إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / اتفاقيات السلام العربية ـ الإسرائيلية خلال القرن العشرين





الحدود الأردنية الإسرائيلية
الحدود بين الأردن وفلسطين
قرار تقسيم فلسطين




القدرة الإقتصادية لإسرائيل

المبحث السابع

تطور عملية السلام، منذ نهاية عام 2000 حتى منتصف عام 2004

المفاوضات الدبلوماسية، التي استَهلت بها هذه المرحلة، وواكبت نهاية حكم الرئيس "بيل كلينتون"، عام 2000، وسمِّيت مباحثات كامب ديفيد الثانية ـ يمكن تلخيص أحداثها في الآتي:

1. تواصل الجهود الدبلوماسية، لإنجاز أتفاق سلام، قُبَيْل انتهاء الفترة المتبقية من حكم الرئيس "كلينتون"، وتسلّم "جورج بوش الابن" منصب الرئاسة.

2. توجُّه الرئيس الفلسطيني، "ياسر عرفات"، إلى واشنطن؛ لبحث مقترحات السلام الأمريكية، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون". وعرفت هذه المقترحات بمقترحات بيل كلينتون. ومن أهم ما تضمنته:

أ. منح الفلسطينيين نوعاً من السيادة على المسجد الأقصى، مقابل احتفاظ إسرائيل بالسيطرة على حائط البراق.

ب. تخلِّي الفلسطينيين عن المطالبة بعودة اللاجئين؛ وهو نفسه ما كان قُدِّم في قمة كامب ديفيد، في شأن المسألة الحرجة، الخاصة بالحرم القدسي الشريف.

ج. ضم 5% من الأراضي الفلسطينية، التي تحتوي على تجمعات مستوطنات يهودية، إلى إسرائيل؛ على أن يحصل الفلسطينيون مقابل ذلك على أراضٍ بديلة.

د. استئجار إسرائيلي طويل الأمد لثلاثة في المائة من الأراضي الفلسطينية.

هـ. ضم مستوطنات يهودية، في أرض، نسبتها 1%  من أراضي الضفة الغربية، إلى مدينة القدس.

أولاً: المقترحات الأمريكية للتسوية النهائية (ديسمبر2000)

حملت الانتفاضة الفلسطينية والصلف الإسرائيلي كلاهما الإدارة الأمريكية، برئاسة "بيل كلينتون"، على طرح مقترحات للحل النهائي، تتكون من مادتَين، تنصان على ترسيخ السلام، والمبادئ العامة لاتفاق الإطار المطروح. وتترك للطرفَين: الفلسطيني والإسرائيلي، التفاوض، في المستقبل، في تفاصيل الاتفاق وشروطه وضوابطه ومواعيده. ويستند المبدأ الرئيسي فيها، بالنص الصريح، إلى "إنهاء الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي"، وانتفاء أيّ مطلب للطرفَين. وتحتوي المقترحات الأمريكية على عدة مبادئ، تتعلق بالأرض، والأمن، ومدينة القدس، واللاجئين، وإنهاء الصراع. ولكن، كانت هناك تحفظات فلسطينية من هذه المقترحات؛ نتيجة لغموضها، وخاصة في ما يتعلق بمدينة القدس.

ثانياً: مباحثات طابا (يناير 2001)

في ضوء المقترحات الأمريكية، التأم اجتماع، في طابا المصرية، بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وانتهت المفاوضات إلى إعلان مشترك للجانبين؛ ما يؤكد أُزُوْف الانتخابات، والاستمرار، مستقبلاً، في عملية السلام. وأمكن، خلال هذه المباحثات، التوصل إلى حلول لمعظم المشاكل بين الجانبَين، بما في ذلك الاتفاق على صيغة لحل مشترك لمشكلة اللاجئين. وفي ما يلي أهم المبادئ، التي تضمنها اتفاق طابا:

1. الأراضي المحتلة

يُسَلَّم الفلسطينيون نسبة تراوح بين 94 و96% من أراضي الضفة الغربية، والتي تتحول إلى دولة فلسطينية مستقلة؛ شريطة أن تُسْلَخ منها التجمعات الرئيسية، في مستوطنتَي أرئيل وجوش عتسيون، لِتُضم إلى الأراضي الإسرائيلية، مقابل أراض في النقب، تتخلى عنها للدولة الفلسطينية.

2. القدس

كلّ ما هو يهودي، فهو لليهود. وكلّ ما هو فلسطيني، فهو للفلسطينيين. أمّا الأماكن المقدسة، فيتولى السيادة فيها طرف ثالث، طيلة خمس سنوات. وتقتصر إدارة إسرائيل خلالها على حائط المبكى الغربي. ويضطلع الفلسطينيون بإدارة الأماكن الإسلامية الدينية. ويتوصل الجانبان، خلال المدة المذكورة، إلى اتفاق في ما يتعلق بالسيادة.

3. الأمن

وافق الفلسطينيون على المطالب الإسرائيلية، في شأن الأمن، بما في ذلك انتشار قوات جيش الدفاع، في حالة الطوارئ؛ ووجودها في وادي الأردن، طيلة فترة انتقالية، مدتها 6 سنوات.

4. اللاجئون

اتُّفِق على صيغة، تقضي بأن حق العودة، سيكون داخل حدود الدولة الفلسطينية، وفي المناطق، التي ستسلمها إسرائيل للفلسطينيين. بمعنى آخر، ستساعد إسرائيل على إنشاء غير مدينة للاجئين، في منطقة "حالوتسا"، بالنقب. وسوف تسلّمها للفلسطينيين، في إطار عملية تبادل الأراضي. كما تسهم إسرائيل؛ بوساطة الهيئات الدولية، في تعويض هؤلاء اللاجئين.

ثالثاً: الخطوط الأساسية لحكومة "شارون"، بعد فوز "الليكود" في الانتخابات (فبراير 2001)

عكست الاتفاقات الائتلافية، التي وقعها "شارون" مع الأحزاب السياسية، المشاركة في حكومته، أن الخطوط العامة لهذه الحكومة، لا تخالف كثيراً سابقاتها من الحكومات في ثوابت الموقف الإسرائيلي؛ مع تزايد تشدد حكومة "الليكود". وقد تمثلت الخطوط الآنفة في الآتي:

1. الحفاظ على يهودية الدولة. ورفض عبارة: عودة اللاجئين الفلسطينيين.

2. أهمية تشجيع الهجرة، واستيعاب المهاجرين اليهود.

3. رفض السيادة الفلسطينية في القدس الشرقية.

4. محورية العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية.

5. الامتناع عن إزالة الكتل الاستيطانية الرئيسية في الضفة الغربية.

6. محورية سياسة الأمن وتعزيز قدرات جيش الدفاع.

7. أهمية التنمية الاقتصادية وإنشاء اقتصاد السوق المتطور إنشاءً، يلائم التوزُّع الديموجرافي لليهود في الدولة.

رابعاً: سياسة "شارون" تجاه عملية السلام

ما إن تسلّم "شارون" السلطة، في بداية عام 2001، حتى تراجعت عملية السلام، إذ ساد المجتمع الإسرائيلي منطق الحل العسكري، ومعاقبة الشعب الفلسطيني، ووقف العملية التفاوضية. وقد تمثلت أولويات رئيس الوزراء الإسرائيلي في التخلص من السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها، ياسر عرفات، من خلال الحصار: السياسي والعسكري، وتصعيد الضغوط، والتراجع عن أيّ التزامات، وخاصة ما يتعلق بأيّ تسوية سلمية. كما اعتمد فكرة الحل، من خلال نظام الخطوة خطوة، تحت اسم: المبادرات الإسرائيلية طويلة الأمد، على أساس أنه لا يوجد طرف فلسطيني، يمكن مفاوضته وسعى إلى تحويل مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، من مهمة الراعي، إلى مهمة المناصر للمطالب الإسرائيلية. كما استطاع "شارون"، من خلال تركيزه في قضية أمن المواطن الإسرائيلي، استمالة الرأي العام، داخل إسرائيل وتوحيد المجتمع خلف قيادته. وقد حققت تلك السياسة نجاحاً نسبياً لحكومة "الليكود".

ومنذ مارس 2001، شرعت الحكومة الإسرائيلية تكوِّن موقفاً إسرائيلياً موحداً من الحل مع الفلسطينيين. واستساغت فكرة رئيسها، طرح مبادرات طويلة المدى، تؤدي دائماً إلى طريق مسدود؛ وتعليق عملية السلام وفكرة التفاوض؛ والمبادرة إلى إيجاد حلول أحدية الطرَف؛ بزعم أن الفلسطينيين، ليسوا طرفاً في العملية الآنفة.

وهناك لاءات محددة، أعلنها "شارون"،: "لا لإزالة المستوطنات – لا للانسحاب من وادي الأردن – لا للتفاوض حول القدس ـ لا لحق الفلسطينيين في العودة ـ لا لأيّ تفاهم حول قضايا الحدود". وفى حالة نشوء دولة فلسطينية، فإنها ستكون منقوصة السيادة، مقطعة الأوصال.

لا ريب أن الفكر الإسرائيلي، في ظل حكومة "شارون"، لم يستهدف مفاوضة الفلسطينيين، ولا الانسحاب من الضفة الغربية، ولا من القدس العربية، ولا من الجولان. وهو أمر، أدى إلى استمرار النزاع، وخلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة.

خامساً: تأثير الانتفاضة

أصدر المركز الحقوقي الفلسطيني تقريراً، في نهاية سبتمبر 2001، تضمن ما ارتكبه جيش الدفاع الإسرائيلي، بأنواع أسلحته كافة، من طائرات ودبابات وزوارق بحرية؛ إضافة إلى استخدامه عدداً من الأسلحة والذخائر، المحرمة دولياً. ولخص التقرير أبرز انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في الآتي:

1. تأجيج الحكومة الإسرائيلية عدوانها حتى كاد يلامس الحرب الشاملة؛ وجعْل الأراضي الفلسطينية أراضي محروقة؛ فضلاً عن اقتراف الاغتيالات؛ و نصب المستعربين المكامن، لاختطاف الفلسطينيين.

2. إحصاء التقرير أكثر من 25 ألف جريح فلسطيني، و2350 معتقلاً فلسطينياً، لا فرق بين شاب وطفل وشيخ وامرأة.

3. تشجيع وزارة الإسكان الإسرائيلية، برئاسة "شيرانسكي" على السكن في المستعمرات، بمنح 25 ألف دولار كلّ من يمتلك منزلاً فيها. كما أعلن توسيع المستعمرات، وجعْل وجودها أمراً واقعاً، لا يمكن تغييره. ناهيك من اكتمال بناء 18 تجمعاً سكانياً استيطانياً جديداً، في الضفة الغربية.

4. تدمير القوات الإسرائيلية أكثر من ألف منزل تدميراً كاملاً، خلال عام 2001؛ إضافة إلى مئات المنازل، التي دمرت تدميراً جزئياً؛ فضلاً عن هَدِّها 19 مسجداً، و11 مركزاً تعليمياً، و61 مصنعاً؛ بل إن سيارات الإسعاف، والمراكز الطبية، لم تَسْلَم من عدوانها. زدْ على ذلك تدمير البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني، من طرق مواصلات وكُبُوْل ومولدات كهربائية ومراكز هاتف ومصانع وأشجار مثمرة وآبار مياه ... وقد أدى كلّ ذلك إلى ارتفاع نسبة البطالة بين العمال الفلسطينيين، وحرمان آلاف الطلاب الالتحاق بكلياتهم ومعاهدهم.

5. عرقلة قوات الاحتلال تنقلات أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، ومنْعها تحركات أعضاء مجلس الوزراء الفلسطيني.

ومن الواضح أن إسرائيل قامت بشن حرب غير متكافئة بين جيش مدجج بالسلاح وبين شعب أعزل يواجه الرصاص والصواريخ بالحجارة.

وقد سخَّرت القيادة الإسرائيلية أحداث 11 سبتمبر 2001 للإعلان، أنها تعاني الإرهاب الفلسطيني، وإرهاب المنظمات الأخرى. وأكدت وقوفها إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، على أساس أنها، أيْ إسرائيل، هي الدولة، التي عانت الإرهاب، حتى أمست به خبيرة. كما تزايدت أهميتها، في مجال تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية، في منطقة الشرق الأوسط، في ضوء اتفاق مصالح الجانبَين، في مجال توسيع ما يسمى: الحرب على الإرهاب.

لقد استغلت إسرائيل الحملة الأمريكية على الإرهاب، أسوأ استغلال، في سبيل القضاء على البنية التحتية الفلسطينية. وكان إعلان الولايات المتحدة الأمريكية أن المنظمات الفلسطينية منظمات إرهابية ـ دافعاً لأن تشن تل أبيب تلك الحملة، لمصلحة واشنطن؛ فتحظى بتأييد أمريكي كامل. وكانت الشواهد على ذلك متعددة، أبرزها نعت الرئيس الأمريكي، رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه "رجل سلام"، وإعلان زير الخارجية الأمريكي، "أنه لا يرى أن إسرائيل ارتكبت جرائم في جنين". وكلّ ذلك كان تأييداً أمريكياً واضحاً لسياسة إسرائيل، وتشجيعها على المضي قُدُماً؛ للقضاء على ما يسمى بالانتفاضة الفلسطينية؛ وإعادة احتلال المدن والقرى الفلسطينية.

سادساً: رؤية إسرائيلية جديدة للمنطقة

حرص "شارون" على تقديم مذكرة متبادلة، بينه وبين الرئيس الأمريكي، "بوش"، توضح رؤية جديدة، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، أشار فيها إلى ضرورة إجراء تعديلات جوهرية، بعد أن وصل الإرهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، تتيح لها ولإسرائيل مكاسب إستراتيجية جديدة.

وأشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أنه في غضون عشر سنوات مقبلة، سيفوق عدد المنظمات الإرهابية 600 منظمة، تستهدف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل؛ ومن أشدها خطراً تنظيم "القاعدة"، الذي يظل هدفه هو القضاء على النفوذ والوجود الأمريكيَّين في مناطق البترول، وهو ما يتطلب السيطرة الأمريكية على مصادر البترول في العالم العربي. كما أشار "شارون"، إلى ضرورة الأخذ بمفهوم "القوة"، في إطار عولمة العلاقات الدولية. ولا يكفي أن يكون هناك حديث دولي عن القوة الأمريكية في عالم اليوم؛ وإنما المطلوب أن تكون هناك إرادة قوية، تبرز، بالفعل، القوة العظمى، لتضرب الأعداء، ولو كانوا ضعفاء، لا يملكون سلاحاً أو تكنولوجيا؛ مع ضرورة التوفُّر على فكرة التحالف الدولي، وخضوعه لمبدأ استخدام القوة في مقاومة ما سمي: "الإرهاب". وقد مهَّد كل ذلك لإسرائيل اجتياح الأراضي الفلسطينية، متذرعة بالقضاء على ما تسميه: الجماعات الإرهابية. وأوضح "شارون"، للإدارة الأمريكية، أن ضرب العراق عسكرياً، وإسقاط نظام صدام حسين، سيؤديان إلى تحقيق المزيد من السيطرة الأمريكية على مصادر البترول الخليجية.

كما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي أهمية أن تضطلع الولايات المتحدة الأمريكية، بترويج فكرة الدور الإسرائيلي في المنطقة؛ موحية إلى العرب أهمية التعاون: الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري والإستراتيجي، بينهم وبين إسرائيل. وهذه الأفكار جميعاً، اعتمدتها واشنطن، في مراحل لاحقة. والنقطة المهمة في هذا الموضوع، أن "شارون" اقترح على الولايات المتحدة الأمريكية، أن يتزايد، تدريجاً، دور إسرائيل ونفوذها في المنطقة، لتراوح نسبتهما بين 30 و40%، عام 2006؛ ثم لتبلغ 70%، عام 2010؛ ثم 80%، عام 2015. ولا ريب أن ازدياد النفوذ الإسرائيلي، سيقابله انخفاض للأهمية النسبية للدول العربية، وخاصة مصر والمملكة العربية السعودية؛ فضلاً عن إسقاط النظُم المعادية في المنطقة، مثل: العراق وسورية وإيران وغيرها.

سابعاً: عملية "السور الواقي"

في يناير 2002، عاد "أنتوني زيني" إلى المنطقة، في بداية مهمة جديدة، لتثبيت وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وبعد أربعة أيام، من المحادثات مع المسؤولين من الطرفَين، خيم عليها عدم الثقة، إثر احتجاز إسرائيل سفينة أسلحة، في البحر الأحمر؛ زاعمة أن الشحنة، تعود للسلطة الفلسطينية. ومن ثَم، كتب على جولة "زيني" الثانية الفشل، بعد أن عجز عن إحراز أيّ تقدم ، يبدد التوتر بين الطرفين.

كما واصلت إسرائيل عمليات الاجتياح والقصف والتدمير، في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ بل لم تتورع عن الإغارة على مقر الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، في رام الله، إثر مقتل ستة جنود إسرائيليين، في هجوم على حاجز تفتيش، قرب المدينة. وسرعان ما خططت إسرائيل لاجتياح الضفة الغربية بكمالها، وإعادة احتلالها المدينة الآنفة، في 28 و29 مارس 2002، تحت اسم عملية "السور الواقي". ومع صدور قراري مجلس الأمن الدولي: رقم (1402) في مارس 2002، و(1403) في أبريل 2002، اللذَين ينصان على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها، جعل الإسرائيليون الانسحاب رهينة بالتزام الفلسطينيين وقفاً كاملاً للعنف. كما أعرضت إسرائيل عن المبادرة العربية، الصادرة عن قمة بيروت (مارس 2002)، والمنبثقة من المبادرة السعودية، لتحقيق السلام في المنطقة.

ثامناً: الجهود الأمريكية في سلام الشرق الأوسط

أكدت الولايات المتحدة الأمريكية التزامها أمن إسرائيل، ورفضها للعنف الموجه إليها. وطالبت السلطةَ الفلسطينيةَ بتهدئة الأوضاع، تمهيداً لاستئناف التفاوض في تطبيق توصيات "ميتشل"، وخطة "تينت". ولكن الرئيس الأمريكي، "بوش"، فاجأ الجميع بإعلانه؛ في أكتوبر 2001، أن "الدولة الفلسطينية، كانت دائماً جزءاً من التصور الأمريكي لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي"؛ وهي التصريحات التي رحبت بها الدول العربية، والسلطة الوطنية الفلسطينية. وقد تلا ذلك تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، في 19 أكتوبر 2001، والتي لخص فيها رؤية بلاده لاستئناف مسيرة التسوية، قائلاً: "لا يمكن أن يكون هناك سلام، من دون الاعتراف الصريح، والقاطع، بحق إسرائيل في الوجود، بصفتها دولة يهودية، داخل حدود آمنة؛ فمن دون ذلك، يصبح السلام مستحيلاً. وفي الوقت نفسه، فإن استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية، لا يوفر لإسرائيل السلام والأمن. وكذلك توسيع المستوطنات، وإشعار الفلسطينيين بالعجز، والافتقار إلى السلطة، هما دعوة للمواجهة، وليس للاستقرار. وإن حصول الفلسطينيين على دولة، هو أمر ضروري، ومشروع؛ شريطة ألاَّ تكون ملاذاً للإرهاب، لأولئك الذين يعتزمون تهديد إسرائيل".

كما تمثلت أبرز تطورات الموقف الأمريكي من عملية السلام في الاقتراح المفاجئ لمشروع قرار، تقدمت به الولايات المتحدة الأمريكية إلى مجلس الأمن الدولي، في 13 مارس 2002، في شأن الدعوة لنشوء دولة فلسطينية، إلى جانب إسرائيل، ووقف الطرفَيْن أعمال العنف. وقد أقر مجلس الأمن الدولي مشروع القرار الأمريكي، الذي صدر بالرقم (1397)، في 13 مارس 2002. ويعكس هذا القرار تطوراً مهماً في الموقف الأمريكي من عملية السلام. ويشير إلى إدراك الإدارة الأمريكية خطر الموقف في المنطقة، وانعكاساته السلبية على المصالح الأمريكية فيها؛ وأهمية التدخل لوقف أعمال العنف المتبادل.

ومع استفحال التوتر في الأوضاع الأمنية، داخل المناطق الفلسطينية، وتزايد الخسائر البشرية، في الجانبَين: الإسرائيلي والفلسطيني، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على عودة مبعوثها "أنطوني زيني"، إلى المنطقة، في 14 مارس 2002؛ وذلك للمساهمة في دفع الطرفَين إلى تطبيق توصيات لجنة "ميتشل"؛ وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تضمنته وثيقة "تينت". غير أن العراقيل الإسرائيلية، أفسدت عليه مهمته، فانتهت إلى الفشل.

تاسعاً: تطورات عملية السلام (يونيه 2002 – حتى منتصف عام 2004)

1. الجدار الأمني

الخط الأخضر، بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية، في الضفة الغربية، خط وهمي. أمّا الخط الجديد، فقد انفردت إسرائيل برسْمه وتنفيذه، في إطار جدار عازل، على الحدود مع الضفة الغربية، حيث يقتطع من أراضيها 110 كم؛ ويراوح عمقه بين 3 و15 كم، ابتداء من قرية كفر سالم، قرب جنين، في الشمال، وحتى قرية كفر قاسم، في الجنوب. ويتعرج الخط الجديد طبقاً لحاجة إسرائيل الأمنية. وتعلوه أَسْوِجَة وأجهزة مراقبة متطورة.

وفي مرحلة تالية لهذا المخطط، سوف يُقتطع لحاجة 350 كم أخرى من الضفة الغربية، بحجة منع تسلل الفلسطينيين إلى داخل الخط الأخضر؛ فضلاً عن ضم نحو مائة كيلومتر إلى مدينة القدس وتسييجها.

وهذا الفصل أحدي الجانب، ينسف فكرة نشوء دولة فلسطينية طبيعية، إذ لن يمكِن التواصل الجغرافي بين مدنها وقراها، ولن يمكِن سلطتها المركزية فرض سيطرتها الكاملة على جميع أطرافها. فهذا المشروع، يرسم خطاً بينها، خمسة خطوط عرضية، أو أحزمة أمنية، ستقسم الضفة الغربية بين ثمانية كنتونات، لا يوجد بينها تواصل جغرافي.

وسيجعل هذا الفصل أحدي الجانب، الجدار الأمني، السكان الفلسطينيين المقيمين بين الخط الأخضر القديم والخط الجديد؛ وعددهم نحو 26 ألف نسمة، سيجعلهم جالية فلسطينية، تسكن بإسرائيل. ليس لهم أيّ حقوق. ولا يسمح لهم بالبناء فوق أراضيهم. كما لن يسمح لهم بالخروج من مناطقهم.

ولا شك أن خطة الفصل، ستجعل مستعمرات الضفة الغربية ضمن حدود إسرائيل. ففي منطقة جنين، مثلاً، سَتُضَم مستعمرات ريحان وشاكيف وحنانين ووتل منشة. أمّا في القدس الشرقية، فستُضَم إليها جميع المستعمرات المحيطة بمدينة القدس، مثل: معالي أدوميم وجبل أبو غنيم وجيلو وعناتا. وبذلك تفرض إسرائيل واقعاً جديداً، يصعب إزالته.

ويشير تقرير منظمة "بتسليم" الإسرائيلية، الذي نشرته جريدة "معاريف"، في عددها الصادر في 13 يونيه 2002، تحت عنوان: "نهب الأراضي"، إلى أن استيلاء إسرائيل على نصف الضفة الغربية، يحُول دون إنشاء دولة فلسطينية مستقلة. وتزايد المستعمرات تزايداً كبيراً، وارتفاع عدد سكانها، منذ توقيع اتفاق أوسلو، من 247 ألف نسمة إلى 380 ألفاً ـ هما دليل على ميل المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين المتطرف. كما أنشأت إسرائيل أكثر من 185 مستعمرة، على نحو 2348كم2 من الضفة الغربية، المناهزة مساحتها 5870 كم2، والتي تمثل ربع المساحة الكلية لفلسطين التاريخية[1]. وسيمكن إسرائيل إكمالها لمشروع المناطق العازلة، "الجدار العازل"، من الاستيلاء على 460 كم إضافية؛ ليبقى للفلسطينيين في الضفة الغربية نحو 1888 كم، أيْ نحو ثلث مساحتها.

2. رؤية الرئيس "بوش" لتحقيق السلام في الشرق الوسط (يونيه 2002)

حدد الرئيس الأمريكي "بوش"، في 24 يونيه 2002، خطته أو رؤيته للسلام في الشرق الأوسط. فقال، في بيانه، إن وضع الفلسطينيين يائس. ومن الصعب عليهم العيش تحت نير الاحتلال. وأكد ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية إلى حيث كانت قبل 28 سبتمبر2000. وأشار إلى أن على الإسرائيليين والفلسطينيين التعامل، في نهاية المطاف، مع القضايا الرئيسية، إذا أرادوا سلاماً حقيقياً؛ وأن يحلوا كلّ مشاكلهم، وينهوا الصراع بينهم. وحتم بأن أيّ تسوية، يجب أن تعتمد على قرارَي مجلس الأمن، رقمَي (242) و(338)؛ وبوجوب حل القضايا المتعلقة بمدينة القدس واللاجئين الفلسطينيين.

وقد تركزت الرؤية الأمريكية في:

أ. نشوء دولة فلسطينية مؤقتة، بشرط أن تكون هناك قيادة فلسطينية جديدة.

ب. مهلة إنشاء الدولة الفلسطينية المؤقتة 18 شهراً.

ج. نشوء دولة دائمة، في غضون ثلاث سنوات، في إطار تسوية نهائية في منطقة الشرق الأوسط.

د. استناد أيّ تسوية إلى قرارَي مجلس الأمن، رقمي (242) و (338).

هـ. تقديم الدعم المطلق لإسرائيل؛ للحفاظ على أمنها.

وفى نوفمبر2002، وافقت الجماعة الرباعية، الأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، على ما سمِّي: "خريطة الطريق"، في شأن عملية السلام، بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وتضمنت الخطة ثلاث مراحل، تنتهي إلى إنشاء الدولة الفلسطينية، في منتصف عام 2005.

وسرعان ما عُلِّقَت هذه الخطة؛ لإصرار إسرائيل على عرقلتها، واعتمادها مشاريع أحدية الجانب تمثل وجهة نظرها، وتحظى بتأييد إدارة الرئيس الأمريكي، "بوش".

3. تحفُّظ الحكومة الإسرائيلية من "خريطة الطريق"

في 25 مايو 2003، وافقت الحكومة الإسرائيلية على "خريطة الطريق"، بأغلبية 12 وزيراً؛ ولكنها قرنتها بسلسلة من التحفظات. وأصدرت قراراً، تعلن فيه رفضها المسبق لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين؛ لأن عودتهم ستخلّ بالطابع اليهودي للدولة الإسرائيلية، إذ يناهز عددهم 3.7 ملايين فلسطيني.

ووضعت إسرائيل 14 تحفظاً، جعلتها خطوطاً حمراء، لا يمكن تجاوزها؛ ومنها: موضوع المستوطنات، وقضية القدس، وقضية اللاجئين، وأن تكون الدولة الفلسطينية دولة منزوعة السلاح. والواقع أن الحكومة الإسرائيلية، خلال تلك الفترة، برئاسة شارون، سعت إلى استنفاد الوقت، ريثما تخلق حقائق جديدة على الأرض؛ أو تستجيب لها مطالبها الإدارة الأمريكية، برئاسة "بوش الابن"، والتي تشاركها في الكثير من الرؤى، وهي التي بدأت تنشغل، في عام 2004، بالانتخابات الجديدة. ومن ثَم، تغافلت الحكومة الإسرائيلية عن تنفيذ خطة "خريطة الطريق"؛ فقويت على عرقلة عملية السلام، مصداقاً لمقولة رئيس الوزراء الأسبق، إسحاق شامير، "أنه سيفاوض العرب، عشر سنوات، من دون أن يتقدم خطوة واحدة".

4. انسحاب حزب "العمل" من حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية

في الثلاثين من أكتوبر 2002، انهارت حكومة الوحدة الوطنية" في إسرائيل، إثر انسحاب حزب العمل منها، بعد فشل المحادثات، بين زعيم الحزب، ووزير الدفاع، "بنيامين بن إليعازر"؛ ورئيس الوزراء، زعيم حزب "الليكود"، "آرئيل شارون"، في تسوية اختلافهما في المخصصات المالية للمستعمرات اليهودية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي يطالب بها "الليكود"، في الميزانية الجديدة.

وسرعان ما استقال بن إليعازر من الحكومة. وتبعه وزير الخارجية، "شيمون بيريز"، ووزير التربية، "كاثان فيلناى"، ثم وزير الصناعة، فوزير النقل[2]. وندد "شارون"، في كلمة أمام الكنيست الإسرائيلي، بحزب "العمل"؛ لانسحابه من الحكومة. وتعهد الاستمرار في قيادة الدولة، بروح المسؤولية.

ومن أجل الحفاظ على الأكثرية في الكنيست، فقد بادر "شارون" إلى محالفة الأحزاب الدينية، وأحزاب أقصى اليمين، التي تطالب بموقف أكثر تشدداً من الفلسطينيين. ومن ثَم، بدا أن إسرائيل مقبِلة على انتخابات جديدة، في عام2003؛ ستشغلها عن أيّ تحرك نحو السلام. وبالفعل، أعلن "شارون" تقديم موعد الانتخابات البرلمانية الجديدة، ليكون في 28 يناير 2003، بدلاً من أواخر العام، كما كان مقرراً من قبل. وفي الوقت نفسه، كانت انتخابات حزب "العمل"، في نوفمبر 2002، قد تمخضت بفوز متسناع برئاسة الحزب.


 



[1] تناهز مساحة فلسطين 27 ألف كم2.

[2] المعروف أن حزب "العمل"، يشغل 25 مقعداً بالكنيست. وسيطر "شارون"، بعد خروج هذا الحزب، على 55 مقعداً فقط.

[3] أدى تأليف حكومة "أبو مازن" إلى تعارض توزيع الاختصاصات والصلاحيات، بين الرئاسة والحكومة؛ وهو ما أوجد خللاً في إحدى دوائر صنع القرار. وتزايدت الأزمة مع استقالة تلك الحكومة، في سبتمبر2003. وكذلك أزمة تأليف حكومة "أحمد قريع". وقد أبرزت تلك الأزمات إبرازاً مبيناً ضعف المؤسسات الوطنية الفلسطينية، بما فيها مؤسسة الرئاسة، ورئاسة الوزراء، والمجلس الوطني، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومجلساها: الوطني والمركزي، اللذان باتَا في حالة غياب كامل عن المسرح السياسي الوطني.