إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الحرب الباردة









(الملحق الرقم 2)

ملحق

خطة مارشال[1]

The Marshall Plan

        لقد تمّ تقدير الخسائر في الأرواح، والدمار الواضح الذي أصاب المُدُن، والمصانع، والمناجم، والسكك الحديدية، بشكل صحيح عند النظر فيما تحتاجه أوروبا لاسترداد عافيتها. إلاّ أنه تبيّن في الأشهر القليلة الماضية أن هذا الدّمار الواضح ربما كان أقلّ خطورة من ذلك التفكك الذي لحق شبكة الاقتصاد الأوروبي بأسرها. فقد كانت الظروف التي شهدتها أوروبا خلال السنوات العشر الماضية غير عادية تمامًا. فالاستعدادات الحثيثة لخوض الحرب، والجهود المحمومة التي بُذلت للحفاظ على استمرار المجهود الحربي، قد استنزفَتْ اقتصادَ الدول الأوروبية بكل مظاهره. وتعطّلت آلات المصانع أو عفا عليها الدهر، فلم تعد صالحة للاستعمال. واندمجت كلّ الشركات أو كادت ضمن آلة الحرب الألمانية تحت ضغط الحكم النازي الهدّام المستبدّ. وانفصمَتْ علاقات تجارية طالما كانت قائمة، واختفت المؤسسات الخاصة، والبنوك، وشركات التأمين، وشركات الشحن، بسبب فقدانها رأسمالها، أو لأنها تعرّضت للتأميم أو لمجرّد أنها دُمّرت. كما اهتزّت ثقة الناس بالعملات المحلّية في بلدان كثيرة. وأدّى ذلك كلّه إلى انهيار تامّ لهيكل المعاملات التجارية في أوروبا، خلال الحرب. وعلى الرغم من أن الحرب قد انتهت منذ عاميْن، فإن حركة الانتعاش مازالت متعطّلة بشكل يدعو إلى القلق، لعدم التوصّل إلى اتفاق سلام مع ألمانيا والنمسا. وحتى لو تمّ إيجاد حلّ سريع لهذه المشكلات العويصة، فإن إصلاح هيكل الاقتصاد الأوروبي سيحتاج بكل تأكيد إلى زمن أطول، وجهود أكبر ممّا كان يُتوقّع.

        هناك جانب من هذه المسألة مثير للاهتمام وخطير في الوقت نفسه. فلَطالما كان المُزارع ينتج المواد الغذائية ثم يُحضرها ليبيعها بالمقايضة لابن المدينة، مقابل ما يحتاج إليه من مستلزمات الحياة. ومبدأ توزيع العمل على هذا النحو هو أساس الحضارة الحديثة. إلاّ أنه مهدّد بالانهيار. فمصانع المُدُن والحواضر لا تُنتج ما يكفي من السِّلع لمقايضتها مع منتجات المُزارع من الغذاء. وهناك شحّ في الموارد الطبيعية، ومصادر الوقود. كما أن الآلات اللازمة لتشغيل المصانع قليلة أو مستهلَكة. لذلك، فإن المُزارع، أو ابن الريف، لا يجد مِنَ السِّلع المعروضة للبيع ما يرغب في اقتنائه. ولهذا السبب، يصبح بيع منتجاته الزراعية التي أحضرها مقابل نقود لا يستطيع استخدامها صفقة غير مربحة. فإذا به يتخلّى عن زراعة مساحات كبيرة من أراضيه بالمحاصيل ليحوّلها إلى مَراعٍ لماشيته، وإذا به يُطعم حيواناته كميات أكبر من الحبوب، ويجد لنفسه ولعائلته ما يكفي من الطعام، حتى وإن كان في نقص من اللباس وغيره من مبتكرات المدنية العادية. في تلك الأثناء، يشتكي سكان المُدُن من قلّة الطعام ونقص الوقود؛ ممّا يضطر الحكومات إلى استخدام ما لديها من عُملات أجنبية واعتمادات لجلب تلك المواد الضرورية من الخارج. ومن شأن هذه العملية أن تستنزف ما لدى الحكومات من أموال هي في أمسّ الحاجة إليها لإعادة الإعمار. وسرعان ما ينجم عن ذلك وضع خطير جدًّا لا ينبئ بخير، لأنّ نظام توزيع العمل الذي يقوم عليه تبادل المنتجات في الاقتصاد الحديث بات مهدّدًا بالانهيار.

        والحقيقة أن حجم ما تحتاج أوروبا إلى استيراده من المواد الغذائية وغيرها من المواد الضرورية خلال السنوات الثلاث أو الأربع المُقبلة، وخصوصًا من الولايات المتحدة الأمريكية، يفوق بكثير إمكانات التسديد المتوفرة لديها حاليًا. لذلك، فإنها بحاجة إلى قدر كبير من المساعدات الإضافية، وإلاّ فستكون عرضة لتدهور اقتصادي واجتماعي وسياسي خطير جدًّا.

        ويكمن علاج هذا الوضع في اختراق تلك الدائرة المُفرغة، وإعادة الثقة إلى شعوب أوروبا بمستقبل بلادهم الاقتصادي، وبأوروبا كَكُلّ. كما أنّ من الضروريّ أن يكون كلّ من الصانع والمُزارع على استعداد لبيع منتجاته مقابل عُملات لا مجال للشك في محافظتها على قيمتها.

        وإلى جانب التأثير المثبّط في العالم بأسره، وإمكانية اندلاع اضطرابات خطيرة نتيجة لليأس المخيّم على شعوب بعينها، فإن آثار ذلك على اقتصاد الولايات المتحدة يجب أن تكون واضحة للجميع. فمن المنطقي أنّ على الولايات المتحدة أن تبذل كل ما تستطيع للمساعدة في سبيل أن يستعيد العالَم عافيته الاقتصادية التي لا يمكن بدونها أن يكون هناك استقرار سياسي، ولا سلام مؤكّد. إن سياستنا غير موجّهة ضدّ بلد بعينه أو عقيدة بعينها، بل ضدّ الجوع، والفقر، واليأس، والفوضى. وإنّ من الواجب أن يكون هدفها إعادة الحياة إلى اقتصاد عالميّ فعّال، يساعد على إيجاد ظروف سياسية واجتماعية يمكن للمؤسسات الحرّة فيها أن تعيش. وأنا على قَناعة بأن مثل تلك المساعدة يجب ألاّ تكون مجزّأة بحسب ما يُفضي إليه تطوّر الأزمات المختلفة [في هذا البلد أو ذاك]. وإنّ أية معونة قد تُقدِّمها حكومة هذه البلاد مستقبلاً يجب أن توفّر علاجًا حقيقيًّا، لا أن تكون من قَبيل المسكّنات فحسب. ولا شك عندي في أن أي حكومة لديها استعداد لتقديم المساعدة في مهمة الإنعاش هذه، ستلقى تعاونًا كاملاً من لَدُن حكومة الولايات المتحدة. كما أنّ أي حكومة قد تُناور لسدّ الطريق أمام استرجاع بلدان أخرى عافيتها، لا يمكن أن تنتظر منّا أية مساعدة. بل إن أي حكومات أو أحزاب سياسية أو مجموعات قد تعمل على استمرار البؤس البشري لتستفيد من ذلك سياسيًّا أو بأي شكل من الأشكال، لن تلقى سوى المعارضة من (حكومة) الولايات المتحدة.

        لقد بات واضحًا أنّ من الواجب، قبل أن تشرع حكومة الولايات المتحدة في جهودها لمعالجة الوضع، ومساعدة الشعوب الأوروبية على أن تبدأ مسيرتها نحو الانتعاش، أن يكون هناك اتفاق ما بين بلدان أوروبا حول متطلّبات الوضع (الراهن)، وما ستُسهم به تلك البلدان نفسُها لتمنح أي إجراء قد تتخذه حكومة هذا البلد كامل فاعليته. إذ لن يكون من المناسب ولا من الناجع أن تتولّى هذه الحكومة بمفردها وضع برنامج لمساعدة أوروبا على الوقوف على قدميها اقتصاديًّا. فهذا أمر من شأن الأوروبيين أنفسهم. وإنّ المبادرة في ظني يجب أن تأتي من أوروبا أوّلاً. ويجب أن يتمثل دور هذا البلد في تقديم المساعدة، على نحو ما يفعل الصديق مع الصديق، لإعداد برنامج يكون أوروبيًّا، ثم في دعم ذلك البرنامج لاحقًا، ضمن حدود ما تسمح به إمكانياتنا العملية. ومن الواجب أن يكون ذلك البرنامج عملاً مشتركًا يُوافق عليه عددٌ من شعوب أوروبا، إنْ لم نَقُلْ شعوب أوروبا بأَسْرها.

        وإنه لجزء أساسيّ من أي عمل ناجح يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة أن يكون هناك تفهّم مِنْ قِبَل الشعب الأمريكي لطبيعة المشكلة، وطبيعة الإجراءات التي ستُتّخذ لعلاجها. فلا مكان هنا لأي عصبية سياسية أو أفكار مسبقة. وإذا تسلّح شعبنا بالنظرة البعيدة، وكانت لديه الرغبة في النهوض بالمسؤولية الكبرى التي ألقاها التاريخ على عاتقنا، كما هو واضح، فسيكون بالإمكان، بل سيتمّ تجاوز المشكلات التي استعرضتها.

        المصدر: وثائق الكونجرس 30 يونيه 1947م.

 



[1]  تم الإعلان عن هذه الخطة خلال كلمة ألقاها وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال George E. Marshall في حفلٍ لتخريج طلبة من جامعة هارفارد   Harvard University في كامبردج Cambridge ، بولاية ماساتشوتس Massachusetts ، في 5 يونيو 1947م.