إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الحرب الأهلية اللبنانية






مواقع المخيمات الفلسطينية
مواقع المخيمات الفلسطينية
لبنان - التوزيع الطائفي
الجمهورية اللبنانية
تعداد الفلسطينيين بلبنان
جنوب لبنان



المبحث الخامس

المبحث الخامس

البعد الاقتصادي للحرب الأهلية اللبنانية

       ساعدت طبيعة الاقتصاد اللبناني كثيراً على الجمود السياسي، الذي عاشه لبنان لفترة طويلة، من دون تطور أو تغيير في البنية الاقتصادية. إذ استند هذا الاقتصاد إلى الخدمات التي مثلت حوالي 70 % من الدخل القومي، وهي من أعلى النسب في العالم. وجوهر هذا القطاع هو العمل المصرفي. ولعل أكثر ما ميز السوق المالية في لبنان، أن ثلثي نشاطها، كان في أيدي المصارف، الأجنبية والمختلطة، كما أن الثلث الباقي، افتقد التنوع، إذ لم توجد مصارف متخصصة، باستثناء مصرف التسليف الزراعي والصناعي. وبقي دورها، حتى عام 1974، محصوراً في نقْل الأموال  العربية إلى الأسواق الدولية. فمن أصل 772 شركة، هناك 248، أي 32.1 %، هي فروع لشركات أجنبية. غير 152 شركة، أي 19.6 %، هي شركات مختلطة. أي أن الرأسمال الأجنبي، كان موجوداً، بصورة مباشرة، في 400 شركة، أي 52 % من مجموع مؤسسات قطاع الخدمات، المعلن عنها رسمياً. إلى جانب 370 شركة أخرى، مرتبطة بالدول الرأسمالية المسيطرة، وذلك من خلال وظائفها ودورها كمحطة محلية، أي أن هذا القطاع كله، يحكمه الغرب.

       فإذا ما أخضع قطاع واحد، من الخدمات، مثلاً، وهو قطاع المصارف، لإحصاءات الدراسة الفرنسية، يتضح أن عام 1972، كان 27 % من الودائع و28 % من القروض، للمصارف الأجنبية، بينما كانت النسبة 30 % من الودائع و32 % من القروض، للمصارف ذات الأكثرية الأجنبية، أي 57 % من الودائع و60 % من القروض للمصارف الأجنبية. وفي المقابل، فإن 11.7% من الودائع و3.7 % من القروض، هي للمصارف العربية. أما المصارف ذات الأكثرية العربية، فكان نصيبها 11.3 % من الودائع و10.7 % من القروض، أي أن مجموع ما للمصارف العربية، بقطاعَيها، لم يزد على 23 % من الودائع و18 % من القروض. ويبقى للمصارف اللبنانية 20 % من الودائع و22 % من القروض. وهو ما يعني سيطرة الأجانب على النشاط المصرفي. وصاحب ذلك ظاهرة ذوبان المصارف، اللبنانية والعربية، في المصارف الأجنبية.

       ولظروف تتعلق بالمنطقة، فإن لبنان كان نقطة جذب للأموال العربية، إذ كان يؤدي دور الوسيط. وتوضح الإحصائيات، أنه بين عامَي 1956 و1965، توجَّه 65 % من فائض الأموال النفطية في دول الخليج، أي حوالي مليار ونصف المليار ليرة لبنانية، نحو لبنان، زيادة على رؤوس الأموال اللاجئة، التي هرب بها أصحابها من الدول العربية، وهي حوالي 60 مليون ليرة من فلسطينيين، و100 مليون ليرة من مصريين، و150 مليون ليرة من عراقيين، و500 مليون ليرة من سوريين، أي 810 ملايين ليرة لبنانية، أي أن لبنان حصل على مليارين و300 مليون ليرة من الأموال العربية، خلال هذه الفترة.

       وأكدت الإحصائيات، أن خطر المصارف الأجنبية في لبنان، ينبع من أنها تسحب قسماً مهماً من القروض، التي كان يمكِن الاقتصاد اللبناني أن يستفيد منها، وذلك باستثمارها في الخارج. فهي تنقل إلى المصارف الأم ما يزيد على نصف الأموال، التي كان يمكِن أن توظف في لبنان والشرق الأوسط. وبلغت هذه الأموال 3980 مليون ليرة، عام 1974، أي ما يراوح بين 50 و60 % من الناتج المحلي. ويضاف إلى جانب هذا الدور السلبي للمصارف الأجنبية، دور آخر، تمثّل في التوجيه والتحكم في البنية الاقتصادية للبنان. إذ ظهر أن هذه المصارف الأجنبية، توجِّه قروضها نحو الخدمات، وهي تهدف من ذلك إلى الحدّ من نمو القطاعات الإنتاجية، وتمويل التجارة الواردة، أساساً، من الغرب. كما أن المصارف اللبنانية، تسهم في هذا الدور، إذ تتصرف وفق منهج المصارف الأجنبية، وذلك لغياب مؤسسات مالية مؤهلة، لتوجيه توظيف رؤوس الأموال.

       ويضاف إلى ذلك دور آخر، أدته المؤسسات الأجنبية، من خلال لبنان، وهو التجارة. فلبنان كان وسيطاً بين الدول الصناعية الكبرى، التي يستورد منها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي كان لها 16.2 % من الواردات، عام 1974، وتليها فرنسا، ولها 14.8 %، فألمانيا الغربية، ولها 13.1 %، ثم بريطانيا وإيطاليا، ولكل منهما 11.8 %. وفي الوقت عينه، كان لبنان مصدّراً إلى العالم العربي، وفي مقدمته المملكة العربية السعودية، التي حصلت على 16.3 % من صادراته، فالكويت، ونصيبها 9.6 %، ثم سورية وليبيا، ونصيب كلٍّ منهما 6.4%. باختصار، كان العالم العربي يحصل على حوالي 60 % من صادرات لبنان. ولعل ما يجب الإشارة إليه، وسط هذه الأرقام، أن الشريحة العليا، من المسيحيين والمسلمين، كان لها مصالح مالية، أغلبها مع السعودية والكويت. واللافت أن لبنان مثّل نقطة جذب، في مواجَهة التيار الاشتراكي، في الدول العربية الكبرى.

       وفي الوقت الذي كان يتعاظم دور قطاع الخدمات في اقتصاد لبنان، كان يتقلص دورَي الزراعة والصناعة. فقد هبطت نسبة إسهام الزراعة في الدخل القومي، إلى 10 %، بعد أن كانت 15%. وفي إطار الزراعة نفسها، كادت تنهار معدلات إنتاج الزراعات الغذائية، لحساب الزراعات التجارية، التي تُعَدّ "للتصدير". وهو الأمر عينه، الذي عانته الصناعة، إذ اتجهت نحو الصناعات التحويلية، والصناعات التجميعية. ومن ثَمّ، فإن النسب الصغيرة، التي خصصت للزراعة والصناعة، تحولت، هي الأخرى، إلى خدمة الاقتصاد الوسيط، أي رزحت تحت سيطرة علاقات الشريحة الاقتصادية، التي تمثّل الوساطة مع اقتصاديات الغرب. وهكذا، أصبحت سيطرة هذه الشريحة، بما لها من سطوة القيادة الطائفية، تمثّل ظاهرة الجمود والتخلف في لبنان. فالمعروف، أن علاقات الإنتاج الرأسمالي، تتيح الفرصة للتطور، والقضاء على العلاقات، الإقطاعية والعشائرية والطائفية، وجعلها في إطار محدود. أما في مجتمع، يسوده الاقتصاد الوسيط، فإن إمكانات التطور الطبيعي غير متاحة. ويكفي، لتوضيح أثر هذا الاقتصاد في القوى العاملة، مقابلة نسبة عمال الزراعة، الذين كانوا يمثلون 45 % من القوى العاملة، في الستينيات، بنسبتهم المقدرة بنحو 18 %، في السبعينيات، في حين أن نسبة اليد العاملة في الخدمات، في الفترة نفسها، كانت 34 % من القوى العاملة، فأصبحت 57%.

       وتقلص العمالة في قطاعات الإنتاج، كان مؤشراً إلى انهيار نصيب قطاع الإنتاج في الدخل القومي، فسيطرة رأس المال التجاري، أي أنه استُبدل توزيع الأرباح بتوزيع وسائل الإنتاج. وفي إطار هذا السياق، توحدت الطوائف، لتشكيل توازناتها في المستوى السياسي. فاتجه المجتمع اللبناني نحو التعددية الفئوية، أكثر منه نحو مجتمع طبقي. فلم توجد طبقة، يسودها قدر مشترك من الوعي الواحد، على صعيد الإنتاج؛ والقاعدة أنه لا وجود فعلي للطبقة، من دون وعي طبقي، لأنه جزء أساسي في حقيقتها. ولذلك، فقد وجد في لبنان طبقات متباينة، ومتداخلة، أفقياً ورأسياً، في نوع العمل، والمصلحة، والنظرة إلى المجتمع، في إطار ما يمكِن تسميته بفئات طبقية متمايزة.

       وكان مستحيلاً أن يستمر اقتصاد دولة بهذه الهشاشة، من دون أزمات. وكانت بداية السبعينيات هي قمة الأزمات، التي واجهت لبنان. فالتحول في المنطقة، كان يحمل علامات النهاية لدور لبنان، كوسيط، فبدأت عمليات التقلصات الحادّة، وفشل لبنان في اقتطاع حصة أكبر من المال العربي، إذ كانت قِيمة الودائع العربية، في الجهاز المصرفي اللبناني، 3 مليارات دولار، عام 1974، بينما كان دخل دول النفط، في العام نفسه، يزيد على 50 مليار دولار، اتجه معظَمها إلى سوق المال العالمية. وكان واضحاً، أن بيروت بدأت تفقِد دورها، كنقطة مرور للأموال العربية.

       زد على ذلك، أن 6% من سكان لبنان، استأثروا بمعظم دخله القومي. بينما راوح دخل عمال الزراعة والصناعة والحِرف، وهم يكونون 50% من السكان، بين 15 و20% من دخل لبنان القومي.

       ناهيك بتركيز النشاط في العاصمة بيروت، إلى حدّ السيطرة الكاملة على الاقتصاد. وهو ما يعيب التركيب الاقتصادي لأي دولة. وتكاد بيروت تتفرد به؛ فهي تضم 75% من مجموع العاملين في القطاع الصناعي وقطاع الخدمات. ما يشير إلى أنها، استقطبت حوالي 60% من العاملين في لبنان كله، على اختلاف القطاعات. وأسفر التركيز الفريد للنشاط الاقتصادي في بيروت، عن انعدام وجود بديل منها في لبنان، فانعدم، تقريباً، أمام أي من الباحثين عن عمل، في غير النشاط الزراعي، الفرصة للتوجه إلى سواها.

       ومن المظاهر الاقتصادية، التي هيأت المناخ للحرب اللبنانية، سعي النظام الرأسمالي، آنذاك، إلى مضاعفة نصيب الفرد من الدخل القومي، في أقصر فترة زمنية ممكِنة، على الرغم مما تخلفه من ضرر، سواء بالبيئتَين، العاملة والاجتماعية، أو بالصحة. فالتركيز الشديد للخدمات والإنتاج والعمالة في بيروت، إلى جانب أنه أخلّ بالبنيان الاقتصادي، فإنه مهد للثورة؛ فالجهاز الرسمي، لا يستطيع توفير الخدمات الضرورية لمثل هذا الزحف البشري، وفي وقت قصير، مما يجعل ظروف الحياة في العاصمة متفاوتة؛ وتصاعُد معدل الأسعار، في خطوط جنونية، لا تتفق وأي منطق اقتصادي ـ كل ذلك يجعل الحكومة عاجزة عن العمل، بينما الأزمات تتزايد حدّتها. وبدأت تتزايد معالم أزمة الاقتصاد اللبناني، المختل البنيان، أصلاً. وكان رأي بيار الجميل، أن الطبقة الغنية، يمكِنها أن تتدبر أمرها، والطبقة الدنيا، تُعنى بها الدولة، فالمشكلة، إذاً، تنحصر في الطبقة الوسطى. وفعلاً قرر المكتب السياسي لحزب الكتائب، في يناير 1975، عقد مؤتمر عام لإنقاذ الطبقة الوسطى من الانهيار.

       واختلف اللبنانيون في تحليلهم لأزمتهم. فرأى فيها حزب الكتائب مسألة غلاء، ليس إلاّ. في حين رأت فيها الطوائف المسيحية، غير المارونية، مشكلة اقتصادية وسياسية. أما "الحركة الوطنية اللبنانية"، فعدّتها صراعاً طبقياً، يتخفى في أردية الطائفية.

       وعلى الرغم من الموقف السلبي للاتحاد العمالي العام، عقدت مؤتمرات في خمس مدن لبنانية، ودعت إلى الإضراب. وخلال مظاهرة طرابلس، قال نائبها، الدكتور عبدالمجيد الرافعي: "كم تبدو النقمة والثورة مشروعتين إزاء كل هذا! خصوصاً عندما ترتهن لقمة الشعب بإدارة الاحتكار، وتصبح هذه الإدارة المحرك لارتفاع الأسعار، في جو تنعدم فيه الرقابة الحكومية". وفي مؤتمر صيدا، تحدث النائب السابق، معروف سعد، فقال: "إن مطلبي هو زيادة الأجور. ولكن رفع الحد الأدنى، لا يهم إلا فئات قليلة، من الخاضعين لقانون العمل. بينما المطالب التي تمس الاحتكار، كاستيراد المواد الأساسية من قِبل الدولة، وخفض الأسعار، وتعديل قانون الإيجارات، لم تحققها الدولة، لأن السلطة نفسها، هي سلطة المحتكرين أنفسهم".

       فخلال العامين السابقين على الحرب الأهلية، خاضت قوى "الحركة الوطنية اللبنانية" معارك، لتحسين الوضع الاقتصادي. وكان شعار المرحلة (1973 ـ 1974)، هو "ندوات الفكر الملتزم". وهي ندوات التأمت في نوادي القرى والمدن، واشترك فيها أحزاب اليمين واليسار. وقد كان من الواضح، خلال هذه التجربة، أن قوى اليسار اللبناني، تكتسح اليمين، خاصة في قلب المناطق، التي يطلق عليها "قلاع حزب الكتائب".

       وفي الحركة النقابية، كانت قوى اليمين تتصور، أنها تسيطر على الحركة النقابية، بحُكم التركيب العددي، إذ تضمن تلك القوى نصف المقاعد، ويبقى الصراع حول النصف الآخر، ومن ثَمّ، فهي تضمن الأغلبية. وطرحت شعار: "وحدة الطبقة العاملة". ولكن التجربة الواقعية، خيبت أمل اليمين، إذ بدأت الاتحادات تفلت من يده، الواحد بعد الآخر، مما اضطره إلى سحب شعار الوحدة، وطرح شعار التقسيم. لكن الوقت كان في غير مصلحته، وقوى اليسار، تنتشر في صفوف الحركة النقابية.    

       تراوحت التقديرات، الخاصة بالخسائر في الحرب الأهلية اللبنانية، بين 6 و9 مليارات ليرة لبنانية، خلال السنتين الأوليين للحرب (1975 ـ 1976) . ولا شك أن الهيكل الاقتصادي اللبناني، بتقسيماته القطاعية، واختلال توزيعاته الجغرافية، التي ارتبطت، إلى حدّ بعيد، بالمعايير الطائفية والسطوة السياسية، قد أسهم في فداحة الخسائر، التي مُنِي بها لبنان. إضافة إلى الطبيعة التراكمية، والعلاقة التبادلية بين مختلف المشاكل المتفجرة.

ملامح الاقتصاد اللبناني، وأثره في الحرب الأهلية اللبنانية

       يُعَدّ لبنان صورة صادقة، وتطبيقاً حياً لأثر العنصر الجغرافي في التكيف السياسي، وتشكيل السياسات الاقتصادية، على الصعيدين، الداخلي والخارجي، في ظل الموارد الطبيعية المتاحة والإمكانات البشرية المتيسرة. فأصبحت بيروت وعاء تصب فيه الفوائض المالية من الدول النفطية، إضافة إلى رؤوس الأموال والخبرات المصرفية الأجنبية، ثم تعود إلى التدفق، مرة أخرى، إلى دول المنطقة، سواء في صورة سلعية (مصنعة أو معاد تصديرها) أو تتبلور في مشروعات، استثمارية أو ملكية عقارية، تسهم في مزيد من النمو والانتعاش، ولا سيما في القطاع السياحي وقطاع الخدمات. ويمكن بلورة الملامح الأساسية للاقتصاد اللبناني، من حيث التقسيم القطاعي، في أنه يركز في الخدمات والتجارة بصفة أساسية. وقد تكون هذه الصفة، على المدى الطويل، غير ملائمة. ولكنها، ملائمة، على المدى القصير، لأنها تهيئ للدولة تدفقاً ضخماً من رؤوس الأموال. وقدرت نسبة هذَين القطاعَين، إلى إجمالي الناتج القومي، عام 1970، بحوالي 50 %. وكان النشاط المصرفي، بمفرده، يشكل 3.4 % والخدمات الأخرى 9.9 %. بينما لم تتجاوز نسبة إسهام كلٍّ من قطاعَي الصناعة والزراعة 13.6 % و9.2 %، على التوالي، على الرغم من أن قطاع الزراعة، يستوعب 49 % من السكان، خارج منطقة بيروت. ويتضح دور الموقع الجغرافي في إحياء تجارة المرور (الترانزيت)، عبْر البحر أو البر، بين لبنان ودول الخليج العربي، من جهة، وسورية والأردن، من جهة أخرى. لذلك، كان للعلاقة السياسية، بين لبنان وسورية، أهميتها؛ إذ إن أدنى توتر، يؤثر فيها، ويؤدي إلى إغلاق الحدود، وتكدس السلع. فخلال أزمة عام 1973، بين الدولتَين، خسر الاقتصاد اللبناني ما يعادل 45 مليون ليرة، شهرياً. كما لجأ المستوردون من دول الخليج، إلى منافذ بحرية أخرى، وبخاصة في تركيا. وقد بلغ حجم البضائع المكدسة في ميناء بيروت، لحساب العراق، بمفرده، 30 ألف طن.

       وتبرز أهمية الدول العربية، ولا سيما النفطية منها، بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني، ليس في حجم تدفقات الفوائض المالية، وإنما لكون الدول العربية أسواقاً متسعة للصادرات، بما فيها السلع اللبنانية. وتحتل أسواق المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى، تليها الكويت فسورية ثم ليبيا. كما أن هذه الصادرات آخذة في التزايد، إذ ازدادت بنسبة 35 %، بالنسبة إلى المملكة، من عام 1972 إلى عام 1974. وارتفعت قِيمة الصادرات إلى الأردن، فوصلت إلى 550 مليون ليرة. وبالنسبة إلى سورية، ازدادت بنسبة 6 %، لتصل قِيمتها إلى 82 مليون ليرة، عام 1974.

       وشكلت خطوط الأنابيب، المارة في الأراضي اللبنانية، والممتدة من حقول النفط، في كلٍّ من السعودية والعراق، مصدراً آخر من مصادر الدخل، فكانت انعكاساً للفوائد، التي يحققها الموقع الجغرافي. فإضافة إلى رسوم المرور، التي دفعتها الشركات النفطية، حصل لبنان على حاجته إلى النفط الخام، بسعر رمزي، مقارنة بالمستوى العالمي، راوح سعر البرميل بين دولارين و54 سنتاً، لبرميل النفط العراقي، في طرابلس، و5 دولارات لبرميل النفط السعودي. ويبدو تآلف الفلسفة الفردية الاقتصادية مع المعايير الطائفية، في تركز جميع أَوجُه النشاط المصرفي، وحركة النقل، البحرية والجوية، وكذلك في المشروعات والمنشآت، التجارية والصناعية، في العاصمة اللبنانية، مع إهمال بقية أجزاء البلاد، وبخاصة الجنوب والمناطق الجبلية. ومقابل العناية بميناءَي بيروت، الجوي والبحري، كان هناك إهمال شبه تام لخطوط السكك الحديدية.

       وعلى الرغم من تكدس البضائع في ميناء بيروت، وعجزه عن ملاحقة الزيادة في حجم النشاط الاقتصادي، فإن المشروعات الخاصة بتطوير ميناء طرابلس وغيره من الموانئ اللبنانية، ذهبت فريسة المناورات السياسية. بل إن التخلف، الذي عاناه القطاع الزراعي، ومناطق الجنوب بصفة عامة، كان ترجمة واضحة للمعايير الطائفية، إذ يتركز فيها الشيعة، ثالثة الطوائف اللبنانية، وأصبحوا يشكلون، في الآونة الأخيرة، مصدر قوة متعاظمة. ولعل أهم دلائل التسويف والمماطلة في المشروعات المتعلقة بالمنطقة، هو مشروع نهر الليطاني، الذي أعلن عام 1961، ولم تقره الحكومة، إلا عام 1973.

       واتسمت المؤسسات اللبنانية بعدم قدرتها على النهوض بنشاط رئيسي، في التنمية الاقتصادية الفاعلة. وأوضحت الأرقام المعلنة، قبَيل الحرب اللبنانية، أن 140 من 6500 منشأة، كانت تضم أكثر من 50 عاملاً، وهو ما حفز الحكومة على إنشاء المصرف الوطني للإنماء، والإسهام فيه بنسبة 51 %، ويتشارك في النسبة المتبقية المصارف التجارية، الوطنية والأجنبية. ويقدّم مصرف الإنماء قروضاً، متوسطة وطويلة الأجل، تصل إلى 15 عاماً، في المشروعات السياحية، وإلى 12 عاماً في المشروعات الصناعية.

       كما يتفق الاقتصاد اللبناني والاقتصادات الأخرى في الدول المتخلفة، في تركز نسبة كبيرة من الاستثمارات في قطاع الإسكان والملكية العقارية، سواء من قِبل المواطنين اللبنانيين، المقيمين والمغتربين، أو رؤوس الأموال النفطية.