إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الحرب الأهلية اللبنانية






مواقع المخيمات الفلسطينية
مواقع المخيمات الفلسطينية
لبنان - التوزيع الطائفي
الجمهورية اللبنانية
تعداد الفلسطينيين بلبنان
جنوب لبنان



المبحث الأول

المبحث الأول

الاتجاهات المطروحة

       على مدى الحرب الأهلية اللبنانية، طُرح العديد من مشروعات الحلول، تراوحت بين التغيير الجذري والتغيير المحدود. وأهمها ثلاثة توجهات رئيسية:

1. الاتجاه إلى الإلغاء الكامل للطائفية

استهدف هذا الاتجاه الإلغاء الكامل للطائفية في النظام اللبناني. إذ تصبح المواطَنة، لا الطائفية، هي أساس تولّي الوظائف العامة، ومحور المشاركة السياسية. فلبنان، في رأي أصحاب هذا الاتجاه، أصغر من أن ينقسم بين عدة طوائف، في إطار متطلبات التنمية. ولذلك، رأوا ضرورة إلغاء الطائفية، وعلمنة الدولة، لا فرق بين أبناء طائفة وأخرى، بما يتجاوز المعايير والخصوصيات الروحية، على أساس أنه المدخل الضروري لبناء لبنان الموحَّد، الديموقراطي. فالديموقراطية الحقيقية في تصورهم، هي التي تتجاوز كل المعايير، المذهبية أو الطائفية، لتركز في المواطن وحقوقه.

ظهر هذا الاتجاه، للمرة الأولى، في أغسطس 1975، ضمن  إطار "برنامج الإصلاح الديموقراطي"، الذي قدَّمته جبهة الأحزاب القومية اللبنانية. واتضح، كذلك، من ورقة العمل، التي قدَّمتها لجنة الإصلاح السياسي، المنبثقة من هيئة الحوار. وتضمنت إلغاء الطائفية في الوظائف العامة، وقانون الجيش وتنظيماته، وإلغاء المواد التي تشير إلى الطائفية في الدستور والقوانين، وإدخال نظام التمثيل النسبي، مع الاستناد إلى مبدأ الاستفتاء الشعبي.

ولكن سيطرة حركة "أمل" على بيروت الغربية، أوضحت أن عملية خلق سلطة خارج إطار البنية الطائفية، هي عملية وهمية. إلاّ أن زعيمها نبيه بري، رد على هذا الادعاء، بأن حركته هي أبعد الأحزاب اللبنانية عن الطائفية، على الرغم من أنها تدافع عن مصالح الشيعة. فميثاقها، الذي وضـع عـام 1975، يـدعو إلى إلغاء النظام الطائفي، وإلى المساواة بين جميع المواطنين، بلا استثناء. وقد أقر هذا الميثاق 80 شخصاً، نصفهم، تقريباً، من المسيحيين، بل إن الموقف العلماني لحركة "أمل"، هو الذي دفع إيران الخميني، إلى أن تقطع كل علاقة بها، منذ عام 1981.

2. الاتجاه إلى الإصلاح المحدود

وهو اتجاه وسطي، جمع بين القيادات، المارونية المعتدلة، والإسلامية المحافظة، الرافضة للتغيير "الانقلابي" في النظام اللبناني، على حدّ تعبير الرئيس سليمان فرنجية، الذي لم يرَ ضرورة لإلغاء الميثاق الوطني، لأنه، في رأيه، "صيغة التعايش الأخوي بين اللبنانيين. ولذلك، سيبقى كما  هو، بعكس الدستور، الذي يمكِن تعديله بطريقة شرعية[1]".

وقد طرح أنصار هذا الاتجاه عدة مشروعات لحل الأزمة اللبنانية، مثل برنامج الإصلاح السياسي، في 14 فبراير 1976، الذي انطلق من الإبقاء على توزيع الرئاسات الثلاث كما هي: رئيس الجمهورية ماروني، ورئيس الوزراء سُني، ورئيس مجلس النواب شيعي.

ويرجع إصرار القيادات المارونية بالذات، من بين أصحاب هذا الاتجاه، على الحفاظ على التوزيع الطائفي للرئاسات، إلى أن منصب رئاسة الجمهورية، يمثل للموارنة معنى خاصاً. وأكد البيان، الذي أصدرته "الرابطة المارونية"، في 13 مايو 1976، ضرورة استمرار صيغة الميثاق الوطني، وأن منصب رئيس الجمهورية، يتجاوز الإطار اللبناني، لأن شاغله يمثل جميع الموارنة في العالم العربي. وفي إطار هذا السياق، خشيت الطائفة المارونية أن تؤدي إعادة النظر في صيغة الميثاق الوطني، إلى حرمانها الكرسي الأول.

فالموارنة اللبنانيون، وطليعتهم السياسية حزب الكتائب، تشبثوا، طيلة أربعين عاماً، بمنصب رئاسة الجمهورية. وباستثناء استقالة بشارة الخوري، أول رئيس للبنان المستقل، عام 1952، وقفت المؤسسة المارونية ضد إرغام أي رئيس لبناني على الاستقالة، كما حدث عام 1958، مع كميل شمعون، وعام 1976، مع سليمان فرنجية؛ إذ استقالة الرئيس، في ظل حرب أهلية، يمكِن أن تمس الموقع المتميز للطائفة المارونية في الكيان اللبناني.

ولذلك، تجنّب الزعماء الموارنة، في الإصلاحات التي اقترحوها، في إطار هذا الاتجاه، التطرق إلى الرئاسات الثلاث: الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي. وتدور هذه الإصلاحات حول توزيع مقاعد المجلس النيابي، بالتساوي، بين المسلمين والمسيحيين، وتعديل قانون الانتخاب، لضمان تمثيل أفضل للمواطنين، ولكن، من دون المساس بجوهره الطائفي. إلى جانب إعادة النظر في توزيع الوظائف، واعتماد مبدأ الأهلية، بدلاً من الطائفية، التي تقتصر على وظائف الفئة الأولى.

وشارك الموارنة في اقتراحاتهم الزعماء المسلمون المحافظون، مثل تقي الدين الصلح. وإن كان بعضهم تجاوز هذه الإصلاحات، ورأى إمكانية وضع ميثاق لبناني جديد، لكنهم لم يحددوا معالم هذا الميثاق، كما لم يقتربوا من توزيع الرئاسات الثلاث. وأبرزهم رشيد كرامي والشيخ حسن خالد، مفتي لبنان. وعلّل بعض أنصار هذا الاتجاه موقفهم بأن النظام السياسي الأفضل، هو الذي يتخذ الواقع المتحول أساساً لمبادئه، بما يعكس تلك التحولات، ويواجهها، في سبيل الاستقرار. فالنظام اللبناني، القائم على التعددية الطائفية، خدم واقع لبنان زمناً، ليس بالقصير، حتى نشوب الحرب الأهلية، وإطاحتها العمران والتقدم الاقتصادي.

3. الاتجاه الفيدرالي

وهو نفسه اتجاه التقسيم. فأصحاب هذا الاتجاه، لم يروا تقسيم لبنان إلى دول مستقلة ذات سيادة، وإنما إلى مقاطعات (كانتونات) أو ولايات، يجمع بينها اتحاد  فيدرالي، على النمط السويسري، أو الأمريكي. وتعود فكرة هذا الاتجاه إلى موسى برنس، عضو المجلس الأعلى لحزب الوطنيين الأحرار، الذي يرأسه كميل شمعون، فهو أول من وضع، عام 1975، مشروعاً متكاملاً لنظام لبناني فيدرالي، بين أربع مقاطعات، على أساس أنه نموذج لدولة لبنانية ديموقراطية، فيدرالية. وهي دولة غير طائفية، عدا رأس الهرم، إذ يظل رئيس الاتحاد اللبناني مارونياً، اعترافاً بحق تاريخي، ولإعطاء ضمانة سياسية لفئة الأقليات الطائفية، إزاء الأكثرية العددية في هذا الشرق. وفي إطار هذا السياق، فإن هذا النظام الفيدرالي كفيل بوضع حدّ للمزايدات بين الطوائف، وتمكينها من أن تحقق ذاتها، كلٌّ ضمن بيئتها. وبذلك، تحافظ كل طائفة على ميزاتها الخاصة، من غير الافتراء على الميزات اللبنانية الأصيلة، فيصبح لبنان مجمع ميزات، لا مجموع امتيازات.

ووفقاً لهذا المشروع، يضم الاتحاد اللبناني الفيدرالي أربع مقاطعات:

أ. مقاطعة جبل لبنان، وعاصمتها برمانا. وتضم محافظة جبل لبنان الحالية، ويضاف إليها البترون والكورة وحدث الجبّة والزاوية في الشمال، وزحلة في البقاع، وجزين في الجنوب.

ب. مقاطعة لبنان الشمالي، وعاصمتها طرابلس. وتضم الباقي من محافظة الشمال، حالياً، مضافاً إليه بعلبك والهرمل.

ج. مقاطعة لبنان الجنوبي، وعاصمتها النبطية. وتضم الباقي من محافظة الجنوب، حالياً، مضافاً إليها البقاع الغربي وحاصبيّا.

د. مقاطعة بيروت الكبرى. يحدها جسر كفرشيما جنوباً، وبلدة الكَحَّالة شرقاً، وصولاً إلى نهر الكلب شمالاً، والبحر غرباً. وهي عاصمة الاتحاد اللبناني.

وقد انطوى المشروع، كذلك، على تصور كامل لتكوين الحكومة الفيدرالية وحكومات المقاطعات، والعلاقة بينها، وهو يحاكي النموذج الأمريكي لعلاقة الولايات بالإدارة الفيدرالية. كما يتضمن المشروع إنشاء مجلس شيوخ طائفي، لإلغاء الطائفية في مجلس النواب. لكن هذا المشروع تراجع  بسرعة، على الرغم من أن شبح التقسيم، ظَل يخيّم على لبنان.

ورأى أنصار اتجاه الفيدرالية، أنه يضمن حرية الاعتقاد والقول والعمل، ضمن حدود المصلحتَين، الإقليمية والفيدرالية، كما يكفل حرية التنقل بين المقاطعات جميعاً، ويتجاوز الطائفية السياسية، في التمثيل الشعبي والإدارة والقضاء والشرطة، على المستويَين، الإقليمي والفيدرالي. كما رأوا أن لا خوف من الفيدرالية، شرط وجود سلطة اتحادية قوية، تؤمن الانصهار، وتحُول دون التفكك. واعترف أنصار هذا الاتجاه بأنه قد يواجه صعوبات عملية في التطبيق، من أهمها مصير الأقلية، التي تسكن في مناطق الأكثرية: هل تبقى أو تهاجر إلى منطقة أخرى؟ فالمشكلة، إذاً، هي كيف يمكن الجمع بين فيدرالية الطوائف والفيدرالية الجغرافية، في بلد صغير مختلط؟

وفي إطار هذا السياق، أصبح لبنان، آنذاك، مقسماً، عملياً، إلى ستة كانتونات طائفية، واضحة:

أ.  كانتون شيعي، يقع شمال الحدود الإسرائيلية.

ب.  كانتون شيعي آخر، في البقاع، قرب الحدود السورية.

ج.  كانتون مسيحي خاضع للقوات اللبنانية.

د.  كانتون مسيحي خاضع لسليمان فرنجية.

هـ. كانتون سُني، في طرابلس وعكار.

و.   كانتون درزي، في الشوف.

وبقيت بيروت عاصمة فيدرالية.

وواجه هذا الاتجاه معارضة شديدة، ليس من أنصار العلمنة فقط، ولكن من المؤسسة الدينية الإسلامية في لبنان، كذلك. فالشيخ حسن خالد، مفتي لبنان، رأى أن الفيدرالية، ستجعل اللبنانيين فئات طائفية منعزلة بعضها عن بعض. كذلك، عارضته القيادات السياسية الإسلامية، التقليدية. فسليم الحص، رئيس الوزراء الأسبق، رأى أن هذا الاتجاه، لا يمثل حلاً نهائياً لأزمة لبنان، وإنما سيكون نهاية فصل من الأزمة، وبداية فصل جديد؛ فالتداخل السكاني الشديد، بين الطوائف والفئات في لبنان، لا يسمح، حتى بعد عمليات التهجير القسري الواسعة، التي فرضتها تطورات الأزمة، برسم حدود بين المناطق، التي يمكن أن تشكل مقاطعات أو كانتونات في أي مشروع فيدرالي، من دون إحداث مشكلات لا نهاية لها. وحذر الحص من أن يؤدي هذا الحل إلى تطور النزاع اللبناني إلى حرب، على حدود المقاطعات.



[1]  ويلاحظ أن القيادات المارونية، رفضت أي مساس بالدستور.