إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الحرب الباردة









المقدمة

المقدمة

       انهار النظام الدولي الأوروبي، مع قيام الحرب العالمية الثانية، وأدت نتائج تلك الحرب إلى تحولات وتغيرات جذرية في صورة توزيع القوى على المستوى العالمي، فقد خرجت الدول الأوروبية "أقطاب النظام القديم ـ دول المحور ودول الحلفاء" من الحرب العالمية الثانية منهكة، اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، ومن ثم تراجعت مواقعها في سلم تدرج القوى الدولية، بينما ظهر قطبان عالميان جديدان، هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وقد أصبحا في ظل الوضع الجديد، هما وحدهما القادرين على تقرير صورة النظام الدولي كله، بما يملكانه من قدرات فائقة. وهكذا تحول النسق الدولي إلى صورته، التي راحت تعرف بالنظام الدولي ثنائي القطبية.

       بدأت مظاهر العداء بين القطبين تلوح مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بعد أن انهارت النظم الشمولية، النازية والفاشية، في أوروبا، والتي كانت تشكل خطراً يهدد كلا القطبين، ذلك التهديد الذي كان دافعاً وراء تحالف القطبين خلال فترة الحرب. غير أنه مع زوال ذلك التهديد، ومع إدراك كل من القوتين لحقائق الوضع الدولي الجديد في عالم ما بعد الحرب. بدأ التنافس والصراع بينهما يطفو على السطح مرة أخرى، فبدأت الخلافات بينهما حول اقتسام مناطق النفوذ، واشتدت هذه الخلافات إلى حد الأزمات الدولية التي كادت أن تعصف بالسلم الدولي "مثل الحرب الكورية عام 1950، وأزمة الصواريخ الكوبية عام 1962"، لولا الإدراك الواعي من جانب كل من القوتين لمخاطر المواجهة المباشرة بينهما، لا سيما في ظل التقدم التكنولوجي، الذي انعكس بصورة مباشرة على مجال التسلح، فأدى إلى ظهور أنواع جديدة من الأسلحة ذات قدرات تدميرية فائقة، وهي الأسلحة الذرية، مما أدى إلى التحول بالنظام الدولي من توازن القوى التقليدي إلى التوازن القائم على الأسلحة الذرية، وهو ما أصبح يعرف "بميزان الرعب النووي" Balance of Nuclear Terror.

       كان للخلاف المذهبي بين القطبين أثره البالغ في تعميق هوة الخلاف بينهما، وفي ظهور متغير جديد لعب دوراً مرموقاً في الصراع الدولي، ألا وهو العامل الأيديولوجي، فقد أدى ذلك الخلاف المذهبي إلى انقسام دول العالم المتقدم إلى كتلتين رئيسيتين: الكتلة الغربية "الرأسمالية"، وتتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ورائها دول غرب أوروبا وكندا واليابان، والكتلة الاشتراكية "الشيوعية"، التي يتزعمها الاتحاد السوفيتي ومن خلفه دول شرق أوروبا. وتتمثل هاتان الكتلتان في كل من حلف شمال الأطلسي وحلف وارسو.

       ويلجأ كل من القطبين في صراعه مع الآخر على أرض العالم الثالث، إلى الوسائل غير المباشرة، تجنباً للاحتكاك المسلح المباشر بينهما. ومن أمثلة تلك الوسائل: الدبلوماسية والدعاية الاقتصادية، وإقامة الأحلاف، ودعم نظم الحكم الموالية، والعمل على إسقاط نظم الحكم المعادية، من طريق إثارة القلاقل والثورات وتدبير الانقلابات والاغتيالات. إلى جانب الحروب بالوكالة، أو اللجوء أحياناً إلى أسلوب التدخل المباشر باستخدام الأسلحة التقليدية، إلى غير ذلك من الوسائل والأساليب، مع مراعاة الحذر والحيلولة دون تصعيد الصراع إلى مستويات الصدام المباشر بين القطبين، كل ذلك نتج عنه ما أُطلق عليه "الحرب الباردة".

       ولقد استخدم هذا المفهوم للمرة الأولى من قِبَل الأمير خوان مانوئيل في القرن الرابع عشر، ثم من قِبَل الاقتصادي الأمريكي برنارد بارش Bernard Baruch "1870-1965"، في مطلع عام 1947، وأصبح تعبيراً شائعاً مع الصحفي الأمريكي والتر ليبمان Walter Lippman "1889-1974"، ويفهم منه بصورة عامة وصف حالة التوتر بين الدول الغربية والكتلة الشرقية التي تكونت عام 1945، في أعقاب الحرب العالمية الثانية.

       يشير مصطلح "الحرب الباردة"، إلى الصراع على النفوذ الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من جهة، والاتحاد السوفيتي وحلفائه من جهة أخرى. إذ كانت سياسة كل من الفريقين تسعى إلى توسيع دائرة النفوذ وتقليص دائرة الخصم، وحيثما وجد تداخل في دوائر النفوذ، زاد التوتر واشتد الصراع، وربما جرت معارك.

       وقد امتد هذا الصراع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في منتصف الأربعينيات وحتى نهاية الثمانينيات من القرن العشرين. ويمكن النظر إلى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، بأنه نهاية الحرب الباردة، وإن كانت الكثير من الأسس الأيديولوجية لهذه الحرب قد اختفت قبل ذلك.