إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / اتفاقيات السلام العربية ـ الإسرائيلية خلال القرن العشرين





الحدود الأردنية الإسرائيلية
الحدود بين الأردن وفلسطين
قرار تقسيم فلسطين




القدرة الإقتصادية لإسرائيل

5. الاستيطان الإسرائيلي وتداعيات عملية السلام

تمكنت إسرائيل من استبعاد قضية المستوطنات من مناقشات اتفاق أوسلو، عام 1993. ورأت المعارضة الفلسطينية، أن هذا الاتفاق، لم يقرن التفاوض بوقف المستوطنات؛ حتى تصاغرت السيادة الفلسطينية بَعده عن إنشاء الدولة، وخاصة بعد تزايد نشاط الاستيطان وتضاعفه؛ ومن ثَم، فرض الأمر الواقع.

ففي مثال على الضفة الغربية، يناهز ما تبقى لنشوء دولة فلسطينية 1888كم2. تتوزعها 4 تجمعات رئيسية منفصلة، وأكثر من 63 تجمعاً فرعياً، غير متصلة. ويقطن فيها 3 ملايين فلسطيني، أيْ بمعدل 1600 نسمة في الكيلومتر المربع.

ويرى اليمين الإسرائيلي في المستوطنات أمراً واقعاً، وقضية قومية، يجب ألاّ يُتَخَلَّى عنها. أمّا اليسار الإسرائيلي، فيرى إمكانية وقف بناء المستوطنات، وإزالة غير الشرعي منها. ويتلاعب اليسار بالألفاظ، أحياناً، فيرى أن يقتصر الوقف على حدود المستوطنات؛ فلا يطاول عدد مستوطنيها.

وبالطبع، فإن ما تبقى من أرض فلسطينية، لا يصلح لإنشاء دولة فلسطينية طبيعية. ولو أنشئت على هذا النحو، لكانت مصدراً لأعمال العنف المتبادل، طيلة أجيال مقبِلة. ومن ثَم، يمكن القول إن السلام والاستيطان أمران متعارضان، يصعب جمعهما في قارب واحد؛ ومن يرد السلام، يجب أن يطالب بإخلاء المستوطنات.

6. انتخابات الكنيست

خلافاً لنظام الانتخابات الثلاث السابقة في إسرائيل، فقد اقتصرت الانتخابات، في 28 يناير 2003، على اختيار النواب في الكنيست فقط، بعد إلغاء نظام الانتخابات المزدوج، لاختيار رئيس الوزراء، بالاقتراع المباشر؛ ومن ثَم، وزعت بطاقة واحدة خلافاً للمعتاد في أعوام 1996 و1999 و2001. وطبقت إسرائيل نظام التمثيل النسبي التكاملي في الكنيست، المؤلف من 120عضواً. وجعل هذا النظام أراضي الدولة دائرة انتخابية واحدة.

والواقع، أن الانتخابات الإسرائيلية، كانت مقدَّرة سلفاً، إذ افتقدت المنافسة الثنائية المعروفة بين قطبَي الحياة السياسية: "العمل" و"الليكود". وعلى الرغم من حصول ثانيهما على 38 مقعداً في الكنيست السادس عشر، إلا أنه لم ينعم بالاستقرار؛ إذ إنه ألَّف حكومة ضيقة، اقتصرت على الأحزاب اليمينية، دون اليسار، وحزب الشينوى (التغيير)، برئاسة "تومي لابيد"، الذي يمثل الوسط.

أيقنت السلطة الفلسطينية، أن فوز "شارون" وبقاءه رئيساً للحكومة، سيجعل الأمور تسير من السيئ إلى الأسوأ. وقال "صائب عريقات"، وزير الحكم المحلى الفلسطيني: "إن الأوضاع ستتجه باتجاه استمرار تجميد عملية السلام، وتدهور الأوضاع على الأرض، واستمرار التطبيق العسكري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني".

وبعد رفض إسرائيل العمل بمقتضى "خريطة الطريق"، وانتقادها اللجنة الرباعية؛ وإثر نجاح "شارون" واليمين الإسرائيلي، في انتخابات يناير 2003، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي قبوله دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة، وذات حدود مؤقتة. ولكنه أغفل القضايا الرئيسية، المتعلقة بالاستيطان ونهاية الاحتلال، وتحديد جدول زمني للحدود النهائية. وقد زكَّت الولايات المتحدة الأمريكية إعلان "شارون" في إطار خطة "خريطة الطريق" مبادرته الجديدة، وتأثيرها في مسيرة جهود التسوية.

ومن ثَم، فقد أصبح واضحاً، أن جميع المبادرات: الأمريكية والبريطانية، والمواقف الإسرائيلية تجاهها، لا تطاول سلاماً عادلاً، شاملاً؛ بل إنها تقتصر على الشق الأمني فقط، مثل: "ميتشل" أو "تينت"؛ أو هي مبادرات جزئية، وغير عادلة، لا ترقى إلى اتفاقيات مدريد وأسلو؛ أو إنها مثل "خريطة الطريق". كما تتسم كلّ المبادرات بالانحياز إلى المصالح الإسرائيلية. وناهيك من المواقف الإسرائيلية، الرافضة لأيّ حلول مستقبلية، لا تتمشى مع أهداف تل أبيب.

7. "خريطة الطريق" وعملية السلام، في المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي

في أبريل 2003، أعلنت اللجنة الرباعية (الأمم المتحدة - روسيا - الاتحاد الأوروبي- الولايات المتحدة الأمريكية)، أن "خريطة الطريق"، التي تقول بوجود دولتَين: إسرائيلية وفلسطينية، تعيشان جنباً إلى جنب، في أمن وسلام ـ هي الخطوة الرئيسية نحو تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط. وتنفذ هذه الخطة من خلال ثلاث مراحل.

تشمل أُوْلاها عدة خطوات، يضطلع بها الطرفان: الإسرائيلي والفلسطيني؛ إضافة إلى الجانب العربي. ففي بداية المرحلة، تصدر القيادة الفلسطينية بياناً، لا يقبل التأويل، يعيد تأكيد حق إسرائيل بالعيش في سلام. ويدعو إلى وقف فوري، وغير مشروط، لإطلاق النار، ولكلّ الأنشطة العسكرية، وأشكال العنف، التي تستهدفها. كما تصدر القيادة الإسرائيلية بياناً مماثلاً، تؤكد فيه التزامها رؤية الدولتَين، أيْ دولة فلسطينية مستقلة، قابلة للحياة، وذات سيادة، تعيش في أمن وسلام، إلى جانب إسرائيل. وكذلك العودة إلى وقف فوري للعنف، الذي يستهدف الفلسطينيين، في أيّ مكان.

أمّا المرحلة الثانية، فتشهد انتخابات فلسطينية، تنتهي إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، لها حدود مؤقتة. وتُطالَب خلالها الدول العربية باستعادة علاقاتها وصِلاتها بإسرائيل، كما كان الحال قبل الانتفاضة.

وتستهدف المرحلة الثالثة توصل الأطراف إلى اتفاق على الوضع النهائي، والدائم، والشامل، ينهي الصراع، استناداً إلى القرارات الدولية، أرقام (242)، (338)، (1397).

وفي إطار الإصلاحات الفلسطينية، التي تقتضيها "خريطة الطريق"، عُيِّن "محمود عباس" (أبو مازن)، في الأول من مايو 2003، أول رئيس وزراء فلسطيني. ولكن، لم تدم هذه الحكومة إلا فترة زمنية محدودة (حتى سبتمبر 2003)؛ بسبب الخلافات بين رئيسها و"عرفات".

8. اجتماع "شارون" و"أبو مازن"

قُبَيْل قمة "العقبة"، عُقد اجتماع تحضيري بين رئيس وزراء إسرائيل و"أبو مازن"؛ فكانت جلسة مصارحة بين الجانبَين، أعلن فيها رئيس الوزراء الفلسطيني كلّ المشاكل المقلقة، التي تشغل باله، ولاسيما الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين، وفي طليعتهم "مروان البرغوثي"؛ إضافة إلى إزالة الحواجز، وإخراج الجيش الإسرائيلي من المدن الفلسطينية ورفع الحصار عن "ياسر عرفات"؛ والتوقف عن بناء الجدار الأمني والمستوطنات.

9. قمة "العقبة" (3 و4 يونيه 2003)

لم تستطع قمة "العقبة"، بين الرئيس الأمريكي، بوش؛ ورئيسَي الوزراء: الإسرائيلي "شارون"، والفلسطيني "أبو مازن"، أن تغيِّر شيئاً في علاقة الطرفَين؛ بل وأججت صراعهما الدموي، المتواصل منذ عدة سنوات، بدلاً من تهدئته؛ لا، بل زادت الشكوك في قدرتهما على حل الخلافات، ووقف تدهور الأوضاع، من دون تدخل طرف ثالث. ومن ثَم، سارعت إدارة "بوش"، إلى تدارك الموقف، فأرسلت "جون وولف" وفريقه؛ للبدء بالعمل، وتنفيذ المرحلة الأولى من "خريطة الطريق". وقد أسهم "وولف" في تقريب وجهات نظر الطرفَين، في شأن وقف إطلاق النار. كما زار المنطقة وزير الخارجية الأمريكية، "كولن باول"، في 20 يونيه 2003. والتقى رئيسَي الحكومتَين: الفلسطينية والإسرائيلية، في أريحا والقدس؛ من أجل العمل على وقف إطلاق النار؛ واستئناف المفاوضات السياسية في تنفيذ المرحلة الأولى من "خريطة الطريق"، والتي تقضي بإيقاف إسرائيل عملياتها، بأشكالها كافة، من اغتيالات واقتحامات واعتقالات، أيْ  إيقاف حربها على الفلسطينيين. وبموجبها كذلك، تتعهد السلطة وقف الأعمال العسكرية، بأشكالها كافة، ضد الإسرائيليين. وفى حالة نجاح هذه الخطوة، تبدأ القوات الإسرائيلية بالانسحاب التدريجي من مناطق السلطة، إلى مواقعها قبل سبتمبر2000.

لم يأنس "شارون" بذلك، فأقنع الرئيس "بوش" باستبعاد اللجنة الرباعية، لتنفرد بالإشراف على تنفيذ "خريطة الطريق" الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. وقد شجعت رئيس الوزراء الإسرائيلي مجاراة مواقفه وشروطه التعجيزية على إطالة أمد المفاوضات، والاستمرار في اللقاءات الأمنية مع الفلسطينيين، وابتزازهم، وتجزئة الالتزامات الإسرائيلية المجزأة أصلاً.

وانتهت اجتماعات "العقبة". وبدأت اللقاءات الأمنية، بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي الوقت عينه، بدأت محاولات وجهود عربية، وخاصة من جانب مصر؛ لتحقيق التقارب بين السلطة الفلسطينية وحكومة "أبو مازن" من جهة، وبين المقاومة الوطنية، ولاسيما حركة "حماس"، من جهة أخرى. وهي جهود، استمرت عدة أيام؛ من أجل نجاح الهدنة المطلوبة، والبحث عن الحل السياسي.

أمّا الحكومة الإسرائيلية، فقد نشطت، في المحاور كافة، للحيلولة دون البدء بتنفيذ "خريطة الطريق". واجتهدت في إقحام "أبو مازن" في مواجهة مسلحة للفصائل الفلسطينية، ودفْعها إلى قطع الحوار مع الحكومة، من خلال عمليات اغتيال القيادات، والتوسع في اقتحام المنازل وهدمها، وغير ذلك من الأعمال الاستفزازية.

10. إعلان وقف القتال (29 يونيه 2003)

بعد جهود دبلوماسية مكثفة، بذلتها أطراف: عربية ودولية، توصلت فصائل المقاومة الفلسطينية، والحكومة الفلسطينية، إلى اتفاق هدنة؛ تتعهد بموجبه تلك الفصائل بإيقاف كلّ أعمال المقاومة المسلحة ضد إسرائيل؛ تمهيداً لبدء تنفيذ خطة التسوية السياسية، التي تنص عليها "خريطة الطريق". فقد أعلنت، في 29 يونيه 2003، حركتا: "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" وقف العمليات العسكرية، بشرط وقف إسرائيل كلّ العمليات ضدها؛ مع رفْعها الحصار عن المناطق الفلسطينية، وإيقافها عمليات الاجتياح والتدمير، وبإطلاقها الأسرى.

وخلال زيارة "رايس" المنطقة، في يوليه 2003؛ لمتابعة الموقف، انتقدت على إسرائيل  استمرارها في بناء الجدار الأمني، في الضفة الغربية؛ لأنه يطرح مشكلة، إذ يخلق أمراً واقعاً، وقد يفسر بأنه يفرض حدوداً.

11. الفكر الإسرائيلي أحدي الجانب

طرح "شارون" مشروعه لفك الارتباط، خلال خطبته، في هرتسليا (18 ديسمبر 2003). فأعلن اتخاذ خطوات أحدية الجانب، من خلال إخلاء معظم مستوطنات قطاع غزة من مستوطنيها، المناهز عدهم 17 ألف إسرائيلي؛ ونقلهم إلى أماكن جديدة في الضفة الغربية، حيث توسع المستوطنات الحالية.

ومما لا شك فيه، أن خطبة "شارون"، قد أثارت نقطة تحوُّل مهمة في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إذ اشترط فيها شرطاً تعجيزياً، لتوقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين؛ فرهن توقيعه بتوفير الأمن الكامل لإسرائيل؛ وتفكيك جميع التنظيمات الفلسطينية، بإجراء إصلاحات داخلية، واستبدال سلطة أخرى بالسلطة الفلسطينية الحالية.

واشتملت خطة شارون، في جوهرها، على النقاط التالية:

أ. رغبة إسرائيل في حل القضايا المدرَجَة في لائحة عملية السلام؛ وتحسين علاقاتها بجيرانها العرب، ولاسيما الفلسطينيين.

ب. اضطلاع الفلسطينيين باستئصال البنية التحتية للإرهاب.

ج. رغبة إسرائيل في أن يتدبر الفلسطينيون شؤونهم بأنفسهم، وأن يتهيأ لهم كيان اقتصادي مستقل، وعلاقات طبيعية بتل أبيب.

د. مبادرة إسرائيل، بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الانفصال عن الفلسطينيين، إنْ لم ينفذوا التزاماتهم.

هـ. خطة الانفصال، تتمثل في إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في خطوط أمنية جديدة، وتغيير انتشار المستوطنات.

و. إسراع إسرائيل في بناء الجدار الفاصل؛ لحماية المواطن الإسرائيلي من الإرهاب.

ز. خطة الانفصال المقدمة، ستكون في إطار التنسيق مع كلّ من مصر والأردن؛ لتسهيل نقل البضائع والأشخاص، عبْر المعابر الدولية، ووسط إجراءات أمنية.

ح. خطة الانفصال خطة أمنية، وليست سياسية. ولن تحُول دون العودة إلى تطبيق "خريطة الطريق". كما أعلن "شارون" تفكيك عدد من مستوطنات الضفة الغربية. ولا ريب أن خطة "فك الارتباط، من جانب واحد"، تعني، في نهاية المطاف، إطلاق رصاصة الرحمة على الخريطة المذكورة.

وواقع الأمر، أن هذا المشروع، لقي معارضة شديدة، داخل حكومة "الليكود" نفسها. وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، "نتنياهو"، في مقدمة معارضيه؛ ما حمل "شارون" على بذل جهود شخصية في إقناعه؛ وكذلك كان موقف العديد من وزراء "الليكود" الآخرين. وفي السياق عينه، فإن حزب "المفدال" اليميني، المشارك في الحكومة، هَّدد بالانسحاب منها وكوَّن جبهة، ضد "شارون"، داخل التآلف الوزاري. أمّا اليمين المتطرف، فقد رأى في الخطبة المنوه بها طعنة في الظهر، وخيانة لمبادئ أرض إسرائيل؛ لا، بل إنها عملية ترانسفير لليهود، وطردهم من وطنهم.

12. رد الفعل الأمريكي حول خطة "شارون"

أكدت الإدارة الأمريكية أهمية الاتفاق معها على كلّ الخطوات، التي سيتخذها رئيس الوزراء الإسرائيلي، قبل أن يعلنها. كما دعته إلى زيارة واشنطن، في إطار التنسيق والتشاور معها في الخطوات التالية، التي ستنفذها إسرائيل.

13. ردود الفعل الفلسطينية

أعلنت السلطة الفلسطينية رفضها لخطة فك الارتباط، التي تحدث عنها "شارون"؛ إذ أنها تعطل "خريطة الطريق". وأكد "أحمد قريع"، رئيس الوزراء الفلسطيني، الذي خلف "أبو مازن"، في سبتمبر 2003[3]، أن هذه الخطة خيبت أمله؛ فهي تمثل تهديداً بالتنصل من عملية السلام؛ وتؤدي إلى تطبيق تدابير أحدية الجانب، في الأراضي الفلسطينية.

14. المبادرة المصرية

واكب طرح "شارون" لخطته تزايد الجهود الدبلوماسية المصرية، في ديسمبر 2003، في إحياء عملية السلام. وقد أَمْلَى على مصر جهودَها ثوابت الموقف العربي من القضية الفلسطينية؛ فضلاً عن كون القاهرة صمام أمان قادر على التصدي لمخططات رئيس الوزراء الإسرائيلي المستمرة في القضاء على ما تبقى من القضية الآنفة. وانطلاقاً من المنهج الواقعي، طرحت مصر مبادراتها، في شأن قطاع غزة، إذ رأت أن أيّ انسحاب إسرائيلي، يمثل خطوة إيجابية، بشرط أن يكون انسحاباً شاملاً، بما في ذلك الانسحاب من ممر فيلادلفيا الحدودي، بين مصر ورفح الفلسطينية؛ على أن يكون كذلك في إطار تنفيذ "خريطة الطريق"؛ وبتنسيق مع السلطة الفلسطينية، يحُوْل دون أيّ فراغ أمني غير محمود العواقب. وقد وافق الفلسطينيون على المبادرة. كما وافقت عليها إسرائيل؛ مع بعض التحفظات منها.

وترتكز المبادرة المصرية على محورَين:

أ. المحور السياسي: يتعلق بعملية الانسحاب من غزة. ويشمل وقف العنف بين الجانبَين (الإسرائيلي والفلسطيني)، والعودة إلى المفاوضات.

ب. المحور الأمني: توفد القاهرة خبراء أمنيين مصريين (150 – 200 خبير) إلى الأراضي الفلسطينية، حيث يضطلعون، خلال ستة أشهر، بتدريب قوات الأمن الفلسطينية وتأهيلها، وتزويدها بمعدات لاسلكية وعربات وأسلحة خفيفة، وإعادة بناء مراكز الشرطة والسجون، وتأكيد أهمية توحيد الأجهزة الأمنية الفلسطينية وإعادة بنائها.

15. الجدار العازل

في قرار من أهم القرارات الدولية، طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 8 ديسمبر 2003، من محكمة العدل الدولية، بحث مشروعية الجدار العازل، الذي تقيمه إسرائيل على أراضٍ فلسطينية محتلة، في الضفة الغربية.

وفى 23 فبراير 2004، افتتحت المحكمة أولى جلساتها، وسط إجراءات أمنية مشددة، وتغطية إعلامية، ومظاهرات ومسيرات، لم تشهدها مدينة لاهاي الهولندية من قبل. أمّا إسرائيل، فواصلت تشكيكها في مدى أهلية المحكمة للنظر في قانونية هذا الجدار والعواقب المترتبة عليه؛ معلنة رفضها المشاركة في مداولاتها؛ على أساس أن مسألة الجدار سياسية، وليست قانونية.

وفي 9 يوليه 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها، في شأن الجدار الفاصل (العازل)، والذي نص على أهم النقاط التالية:

أ. أن يمثل الجدار الفاصل انتهاكاً للقانون الدولي، وخطراً مهدداً للسلام والأمن الدوليَّين.

ب. تتوقف إسرائيل عن بناء الجدار، وتفكك مابُنِيَ منه؛ وتعيد إلى الفلسطينيين أملاكهم، وتعوض على من أضرّ بهم الجدار منهم.

ج. أقُيم الجدار على أراضٍ فلسطينية محتلة؛ وهو ما لا يتفق مع القانون الدولي.

د. إسرائيل، انتهكت، ببنائها الجدار الفاصل، القانون الإنساني الدولي، وقانون حقوق الإنسان؛ بسبب المساس بحُرية حركة المواطنين الفلسطينيين وحقوقهم المتعلقة بمجالَي التربية والصحافة.

هـ. دعت الأمم المتحدة إلى بحث الخطوات، التي يجب اتخاذها؛ لإنهاء الوضع، الذي لا يحتمل، والناجم عن بناء الجدار؛ وأخذ رأى المحكمة في الحسبان.

وقد اتخذ قرار المحكمة بأغلبية 14 قاضياً، ومعارضة القاضي الأمريكي. كما أعلنت المفوضية الأوروبية، أن حكم محكمة العدل الدولية، يؤكد رأي نظر الاتحاد الأوروبي، أن الجدار العازل، الذي تقيمه إسرائيل في الضفة الغربية، غير شرعي. وحثت المفوضية الإسرائيليين على إزالته. وشدد "خافيير سولانا"، منسق السياسة الأوروبية: الخارجية والأمنية، على التزام الاتحاد الأوروبي تطبيق القانون الدولي. أمّا روسيا، فقد أعربت عن ترحيبها بالقرار. ودعت الأطراف المتنازعة إلى وقف أيّ أعمال، من شأنها عرقلة التوصل إلى اتفاق سلام شامل، وعادل. وعقبت الخارجية الإسرائيلية على القرار، بالقول: "إنها تشعر بخيبة الأمل، لعدم تطرق القرار إلى الإرهاب. وإن هذا القرار هو رأي استشاري، وليس مُلْزِماً".

16. وعْد بلفور ثانٍ

في 14 أبريل 2004، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي البيت الأبيض، حيث عرض خطته لفك الارتباط أحدي الجانب.

وفي إطار التنسيق الأمريكي ـ الإسرائيلي، سلم الرئيس "بوش" وثيقة إلى "شارون"، تؤكد:

أ. التمسك بـ "خريطة الطريق". والتزام واشنطن الامتناع عن أيّ مبادرة سياسية أخرى.

ب. رفض حق عودة اللاجئين إلى إسرائيل. والسماح لهم بالعودة للعيش داخل الدولة الفلسطينية.

ج. مساندة الإدارة الأمريكية لرفض الانسحاب إلى حدود 4 يونيه 1967؛ ومن ثَم، الاعتراف بضم الكتل الاستيطانية الكبرى، التي تريد إسرائيل الاحتفاظ بالسيطرة عليها.

كانت هذه الوثيقة نصراً دبلوماسياً غير مسبوق لإسرائيل، منذ إنشائها، عام 1948؛ بل إنها تصريح بلفور الثاني؛ لم تَعْبَأ بكلّ القرارات الدولية، في شأن القضية الفلسطينية.

سلم "شارون" للرئيس "بوش" وثيقة إسرائيلية، تتضمن:

أ. التزام إسرائيل "خريطة الطريق".

ب. تفاصيل خطة الانسحاب أحدي الجانب من قطاع غزة، ومن أربع مستوطنات في الضفة الغربية، هي، بالتحديد: غنيم وكديم وسافور وجوش.

خلال المؤتمر الصحفي المشترك، أكد الرئيس "بوش"، في كلمته، الآتي:

أ. أهمية حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بأن تستوعبهم الدولة الفلسطينية، وليس إسرائيل.

ب. الواقع على الأرض، قد تغير تغيراً جوهرياً؛ ومن ثَم، يجب أن ينعكس ذلك في أيّ تسوية سلمية مستقبلية؛ فليس واقعياً، أن تكون عودة إسرائيل إلى حدود 1967 جزءاً من الحل. كما دعا الرئيس الأمريكي الفلسطينيين والعرب إلى الرد ببادرة شجاعة.

ج. امتداح قرار "شارون" التاريخي، بصفته خطوة جريئة، ستشق الطريق، وتنهي النزاع.

د. تشجيع الفلسطينيين على إحداث تغيير، واختيار قيادة، تلتزم الإصلاح والتقدم في العملية السلمية.

هـ. تجديد التزام الولايات المتحدة الأمريكية ضمان أمن إسرائيل، بصفتها دولة يهودية حرة، لها الحق في الدفاع عن نفسها، ومحاربة الإرهاب.

و. الجدار الفاصل، يجب أن يكون أمنياً، وليس سياسياً. ويجب على إسرائيل، أن تضع مصالح الفلسطينيين في الحسبان، عندما تدرس إجراءاتها الأمنية.


 



[1] تناهز مساحة فلسطين 27 ألف كم2.

[2] المعروف أن حزب "العمل"، يشغل 25 مقعداً بالكنيست. وسيطر "شارون"، بعد خروج هذا الحزب، على 55 مقعداً فقط.

[3] أدى تأليف حكومة "أبو مازن" إلى تعارض توزيع الاختصاصات والصلاحيات، بين الرئاسة والحكومة؛ وهو ما أوجد خللاً في إحدى دوائر صنع القرار. وتزايدت الأزمة مع استقالة تلك الحكومة، في سبتمبر2003. وكذلك أزمة تأليف حكومة "أحمد قريع". وقد أبرزت تلك الأزمات إبرازاً مبيناً ضعف المؤسسات الوطنية الفلسطينية، بما فيها مؤسسة الرئاسة، ورئاسة الوزراء، والمجلس الوطني، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومجلساها: الوطني والمركزي، اللذان باتَا في حالة غياب كامل عن المسرح السياسي الوطني.