إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / اتفاقيات السلام العربية ـ الإسرائيلية خلال القرن العشرين





الحدود الأردنية الإسرائيلية
الحدود بين الأردن وفلسطين
قرار تقسيم فلسطين




اتفاقيات السلام العربية ـ الإسرائيلية خلال القرن العشرين

المبحث الثالث

الواقع الأردني قبل مسيرة السلام والمتغيرات على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي

أولاً: الواقع الأردني قبل مسيرة السلام

في أعقاب نصر أكتوبر 1973 ومنذ تصاعد مسيرة السلام، ربما كانت الأردن، الدولة العربية المؤهلة لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، أكثر من أي دولة عربية أخرى ـ بما فيها مصر ـ فالتطور التاريخي "لإمارة الأردن"، يوضح عدداً من القضايا، أولها أن إنشاء الإمارة قد تم بإرادة غربية بريطانية أساساً، الأمر الذي يُفسر العلاقات المتميزة للأردن مع القوى الغربية.

والأمر الثاني هو ارتباط المملكة الأردنية بالهاشميين، وخصوصاً بعد أن سقط الحكم الهاشمي في كل من الحجاز والعراق، وأصبح للأردن طبيعة عرقية (عربيّة) خاصة تميزها عن الدول في المشرق العربي كافة، وتوجهها إلى توجهات سياسية مختلفة.

والأمر الثالث، هو الروابط الوثيقة بين الأردن وفلسطين، حيث أصبح قرابة نصف سكان الأردن من أصل فلسطيني، مما أحدث خللاً سكانياً في المملكة. فالأردنيون "من أصل أردني" ينظرون إلى الفلسطينيين بأنهم وافدون تمكنوا من السيطرة على الاقتصاد الأردني، وحققوا ثروات طائلة، بينما يرى الأردنيون من أصل فلسطيني، أنفسهم مضطهدين سياسياً بسبب عدم شغلهم لمناصب سياسية وعسكرية وأمنية، تتناسب مع نسبتهم من السكان[1]، وبالتالي فإن محصلة هذا الخلل تنعكس من خلال عدة زوايا، أولها الأمن الداخلي، والثاني الأرض المحتلة "فلسطين"، والثالث ما يسمى "بالوطن البديل"، الذي تقترحه إسرائيل لاستقرار الفلسطينيين في الأردن.

وقد نشأت المشكلة الأردنية ـ الفلسطينية، منذ عام 1948، حين تولى الملك عبدالله قيادة الجيوش العربية في حرب فلسطين، وقام بعد انتهاء الحرب بضم الضفة الغربية لنهر الأردن، مما جعل الدول العربية تتهمه بالخيانة، إلا أن هذا الحدث أدى إلى ارتباط الأردن بالمشكلة الفلسطينية، وأدى إلى حرص كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل إلى دعم الأردن، والحفاظ على استقلاله، وخصوصاً أنه كان يسيطر على القطاع الفلسطيني المتاخم لإسرائيل في الضفة الغربية. وكان ذلك يشكل مصدراً لحصول الأردن على مساعدات خارجية باستمرار، وفي الوقت نفسه أدى إلى خلق مشكلة سكانية عالجها الملك حسين، طوال فترة حكمه 1952-1999، بتوازن دقيق لإرضاء القبائل والعشائر الأردنية، مع كسب ولاء الفلسطينيين، وعدم إثارة إسرائيل، مع إرضاء العرب.

وربما كان أفضل تعبير عن دلالة توجه السلام بين الأردن وإسرائيل في السابق من تحليل الإجابة على سؤال للرئيس الأمريكي بيل كلينتون، طرحه بعد التوقيع على اتفاقية السلام الأردنية ـ الإسرائيلية في 26 أكتوبر 1994، حيث سأل الرئيس كلينتون الملك حسين، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، متى بدأ تعارفكما؟ فأجاب الملك حسين: منذ حوالي عشرين عاماً، وسارع رابين بتصحيح المعلومة، قائلاً: منذ حوالي 25 عاماً.

وكلتا الإجابتين تدلان على منظور سياسي مقصود، فأجابه الملك حسين تتجه إلى أن المعرفة كانت عقب نصر أكتوبر 1973، الذي أفرز بدايات عملية السلام. أما رابين، فإجابته تدل على أن تلك العلاقات بدأت فيما بعد عام 1967، وربما كانت لها علاقة بتطور الأوضاع والصراعات في المنطقة، وأبرزها "معركة الكرامة" في 21 مارس 1968 ضد المقاومة الفلسطينية في الأردن، وكذلك إعلان الملك حسين في 26 يوليه 1970، قبول الأردن مبادرة الولايات المتحدة الأمريكية للسلام، التي صاغها وزير الخارجية الأمريكي وليم روجرز William Rogers، مما كان له أثر كبير في إشعال أحداث أيلول الأسود، كذلك كان يشير إلى المعاونات الأمريكية للقوة الأردنية التي تصدت للوحدات المدرعة السورية في 18 سبتمبر 1970، التي اخترقت الحدود الأردنية، حيث تكبدت القوات السورية خسائر كبيرة في هذه المعركة[2].

وهناك أمر آخر، فالطبيعة الجيوإستراتيجية للأردن، تنعكس على سياسته الخارجية بشدة، فهي دولة صغيرة في موقع إستراتيجي هام في قلب الشرق الأوسط. وتحيط به دول عربية أكبر وأقوى، بالإضافة إلى إسرائيل، التي تمتد حدودها معه إلى حوالي 650 كم. وقد أدى هذا الموقع إلى شدة الحساسية، والتأثر بالتطورات المختلفة في المنطقة، مما جعل توجه السياسة الأردنية إلى "بقاء الأردن آمناً، خارج النزاعات الإقليمية، مع المناورة السياسية بهدف تعزيز موقف الأردن دبلوماسياً، ولمنع إسرائيل من اجتياح الأراضي الأردنية".

وأخيراً يمكن القول: إنه رغم امتناع الأردن عن مشاركة مصر في مسيرة السلام التي بدأتها عام 1977، نتيجة ضغوط وحسابات لم تتحمل الأردن خسارتها، إلا أن الأردن كان دائماً يراقب مسيرة السلام، وينتهز الفرصة التي تتيح له الانضمام إليها، كذلك رغم أن الأردن قبلت ـ نتيجة ضغوط عربية شديدة ـ قطع العلاقات مع مصر عام 1979، عقب إعلان اتفاقية السلام المصرية ـ الإسرائيلية، إلا أنها كانت أول دولة عربية تعيد علاقاتها بمصر عام 1984، وتؤدي دوراً عربياً متوازناً في محاولة لعودة مصر إلى الصف العربي.

وكانت الأردن في تلك المرحلة كذلك، هي معبر التفاهم العربي، مع العراق الذي كان يخوض معاركه مع إيران... وكانت تؤمن الإمدادات العسكرية العراقية التي تصل إلى ميناء العقبة، ثم تخترق طريقاً طويلاً ليصل إلى العراق معرضاً لأي تدخل إسرائيلي ـ فيما لو أرادت إسرائيل ـ والذي لم يحدث على مدى سنوات الحرب العراقية ـ الإيرانية الثماني. وهذا له دلالات سياسية معينة.

ثانياً: المتغيرات التي أدت إلى اتفاقية السلام الأردنية ـ الإسرائيلية

لم تأت اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، صدفة أو بشكل مفاجئ، ولكن الظروف والمتغيرات فرضتها على واقع المنطقة، بحيث إن توقيع هذه الاتفاقية ـ بالذات ـ قد تم بهدوء شديد ودون أي ردود فعل على أي مستوى، ودون نقد أو تحليل، كما حدث في اتفاقيات مماثلة، وقعتها مصر، والفلسطينيين قبلها، ورغم ما تحتويه تلك الاتفاقية من بنود، تتعارض مع الفكر القومي العربي في إدارة عملية السلام مع إسرائيل.

وهناك ثلاثة مستويات من المتغيرات على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي نلخص أهمها في الآتي:

1. المتغيرات على المستوى العالمي

وهى المتغيرات ذات التأثير المباشر وغير المباشر، على منطقة الشرق الأوسط كلّها، لما تتمتع به تلك المنطقة من مكانه إستراتيجية على مستوى العالم، وهى التي تنحصر في مجموعة المتغيرات، التي خلّفها كانت نتيجة تفكك الاتحاد السوفيتي السابق التي نتج عنها انتهاء الحرب الباردة، وبزوغ القطب الواحد المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وتصاعد نظام عالمي جديد، لم تكن قد تحددت معالمه بعد، رغم الإيحاءات بأن الولايات المتحدة الأمريكية ـ حليفة إسرائيل الأولى ـ سوف تتولى وظيفتها "شرطياً للعالم".

إلى جانب ذلك فقد كانت هناك متغيرات حادة في أوروبا، يأتي في مقدمتها توحد الألمانيتين، بعد انفصال دام قرابة خمسة وأربعين عاماً، وإعلان الاتحاد الأوروبي، وتصاعد المتغيرات تجاه رغبة دول أوروبا الشرقية في الانضمام إلى هذا الاتحاد، وتأكيد انفصالها التام عن روسيا.

وفى اتجاه الشرق، كانت هناك كذلك متغيرات، في تأكيد الصين لمكانتها العالمية بوصفها قوة كبرى وتوجهها نحو الانفتاح الاقتصادي وجذب استثمارات هائلة من الغرب، إلى جانب توجه الصين، والعديد من الدول الكبرى الأخرى، التي كانت لها علاقات تاريخية مع العالم العربي تجاه التعاون مع إسرائيل. وكل تلك المتغيرات كانت لها ردود فعل هائلة على المنطقة أهمها:

أ. اختفاء الحليف الإستراتيجي لمعظم الدول العربية ـ وهو الاتحاد السوفيتي، وخضوع المنطقة إلى سياسة القطب الواحد ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ التي تتبنى الفكر الإسرائيلي، ووقعت مع إسرائيل حتى هذا الوقت حوالي 20 اتفاقية إستراتيجية، حصلت إسرائيل من خلالها على تكنولوجية متقدمة، أدت إلى توسيع الفجوة التقنية بينها وبين الدول العربية بشكل كبير.

ب. انعدام هامش المناورة الإستراتيجية، بين دول المنطقة، والعالم الخارجي، نتيجة فرض الولايات المتحدة الأمريكية النظام العالمي الجديد، وفرض نظام للحد من التسلح يقيد دول المنطقة، ويحرمها من امتلاك التقنيات الحديثة "التي تغدق بها أمريكا على إسرائيل". وقد نجحت إجراءات الحد من التسلح بصورة كبيرة نتيجة لعدة عوامل:

(1) أن 60% من الدول العربية تعتمد، في تسليحها، على المعدات الأمريكية والغربية.

(2) أن التعاون العربي ـ العربي في مجال التسليح يعد منعدماً.

(3) أن الولايات المتحدة الأمريكية تفرض قيود الحد من التسلح، على الدولة المصدرة، والدول المستوردة في الوقت نفسه.

ومن خلال منظومة الحد من التسليح على الدول العربية، نجحت إسرائيل في التفوق التقني بشكل كبير.

2. المتغيرات على المستوى الإقليمي

وهى المتغيرات التي أثرت بشكل عام على دول المنطقة، وعلى الأردن بصفة خاصة وأدت إلى توجهه إلى اتفاق السلام مع إسرائيل. ويمكن تلخيص تلك المتغيرات في الآتي:

أ. المتغيرات التي كانت إنعكاسا لتداعيات حرب تحرير الكويت:

وهى المتغير الرئيسي، في بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين الميلادي، الذي أثر بشده على فكرة الأمن القومي العربي، وعالجه الأردن بصورة منحازة للعراق، وضد توجهات معظم الدول العربية، والقوى العالمية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وقد نتجت عن ذلك انعكاسات شديدة على الأردن في المجال الاقتصادي، نتيجة قطع المعونات العربية والعراقية عنه في وقت واحد، كذلك نتيجة عودة العاملين الأردنيين في دول الخليج، وتوقف تدفق البترول العراقي، وتوقف المعونات الغربية للأردن.

وقد أدت حرب الخليج الثانية، بصفة عامة، إلى متغيرات رئيسية في مجال التضامن العربي وتعميق الخلافات العربية ـ العربية، وفقد الثقة في نوايا الآخرين، وحطمت بعض التجمعات العربية، ومنها مجلس التعاون العربي بين "العراق، والأردن، واليمن، ومصر"، وأخرجت إحدى القوى الرئيسية ـ العراق ـ من الحسابات العربية في مجال التوازن الإقليمي، وأكدت التواجد الأمريكي ـ الغربي على الأرض العربية.

وقد أدت كل تلك الأحداث إلى توجه الأردن إلى تغيير سياسته بعد أن أدرك الملك حسين شخصياً أنه قد راهن على الحصان الخاسر، عندما وقف في صف العراق في هذه الحرب، مما أدى إلى غضب الغرب عليه، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وكذلك دول الخليج وفي الوقت نفسه إسرائيل حليفة للولايات المتحدة الأمريكية، وأدرك أن توجهه إلى السلام قد يعيد المياه إلى مجاريها.

ب. المتغيرات التي كانت إنعكاساً لمؤتمر مدريد للسلام:

يعدّ مؤتمر مدريد للسلام، الذي عقد في مدريد عاصمة أسبانيا بدءا من 30 أكتوبر 1991 ولمدة ثلاثة أيام، نقطة تحول رئيسية في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، كذلك نقطة تحول جذرية في قيام النظام العالمي الجديد بمسؤولياته تجاه بؤر الصراع الرئيسية في العالم ومنها الشرق الأوسط.

وقد تم الاتفاق على عقد مؤتمر مدريد للسلام، بعد ثماني جولات لوزير الخارجية الأمريكي "جيمس بيكر" في المنطقة ومراكز صنع القرار في العالم. وقد جاء هذا المؤتمر كذلك إنعكاساً لحرب تحرير الكويت، التي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك، أن بقاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي دون تسوية شاملة، سيؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة.

وجاءت المبادرة الأمريكية كذلك، نتيجة لتصاعد المطالب العربية ـ وخصوصاً من الدول التي أسهمت في تشكيل قوات التحالف - بضرورة إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها خلال حرب 1967، كذلك امتصاص غضب الجماهير العربية، التي لمست مدى الدمار الذي حدث في العراق، وقد عُقد المؤتمر تحت رعاية القطبين "الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق"، وبحضور جميع الأطراف المشتركة أو المعنية بالصراع بما فيها سورية، ووفد فلسطيني ـ أردني مشترك، وأهم نتائج هذا المؤتمر، تنحصر في الآتي:

(1) أن الأوان قد حان لبدء تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، وأن تتم فوراً عملية التفاوض من أجل السلام من خلال مفاوضات فردية مباشرة بين أطراف الصراع، على أن تكون كل دولة عربية طرفاً أول، وتكون إسرائيل طرفاً ثانياً.

(2) أن تتم عملية التسوية على ضوء قراري مجلس الأمن رقم 242، ورقم 338، وعلى مبدأ "مبادلة الأرض مقابل السلام".

(3) أن تبدأ على الفور مباحثات إقليمية من أجل التطبيع وبناء الثقة، والتي تشمل عدة موضوعات يختص كل منها بمباحثات مستقلة في مسائل "البيئة، المياه، الأمن، اللاجئين، التنمية الاقتصادية".

(4) أن مؤتمر مدريد قد أدى إلى حدوث تحول جذري في المفهوم والتناول العربي للصراع مع إسرائيل، والقبول بمبدأ حل قضية الشرق الأوسط سلمياً بالتفاوض.

(5) وعلى المستوى الإسرائيلي، تغيرت وجهة نظر إسرائيل تجاه السلام، نتيجة مباشرة لهذا المؤتمر، والإجراءات التي اتخذت قبله، وحددت إسرائيل ثلاثة مبادئ رئيسية، تحقق من خلالها الحد الأدنى لأمنها، ويمكن من خلالها تفعيل عملية السلام، وهذه المبادئ هي:

(أ) أن تكون اتفاقيات السلام بين العرب وإسرائيل، طبقاً للشروط الإسرائيلية، وبما لا يمس أمن إسرائيل.

(ب) أن تحتفظ إسرائيل بقدرة فائقة على الردع، وبأسلحة غاية في القوة لا يمتلك مثلها العرب.

(ج) أن تستمر إسرائيل في الاحتفاظ بالتوازن الإستراتيجي في المنطقة لصالحها. وأن تحتفظ إسرائيل بالقدرة النووية - دون غيرها من العرب - بما يحافظ على استقرار السلام في الشرق الأوسط.

(6) في الوقت نفسه، تبّنت دول الخليج موقفاً، تجاه قضية السلام مع إسرائيل، وقد جاء هذا الموقف من خلال اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع وزراء خارجية دول السوق الأوروبية المشتركة في بروكسل "بلجيكا" في 11 مايو 1991، حيث جاء في البيان المشترك: "أن دول المجلس تعلن عن استعدادها للمشاركة في حالة دعوتها بصفة المراقب في مؤتمر السلام المزمع عقده، وسوف يمثلها فيه الأمين العام للمجلس، كما أن أعضاء المجلس سيشاركون في أي اجتماعات تضم دول المنطقة لمناقشة المسائل المتعلقة بالحد من التسلح، وتدمير أسلحة التدمير الشامل".

وقد تم تعزيز هذا البيان فيما بعد ذلك، حيث اتخذت دول الخليج عدة خطوات، خصوصاً تجاه المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، حيث أعلنت أنها ستعيد النظر في قوائم الشركات العالمية التي تتعامل مع إسرائيل.

وقد أدى مؤتمر مدريد فعلاً إلى بدء استئناف مفاوضات السلام على الاتجاهات كافة، حيث سارت المفاوضات الأردنية ـ الإسرائيلية في مجالها دون تعثر، وبهدوء تام، حيث حرص الجانبان على إنجاح تلك المفاوضات، في الوقت نفسه تعثرت المفاوضات على الاتجاهين الآخرين السوري، والفلسطيني أما في الاتجاه السوري، فقد تصاعدت الخلافات إلى أن توقف عام 1996، وعلى العكس ، فإن المسار الفلسطيني عندما ووجه بصعوبات، لجأ إلى المفاوضات السرية في أوسلو، إلى أن أعلن عن اتفاق "غزة/ أريحا".

وعلى جانب مفاوضات التطبيع، وبناء الثقة، فقد استؤنفت في عدة مجالات، وكان نصيب الجانب الاقتصادي، هو الأكثر خطأ، من خلال عقد المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا.

ج. المتغيرات التي كانت إنعكاساً للتوسع في هجرة يهود الاتحاد السوفيتي السابق إلى إسرائيل

جاءت هجرة اليهود السوفيتي إلى إسرائيل، نتيجة لتفكك دول الاتحاد السوفيتي السابق وعدم السيطرة على الهجرات بصفة عامة نتيجة للعوامل الاقتصادية المتردية، إلى جانب تشجيع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لهذه الهجرة، التي وصلت إلى حوالي 122 ألفا في عام 1990 فقط، ثم وصلت إلى حوالي 750 ألفا حتى عام 1994.

وقد انعكست تلك الهجرة في شكل مطالب إسرائيلية للتوسع في الأراضي على حساب الفلسطينيين، إلى جانب مساعدات مادية كبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء البنية الأساسية التي تستوعب هذه الأعداد الكبيرة.

في الوقت نفسه، فإن التوازن السكاني في إسرائيل، أحدث ميزات كبيرة، على حساب العرب نتيجة استيعاب تلك الهجرات، أما انعكاس هذه الهجرة على السلام الأردني/ الفلسطيني، فقد جاء في صورة غير مسبقة، وهي "استئجار الأراضي الأردنية المقامة عليها مستوطنات فلسطينية".

3. المتغيرات على المستوى الإقليمي/ المحلي

أ. إذا استثنينا التفاهم الأردني ـ الإسرائيلي، في مراحل ما قبل مدريد الذي أشرنا إليه سابقاً، فإن هناك قضيتين كانتا تثيران القيادة الأردنية، وتجعلها تنظر بوجل تجاه النوايا الإسرائيلية:

(1) القضية الأولى: مشروع "إيجال آلون" لتوطين الفلسطينيين في الأردن، من أجل حل المشكلة الفلسطينية من جذورها، الذي أعلنه عقب حرب يونيه 67، منادياً بإنشاء حزام أمنى بعمق 10-15 كم يمتد على طول نهر الأردن، ويضم أقل عدد ممكن من العرب، وكذلك تهويد قطاع غزة، وتفريغ مواطنيه العرب للإقامة في أجزاء من المنطقة الغربية أو العريش، وبقاء القدس والجولان وشرم الشيخ وسيناء تحت السيطرة الإسرائيلية.

(2) القضية الثانية: ما أثير حول مخطط شارون عـام 1983 بغزو دول البترول عبر الأردن، وهذا المخطط بني على أساس تحليل صدر عن جريدة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية حول أفكار أرييل شارون ـ وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت ـ الذي أشار فيها إلى أهمية إسقاط ورقة الضغط البترولية، باستخدام القوة العسكرية لاحتلال منابع النفط عبر الأردن، وحسم ما يسمى "بالقضية الفلسطينية".

ورغم عدم الحصول على شئ مادي يسمى "خطة شارون لغزو دول البترول"؛ لأن مثل تلك الخطط تحاط بسرية تامة، إلا أن تجميع أفكاره وتحليلها أعطى شكلاً محدداً يمثل في مجموعه خطه إستراتيجية متكاملة، يمكن أن توضع في الحسبان، وتهدف إلى إقامة دولة فلسطينية شرق نهر الأردن- لحسم القضية الفلسطينية نهائياً، مع السيطرة على منابع النفط في دول الخليج، واستثمار ذلك سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، لصالح إسرائيل.

ب. والحقيقة أن إسرائيل مثلت خطراً دائماً على بقاء الأردن؛ بسبب ما يطرح، أحياناً، لدى بعض القيادات الإسرائيلية بضرورة أن تكون الأردن الوطن البديل للفلسطينيين. وعليها أن تستوعب ما تبقى منهم داخل الأراضي الإسرائيلية. وقد فقدت الأردن الضفة الغربية جراء الهزيمة في حرب يونيه 1967، وظلت تحتفظ بالرابطة الرسمية معها حتى عام 1988، عندما أعلن الملك حسين فك الارتباط السياسي والإداري مع الضفة الغربية تمهيداً لإعلان الدولة الفلسطينية، وتحت ضغوط عربية[3].

وقد صدر هذا القرار في 31 يوليه 1988، ثم صدرت بعده قرارات الحكومة الأردنية في 5 أغسطس 1988 بإحالة موظفيها من الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى التقاعد "21 ألف موظفاً"، وكذلك فصل من لم يصل إلى سن التقاعد، وذلك في إطار قرار إلغاء الروابط القانونية والإدارية بين الأردن والضفة الغربية.

    أما العوامل التي أدت إلى اتخاذ الأردن لهذا القرار فتنحصر في الآتي:

(1) إخفاق الأردن والفلسطينيين في الوصول إلى صيغة مقبولة من الطرفين لتنظيم العلاقة والجهود المشتركة بينهما من أجل تحرير الضفة الغربية وغزه. ومن أجل الدخول في مفاوضات السلام، علاوة على أن إسرائيل تعارض مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في المفاوضات.

(2) استمرار الانتفاضة في الضفة الغربية، التي كشفت أن كل فلسطيني الضفة وغزة يريدون التحدث عن أنفسهم ـ طبقاً لتحليل جورج شولتز وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت ـ مما أدى إلى اتخاذ الملك حسين قراره الصعب مهيئاً للفلسطينيين تولى أمر قضيتهم.

(3) أن هذا القرار جاء استجابة لقرارات القمم العربية ابتداء من قمة الرباط عام 1974 حتى قمة عمان 1987، التي تؤكد أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، كما أن هذا القرار جاء كذلك تلبية لرغبة منظمة التحرير الفلسطينية نفسها لتأكيد دورها ممثلاً لهذا الشعب.

ج. رغم المعلومات المتوافرة حول وجود صلات سرية بين الأردن وإسرائيل، إلا أن هاجس الخوف من الوطن البديل، ومن الاجتياح الإسرائيلي للأردن، مثل جزءاً رئيسياً في التفكير الأردني. وكان توقيع معاهدة السلام قد أسهم في خفض هذا الهاجس.

د. تمثل مشاركة الأردن وإسرائيل للحصول على المياه عبر مصادر مشتركة، مشكلة تديرها إسرائيل من خلال سيطرتها على المنابع الرئيسية للمياه. وتصر إسرائيل في مباحثاتها مع الأردن والفلسطينيين على مسائل المياه أن تحقق الآتي:

(1) ضرورة رسم الحدود السياسية في الضفة الغربية على الحافة الشرقية لمصادر المياه الجوفية في المنطقة؛ حيث تمد هذه المصادر السهل الساحلي بكميات كبيرة من المياه. والمشكلة أن هذا الخط يمتد لمسافة 2-6 كم شرق الخط الأخضر. ويؤثر في نصيب العرب "أردنيين وفلسطينيين" من المياه، علماً بأن إسرائيل تستهلك الجزء الأكبر من مياه نهر الأردن "630 مليون متر مكعب".

(2) أن مشاركة إسرائيل للأردن في النصف الغربي للبحر الميت، قد دعم مطلب إسرائيل في الحقوق المشتركة للتعدين والتنمية في هذه المنطقة، وهو ما تم فعلاً عقب معاهدة السلام.

هـ. انعكاساً للمتغيرات الإقليمية والعالمية، فقد كانت هناك متغيرات حادة على الساحة الأردنية نفسها يمكن تلخيصها في الآتي:

(1) الولاء المزدوج لدى فلسطيني الأردن، الذي ازداد بعد فك الارتباط مع الضفة الغربية، ووجود سلطة فلسطينية تسعى لتأكيد سيطرتها على الفلسطينيين في كل أنحاء العالم.

(2) التحول الديموقراطي الذي بدأت خطواته في الأردن من عام 1989، وتمثلت في إجراء الانتخابات النيابية، ثم صدور قانون الأحزاب السياسية عـام 1992، الأمر الذي سمح بتأسيس عدد كبير من الأحزاب منها الإسلامية والبعثية والشيوعية. ومعنى وجود مجلس نيابي وأحزاب هو وجود معارضه للحكم، وبالتالي محددات للقرار السوفيتي.

(3) قلة الموارد الطبيعية في الأردن تعكس حقيقة الأزمة الاقتصادية التي من أهم مظاهرها وجود عجز في الموازنة العامة للدولة، وفى الميزان التجاري، وارتفاع حجم الدين الخارجي. وقد استفحلت هذه الأزمة في أعقاب حرب تحرير الكويت.

كل هذه الأسباب وغيرها أعطت مؤشرات أكبر للقيادة الأردنية للتوجه نحو السلام بمجرد أن سنحت الفرصة بذلك، وبدون إضاعة أي وقت، ودون الارتباط بالآخرين ـ كما كانت تريد سورية في هذا الوقت ـ ونجحت الأردن فعلاً في توقيع معاهدة السلام.

 



[1] تحرص الدوائر الرسمية الأردنية، على عدم إصدار بيانات رسمية حول القوات المسلحة `الجيش العربي، وحرس البادية` وقوات الأمن والدوائر الأمنية، وسكان المخيمات ... إلخ، حتى لا تكون سبباًً في إثارة فتنة في الأردن، على غرار ما حدث في سبتمبر1970.

[2] وقد أشار ديان بأن المعونات كانت `أمريكية`، علماً بأنه بجميع حساباته لا يمكن أن تتمكن قوات أمريكية من تقديم المساعدات في هذا الوقت المحدود، وربما طلبت من إسرائيل تقديم العون نيابة عنها

[3] أُعلن قرار الأردن في قمة الدول العربية في الرباط، مضبطة القمة العربية، يوليه 1988.