إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الوحدة اليمنية والحرب الأهلية (1994)






المناطق القابلة للانفجار العسكري
المرحلة الأولى
المرحلة الثالثة
المرحلة الثانية
انتشار بعض قوات الشطرين
اليمن الجنوبي
اليمن الشمالي
جغرافية مسرح العمليات اليمني



القسم السابع: تحديات الوحدة اليمنية

القسم السابع: تحديات الوحدة اليمنية

1. التحديات الأمنية: "الاغتيالات وأعمال العنف"

(انظر جدول أهم حوادث الاغتيالات السياسية خلال عام 1412هـ 1991 ـ 1992م)

أ. إذا كان مناخ الوحدة اليمنية، والتحول الديمقراطي، قد سمح ـ كما رأينا أنفاً ـ بممارسة العديد من الحريات، التي كانت محظورة من قبل، إلا أنه لم يستطع أن يكبح جماح العنف والاغتيالات السياسية، التي تتنافى مع إقرار الحريات، والممارسة الديموقراطية الصحيحة لها، خاصة وأن حمل السلاح في المجتمع اليمني، يُعد أمراً عادياً، بل له تقاليده وعاداته المتأصلة في التجمعات القبلية، التي هي بمثابة الوحدات الأساسية، في تكوين المجتمع وتنظيمه.

ب. وقد تزامنت أعمال العنف، والاغتيالات السياسية في اليمن، مع المرحلة الانتقالية، التي مرت بها البلاد. وقبل أن تُجرى أول انتخابات في عهد الوحدة، وفي ظل تعدد الأحزاب، وقعت أعمال شغب وتخريب واغتيالات سياسية، متعددة خلال هذه الفترة، إذ بلغ عدد حالات الاغتيالات السياسية خلال عامي "1991 ـ 1992"، سبعة عشر حالة اغتيال، وثماني حالات شغب وعنف[1].

ج. ولعل أهم ما يلاحظ بشأن تلك الاغتيالات، أن أغلبها كان يستهدف رموز الحزب الاشتراكي، وأن الجناة لم يتم التعرف عليهم. وفي تصريح لأحد المسؤولين اليمنيين قال: إن الإخلال بالأمن هو نتيجة حماية القبائل للخارجين على القانون، كما أنه نتيجة لعادات الثأر. وبينما يؤكد الحزب الاشتراكي ـ دوماً ـ أنه مستهدف، من قِبل القوى السياسية الأخرى المناوئة له، يؤكد الشيخ عبدالله الأحمر، رئيس التجمع اليمني للإصلاح، أن تلك الاغتيالات إنما هي تصفية داخلية في صفوف الحزب الاشتراكي نفسه. وقد احتلت المسألة الأمنية حيزاً في الاجتماعات الحزبية، التي أصدرت البيانات ونظمت المسيرات، لإدانة العنف السياسي.

2. التحدي الخارجي:

أ.  طوال فترة الأزمة اليمنية، تبادل أطرافها الاتهامات بالاستعانة بقوى خارجية، وأن هذه القوى هي، دائماً، مصدر التهديد الرئيسي. ويفسر بعضهم ذلك بنظرية "ساكني الجبال"، التي تقول إن المجتمعات الجبلية يسكنها، في الغالب، هاجس العدو المتربص خلف الجبال، باعتبار أنها غير قادرة على النظر، إلى الأفق البعيد.

إلاّ أن هذا لا يجب أن يذهب بنا، إلى حد نفي دور الأطراف الخارجية، سواء الإقليمية، أو الدولية. فهناك قوى إقليمية، أبدت تحفظها، منذ البداية، على الوحدة اليمنية، فقد واجهت اليمن الموحد، أزمة حقيقية في بداية عهدها، بسبب موقفها من أزمة الخليج، إذ ترتب على ذلك فتور علاقتها بدول الخليج، وعودة حوالي مليون مهاجر يمني، كانوا يعملون بتلك الدول، وطالبت بعض الأحزاب اليمنية بضرورة تحسين العلاقات مع دول الخليج عامة، والمملكة العربية السعودية بصفة خاصة، نظراً لوجود مشكلة حدودية بين البلدين.

ب. إن الشكل الآخذ في التبلور، للتحالفات والسياسات الإقليمية، يجعل من الأزمة اليمنية وكأنها امتداد لحرب الخليج، أو هي فصل جديد فيها. فإضافة إلى الأسباب التي تجعل قوى معينة، غير راغبة في ميلاد "يمن" متحد وكبير، فلا شك أن هناك تصميماً على ألا تجد الأطراف، التي هُزمت في حرب الخليج، فرصة لأن تعوض تلك الهزيمة على أرض اليمن. والحديث عن الدعم العراقي ـ الإيراني ـ السوداني لليمن الشمالي، يوازيه حديث عن دعم خليجي للجنوب، ربما يتجاوز اللهجة، التي تحدث بها مجلس التعاون الخليجي عن الأزمة.

ج. أما على المستوى الدولي، فقد ظهر في البداية، أن ثمة تأييداً أمريكياً أوروبياً للاستقرار في اليمن، لكن كان هذا التأييد "مصلحياً" وليس "مبدئياً". فقد كان المطلوب هو توفير مناخ للاستثمارات، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، ترى أن نجاح الوحدة في مجتمع قبلي، يمثل نموذجاً يمكن أن يحتذى به، في بلدان أخرى.

3. التحديات الاجتماعية المتمثلة، في القيم التقليدية والتكوينات القبلية:

أ. هي أعقد التحديات، التي واجهت الوحدة اليمنية، والتحول إلى الديموقراطية. ذلك أنّ "القبيلة" تمثل وحدة التنظيم الأساسية، في البناء الاجتماعي لليمن، مع بعض الاختلافات بين شمال البلاد وجنوبها، الأمر الذي دفع بعض قادة الأحزاب، إلى التأكيد على أهمية دور القبيلة في الحياة اليمنية، والقول إنّ تجاهلها هو تجاهل لخصوصية المجتمع اليمني. وجاءت أحداث عام 91/92، لتؤكد صعود دور القبيلة في الحياة السياسية للبلاد، ومن ذلك: أن اتفاق ترسيم الحدود، بين اليمن وسلطنة عُمان، لم يتم إلا بعد موافقة قبائل المهرة اليمنية، التي تقطن في المنطقة الحدودية موضع الخلاف. ومن ذلك أيضاً، أن رئيس حزب التجمع اليمني للإصلاح ( الشيخ الأحمر)، هو شيخ مشايخ قبائل حاشد، وأن معظم قوة حزبه، هي من قوة قبائل حاشد وبكيل، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل حول العلاقة، بين القبيلة والحزب؟ وهل يمكن تجاهلها؟ وفي أي اتجاه تسير؟

ب. ومن ناحية أخرى، يشير آخرون إلى تمتع القبائل بدرجة كبيرة، من الاستقلال النسبي عن الدولة، بحيث أنها تستطيع تكوين جيش محارب، يصعب على الدولة السيطرة عليه. ومن هنا كانت تثار بعض المخاوف، من احتمال قيام مواجهة مسلحة بين أحزاب قبلية، وكمثال على ذلك الاحتمال، تلك الاتهامات المتبادلة، بين الحزب الاشتراكي اليمني، وحزب التجمع اليمني للإصلاح، فكل منهما يتهم الأخر بتكوين ميليشيات مسلحة خاصة به. وكان ملفتاً للنظر أن يذكر علي سالم البيض، نائب رئيس الدولة، وأمين الحزب الاشتراكي أنه لا حاجة لحزبه بتكوين ميليشيات، لأنه ممثل في الجيش، وفي كل الأجهزة الأمنية.

وقد كان ذلك نذير خطر، في حالة إذا ما وجد أي حزب قبلي نفسه خارج السلطة، فما الذي يمنعه، آنذاك، من اللجوء إلى السلاح، للحفاظ على موقعه في السلطة؟

ج. وكنتيجة إلى التكوينات والتقاليد القبلية، وتأثيرها على تطورات الحرب الأهلية، اتضح أن الحرب لم تكن حرب شمالية جنوبية فحسب، بل تفرعت إلى أكثر من محور. فهناك حروب شمالية ـ شمالية، وجنوبية ـ جنوبية، ذلك أن ثمة أسباب عديدة، يمكن أن يختلف عليها اليمنيون، ليؤدي الأمر إلى حد الاقتتال، والتطاحن بالسلاح، وهذا موجود داخل كل شطر. ففي الشمال، هناك الصراع التقليدي بين القبائل الرئيسية، وأبرزه الخلاف الأكثر حدة بين قبائل حشاد وبكيل، فأبناء بكيل هم الأكثر عدداً، لكنهم أقل تنظيماً وولاء لشيوخهم، على خلاف آل حاشد الأقل من الناحية العددية، ولكنهم أكثر تنظيماً وولاء للمشايخ، ولهذا تجد منهم أصحاب المراكز الحساسة والهامة. وينتمي الرئيس علي عبدالله صالح إلى قبيلة سنحان، وهي إحدى قبائل حاشد. كما أن الشيخ عبدالله الأحمر، رئيس مجلس النواب، هو شيخ مشايخ قبائل حاشد، وأبرز الأمثلة على دلالة هذه الخلافات الشمالية، ما حدث أثناء الاشتباكات، التي وقعت في مدينة عمران، حيث انضمت بعض قبائل بكيل الشمالية، وأعلنت ميلها للحزب الاشتراكي. ووقفت إلى جانب قواته، بأن قطعت الطريق على إمدادات اللواء الأول مدرع الشمالي، وآوت الجنود الفارين من اللواء الثالث مدرع الجنوبي. وفي الجنوب أيضاً، هناك أسباب التمايز الكافية لإثارة نار الخلافات، فأغلب قيادات الجيش من ثلاث فئات هي، ردفان (75% من القيادات العسكرية)، والضالع، ويافع، وتنتمي هذه الفئات إلى سلطنة لحج، التي تحولت بعد الاستقلال إلى محافظة لحج. كما أن ثمة ثأر قديم بين قادة الاشتراكي الحاليين، وبعض أبناء الشعب في عدة محافظات جنوبية، وهذا الثأر يعود إلى أحداث يناير 1986، حيث أسفرت الخلافات داخل أجنحة القيادة في الجنوب، عن مقتل حوالي 25 ألف يمني جنوبي. وقد استغل الكثيرون فرصة اندلاع الصراع المسلح لتصفية الخلافات مما خلق عدة محاور للصراع.



[1]  في شهر أغسطس 1992: تعرض عضو بالمكتب السياسي للحزب الاشتراكي، لمحاولة اغتيال، وفي نفس الشهر، فجرت عبوة ناسفة قرب منزل الشيخ عبد الوهاب سنان، أبرز مشايخ قبائل بكيل، وعضو مجلس النواب، وكان ذلك دلالة واضحة على اتساع أعمال العنف والاغتيال السياسي.