إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الحرب الأهلية اللبنانية






مواقع المخيمات الفلسطينية
مواقع المخيمات الفلسطينية
لبنان - التوزيع الطائفي
الجمهورية اللبنانية
تعداد الفلسطينيين بلبنان
جنوب لبنان



المبحث الثاني

المبحث الثاني

التهجير

       أمْلت الحرب الأهلية اللبنانية على اللبنانيين توزُّعهم السكاني، إذ فرض عليهم التهجير والفرز، العرقي والديني، أماكن تمركزهم في لبنان. ومرت عمليات التهجير بمراحل عدة:

1. خلال "حرب السنتين" (1975 ـ 1976)

ترك 589680 شخصاً، 189 بلدة وقرية، مسيحية وإسلامية، أي ما يعادل 21.8% من مجموع السكان.

2. خلال عامَي 1977 و1978

أ. خلال شهر مايو 1977، وعلى أثر اغتيال كمال جنبلاط، أدى رد الفعل الدرزي إلى تهجير 20 ألف مسيحي من قرى الشوف.

ب. في مايو 1977، وفبراير 1978، أدت الغارات الإسرائيلية العنيفة على جنوبي لبنان إلى نزوح حوالي 75 ألف شخص.

ج. في مارس 1978، شن الجيش الإسرائيلي هجوماً كبيراً على منطقة جنوبي لبنان، فاحتل رقعة واسعة منه. وكان من نتائج هذا الهجوم تهجير 175 ألف شخص.

د. خلال شهرَي يونيه وأغسطس 1978، وعلى أثر الاضطرابات الأمنية، التي حدثت في البقاع والشمال، نزح حوالي 25 ألف شخص.

هـ. في سبتمبر وأكتوبر 1978، أدى قصف الجيش السوري بيروت الشرقية، إلى نزوح 250 ألف شخص.

وهكذا، قدِّر عدد المهجَّرين، خلال عامَي 1977 و1978، بنحو 545 ألف شخص.

3. خلال عامَي 1979 و1982

شهدت هذه الحقبة مواجهات عدة، بين الميليشيات أنفسها، وبين اللبنانيين والفلسطينيين، وبين اللبنانيين والجيش السوري. إضافة إلى معركة مدينة زحلة، مما أدى إلى نزوح حوالي 150 ألف شخص.

4. خلال عام 1982

تسبب الاجتياح الإسرائيلي واحتلاله جنوبي لبنان، وجزءاً من الجبل، حتى بيروت الغربية، بنزوح راوح بين المناطق المحتلة ووسط لبنان، وشمل حوالي 400 ألف شخص.

5. خلال عامَي 1983 و1984

تسبب انسحاب الجيش الإسرائيلي من جزء من الأراضي المحتلة، باندلاع "حرب الجبل"، التي شردت 314 168 شخصاً. كما أدت تطوراتها إلى تهجير أكثر من 150 ألف شخص، من بيروت الغربية والضاحية الجنوبية، وحوالي 40 ألف شخص من منطقة الشّحّار الغربي.

أمّا المعارك بين الفلسطينيين أنفسهم، في الشمال، فدفعت خمسين ألف شخص، على الأقل، إلى النزوح. وكذلك، طاول القصف المناطق المحاذية، فأدى إلى نزوح 50 ألف شخص، على الأقل.

6. خلال عامَي 1985 و1986

خلال هذه الفترة، أدى الانسحاب الإسرائيلي الثاني من الجنوب، إلى تهجير مسيحيي إقليم الخروب، وقرى شرق صيدا. وقد بلغ عددهم 230 97 شخصاً، أُضيف إليهم، في نوفمبر 1986، حوالي 8  آلاف شخص من نصارى بلدة مغدوشة وجوارها.

يتبين من مجمل هذه الأرقام، أن عمليات التهجير، تناولت، ما بين 1975 ـ 1987، ثلثَي سكان لبنان. وقد اضطر عشرات الألوف منهم إلى النزوح غير مرة من أمكنة وجودهم.

مَواطن المهجَّرين، وأماكن وجودهم الجديدة

       كانت المناطق اللبنانية، في أغلبيتها، مناطق مختلطة، تضم مختلف الجماعات الطائفية. أمّا وجود المهجَّرين، فقد ارتبط بمناطق تميزت بسماتها الطائفية.

1. الطوائف المسيحية

قدر عدد اللبنانيين، الذين نزحوا من أماكن إقامتهم، بحوالي 333 ألف شخص، من المسيحيين في لبنان.

التوزّع الجغرافي لمواطن التهجير

المجموع

(بالآلاف)

نوع التهجير

(بالآلاف)

مَواطن التهجير

جزئي

كليّ

13

215

19

46

40

13

29

18

19

36

--

186

1

27

4

بيروت

جبل لبنان

لبنان الشمالي

لبنان الجنوبي

البقاع

333

115

218

المجموع

يتبين من هذا الجدول أن التهجير الكلي، قد بلغ 65.5% من مجموع المهجَّرين، كما أن أغلبيتهم (65%)، انتمت إلى منطقة جبل لبنان، بينما انتمى إلى لبنان الجنوبي، 14% منهم. وقد أجبر هؤلاء الرعايا على النزوح نتيجة الاقتحامات المسلحة المنظمة. أمّا في ما يتعلق بالمناطق الأخرى، وباستثناء بعض القرى، في لبنان الشمالي والبقاع، فقد حدث التهجير نتيجة لاعتداءات مستمرة، الهدف منها، لم يكن التهجير الكامل للقرى، بل إبعاد الأشخاص غير المرغوب فيهم، أو الضغط على المناطق المسيحية الأخرى.

وأسفرت الاعتداءات والضغوطات المسلحة عن تهجير 620 ألف شخص، بصفة دائمة، يتوزعون، بحسب مَواطن تهجيرهم، وفقاً لما يلي:

توزّع المهجَّرين، المسيحيين بحسب مَواطن تهجيرهم

النسبة المئوية
(بالآلاف)

عدد المهجرين
(بالآلاف)

مَواطن التهجير

38,7 %

20,1%

16,1%

20,1%

5,0%

240

125

100

125

30

جبل لبنان، بما فيه إقليم الخروب

قرى شرق صيدا ومناطق أخرى من لبنان الجنوبي

البقاع

بيروت الغربية والضاحية الجنوبية

لبنان الشمالي

100%

620

المجموع

 يُظهر الجدول أن أكبر نسبة من المهجَّرين المسيحيين، انتمت إلى مناطق جبل لبنان (38,7%)، تليها نسبة المهجرين من لبنان الجنوبي وبيروت الغربية والضاحية الجنوبية (20,1%) ثم البقاع (16,1%) وأخيراً، لبنان الشمالي (5,0%).

أمّا بالنسبة إلى أماكن وجود المهجَّرين الجديدة، فتبيَّن أنها على النحو التالي:

أ. في بيروت الشرقية 17,2%.

ب. في فرن الشباك وعين الرمانة 17,4%.

ج. في برج حمود والنبعة وسن الفيل وجسر الباشا 23,2%.

د. في الحازمية والحدث وبعبدا والجمهور 3,8%.

هـ. في الجديدة والبوشرية والمكلس والمنصورية والدكوانة 11,4%.

و. في ضبيه وأنطلياس وجل الديب والزلقا 1,5%.

ز. في باقي بلدات قضاء المتن 11,8%.

ح. في جونيه وجوارها 2,8%.

ط. في بلدات كسروان 4,9%.

ي. في قضاء جبيل 1,4%.

ك. في لبنان الجنوبي 4,6%.

وتوزع معظَم مهجّري إقليم الخروب وشرق صيدا والبقاع الغربي، في مناطق المتن وكسروان وجبيل. والتجأ الباقون إلى مناطق جزين ومرجعيون وبعض قرى الشريط الحدودي.

2. الطوائف الإسلامية

افتقرت التقارير والدراسات القليلة، المتعلقة بالمهجَّرين المسلمين، إلى كثير من الدقة والشمولية. وأسهم في ذلك، صعوبة التمييز بين التهجير المؤقت والتهجير النهائي، وفصل ظاهرة الهجرة من المناطق الريفية إلى المدن، سعياً وراء العمل وتحسين ظروف المعيشة، عن التهجير المرتبط بحالات أمنية معينة.

مهما يكن، واستناداً إلى المعطيات المتاحة، يمكن القول، باختصار، إن تهجير المسلمين من المناطق الشرقية، عُدَّ تهجيراً دائماً، بل اقتلاعاً. أمّا حركة النزوح، الناجمة عن الاجتياحات الإسرائيلية، والمعارك بين الشيعة والفلسطينيين، خاصة في مناطق لبنان الجنوبي، فكانت مؤقتة، في الجزء الأكبر منها. إذ تضخم عدد النازحين في فترة المعارك، وتدنّى كثيراً في فترات الهدنة والاستقرار الأمني.

وكان التهجير الدائم للمسلمين، خلال حرب السنتين (1975 ـ 1976)، وشمل:

أ. 25 ألف درزي، هجِّروا من عين الرمانة والروضة والمتن الجنوبي، خلال صيف عامَي 1975 و1976. وقد استقر معظَمهم في منطقة الشوف وبيروت الغربية.

ب. 110 آلاف مسلم، معظمهم من الشيعة، مع أقلية سُنِّية. هجِّروا من حارة الغوارنة والكرنتينا والمسلخ، خلال خريف 1975، وشتاء 1976، ومن الضاحية الشرقية، خلال صيف 1975. واستقر قسم منهم في منطقة المسابح، والمنطقة الممتدة من آخر الأوزاعي حتى خلدة. وتوزع بعضهم في أحياء بيروت الغربية، وخصوصاً وادي أبو جميل وعين المريسة ورأس بيروت. ولكن أكثريتهم، استقرت في الضاحية الجنوبية والبقاع.

ج. 175 ألف شيعي، هجّرهم من الجنوب والبقاع الغربي، الاجتياح الإسرائيلي، خلال ربيع 1978، إلى مدينة صيدا، وبيروت الغربية، ووسط البقاع وشماليه. لكن معظمهم عادوا إلى ديارهم، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي.

د. 400 ألف مسلم، هجَرهم من الجنوب والبقاع الغربي وبيروت الغربية وضاحيتها الجنوبية، الاجتياح الإسرائيلي، في يونيه 1982، نحو وسط البقاع وشماليه، بل نحو بيروت الشرقية، بل خارج الحدود اللبنانية. وعلى الرغم مما خلّفه الاجتياحان الإسرائيليان، في ربيع 1978، وصيف 1982، من دمار وقتل، فإن أكثرية النازحين عادوا إلى ديارهم، حينما استقرت الأوضاع الأمنية، نسبياً، وانسحب الجيش الإسرائيلي إلى ما سُمي "الشريط الحدودي". باستثناء سكان بعض البلدات، كالخيام وحانين ويارين وجباع وجرجوع. يضاف إليهم كل من لم يتمكن من العودة، لأسباب سياسية وعقائدية، ويقدر عددهم بحوالي 60 ألف شخص.

هـ. سكان بعض القرى الدرزية، هجّروا من الشوف وعاليه، خلال صيف 1983. وهجِّر عدد من السُّنة، من منطقة صيدا، خلال ربيع 1985، ومن منطقة طرابلس، خلال 1981 ـ 1985، وكان تهجيرهم مؤقتاً.

ولئن تمكنت نسبة كبيرة من المهجَّرين من العودة إلى ديارهم أو التكيُّف مع واقعهم الجديد، فإن عدد المهجرين، الذين لم يتمكنوا من العودة، بسبب هدم قراهم، أو استمرار الخطر على حياتهم، يقدَّر بحوالي 620 ألف مهجَّر مسيحي، يقابلهم 180 إلى 200 ألف مهجَّر مسلم.

تبدّل الخريطة السكانية، بعد الحرب

       بدّلت الحرب الأهلية الخريطة السكانية في لبنان تبديلاً، لا يمكن اختصاره في عبارة الفرز السكاني على أساس طائفي. وكان أكثر المناطق تأثراً بهذا الفرز بيروت الكبرى والجبل والجنوب والبقاع.

1. معالم التركيبة السكانية في بيروت الكبرى

لا بدّ من الإشارة، أولاً، إلى أن نسبة المولودين في بيروت الكبرى، لا تتعدى 52.7% من سكانها. وقد احتشدت الجماعات الطوائفية في بيروت، كلٌّ في أحياء خاصة بها، من دون أن يعني ذلك استبعاداً لمواطنين من طوائف أخرى. وكان السُّنة والأرثوذكس أقدم الجماعات الطوائفية، التي استوطنت بيروت، ولا يزالون في أحيائهم التقليدية: الأشرفية والمصيطبة ورأس بيروت، والباشورة وعين المريسة. أمّا الموارنة، فقد استوطنوا أحياء الأشرفية والرميل والصيفي والمدوَّر. وتجمّع الشيعة في الباشورة وزقاق البلاط، والقسم الشمالي من المصيطبة. وبقيت ضواحي مدينة بيروت، حتى الخمسينيات، مناطق زراعية، تسكنها أكثرية مارونية، باستثناء بلدة برج البراجنة، حيث تساوى، تقريباً، الموارنة والشيعة. ولكن، ابتداء من الخمسينيات، تكثفت حركة النزوح الريفي نحو تلك الضواحي، حتى أصبح 55.7% من سكانها من أصل ريفي، ونتيجة ذلك، أضحى الشيعة أكثرية في بلدات الغبيري وبرج البراجنة والنبعة. أمّا المسيحيون، ولا سيما الموارنة، فشكلوا الأكثرية في باقي بلدات الضاحية. وهكذا، كانت المنطقة الشرقية من مدينة بيروت، إضافة إلى ضاحيتَيها، الشمالية والجنوبية الشرقية، عشية الحرب التي عصفت بلبنان، تتميز بأغلبية سكانية مسيحية. بينما شكل المسلمون الأكثرية في الجزء الغربي من المدينة وفي ضاحيتها الجنوبية، مع العلم أن نسبة المسيحيين في هذه المنطقة، كانت تراوح بين 40% و45% من السكان.

ومنذ اندلاع الحرب، تُبُودِلَتْ حركات النزوح، وتراكمت بين مختلف المناطق. وكان النزوح، خلال عامَي 1975 و1976، أعلى سرعة وكثافة، من المنطقة الشرقية نحو المنطقة الغربية منه في الاتجاه المعاكس (120 مقابل 75 ألفاً)، حتى تدنّى الوجود الإسلامي في المناطق الشرقية إلى 5% مما كان عليه، قبل عام 1975. أمّا الوجود المسيحي في مناطق بيروت الغربية، البالغة نسبته 40 % من سكانها فلم يتدنَّ بسرعة، إلا ابتداء من عام 1983، ليصل إلى 15% أو 10%. ومن مؤشرات هذا التدني، أن نسبة التلامذة المسيحيين، في المدارس المسيحية، انخفضت من 90%  إلى 75% فإلى 5% و2%.

وعانت منطقة بيروت الكبرى نتائج التصادمات العسكرية والمواقف المتطرفة، التي حصلت في المناطق الأخرى، وأدت إلى نزوح سكانها إلى منطقة بيروت الكبرى، مما أخل بتركيبتها السكانية. فاستقبلت المنطقة الشرقية حوالي 475 ألف مهجّر، ونزح منها 135 ألفاً. واستقبلت المنطقة الغربية 295 ألفاً، ونزح منها 275 ألفاً. وهكذا، أصبح كلٌّ من المنطقتَين متجانسة طائفياً، مع بروز عنصر مذهبي متنامٍ، في المنطقة الغربية: العنصر الشيعي.

2. معالم الخريطة السكانية في منطقة الجبل

تمتد منطقة الجبل من جبل صنين شمال شرق بيروت إلى نهر الأولي، في الجنوب. وتضم أقضية الشوف وعالية وبعبدا، والمتن، الشمالي والأعلى، الممتد من بلدة شويت حتى حمانا، شمال طريق الشام. ومن حمانا إلى جبل صنين، مروراً بالخط الفاصل، انطلاقاً من شرق بكفيا حتى جنوب بسكنتا. قدِّر عدد سكان هذه المنطقة بنحو 520 ألف شخص، منهم 58.5% مسيحيون، و30.8% دروز، و9.2% مسلمون سُنة، و1.5% مسلمون شيعة. توزعوا 236 بلدة، منها 52% سكانها مسيحيون صرف، و13% سكانها دروز بحت، و3% مسلمون سُنة محض، أما البلدات المتبقية، فكانت مختلطة، أي يسكنها معاً مسيحيون ودروز، أو مسيحيون وسُنة، أو شيعة. واللافت أنه لا توجد أي بلدة، تضم دروزاً ومسلمين معاً، أو سُنَّة وشيعة معاً.

وإذا استثنينا النزوح الدرزي المؤقت، والمحصور، من بعض القرى، نتيجة عمليات عسكرية، ونزوح حوالي 15 ألف سُني، من سكان إقليم الخروب، على أثر الاجتياج الإسرائيلي؛ وقد عادوا، فيما بعد، إلى قراهم ـ فقد أدت الأحداث المتلاحقة في منطقة الجبل، إلى تفريغها من سكانها المسيحيين. وكان ذلك على مراحل، ابتداء من 14 أبريل 1975، حينما حدث أول تهجير في قرية عين الأسد، في إقليم الخروب، تبعه نزوح مسيحي من بعض قرى الإقليم المختلطة: مثل كترمايا، الوردانية، الزعرورية، المغيرية.

في بداية عام 1976، وعلى أثر تهجير سكان الكرنتينا المسلمين، دُمرت بلدتا الدامور والجيَّة، وهجِّر حوالي 22 ألف شخص. ثم خلال ربيع 1976، لاقى المصير نفسه، عدة بلدات في أقضية بعبدا والمتن الأعلى وعاليه. وقدِّر النازحون، خلال عامَي 1975 و1976، بنحو 100 ألف شخص، عاد قسم كبير منهم إلى قراهم، في كنف قوات الردع العربية، في بداية عام 1977. غير أنه على إثر اغتيال كمال جنبلاط، ورد الفعل الدرزي، الذي ذهب ضحيته 200 قتيل، نزح 25 ألف شوفِيّ مسيحي. وعام 1983، اندلع ما سمي حرب الجبل، فشُرد أكثر من 168 ألف شخص. ثم امتدت الحرب إلى ما تبقى من قرى مسيحية، في الشحّار الغربي وساحل الشوف، في فبراير 1984، وإقليم الخروب، عام 1985، وبعض القرى الكائنة حول بكفيا وضهور الشوير، في أوائل 1986. وهكذا، أفرغ الجبل من سكانه المسيحيين، باستثناء بعض العائلات، التي لا تزال تقيم ببلدات حمانا، عين دارة، دير القمر، المختارة، كفرنبرخ، نيحا، باتر والرميلة، والتي يزيد عدد أفرادها على 3 آلاف شخص، أي ما يوازي 1% من السكان المسيحيين قبْل التهجير.

3. التوزّع السكاني في منطقة لبنان الجنوبي

أبرز تقرير، وضعته وزارة الداخلية، بناء على سجلات الأحوال الشخصية، عام 1964، أن سكان محافظة الجنوب، يمثلون 19% من مجموع سكان لبنان. بيد أن نسبة السكان المقيمين، لم تكن تتعدى 13% من سكان لبنان، في ذلك العام، ثم انخفضت إلى 12%، عام 1970، لترتفع، مجدداً، إلى 16%، عام 1981.

وكان المسيحيون يمثلون 26.5 % من سكان الجنوب، والمسلمون، سنة وشيعة، 69%، والدروز 4.5%. وانتشر المسيحيون في مختلف أنحاء المنطقة، مع احتشاد مكثف، شرق صيدا، في قضاءَي جزين والزهراني، وحول مدينة مرجعيون. وتجمّع الدروز في جزء من قضاء حاصبيّا، وفي عدد من بلدات قضاءَي مرجعيون وجزين. في ما يتعلق بالسُّنة، فقد انتشروا في مدينتَي صيدا وصور، ومنطقة حاصبّيا. أما الشيعة، فهم الأكثرية في أقضية الجنوب، باستثناء أقضية جزين وحاصبيّا والزهراني.

قبل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، بدأ النزوح السكاني عن الجنوب، لأسباب أمنية، نجمت عن وجود فدائيي منظمة التحرير الفلسطينية، في الأقضية الحدودية، كحاصبيّا ومرجعيون وبنت جبيل وصور. بيد أن حركة النزوح هذه، لم تأخذ حجماً كبيراً، بل اقتصرت على ترحيل 25 ألف شخص، استقر معظَمهم في الجنوب، بعيداً عن الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية.

واندلعت الحرب اللبنانية، عام 1975، فحملت عدداً كبيراً من سكان ضاحية بيروت، من أصل جنوبي، على العودة إلى قراهم. وقابل هذه الحركة السكانية نزوح معاكس، لسكان مسيحيين، من بلدات أقضية جزين والزهراني والنبطية وحاصبيّا، وبصورة جزئية من قضاء مرجعيون، نحو بيروت وضاحيتَيها، الشرقية والشمالية.

وشمل هذا النزوح، فيما بعد، وخلال عام 1976، أغلبية البلدات المسيحية، باستثناء تلك الكائنة ضمن إطار "الشريط الحدودي". وكان عام 1977، عام استرخاء أمني، سمح للنازحين المسيحيين بالرجوع إلى ديارهم، خاصة في قضاءَي جزين والزهراني.

لكن الاجتياح الإسرائيلي الواسع النطاق، عام 1978، الذي شمل حوالي 150 قرية جنوبية، أسفر عن تهديم حوالي 6 آلاف منزل تهديماً تاماً، وتصديع حوالي 20 ألف منزل، وتهجير نحو 25 ألف أسرة إلى أماكن آمنة، في المنطقة الجنوبية، وفي القسم الغربي من بيروت الكبرى. وما لبثت أغلبية هذه الأُسر أن رجعت إلى قراها، بعد الانسحاب الإسرائيلي، في يونيه 1978. ومنذئذٍ إلى يونيه 1982، نعمت منطقة الجنوب بهدوء نسبي، تميز، على صعيد الحركة السكانية، بهجرة الشباب نحو بلدان الخليج.

أما الاجتياح الإسرائيلي، عام 1982، فقد أسهم في حركة نزوح أعداد كبيرة، مسلمين ومسيحيين، من منطقة بيروت نحو الجنوب. ولكن الضغوطات الإسرائيلية، أجبرت المسلمين منهم على العودة، وبكثافة، في اتجاه العاصمة اللبنانية. ثم ابتداءً من صيف 1983، جاء دور المسيحيين، على أثر حرب الجبل، التي كان من آثارها إنشاء خط تماسّ، عام 1985، بين مدينة صيدا والقرى المسيحية المجاورة. وانتهت المعارك بتهجير هذه القرى، في 25 أبريل من العام نفسه.

وهكذا عانى الجنوب وضعاً غير مستقر، وتعديلاً في تركيبته السكانية؛ إذ إن 51 بلدة مسيحية، من أقضية الزهراني والنبطية، وجزين، أفرغت من سكانها. أما مسيحيو جزين وأقضية مرجعيون وبنت جبيل وحاصبيّا، فأصبحوا معزولين في شريط حدودي، يشكل حزاماً أمنياً لإسرائيل. والتجأ إلى هذا الحزام عدد من مهجَّري قرى شرق صيدا وإقليم الخروب، لفترة وجيزة، إذ آثروا الانتقال إلى بيروت الشرقية، وتبعهم، كذلك، عدد من سكان الشريط الحدودي نفسه. فأصبح عدد الذين هجِّروا، نهائياً، منه 15 ألفاً. أمّا الذين لا يزالون يقيمون بمنطقة جزين والشريط الحدودي، فلا يتعدى عددهم الأربعين ألفاً.

4. منطقة البقاع

قدر عدد سكان البقاع، حسب قيود سجلات الأحوال الشخصية، في بداية عام 1985، بحوالي 543 ألفاً. ويتكون هؤلاء السكان من مسيحيين، من مختلف المذاهب (موارنة، روم كاثوليك، روم أرثوذكس، يعاقبة، أشوريين، كلدانيين، أرمن وبروتستانت) ومن مسلمين (شيعة وسُنة) ومن دروز. كان المسيحيون يشكلون 40% من مجموع سكان المنطقة، لكنهم كانوا يتوزعون، بنسب مختلفة، بين أقضية المحافظة، وبمعدل 65% من سكان قضاء زحلة، و40% من سكان البقاع الغربي و30% من سكان قضاء بعلبك. فهم كانوا منتشرين في مختلف أرجاء المنطقة، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، في السهل كما على تلال السفوح، الشرقية والغربية، وكانوا يقطنون في 85 بلدة، أي 40% من مجموع بلدات البقاع.

أمّا المسلمون، فكانت تبلغ نسبتهم 55% من مجموع سكان المنطقة. وهم، كذلك، منتشرون في مختلف أرجاء المنطقة؛ فالشيعة، يستوطنون، بصورة خاصة، قضاءَي الهرمل وبعلبك، وفي بعض بلدات قضاء زحلة، والبقاع الغربي. بينما يستوطن السُّنة، بصورة خاصة، قضاء زحلة، والبقاع الغربي، ومدينة بعلبك، وبعض البلدات المنتشرة على التلال، شمال شرقي قضاء بعلبك.

أمّا الدروز، فكانت تبلغ نسبتهم 5% من مجموع سكان المنطقة، ويسكن معظمهم بقضاء راشيا، وبعض بلدات البقاع الغربي، على السفح الشرقي لسلسلة جبال لبنان الغربية.

جرت عملية تهجير المسيحيين من البقاع، على مرحلتين:

المرحلة الأولى: بين عامَي 1975 و1976، وشملت المناطق المسيحية في قضاءَي زحلة وبعلبك. وأدت إلى نزوح 50 ألفاً، منهم عشرون ألفاً، تركوا البقاع نهائياً، واستقر 15 ألفاً، في مدينة زحلة، وعاد عشرة آلاف إلى قراهم. أما الخمسة آلاف الباقون، فغادروا لبنان إلى الخارج.

المرحلة الثانية: بدأت في يوليه 1978، على أثر اغتيال 25 شخصاً في شمالي البقاع. فنزح حوالي 25 ألفاً إلى بيروت الشرقية. وتواصلت حركة النزوح، منذئذٍ، وتكثفت خلال عام 1983، حتى أصبح وجود السكان المسيحيين رمزياً، في كثير من القرى، مثل بر إلياس ونيحا وكفريّا وجب جنين ومشغرة وغيرها. بينما انخفض عدد السكان المسيحيين، حتى راوح بين 30% و10% مما كان عليه، قبْل الأحداث، في مجموعة أخرى من القرى، مثل القاع ورأس بعلبك وشليفا ونيحا وتربل ورياق وقب إلياس وصغبين وأبلح.

وقدِّر عدد النازحين المسيحيين الإجمالي بنحو 150 ألفاً، استقر منهم 140 ألفاً في مدينة زحلة، واتجه 10 آلاف نحو بيروت الشرقية. وقد قابل هذه الهجرة نزوح معاكس، لأعداد كبيرة من المسلمين، توجهت من الجنوب وبيروت نحو البقاع، عند تردّي الأوضاع الأمنية.

فخلال عامَي 1975 و1976، وعلى أثر المعارك، في بيروت وضواحيها، لجأ العديد من سكان بيروت الشرقية، المسلمين، إلى البقاع، واستقروا في القرى التي هجرها المسيحيون، وبخاصة تعلبايا والقرى المنتشرة على الطريق الممتد من بر إلياس إلى تربل ـ رياق وعلي النهري. وعلى إثر الاجتياح الإسرائيلي، في يونيه 1982، توجّه الألوف من سكان ضاحية بيروت الجنوبية نحو البقاع، واستقروا في وسطه، بين رياق وبعلبك، وفي شماليه، بين بعلبك والهرمل. كما انتقل كثير من العائلات الشيعية، من بيروت الغربية وضاحيتها الجنوبية، نتيجة الاصطدامات المسلحة، التي حدثت بعد فبراير 1984، إلى البقاع، الأوسط والشمالي، كذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن القسم الأكبر ممن توجهوا إلى البقاع، هم من الشيعة، المنتمين، أصلاً، إلى بلدات بقاعية. إضافة إلى عدد من سكان الجنوب، اختاروا السكن بالبقاع، لتعرّض بلداتهم لأعمال انتقامية من قِبل إسرائيل. علاوة على عدد من الأكراد، الذين هجِّروا من منطقة المسلخ، في بيروت الشرقية. وقد استقر جميع هؤلاء في منطقة، تقع بين رياق وبعلبك والهرمل، كانت، قبْل عام 1975، شبه خالية من السكان.

أخيراً، لا بدّ من الأخذ في الحسبان، ظاهرة توسع سكاني لجماعات غير لبنانية، من فلسطينيين، تمركزوا في سعدنايل وتعلبايا والمناطق المحاذية لطريق شتوره ـ المصنع؛ وسوريين، استقروا في منطقة شتوره والبقاع الشمالي؛ وإيرانيين انتشروا في بعلبك؛ ودروز سوريين، في قضاء راشيا. وتقدَّر هذه الجماعات بضعفَي عدد اللبنانيين المقيمين بالبقاع. والمبالغة الأكيدة في التقدير، إن دلت على شيء، فعلى خطر المد السكاني الغريب، في منطقة تبدلت خصائصها الديموجرافية؛ إذ إن مناطق برمّتها أُفرغت من سكانها، وحل محلهم آخرون. ويعتقد أن عدد الوافدين، يفوق عدد المغادرين بنحو مثلٍ ونصف.