إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الوحدة اليمنية والحرب الأهلية (1994)






المناطق القابلة للانفجار العسكري
المرحلة الأولى
المرحلة الثالثة
المرحلة الثانية
انتشار بعض قوات الشطرين
اليمن الجنوبي
اليمن الشمالي
جغرافية مسرح العمليات اليمني



القسم الثاني: الموقف الإستراتيجي للقوات المتصارعة:

القسم الثاني: الموقف الإستراتيجي للقوات المتصارعة

على الرغم من قيام الوحدة، بين شطري اليمن، في مايو 1990، فإن كلا شطرٍ ظل محتفظاً بقدراته العسكرية المستقلة، بالصورة نفسها التي كانت عليها قبل التوحيد، واقتصرت عملية دمج المؤسستين العسكريتين، الشمالية والجنوبية، على الأجهزة، والإدارات القيادية، في وزارة الدفاع، وتبادل أعداد من الألوية، والوحدات، فيما بين الشطرين. والواقع، أن الموقف الإستراتيجي لقوات كلا الشطرين، ارتبط في الدرجة الأولى، بالتجارب، والخبرات العديدة، التي مر بها كل منهما، منذ نشأته في العقد الثاني، من القرن العشرين، مما ترك اختلافات واضحة، فيما بينهما، على كافة الأصعدة، المتعلقة بالتسليح، والتنظيم، والعقيدة القتالية. ثم جاءت ظروف إعلان الوحدة، بمثابة عامل حاسم، في تعديل انتشار القوات، فيما بين الشطرين، الأمر الذي كان له دور بالغ الأهمية فيما بعد، في إدارة دفة الصراع المسلح، وتوجيهه، عقب انفجار الموقف العسكري.

1. التوازن العسكري ( مقارنة القوات لطرفي الصراع). (انظر جدول التوازن العسكري لقوات الشطرين في الحرب اليمنية 1994):

من البديهي، أن التوازن العسكري، القائم بين الأطراف المتورطة في الصراع المسلح، يلعب دوراً بالغ الأهمية في توجيه مسار هذا الصراع، وتحديد الناتج النهائي له. والمقصود بالتوازن العسكري هنا، هو كافة العناصر الكمية، والنوعية، المكونة للقوات المسلحة الخاصة بطرفي الصراع، والمتعلقة بالتعداد العام للقوات المسلحة، وإجمالي الأسلحة، والمعدات المملوكة لديهما، والعقيدة القتالية المتبناة، والكفاءة القتالية للقوات، والأسلحة، والمعدات، وعناصر القوى الشاملة، للطرفين، والمؤثرة على قدرة الطرفين، على شن الحرب، ومواصلتها. وفي الحالة اليمنية، لعبت الاعتبارات المتعلقة بالقدرات التسليحية المتاحة للطرفين المتصارعين، والعقائد القتالية المعمول بها، في القوات المسلحة التابعة لهما، دوراً بالغ الأهمية، في توجيه كافة تطورات الصراع المسلح.

ومن حيث المقارنة العددية، بين القدرات العسكرية، لكل من الشمال والجنوب، كان هناك تبادل طفيف للمزايا العسكرية النسبية، وإن كانت معادلة التوازن العسكري، تحسب إجمالياً في مصلحة الجانب الشمالي، لا سيما، من حيث استفادته كثيراً، من الكثافة السكانية العالية، التي يتمتع بها، في مواجهة الجنوب. فالتعداد العام للسكان في شمال اليمن في فترة الصراع، كان حوالي 12 مليون نسمة، في مقابل 2.5 مليون نسمة في الجنوب. وانعكس ذلك في صورة تفوق عددي للقوات الشمالية النظامية، من الناحية العددية، على القوات الجنوبية، بما يزيد على الربع تقريباً، خاصة أن القوات الشمالية، كانت تضم في صفوفها، أيضاً، ما لا يقل عن 10 آلاف مقاتل جنوبي، كانوا قد رحلوا إلى الشمال، برفقة الرئيس الأسبق، علي ناصر محمد، عقب الحرب الأهلية، في اليمن الجنوبي، عام 1986، شارك الكثير منهم، بالفعل، في العمليات الأخيرة، ضد القوات الجنوبية، علاوة على أن الشمال، كان يتفوق على الجنوب، في العديد من مجالات التسلح الأخرى.

ويتضح بعد مقارنة بين قوات الطرفين، الأتي:

أ. في الحجم الإجمالي للقوات البرية.

ضمت القوات الشمالية، حوالي 38500 فرد، بينما ضمت قوات الجنوب، حوالي 27500 فرد، طبقاً للتقديرات المتاحة، قبل اندلاع القتال بين الجانبين، وقد استندت القوات الشمالية، على احتياطي إستراتيجي، يقدر بحوالي 100 ألف فرد، في مقابل احتياطي إستراتيجي، للقوات الجنوبية، يقتصر على حوالي 40 ألف فرد. يُضاف إلى ذلك، أن كلا الجانبين اعتمد على ميليشيات غير نظامية وقبلية. فقد اعتمدت القيادة الشمالية، اعتماداً كبيراً، على الميليشيات التابعة لحزب التجمع اليمني للإصلاح، بزعامة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، والذي كان حليفاً حيوياً ووحيداً لحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يتزعمه الرئيس علي عبدالله صالح، حيث قدم حزب التجمع، عدة آلاف من الميليشيات المقاتلة التابعة له، واشتركوا، فيما بعد، بصفة خاصة، في القتال الدائر على محوري لحج وشبوة. وبالمثل، اعتمدت القيادة الجنوبية، اعتماداً كبيراً على ولاء قبائل محافظة حضرموت، التي ينتمي إليها كل من علي سالم البيض، وحيدر أبو بكر العطاس. كما اعتمدت أيضاً، على ولاء قبائل شبوة، المعروفة باسم قبائل التعمير.

ب. في تنظيم القوات.

اتسم الهيكل التنظيمي، للقوات الشمالية، بدرجة أعلى من الديناميكية والتنوع، نبعا في الأساس، من الطبيعة النظامية التقليدية، التي ميزت المؤسسة العسكرية الشمالية، منذ ثورة 1962. ويعد تنظيم اللواء والكتيبة، بمثابة النمط الأكثر شيوعاً، في التشكيل العسكري الشمالي، فعلى الرغم من أن القوات الشمالية، كانت تضم بين صفوفها، ثلاث فرق مدرعة كاملة، إلاّ أن تلك الفرق، اتخذت صورة الألوية، علاوة على أن الحجم الأكبر من وحدات الجيش كان في صورة ألوية، وبلغ إجمالي عددها، حوالي 21 لواء، تنوعت في تخصصاتها القتالية، ما بين الدبابات، والمشاة الآلي، والمشاة، والمدفعية، فضلاً عن كتيبتي دفاع جوي مستقلتين.

أما فيما يتعلق بالقوات الجنوبية فقد كان التنظيم، قريباً إلى تنظيم القوات الشمالية، لا سيما في نمط اللواء والكتيبة، إلاّ أنه لم يكن يماثله في التنوع والديناميكية، فقد ضمت القوات الجنوبية، فرقة مدرعة واحدة، في شكل ألوية، جنباً إلى جنب مع حوالي 15 لواء متنوعاً ما بين الدبابات، والمشاة، والمشاة الآلي، والمدفعية، إضافة إلى لواء صواريخ أرض ـ أرض، و10 كتائب مدفعية ميدان.

ج. في أعداد الأسلحة ومعدات القتال الرئيسية.

(1) القوات البرية:

تبادل الجانبان، الشمالي والجنوبي، نقاط القوة والضعف، في هذا المجال، حيث تفوق الشماليون تفوقاً ملحوظاً في أعداد معظم الأسلحة، والمعدات البرية، بينما تفوق الجنوبيون، في مجال القدرات الجوية والبحرية. ففي أسلحة القوات البرية امتلك الشماليون، في بداية القتال، 715 دبابة قتال، كان أغلبها سوفيتياً، من أنواع ت -34 (T-34)، وت-55 (T-55)، وت-62 (T-62)، وكان منها، حوالي 50 دبابة فقط من طراز م-60 (M-60) الأمريكية، إضافة إلى 440 عربة مدرعة، وحوالي 432 قطعة مدفعية، وعدد 12 منصة إطلاق صواريخ، أرض ـ أرض، و65 راجمة صواريخ. وفي المقابل، امتلك الجنوبيون، حوالي 480 دبابة قتال، تنتمي إلى أنواع سوفيتية قديمة، 500 عربة مدرعة، وحوالي 350 قطعة مدفعية، علاوة على عدد 6 منصات إطلاق صواريخ، أرض ـ أرض، من طراز سكود (SCUD-B)، وفروج (FROG) السوفيتية، و60 راجمة صواريخ.

(2) القوات الجوية:

امتلك الجنوبيون، تفوقاً نسبياً واضحاً، فعلى الرغم من أن القدرات الجوية للطرفين، كانت متقاربة إلى حد كبير في طبيعة أنواع الطائرات القتالية ذاتها، التي كانت تتمثل في أنواع مختلفة من طائرات السوخوي ـ 20 (SU-20)، والميج ـ17 (MIG-17)، والميج ـ 21(MIG -21)، إلاّ أن الجنوب، كان يمتلك تفوقاً عددياً، في إجمالي عدد الطائرات، التي بلغت حوالي 92 طائرة قتالية، في مقابل 71 طائرة قتالية للقوات الشمالية. كما كان الجنوب يتفوق على الشمال، في القدرة على توفير وقود الطائرات، من خلال مصفاة عدن، بينما كان الشماليون يواجهون عجزاً في توفير الوقود لطائراتهم، الأمر، الذي كان يمنعهم من استخدامها، في العمليات العسكرية، في الكثير من الأحيان. ومن ناحية أخرى، كان هناك تقارب في إجمالي ما لدى الجانبين، من طائرات عمودية قتالية، إذ امتلك الجنوبيون، 48 طائرة عمودية (ما بين أنواع هجومية، وأخرى متعددة المهام)، في حين امتلك الشماليون 40 طائرة عمودية متعددة المهام. كما تقاربا أيضاً في النواحي العددية، والنوعية، لطائرات النقل العسكري (9 طائرات نقل للشماليين، في مقابل 12 طائرة للجنوبيين).

(3) القوات البحرية:

امتلك الجنوبيون، تفوقاً عددياً ملموساً، حيث كان لديهم حوالي 17 قطعة بحرية، ما بين زوارق دورية ساحلية قتالية، وزوارق صاروخية، وناقلات جنود برمائية، موزعة على ثلاث قواعد بحرية، هي: قاعدة عدن، قاعدة جزيرة بريم، في باب المندب، وقاعدة المكلا، في حضرموت، وفي المقابل، امتلك الشماليون حوالي 13 قطعة بحرية، ما بين زوارق دورية ساحلية، وناقلات برمائية، وزوارق كاسحة للألغام، تعمل أساساً، في قاعدة الحديدة البحرية.

2. العقائد القتالية:

أ. من الواضح أن العقائد القتالية المعمول بها في القوات المسلحة التابعة، لكل من الشمال والجنوب، لم تكن منبثقة عن مؤثرات عقائدية واضحة، كما لم يكن أي منهما، ينتمي بصورة كاملة، إلى أي من المدارس العسكرية الكبرى في العالم، وإنما كانت العقيدة القتالية لكل منهما، وليدة للمتغيرات والظروف التي مرت بها كل دولة.

ب. العقيدة القتالية للقوات المسلحة الشمالية:

تعتمد إلى حد كبير، على الدروس والمؤثرات، المستقاة من العسكرية المصرية، والعسكرية السوفيتية، حيث تطورت المؤسسة العسكرية اليمنية الشمالية، تطوراً حقيقياً عقب ثورة سبتمبر 1962، وما تلاها، من مساعدة مصر النظام الثوري، على تطوير قواته، في كافة المجالات "التسليح ـ التنظيم ـ التدريب". وجرى خلال تلك الفترة، الاعتماد على التسليح السّوفيتي، والتنظيم العسكري الشرقي، ثم جرت خلال السبعينيات، والثمانينيات، عملية مزاوجة، بين التسليح الشرقي والغربي عقب انفتاح اليمن الشمالي على المعسكر الغربي. وأدى ذلك، إلى تحديث شامل، للجيش الشمالي، وإعادة بنائه بصورة كاملة. ومن ثم/ذ، فإن القوات المسلحة الشمالية، لم تتبنَ عقيدة قتالية معينة، وإن كانت قد تبنت تنظيماً، تقليدياً، على الرغم من أن دورها ومهامها، ظلت تقتصر دوماً على الدفاع عن الدولة، ضد أعدائها في الداخل. علاوة على أن القوات المسلحة، في الشمال، لم تكن منخرطة تماماً، في حلبة التفاعلات السياسية.

ج. العقيدة القتالية للقوات المسلحة الجنوبية:

إن تطور التسليح، والتنظيم، والعقيدة القتالية، للقوات الجنوبية، سار في اتجاهات مختلفة تماماً، حيث كانت النواة الأصلية لهذه القوات تتمثل في الميليشيات الشعبية الثورية، التي تشكلت في الخمسينات، لمقاومة الاستعمار البريطاني. وارتكزت هذه الميليشيات، من الناحية التنظيمية، والقتالية، على نموذج جيفارا. وقد ظلت هذه الميليشيات قائمة بعد الاستقلال، وإن كان وجودها لم يمنع من بناء جيش نظامي، في إطار عملية بناء الدولة، واعتمدت عملية البناء على دول المعسكر الشرقي، (الاتحاد السوفيتي السابق، وألمانيا الشرقية، وكوبا، والصين، وكوريا الشمالية)، وفي أوائل الثمانينيات، شهدت القوات المسلحة الجنوبية، بداية انفتاح نسبي محدود، على التكنولوجيا العسكرية الغربية.

وخلافاً للوضع في شمال اليمن، فإن المؤسسة العسكرية، في اليمن الجنوبي، كانت مندمجة بصورة كاملة، في التنظيم السياسي الحاكم، (الجبهة القومية، ثم الحزب الاشتراكي)، حيث كان انتماء أعضاء المؤسسة العسكرية إلى التنظيم السياسي، يعبر عن ارتباط عضوي ووثيق على المستويين الفكري والتنظيمي. ومن ثم، فإن مجمل هذه التجارب، والخبرات، أدت إلى تركيز القوات الجنوبية، على اكتساب مهارات الحرب الثورية، وحرب العصابات. وساعدها في ذلك، الطبيعة الوعرة، لأراضي جنوب اليمن.

3.أوضاع انتشار القوات في مسرح العمليات (انظر خريطة انتشار بعض قوات الشطرين قبل بدء الحرب الأهلية اليمنية):

أ. كانت أوضاع انتشار القوات الشمالية والجنوبية، وقت انفجار الصراع المسلح، معقدة ومتداخلة، بدرجة كبيرة، حيث كانت القيادة الجنوبية، تحتفظ بحوالي ثلاثة ألوية مقاتلة، في الشطر الشمالي، بينما كانت القيادة الشمالية تحتفظ بعدد مماثل تقريباً، في الجنوب، وذلك في إطار عملية تبادل الوحدات، بين الشطرين.

ب. ومن ثم، فعندما اندلع الصراع المسلح في 14 مايو 1994، كان كل طرف، يحتفظ بعدد من الوحدات، في الشطر التابع للطرف الآخر. فقد احتفظت القيادة الشمالية، ببعض من أفضل وحداتها المقاتلة، في الشطر الجنوبي، أو بالقرب منه، وانتشرت تلك الوحدات في محافظات لحج، وأبين، ومأرب، وتمركزت هذه الوحدات في مناطق، تجعل طرق إمدادها مفتوحة وسهلة، وقريبة من بعضها بالشكل، الذي يسهل لها التعاون فيما بينها.

ج. وكانت أوضاع تمركز وحدات القوات الشمالية كالآتي:

(1) اللواء الثاني المدرع، بمعسكر الكبس، في مدينة ردفان، بمحافظة لحج.

(2) اللواء العشرون، بمنطقة ميكراس، في محافظة شبوه.

(3) قوات العمالقة المكونة من أربعة ألوية، في محافظة أبين.

(4) قوات مظلات في محافظة مأرب.

(5) إضافة إلى عدد من وحدات الشرطة العسكرية، والحرس الجمهوري، والأمن المركزي، في مدينة عدن.

د. وفي هذا السياق نفسه، نُشِرَتْ أفضل القوات الضاربة الجنوبية، في الشطر الشمالي، وتمركزت في مناطق جبلية يصعب الوصول إليها وإمدادها بالمؤن والذخائر، وعندما اندلعت الحرب حوصرت في الشمال وجرى تدميرها، دون أن تستطيع تحقيق اتصال، أو الحصول على الإمدادات.

وكانت أوضاع تمركز وحدات القوات الجنوبية كالآتي:

(1) اللواء الثالث المدرع، في معسكر عمران، شمالي صنعاء.

(2) لواء بأصهيب المدرع، في مدينة زمار جنوبي صنعاء.

(3) اللواء الخامس مظلات، في معسكر حرف سيفان، التابع لمنطقة قبائل أرحب في محافظة صنعاء. كما كان يوجد وحدات مشاة خفيفة في منطقة العرقوب.

هـ. شكلت عملية تبادل الوحدات، تهديداً للاستقرار، في ظروف الاضطراب السياسي، التي سبقت انفجار الصراع المسلح، ووقعت بسببها اشتباكات عنيفة نسبياً في تلك الظروف. وباتت تلك القوات ، محركاً أساسياً لأعمال القتال، عقب انفجار الموقف، لا سيما في الشطر الشمالي، حيث كان الهدف الرئيسي، لعمليات القوات الشمالية، هو تصفية القوات الجنوبية الموجودة في الشمال، مع العمل على تحقيق الالتحام، مع الوحدات التابعة لها في الجنوب. أضف إلى ذلك، أن عملية تبادل الوحدات لعبت دوراً بالغ الأهمية، في رسم خريطة انتشار باقي القوات. فقد حرص كل طرف من الأطراف، المتصارعة، على نشر القدر الأكبر من قواته، على مقربة من القوات التابعة للطرف الآخر، والموجودة في الشطر الخاص به.