إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / اتفاقيات السلام العربية ـ الإسرائيلية خلال القرن العشرين





الحدود الأردنية الإسرائيلية
الحدود بين الأردن وفلسطين
قرار تقسيم فلسطين




القدرة الإقتصادية لإسرائيل

المبحث التاسع

طبيعة الصراع العسكري المنتظر، بين العرب وإسرائيل

في ضوء نتائج الحروب المعاصرة، مثل: حرب الخليج الثالثة، عام 2003؛ وحرب لبنان، عام 2006، فإن الصراع المنتظر، بين العرب وإسرائيل، ستأخذ فيه تل أبيب المبادأة، ولن تَعْدَم إلى ذلك ذريعة. سوف تتمثل هذه الحرب في ضربات جوية لبعض الأهداف المحدودة، غايتها التحذير، وإبلاغ رسالة معينة، في مصلحتها، أو في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تتمثل في عمل وقائي، يقضي على تهديد ما. وقد تكون رداً على عمل محدود، ينفذه بعض المنظمات (كما حدث في الحرب على حزب الله، في لبنان، عام 2006. ولا يُستبعَد أن تتمثل في عملية هجومية إستراتيجية، في سورية خاصة.

أولاً: وُجُوْه الصراع العسكري

استناداً إلى التطور التكنولوجي الكبير، في أدوات الصراع المسلح؛ واعتماداً على الدروس المستخلَصة من الحروب المعاصرة؛ يُسْتَشَفُّ ما سوف تسخّره إسرائيل لإدارة الصراع.

1. حرب المعلومات

لا بدّ أن تسبق أيّاً من الصراعات المستقبلية، بشقَّيها: الدفاعي والهجومي؛ وتستمر معه حتى نهايته.

2. الهيمنة السريعة Achieving Rabid Dominance

طُبِّقَت تطبيقاً متكاملاً في غزو العراق. وهي تمثل التحدي في استخدام عامِلَي الصدمة والترويع (Chock and awe)، بكونهما المحركَين للتكنولوجيا، ومُوَجِّهَيْها نحو تحقيق الأهداف. وقد استهدفت حرب الهيمنة السريعة التأثير في إرادة الخصم وإدراكه، من خلال قدرتها على هجمات، يواكب بعضها بعضاً، على كلّ الأهداف الضرورية؛ من أجل إحداث قدر كافٍ، من الصدمة والترويع، المتأتِّيَين من السرعة ودقة التنفيذ، اللَّتَين تتسم بهما موجات متلاحقة، من الضربات المتتالية القوية. وتتضمن حرب الهيمنة السريعة احتلال الأراضي، إذا اقتضى الأمر.

والسمة الرئيسية لحرب الهيمنة السريعة، تعني السيطرة على البيئة، أيْ على ما يؤثر في إرادة الخصم، وسلبه القدرة على السيطرة. وهي تشمل ثلاث مراحل متتالية.

أ. المرحلة الأولى (الحرب النفسية): تتمثل في الحملات النفسية المتنوعة، في إطار خطة شاملة، تُحدِث ضغوطاً متدرجة، تدفع الخصم إلى قبول التسليم.

ب. المرحلة الثانية (السيطرة المعلوماتية): تبدأ حينما تفشل نظيرتها الأولى في تحقيق أهدافها. وهي تعتمد على شن حرب المعلومات، بكلّ مفرداتها؛ مستهدفةً تحقيق السيطرة المعلوماتية، وعزل مسرح العمليات.

ج. المرحلة الثالثة (العمل العسكري المتدرج، والحاسم): قوامها أربع موجات فرعية.

(1) الموجة الأولى (عزل مسرح العمليات): من خلال التمهيد النيراني الصاروخي.

(2) الموجة الثانية (استكمال عزل مسرح العمليات): حملة جوية، تفرض السيادة الجوية.

(3) الموجة الثالثة (أعمال قتال القوات البحرية): تستهدف فرض السيطرة والحصار البحري (كما حدث في حرب لبنان، يوليه 2006).

(4) الموجة الرابعة (القوات البرية) هي المَحْسَمَة: تستخدم خلالها القوات البرية، إما في إطار حرب ذات أهداف وأعماق محدودة (مثل حرب لبنان)؛ أو حرب شاملة، بغزو الأراضي كافة (كما حدث في غزو أراضي الضفة الغربية، في ربيع 2002).

3. المْبَاكَرَة

هي عمل، يتصف بالمبادأة. ويوجَّه إلى الخصم، لوضع حدّ لإشكالية معينة، أو للقضاء على البنية التحتية، أو لإحباط تحضيرات العدو لتنفيذ عمل عدائي. وقد يتمثل في عمل عسكري محدود، في إطار تنفيذ إستراتيجية وقائية. وقد يكون عملية إستراتيجية عسكرية أكثر شمولاً، وأوفر جنوداً، وأطول زمناً. وتتمشى هذه الحرب مع مبدأ "بوش" الذي أعلنه في 20 سبتمبر 2002، وعماده "الضربات الوقائية".

ثانياً: فاعليات السلام

يحكم استشراف مستقبل عملية التسوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، العديد من المعايير الرئيسية، التي يمكن إيجازها في ما يلي:

1. الإحاطة بتطور الصراع

من حيث جوهره الإيديولوجي، وتعدد أبعاده، وتداخل قضاياه: السياسية والاجتماعية والعسكرية؛ فضلاً عن تعدُّد أطرافه، ما بين مباشرة وغير مباشرة، وأهداف كلّ منها: البعيدة والمرحلية؛ إضافة إلى حقائق المدى الزمني، الذي يستغرقه تحقيق كلّ منها، سواء في إطار الصراع المسلح، أمْ التسوية السياسية.

2. غاية التسوية

تسعى التسوية إلى سلام شامل، وعادل، ودائم، يحقق الأمن المتوازن للأطراف كافة في المنطقة. وذلك من خلال الارتكاز على "خريطة الطريق"، التي وافقت عليها اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة الأمريكية – روسيا – الاتحاد الأوروبي- الأمم المتحدة)، والتي تؤدي إلى نشوء دولة فلسطينية بجانب الدولة الإسرائيلية؛ طبقاً لمراحل فرعية ثلاث، لم ينفذ، حتى الآن، شيء منها.

3. ما قبْل تطور التسوية

طالما كان خيار التسوية هو السلام. بيد أن هذا لم يوقِف الصراع: الحضاري والاقتصادي والسياسي والعسكري، الذي استمر باستمرار ما يلي:

أ. لجوء أيّ من الأطراف، وخاصة إسرائيل، إلى فرض شروط، تحقق مصالحه وأهدافه؛ استناداً إلى إستراتيجيات وسياسات متنافسة ومتناقضة؛ ما يخلق أزمات مستمرة، ويعوق أيّ تقدم لعملية التسوية نحو تحقيق أهدافها النهائية.

ب. جعل الصراع المسلح وسيلة ضغط، لتحقيق الأهداف التفاوضية؛ على غرار العمليات العسكرية، التي نفذتها إسرائيل، في يوليه وأغسطس 2006؛ للفصل بين سورية ولبنان، وتقليص قدرات حزب الله، الموالي لسورية. وناهيك من فرض الحصار الدائم على المدن الفلسطينية؛ لإجبار الشعب الفلسطيني على قبول الأمر الواقع.

4. رُجْحَان إسرائيل الأطراف المباشرة إستراتيجيا

بميل التوازن الإستراتيجي، في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، في مصلحة إسرائيل، وفقاً لما يلي:ً

أ. التفوق التكنولوجي لقدرات إسرائيل التقليدية، وانفرادها بامتلاك الرادع النووي، والسبق في مجال الفضاء، وإدخال النظُم المضادة للصواريخ. ولديها قاعدة متقدمة للصناعات العسكرية؛ إضافة إلى ما توفره علاقاتها، من عمق: دولي وإقليمي، في مجالات التعاون العسكري، واحتياطيات من مخزون عسكري أمريكي.

ب. الخلل في التوازن السياسي، الناجم عن غياب التنسيق العربي، وعجز العرب عن بلورة استجابة لواقع المتغيرات: الدولية والإقليمية؛ لتحقيق المصالح القومية العربية. وفي المقابل، تستحوذ إسرائيل على معظم الأوراق التفاوضية؛ من خلال استمرار احتلالها للأراضي؛ وقدرتها على اعتماد إستراتيجية مرنة، قادرة على التفاعل مع المتغيرات المعاصرة، وتسخيرها لتحقيق مصالحها وأهدافها.

ج. الخلل في التوازن: التكنولوجي والاقتصادي والذي تمخض به نجاح إسرائيل في بلورة إستراتيجية واضحة، لبناء قاعدة تكنولوجية متطورة، تتيح لها الميزة التنافسية النسبية، وخطة الإصلاح الاقتصادي، ومد شبكة متميزة، لعلاقتها بالتكتلات الاقتصادية العالمية.

5. ثِقَل موازين إسرائيل

أرجحت ميزان القوى في المنطقة، في مصلحة إسرائيل بعامة، متغيرات دولية شتّى، أهمها:

أ. إنفراد الولايات المتحدة الأمريكية، حليف إسرائيل الإستراتيجي، بقِمة النظام العالمي، فترة طويلة مقبِلة. كما أن علاقتهما، تمركزت، بدعم من اللوبي الصهيوني، في صلب تفكيرهما: السياسي والإستراتيجي. وهما تجتهدان في إيثار مصالحهما على أيّ صِلة لهما بدول المنطقة.

ب. استبعاد إسرائيل من الضغوط الأمريكية، وتجنيب أمنها كلّ ما يؤثر فيه؛ فضلاً عن عدم تدخُّل واشنطن تدخلاً إيجابياً في مفاوضات التسوية، في المسارات المختلفة.

ج. افتقاد الدول العربية الحليف الإستراتيجي. ومحاولة تعزيز علاقاتها بروسيا الاتحادية؛ إذ إن إسرائيل، تضم كثيراً من المهاجرين الروس.

د. محدودية فاعلية الإسهام: الأوروبي والصيني، في التسوية السياسية. وتميز إسرائيل بالتفاعل مع المشروعات، التي تستهدف إعادة ترتيب الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، سواء المتوسطية، مع الاتحاد الأوروبي؛ والأوسطية، مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ وتبادل الخبرة التكنولوجية مع الصين.

هـ. الرغبة الأمريكية والغربية، في تأسيس نظام أمني إقليمي، قوامه تفوق إسرائيل العسكري، وإغفال امتلاكها الرادع النوعي؛ في ظل قناعة بعقلانية النظام الديموقراطي الإسرائيلي، واحترامه حقوق الإنسان، وتصميمه على مواجهة الإرهاب الديني في المنطقة. في مقابل بعض النظُم الديكتاتورية فيها، واستخفافها بحقوق الإنسان.

و. استحواذ إسرائيل الدائم على معظم أوراق التسوية السلمية؛ ما يزيد التوازن الإستراتيجي خللاً، في مصلحتها.

6. طغيان مصلحة إسرائيل في الميزان

ما ساعد مصلحة إسرائيل على طغواها في ميزان قِوى المنطقة إلاّ المتغيرات الإقليمية، التالية:

أ. انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بمأزقها في العراق. وانصرافها، استطراداً، عن التفرغ للمشاركة في عملية التسوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي.

ب. إمعان الولايات المتحدة الأمريكية في محاربة الإرهاب، وتذرع إسرائيل به إلى إقناع العالم، أن المنظمات الفلسطينية منظمات إرهابية.

ج. تأثير الحرب الإسرائيلية – اللبنانية (يوليه وأغسطس 2006)، في حالة عدم الاستقرار في المنطقة. أضف محاربة حزب الله بالوكالة عن إيران وسورية؛ ونيابة إسرائيل عن الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهو ما يؤثر في مسار الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

د. سعي بعض الدول العربية إلى تطبيع علاقاتها  بإسرائيل، وخاصة في المجال الاقتصادي؛ وهو ما يعطي الدولة العبرية القدرة على التحرك؛ على أساس أنها غير معزولة عن العالم العربي؛ بل علاقاتها قوية بالعديد من دوله.

ثالثاً: الرؤية المستقبلية للصراع، في المديَين: القريب والمتوسط

تتمثل قضايا الصراع العربي – الإسرائيلي في المشكلة الفلسطينية بصفة أساسية، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان السورية، وأجزاء من الأراضي اللبنانية في منطقة مزارع شبعا. والقضية الفلسطينية هي جوهر الصراع، والسبب الرئيسي للأزمة الحالية وحالة التوتر في المنطقة. وقد انبثقت أبعاد تلك الأزمة من وصول المسار الفلسطيني إلى مرحلة الحسم، في شأن قضايا الوضع الداعم؛ وعدم قدرة الفلسطينيين على تحقيق الحدّ الأدنى من مطالبهم، في التسوية؛ في ظل الخلل الواضح في ميزان القوى الإستراتيجي، بين الجانبَين: الفلسطيني والإسرائيلي؛ ومحاولة الحكومة الإسرائيلية الحالية استخدام القوة العسكرية في إضعاف الإرادة الفلسطينية، وفرض الرؤية الإسرائيلية لتسوية أحدية الجانب.

1. المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي

أدت التطورات، في المستويَين: الإسرائيلي والفلسطيني، إلى تغيُّر مسار الصراع العربي ـ الإسرائيلي، واستنباط حلوله الملائمة. ومن هذه المتغيرات:

أ. انسحاب إسرائيل أحدي الجانب من قطاع غزة، في أغسطس 2005، طبقاً لخطة رئيس الوزراء الإسرائيلي، "أريل شارون"؛ وهو ما زاد التوتر بين الجانبَين. ومحاولة إنشاء منطقة عازلة، في شمالي القطاع، لمنع إطلاق صواريخ القسام على المستوطنات الإسرائيلية فيه. وتسخير أسر المقاومة الفلسطينية الجندي الإسرائيلي، "جلعاد شليط" لتأجيج الموقف في القطاع، باقتحامه اقتحاماً جزئياً، من عدة اتجاهات؛ وتدمير بنْيته التحتية ومَرافقه المهمة.

ب. تسلُّم حزب "كاديما"[1]، برئاسة "إيهود أولمرت" السلطة في إسرائيل. وتكوين حكومة ائتلافية، في مايو 2006، تضم حزب "العمل" وأحزاباً أخرى.

ج. تسلُّم منظمة "حماس" رئاسة الحكومة الفلسطينية، بعد نجاحها في الانتخابات البرلمانية، في يناير 2006. وهي لا تعترف، حتى الآن، بإسرائيل.

د. فرض إسرائيل الحصار على الشعب الفلسطيني، واحتجازها المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية. وتعليق الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، معوناتهما للشعب الفلسطيني. وتمخض ذلك كلّه بأزمات اقتصادية حادة؛ حتى إن الموظفين الحكوميين، لم يمكِن دفْع مخصصاتهم ورواتبهم الشهرية. ومصداق هذه الضغوط:

(1) مسارعة الولايات المتحدة الأمريكية في إعلان مقاطعة "حماس"؛ والتهديد بقطع المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية، إذا لم تُغير الحركة إستراتيجيتها؛ وتقدر هذه المساعدات بنحو (400) مليون دولار، سنوياً.

(2) محاولة الاتحاد الأوروبي إقناع "حماس" بتغيير مواقفها؛ بتهديده إياها بحجب المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية، والتي تناهز، سنوياً، (600) مليون دولار.

(3) إعلان اللجنة الرباعية، في 30 يناير 2006، خلال اجتماع لندن، أن الطريق نحو الحل السلمي، يتطلب أن ينبذ كلّ المشاركين في العملية السلمية "العنف والإرهاب"، ويقبلوا حق إسرائيل في الوجود، وينزعوا أسلحتهم؛ وذلك إشارة واضحة إلى "حماس"، أن تنبذ العنف، وتنزع سلاحها، وتعترف بإسرائيل.  

(4) وصول عجز الموازنة الفلسطينية، عام 2006، إلى 950 مليون دولار؛ إضافة إلى تراجع قدرة القطاع الخاص على إيجاد فرص عمل.

هـ. تداول الساحةَ الفلسطينية مدٌّ وجزْر لبرنامجَين مختلفَين، بل متعارضَين. قوام أحدهما هو الاعتراف بالدولة العبرية، وحل القضية الفلسطينية عبْر المفاوضات، ووقف عسكرة الانتفاضة، ونزع سلاح فصائل المقاومة، ينتهجه "أبو مازن" ومن ورائه "فتح" والسلطة. وعماد الثاني هو تحرير الأراضي كافة عبْر الكفاح المسلح؛ فضلاً عن رفض الاعتراف بالدولة العبرية، أو إجراء مفاوضات معها، قبل انسحابها من الضفة الغربية، والقطاع، والقدس. وتنتهجه "حماس".

و. استمرار إسرائيل في اقتحام مدن الضفة الغربية وقراها، وتدمير المنازل، ومصادرة الأراضي؛ والقبض على العديد من الفلسطينيين، بحجة انتمائهم إلى منظمات إرهابية، وتوسيع قاعدة الاستيطان في الضفة المذكورة؛ والدَّأْب في بناء الجدار العازل، وإغفال قرار محكمة العدل الدولية، بتاريخ 9 يوليه 2004[2]، في شأن إيقاف بنائه.

ز. تعليق "خريطة الطريق"، التي وافقت عليها اللجنة الرباعية؛ وذلك لأن اللجنة، لم تحدِّد آليات تنفيذها؛ إضافة إلى امتناع إسرائيل عن التنفيذ، وتراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن قرارها، نشوء دولة فلسطينية، في بداية عام 2009.

2. الأجيج العسكري

خَيَّب تفاقم الصراع في الأراضي المحتلة الطموح إلى تسوية سياسية، في المسار الفلسطيني – الإسرائيلي؛ على الرغم من المصالح الإسرائيلية في تحقيق تسوية، ولو كانت أحدية الجانب؛ وذلك انطلاقاً من الحقائق السياسية التالية:

أ. وجود الشعب الفلسطيني على أرضه المحتلة؛ وتصميمه على نيل حقوقه، وإنشاء دولته المستقلة؛ وقدرته على تهديد أمن إسرائيل، في حالة استمرار تعنتها.

ب. إمعان الشعب الفلسطيني في نضاله، أكثر من نصف قرن، من دون يأس؛ وامتلاكه القدرة على الاستمرار، مستقبلاً، في حالة عدم التوصل إلى تسوية عادلة.

ج. الأخطار الناجمة عن تورط جيش الدفاع الإسرائيلي، فترات زمنية طويلة، في مواجهة مظاهر العنف المدني، وحرب العصابات؛ وتأثير ذلك في قدراته، وفي التوازن على باقي الجبهات، وفي الموقف الاقتصادي في إسرائيل.

د. قدرة إسرائيل على الاندماج في النسيج الإقليمي للمنطقة، والتطبيع مع الدول العربية، هي رهينة التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين.

هـ. الإجماع الدولي على ضرورة التوصل إلى تسوية للمشكلة الفلسطينية؛ تمهيداً لتحقيق الاستقرار في المنطقة؛ واضطرار إسرائيل إلى مراعاة هذا البُعد العالمي. وتأكيد لجنة "بيكر – هاملتون"، في تقريرها في شأن العراق، ضرورة التوصل إلى حل لمشكلة الشرق الأوسط .

يسود الاعتقاد، أن الرأي العام، داخل إسرائيل، يرى صعوبة نشوء دولة فلسطينية، في المرحلة الحالية. كما أن التقديرات، تشير إلى صعوبة التفاوض في قضايا الوضع الدائم، مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تكاد تتأسّى بنهج حكومة "شارون"؛ فتُؤْثِر الاضطراب على الاستجابة للحدّ الأدنى من المطالب الفلسطينية. زِد على ذلك أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، أو أيّ حكومة مقبِلة، تُزْمع التخلي عن مبدأ التفاوض، لتستبدل به حلاًّ أحدي الجانب، مستبعدة منه الفلسطينيين.

ولِكِلاَ الجانبَين: الفلسطيني والإسرائيلي، شروطه:

أ. الجانب الفلسطيني

 يطالب الفلسطينيون إسرائيل بتنفيذ قرارَي مجلس الأمن الدولي، رقمَي (242) و(338)؛ والانسحاب من الأراضي الفلسطينية، التي احتُلَّت في يونيه 1967؛ وإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة، على الأراضي الفلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حدود يونيه 1967، وعاصمة هذه الدولة هي "القدس" العربية؛ فضلاً عن حل  مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

ب. الجانب الإسرائيلي

الواقع، أن شروط إسرائيل للتسوية مع الفلسطينيين غير واضحة. فما إن ترتضي "خريطة الطريق"، على تحفُّظها منها، حتى تعود لتلوِّح بحلّ أحدي الجانب؛ لا؛ بل إن تفسيرها لقرارَي مجلس الأمن، رقمَي (242) و(338)، يكتنفه الغموض المتعمد؛ لإخفاء نيتها، رفض العودة إلى حدود 4 يونيه 1967.

3. رُؤْى لنشوء الدولة الفلسطينية

أ. الرؤية الفلسطينية

تستند رؤية الفلسطينيين إلى تكفُّل المجتمع الدولي بنشوء دولة فلسطينية، وفقاً لقرار مجلس الأمن؛ رقم (1397)، الصادر في مارس 2002؛ و"خريطة الطريق"، التي وافقت عليها اللجنة الرباعية[3]؛ وقرارَي مجلس الأمن الدولي: رقم (242)، في عام 1967 و(338) في عام 1973؛ ومبدأ الأرض مقابل السلام، الوارد في مرجعية مدريد، عام 1991؛ والمبادرة العربية للسلام، المتخذَّة في قمة بيروت (مارس 2002). ويؤكد الفلسطينيون أن خط الرابع من يونيه 1967، هو حدود دولتهم، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.

ب. الرؤية الإسرائيلية

تتضمن الخطوط الحمراء التالية:

(1) القدس الموحدة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل.

(2) الاحتفاظ بمناطق أمنية في منطقة غور الأردن؛ وحزام أمني، شرق الخط الأخضر، في إطار الجدار العازل؛ وسلاسل الجبال، في منتصف الضفة الغربية، حيث أنشئت المستوطنات الإسرائيلية؛ وحزام المستوطنات، شرق القدس.

(3) الدولة الفلسطينية دولة منزوعة السلاح. وتسيطر إسرائيل على حدودها البرية، ومياهها الإقليمية، ومجالها الجوي؛ مع احتفاظ إسرائيل بحق الطيران في هذا المجال.

(4) السيطرة الإسرائيلية على الساحل البحري لقطاع غزة.

(5) احتفاظ إسرائيل بالمستوطنات اليهودية، في الضفة الغربية.

ويتضمن الفكر اليهودي، في إطار خطة الحل المنفرد، أو أحدي الجانب، للفصل بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية، والتي أعلنت في ديسمبر 2003، إنشاء كيان فلسطيني ضعيف؛ ورسم حدود سياسية جديدة، بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية، تحقق حلم إسرائيل التاريخي، بإنشاء إسرائيل الكبرى؛ مع إنشاء دولة مقطعة الأوصال، في شكل كيانات، تجعلها غير قابلة للحياة. وتعتمد الخطة على إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في خطوط أمنية جديدة؛ مع تجميع الاستيطان الإسرائيلي في بؤر استيطانية كبيرة، تؤدي إلى إخلاء المستوطنات الصغيرة، والبعيدة عن الجدار العازل؛ مع الإسراع في إنشاء هذا الجدار؛ من أجل رسم الحدود الجديدة لإسرائيل، والتي تحتضن الكتل الاستيطانية كافة، ومدينة القدس.

ج. الرؤية الأمريكية

ترتكز على المبادئ التالية[4]:

(1) حل دائم، قوامه دولتان لشعبَين، طبقاً لقرار مجلس الأمن الدولي، رقم (1397)؛ و"خريطة الطريق"؛ وقرارَي مجلس الأمن (242) و(338).

(2) رفض عودة اللاجئين إلى إسرائيل (السماح لهم بالعودة للعيش داخل حدود الدولة الفلسطينية المقترحة).

(3) مساندة الإدارة الأمريكية لرفض الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 4 يونيه 1967؛ ومن ثَم، الاعتراف بضم الكثير من البؤر الاستيطانية الكبرى، التي تريد إسرائيل الاحتفاظ بها داخل حدود إسرائيل الكبرى.

(4) السماح باستمرار إسرائيل في بناء الجدار الأمني، في إطار حدود أمنية؛ على ألا يمثل حدوداً سياسية.


 



[1] حزب جديد. أسّسه "أريل شارون"، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بعد اختلافات أعضاء حزب "الليكود" في إخلاء قطاع غزة إخلاء أحدي الجانب؛ واضطرار "شارون" إلى الخروج منه، وتأليف حزب جديد، أسماه: "كاديما"، أيْ إلى الأمام. وتولى رئاسته "إيهود أولمرت" بعد دخول مؤسسه في غيبوبة طويلة.

[2] قرار محكمة العدل الدولية، بتاريخ 9 يوليه 2004، جريدة "الأهرام"، عدد 10 يوليه 2004. ويدعو هذا القرار إلى إيقاف بناء الجدار، وتفكيك ما بُنِيَ منه؛ لأنه أنشئ على أرض فلسطين المحتلة؛ ما يُعَدّ انتهاكاً؛ ويُهدد السلم والأمن الدوليَّين.

[3] أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 30 أبريل 2003، نص "خريطة الطريق" الرسمي، الكامل، لتحقيق السلام في الشرق الأوسط. وواكب ذلك إصدار البيت الأبيض بياناً، باسم الرئيس "بوش"، دعا فيه الطرفَين: الإسرائيلي والفلسطيني إلى انتهاز فرصة طرح هذه المبادرة، التي أعدتها اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة الأمريكية – روسيا الاتحادية – الأمم المتحدة – الاتحاد الأوروبي)؛ من أجل وقف أعمال العنف، والعودة إلى مسار المفاوضات بينهما؛ وصولاً إلى تنفيذ الرؤية الأمريكية، القائلة بدولتَين (إسرائيل – فلسطين).

[4] الوثيقة التي سلمها "بوش" إلى "أريل شارون"، في البيت الأبيض، في 14 أبريل 2004.