السلام في أسرع وقت ممكن بمبدأ حسن النية.

والمحكمة ترى، طبقاً لوجهات النظر التي أيدها الطرفان، أن جهاز الاتصال المنصوص عليه في الملحق رقم واحد من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، سوف يتولى تنفيذ هذا الحكم، وأن علامة الحدود رقم 90 المتفق عليها يمكن أن تكون نموذجاً لنوع وأسلوب إقامة علامات الحدود[9].

ظلت مشكلة طابا معلقة منذ أن تم الانسحاب الإسرائيلي من سيناء عام 1982، إلى أن أصدرت هيئة التحكيم الدولية بجنيف حكمها بشأن مشكلة طابا في 29 سبتمبر 1988، حيث خاضت مصر صراعاً دولياً مريراً من أجل استعادتها إلى السيادة المصرية، وقد دارت المباحثات منذ الاتفاق المصري الإسرائيلي على شروط التحكيم، مدعمة بالمستندات والوثائق والخرائط التي وضعها الخبراء العسكريون استنادا على الحقوق التاريخية، وأسهم في إبراز معاينتها ودلالاتها الجغرافية والتاريخية والقانونية، عدد من أبرز الأساتذة المتخصصين المصريين، وهكذا لم تأل مصر جهداً في إثبات شرعية سيادتها على طابا، متذرعة طوال هذه السنوات بعناصر الثقة والإيمان بعدالة قضيتها.

وفى مجال المفاوضات التي دارت بين الطرفين المصري والإسرائيلي من أجل تنفيذ حكم المحكمة، تم توقيع اتفاق تنفيذي في روما يوم 29 نوفمبر 1988، يتضمن النص على تحديد علامات الحدود الأربع عشرة وفقاً للحكم الصادر من هيئة التحكيم والانسحاب الإسرائيلي إلى ما وراء العلامات فور تحديدها، أما النتيجة النهائية للمفاوضات فقد تمثلت في الاتفاق الذي أصبح نافذاً ابتداء من 15 مارس 1989 والذي تحقق بموجبه سحب إسرائيل لكامل قواتها من منطقة طابا التي أعيدت إلى السيادة المصرية، في مقابل ترتيبات معينة التزمت بها مصر، وشملت التعويض عن المنشآت السياحية التي آلت ملكيتها إلى مصر.

وبهذا يمكن القول:

(1) إن نصوص معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، التي وافقت عليها الدولتان، طبقت فعلاً على ترسيم الحدود في طابا، حيث استفادت مصر من نص المادة السابعة من المعاهدة التي تنص على التحكيم في هذه الحالة[10].

(2) إن التحكيم الدولي قد حقق هدفه وهو التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع وهذا الاستنتاج ينبغي التسليم به حتى لو اختلفت وجهات النظر فيما يتعلق بتقويم هذه التسوية واتفاقها أو عدم اتفاقها، مع الأسانيد القانونية التي حاول كل من طرفي النزاع "مصر وإسرائيل" تأسيس ادعاءاته عليها، أن مصر استطاعت أن تدبر هذه المشكلة مستفيدة من علمائها وخبراتهم ومستفيدة من كل الوثائق التاريخية المتيسرة، وكما نجحت مصر في إدارة الصراع السلمي مع إسرائيل الذي انتهى بتوقيع معاهدة السلام استطاعت أن تنجح في إدارة مشكلة طابا، حتى عادت إلى مصر، وبهذا أكدت مصر على احترام كل شبر من أراضيها وعدم التفريط فيه، ويُعد ذلك أكبر النجاحات المصرية التي تحققت في إطار معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية.



[1] يتضمن اتفاق `إطار` كامب ديفيد وثيقتين، الأولى هي الخاصة بالتسوية الشاملة في الشرق الأوسط، والتي تضع الأساس لعملية السلام بين إسرائيل وكل جيرانها، وكذلك الاتفاق على إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية. أما الوثيقة الأخرى، وهي المعروفة باسم `إطار الاتفاق لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، بهدف التوصل إلى معاهدة سلام خلال ثلاثة أشهر من تاريخ هذا الاتفاق.

[2] سلمها الدكتور مصطفى خليل رئيس الوزراء ووزير الخارجية المشروعة إلى سايروس فانس وزير الخارجية الأمريكي في 23 فبراير1979.

[3] تؤكد الخطابات المتبادلة، بشأن موضوع الحكم الذاتي، على الخطوات العملية التي ستتخذ من أجل تحقيق تسوية شاملة تتفق مع ما جاء في إطار السلام، والبدء في تنفيذ النصوص الخاصة بالضفة الغربية وقطاع غزة التي تشمل `بدء المفاوضات من خلال شهر من تبادل وثائق التصديق على معاهدة السلام ـ دعوة الأردن للمشاركة في المفاوضات مع مصر وإسرائيل ـ يتضمن وفد مصر والأردن فلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة أو أي فلسطينيين آخرين يتفق عليهم ـ إن الهدف من المفاوضات هو إتاحة سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية وغزة ـ تستكمل هذه المفاوضات خلال عام ونصف`.

[4] حضر عن مصر وزير الدفاع (كمال حسن علي)، ونائب رئيس الوفد، نظراً لعدم تمكن الدكتور مصطفى خليل من الحضور وجاء عن الوفد الأمريكي سيروس فانس وزير الخارجية وعن الجانب الإسرائيلي وزير الداخلية ` يوسف بورج`.

[5] سلمت إلى الوفد الأمريكي في 25 يونيه 1979 في الاتفاقية الذاتي عقد في هرتزيليا.

[6] أعلن الرئيس الأمريكي ريجان مبادرته في أول سبتمبر 1982، لتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي، وقد نصت في إحدى فقراتها على أن تظل القدس غير مجزأة، ويتقرر وضعها النهائي عن طريق التفاوض`.

[7] معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، المادة السابعة، والتي تنص على التحكيم في حالة الخلافات.

[8] كانت أم الرشراش في كل التقارير، آخر مراكز حدود فلسطين في عهد الانتداب، ولم تذكر طابا في أي مناسبة مكاناً لوجود رجال الحدود الفلسطينية.

[9] حكم محكمة التحكيم في النزاع حول مواضع بعض علامات الحدود بين جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل.

[10] معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، المادة السابعة، والتي تنص على التحكيم في حالة الخلافات.