إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الحرب الأهلية اللبنانية






مواقع المخيمات الفلسطينية
مواقع المخيمات الفلسطينية
لبنان - التوزيع الطائفي
الجمهورية اللبنانية
تعداد الفلسطينيين بلبنان
جنوب لبنان



المبحث الرابع

المبحث الرابع

النخبة السياسية، الطائفية، والحرب الأهلية اللبنانية

       تتميز النخبة السياسية اللبنانية عن غيرها، من النخب العربية الأخرى، بالطائفية. وترجع جذور الطائفية وعلاقتها بتشكيل هذه النخبة، وما لها من دور في الحرب الأهلية اللبنانية، إلى نهاية القرن التاسع عشر، حينما قفز الموارنة إلى قِمة المجتمع، ونُحِّي الدروز، الذين كوّنوا النواة الأولى للدولة اللبنانية، في القرنين السابع عشر والثامن عشر. وبالتدريج، آلت السلطة السياسية إلى الموارنة، ودعمت الأعراف السائدة، خلال الثلاثينيات والأربعينيات من هذا القرن، النزعة المارونية، من خلال نظام رئاسي ماروني، يَعُدّ نفسه "ديموقراطية نيابية".

       ومنذ الاستقلال، عام 1943، وحتى 1964، حكم لبنان ثلاثة رؤساء موارنة، حولوا نظامه من شبه رئاسي/شبه نيابي، إلى نظام رئاسي، يتولى فيه الموارنة أهم المناصب في جهاز الدولة، خاصة الاستخبارات، المدنية والعسكرية، وغير ذلك من المناصب العليا، فضلاً عن ممارستهم المحسوبية بين أبناء هذه الطائفة. وفي المقابل، سعى بعض الطوائف إلى الثروة، فتركز القطاع الرأسمالي الحديث من الاقتصاد اللبناني، إلى حدّ كبير، في أيدي طوائف أكثر استقراراً في المدن، مثل المسلمين السُّنة، والمسيحيين، الأرثوذكس والكاثوليك.

       وساعد الانفصال الجغرافي، بين الطوائف اللبنانية، على تقوقعها. فتركز معظَم الشيعة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت. وتركز معظَم السُّنة في طرابلس وبيروت وإقليم الخروب ومنطقة العرقوب. بينما تركزت غالبية الروم الكاثوليك والأرمن في مدينة زحلة، والموارنة في كسروان وبيروت الشرقية، ومعظَم الدروز في الشوف ووادي التَّيم.

       ويوضح الجدول التالي النسبة المئوية لكل طائفة، من العدد الكلي للسكان، فضلاً عن توزيع الطوائف جغرافياً، وذلك طبقاً لبعض التقديرات، أواخر الثمانينيات.

مناطق التركز الجغرافي الرئيسية

النسبة الفرعية %

التوزيع الطائفي

النسبة المئوية العامة من إجمالي السكان

الجماعات الأثنية

م

جنوبي لبنان ـ البقاع ـ بيروت

شمالي لبنان ـ البقاع ـ بيروت

جنوبي لبنان ـ جبل لبنان ـ البقاع

24.6 %

20 %

6.9%

الشيعة

السُّنة

الدروز

51.5 %

 

 

العرب المسلمون

1

 

 

جبل لبنان ـ جنوبي لبنان وشماليه ـ بيروت

شمالي لبنان ـ جبل لبنان ـ بيروت

البقاع ـ جنوبي لبنان ـ جبل لبنان ـ بيروت

بيروت ـ جبل لبنان

بيروت

بيروت ـ البقاع

بيروت

20%

10.8%

7.4%

0.9%

0.8%

0.8%

0.8%

الموارنة

الروم الأرثوذكس

الروم الكاثوليك

البروتستانت

اللاتين الكاثوليك

السريان الأرثوذكس

السريان الكاثوليك

41.4%

العرب المسيحيون

2

 

 

 

 

بيروت ـ جبل لبنان ـ البقاع

بيروت ـ جبل لبنان ـ البقاع

5.5 %

1 %

الأرمن الأرثوذكس

الأرمن الكاثوليك

6.5 %

الأرمن

3

 

بيروت

0.2 %

 

0.2 %

اليهود

4

بيروت ـ شمالي لبنان

0.8 %

الآراميون ـ التركمان ـ الشركس ـ النساطرة اليعاقبة ـ المونوفيزيون

0.8 %

طوائف أخرى

5

 

 

 

       ويتضح من هذا الجدول، أن المسلمين، يشكلون 51.5 % من عدد سكان لبنان، مقابل 47.9 % للمسيحيين. وانعكس هذا التقسيم الطائفي على توزيع الأدوار السياسية، في المجتمع اللبناني، واقتناع كل طرف بأن حصته في مجلس النواب، يحددها عدد طائفته، مقارنة بأعداد الطوائف الأخرى، فلا يزيد عدد المقاعد النيابية للسُّنة، عادة، على 21 %، والشيعة 19%، والدروز 7 %. أما المسيحيون، فلهم رئاسة الدولة، وبعض المناصب الوزارية الأخرى.

       وقد حدد الميثاق الوطني، عام 1943، هذا التوزيع للمناصب بين الطوائف اللبنانية، وصلاحيات كلٍّ من رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ونفوذ كلٍّ منهم. وجاء مؤتمر الطائف، الذي وضع حداً للحرب الأهلية اللبنانية، ليعدل صلاحيات هؤلاء الرؤساء الثلاثة. وانعكس الواقع الطائفي في لبنان على تكوين الأحزاب السياسية وتنظيمها، كذلك. فثمة أحزاب غلب عليها الطابع المسيحي، مثل حزب الكتائب، وحزب الاتحاد الدستوري، وحزب الكتلة الوطنية. وأحزاب طغى عليها الطابع الإسلامي والدرزي، مثل حزب النجّادة، والحزب التقدمي الاشتراكي، وحزب النداء القومي.

       أما الأحزاب ذات المنشأ غير اللبناني، فمنها الوحدوية، مثل حزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب. ومنها غير الوحدوية، مثل الحزب القومي السوري، والحزب الشيوعي اللبناني. فضلاً عن الأحزاب الدينية، مثل الداشناك، وهو أرثوذكسي، وحزبَي الأرمن: الطاشناق والهاشناق.

       ويرتكز هذا التشتت الاجتماعي على أرضية فكرية تعمق الاختلافات. إذ خضع المجتمع اللبناني لتأثيرات خارجية، أهمها الاحتلال الفرنسي، الذي أرسى ثقافته في لبنان، فضلاً عن الثقافة الأمريكية، التي ساعد على نشرها الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث تخرج فيها عدد من أعضاء النخبة اللبنانية، سواء النيابية أو الوزارية. وقد أفرز هذا الواقع الفكري المتعدد، جماعات طائفية، شددت على هويتها، على حساب الهوية اللبنانية العامة، وخلقت نظاماً سياسياً، عمل، بدوره، على تعزيز الواقع الطائفي. بل إن الانقسام الطائفي، طغى على الانقسامات، الاجتماعية والطبقية. وتحولت الطوائف، في الممارسة العملية للدولة اللبنانية، إلى كتل بشرية، من ورائها زعماؤها، الدينيون والمدنيون.

       وإلى جانب الصراع السياسي، والصراع الطبقي، والصراع حول الهوية، بين القوميين والوطنيين، شهد لبنان، على المستوى الطائفي، صراعاً نخبوياً بين المسلمين والمسيحيين عامة.

انعكاس الطائفية على النخبة السياسية

       تبدّى التركيب الطائفي في النخبة السياسية اللبنانية، منذ بدايات الحرب الأهلية، عام 1975، وحتى انتهائها، إثر اتفاق الطائف في 23 أكتوبر 1989. فإذا هي، سواء على مستوى الرئاسة أو على المستوى النيابي، نخبة غير أرستقراطية، غالباً ما تعكس تكتلات، تتبع زعماء أو أحزاباً أو أطرافاً أو حركات. وزعيم الكتلة هو نائب تغلب قوّته الانتخابية، وتتسع إلى أبعد من دائرته، لتضم دوائر أخرى، لها نوابها. وقد يتأتى ذلك من ميراثه السياسي الكبير، أو من اكتسابه مكانة، على المستوى القومي، مثل كميل شمعون.

       وزعماء الكتل، يكونون من القوة، أحياناً، بما يكفي لتضمين قوائمهم الانتخابية، مرشحين ضعفاء، ممن يضمنون ولاءهم. وبذلك، يبدو المجلس النيابي اللبناني إطاراً، يضم عدة جماعات صغيرة لنواب متكتلين.

ويمثل مجلس 1992، وهو آخر مجلس نيابي لبناني، انعكاساً لهذا الواقع على النحو التالي:

التكتلات النخبوية في البرلمان اللبناني:

%

العدد

 

14.8

11

موالو سورية

13.3

17

كتلة نبيه بري

10.9

14

كتلة حزب الله

1.7

2

كتلة الحركة الإسلامية

8.6

11

كتلة الرئيس إلياس الهراوي

7.8

10

كتلة سليم الحص

7.8

10

كتلة وليد جنبلاط

7

9

كتلة عمر كرامي

4.7

6

كتلة سليمان فرنجية

23.4

30

موزعون

       ويوضح الجدول بجلاء، أن 23.4% من بين أعضاء النخبة النيابية (128 نائباً)، هم الذين يقفون خارج التكتلات. وما عداهم، ينخرطون في كتل لأحزاب أو أفراد أو قوى أخرى. فموالو سورية يبلغون 14.8%، ويبلغ الموالون لحزب الله 10.9%، بينما لا يتعدى الموالون للحركة الإسلامية 1.7%. وبالنسبة إلى الأشخاص، فإن أكبرهم كتلة، هو نبيه بري (13.3%)، يليه الرئيس إلياس الهراوي (8.6%). وتتساوى كفّتا سليم الحص ووليد جنبلاط، وتبلغ كتلة كلٍّ منهما نسبة 7.8% من النواب. ويأتي، بعد ذلك، عمر كرامي، وكتلته تشكل 7% من النواب، ثم سليمان فرنجية (4.7%).

       غير أن الطائفية، التي استهدفت انتخابات 1992 القضاء عليها، من خلال إعادة توزيع الدوائر الانتخابية، كانت، ولا تزال، العامل الأول، الذي يحكم الحياة السياسية والنخبة في لبنان. فالموارنة، احتلوا المرتبة الأولى، من حيث عدد نوابهم في المجلس النيابي، إذ راوحت نسبتهم فيه ما بين 27% و33%، يليهم المسلمون السُّنة، فالشيعة، ثم الأرثوذكس.

       وعلى الرغم من التحديث، لم تفقِد مؤسستان تقليديتان، في لبنان، تميزهما، فيما يتعلق بالتكوين النخبوي، وهما العائلات الكبيرة والعشائر. وكان لمِثل هذه الانتماءات أكبر الأثر في إذكاء حدّة الحرب الأهلية اللبنانية، بل إن المؤسسات الاقتصادية، هي مؤسسات عائلية.

       وفي إطار هذا السياق، خضعت العملية السياسية، في لبنان، لِما يمكن أن يسمى الإقطاع السياسي، إذ احتكرت 245 عائلة أكثر من نصف مقاعد مجلس النواب، في الفترة ما بين العشرينيات والسبعينيات. وظاهرة الوراثة من المسائل الجوهرية، بالنسبة إلى النخبة السياسية اللبنانية؛ إذ إن حوالي نصف أعضاء المجلس النيابي، يخلفهم أقرباؤهم، ما دامت قوة النائب، تعتمد على تنظيمه الشخصي، من الأقارب والأصدقاء.

       ومن خلال تتبع رؤساء الوزارة في لبنان، منذ الاستقلال وحتى الوقت الراهن، نجد أن عبدالله اليافي، تولى رئاسة تسع وزارات. وكلٌّ من رشيد كرامي وسامي الصلح ورياض الصلح ثماني وزارات. وتولى صائب سلام رئاسة ست وزارات. وعموماً، احتكر 18 شخصاً 58 وزارة، منذ الاستقلال.

رؤساء الحكومات اللبنانية، منذ الاستقلال وحتى الوقت الراهن

8

رياض الصلح

1

فؤاد شهاب

8

سامي الصلح

9

عبدالله اليافي

6

صائب سلام

1

ناظم عكاري

1

خالد الشهابي

1

عبدالحميد كرامي

8

رشيد كرامي

1

أحمد الداعوق

3

حسين العويني

1

أمين الحافظ

1

تقي الدين الصلح

2

رشيد الصلح

3

سليم الحص

1

شفيق الوزان

1

عمر كرامي

2

رفيق الحريري

       وحتى يمكِن استجلاء أثر النخبة السياسية اللبنانية، في إذكاء حدّة الحرب الأهلية، لا بدّ من التنويه أن الطائفية في لبنان، لم تنتهِ بتوقيع اتفاق الطائف، عام 1989؛ إذ استمر التوزيع الطائفي، في كلٍّ من وزارة سليم الحص، التي عقبت الاتفاق مباشرة، ولم تضم سوى 13 وزيراً؛ ثم وزارة عمر كرامي، في 24 ديسمبر 1990 (30 وزيراً)؛ ووزارة رشيد الصلح، في 16 مايو 1992 (24 وزيراً)، ووزارة رفيق الحريري الأولى، 1 نوفمبر 1992 (30 وزيراً)، وأخيراً وزارة رفيق الحريري الثانية، في 25 مايو 1995 (30 وزيراً). وباستثناء وزارة سليم الحص، القليلة العدد، كان نصيب المسلمين السُّنة في حكومة كرامي 23.2 %، وفي حكومة الصلح 23 %، وفي حكومة الحريري الأولى 23.3 %، وفي الثانية 20 %. يليهم الموارنة، الذين حصلوا على ست حقائب وزارية، في كل وزارة من هذه الوزارات على التوالي: 20 %، 25 %، 20 % و20%. واحتل المسلمون الشيعة المركز الثالث، فنالوا ست حقائب في وزارة كرامي، ومثلها في وزارة الحريري الثانية. أمّا وزارة الحريري الأولى، وكذلك وزارة الصلح، فقد كان نصيبهم في كلٍّ منهما خمس وزارات فقط، بنسبة هي، على التوالي: 20 %، 20.9 %، 16.7 %، 20 %.

وجاء، بعد ذلك، الروم الأرثوذكس، فالدروز، فالكاثوليك، وأخيراً الأرمن. وهو ما يوضحه الجدول التالي:

حكومة الحريري الثانية

حكومة الحريري الأولى

حكـومة رشيد الصلح

حكـومة عمر كرامي

الحكـومة

الطوائف

%

العدد

%

العدد

%

العدد

%

العدد

20

6

23.3

7

25

6

23.3

7

السُّنة

20

6

16.7

5

20.9

5

20

6

الشيعة

20

6

20

6

25

6

20

6

الموارنة

13.3

4

13.3

4

12.5

3

13.3

4

الروم الأرثوذكس

10

3

10

3

8.3

2

6.7

2

الروم الكاثوليك

10

3

10

3

8.3

2

10

3

الدروز

6.7

2

6.7

2

ـ

ـ

6.7

2

الأرمن

       يكشف هذا الجدول عن تراجع الموارنة لحساب المسلمين السُّنة. وإذا كان ذلك مرتبطاً بالتطور، الاجتماعي والديموجرافي، في المجتمع اللبناني، فإنه مرتبط، كذلك، بعامل خارجي، وهو النفوذ السوري في لبنان، الذي أعاد ترتيب الأوراق، في مصلحة دمشق، وهو ما يتطلب الحدّ من نفوذ الموارنة، المتحفظين، بل المعادين للسياسة السورية في لبنان.