إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الحرب الأهلية اللبنانية






مواقع المخيمات الفلسطينية
مواقع المخيمات الفلسطينية
لبنان - التوزيع الطائفي
الجمهورية اللبنانية
تعداد الفلسطينيين بلبنان
جنوب لبنان



المبحث الخامس

المبحث الخامس

تنفيذ اتفاق الطائف ونتائجه

1. على مستوى الحكم

بدأ تنفيذ اتفاق الطائف يوم اجتماع المجلس النيابي، في مطار القليعات، في 5 نوفمبر 1989. وعلى الرغم من التلكؤ في تنفيذه، فقد حققت حكومة الرئيس الحص إصلاحات سياسية بصورة دستورية، بدءاً من 11 يوليه 1990، معيدة توحيد لبنان والجيش، ومزيلة كل العقبات أمام تنفيذ الاتفاق، بدءاً من آخر أكتوبر 1990. كما مهدت للشرعية بسط سيادتها، واستعادت لها مؤسساتها وأبنيتها وهيبتها، في بيروت الكبرى، التي أخضعتها لسلطة الجيش وقوى الأمن اللبنانيَّين.

كان تحقيق الإصلاحات السياسية، بصورة دستورية، إيذاناً بوجوب تنفيذ خطوط الاتفاق الأساسية، خاصة تلك المتعلقة بالسيادة، وبسط سلطة الدولة، بقواها الذاتية، وإعادة تجميع القوات السورية، تمهيداً لانسحابها من جميع المناطق اللبنانية، باستثناء البقاع المواجِه لإسرائيل، وبعض النقاط في الجبل، التي تحمي المواقع البقاعية. وشروعاً، كذلك، في تنفيذ مبادئ الإصلاح السياسي، وممارستها وفقاً للدستور الجديد، من خلال مؤسسة مجلس الوزراء، ومشاركة الطوائف كافة في الحكم، والإقلاع على الهيمنة والتسلط والتفرد، وبناء دولة المؤسسات.

بعد انتخاب الرئيس معوض واغتياله، وانتخاب الرئيس الهراوي، وبعد توقف قسري لمدة عام كامل، نتيجة معاندة العماد عون، وعدم تسليمه بشرعية الحكم الجديد، أسفر تنفيذ الاتفاق عن نتائج مغايرة تماماً لِمَا كان قُرِّر في الطائف، إن لم تكن مناقضة له. فبدل الحكم من داخل مجلس الوزراء، مورس الحكم من خارجه؛ كما كان يحدُث قبْل نقل السلطة الإجرائية إليه. بل إن ثمة مَن يرى أن كثيراً من القرارات، المهمة والأساسية، كانت تتخذ خارج مجلس الوزراء، ثم تُطرح فيه للتصديق عليها، مثل قرار حل الميليشيات، واستيعاب عناصرها، وقرار تعيين النواب، وقرارالتعيينات الأمنية العسكرية، وقرار تعيين السفراء، وقرار إجراء الانتخابات. ناهيك أن الاتفاق الأمني العسكري، بين لبنان وسورية، لم يسمح لمجلس الوزراء بإجراء أي تعديل في صدده.

وهكذا، رأى الموارنة أن تنفيذ اتفاق الطائف، قد أرسى، بدل حكم المشاركة، صيغة للحكم خارج مجلس الوزراء، من خلال تركيبة نخبوية، غالباً ما كان يلمح إليها أمراء الميليشيات، باسم "الغرفة السوداء". وتوزعت هذه التركيبة، طبقاً للرؤية المارونية، ثلاث حلقات. تضم أولاها كلاًّ من الرئاسة وبعض الساسة المقرَّبين إلى الرئيس، وبعض رجال الأعمال، السابقين والحاليِّين.

أما ثانيتها، فهي حلقة رئيس الوزراء، رفيق الحريري، التي بدأ تأثيرها في الحكم، عبْر بعض التعيينات المختارة، في مواقع مؤثِّرة. وأدى ذلك إلى تحكّمها في الحقل المصرفي، والوسط الإعلامي؛ إذ امتلكت وسائل إعلامية، مثل "تليفزيون خاص، ثلثَي أسهم القطاع الخاص في تليفزيون لبنان، صحيفة "صوت العروبة"، صحيفة "المستقبل"، إذاعة الشرق الأوسط ...".

أما ثالثتها، فتضم كلاًّ من الأحزاب والميليشيات، المتحالفة مع سورية، التي تحكّمت، بعد الطائف، في معظم مؤسسات الدولة.

2. على مستوى السيادة والاستقلال

حققت حكومة الرئيس الحص الإصلاحات السياسية، بصورة دستورية، وأرست، في 21 سبتمبر 1990، دعائم دستور جديد، وأزالت آخر عقبة دون تنفيذ الاتفاق، متمثلة في تمرد العماد عون. ولكن العديد من الإصلاحات السياسية لم ينجز؛ إذ لم يكتمل حل الميليشيات، ولم يُسلَّم سلاحها إلى الدولة اللبنانية، في حين انتهت مهلة هذه المرحلة، في 21 سبتمبر 1991، فمددت إلى نهاية 1992.

أمّا على صعيد بسط سلطة الدولة، بقواها الذاتية، فالوجود الفعلي للجيش اللبناني، اقتصر، لفترة طويلة، على كلٍّ من المتن وكسروان وجبيل. بينما خضعت منطقة الجنوب لنفوذ الفلسطينيين وهيمنتهم. وسيطرت "أمل" وحزب الله، حيثما وجدا. وبقي وجود الجيش اللبناني رمزياً، في مناطق الجبل الأخرى، وفي بيروت والبقاع والشمال، حيث كان الوجود الفعلي للجيش السوري وللميليشيات الحليفة له.

كذلك لم يُعَدْ تجميع القوات السورية، ولم يحصر وجودها في الأماكن المحددة له. فضلاً عن أن المهام، التي تحقق السيادة الوطنية، وتساعد على إنشاء علاقات مميزة، على أساس التعاون والتنسيق، في إطار استقلال كلٍّ من سورية ولبنان وسيادتهما، لم تنفذ على النحو المرسوم لها.

هكذا، تحوّل اتفاق الطائف، لدى التنفيذ، من تنظيم للانسحاب السوري من لبنان، على قاعدة الأخوّة والتعاون والتنسيق، إلى تنظيم للبقاء السوري في لبنان. وبدلاً من أن يحل الميليشيات، ويساعد على بسط سلطة الدولة، بقواها الذاتية، إذا به يطلق يد الميليشيات في الدولة ومؤسساتها.

3. توازنان واتفاق

"لا نريد أن نرى دماء، بعد اليوم، في لبنان" . تلك هي مشيئة الرئيسَين، الأمريكي والسوفيتي، المجتمعَين في مالطة. وانعكست تلك الرغبة سلاماً، على منطقة الشرق الأوسط، إذ حالت الدولتان العظميان دون أي تغيير في خريطتها. وانبثق من توازن القطبَين العالميَّين توازن إقليمي، أتاح لبعض دول المنطقة دوراً فاعلاً، نجم عنه اتفاق الطائف. غير أن التوازن الإقليمي، كان قصير العمر، إذ اضطرب في إثر غزو العراق الكويت. وقضي عليه باندلاع حرب تحرير الكويت، التي أجبرت العراق على الانسحاب، ودمرت جزءاً من البنية الأساسية العراقية، المدنية والعسكرية، على السواء. وصرفت المملكة العربية السعودية إلى معالجة ما ترتب على الغزو العراقي، وانكفأت الجزائر إلى متاعبها الداخلية. وأدى كل ذلك إلى انفراد سورية برعاية تنفيذ اتفاق الطائف في لبنان.

4. اختلال توازن القوى الداخلي

تمثّل التوازن الداخلي اللبناني، في المرحلة الأخيرة من الحرب، في توازن قوى، قوامه الجيش اللبناني، بألويته الأربعة (الثاني، والخامس، والتاسع، والعاشر،)، مضافاً إليها وحدات المساندة الأساسية (المغاوير، المكافحة، الشرطة العسكرية، الحرس). وتوافر لها العتاد والسلاح والذخيرة. علاوة على ميليشيات "القوات اللبنانية"، التي كانت، في آخر مراحلها، على درجة عالية من التدريب والتسليح.

وفي مقابل الجيش و"القوات"، كان ثمة الأحزاب والميليشيات المسلحة الأخرى، وبعض وحدات الجيش، غير المنظمة، والقليلة الفاعلية، بقيادة اللواء سامي الخطيب. وهذه القوى، على تناثرها وصراعتها، كانت منضبطة، تحت مظلة الجيش السوري.

وبدأ الاضطراب يتسرب في توازن القوى الداخلية، في فبراير 1989، أي بعد اجتماعات تونس مباشرة، حين نشب الاقتتال الأول بين الجيش و"القوات". ثم تزايد مع إعلان حرب المرافئ غير الشرعية، وما استتبعها من "حرب التحرير"، التي أفقدت المناطق الشرقية عناصر أساسية، من توازنها الداخلي، منها: التماسك ووحدة القوى ووحدة الموقف السياسي؛ إضافة إلى فقدان الازدهار الاقتصادي النسبي، والخدمات الاجتماعية. إن "حرب التحرير"، شكلت بداية الاختلال الفعلي في توازن القوى الداخلية اللبناني. وكان لها أثر كبير في إضعاف موقف المتشددين في وجه سورية، لدى مناقشة مشروع وثيقة الوفاق. غير أنها لم تكن كافية لترجيح أي من القوى المتصارعة، وظل التوازن في القوى شبه متعادل.

وعلى أساس هذا التوازن بين القوى الداخلية، وتوقُّع استمراره، وقّع اتفاق الطائف، ووضعت آلية تنفيذه. ومع بداية التنفيذ، بدأ الاختلال الفعلي في توازن القوى، وبدأت آلية التنفيذ تغيّر بعض ملامح ذلك الاتفاق.

الخلل الأول، تمثل في رفض العماد عون التسليم بشرعية الرئيس معوض. فإلى جانب الانتقادات، التي وجهت إلى العماد عون، في شأن قراره إعلان حربَي المرافئ والتحرير، وُوجِه عدم اعترافه بشرعية الرئيس معوض برفض من العديد من أطراف الصراع. ولعل مما ضاعف من فداحة هذا الخطأ، أن العماد عون، عاد، بعد مرور سنة، إلى التسليم بشرعية الرئيس الهراوي، من خلال الخطاب، الذي سلَّمه للسفير الفرنسي، رينيه، ونشر في 12 أكتوبر 1992، وتضمن:

أ. رفع الحصار.

ب. الاعتراف بالهراوي.

ج. استقالة عون والحص في وقت واحد.

أما الخلل الثاني، الذي أدى إلى ضرب توازن القوى الداخلي، فهو الحرب، التي سميت "حرب الإلغاء"، بين الجيش اللبناني و"القوات اللبنانية"، والتي نجم عنها تدمير قوة الطرفَين معاً، وتدمير البنية الاقتصادية للمناطق الشرقية. فضلاً عن هجرة بعض اللبنانيين إلى الخارج.

5. توتر العلاقات بين الرؤساء الثلاثة (الترويكا)

اتسمت العلاقة بين كلٍّ من رئيس الدولة، ورئيس الوزراء، ورئيس السلطة التشريعية، بالتوتر الشديد، خاصة بين الرئيسَين الهراوي والحسيني، على الرغم من انتسابهما، في السياسات المحلية، إلى تحالف واحد. وتبدّى هذا التوتر، لحظة تأليف الحكومة الأولى، بعد تولّي الهراوي السلطة؛ إذ إن تضامن الرئيس الحسيني مع الرئيس الحص، أحرج الهراوي، واضطره إلى تعيين الرئيس الحص، وأغلبية أعضاء الحكومة، التي كان يُعِدّها مع الرئيس معوض. وهو ما عنى رفض الهراوي للحص، ورفض الحسيني للهراوي. وسرعان ما لجأ رئيس الجمهورية، إلى التخلص من رئيس الحكومة، إذ ربطت "القوات اللبنانية" انسحابها، باستقالة الحص، على الرغم من نجاحه في إنهاء حالة التمرد، وتوحيد العاصمة، بيروت، وتوحيد الجيش، وإقرار الإصلاحات الدستورية، وإنهاء حالة الحرب.

6. السياسة السورية، بعد الطائف

عرف التدخل السوري المعلَن في لبنان، مراحل أساسية ثلاثاً: التدخل الشرعي الأول، بناء على استدعاء المسؤولين الشرعيين، والقيادات المسيحية. وأضفيت عليه الصفة الشرعية، من خلال قوات الردع العربية، في آخر عام 1976. التدخل الثاني، لإنقاذ بيروت وطرابلس من الاقتتال الداخلي، في عامَي 1984 و1987، بناء على استنجاد قيادات لبنانية رسمية، في المدينتَين. والتدخل الثالث، بناء على دعوة رسمية، وبرعاية عربية، تنفيذاً لاتفاق الطائف، عام 1990. ومنذ التدخل الأول لم تُخْلِ القوات السورية البقاع والشمال، لحظة واحدة. أمّا العاصمة، بيروت، والجبل، فأخليا خلال الاجتياح الإسرائيلي، عام 1982، حتى عام 1987.

وعُلِّل التدخل الأول بمنع التقسيم، وحماية المقاومة الفلسطينية. والتدخل الثاني، بمنع الاقتتال بين اللبنانيين، وحماية المواطنين. والتدخل الثالث، بمساعدة الدولة اللبنانية على اإستعادة سيادتها، وبسط سلطتها، وتأمين إقرار الإصلاحات السياسية الداخلية.

ونفِّذ مشروع تنظيم العلاقة اللبنانية ـ السورية، المثلى، من وجهة نظر سورية، على مراحل ثلاث: المرحلة الأولى، خلال فترة حكم الرئيس إلياس سركيس. وقد فشلت هذه المحاولة، بسبب وجود الميليشيات، ورفض رئيس الجمهورية للمشروع، إلى جانب معارضة أكثرية الطبقة السياسية، في الحكم وخارجه.

المرحلة الثانية، تمثلت في محاولة ضبط الوضع في لبنان، عبْر إقرار الاتفاق الثلاثي بين حركة "أمل" والحزب الاشتراكي و"القوات اللبنانية". وفشلت هذه المحاولة، كذلك، بسبب معارضة جميع القوى، التي استثنيت من الاتفاق؛ ابتداء من رئيس الجمهورية، ووصولاً إلى مختلف القوى السياسية الأخرى.

أمّا المحاولة الثالثة، فاستدركت ما تسبب بفشل المحاولتَين السابقتَين، أي ضمان مؤسسات الحكم والأرض معاً؛ إذ إن المواقف المعلَنة للمسؤولين السوريين، خاصة الرئيس السوري، طمأنت اللبنانيين، بالاعتراف العلني، للمرة الأولى في تاريخ الدولتَين، باستقلال لبنان وسيادته. إلا أنه، وللمرة الأولى، كذلك، في تاريخ الدولتَين، يصبح التدخل السوري في الشأن اللبناني الداخلي، تدخلاً بلا حدود. وآية ذلك تصريح للرئيس السوري، قال فيه:

"ما يهمنا هو النص الذي وافقنا عليه، والذي أقره مجلس النواب اللبناني، وأصبح الوثيقة الوطنية. وهدفُ النص أمران: الأمر الأول، أن نساعد الدولة اللبنانية على تكوين قواها الذاتية، للتمكن من بسط الأمن وسلطة القانون. والأمر الثاني، أن سورية ضمان لإقرار الإصلاحات السياسية، في صورة دستورية. الإصلاحات السياسية، أُقر قسم كبير منها، ولكنْ هناك قسم أساسي، لم تجرِ مناقشته، حتى الآن، وهو متعلق بإلغاء الطائفية السياسية ...".

أمّا اتفاق الطائف، فورد فيه: "ومن واقع العلاقات الأخوية، التي تربط سورية بلبنان، تقوم القوات السورية، مشكورة، بمساعدة قوات الشرعية اللبنانية على بسط سلطة الدولة اللبنانية، في فترة زمنية محددة، أقصاها سنتان، تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني، وانتخاب رئيس الجمهورية، وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، وإقرار الإصلاحات السياسية، بصورة دستورية. وفي نهاية هذه الفترة، تقرر الحكومتان، الحكومة السورية وحكومة الوفاق الوطني اللبنانية، إعادة تمركز القوات السورية في منطقة البقاع ومدخل البقاع الغربي، في ضهر البيدر، حتى خط حمانا ـ المديرج ـ عين دارة؛ وإذا دعت الضرورة، في نقاط أخرى، يتم تحديدها بواسطة لجنة عسكرية لبنانية ـ سورية مشتركة. كما يتم اتفاق بين الحكومتين، يجري، بموجبه، تحديد حجم ومدة القوات السورية في المناطق المذكورة أعلاه، وتحديد علاقة هذه القوات مع سلطات الدولة اللبنانية في أماكن تواجدها".

7. موقف سورية من بعض المستجدات على الساحة اللبنانية، بعد اتفاق الطائف

أدت أزمة الخليج الثانية، وما ارتبط بها، وترتب عليها من تحالفات وتوازنات، إلى تدعيم الدور السوري في لبنان، إلى الحدّ الذي جعل دمشق الفاعل الإقليمي الرئيسي على الساحة اللبنانية. وفيما يتعلق بالانتخابات النيابية، وهي أحد أهم المستجدات على الساحة اللبنانية، فقد عكست زيارات المسؤولين اللبنانيين المتوالية إلى دمشق، خلال الفترة من يوليه حتى أكتوبر 1992، الدور الذي ما زالت تؤديه سورية في لبنان. فضلاً عن تدخّلها للتغلب على بعض الخلافات بين ترويكا الحكم في لبنان.

ولجأت سورية في هذه الانتخابات، إلى تفنيد حجج وادعاءات بعض القوى والأحزاب السياسية، التي قاطعت الانتخابات، ووجهت اتهامات إلى دمشق. فأكد المسؤولون السوريون عدة أمور منها: عدم تحديد اتفاق الطائف موعداً لإعادة انتشار القوات السورية في البقاع، بل جعلها بعد عامين من الإصلاحات السياسية. وعلى هذا الأساس، فإن الاتفاق لم يحدد موعداً لإجراء الانتخابات النيابية، ولم يأتِ على ذكر ربطها بإعادة انتشار القوات السورية، وأي شروط تطرحها المعارضة، من هذا النوع، تُعَدّ غير صحيحة. وأكد السوريون أن مسألة إعادة انتشار القوات السورية في البقاع ومناطق أخرى، ستكون، حسبما جاء في اتفاق الطائف، موضوعاً للنقاش والتباحث والتفاهم، بين الحكومتَين، اللبنانية والسورية، بمساعدة بعض اللجان العسكرية، فيما بعد.

إضافة إلى ذلك، أكدت سورية ضمانها لنزاهة الانتخابات، وعدم تدخّلها فيها. كما رأت في الانتخابات اللبنانية مدخلاً لبناء لبنان، القادر على مواجَهة فترة ما بعد الحرب، فضلاً عن كونها بنداً أساسياً من بنود اتفاق الطائف.

وعلى هذا النحو، رأت سورية، أن القوى الرافضة لإجراء الانتخابات، تمثّل قوى مدعومة من إسرائيل. وطالبت النظام اللبناني بعدم الاستجابة لمطلب تأجيلها، تأكيداً لهيبة الدولة اللبنانية. وساعدت الجيش اللبناني على تأمين سير العملية الانتخابية، بما منع قوى المعارضة من اللجوء إلى استخدام السلاح، لتعطيل الانتخابات. ويمكن إرجاع هذا الموقف السوري في لبنان إلى رغبة دمشق في تثبيت دورها في لبنان، على صعيد المؤسسات الدستورية الرسمية. ومن ثَم، فإن وجود مجلس نيابي لبناني، منتخَب، يضم غالبية مؤيدة أو متفهمة الدور السوري في لبنان، يُعَدّ أمراً مهماً من وجهة النظر السورية. فمثل هذا المجلس لن يثير قضايا، ولن يوافق على قرارات، من شأنها إحراج سورية، أو التأثير، سلباً، في دورها في لبنان، وبخاصة في ضوء التطورات الحالية، الإقليمية والدولية. كما لم تسمح سورية لأي قوى لبنانية داخلية، بأن تناقش الدور السوري في لبنان، خاصة أن القوى، التي عارضت الانتخابات، عام 1992، قد عرضت قبولها إياها بشروط، من بينها إعادة تركيز القوات السورية في البقاع، بل إن هناك من طالب بالانسحاب السوري الكامل من لبنان، كشرط لإجراء الانتخابات.