إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الحرب الأهلية اللبنانية






مواقع المخيمات الفلسطينية
مواقع المخيمات الفلسطينية
لبنان - التوزيع الطائفي
الجمهورية اللبنانية
تعداد الفلسطينيين بلبنان
جنوب لبنان



المبحث الثالث

المبحث الثالث

الاهتمام الأوروبي بلبنان، وأثره في الحرب الأهلية اللبنانية

       منذ إعلان البندقية، وأوروبا لم تجرِ أي تطوير لمواقفها في شأن الصراع في المنطقة. وكانت المعارضة الأمريكية لتطوير الموقف الأوروبي، سبباً في تجميد السياسة الأوروبية، في المنطقة، عند مستوى إعلان البندقية. وهو ما عنى، استطراداً، تقليص الدور الأوروبي في شأن الحرب الأهلية اللبنانية. ويذكر، في هذا الصدد، تهديد واشنطن باستخدام حق النقض (الفيتو)، إذا تقدمت أوروبا إلى مجلس الأمن بمشروع لتعديل القرار 242 تعديلاً، يمكنه من استيعاب الحقائق الجديدة في المنطقة، خاصة المتعلق منها بالقضية الفلسطينية.

       وكحل وسط، قبِلت أوروبا تأجيل التقدم بأي مبادرة جديدة، ريثما يبذل كل المحاولات لإنجاح اتفاقات كامب ديفيد، وهو ما عكس تراجع الدور الأوروبي في محاولة إيجاد حل للحرب الأهلية في لبنان. وكانت أوروبا قد بدأت في تكثيف جهودها في المنطقة، تمهيداً لبدء مرحلة جديدة من السعي إلى إيجاد تسوية للصراع في المنطقة. فكانت جولات شيسون ولينوتند مانز، في دول المنطقة، وزيارات ميتران وكارينجتون وهانز ديتريش جينشر Hans-Dietrich Genscher إلى إسرائيل. وكان بعض هذه الجولات ذات طبيعة استطلاعية، كما كان بعضها الآخر تتعلق بتحسين العلاقات الأوروبية ـ الإسرائيلية، لفتح قنوات للاتصال مع إسرائيل، بما قد يسمح بالتأثير فيها. واستهدف بعض التحركات الأوروبية، تحقيق انغماس أوروبا، عملياً، في المنطقة، بما يمكنها من المشاركة في رسم مستقبل الشرق الأوسط. ومن تلك التحركات، المشاركة الأوروبية في قوة حفظ السلام في سيناء، وزيادة المشاركة الأوروبية في قوة الطوارئ الدولية، في جنوبي لبنان، إذ عزّز كلٌّ من أيرلندا والنرويج وفرنسا، في مايو 1982، قواتها المشاركة بوحدات إضافية.

       وإذ تشكل السياسات الوطنية لدول الجماعة الأوروبية، قاعدة الموقف الأوروبي العام، فإنه ليس بمستغرب ذلك التباين، الذي ظهر في مواقفها المختلفة، تجاه بعض الأحداث في لبنان، مثل الغزو الإسرائيلي. لكنها توصلت، في شأنه، إلى موقف يمثّل نقطة التقاء بينها، أُعلن في البيانَين الصادرَين عن اجتماع وزراء خارجية الدول الأوروبية، وعن القمة الأوروبية، المنعقدة بعد ذلك بأسبوع. وكاد البيانان يكونان بياناً واحداً؛ إذ كرّرا ما سبق وروده في بيان البندقية، الصادر عن اجتماع قمة الجماعة الأوروبية، في صيف 1980، فأعادا تأكيد المبادئ الآتية:

  1. الدعوة إلى مفاوضات، ترتكز على مبادئ الأمن والعدل لجميع الدول والشعوب.
  2. إشراك الفرقاء في هذه المفاوضات.
  3. تحقيق الأماني المشروعة للشعب الفلسطيني، الذي يجب أن تتاح له فرصة لممارسة حقه في تقرير المصير.
  4. ضرورة إشراك منظمة التحرير الفلسطينية في المفاوضات.

       أمّا في شأن الموقف من الغزو الإسرائيلي للبنان، الذي كان له أعمق الأثر في الحرب الأهلية اللبنانية، من خلال تأثيره في أطراف النزاع، خاصة سورية والمقاومة الفلسطينية والموارنة، فقد تبنّت أوروبا الدعوة إلى ما يلي:

  1. إدانة الغزو الإسرائيلي للبنان، والدعوة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية منه.
  2. الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
  3. الفصل بين القوات المتحاربة، بإشراف الجيش اللبناني، ومساعدة مراقبين من الأمم المتحدة. وهو ما عكس رغبة أوروبية في اضطلاع الجيش اللبناني بدور، في هذا المجال.
  4. مغادرة جميع القوات الأجنبية، باستثناء التي تسمح لها الحكومة الشرعية بالبقاء.
  5. الدعوة إلى بسط سلطة الحكومة اللبنانية على جميع أراضي البلاد.

       غير أن الموقف الأوروبي المعلن، إزاء غزو إسرائيل لبنان، تضمن تغيّراً مهماً، تمثل في الدعوة إلى انسحاب قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. بعد أن كان الموقف الأوروبي يدعو إلى اشتراكها في المفاوضات، لأجْل تسوية الصراع في المنطقة، على أساس أنها حركة مسلحة، تمثّل الشعب الفلسطيني، وتوجد على أرض لبنان، وتؤثر في مجريات حربه الأهلية. ومن ثَم، فإن الدعوة إلى إخراجها من بيروت، هو قبول بإضعاف الطرف الفلسطيني، بحرمانه أهم قواعده العسكرية، وإن كان يمكن أن يسهم في تهدئة الحرب الأهلية اللبنانية. ويتمثّل التحول في الموقف الأوروبي، في ما وَرَدَ في الفقرة الأخيرة من بيان وزراء خارجية الجماعة الأوروبية: "الدول العشر تودّ أن ترى الشعب الفلسطيني في موقف، يطالب بالوسائل السلمية". ومن ثَم، فإن إضعاف القوة العسكرية للمنظمة، عبْر إخراجها من بيروت، يصبح جزءاً من دعوة أشمل إلى تحويل منظمة التحرير الفلسطينية إلى مجموعة من الدعاة للقضية الفلسطينية، وتخلِّيها عن الكفاح المسلح. هكذا، عالجت أوروبا المسألة اللبنانية على حساب منظمة التحرير الفلسطينية، مرتَين. الأولى، عندما دعت إلى إخراج المقاومة الفلسطينية من غربي بيروت. والثانية، عندما طالبت بإخراج جميع القوات الأجنبية من لبنان، مساوية بين الوجود الإسرائيلي والوجود الفلسطيني فيه.

       وعلى الرغم من اتفاق الدول العشر على وجهة النظر، التي أعلنها في اجتماع القمة، رئيس وزراء بلجيكا، رئيس الاجتماع، والتي تتلخص في أنه ينبغي لأوروبا الغربية اتخاذ خط واضح، إزاء تفرّد واشنطن بمسألة الشرق الأوسط، عامة، والحرب الأهلية اللبنانية خاصة، فإن الخلافات قد أثيرت حول عدد من الموضوعات:

  1. الإجراء الواجب اتخاذه، في حالة عدم امتثال إسرائيل لنداءات الانسحاب في لبنان.
  2. دور منظمة التحرير الفلسطينية.
  3. تكوين قوة لحفظ السلام في لبنان.
  4. كيفية إدارة العلاقات بالولايات المتحدة الأمريكية، فيما يتعلق بالموقف إزاء الوضع في لبنان .

       ذلك أن الدول العشر، انقسمت، في شأن الأزمة المترتبة على الغزو الإسرائيلي للبنان، إلى قسمين. الأول، يعارض تطوير الموقف الأوروبي، المستقل عن السياسة الأمريكية، وتزعمته ألمانيا الغربية وهولندا. والثاني، يدفع في اتجاه مزيد من تميّز الموقف الأوروبي عن السياسة الأمريكية، والسعي إلى فرض هذا الموقف. وتزعمته فرنسا واليونان. فبينما اقترحت ألمانيا الغربية وهولندا عدم ذكر منظمة التحرير الفلسطينية، بالاسم، في بيانات الأُسْرة الأوروبية، الصادرة في شأن الغزو، فإن فرنسا أصرت على ورود اسم المنظمة، على أساس أنه مسألة حيوية. وفي المقابل، فإن الطريقة التي عالجت بها الجماعة الأوروبية علاقة الأزمة اللبنانية بالمسألة الفلسطينية، كانت استجابة للاتجاه، الذي تزعمته ألمانيا الغربية، والذي أعلنه وزير خارجيتها، ديتريش جينشر، في بداية الغزو، عندما قال إن إعادة الوضع السابق إلى ما كان عليه، لن تؤدي إلى نتائج إيجابية. وقرن ذلك بالدعوة إلى إقرار سيادة السلطة اللبنانية. وهو، بالضبط، ما أعلنه البيان، كطريق إلى حل الأزمة اللبنانية، عندما ربط بين الحل وإخراج القوات الأجنبية من لبنان، بما فيها القوات الفلسطينية.

       أما في شأن توقيع عقوبات ضد إسرائيل، فقد تبنّت اليونان وفرنسا الدعوة إلى توقيع عقوبات شديدة ضدها وممارسة الضغوط، التي تضطرها إلى الانسحاب. بينما رفض الفريق الآخر توقيع أي عقوبات ضد إسرائيل. إلاّ أن وزراء خارجية الأُسْرة الأوروبية، أصدروا قراراً بتعليق اتفاق معونة مع إسرائيل، قدره 40 مليون دولار. وهو القرار الذي استقلته اليونان. كما أصدر مؤتمر القمة الأوروبية، بعد ذلك، قراراً بوقف شحن المعدات الحربية إلى إسرائيل. وهو، كذلك، قرار محدود القيمة، بسبب اعتماد إسرائيل شبه الكامل على السلاح الأمريكي.

       كذلك، ثار الخلاف في شأن دور قوة حفظ السلام في لبنان، بين الاتجاه، الذي تقوده فرنسا، والداعي إلى اقتصار مهمة القوات الدولية على الفصل بين القوات المتحاربة؛ وبين الفريق الآخر، الذي حبّذ أن تتولى هذه القوات إخراج القوات الأجنبية من لبنان، بما فيها الفلسطينية، والحلول محلها.

       وأخيراً، كان موقف الفريق الذي قادته ألمانيا، في خصوص العلاقة بواشنطن، كما حدده وزير خارجيتها، عندما زار الأردن، في منتصف يوليه 1982، بقوله: "إن التحرك الأوروبي، لن يتعارض مع جهود الوساطة الأمريكية، التي يضطلع بها فيليب حبيب Philip  Charles Habib، في لبنان وإسرائيل". بينما تقدمت فرنسا إلى مجلس الأمن بمشروع قرار، تعرّض للنقض الأمريكي (الفيتو)، وهو الذي دفع الخارجية الفرنسية إلى إصدار بيان، عبّرت فيه عن أسفها لاستخدام واشنطن حق النقض، كونها الدولة الوحيدة، التي عارضت المشروع الفرنسي.

       وتجدر الإشارة إلى أن المجموعة الأوروبية، كانت تتحرك في مناخ، فرضته إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وينفي أي إمكانية لممارسة أوروبا لدور فعال ومستقل، خلال الأزمة. فعندما اجتمع وزراء خارجية الجماعة الأوروبية، أرسلوا مجموعة من الأسئلة إلى إسرائيل، تدور حول سماحها بأعمال الإنقاذ في الأراضي المحتلة، والاعتراف بالسيادة اللبنانية، وألاّ يكون لها نيات عدوانية ضد الشعب العربي الفلسطيني، أو ضد سورية. وردّت إسرائيل، بصلف شديد، على تلك الأسئلة، موحية إلى الجماعة الأوروبية، بأن تدخّلها لن يكون مجدياً. وذكرت في ردها، أنها لن تسمح بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الغزو، وأنه لا بدّ من البحث عن حل سياسي. وما لم يحدث ذلك، فإنها لن تنسحب من لبنان. وكذلك، فإنها لن تضع في حسبانها أي ضغوط، تحاول أن تدفعها إلى ذلك.

       إلى جانب التأثير في مسار الحرب الأهلية اللبنانية، فجّر الغزو الإسرائيلي للبنان التناقضات داخل الجماعة الأوروبية، في ما يتعلق بالصراع في المنطقة. وأصاب جهودها بالشلل التام؛ إذ توقفت عن ممارسة أي جهود جماعية، من أي نوع، منذ بيان القمة، المنعقدة في أواخر يونيه 1982. وتحولت الجماعة الأوروبية إلى سياسات منفردة لبعض دول الجماعة. من قبِيل الجهود الأيرلندية في مجلس الأمن، إذ تقدمت أيرلندا بغير مشروع، أحبطها النقض الأمريكي (الفيتو). واستقبال اليونان عدداً من الجرحى الفلسطينيين، لعلاجهم في مستشفياتها. ومشاركة إيطاليا في القوة الدولية، المشْرفة على ترحيل الفلسطينيين عن بيروت.