إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الوحدة اليمنية والحرب الأهلية (1994)






المناطق القابلة للانفجار العسكري
المرحلة الأولى
المرحلة الثالثة
المرحلة الثانية
انتشار بعض قوات الشطرين
اليمن الجنوبي
اليمن الشمالي
جغرافية مسرح العمليات اليمني



القسم الأول: التطور السياسي والاجتماعي والعسكري، في اليمن الشمالي

القسم الأول: التطور السياسي والاجتماعي والعسكري، في اليمن الشمالي

1. الموقع الجغرافي (انظر خريطة الجمهورية العربية اليمنية "اليمن الشمالي" )

أ . يقصد باليمن الشمالي، تلك المنطقة الواقعة في الجنوب الغربي لشبه الجزيرة العربية. وتبلغ مساحته 195 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها حوالي ثلاثة عشرة ملايين نسمة، ويحده من الشمال المملكة العربية السعودية، ومن الجنوب والشرق اليمن الجنوبي، ومن الغرب البحر الأحمر، وطول الساحل الغربي، حتى باب المندب جنوباً، 450 كيلومتر.

ب. واليمن الشمالي إحدى الدول، التي تقع على خط المواصلات البحري، لنقل النفط عبر البحر الأحمر، شمالاً إلى أوربا، عن طريق قناة السويس، أو جنوباً إلى آسيا وأستراليا وسواحل جنوب أفريقيا، عبر مضيق باب المندب. وقد حدثت عدة تطورات مهمة في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة للحروب والأزمات، التي جرت في المنطقة، والتي تسببت، في إنشاء العديد من خطوط الأنابيب، لتغير من وضع خطوط المواصلات بالنسبة للمنابع الرئيسية لخطوط النفط في المنطقة، وبذلك أكتسب مضيق باب المندب أهمية أكبر.

2. تطورات النظام السياسي

عرف اليمن الشمالي النظام الملكي، منذ نشأة المملكة المتوكلية اليمنية، وحتى قيام انقلاب 26 سبتمبر 1962، وأُسْتُغِل الدين كأداة بيد القابضين على السلطة، لتبرير شرعية الهيمنة، وكوسيلة لتثبيت النظام الاقتصادي، والاجتماعي القائم، وهكذا فُسِّرت عدم طاعة الإمام، بأنها تعني معصية الله، وخروجاً على تعاليم الدين. فالإمام يحي، ومن بعده الإمام أحمد، حمل كل منهما لقب أمير المؤمنين، ليوهما الناس، أن سلطاتهما السياسية والدينية، تستمد أصولها من المبادئ القرآنية والتقاليد النبوية الشريفة.

* وقد تطور النظام السياسي في اليمن الشمالي كالآتي (انظر ملحق التسلسل التاريخي للتطورات السياسية في اليمن الشمالي):

أ . نشأت المملكة المتوكلية اليمنية، بعد إنهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، كدولة مستقلة معترف بها دولياً، بزعامة الإمام يحيى محمد المنصور حميد الدين، الذي نجح في توحيدها، بمساندة القوى الشيعية الزيدية. وفي 23 يوليه 1923، وبموجب معاهدة لوزان أعترف العثمانيون باستقلالها، كما اعترفت بها عصبة الأمم المتحدة.

ب. اشتد الصراع بين اليمن وبريطانيا، بسبب عدم اعتراف اليمن بالحماية البريطانية على اليمن الجنوبي، إلى أن أبرمت معاهدة 1353 هـ"1934م"، التي بموجبها اعترفت بريطانيا باستقلال اليمن في حدودها الشمالية، "التي كانت قائمة قبل وحدة الشطرين"، وذلك في مقابل تنازل الإمام يحيى عن عدن، لبريطانيا.

ج. تميزت فترة حكم الإمام يحيى، بالصراع على السلطة، والعنف، والعزلة التي فرضها على البلاد، حتى اغتيل عام 1948. فتولى الحكم الإمام أحمد حميد الدين، وواجهته مشكلة الحدود مع اليمن الجنوبية، وطالب باليمن الجنوبي من بريطانيا، وأجرى بشأنها عدة مفاوضات، ولكنها لم تنته إلى شيء. وفي شهر أبريل 1956، عُقدت اتفاقية الدفاع المشترك "اتفاقية جدة" بين مصر،والمملكة العربية السعودية، والمملكة المتوكلية اليمنية.

وفي شهر فبراير عام 1958، انضمت المملكة المتوكلية اليمنية، إلى دولة الوحدة بين مصر وسورية. وعلى الرغم من التناقض الكلي بين الدول الثلاث، فقد اعتبر جمال عبدالناصر، دخول اليمن بمثابة انتصار لشعار الوحدة العربية، وخطوة أولية نحو إجراء تغييرات أساسية، في طبيعة نظام الحكم القائم في اليمن. أما الإمام أحمد، فقد كانت نيته من الاتحاد، تهدف إلى تخفيف حدة النقمة الشعبية ضد حكمه، والحد من نشاط المعارضة اليمنية، والحصول على الدعم المادي والمعنوي، في صراعه ضد بريطانيا على اليمن الجنوبي.

وبعد انسحاب سورية من دولة الوحدة، كتب الإمام أحمد قصيدة، انتقد فيها النظام الاشتراكي، وإجراءات التأميم في مصر، معتبراً أنها ضد مبادئ الدين الإسلامي، وتعاليمه، الأمر الذي جعل عبد الناصر يعلن إنهاء عضوية اليمن في اتحاد الدول العربية في 16 ديسمبر 1961م.

د. في عام 1959، تمرد شيوخ قبائل حاشد، على الإمام أحمد، الذي كان في زيارة إلى إيطاليا، فعاد إلى اليمن، وأخمد التمرد، الذي أصيب فيه الملك بجراح.

هـ. في 19 سبتمبر 1962، توفي الإمام أحمد، وخلفه في الإمامة ابنه محمد البدر، الذي لم يدم حكمه سوى ثمانية أيام، حيث قامت مجموعة من الضباط، بقيادة العقيد عبدالله السّلال، بانقلاب عسكري، في 26 سبتمبر 1962، نجح في الإطاحة بالإمام البدر، الذي هرب من العاصمة صنعاء. وأُعلن النّظام الجمهوري، كما أعلنت مبادئ وأهداف الثورة. وانتُخب المشير عبدالله السلال رئيساً لمجلس قيادة الثورة، ورئيساً للجمهورية اليمنية.

و. وعلى أثر ذلك تفجّرت الأحداث، وأدت إلى اندلاع حرب أهلية، بين النظام الملكي، الذي تؤيده وتدعمه المملكة العربية السعودية، وبين النظام الجمهوري، المؤيد والمدّعم من جمهورية مصر العربية. واستمر هذا الصراع حتى انسحاب القوات المصرية من اليمن عام 1967، بناء على اتفاق قمة الخرطوم.

ز. وفي 5 نوفمبر عام 1967، حدث انقلاب بقيادة كبار الضباط، وزعماء القبائل والمعارضة، وبتعاون عناصر تنتمي إلى حزب البعث العربي الاشتراكي. وأُقصي السلال، الذي لجأ إلى بغداد، وتولى السلطة مجلس رئاسي من ثلاثة شخصيات، برئاسة القاضي عبدالرحمن الإيرياني. وعُيّن الشيخ الأحمر، شيخ مشايخ حاشد، رئيساً لمجلس الشورى، وهو مجلس برلماني بالتعيين، واستمر القتال مع الملكيين في اليمن، حتى عام 1969م.

ح. في عام 1970، تم اتفاق مصالحة بين الجمهوريين والملكيين، دخلت بمقتضاه شخصيات ملكية في الحكومة والبرلمان، وشُكل المجلس الجمهوري من الطائفتين "الزيدية والشافعية". وتقرر منح الشّوافع منصب نائب رئيس الجمهورية، أو رئاسة مجلس الوزراء، وأن يكون الرئيس منتمياً إلى الطائفة الشيعية الزيدية. وفي (آذار) مارس 1970، اعترفت المملكة العربية السعودية، بالنظام اليمني الجمهوري. وفي 28 ديسمبر 1970، صدر دستور الجمهورية العربية اليمنية.

ط. في 13 يونيه عام 1974، حدث انقلاب عسكري قام به المقدم إبراهيم الحمدي، ضد عبدالرحمن الإيرياني، وتولى على أثره الحمدي السلطة.

ي. في أكتوبر 1977، اغتيل الحمدي، وتولى العقيد أحمد حسين الغشمي السلطة، وهو من رؤساء قبيلة همدان.

ك. في يونيه عام 1978، اغتيل الغشمي نتيجة انفجار حقيبة ملغومة، وتولى العقيد علي عبدالله صالح الحكم، وأصبح رئيساً للجمهورية. وينتمي الرئيس علي عبدالله صالح إلى قبيلة سنحان، وهي إحدى قبائل حاشد. وفي عام 1981، حدثت محاولة انقلاب فاشلة ضده.

3. التطور الاجتماعي، وأثره على أنظمة الحكم في اليمن الشمالي

حفل تاريخ اليمن بالأحداث تبعاً لدور القبائل. فالقبيلة في كثير من المجتمعات، وتعد ظاهرة تاريخية تجاوزها الزمن، ولكنها لا تزال في المجتمع اليمني، من الظواهر الحية والمؤثرة في الحياة الاجتماعية. وقد عجز الشطر الشمالي عن التخلص من القبيلة، التي تعوق عمليات التحديث والتطوير. ولا تزال كل قبيلة، تتمتع بسيادتها، وتملك أراضيها، وأسواقها الخاصة. وقد لعبت القبائل الرئيسية في اليمن دوراً رئيسياً، في تزايد حدة الصراع بين الشطرين.

* وبالنظر إلى المجتمع اليمني، نستخلص الآتي:

أ. التقسيم الطائفي في الحياة الاجتماعية

على الرغم من أن الأغلبية السّاحقة من اليمنيين مسلمون، إلا أنهم ينقسمون مذهبياً إلى طائفتين على قدم المساواة تقريباً، وهما الطائفة الشّيعية، والطائفة الشّافعية. وهذا الانشقاق الطائفي في مجتمع اليمن الشمالي، ازدادت فجوته عن طريق العوامل الجغرافية والاقتصادية، التي أدت إلى اختلافات اجتماعية وسياسية أزلية بين الطائفتين، وكان لها انعكاساتها، على الصراعات التي شهدتها المنطقة:

(1) الطائفة الشيعية الزّيدية:

(أ) ظهر المذهب الشيعي الزيدي في اليمن، في عام 898 م، على يد يحيى بن الحسين بن القاسم، الملقب بالرسي[1]، الذي جاء إلى اليمن واستقر في صعدة، وأُخذت له البيعة، ولقب بالإمام الهادي إلى الحق. والمذهب الزيدي هو مذهب الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والزيدية فرقة شيعية كبيرة، وأتباعها في اليمن كثيرون. وكان يحيى بن الحسين، أول إمام زيدي حكم اليمن. ومعظم الأئمة في اليمن، هم من أولاده وأحفاده، وعددهم تسعة وخمسون إماماً.

استطاع الأئمة الزّيود تعميم المذهب الشيعي، على معظم أنحاء اليمن الشّمالي، مستغلين نفوذهم الديني، والمالي والاجتماعي. ويمكن القول، إن دولة الأئمة ظلت راسخة الأقدام في المنطقة الشمالية من اليمن، منذ قيام الهادي في صعده، حتى ثورة 26 سبتمبر عام 1962م. أما المناطق الأخرى، في جنوب اليمن الشّمالي، وفي اليمن الجنوبي وحضرموت، فقد ظلت موصدة أمام نفوذ الأئمة، على الرغم مما بذلوه من جهد وطاقة، في سبيل سياستهم التّوسعية، إلا في بعض السنوات القلائل، التي استطاعوا الوصول فيها إلى هذه المناطق.

(ب) تمثل الطائفة الشيعية ما بين 50% ـ 54%، من سكان اليمن الشمالي، الذين يُقدر تعدادهم بنحو 13 مليون نسمة. ويسكنون المناطق الجبلية المرتفعة، شمالي اليمن، وفي سهل تهامة، وكذا في بعض المناطق الصحراوية الشرقية في الجوف. وجميع هذه المناطق فقيرة اقتصادياً، على خلاف الصورة في المنطقة الجنوبية، الممتدة من صنعاء إلى منطقة الحدود مع اليمن الجنوبي، والتي يقطنها الشّوافع. فهذه المناطق، تنزل عليها كميات وفيرة من الأمطار الموسمية، ومن ثم، تتمتع بوفرة في الإنتاج الزراعي.

ويستأثر الشّيعة الزيود، بالمناصب الرئيسية في الدوله، وقد اقتصرت الإمامة عليهم، وكان الأئمة يعتمدون عليهم، في مد حكمهم إلى الأماكن الأكثر إنتاجاً، في الغرب والجنوب، وذلك على حساب قبائل أهل السنة من الشّوافع. وقد حاول الأئمة، التحكم المباشر في قبائل الشيعة الزيدية، ولكنهم فشلوا، وفي النهاية اضطر الأئمة إلى استخدام أسلوب الإقناع، مستغلين كيانهم الديني ومنزلتهم الرفيعة، كي يستطيعوا حشد القبائل، ومشاركتهم، في الحملات العسكرية. وكانوا يهرعون إلى تلبية نداء الحرب المقدسة، ضد غير الزيديين. وبعد الإطاحة بالإمام محمد البدر عام 1962، تحرك الزيديون بسرعة، لاحتكار النفوذ في الحكومة، والجيش، في الجمهورية الوليدة، وحرمان الشّافعية من المناصب الرئيسية.

(2) الطائفة السّنية الشّافعية:

يتبعون مذهب الإمام الشّافعي، وهو مذهب شرعي للسنة النبوية الشريفة، وتتساوى طائفتهم في العدد تقريباً مع الزيود. وتقيم هذه الطائفة في الجنوب "محافظات أب، وتعز، والحديدة، سهل تهامة، والسواحل الجنوبية"، وهذه المناطق غنية، وأفضل اقتصادياً، ولهذا السبب كانت المناطق الشّافعية، أهدافاً مغرية للنفوذ الأجنبي، كما كان الشّوافع يتعرضون للاضطهاد من قبل الأئمة، الذين حطموا نفوذهم، وألزموا عدداً منهم، التحول إلى المذهب الشيعي الزيدي، وفرضوا ضرائب باهظة عليهم، وعينوا المسؤولين الحكوميين في المناطق الشّافعية من الزيديين. وقد انحصر الشوافع، في الطبقة المتوسطة "التجار والمثقفين"، وكان ذلك يعني ، بالطبع، تعارضهم الفكري مع نظام الإمامة، ويفسر تأييدهم المطلق للثورة، ومشاركتهم فيها منذ البداية. ومن هنا تولدت المقاومة لحكم الأئمة، وكانت مركزة في المناطق الشافعية، التي تكونت فيها مجموعات تؤمن بأفكار حديثة، تؤيد وجود حكومة دستورية، ومؤسسات نيابية. وانضم لهؤلاء الشّوافع، بعض الشيعة الزّيود الذين اعترضوا على الحكم المطلق للأئمة. وعلى الرغم من ذلك، ظل الشوافع محرومين من المناصب الرئيسية، حتى بعد قيام الثورة اليمنية، وحتى عام 1970. وبعد عام 1975، مُنح منصب رئيس الوزراء للشّوافع، وشغله عبدالعزيز عبدالغني من عام 1975 إلى عام 1980. وظل منصب الرئاسة حكراً على الزيديين، حتى بعد الوحدة مع اليمن الجنوبي.

ب. التقسيم القبلي وتأثيره في الحياة الاجتماعية:

(1) يشكل التكتل القبلي، أهم العوامل البشرية، المؤثرة في توزيع السكان باليمن الشمالي، فالقبلية هي الوحدة الأساسية للمجتمع اليمني، خارج المدن، والنظام القبلي هو الدعامة الأساسية، التي يرتكز عليها ذلك المجتمع، إذ تمثل القبائل ما يقرب من 80% من تعداد السكان. وتقدر بعض المصادر، عدد القبائل التي تقطن الهضبة الوسطى، بـ 141 قبيلة، وتلك التي تقطن سهل تهامة بـ 27 قبيلة، كما تقدر كبريات هذه القبائل بعشرين قبيلة، أهمها حاشد وبكيل والزرانيق.

وباستثناء القبائل، التي تعيش في الهضبة الشرقية، حيث تحيا حياة البداوة والتنقل، فإن بقية قبائل اليمن، تحيا حياة استقرار، لارتباطها بالزراعة وتربية الماشية، في ظل نظمها الخاصة، بعيدة عن سلطة الحكومة المركزية. وقد ساعد اعتماد نظام الحكم على القبائل كقوة عسكرية، في استمرار النظام القبلي، وصعوبة التخلص منه.

(2) وتعد قبيلتا حاشد، وبكيل، أكبر قبيلتين في اليمن الشمالي، بل هما أكبر اتحادين للقبائل الشيعية في الجزيرة العربية، وربما في الوطن العربي. وتشير بعض المصادر، إلى أن منطقة قبائل حاشد، تمتد من عمران إلى صعده شمالاً، والجوف شرقاً، بينما تمتد منطقة بكيل شمال منطقة حاشد وشرقها، من وادي مور غرباً، إلى الجوف شرقاً.

وقد أصبحت قبيلتا حاشد، وبكيل حصناً للحكام الزيديين، ويشار إليهما في التاريخ الشيعي على أنهما أجنحة الأئمة. وبينما تُعد قبيلة حاشد متساوية عدداً، مع قبيلة بكيل، إلاّ أن الأولى، أكثر تماسكاً، فيما يختص بالسياسات القبلية، ويرجع ذلك، إلى كونها تتضمن عدداً أقل من القبائل، كما يعزى تضامنها، إلى قوة شيخ مشايخها، الذي نجح في تنظيم قبائلها. وقد أعدم الإمام أحمد، أحد مشايخ قبيلة حاشد عام 1959.

وقد كان لموقف قبيلتي حاشد وبكيل، المؤيد للثورة اليمنية، والموالي للجمهورية، الأثر الكبير في مدّ انتشار القوات الجمهورية، إلى المناطق، التي تقطنها تلك القبائل "المنطقة الوسطى والشمالية والجوف"،وذلك خلال فترة الصراع بين الجمهوريين والملكيين. كما لعبت القبيلتان، دوراً رئيسياً في تزايد حدة الصراع بين شطري اليمن، وكان لنشاطهما أثر كبير أثناء إدارة أعمال القتال، بعد اندلاع الحرب الأهلية.

وقد تولى الشيخ عبدالله الأحمر، شيخ مشايخ قبائل حاشد، رئاسة مجلس النواب، عقب أول انتخابات بعد الوحدة. كما أن وجود القبائل القوية في اليمن الشمالي، وعدم وجودها في اليمن الجنوبي، عامل له أهمية كبرى في الصراع، لأن تعداد القبائل الشيعية في الشمال ضعف تعداد القبائل الشافعية في الجنوب. وقد شكّلت هذه الانقسامات القبلية المتداخلة، بين الشعب اليمني، قضية اجتماعية وأمنية معقدة.

4. تطور القوات المسلحة، وتأثيرها على الحياة السياسية في اليمن الشمالي

أ. الجيش في عهد الأئمة:

يرجع بدء تكوين الجيش اليمني، إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، حين رأى الإمام يحيى بن المنصور حميد الدين، ضرورة تكوين جيش نظامي، يسمح له بمد سلطانه إلى كل البلاد، بعد هزيمة الجيش التركي وخروجه من اليمن. ولمّا كان الوالي التركي قد قرر تسليم أسلحة قواته إلى الإمام، فقد وجدها الإمام فرصة طيبة، لتكوين ذلك الجيش، حتى يمكنه قمع ثورات القبائل المتمردة، من ناحية، وجمع الضرائب والزكاة، من ناحية أخرى.

ولتكوين هذا الجيش، استعان الإمام يحيى ببعض الخبراء الأتراك، وأوكل إليهم مهمة تنظيم الوحدات العسكرية، وفرض التجنيد الإجباري، بناء على تجاربهم، ووفق نظامهم العسكري، فبدأ في عام 1919، بتشكيل الجيش، وتأسست كلية عسكرية، لإعداد الضباط اليمنيين، إلاّ أن ذلك الجيش، تعرض لهزيمتين في الثلاثينيات، الأولى من القوات السعودية في الشّمال، والثانية من القوات البريطانية في الجنوب، فأستبدل الإمام الخبراء الأتراك، بخبراء سوريين، أوصوا بتسريح تلك القوات، التي تفشت فيها الفوضى والرشوة، وتكوين جيش جديد، من أبناء القبائل، الذين لم يسبق لهم الخدمة العسكرية. وقد اقتنع الإمام يحيى بفكرة إنشاء جيش جديد، إلاّ أنه لم يوافق على تسريح الجيش القديم، الذي بقى إلى جانب القوات الجديدة، التي سميت بالجيش الدفاعي، "أو ميليشيات الإمام".

ولم يكتف الإمام بهذين الجيشين، فشكل جيشاً ثالثاً، من أبناء القبائل المتطّوعين، الذين لا يرغبون في الخدمة العسكرية المستمرة في الجيش، وأطلق عليه "الجيش البراني". وكان يشترط على أفراد هذا الجيش، شراء أسلحتهم وذخيرتهم، وكان هذا الجيش، أكثر ولاءً للإمام، وأشد بطشاً بالمواطنين. وعلى الرغم من تكوين هذه الجيوش الثلاثة، فقد ظل تدريبها، وكافة شؤونها، في غاية التواضع، فضلاً عن افتقارها إلى الأسلحة الحديثة. وكان الإمام هو القائد الأعلى للقوات اليمنية، فضلاً عن كونه وزيراً للدفاع. كما وافق الإمام على إرسال بعثات عسكرية إلى الخارج، في دورات تدريبية، شملت مصر والعراق والاتحاد السوفيتي، وكان طبيعياً، أن يتصرف هؤلاء الضباط[2]، ويحتكوا بالأفكار العصرية والتقدمية، التي لم يعرفوها في اليمن، مما شكل صدمة كبيرة لهم، مقارنة بأحوال اليمن، الذي لا يزال في ظلمات القرون الوسطى.

وعلى الرغم من ضعف الجيش عدداً وعدة، فإنه ظهر على المسرح السياسي أكثر من مرة في المواقف الآتية:

(1) أسهم بعض الضباط في انقلاب عام 1948، ولعب الجيش دوراً ريادياً بجانب زعماء حركة المعارضة اليمنية، على الرغم من فشل الانقلاب.

(2) شارك عدد من الضباط، بقيادة المقدم أحمد الثلايا، في انقلاب عام 1955 الفاشل.

(3) ظهر دور الضباط الأحرار، عند محاولة القضاء على الإمام أحمد في الحديدة، عام 1962.

(4) شارك العقيدان عبدالله السلال، وحسن العمري، في ثورة 26 سبتمبر عام 1962، التي لاقت ترحيباً جماهيرياً واسعاً، وأسقطت النظام الإمامي، وأعلنت قيام الجمهورية، ودخل اليمن الشمالي مرحلة جديدة منذ ذلك التاريخ.

ب. الجيش في العهد الجمهوري:

تُوّج نضال الشعب اليمني وحركاته الوطنية، باندلاع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، عام 1962، تحت قيادة تنظيم الضباط الأحرار. وقد كانت إحدى المهام المباشرة للنظام الجديد، بناء جيش وطني قوي، لحماية البلاد، والدفاع عن مكاسب الثورة، لذلك سارعت الجماهير للانخراط في صفوف الجيش، من أجل الدفاع عن الثورة.

أُسند منصبا رئيس الجمهورية، القائد العام للقوات المسلحة، إلى المشير "عبدالله السلال"، وتولى كبار الضباط، مثل الجائفي، والعمري، والخولاني، وغيرهم، مناصب مهمة في المجلس التنفيذي، وبقية المؤسسات.

وظهر الجيش مرة أخرى، على المسرح السياسي عام 1968، عندما حدثت المواجهة، بين صغار الضباط في الجيش، من جهة، وكانوا يدعمون النظام الجمهوري، وكبار الضباط والشيوخ، المنادين بضرورة عودة أصدقائهم الملكيين، ومشاركتهم السلطة، من جهة أخرى. وقد تمكن التحالف الأخير، نتيجة للأخطاء ، التي ارتكبتها عناصر الكفاح الوطني، من صغار الضباط "بعث ـ قوميين ـ عرب ـ ماركسيين ـ ناصريين". من استبعاد صغار الضباط، وتصفية أنصارهم وقصف مقر الاتحاد العام لعمال اليمن، وسرح الوطنيون من مناصبهم، وبدأت طوابير من الملكيين، تصل صنعاء، وتسلموا مناصب في قمة السلطة، وتم استبعاد الفريق حسن العمري من الجيش، ومن المناصب الأخرى، وتم تعيين المقدم محمد الإيرياني بدلاً منه عام 1971. وكانت قيادة الجيش الفعلية بيد المقدم إبراهيم الحمدي، الذي قاد انقلاباً في 13 يونيه 1974، وسيطر على مقاليد الحكم، ولكنه اغتيل عام 1977، وتولى السلطة المقدم أحمد حسن الغشمي، الذي قتل أيضاً نتيجة انفجار حقيبة ملغومة، وانتخب بعده علي عبدالله صالح، الرئيس الحالي.



[1]  الرسي: جبل قرب المدينة المنورة.

[2]  كان من بين أفراد هذه البعثات محيى الدين العنسي، وأحمد الثلايا، وحسن العمري، وعبدالله السلال، وكان لهؤلاء أدوار رئيسية، فيما حدث في اليمن الشمالي من انقلابات.