إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / اتفاقيات السلام العربية ـ الإسرائيلية خلال القرن العشرين





الحدود الأردنية الإسرائيلية
الحدود بين الأردن وفلسطين
قرار تقسيم فلسطين




الفصل الثالث

المبحث الخامس

المتغيرات على الساحة الفلسطينية منذ عام 1987 وحتى عام 1999

وتأثيرها على عملية السلام

أولاً: انتفاضة الشعب الفلسطيني (ديسمبر 1987)

أخذت القضية الفلسطينية أبعاداً مهمة وخطرة منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية بالأراضي المحتلة في ديسمبر 1987 والتي أخذت شكل الثورة الشعبية ضد الاحتلال، وقد أدت الانتفاضة إلى وضع القضية الفلسطينية في أولوية اهتمامات الأطراف المعنية بالصراع وكذلك الرأي العام العالمي.

كما أكدت حرص الشعب الفلسطيني على ضرورة الكفاح وأهميته من أجل تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأعطت تلك الانتفاضة القيادة الفلسطينية، سواء في الداخل أو في الخارج، حافزاً قوياً لطرح المبادرات السلمية لتسوية القضية الفلسطينية.

كما كشفت الانتفاضة عن رفض الشعب الفلسطيني للاحتلال بجميع صوره وأشكاله، وأثبتت أن المسألة ليست مجرد محاولة لتحسين الأحوال المعيشية للفلسطينيين، كما كان يدعى البعض في إسرائيل، ولكنها تعبر عن الرغبة في التوصل إلى حل سياسي للمشكلة.

وقد طرحت الانتفاضة العديد من التساؤلات على جميع الأطراف المعنية بالصراع، فطرحت على الحكومات العربية من جديد، المسألة الفلسطينية بعد وضعها على الرف انتظارا لاتفاق الدول الكبرى على موقف موحد أو محدد من الشرق الأوسط وتقاسم النفوذ فيه، كما طرحت على الرأي العام الرسمي والشعبي وبشكل جدي مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته، بالرغم من كل محاولات أجهزة الإعلام الصهيوني لطمس ما يجرى أو الانتقاص من أهمية الأحداث.

وقد فرض الشعب الفلسطيني على العالم ـ كما لم يفرضه في أي وقت مضى ـ الاعتراف الفعلي بوجوده وبشخصيته الوطنية وبحقوقه المشروعة في إقامة دولته، ولم يعد بمقدور أي طرف أن يتجاهل هذه الحقيقة، فقد أدى اشتعال الانتفاضة إلى إجبار الجانب الأمريكي على التحرك تجاه إيجاد حل للقضية.

وقد أعلن جورج شولتز وزير الخارجية الأمريكي عن مبادرة في عواصم دول المنطقة خلال شهر مارس 1988، ومع ذلك فإن المهمة لم تحقق النجاح نتيجة للعقبات العديدة التي واجهتها ولعدم حدوث تغير في السياسة الأمريكية تجاه أسلوب حل المشكلة وتجاه سياستها مع إسرائيل.

كذلك نجحت الانتفاضة في إحداث نوع من الانقسام في صفوف النخبة السياسية الإسرائيلية، فحزب العمل ينادى بمبدأ الأرض مقابل السلام، في حين أن تكتل الليكود يطالب باستمرار فرض الأمر الواقع واحتواء الانتفاضة، كما أدت الانتفاضة إلى إحداث شرخ في بنيان المجتمع الإسرائيلي بظهور جماعات تدعو إلى السلام مع العرب.

ثانياً: القرار الأردني بقطع الروابط القانونية والإدارية مع الضفة الغربية (يوليه 1988)

صدر قرار الأردن بقطع الروابط القانونية والإدارية مع الضفة الغربية في 31 يوليه 1988، وهو يعنى فك الارتباط مع الضفة الغربية التي كانت خاضعة للأردن قبل حرب يونيه1967، كما أصدرت الأردن عدة قرارات أخرى في الخامس من أغسطس 1988، بإحالة مواطنيها الفلسطينيين بالضفة المحتلة إلى التقاعد.

ويمكن القول: إن هذا القرار، من أهم القرارات العربية وأخطرها، حيث يقضي على الازدواجية في تمثيل الشعب الفلسطيني، ويجعل منظمة التحرير ممثله الوحيد ويعزز دورها، كما يضع القرار إسرائيل أمام مسؤولياتها في ضرورة قبول الأمر الواقع بالاعتراف بالمنظمة والتعامل معها بوصفها المسؤولة عن الشعب الفلسطيني، كما تؤكد تأييد الأردن بالكامل لإقامة دولة فلسطينية مستقلة بالأراضي العربية المحتلة.

ثالثاً: اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني وإعلان الدولة الفلسطينية (نوفمبر 1988)

أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في 15 نوفمبر 1988، قيام الدولة الفلسطينية واتخذ قراراً بتشكيل حكومة مؤقتة للدولة، على أن يترك للمجلس الوطني مهمة تشكيل هذه الحكومة من القيادات الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة وخارجها، وأكد المجلس الوطني، عزم منظمة التحرير الفلسطينية التوصل إلى تسوية شاملة للنزاع العربي ـ الإسرائيلي.

وتحقيقاً لذلك فقد طالب المجلس بانعقاد المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط تحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن والأطراف المعنية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية، كما أكد المجلس على ضرورة أن ينعقد المؤتمر الدولي على أساس قراري مجلس الأمن الرقم 242، والرقم 338 وضمان الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير.

وطالب بضرورة انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها منذ عام 1967 بما فيها القدس العربية، وإلغاء جميع إجراءات بناء المستوطنات وإزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأكد المجلس على العلاقة المتميزة بين الشعبين الشقيقين الأردني والفلسطيني، وأن العلاقة بينهما ستقوم على أسس كونفدرالية وبالاختيار القومي الحر للشعبين الشقيقين تعزيزاً للروابط التاريخية والمصالح الحيوية المشتركة بينهما.

رداً على القرار الفلسطيني، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أن إعلان قيام دولة فلسطينية، هو خطوة جديدة في الحرب التي تقودها المنظمات الإرهابية لتدمير إسرائيل، وقال بيان الخارجية الإسرائيلية: "إن إسرائيل ترفض بقوة إعلان الدولة الفلسطينية وترى أن موافقة منظمة التحرير على قراري مجلس الأمن الرقم 242، والرقم 338 يستهدف تغطية استمرار منظمة التحرير في تبنى سياسة العنف".

رابعاً: مبادرات السلام الفترة من 1988 – 1990، ونتائجها

1. المشروع الفلسطيني للسلام (1988)

وكان إعلان الدولة الفلسطينية واعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بقراري مجلس الأمن الرقم 242 والرقم 338 تحركاً فلسطينياً واضحاً نحو السلام.

كما تضمن إطار المشروع الفلسطيني للسلام، عدة مقترحات تقوم على أساس انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع ضرورة وضع تلك الأراضي تحت إشراف الأمم المتحدة، لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره، وعقد المؤتمر الدولي للسلام بحضور منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل وكافة الأطراف المعنية.

ثم كان خطاب ياسر عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف مؤكدا على المشروع الفلسطيني للسلام، وكذلك على الاعتراف بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية. وفي إثر ذلك اهتمت الولايات المتحدة الأمريكية ببدء الحوار الأمريكي ـ الفلسطيني، الذي أخذ أشكالاً عديدة أهمها اللقاءات التي عقدت في تونس بين الجانبين الأمريكي والفلسطيني.

2. مبادرة إسحاق شامير (مايو 1989)

جاءت التطورات السابقة لتمثل ورقة ضغط غير عادية على إسرائيل، الأمر الذي دفع الحكومة الإسرائيلية وعلى رأسها إسحاق شامير، إلى إعلان مبادرة أطلق عليها اسم مبادرة "إسحاق شامير"، حيث أوضح من خلالها، الرؤية الإسرائيلية الممكنة لتسوية القضية الفلسطينية، وكانت الحكومة الإسرائيلية قد وافقت على تلك المبادرة بأغلبية عشرين وزيراً مقابل ستة وزراء وقد تحددت في الآتي:

أ. أن تجرى انتخابات إقليمية في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية وقطاع غزة التي ستقسم لهذا الغرض إلى عشر دوائر انتخابية.

ب. أن يتفاوض الفلسطينيون الذين سيتم انتخابهم مع الحكومة الإسرائيلية حول الحكم الذاتي.

ج. أن يتفاوض ممثلو الفلسطينيين مع الحكومة الإسرائيلية حول إجراءات التسوية الشاملة للأراضي المحتلة.

د. بعد إقرار الحكم الذاتي بثلاثة أعوام يمكن للفلسطينيين المنتخبين والحكومة الإسرائيلية تقديم المقترحات التي يرونها.

هـ. أن تتم تسوية مسألة اللاجئين الفلسطينيين بالأراضي المحتلة وإنهاء حالة الحرب بين إسرائيل والدول العربية المجاورة لها.

و. لا يمكن اشتراك فلسطينيّ الخارج في الانتخابات بالضفة الغربية وغزة، ومن ثم في المفاوضات التي ستجرى مع الحكومة الإسرائيلية.

ز. رفض قيام دولة فلسطينية أو إجراء أية مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية.

ح. إن الخطة تدفع مصر والأردن إلى الاشتراك في عملية السلام.

هذا وقد عارضت منظمة التحرير الفلسطينية مبادرة شامير للانتخابات من وجهة النظر الإسرائيلية، ورأت المنظمة أن خطة شامير تهدف إلى إنهاء العزلة الدولية حول إسرائيل، وإجهاض الانتفاضة الشعبية بالأراضي المحتلة، كما تهدف إلى إيجاد قيادة بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية.

3. مشروع السلام لياسر عرفات

رداً على مبادرة شامير، تقدمت منظمة التحرير الفلسطينية في مايو 1989 بمبادرة تقوم على أساس: " انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة للتحضير للانتخابات، ووضع جدول زمني للانسحاب الشامل من الضفة الغربية وغزة خلال 27 شهراً على مراحل، وأن تجري الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، مع عودة اللاجئين إلى ديارهم، وتحديد موعد لاستقلال الدولة الفلسطينية.

وجاء رد الفعل الإسرائيلي على لسان إسحاق شامير بأنه "لا يعرف شيئاً عن هذا المشروع ولا يهتم بمعرفته".

4. الموقف المصري ومشروع النقاط العشر

تحفظت مصر على مبادرة شامير، ورأت أن هناك أموراً يتعين توضيحها لتعديل خطة شامير حتى تستجيب لدواعي السلام الشامل والعادل المنطقة، وعلى هذا الأساس بدأ التحرك المصري منذ البداية، وحددت مصر الاستيضاحات المطلوبة، وقام بنقلها وفد الكونجرس الأمريكي الذي زار مصر في 6 يونيه 1989، وكان طرح مصر لهذه المبادرة من أجل مواجهة الخلاف بين المشروع الإسرائيلي والمشروع الفلسطيني وقد جاءت المبادرة في شكل نقاط عشر كالآتي:

أ. ضرورة اشتراك مواطني الضفة الغربية والقطاع، بما فيها القدس الشرقية، في الانتخابات سواء بالتصويت أو الترشيح.

ب. حرية التعبير السياسي قبل الانتخابات وأثناءها.

ج. قبول الرعاية الدولية لعملية الانتخابات.

د. تعهد حكومة إسرائيل بقبول النتائج التي تسفر عنها الانتخابات.

هـ. تتعهد حكومة إسرائيل بأن تكون الانتخابات جزءاً من الجهود التي لا تؤدي إلى مرحلة مؤقتة فحسب ولكن كذلك إلى حل نهائي، وأن كل الجهود تعتمد على أساسيات الحل وفق قراري مجلس الأمن الرقم 242، والرقم 338 ومبدأ الأرض مقابل السلام، وضمان أمن جميع دول المنطقة، وإقرار الحقوق السياسية للفلسطينيين.

و. ينسحب الجيش الإسرائيلي أثناء عملية الانتخابات لمسافة كيلو متى واحد، على الأقل، خارج نطاق مقار الانتخابات.

ز. منع الإسرائيليين من دخول الضفة والقطاع يوم الانتخابات.

ح. ألا تستغرق فترة الإعداد للانتخابات أكثر من شهرين، وأن تتولى ذلك لجنة إسرائيلية فلسطينية مشتركة، ويمكن أن تساعد الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في تشكيل هذه اللجنة.

ط. ضمان الولايات المتحدة الأمريكية لكل النقاط السابقة، مع إعلان ذلك مسبقاً من جانب حكومة إسرائيل.

ك. إيقاف عملية الاستيطان بالأراضي المحتلة.

وقد أثارت تلك المبادرة الخلاف داخل الحكومة الإسرائيلية، حيث حدث انقسام حول الموقف من عملية التسوية بين الطرفين الرئيسيين في الحكومة وهما حزب العمل وحزب الليكود، حيث قبل "بيريز" زعيم حزب العمل بثماني نقاط منها، بينما كان "رابين" أكثر تحفظاً، أما "موردخاي جور" فيرى أن المحادثات مع منظمة التحرير تعد كارثة. أما حزب الليكود فقد رفض المبادرة، حيث أصر على صيغة الحكم الذاتي للسكان دون التنازل عن الأرض.

5. الموقف الأمريكي وخطة "جيمس بيكر"

في ظل التباين بين مواقف الجانب الفلسطيني والجانب الإسرائيلي والموقف المصري، طرحت الولايات المتحدة الأمريكية خطة أُطلق عليها اسم "خطة جيمس بيكر" James Beaker وزير الخارجية الأمريكي، وهي تقوم على خمسة بنود بهدف التوفيق بين وجهتي النظر المصرية والإسرائيلية، وتتمثل تلك الخطة في الآتي:

أ. الموافقة على مبدأ إجراء حوار فلسطيني إسرائيلي.

ب. تشكيل الوفد الفلسطيني بالتشاور مع مصر.

ج. يترك لإسرائيل إقرار تشكيل الوفد الفلسطيني، وأن تشترك في الحوار متى أدركت وتأكدت أن تشكيل الوفد سيكون مقبولاً منها.

د. أن يجرى الحوار في القاهرة على أساس مقترحات شامير "مايو 1989" والخاصة بالانتخابات بالأراضي المحتلة.

هـ. إمكان عقد الاجتماع الثلاثي متى وافقت مصر وإسرائيل على أطر الحوار.

ويتضح من خطة جيمس بيكر أنها مجرد إجراءات لبدء الحوار الفلسطيني ـ الإسرائيلي وفقاً لمبادرة شامير، وهذا يعنى أن مبادرة شامير هي أساس الحل من وجهة النظر الأمريكية، كما اشترطت الخطة موافقة إسرائيل على تشكيل الوفد الفلسطيني الذي سيجرى الحوار، وهذا يعني مقدماً أنها ستحدد من هم الفلسطينيون الذين سيتم انتخابهم لإجراء الحوار مع إسرائيل، وهم أساساً من داخل الأراضي المحتلة.

هذا وقد تحدد الموقف الفلسطيني من خطة بيكر في خلال البيان الختامي الصادر عن اجتماعات المجلس المركزي لمنظمة التحرير في بغداد خلال الفترة من 15 إلى 17 أكتوبر 1989، الذي دعا إلى دعم الانتفاضة الفلسطينية والتمسك بقرارات المجلس الوطني، ومبادرة السلام الفلسطينية وقرارات قمة الدار البيضاء مع الرفض غير المباشر لخطة بيكر.

مما سبق، نجد أن هناك هوة كبيرة بين المبادرات الفلسطينية والإسرائيلية، التي جاءت من الخلاف حول مسائل جوهرية وهي، المؤتمر الدولي، وحق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية، وتمثيل الشعب الفلسطيني من الداخل والخارج، ووضع القدس، ومع الرفض الإسرائيلي القاطع لمبادرات السلام والرفض الفلسطيني لمبادرة شامير، وعدم قيام الولايات المتحدة الأمريكية بدور توفيقي بين الجانبين، ومن ثم بقيت الهوة واسعة لتحقيق هذه المبادرات أي تقدم على طريق السلام.

خامساً: أزمة الخليج وتأثيرها على المسار الفلسطيني في عملية السلام

جاءت أزمة الخليج "غزو العراق للكويت" في الثاني من أغسطس 1990" لتضع حداً فاصلاً لمسار السلام الفلسطيني الإسرائيلي، ورغم أن موقف منظمة التحرير الفلسطينية، قد تحدد في بداية الأزمة بالانحياز إلى العراق، إلا أن التضارب في هذا الموقف، مع تصاعد الأزمة، عكس حالة من الارتباك في تصرفات القيادة الفلسطينية، وتصريحاتها المعلنة، مما ترك تأثيرات شديدة في داخل الأراضي المحتلة، التي كانت تشهد انتفاضة بدأ اشتعالها في أواخر عام 1987، كذلك تركت آثارها على الفلسطينيين المقيمين منذ سنوات طويلة في منطقة الخليج، وتركت آثارها كذلك على الدعم الخليجي للفلسطينيين، الذي كان قد وصل إلى حوالي مليار دولار منذ عام 1979 حتى قيام تلك الأزمة.

1. أسباب توجه الفلسطينيين لتأييد العراق

أ. في أعقاب الانتصار العسكري العراقي على إيران في أغسطس 1988، حاول الرئيس صدام حسين أن ينصب نفسه زعيماً قومياً، يعمل على استرداد حقوق العرب المغتصبة، وفي مقدمتها تحرير فلسطين، وقد تجاوب الفلسطينيون، مع تلك الرؤية، وخصوصاً مع سياسة الإغراق المادي التي كان يتبعها مع بعض القيادات الفلسطينية، كذلك موقفه في الحرب الأهلية في لبنان، ودعمه للفلسطينيين في مجابهة التواجد السوري وبعض الميليشيات التي ارتكبت مذابح ضد الفلسطينيين مثل: "مذبحة جسر الباشا" ومذبحة "تل الزعتر" عام 1976.

ب. إن الأسلوب الإعلامي الذي اتبعه الرئيس صدام حسين في تعليل غزوه للكويت من منطلق إعادة توزيع الثروة العربية، وعدم اقتصارها على البعض، قد لقي تجاوباً مع الفلسطينيين في داخل الأراضي المحتلة والذين كانوا يعانون شظف العيش.

ج. أما الشق السياسي في تأييد الفلسطينيين للعراق، فهو أنه منذ خروج القيادة الفلسطينية من لبنان في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، إلى جانب عدم التوافق مع كل من سورية والأردن، وتعليق عضوية مصر في الجامعة العربية، فقد أصبح العراق المنبر السياسي للمنظمة، الذي تنطلق منه لمخاطبة شعوب العالم إقليمياً وعالمياً، ويقوم بدعمها وتأييدها سياسياً.

د. بني الشق الاعتباري داخل المنظمة، على أساس أن وقوفها على الحياد في تلك الأزمة، ربما يعرضها لعواصف شديدة، أقلها هو الانقسام من الداخل، وأشدها هو عصف العراق بها إذا انتهي الأمر لصالحه.

هـ. جاء هذا التأييد في العديد من الصور أهمها:

(1) تحفظ دولة فلسطين على القرار المتضمن إدانة الغزو العراقي والمطالبة بالانسحاب الفوري من الكويت.

(2) تصويت دولة فلسطين في مؤتمر القمة العربي في العاشر من أغسطس 1990 ضد قرار القمة بإدانة الغزو.

(3) قيام الفلسطينيين بمظاهرات في الأراضي المحتلة تأييداً للعراق.

(4) تأييد قادة بعض المنظمات للعراق ومعارضتهم للتدخل الأجنبي، أمثال: "الجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، والقيادة العامة والنضال الشعبي، والتحرير العربية، والتحرير الفلسطينية، والجبهة الإسلامية، وغيرها".

(5) ومن ناحية أخرى، وفي خطوة نادرة الحدوث، أصدر مساعد مفتي جيش التحرير الفلسطيني في الأردن، فتوى صادرة من دائرة الإفتاء الأردني، يعدّ فيها كل من يقف إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية والغرب في مواجهتهم للعراق، مرتداً عن الإسلام ويباح دمه.

و. وبرغم كل ذلك، فإنه مع تصاعد الأحداث، واتساع الإدانة العربية والعالمية للعراق وتكوين التحالف الدولي، وبداية اتخاذ دول الخليج مواقف لطرد آلاف الفلسطينيين العاملين بها، ووقف المعونات التي كانت ترسلها إلى منظمة التحرير الفلسطينية، فقد تغير خطاب منظمة التحرير، وشعرت بالأزمة التي تحيطها، وأعلنت موقفها من الأزمة في السابع عشر من أغسطس 1990 والذي ينحصر في الآتي:

(1) أن المبدأ الأساسي هو أنه لا يجوز احتلال أراضى الغير بالقوة.

(2) أنها تؤيد حلاً يضمن السلامة والأمن لأراضي العراق والكويت والسعودية والمنطقة العربية بأسرها.

(3) أنها ترفض حل الخلافات العربية ـ العربية بالقوة.

(4) أن القوات العسكرية العربية يمكنها القيام بدور في حماية حقوق جميع الأطراف وكرامتها.

2. انعكاس الموقف الفلسطيني من أزمة الخليج على القضية الفلسطينية برمتها

أ. الموقف من احتلال أراضى الغير بالقوة

أساء الموقف الفلسطيني في بداية الأزمة للقضية الفلسطينية برمتها، حيث إن الأرض الفلسطينية محتلة، والشعب الفلسطيني ينادى بإقامة دولته، وقيام الثورة الفلسطينية مبني على تحرير الأرض والشعب، لذلك فقد وقع الخطاب الفلسطيني في أزمة طاحنة، مع توالى إصدار قرارات مجلس الأمن بعدم شرعية احتلال الكويت، وأدى إلى تراجع سريع في موقف القيادة الفلسطينية، إلا أن هذا التراجع لم يغفر لها في نظر العديد من الدول الغربية والعربية والولايات المتحدة الأمريكية.

ب. الانعكاسات على الانتفاضة داخل الأراضي المحتلة

(1) أدى تضارب المواقف بين القيادات الفلسطينية، وتوجه اهتماماتها بالأزمة إلى إضعاف حدة الانتفاضة، وباتت عرضه للاهتزازات مع فترات الجذب والشد العربية.

(2) توارى الاهتمام الإعلامي بالانتفاضة، أمام الاهتمام الإعلامي بأزمة الخليج، وأعطى فرصه لإسرائيل لتشديد حدة قمعها للانتفاضة، دون تدخل رأى عام عربي أو عالمي، كما أثار الإحباط في قيادات الانتفاضة أنفسهم.

ج. الانعكاسات على الاقتصاد الفلسطيني

واجه الاقتصاد الفلسطيني تحديات هائلة من تأثير أزمة الخليج؛ أهمها:

(1) قطع المعونات الاقتصادية المقدمة من دول الخليج، التي كانت تمثل حوالى30% من الموارد الاقتصادية.

(2) عودة عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين، الذين كانوا يشكلون مورداً رئيسياً في تحويلاتهم من النقد الأجنبي، في الوقت نفسه، الذي عاد فيه معظمهم دون مدخراته نتيجة للحرب، إلى جانب حاجتهم لتدبير عمل جديد لهم.

(3) اتسم موقف إسرائيل من العمالة الفلسطينية في الداخل، بالحذر وتطبيق إجراءات أمن قاسيه ضد العمال الفلسطينيين، تحسباً لقيام بعضهم بأعمال لصالح العراق داخل إسرائيل.

3. انعكاس أزمة الخليج على مسار السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي

رغم تضارب الموقف الفلسطيني، وانعكاساته، إلا أن أزمة الخليج برمتها، أوجدت مناخاً آخر في محيط عملية السلام العربية ـ الإسرائيلية، استفادت منه السلطة الفلسطينية ضمن العملية الكاملة للتسوية، وقد انحصر مناخ السلام الذي لازم أزمة الخليج وأعقبها، في الآتي:

أ. الضغوط العربية على الولايات المتحدة الأمريكية في استثمار حل أزمة الخليج لإيجاد حل جذري لمشكلة الشرق الأوسط، يبنى على قرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية، وكانت هناك استجابة كاملة من الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الضغوط نظراً للآتي:

(1) أن أزمة الخليج أوضحت أن اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على إسرائيل ـ منفردة ـ بوصفها قوة رئيسية في منطقة الشرق الأوسط، هو اعتقاد خاطئ، حيث كانت إسرائيل تمثل عبئاً على الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأزمة، وليس دعماً لها.

(2) أن الولايات المتحدة الأمريكية في طريقها إلى تزعم نظام عالمي جديد ليكون قوة رئيسية وحيدة في العالم ـ بعد انتهاء الحرب الباردة، وهذه الزعامة تتطلب أسساً تعتمد عليها، أحدها: الحفاظ على السلام والأمن الدوليين.

(3) أن مشاركة الدول العربية في التحالف الدولي بقيادة أمريكا أثناء الحرب، اتسم بالفاعلية والتأييد المطلق، وكان لا بد من رد الجميل، لاستمرار هذا التأييد والتحالف، وذلك من خلال حل القضايا التاريخية في المنطقة وأهمها الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

(4) رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تهدئة المشاعر العربية وامتصاص الغضب العربي؛ نتيجة للتدمير الهائل الذي تعرض له العراق أثناء الحرب.

 ب. تغير موقف دول الخليج تجاه المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، واستعدادها لإعادة النظر في قوائم الشركات العالمية التي تتعامل مع إسرائيل، وجاء ذلك صراحة في البيان الذي أعقب اجتماع وزراء خارجية دول الخليج مع وزراء خارجية دول السوق الأوروبية المشتركة في العاصمة البلجيكية بروكسل في 11 مايو 1990.

وقد مثل هذا الإجراء تحولاً جذرياً في توجه دول الخليج التي تمثل خطاً دفاعياً رئيسياً في الصراع العربي ـ الإسرائيلي. ورغم ذلك، فقد جاء رد شامير على هذه المبادرة في اليوم التالي مباشرة 12 مايو 1991، في كلمته التي ألقاها بمناسبة مرور أربعة وعشرين عاماً على ضم القدس بوصفها عاصمة موحدة لإسرائيل، حيث أكد في كلمته: "أن إسرائيل لن تتراجع بوصة واحدة في الأراضي المحتلة" كما وصف مدير مكتب شامير، إعلان دول الخليج العربية عن اعتزامها حضور المؤتمر الإقليمي المقترح بصفتها مراقباً بأنه: "إعلان غير مهم، ولا يقدم شيئا لعملية السلام".

ج. في الوقت نفسه، كان هناك تغير جذري في الموقف الإسرائيلي الذي يبنى على ثلاث أسس رئيسية هي:

(1) أن نكون اتفاقيات السلام بالشروط الإسرائيلية.

(2) أن تحتفظ إسرائيل بقدره فائقة على الردع.

(3) أن تستمر إسرائيل في الاحتفاظ بالتوازن الإستراتيجي في المنطقة لصالحها، وخصوصاً في المجال النووي.  

ومن كل تلك المتغيرات، بدأت تنبثق حالة أو فرصة تاريخية لتغيير الأمر الواقع، وتغيير المسار التاريخي للصراع العربي ـ الإسرائيلي في اتجاه السلام، بما يعود بالنفع المطلق على تطبيق السياسات الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية في النظام العالمي الجديد. لذلك أجرت المشاورات وقررت عقد مؤتمر مدريد للسلام في 30 أكتوبر 1991.

سادساً: مؤتمر مدريد، ومسار السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي (أكتوبر 1991)

1. في أعقاب إيقاف النيران في أزمة الخليج، تصاعدت الجهود الدولية لإحلال السلام في منطقة الشرق الأوسط، وحرصت الولايات المتحدة الأمريكية على تفعيل دورها لوضع أسس لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي بما يحقق استقرار الأمن في المنطقة مستقبلاً، ومن أجل ذلك، قام وزير الخارجية الأمريكي "جيمس بيكر" بعدة جولات في المنطقة على مدى سبعين يوماً في الفترة من مارس إلى يوليه 1991.

وقد حاول جيمس بيكر، خلال تلك الجولات، وضع مسودة إطار لدفع عملية السلام، وقد اضطر في بعض الحالات للتنسيق مع الاتحاد السوفيتي السابق والدول الأوروبية ذات النفوذ؛ من أجل وضع تلك المسودة، التي خرجت في صورتها النهائية لتبلور مشروعاً أمريكياً للتوفيق بين الآراء المتباينة لأطراف النزاع وتتضمن الآتي:

أ. تتولى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق الدعوة لعقد مؤتمر سلام، يبدأ باحتفال افتتاحي، تعقبه مباحثات ثنائية مباشرة بين إسرائيل والدول العربية المحيطة بها، وبين إسرائيل والفلسطينيين.

ب. يتأسس المؤتمر على القرارين الرقم 242، والرقم 338، على أن يكون لكل طرف تفسيره لذلك.

ج. يشترك وفد فلسطيني أردني مشترك في المحادثات.

د. يجتمع المؤتمر مرة كل ستة شهور، إذا وافقت إسرائيل والدول العربية على ذلك؛ لكي يعرض على الأطراف النتائج التي تم التوصل إليها.

هـ. تشترك الأمم المتحدة بمبعوث يمثلها، تكون له صفة المراقبة والمتابعة، دون أن يكون له حق الكلام.

و. توفد المجموعة الأوروبية ممثلاً عنها تكون له صفة أكثر فاعلية نسبياً من مهمة ممثل الأمم المتحدة وأكثر من المراقب، وأقل من الدولتين الداعيتين للمؤتمر، ويستطيع أن يطرح مبادرات للتعاون الاقتصادي.

2. المواقف المختلفة من انعقاد المؤتمر "فيما يتعلق بالمسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي"

أ. الموقف الإسرائيلي تحدد في:

(1) استبعاد منظمة التحرير الفلسطينية أو أي فلسطيني من خارج الأرض المحتلة في المشاركة في المؤتمر.

(2) أن يتحدث وزير الخارجية الأردني باسم الفلسطينيين.

(3) الرفض التام لطرح قضية القدس على طاولة المفاوضات بصفتها عاصمة أبدية لإسرائيل، ورفض فكرة التقسيم أو إبداء أي مرونة في ذلك.

(4) عدم العودة لحدود عام 1967.

(5) ركز إسحاق شامير في خطابه أمام المؤتمر في 30 أكتوبر 1991 على ترتيبات مرحلية للحكم الذاتي للفلسطينيين فقط، وليس عودة الأراضي المحتلة، كما أدلى للصحافيين بتصريح كان يعبر عن رؤية ضيقة، هو أنه يمكن أن تمتد عملية التفاوض لعشرات السنين حتى تصل إلى حل.  

ب. الموقف العربي تحدد في الآتي

(1) الموافقة على تشكيل وفد أردني فلسطيني مشترك، وعدم مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية في هذه المرحلة، على أن يكون دورها مرجعياً في القرارات التي يتخذها الوفد.

(2) تمثل مدينة القدس جزءاً من الأراضي المحتلة التي تخضع للتفاوض، كما أن لها أهمية خاصة عربياً وإسلامياً، في الوقت نفسه يمكن تنحيه موضوع القدس إلى مرحلة تالية في المفاوضات.

 (3) التمسك بقرارات مجلس الأمن، ومبدأ عدم الاستيلاء على أراض بالقوة المسلحة، وتطبيقها لاستعادة الأراضي التي احتلت عام 1967 بالكامل.

ج. الموقف الأمريكي تحدد في

(1) التصدي للمسائل الإجرائية التي تواجه المؤتمر، وترك التفاوض على جميع المسائل لأطراف النزاع مباشرة.

 (2) التمسك بأن يكون إطار التفاوض مبنياً على الآتي:

(أ) مبدأ الأرض مقابل السلام.

(ب) قراري مجلس الأمن الرقم 242، والرقم 338.

(ج) تتم عملية التسوية على مراحل.

3.  انعكاسات المؤتمر على القضية الفلسطينية

أ. أصبح المجتمع الدولي ـ والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق، بوصفهما راعي السلام ـ مهتمين لإيجاد حلول عملية للقضية الفلسطينية بدرجة الاهتمام نفسها مع المسارات الأخرى للصراع العربي ـ الإسرائيلي.

ب. وجدت القضية الفلسطينية، البيئة الصحيحة للتحرك في سبيل تحقيق الأهداف التي غابت طويلاً في إقامة دولة فلسطينية، وهذا التحرك كان هو الثاني في أعقاب مؤتمر كامب ديفيد عام 1978، والذي أهدرت السلطة الفلسطينية استغلال نتائجه.

ج. أدى تصاعد عملية السلام إلى توقف الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ترقباً لما ستسفر عنه مباحثات السلام.

د. في أعقاب مؤتمر مدريد ـ وفي شهر ديسمبر 1991 بالتحديد ـ أُعلن عن تفكك الاتحاد السوفيتي السابق، وبالتالي انفردت الولايات المتحدة الأمريكية برعاية عملية السلام، وخسر الفلسطينيون هامش المناورة المتاح لهم على الجانب السوفيتي، لذلك فقد كان هناك تشدد إسرائيلي في صيغة المفاوضات.


 



[1] يقصد الفترة من توقيع بروتوكول الخليل، حتى توقيع هذا الاتفاق.