إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الحرب الأهلية اللبنانية






مواقع المخيمات الفلسطينية
مواقع المخيمات الفلسطينية
لبنان - التوزيع الطائفي
الجمهورية اللبنانية
تعداد الفلسطينيين بلبنان
جنوب لبنان



المبحث الأول

المبحث الأول

الانعكاسات الاقتصادية للحرب الأهلية اللبنانية

         تعود جذور الأزمة الاقتصادية، التي عاناها لبنان، إلى ما قبل الحرب الأهلية اللبنانية. فهي في جزء منها، ناتجة من اعتبارات هيكلية بنيوية، لأن تركيبة الاقتصاد اللبناني، أصبحت متنافرة مع ظروف المحيط العربي ومعطياته. كما أن تراكم التشوهات، الاقتصادية والاجتماعية، التي انطوى عليها النظام الاقتصادي اللبناني، غدا ثقيل العبء، بخاصة في ضوء التطورات، السياسية والاجتماعية والديموجرافية، التي عرفتها البلاد، طيلة فترة الرخاء الاقتصادي. هكذا، بدأ الاقتصاد اللبناني يعاني صعوبات عديدة، تمثلت في الإضرابات، وارتفاع نسب الغلاء، وعدم كفاية المرافق العامة (مرافئ، طرقات، وسائل اتصال ... إلخ) وقصور مستوى أداء القطاع العام عن اللحاق بالتطور الكبير، الذي شهده القطاع الخاص. ولقد جاءت الفورة النفطية الأولى (1973 ـ 1974)، لتبرز بوضوح مكامن الضعف والوهن في هيكلية الاقتصاد اللبناني.

         إذاً، كان الوضع، الاقتصادي والاجتماعي، عشية الحرب، معبأً تعبئة، تنذر الانفجار الكبير، في أي لحظة. ولا شك أن الأوضاع، الاقتصادية والاجتماعية، كان لها دور غير بسيط، في تفجير الحرب اللبنانية، وتأجيج نارها، وتعميق مداها وتوسيعها. وأسهمت الحرب، بدورها، في تفاقم الأزمة الاقتصادية، إسهاماً مباشراً، من طريق تهديم وسائل الإنتاج (من بنى تحتية ووسطية وفوقية، تشكل مجموع الاستثمار الوطني)، وإعادة توزيع القوى العاملة البشرية، على أُسُس غير اقتصادية؛ وتهجير أعداد كبيرة منها إلى الخارج؛ وانهيار حكم القانون، وتدهور الأوضاع الأمنية؛ وتقسيم السوق الواحدة إلى عدة أسواق؛ واضطراب مختلف مجالات النشاط الاقتصادي، من إنتاج وتوزيع، وتبادل في الداخل ومع الخارج؛ وشلل أو هجرة عدد كبير من المؤسسات الاقتصادية؛ وانهيار الإطار، القانوني والمؤسسي، الذي يحكم النشاط الاقتصادي ويرعاه. كذلك، أسهمت الحرب في تفاقم الأزمة الاقتصادية إسهاماً غير مباشر، بوساطة بعض إفرازاتها ونتائجها؛ إذ شكلت سبباً مهماً في تفاقم الأزمة الاقتصادية، التي توشك أن تنفجر. إلاّ أنها طمست مكامن الأزمة البنيوية وأسبابها، لتتصدر شواغل الشعب اللبناني. وقد يكون مفيداً، في مجال البحث في الآثار الاقتصادية السلبية المباشرة للحرب، تفصيل المراحل، التي مرت بها الحرب، على الشكل التالي:

1. المرحلة الأولى والآثار السلبية للحرب الأهلية

تمتد بين بداية الحرب، في أبريل 1975، والاجتياح الإسرائيلي، في يونيه 1982. وعلى الرغم من تخريب وسائل الإنتاج، خلال حرب السنتين، وانخفاض الناتج المحلي، فإن الدخل الفردي تابع مسيرة ارتفاعه، بسبب ارتفاع حجم تحويلات اللبنانيين، الذين هاجرو بأعداد كبيرة، ومتزايدة، للعمل في الخارج، خاصة في البلدان العربية النفطية، التي شهدت، في هذه الفترة، أوسع مراحل النمو الاقتصادي وأكبرها. فضلاً عن تدفق الأموال السياسية والمشابهة إلى لبنان. هكذا، تزامنت الحرب الأهلية اللبنانية، التي مثلت قوة طاردة للعديد من فئات الشعب اللبناني، مع قوى الدفع إلى البلدان العربية، التي حرصت على اطِّراد نموّها. ومع أن مستوى الأسعار، سجل ارتفاعاً ملحوظاً، بالنسبة إلى السابق، إلا أنه بقي، مع مستوى سعر صرف الليرة اللبنانية، ضمن حدود معقولة. يضاف إلى ذلك أن احتياطيات لبنان النقدية الأجنبية، ارتفعت بنسب واضحة، وسجل ميزان المدفوعات فوائض كبيرة، ومتمادية، باستثناء عام 1976، الذي يُعَدّ عام التأقلم والتكيّف، والانتقال من أوضاع السلام إلى أوضاع الحرب.

2. المرحلة الثانية

تبدأ مع الاجتياح الإسرائيلي، في يونيه 1982، وتنتهي مع نهاية سبتمبر 1988. إذ شكل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، نقطة تحول أساسية في مسار الاقتصاد اللبناني وأدائه، خلال الحرب. فهو، بما نتج منه من انهيار للركائز والمقومات الاقتصادية، ومن تحولات وتطورات سياسية جذرية، داخلياً وإقليمياً ودولياً ـ شكل أحد أهم الأسباب الكامنة وراء الانهيار الاقتصادي. فخلال هذه الفترة، عرف لبنان أقسى مظاهر الحرب الأهلية (حرب الضاحية، إعادة انقسام بيروت وتفتت الجيش، حرب شرق صيدا ... إلخ)، الأمر الذي أدى إلى تهجير اللبنانيين، داخل وطنهم، على نطاق واسع، وإلى المزيد من تفتيت السوق ووضع العوائق أمام انتقال البضائع والأشخاص. كذلك، عرفت هذه الفترة محاولة عزل لبنان عن محيطه العربي، وربطه بإسرائيل، عبر اتفاق 17 مايو 1983، وانحيازه، في مجال الصراع الدولي. وأخيراً، شهدت هذه المرحلة دخول الدولة اللبنانية، والجيش اللبناني، كطرف في الصراع الداخلي المسلح، على نطاق واسع، لم تعرفه البلاد من قبْل، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع هائل في النفقات الحكومية.

3. المرحلة الثالثة

انحصرت في فترة الحكومتَين، التي امتدت بين سبتمبر 1988، وقيام الشرعية الجديدة، المنبثقة من وثيقة الوفاق الوطني، في نوفمبر 1989. وقد عرفت هذه الفترة المزيد من تقسيم المؤسسات، الشرعية والرسمية، كما عرفت قدراً كبيراً من التهديم والهجرة، الناجمين عن القتال العنيف الذي خاضه ميشال عون، القائد السابق للجيش، تحت شعار ما أسماه "حرب التحرير".

4. المرحلة الرابعة

امتدت من نوفمبر 1989، إلى أكتوبر 1990، وشهدت إزالة حالة التمرد، والبدء بعملية إعادة توحيد الجيش اللبناني، المنقسم منذ فبراير 1984. وخسر لبنان، خلال هذه الفترة، كذلك، المزيد من وسائل الإنتاج والاستثمارات، وشهد هجرة واسعة للمهارات والمؤسسات، بسبب القتال الدائر بين القائد السابق للجيش و"القوات اللبنانية".

أمّا السبب الأساسي للأزمة الاقتصادية، التي عاناها لبنان، فيرجع إلى التضخم النقدي. إذ بدأ العجز الكبير، في أواخر عام 1982، وتحديداً مع بداية عام 1983. وكانت نشأته الأولى بسبب ارتفاع النفقات العسكرية، من أجْل تأهيل الجيش، وزيادة عديده وتسليحه، بعد إقحامه في الصراعات الداخلية، ابتداءً بحرب الجبل، خلال صيف 1983. وإضافة إلى النفقات العسكرية، اتّبع لبنان سياسة إنفاق توسعية، شملت مشروعات تأهيلية، إنشائية، لم يكن لها أولوية اقتصادية أو اجتماعية، بل كانت دوافعها، في الغالب، سياسية وحزبية. الأمر الذي أدى إلى زيادة متضاعفة في حجم الكتلة النقدية. فكان التضخم (بالنظر إلى انخفاض الناتج المحلي)، وارتفعت الأسعار، وانخفض سعر صرف الليرة اللبنانية. ومع ارتفاع الأسعار، وانخفاض سعر صرف الليرة، ارتفع الإنفاق الحكومي و(الخاص)، بخاصة أن جزءاً من هذه النفقات، كان بالعملات الأجنبية، التي ارتفعت أسعارها، بالنسبة إلى العملة اللبنانية، ولا سيما إثر تولّي حكومة الوحدة الوطنية، في ربيع 1984. وهكذا، قفز العجز المالي للدولة قفزات كبيرة، بسبب ارتفاع النفقات، في البداية، وانخفاض الواردات، فيما بعد. فوصل لبنان، مع بداية عام 1985، إلى أعلى درجة من التضخم. كذلك، أسهم في ارتفاع حدّة التضخم والأسعار، ارتفاع النفقة، الناتج من انخفاض الإنتاجية بشكل عام، ومن تفتيت السوق، والعوائق المصطنعة أمام الأشخاص والبضائع، ومن النفقة الإضافية، المتمثلة في انهيار الخدمات العامة، وزيادة الإتاوات والضرائب غير الشرعية، الناجمة عن نشوء وتسلُّط الوحدات الاقتصادية، التي لا تستند إلى الأهلية والإنتاجية والتنافس، وإنما إلى مجرد قربها من قوى الأمر الواقع.

وبدلاً من أن تعمد السلطات اللبنانية إلى اتّباع سياسات التصحيح، فتستوعب التطورات السلبية، وتخفف من وطأتها وحدّة تفاقمها ـ اتّبعت سياسات زادت الأزمة حدة، إذ لجأت إلى انتهاج سياسات التصعيد. ففي مجال السياسة المالية، والنقدية على وجه الخصوص، مثلاً، عرف لبنان مفارقة عجيبة، إذ كلما كانت الدولة تنجح في تخفيض بعض نفقاتها (كما حدث عندما ألغي الدعم على البنزين مثلاً)، كان يرتفع حجم عجز الخزينة بنسبة مضاعفة، بدل أن ينخفض. والسبب أن توفير بعض المال، نتيجة خفض النفقات، كان يدفع النخبة الحاكمة إلى الإنفاق في مجالات أخرى، مستغلة هذا الوفر في تبرير الإنفاق الإضافي.

وأخيراً، لا بدّ من ذكر العوامل والتطورات الخارجية، السلبية، التي ترافقت وتزامنت مع هذه السلبيات الداخلية، وساعدت على تفاقم الأزمة الاقتصادية، مثل حرب الخليج الأولى، بين العراق وإيران، وانخفاض أسعار النفط، أوائل الثمانينيات، والانكماش الاقتصادي الناتج منه، في الأقطار العربية النفطية، وحرب الخليج الثانية ... إلخ.

أ. هروب رأس المال، المحلي والأجنبي

حالت الحرب الأهلية اللبنانية، دون ممارسة العديد من المؤسسات والهيئات، الوطنية والأجنبية، نشاطها الاستثماري، في بيروت، بصفتها مركزاً رئيسياً لمنطقة الشرق الأوسط كافة. وقد قدِّر، مؤخراً، عدد المؤسسات التي غادرت البلاد بألفَي شركة، منها أربعمائة شركة ومصرف دوليَّين، والأخرى شركات لبنانية أو عربية أو شركات خاصة.

وتوافق التوتر وعدم الاستقرار السياسي، اللذان سادا بيروت، مع عدة تطورات في العديد من دول الشرق الأوسط، ومن ثم، انعكست في جذب الاستثمار. وأبرز هذه التطورات حالة الاستقرار السياسي في العاصمة اليونانية، أثينا، وصدور القانون (89)، الذي يعفي من الضرائب كل شركة أجنبية، يقع مركزها في العاصمة، ولا تمارس أي نشاط تجاري داخلها. فضلاً عن أن موقع اليونان الجغرافي، كحلقة اتصال بين منطقة الشرق الأوسط والقارة الأوروبية، يُعَدّ عنصراً مهماً في جذب العديد من المؤسسات الأجنبية، وبخاصة الأمريكية واليابانية.

وقد تنافست العواصم الخليجية، مثل دبي، والمنامة، وكذلك الكويت، في اجتذاب رؤوس الأموال والأنشطة الاقتصادية الدولية. وكذلك طهران. وبرز الأردن بديلاً من لبنان، فأصدر التشريع الذي يمنح امتيازات واضحة لكلٍّ من الشركات والأفراد، الذين يتخذون عمّان قاعدة لأنشطتهم الاقتصادية، مع إتمام التوزيع خارج البلاد. وسمح التشريع بفتح حسابات غير مقيمة، وإعادة تحويل الأرباح، من دون أي قيود، كما لم يتطلب وجود شريك أردني، مع الإعفاء من ضريبة الدخل، بالنسبة إلى الدخول الأجنبية. فنزح عن بيروت، العديد من المؤسسات الأجنبية، مثل تشيس مانهاتن بنك، وسيتي بنك، ولوكهيد، وشيراتون، وجنرال موتورز، والعديد من الشركات اليابانية.

ب. التحول إلى موانئ البحر المتوسط الأخرى

ولعل من أبرز النتائج الاقتصادية، التي ترتبت على حرب لبنان الأهلية، تحوّل سفن الشحن المختلفة، إلى موانئ متعددة، في كلٍّ من تركيا، وقبرص، واليونان، وإيطاليا، وأسبانيا والبرتغال، خشية أن تفسد شحناتها بعد أن طال انتظارها خارج ميناء بيروت.

ولكن، لم تكن هذه الاختناقات وليدة الحرب الأهلية، وإنما هي ناجمة عن عدم المواءمة بين إمكانات الميناء اللبناني والتزايد في حجم النشاط التجاري. وقد أشار رشيد كرامي، رئيس الـوزراء اللبنانـي، إلى هـذه الحقيقة، في 15 أغسطس 1975، حينما أعلن أن السفن، لا تفرَّغ في ميناء بيروت، إلا من طريق الرشوة والسمسرة. وهدد باتّخاذ إجراءات صارمة، في مواجَهة هذه التصرفات.

وتبلورت الأسباب السابقة مجتمعة، إضافة إلى توقف النشاط السياسي، وإتلاف 60% من الإنتاج الزراعي وإحراق المخزون السلعي أو الاستيلاء عليه، وكذلك تدمير سوقَي سرسق واللعازارية، في تقلّص حجم الدخل القومي، بما يعادل ستة مليارات ليرة، في بداية الأزمة، طبقاً لتقديرات غرفة التجارة والصناعة اللبنانية، التي رأت أن الدخل القومي، قبل الحرب، كان يعادل ثمانية مليارات ليرة، وكان يتوقع أن يصل إلى تسعة مليارات، لولا الأحداث الدامية. إضافة إلى الخسائر، التي تحمّلها الاقتصاد القومي اللبناني، على مدى سنوات الحرب، والتي وصلت إلى مليون ليرة سنوياً.

ج. بعض النتائج الاقتصادية الأخرى

تمثلت أهم النتائج الاقتصادية، التي أفرزتها الحرب الأهلية اللبنانية، في التضخم الكبير، الذي عرفه، أثناءها، الاقتصاد اللبناني. إضافة إلى أن عملية توزيع الدخل والثروة كانت عشوائية، لا تستند إلى أي معايير إنتاجية تنافسية، فضلاً عن أن خسارة أصحاب الرواتب والأجور والأشخاص والمؤسسات (أي المجتمع المدني عامة)، قابلها ربح أصحاب الدخول الكبيرة وأفراد ومؤسسات الاقتصاد الموازي (أي مجتمع الحرب).

قد يكون من أشد نتائج الأزمة الاقتصادية خطراً، تلك السلبيات العديدة، التي أصابت القطاع الخاص في الاقتصاد اللبناني، وهو القطاع الذي شكل، تقليدياً، ركيزته الأولى والأساسية، وسبب ارتفاع مستوى معيشة اللبنانيين. وأهم هذه السلبيات:

(1) انكفاء القطاع الخاص عن طلب التحديث ومواكبة التطورات المستجدة، في المجالات، العلمية والتقنية والمهنية والإدارية، مادياً وبشرياً، على السواء، وذلك بسبب محدودية أفق العمل الناجمة عن الحرب، وضعف قوة الدفع الناجمة عن المضاربة الخارجية، في اتجاه التحديث والتطوير والعصرنة، وانخفاض المنافسة الداخلية، وهبوط المستوى في غير مجال، وضآلة حوافز الربح الناتجة من الأداء والمهارة العالية، وتوافرها في مجالات أخرى، لا تعتمد، بالضرورة، على الاعتبارات الاقتصادية البحتة، إضافة إلى النفقة المتزايدة التي أصبحت عقبة في غير مجال. وعليه، بات يخشى من الفجوة المتسعة باستمرار، بين مستوى أداء القطاع الخاص في لبنان، حالياً ومستقبلاً، ومستواه في البلدان المنافسة، إقليمياً ودولياً. وهكذا، ضربت الحرب والأزمة الاقتصادية، لبنان، في صميم أفضليته المقارنة، وزعزعت قدرته التنافسية.

(2) إن عدداً كبيراً من كبار رجال الأعمال وأصحاب المشروعات، هجروا لبنان إلى حيث مجالات العمل أكثر اتساعاً، أو هم نقلوا المركز الرئيسي لعملهم إلى الخارج، واقتصر وجودهم في لبنان على الحضور الرمزي. واقتدت بهم النخبة من الطاقة البشرية في لبنان، الأمر الذي أفقد القطاع الخاص مصدر قدرته، المشهود لها بالتكيف مع مختلف الظروف وأصعبها.

(3) أسفرت الحرب عمّا يسمى الاقتصاد الموازي، ونموه وتوسعه، الذي بدأ يفرز قيادات ومؤسسات اقتصادية جديدة، لا تتمتع، بالضرورة، بالأهلية والإنتاجية المرتفعتَين، ولا بالقدرة التنافسية العالية. كما أنها لم تلتزم بقواعد العمل الاقتصادي المتعارف عليها، الأمر الذي زاد من ضعف دور القطاع الخاص، بعد أن طغت على السوق بعض العناصر السلبية المستغلة. واستفادت مؤسسات قطاع الاقتصاد الموازي وقياداتها من كونها قريبة من مراكز قوى الأمر الواقع، وهو ما شكل نوعاً من "الحماية" الاقتصادية لها، وأعطاها أفضلية تنافسية. فوجد القطاع الخاص نفسه، وهو "التقليدي"، ذو المهارة العالية والنادرة، وذو الإنتاجية المرتفعة، في صراع مع القطاع العام، وهيمنة قيادات ومؤسسات طفيلية. وهكذا، شكلت الاعتبارات السياسية، في سنوات الحرب الأولى، العائق الأكبر، أمام استمرار نمو الاقتصاد اللبناني وتطوره وحُسن أدائه، بينما أصبحت الاعتبارات الاقتصادية، بعد عام 1985 وحتى 1989، العائق الأول والأكبر، أمام الوفاق السياسي، وإنهاء حالة الحرب.