إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الوحدة اليمنية والحرب الأهلية (1994)






المناطق القابلة للانفجار العسكري
المرحلة الأولى
المرحلة الثالثة
المرحلة الثانية
انتشار بعض قوات الشطرين
اليمن الجنوبي
اليمن الشمالي
جغرافية مسرح العمليات اليمني



القسم الرابع: الموقف العام في مسرح العمليات اليمني قبل اندلاع الصراع المسلح

القسم الرابع: الموقف العام في مسرح العمليات اليمني قبل اندلاع الصراع المسلح

1. بعد التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق، ظن البعض أنها ستضع حداً للصراع الدامي بين الشطرين، إلا أنها لم تأتِ بجديد، سوى أنها كشفت نوايا القادة، والدليل على ذلك أن الوضع انفجر، وحبر التوقيع على الاتفاق لم يجف بعد، في مواجهة عسكرية دامية بين الجيشين الشمالي والجنوبي.

جاءت "وثيقة العهد والاتفاق"، في ظل أجواء التصلب، والعداء، والتعبئة اليومية، ومع تساقط الوساطات المحلية، والخارجية، الواحدة تلو الأخرى، في وقت كانت فيه فرص التسوية قد باتت شبه معدومة، واحتفظ الطرفان كل على حدة، بقراءة خاصة لهذه الوثيقة، التي كان لابد أن تظهر إن عاجلاً أو آجلا أثناء التنفيذ.

ولم تكن الوثيقة إلا استمراراً للحرب الكلامية بين الحزبين الاشتراكي والمؤتمر، وصراع الشروط والشروط المضادة، حيث طالب الاشتراكيون بضمانات لتطبيق الوثيقة واعتقال المتهمين بحوادث الاغتيال السياسي. ورد الشماليون بدعوة الاشتراكيين إلى صنعاء، وإنهاء اعتكاف علي سالم البيض، للبدء في تنفيذ الوثيقة، التي اعتبروها قد وضعت حداً للأزمة برمتها.

2. فبعد نحو شهرين على توقيع "وثيقة العهد والاتفاق" في العاصمة الأردنية عمان، في العشرين من (شباط) فبراير 1994، أعرب نائب رئيس الجمهورية اليمنية، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، علي سالم البيض، عن اعتقاده بوجود رغبة لدى اليمنيين الجنوبيين بالاستقلال عن الشمال. فبعد إن كان من المنتظر أن يفتح التوقيع على الوثيقة، صفحة جديدة في الحياة السياسية اليمنية، بدأت الشروط التي وضعها الفرقاء المعنيين على تنفيذ بنود الوثيقة، إذ طالب المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، بضرورة التئام المؤسسات الدستورية، وعودة القادة الجنوبيين إلى صنعاء، كشرط أولى للبدء في تنفيذ الوثيقة. وفي المقابل طالب الحزب الاشتراكي بضرورة البدء في تطبيق البند الأول من الوثيقة، كشرط لعودة قياداته إلى صنعاء، قبل التئام المؤسسات الدستورية، والذي ينص على اعتقال المتهمين بالتورط في جرائم الاغتيال السياسي ومحاكمتهم، التي طاولت أكثر من مائة وخمسين كادراً من كوادر الحزب الاشتراكي. ووجه الاشتراكيون أصابع اتهامهم إلى شركائهم في الائتلاف الحاكم، أي المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح.

3. لم يكن اندلاع الصراع المسلح بين شطري اليمن، وإعلان قادة الجنوب الانفصال، مفاجأة للكثيرين. فمنذ اعتكاف على سالم البيض في عدن، في أغسطس 1993، بدا أن قطيعة جديدة تفصل بين "الحزب الاشتراكي" و"حزب المؤتمر"، وأن أزمة مستعصية تلوح في الأفق، وبسبب طبيعة المطالب، التي طرحها الطرفان المعنيان، في وجه بعضهما، وتبادل الاتهامات من كلا الجانبين، باتت الحلول السياسية لهذه الأزمة غير ممكنة، وتعثرت جهود الوساطة الداخلية والخارجية، لتكشف عن عمق الخلافات بين شطري اليمن. وتؤكد أن الوحدة اليمنية لم تكن سوى شعار، وأن ثمة خللاً في إدراك القادة اليمنيين لمفهوم الوحدة، بما يجعلها مسألة إجرائية قابلة للنقض عند اختلاف مصالح أحد الطرفين.

وبات واضحا بعد ذلك، أن التشطير قد صار محتماً، نتيجة تعارض مطالب كلا الشطرين، ومطامحهما. فقد أعلن الحزب الاشتراكي خيارين لحل الأزمة، أولهما هو قبول المؤتمر، والتجمع بصيغة وثيقة العهد والاتفاق، حسب التفسير والإجراءات، التي اتفق عليها الحزب الاشتراكي والمعارضة، والتي ظل المؤتمر والإصلاح يتحفظان أو يعترضان عليها. أما الخيار الثاني، الذي طرحه الحزب الاشتراكي، فكان العودة إلى أوضاع ما قبل 22 مايو 1990، وإعلان نهاية تجربة الوحدة. ومن جانب آخر، فقد تم رفض ما طرحه العميد مجاهد أبو شوارب، من تبنى مطلب الفيدرالية، الذي سبق أن عرضه الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي، سالم صالح أحمد، فقد كان الحزب الاشتراكي يصر على الفيدرالية، لاعتقاده أن الحداثة ممكنة فقط في الجنوب وليس في الشمال، وبذلك تصبح "عدن" و"حضرموت" و"ردفان" و"الضالع" مناطق ذات أفضلية مطلقة على "مأرب" و"صعدة" و"صنعاء" و"حجة" في الشمال، حيث الأولى يمكن تحديثها على خلاف الثانية.

إن هذا التصور من جانب الحزب الاشتراكي، يتعارض مع فكرة الوحدة، المرتكزة على مفاهيم الانصهار القومي، والانسجام الاجتماعي، إلاّ أنه يبدو أن الصيغة الفيدرالية أفضل بكثير من الوضع المتردي. فالفيدرالية هي صيغة للوحدة الاندماجية، تراعى خصوصيات الوحدات المنضمة إلى العلاقة الوحدوية، وإذا كانت الفيدرالية تعد من ناحية معينة، تراجعاً عن الصيغة التي بدأت بها الوحدة، إذا لم تستمر إرادة الأطراف التي صنعتها مجمعة عليها، فإن رفض مناقشتها قد أعطى مبرراً لتفاقم الأمور على النحو الذي شهدته اليمن، لتصبح الحرب الأهلية هي المعبر الآمن للتقسيم، والانفصال، أمام المساءلة الجماهيرية والتاريخية، التي لا يستطيع أي طرف أن يتحمل مسؤوليتها.

4. ظلت مؤشرات الانفجار العسكري تتزايد بمعدلات طردية، وفقا لدرجة الحدة، في الصراع السياسي، بين الرئيس على عبدالله صالح، ونائبه على سالم البيض، وأشارت كافة الظواهر، منذ 27 إبريل، إلى أن الانفجار العسكري، قد بات وشيكاً، بعد اندلاع، اشتباك دموي عنيف، بين وحدات شمالية، ووحدات جنوبية في معسكر عمران، في الشطر الشمالي من البلاد. وفي أعقاب هذا الاشتباك، بدأت مؤشرات التصعيد العسكري، تزداد بدرجة بالغة الوضوح، وتمثلت تلك المؤشرات، في أربعة شواهد رئيسية:

أ. تطويق كل طرف، القوات التابعة للطرف الأخر، في الشطر الخاص به.

ب. نشر القوات العاملة، والاحتياطي الإستراتيجي في أوضاع قتالية.

جـ. تكثيف أعمال التجنيد والتحالفات القبلية.

د. الاستمرار في أعمال تكديس الأسلحة، ومعدات القتال الرئيسية.

5. وقد امتلك الجانب الشمالي، زمام المبادرة، في جميع هذه المجالات، فقد سارعت القيادة الشمالية، إلى حشد القوات، وتطويق معسكرات القوات الجنوبية، الموجودة في الشطر الشمالي، وحاصرت لواء بأصهيب الجنوبي، بثلاثة ألوية من الحرس الجمهوري، والمدرعات، والمشاة، كما حاصرت اللواء الخامس مظلات الجنوبي، بأعداد كبيرة من قوات الصاعقة، والمدرعات، والحرس الجمهوري. أضف إلى ذلك، أن القيادة الشمالية، نشرت أعداداً كبيرة من القوات، في الاتجاهات الإستراتيجية المختلفة، حيث دفعت بثلاثة ألوية، من المدرعات والمظلات، في اتجاه مكيراس. كما دفعت بثلاثة ألوية أخرى، في اتجاه الراهدة. في حين دفعت بما يصل إلى ستة ألوية كاملة، في اتجاه بيحان، استعداداً للاندفاع نحو الحدود الشطرية السابقة. وقد تردد في هذا الإطار نفسه أن قيادة الحزب الاشتراكي، دفعت ثلاثة ألوية جنوبية، نحو المناطق الشطرية، في محافظة شبوة.

6. وقد لعبت القبائل في اليمن دوراً هاماً في تزايد حدة الصراع، فقد قام الجانبان، بتنفيذ عملية تجنيد واسعة النطاق، مع التركيز على القبائل الموالية لكل منهما، وعمل كل جانب منهما، على حدة، على تعزيز شبكة الولاءات والتحالفات القبلية، في الشطر الخاص به، عن طريق التعيينات، وإسناد المناصب الوزارية والوظائف العليا في الدولة، إلى عناصر قبلية معينة، وذلك للمساعدة في كسب ولاء القبائل، التي تنتمي إليها هذه العناصر. وقد اتسع نطاق عملية إعادة ترتيب التحالفات، والولاءات القبلية، خلال فترة ما بعد الانفجار العسكري، حيث عين الرئيس علي عبدالله صالح، على سبيل المثال عبد ربه منصور هادي، وزيراً للدفاع، وهو ينتمي إلى محافظة ابين الجنوبية، بدلا من الوزير السابق، هيثم قاسم طاهر، الذي كان ينتمي إلى محافظة لحج، الجنوبية. وبالمثل، قامت القيادة الجنوبية، بتنفيذ هذا التكتيك نفسه. حيث جرى تعيين أحمد فريد الصريمة، محافظاً لـ شبوة في الجنوب، لاكتساب ولاء قبائل شبوة، التي ينتمي إليها المحافظ الجديد، مما ساعد الحزب الاشتراكي، على تعزيز تحالفاته القبلية، في تلك المحافظة الحيوية، التي تمثل المدخل الإستراتيجي، إلى محافظة حضرموت. وامتدادا لمسار التصعيد، في فترة ما قبل الانفجار العسكري، نقل الرئيس علي عبدالله صالح، بدءاً من أول مايو 1994، مقر عمله اليومي، من مبنى الرئاسة، إلى غرفة العمليات العسكرية، في القيادة العامة للقوات المسلحة، وتولى بنفسه، الإشراف على جميع التحركات العسكرية، للقوات الشمالية، في مختلف المحاور والمناطق، فيما كان يشير، إلى قرب انفجار الموقف العسكري، على نطاق واسع.

إن المواجهات العسكرية الأخيرة، بين شطري اليمن يختلف عما قبلها، ففي الحربين السابقتين دارت المعارك على أرض الشمال فقط، وكان جيش الشمال في موقف الدفاع، بينما قامت قوات الشمال بالبدء بالهجوم في إبريل 1994م. كذلك كانت المواجهات السابقة بين دولتين مستقلتين، أما عام 1994، فإن الصراع اندلع بين شطري دولة اليمن، اللذين وقعا اتفاق الوحدة في مايو 1990، ومن ثم فقد أزيلت الحدود داخل دولة الوحدة.