المبحث الثاني

الوفاق الوطني

       عند نقاش إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي في الوظائف العامة، المدنية والعسكرية، أُثيرت، من قِبل رئيس حزب الكتائب، الدكتور جورج سعادة، مسألة عدم إقبال المسيحيين على التطوع في الجيش وقوى الأمن. وتخوف من إخلال كبير بالتوازن، إذا ما أصبح الجيش وقوى الأمن، بأغلبية عناصرهما، من المسلمين، قبْل أن تكون العصبيات الطائفية، قد أُزيلت من النصوص والنفوس. الأمر الذي يهدد العيش المشترك، والتوازن الداخلي، والوفاق الوطني، وكل ما يحفظ الكيان اللبناني.

       وقد لقي تحفّظ رئيس حزب الكتائب تجاوباً من قِبل المؤتمِرين، من منطلق الحرص على الوفاق الوطني، والتوازن الداخلي، خاصة في المرحلة الانتقالية لإلغاء الطائفية، وقبْل أن يرافق إلغاءها من النصوص، إلغاؤها من النفوس.

       وفي المقابل، أجمع المؤتمِرون على أن هذا التحفظ، يجب ألاّ يعوق مبدأَي الأهلية والاختصاص، في تولّي الوظائف العامة. فاعتمدت قواعد وأسُس، تحمي الوفاق والتوازن الوطنيَّين، ولا تمس بمبدأَي الأهلية والاختصاص، فكان الاتفاق التالي:

1. يقتضي التعيين في الوظائف العامة مباراة، يؤخذ بنتائجها، أيّاً كانت هذه النتائج، من دون مراعاة للتوزيع الطائفي. فيكون الاختصاص والأهلية، قد غلبا في المستويات العامة، من الوظيفة العامة، وفي المراكز الإدارية الفاعلة.
2. يُكتفى، في الوظيفة العامة، بامتحان عادي، أي لا إلزام للإدارة بالتقيد بترتيب الناجحين، وفقاً لعلاماتهم، وإنما لها حق الاختيار من بين الناجحين. وتراعى مقتضيات الوفاق الوطني بين الناجحين، ويعيَّن، بالأفضلية، وبالتساوي، الناجحون من المسيحيين والمسلمين، حتى استنفاد حاجة الإدارة. فإن لم تستنفد في إطار التوازن، يستكمل التعيين، ولو خارج الإطار الطائفي.

       هكذا، حدِّد العمل على إلغاء الطائفية السياسية، في وثيقة الوفاق الوطني، كهدف وطني أساسي، وضعت له آلية عمل معينة، قوامها هيئة وطنية، تقترح خطة مرحلية، وتدابير تُعرض على المجلس النيابي لبتِّها. وتبدأ هذه الآلية بعد انتخاب أول مجلس نيابي على أساس المناصفة، أي أنها ستبدأ مع المجلس المنبثق من انتخابات 1992. ويرأس الهيئة رئيس الجمهورية. ويشترك في عضويتها رئيس المجلس النيابي ورئيس مجلس الوزراء، إضافة إلى شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية، يعيّنهم المجلس النيابي. وتكون مهمتها دراسة واقتراح الوسائل الكفيلة بإلغاء الطائفية، وتقديمها إلى مجلسَي النواب والوزراء لبتِّها، اعتماداً أو رفضاً، ووضع خطة على أساسها، تتولى الهيئة رعاية تنفيذها.