إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الوحدة اليمنية والحرب الأهلية (1994)






المناطق القابلة للانفجار العسكري
المرحلة الأولى
المرحلة الثالثة
المرحلة الثانية
انتشار بعض قوات الشطرين
اليمن الجنوبي
اليمن الشمالي
جغرافية مسرح العمليات اليمني



القسم الرابع: "معارك شرسة وقتال ضارٍ بين الطرفين، وسط مناقشات مجلس الأمن للأزمة"

القسم الرابع: "معارك شرسة وقتال ضارٍ بين الطرفين، وسط مناقشات مجلس الأمن للأزمة"

الفترة من 1 يونيه إلى 7 يونيه 1994

1. في 1 يونيه 1994

أ.  اندلع القتال على الجبهات الثلاث، حول عدن، وأغارت طائرات الشمال على مواقع بالقرب من المدينة، بعد أن كانت شبة غائبة عن سماء الجنوب، منذ اندلاع الحرب. وسُمعت أصوات المعارك على جبهة طور الباحة، شمالي غربي عدن، بعد إطلاق ثلاثة صواريخ شمالية على عدن، لم تسبب سوى أضرار طفيفة. وردت القوات الجنوبية بإطلاق صاروخ باتجاه تجمع للشماليين، في جبهة طور الباحة. وأتاح هجوم القوات الشمالية، التقدم في اتجاه عدن، وتضييق الخناق على المدينة، وسقط صاروخ شمالي داخل مجمع مطار عدن العسكري، ولكن السلطات الجنوبية، قالت إنه أخطأ مدرج المطار، ولم يتسبب بأضرار، أو سقوط ضحايا"، وأفادت الأنباء سقوط صاروخ في البحر بالقرب من عدن، فيما أنفجر صاروخ بالجو بعد إصابته بنيران الأسلحة الجنوبية المضادة للطائرات، وسقط حطام الصاروخ على محطة الكهرباء الرئيسية، ولكنه لم يلحق أضراراً بها.

ب. وحذّر متحدث باسم الصندوق الدولي للمعونات الغذائية، بأن شطري اليمن "سيواجهان موقفاً يقارب المجاعة، خلال فترة قصيرة جداً". وشدد على أنه "إذا لم تحدث خطوات جدية لوقف القتال، وتأمين وصول إمدادات الغذاء والمعونة الطبية، والعاملين الأجانب في مجال الإغاثة لتوزيعها، ستقع كارثة إنسانية".

من المتوقع أن تطرح مفوضية شؤون اللاجئين خلال الأيام المقبلة، مبادرة من ثلاثة نقاط، تتضمن بدء حوار بين طرفي الحرب اليمنية، بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في القتال الدائر هناك، والحصول على موافقتهما للتعاون بشأن تسهيل جهود الإغاثة الدولية، لإنقاذ حوالي 80 ألف لاجئ، يتعرضون لكارثة إنسانية، بسبب قصف المدن والقرى.

ج. وجرت محاولات شمالية لتأجيل اجتماعات مجلس الأمن، تستهدف صنعاء من خلالها ممارسة مزيد من الضغوط العسكرية على عدن، بغية تحقيق اختراق في المدينة، وإيجاد أمر واقع على الأرض، يحول دون تحقيق الانفصال، في حال وجدت صنعاء نفسها مجبرة على الانصياع لقرار مجلس الأمن، الذي سيطالب بوقف إطلاق النار.

وقالت مصادر محايدة، إن القوات الشمالية، التي تحاول تضييق الخناق على عدن من منطقة طور الباحة، تكبدت خسائر في المعدات، والأرواح، بعد أن حاولت صنعاء فتح هذه الجبهة، عشية انعقاد مجلس الأمن. وأضافت، أن قوات البحرية، والصواريخ، والمدفعية، والدبابات، والقوات الجوية، تشارك بكثافة لجعل هذه المعارك فاصلة من جانب القوات الجنوبية ضد القوات الشمالية. وأن سماع دوي القذائف في عدن، ناتج عن قوة القصف الذي تتعرض له القوات الشمالية، التي تحاول عبثاً التقدم نحو عدن، أو إحداث اختراقات في جبهات أخرى.

لكن التقارير الأخيرة، الواردة من ساحة القتال، أشارت إلى أن الجنوبيين استطاعوا صد الهجوم الشمالي في منطقة الوهط، في حين استمر القتال الشرس في أماكن أخرى قريبة من عدن.

د. وفي صنعاء، صرح مصدر عسكري أن القوات الحكومية، أنهت "مهمة تصفية بقية جيوب المقاومة العسكرية، الموالية للحزب الاشتراكي في مدينة الحوطة، عاصمة محافظة لحج، جنوب البلاد، وفي منطقتي الوهط، وطور الباحة، في المحافظة نفسها، وأصبحت القوات الحكومية تحاصر مدينة عدن من كل الجهات، ووصلت طلائع وحداتها إلى منطقة بير أحمد في ضواحي عدن". وقال المصدر إن القوات الحكومية "ستباشر توجيه نداءات إلى المواطنين في عدن، لكي يتجمعوا في أماكن آمنة". وذلك في حال دخولها المدينة.

هـ. وفي عدن صرح نائب رئيس مجلس الرئاسة، في "جمهورية اليمن الديموقراطية"، السيد عبدالرحمن الجفري، أن المعارك التي شهدتها جبهات القتال حول عدن، حتى الساعات الأولى من الصباح، "كانت من أشد المعارك ضراوة، منذ بدء القتال، بين القوات الشمالية، والقوات الجنوبية".

وأشار الجفري، إلى إشتراك بارجات حربية جنوبية، في القصف الصاروخي، ضد القوات الشمالية، وأن القوات الجنوبية نجحت في استدراج القوات الشمالية إلى أكثر من موقع على جبهات القتال. كما نقل عن وزير الدفاع الجنوبي، العميد هيثم قاسم، قوله "إن الوضع مطمئن على كل الجبهات، وإن جبهتي العند وطور الباحة في محافظة لحج، وكذلك جبهة خرز، شهدت أعنف المواجهات.

ويبدو أن الهجوم الشمالي للاستيلاء على عدن، والإطاحة بالزعيم الجنوبي علي سالم البيض، تعثر مع تقدم القوات الشمالية خارج الجبال، إلى الأراضي المفتوحة، الأمر الذي يطيل خطوط إمدادها، ويعرضها للهجمات الجوية.

وصرّح مصدر عسكري شمالي، أن المدفعية الثقيلة التابعة للقوات الشمالية "واصلت قصفها العنيف، والمركّز لعدد من الأهداف العسكرية، والقاعدة الجوية في مطار عدن، بهدف إعاقة الطائرات الحربية الواقعة تحت هيمنة الانفصاليين، في قيادة الحزب الاشتراكي، من استخدام المطار لشن غارات جديدة على القوات الحكومية والمواطنين".

و. يسود شعور لدى بعض الأوساط السياسية في العاصمة اليمنية، أن الحرب، التي تنتهي أسبوعها الرابع، ستطول رغم "الانتصارات العسكرية" التي حققتها القوات الحكومية. وتعزو المصادر الحكومية اليمنية، سبب ذلك، إلى "التدخلات في الأزمة اليمنية"، وكان الحديث في صنعاء يتسم عن الموقف العربي، تجاه الانفصال الذي حدث. وقد اجتمع وزير التخطيط اليمني الدكتور عبد الكريم الإيرياني، بالسفراء العرب المعتمدين لدى صنعاء، لمناقشة الوضع السياسي للأزمة.

وقد أعلن نائب رئيس الوزراء اليمني، عبدالقادر باجمال، أن حكومته "تتخذ الإجراءات اللازمة للإعداد لاقتصاد حرب، لمواجهة أعباء الحرب". وقال في مؤتمر صحفي، عقده في صنعاء، "إننا مضطرون إلى توظيف كل إمكاناتنا الاقتصادية للحرب، التي نخوضها من أجل تكريس الوحدة، وحماية الاستقرار". وذكر أن بلاده في حاجة إلى مساعدات إنسانية دولية عاجلة لمواجهة أعباء الحرب، خاصة المساعدات الطبية.

ز. أصدر مجلس الأمن، مساء الأول من يونيه 1994، قراره الرقم (924)(انظر ملحق نص قرار مجلس الأمن الرقم 924، لعام 1994 الصادر في 1 يونيه 1994م.)، الذي كان منتظراً، بشأن الحرب اليمنية، والقاضي بوقف فوري لإطلاق النار، وحث على وقف توريد الأسلحة لطرفي الصراع، ودعوة الطرفين العودة إلى المفاوضات.

2. في 2 يونيه 1994

أ.  على الرغم من دعوة مجلس الأمن لوقف فوري لإطلاق النار في اليمن، استمرت المعارك بين الجانبين، حيث حققت القوات الشمالية تقدما نحو عدن، كما أحرزت تقدماً على جبهة الوهط على مسافة 20 كم، شمال غرب عدن، ليفاجؤوا الوحدات الجنوبية، في منطقة لحج، على مسافة 30كم من المدينة. وذكر مراسل وكالة "فرانس برس" أن السكان في لحج بدأوا الفرار من منطقة المعارك بالشاحنات، ونقل عنهم، أن القوات الجنوبية ما زالت تسيطر على المنطقة، وأن المواطنين يغادرون بسبب القصف.

ب. مع تصاعد حدة القتال، دعت جمهورية اليمن الديموقراطية، مجلس الأمن، إلى إرسال قوات دولية للفصل بين قوات الطرفين، على الحدود بين القطرين، أو على الأقل، إرسال قوات مراقبة دولية، لمراقبة التزام وقف النار، وإيقاف الاقتتال.

ج. كان الجديد في تطور العمليات على جبهات القتال، قيام طائرات من نوع أف ـ15 (F-15)، شمالية بمحاولة قصف مصفاة عدن، الواقعة في مدينة البريقة، على مقربة من باب المندب، وفشلت المحاولة الشمالية، الأمر الذي أدى إلى سقوط ثلاثة صواريخ تحمل قنابل عنقودية وسط منطقة سكنية قريبة من المصفاة. وأسفر انفجار أحد الصواريخ عن تدمير ثلاثة منازل.

وشهدت جبهة العند شمال عدن، أمس معارك ضارية بين القوات الشمالية والجنوبية، وشهد مراسل صحفي تراشق مدفعي وصاروخي عنيف، إثر محاولة القوات الشمالية التقدم جنوب القاعدة نحو عدن، "وأسفرت المعارك عن مقتل 10 جنوبيين، وجرح عشرات آخرين نقلوا إلى المستشفيات". ولم يعرف حجم الخسائر في القوات الشمالية.

وتعرضت القرى المجاورة لقاعدة العند، إلى قصف مدفعي وصاروخي، أحدث أضراراً جسيمة في الممتلكات، وأضطر آلاف المواطنين للنزوح إلى عدن.

وأكدت الأنباء العسكرية، في جبهات الضالع ـ كرش، وطور الباحة، وشبوة، وأبين، أن القتال كان ضارياً في الساعات الـ48 الماضية، فيما قال بيان عسكري جنوبي أن "القوات الجنوبية استطاعت تحقيق تقدم في جبهة طور الباحة، وطاردت القوات الشمالية في منطقة الوهط، في اتجاه باب المندب.

كما تبادلت القوات الشمالية والجنوبية، الهجمات الصاروخية أرض/أرض، وأطلقت الأولى ثلاثة صواريخ على عدن، في حين ردت الثانية بإطلاق صواريخ على موقع عسكري شمالي، في جبهة طور الباحة.

وسقط أحد الصواريخ الشمالية، داخل مجمع مطار عدن العسكري، ولكنه أخطأ مدرج المطار ولم يتسبب في أي أضرار، وسقط الثاني قرب مسجد في حي الشيخ عثمان، الذي كان يستقبل المصلين لصلاة الفجر، مما أدى إلى سقوط ثمانية قتلى، وواحد وعشرين جريحاً، وأصيب خمسة آخرون بجروح في منازل مجاورة. وتظاهر مئات الأشخاص بشكل عفوي في الحي المذكور وأطلقوا هتافات منددة بالنظام الشمالي المجرم، برئاسة علي عبدالله صالح. أما الصاروخ الثالث فتمكنت المضادات الأرضية، من تفجيره فوق المدينة.

3. في 3 يونيه 1994

أ. لم يَحُلْ صدور قرار مجلس الأمن الرقم (924)، الداعي إلى وقف النار دون استمرار المعارك في اليمن. وقالت مصادر عسكرية، إن حدة القتال زادت في المناطق المحيطة بمدينة عدن.

ب. استمر القتال الضاري في مناطق متعددة، بمحافظة لحج شمال عدن، في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة في صنعاء، قبولها قرار مجلس الأمن الرقم (924)، بشأن وقف إطلاق النار. وقالت مصادر دبلوماسية في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، إن عناصر في مجلس الأمن نصحت الدكتور عبدالعزيز الدالي "مبعوث اليمن الديموقراطية"، بالتوجه إلى مجموعة عدم الانحياز، والتكتلات الدولية الأخرى، للحصول على تأييدها، ضد خرق الشمال لقرار مجلس الأمن.

وقالت مصادر مطلعة إن ضراوة القتال في طور الباحة، بمحافظة لحج ترجع إلى محاولة أربع كتائب شمالية التقدم نحو عدن، عن طريق الحوطة، بقيادة العقيد علي محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى المدرعة، والأخ غير الشقيق للرئيس اليمني. ومن ثم، عملت القوات الجنوبية على تطويق هذه الوحدات، في محاولة لأسر علي محسن الأحمر، خاصة أن الأنباء وردت بأن عدداً من القادة الشماليين، من أخوال الرئيس اليمني كانوا معه.

وتزامنت هذه التطورات مع اتهامات متبادلة بين القيادتين، الشمالية والجنوبية، باستخدام الأسلحة المحرمة، تضمنت بياناً من القاضي حمود الهتار، في صنعاء، بأن القوات الجنوبية تستخدم قنابل النابالم في هجومها على الوحدات الشمالية. وقال إن هناك "أدلة قاطعة على ذلك". في حين أشار العميد هيثم قاسم طاهر، وزير الدفاع الجنوبي، إلى أن لديه شكوكاً بشأن استخدام القوات الشمالية أسلحة كيماوية، وأن "هذه الشكوى لها ما يبررها".

وقال العميد هيثم "ما يزيد من شكوكنا، هو العلاقة المتميزة والخاصة، التي تربط علي عبدالله صالح، بالرئيس العراقي، صدام حسين، الذي استخدم هذه الأسلحة ضد الأكراد عام 1988". وأنه "ليس عبثاً أن الأخ الرئيس علي سالم البيض، وصف، علي عبدالله صالح، بأنه صدام صغير".

ج. واصلت القوات اليمنية الشمالية، إحكام الطوق العسكري على عدن، ولم يعد يفصلها عنها، سوى 20 كم من الشمال، و30 كم من الشرق، على أثر سلسلة من الهجمات العنيفة شنتها، واعترف ضباط جنوبيون بأن القوات الشمالية استولت على الحوطة، بمديرية لحج، التي يقطنها خمسون ألف نسمة من الوهط، مما اضطر خطوط الدفاع الجنوبية، من التراجع إلى بئر ناصر، على مسافة 15 كم شمال عدن.

في اليوم نفسه، تواصل تبادل القصف المدفعى بشكل عنيف، وشاركت فيه القطع البحرية الجنوبية، المنتشرة قبالة ساحل العاصمة الجنوبية. وأدى سقوط الحوطة والوهط، إلى هجرة السكان نحو عدن، والقرى الأخرى، التي لا تزال تحت سيطرة القوات الجنوبية. ولم يستطع سلاح الطيران الجنوبي، التدخل كثيراً في هذه الجبهة، حيث تتشابك المواقع الشمالية والجنوبية، وركز معظم عملياته، على جبهتي أبين، وشبوة، شرق عدن. وصرح مصدر عسكري جنوبي، في جبهة أبين، حيث وصلت القوات الشمالية إلى 30 كم من عدن، أن معارك ضارية للغاية بالمدفعية والصواريخ، دارت لليوم الثاني على التوالي في هذه المحافظة، بعدما شنت القوات الشمالية ثالث هجماتها، في غضون 48 ساعة.

وأفادت مصادر صنعاء، أن الحكومة الشمالية، دفعت بتعزيزات جديدة في معركتها للسيطرة على عدن، وأن خمسة ألوية أُرسلت إلى الجبهات المحيطة بالعاصمة الجنوبية، غداة دعوة مجلس الأمن إلى وقف النار. وأضاف المصدر أن القوات الشمالية تسيطر كلياً "على محافظة شبوة، حيث الوضع هادئ، ويساعد السّكان في طرد فلول الانفصاليين" منها.

د. أذاعت عدن أن القوات الجنوبية، صدت هجوماً شمالياً، أوقع "مئات القتلى والجرحى" في صفوف قوات صنعاء، أن القوات المعادية دُمِّرت في قرية حبر، وصدت في اتجاه منطقة صحراء الرجاع، إلى ما بعد منطقة الوهط، التي كانت القوات الشمالية احتلتها صباحاً، وأن "مئات من الجنود الشماليين قتلوا أو جرحوا، وأن العشرات أسروا وتم تدمير أربع دبابات". وأشارت بعض مصادر إلى أن السلطات اليمنية الجنوبية أقامت حواجز في عدن، بحثاً عن القادرين على حمل السلاح، لتعزيز الخطوط الأمامية، ومواجهة تقدم الشماليين نحو المدينة.

هـ. وأكد بيان لقيادة القوات الجنوبية، أن الشماليين "يشنون هجمات عنيفة على جميع الجبهات، ويدمرون القرى ويقتلون المدنيين". وقال: "إننا نقاوم بكل قوانا دفاعاً عن أرضنا وشرفنا". وأتهم البيان الحكومة العراقية بالمشاركة في القتال إلى جانب القوات الشمالية. وأكد البيان، الذي بثه تليفزيون وإذاعة عدن ليلة 2، 3 يونيه 1994، أن القوات الجنوبية أسرت خمسة جنود عراقيين في جبهة حضرموت، وهم: صالح رسول صغير، و‏فالح محمد نصير، وعلي محمد سعد، وكونه محمد نصر، ونجيب علي محمد، وقالت المصادر إنهم اعترفوا بأن هناك خبراء عراقيين يعملون في إدارة العمليات وتشغيل الصواريخ والطيران، للقوات الشمالية.

و. ظل مطار عدن يشهد حركة كثيفة، وكانت الطائرات العسكرية تقلع منه، وتهبط فيه، من دون انقطاع. ومن جهة أخرى، أشار مصدر جنوبي إلى أن القوات الجنوبية، أسقطت طائرتين شماليتين في قطاع كرش، وطور الباحة، حيث استمرت المعارك بين قوات الطرفين، دمرت أربع قاذفات لصواريخ الكاتيوشا (Katyusha)، وكبدت العدو خسائر بشرية فادحة، تقدر بعشرات العسكريين بينهم ضابطان.

ز. وصرح سمو الأمير بندر بن سلطان، "إن المملكة العربية السعودية تشعر بالقلق الشديد إزاء ما يجري في اليمن، وهي لا تدعم طرفاً ضد الآخر، وإنما الجهة الوحيدة التي تدعمها السعودية هي الشعب اليمني، وسلامة الشعب اليمني". وحكومة المملكة العربية السعودية تبدي قلقها إزاء ما قد ينجم عن الوضع في اليمن، من تدفق اللاجئين، والرياض ليست مستعدة لأن تتحمل أعباءها.

ح. قرر "مجلس الرئاسة لجمهورية اليمن الديموقراطية"، تشكيل مجلس وزراء يتكون من 30 عضواً، بينهم نواب لرئيس الوزراء والوزراء. برئاسة المهندس حيدر أبو بكر العطاس (انظر ملحق القرار الجمهوري الرقم 1 بتشكيل حكومة جمهورية اليمن الديمقراطية، برئاسة حيدر العطاس، في 2 يونيه 1994م.).

وجاء التشكيل الحكومي المعلن، بعد مشاورات مطولة، بين الحزب الاشتراكي اليمني، وحزب رابطة أبناء اليمن، وشخصيات مستقلة في الخارج. وكان حزب رابطة أبناء اليمن، هو حزب المعارضة الوحيد، الذي وافق على قرار الانفصال، وإعلان الجنوب جمهورية مستقلة.

ويرى المراقبون أن تشكيل الحكومة، وإن كان يضم عدداً كبيراً من أعضاء الحزب الاشتراكي، إلاّ أنه أعطى حزب الرابطة نصيباً كبيراً هو الآخر. بينما جرى توزيع بقية الحقائب على المستقلين، وجعل التمثيل الحكومي موزعاً على المحافظات، التي كانت محرومة في السابق، مثل عدن، ولحج، والمهرة، وشبوة.

وبدا واضحاً أن حكومة "جمهورية اليمن الديموقراطية" الجديدة، في تشكيلها الذي جمع بين الحزبيين، والسياسيين التقليديين، ضم، أيضاً، الخبراء والفنيين، خاصة في مجالات الاقتصاد، والقانون، لتأكيد توجه الحكومة في انفتاحها الاقتصادي والسياسي، على دول العالم.

4. في 4 يونيه 1994

أ.  عاشت عدن وأهلها ليلة الرابع من يونيه، في حالة من التوتر والقلق، بعد تردد أنباء القتال الدموي من جراء اختراق القوات الشمالية، لمدينة صبر، والمجازر التي ارتكبت فيها، واشتراك أعضاء في الحزب الاشتراكي، في الشطر الشمالي، في القتال ضد رفاقهم في الجنوب. وزاد من حدة التوتر، التصريح الذي أدلى به العميد الركن هيثم قاسم طاهر، وزير الدفاع الجنوبي، حول وجود خيانات داخل الجيش، وهو واقع لا يقتصر على الجيش فقط، إنما يمتد إلى القبائل، وبعض أعضاء الحزب الاشتراكي. وأثّر ذلك على سير المعارك حول عدن، وفي محور شبوة ـ حضرموت أيضاً.

لم يخرج الناس من بيوتهم، في عدن إلاّ لأداء صلاة الجمعة. وبدت المدينة حزينة، وحركة السير في طرقاتها خفيفة، بينما استمر دوي القصف المدفعي والجوي، وأصوات الطائرات الحربية مسيطرة على الأجواء. وانتقل محور الدفاع والقتال، إلى منطقة صبر. وذكر شاهد عيان أن المدفعية، التي كانت تقصف من الوهط باتجاه طور الباحة، باتت مرابضها في صبر.

وتؤكد مصادر مطلعة، أن دخول القوات الشمالية إلى عدن سيكون مخاطرة كبيرة، سياسياً وعسكرياً، إذ إنها تحتاج إلى الزج بآلاف من الجنود، وكميات كبيرة من العتاد. ومن ناحية أخرى ستضعف قيادة صنعاء موقفها سياسياً في مواجهة العالم، إذا ما دخلت قواتها العاصمة الجنوبية، المحاطة بخط سياسي أحمر، كما يذكر بعض. لكن المؤكد أن جهود محاولة حصار عدن، ستستمر خلال الأيام القليلة المقبلة، على الرغم من ارتفاع التكلفة بشرياً وعسكرياً.

ب. على الرغم من إعلان، كل من صنعاء وعدن، قبولهما قرار مجلس الأمن الرقم (924)، بشأن وقف إطلاق النار، احتدمت المعارك، وتواصل القصف المدفعي والصاروخي بين الطرفين. وزحفت المعارك إلى مناطق حقول إنتاج النفط، في حين تحاول القيادة الشمالية الاستفادة من ذلك لحسم الموقف لصالحها.

وتقول مصادر مطلعة، إن صنعاء أرسلت قوات جديدة تقدر بنحو 12 ألفاً و500 جندي لتعزيز وحداتها في محافظة شبوة الغنية بالنفط، لدعم محاولة زحفها نحو حضرموت، حيث توجد أهم حقول النفط الجنوبية في مسيلة. إضافة إلى تشديد الحصار حول عدن. وعادت الطائرات الشمالية إلى قصف منشآت مصفاة عدن الشهيرة، التي تبلغ طاقتها اليومية حوالي 170 ألف برميل.

وفي حين ذكر متحدث رسمي في عدن، أن الشمال يشدد هجومه على محافظة شبوة، أضافت مصادر غربية، أن هدف الهجوم الشمالي، هو عزل عدن عن بقية مدن الجنوب، والسيطرة على الطرق المؤدية إلى حقول النفط، وموانئ تصديره، للاستفادة من ذلك في المفاوضات التالية، لتنفيذ قرار وقف إطلاق النار، بعد أن يكون الجنوب قد فقد الأسس، التي بنى عليها إعلان استقلاله.

ج. وصرح مصدر عسكري جنوبي، أن قوات صنعاء، قصفت عدن بصاروخين أرض/ أرض، مستهدفة الأحياء السكنية، والمنشئات المدنية الحيوية. كما صرحت مصادر سياسية ودبلوماسية، في صنعاء، أن الحكومة اليمنية الشمالية أرسلت نحو خمسة ألوية لتعزيز الجبهات المحيطة بعدن.

د. وذكر ناطق عسكري يمني جنوبي، أن قواته تصدت لهجوم شمالي في محافظة شبوة الغنية بالنفط.

وقال الناطق في تصريح، بثته إذاعة عدن، أن "قواتنا المسلحة في محافظة شبوة، تصدت لقوات صنعاء، التي حاولت شن هجماتها العدوانية على المدن والقرى، وتمكنت من تدمير أربع دبابات وثلاث عربات مدرعة وثلاثة أطقم محمولة، واستولت على دباباتين وثلاثة أطقم"، وإصابة قائد الحملة الشمالية في شبوة، العقيد محمد سالم العريف، بجروح أدت إلى فقد ذراعه اليمنى. كما سقط عدد من القتلى والجرحى في صفوف قواته". وأضافت أن القوات الجنوبية بالتعاون مع مواطني شبوة تمكنت من أسر لواء كامل من المغاوير، (يضم نحو 2500 جندي).

هـ. وفي عدن أدت الحكومة الجديدة، برئاسة المهندس حيدر أبو بكر العطاس، اليمين الدستورية. وصرح السيد عبدالقوي مكاوي، عضو مجلس الرئاسة الجنوبي، "إن الوضع العسكري في جبهات القتال القريبة من عدن مطمئن جداً"، مشيراً إلى أن "الدفاعات حول عدن ثابتة، ولم تخترق حسب ادعاءات صنعاء". وأوضح مكاوي "إن الحكم في الشمال مصمم على تجاهل قرارات مجلس الأمن، بإيقاف الحرب، وأن الرئيس علي عبدالله صالح، يبدو كأنه لم يتعلم من درس حرب الخليج".

و. وصرح مصدر عسكري في غرفة العمليات، في وزارة الدفاع في صنعاء، "أن القوات الحكومية المتجهة إلى محافظة حضرموت، للسيطرة عليها، ما زالت تتقدم، وهي على بُعد عشرين كيلو متراً جنوب شرقي مدينة المكلا". وأضاف المصدر "أن سلاح الطيران الحكومي قصف ميناء المكلا، وأغرق ثلاثة زوارق حربية، وعطل مدرجات مطار الريان، حتى لا يستخدمها الطيران الاشتراكي في طلعات جوية، تستهدف ضرب القوات الحكومية المتقدمة على محورين، في اتجاه عاصمة المحافظة.

5. في 5 يونيه 1994

أ.  استمرت العمليات القتالية، ولكن بصورة أهدأ نسبياً، على أكثر من جبهة، لتشمل الإغارة على مصفاة عدن. وصرح ناطق عسكري جنوبي، أن الدفاعات الأرضية الجنوبية، أسقطت ثلاث طائرات شمالية، من أصل أربع قصفت المصفاة. وقصفت عدن بالمدفعية، للمرة الأولى منذ بداية الحرب، مواقع الشماليين، التي تبعد 20 كم عن المدينة، ونتج عن القصف قتل ستة مدنيين، وإصابة 18 آخرين. وأعلن ناطق عسكري في صنعاء، أن القوات الجنوبية أطلقت (ليلة أمس) صاروخين أرض/أرض من نوع سكود (SCUD-B)، على مدينة تعز الشمالية، من دون سقوط ضحايا. وجاء في حصيلة رسمية جزئية نشرت في صنعاء، أن أكثر من 600 جندي شمالي قتلوا، وأن أكثر من ألفين جرحوا، منذ بداية القتال. إضافة إلى 1200 مفقود، و901 أسير لدى القوات الجنوبية.

ب. تمكنت القوات الجنوبية من صد هجوم شمالي، على المحور الساحلي، بمحافظة شبوة قرب ميفعة. كما نجحت في استعادة قرية صبر، القريبة من الحوطة، التي كانت ميليشيات التجمع اليمني للإصلاح اقتحمت سجناً فيها، وأطلقت سراح بعض السجناء، من المتهمين بعضوية الجماعات المتطرفة.

وأشارت معلومات مؤكدة، إلى أن عناصر في قيادة التجمع اليمني للإصلاح في صنعاء، تعارض الالتزام بوقف إطلاق النار، على النحو الذي طالب به قرار مجلس الأمن الرقم (924)، وأن عبدالمجيد الزنداني، "عضو مجلس الرئاسة اليمني، والقيادي البارز في حزب الإصلاح" يقود حملة تحريض بين عناصر الجهاد، ضد "الجنوبيين الملحدين"، ويقول إن "هذه الحرب، تعتبر جهاداً مقدساً".

وأضافت المصادر، أن عناصر الجهاد، تشكل مقدمة القوات الشمالية في القتال، داخل محافظتي لحج وشبوة، وتلعب دوراً مهماً في زعزعة واختراق الدفاعات الجنوبية هناك، باعتبار بعضها ميليشيات ينتمي أفرادها، إلى تلك المناطق.

وقال الشيخ أحمد فريد الصريمة "محافظ شبوة، وقائد المحور الساحلي هناك"، إن كثافة الضغط الشمالي، على كل من عدن وشبوة، يرجع إلى "الكثافة البشرية الكبيرة، التي تتقدم كأنهم عميان في مواجهة النيران الشديدة". وأضاف أن "الذين أسروا كانت في جيوبهم بطاقات عضوية في حزب التجمع والإصلاح، وأقراص مخدرة، وكانوا يمشون وكأنهم نائمون". وأكد قوله "رغم هذه الكثافة البشرية والتسليح الضخم، إلا أننا سنصمد".

ج. صدر صباح أمس، البيان الرقم (7) عن نتائج العمليات، في المحور الساحلي بمحافظة شبوة، تضمن تكبيد القوات الشمالية المهاجمة 65 قتيلاً، و200 جريح، وتدمير 7 دبابات، و4 بطاريات مدفعية ميدان عيار د ـ 30، وعيار 130 ملليمتراً، و 3 عربات قواذف كاتيوشا (Katyusha)، بينما كانت خسائر القوات الجنوبية، 7 قتلى، و40 جريحاً، و3 أطقم مسلحة، وتدمير دبابة واحدة. وقال البيان، إن عدداً كبيراً من الجنود الشماليين، استسلموا صباح أمس، على جبهة طور الباحة والوهط، وتم سحب أسلحتهم الخفيفة من المنطقة إلى عدن، إلى جانب نقل الأسرى إلى هناك لاستجوابهم.

ويبدو أن احتدام القتال الشديد حالياً، يرجع إلى إصرار القوات الجنوبية، على عدم إتاحة الفرصة أمام قوات صنعاء، لتحقيق أي مكاسب جديدة على الأرض، قبل فرض قرار وقف إطلاق النار، وإبلاغ العالم رسالة بقدرة عدن، على الدفاع عن نفسها.

د. ولاحظ المراقبون، أن تشكيل القيادة السياسية الجديدة، الذي أعلنته صنعاء، احتفظ بسالم صالح محمد، "الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي"، عضواً في مجلس الرئاسة الموحد، على الرغم من عضويته في مجلس رئاسة اليمن الديموقراطية الجنوبية، وكذلك وزراء الحزب الاشتراكي، فيما عدا وزراء الدفاع، والنفط، والنقل، استمراراً لمحاولة صنعاء، شق صفوف قيادة الاشتراكي.

وقالت مصادر في عدن، إن خلافاً نشب بين الرئيس علي عبدالله صالح، وأحمد مساعد حسين، الذي عُيّن وزيراً للنقل في التشكيل الوزاري الجديد، لأن أحمد مساعد حسين "وهو أحد رجال الرئيس علي ناصر السابقين"، كان يرغب في التعيين محافظاً لشبوة، ومن ثم رفض العودة إلى صنعاء، لتولي مهام منصبه الجديد، وما زال موجوداً في شبوة معتكفاً في منزله.

هـ. ومع استمرار القتال في اليمن، قال سمو الأمير سعود الفيصل، وزير خارجية المملكة العربية السعودية، في كلمته، التي افتتح بها أمس دورة المجلس الوزاري، لمجلس التعاون الخليجي في مدينة أبها السعودية، إن استمرار القتال سيكون له مضاعفات على دول مجلس التعاون الخليجي، وأن ذلك سيؤدي إلى ضرورة اتخاذ إجراءات تجاه هذا الوضع. ولا بد أن يصدر المجلس الوزاري، لمجلس التعاون الخليجي، ما يؤكد أن استمرار القتال ليس مقبولاً لدينا، أيا كان السبب والمصدر.

6. في 6 يونيه 1994

أ.  لم يعد هدف القتال الدائر في اليمن تحقيق نصر، وإنما بات الهدف إنزال أكبر قدرٍ من التدمير، خاصة بعد أن استهدف القصف الجوي الشمالي مصفاة عدن، إضافة إلى العديد، من المؤسسات الاقتصادية والمعيشية. وذكرت بعض المصادر أن القيادة الشمالية، تتجه إلى تنفيذ خطة تدمير، بحيث يخرج الجنوب اليمني من الحرب، منهكاً، ويحتاج للكثير لكي يقف على قدميه كدولة.

ويعبر سكان عدن عن دهشتهم، عندما يسمعون عبر الراديو، أن الشماليين أعربوا عن رغبتهم في السلام. ويقول الجنوبيين إن القصف المدفعي الجارف، الذي يهز مشارف عاصمة الدولة المنفصلة، بين الحين والآخر، هو الدليل الأوضح على ما يبيته الشماليون من نيات.

ب. وقد أكد الجنوبيين، اشتعال حريقٍ في مصفاة عدن، نتيجة القصف الجوي الشمالي أمس. وشاهد مراسل "وكالة فرانس برس"، ألسنة اللهب الشاهقة، وأعمدة من الدخان تتصاعد فوق المصفاة. وأوضحت مصادر جنوبية أن الطائرات الشمالية المغيرة، جاءت من جهة البحر وحلقت على ارتفاع منخفض للغاية، ونجحت في قصف المصفاة على الرغم من الانتشار الكثيف لبطاريات المضادات الأرضية، والصواريخ "أرض / جو" حولها.

ويُذكر أن هذه، المصفاة هي أكبر مصفاة في اليمن أنشأتها بريطانيا عام 1954، وتكرر يومياً نحو 170 ألف برميل من النفط الخام، وتشكل حالياً المصدر الرئيسي للمحروقات للقوات الجنوبية، التي تحاول صد تقدم القوات الشمالية نحو عدن. وقد تعرضت المصفاة أكثر من مرة لغارات شمالية، لكنها المرة الأولى التي تصاب فيها. وقالت المصادر إن دقة التصويب، تؤكد أن منفذي هذه الغارات، هم طياريون متقدمون في كفاءتهم، وقد لا يكون الشماليون على هذا المستوى، من الدقة في التصويب.

وتتهم السلطات الجنوبية العراق، بضلوعه في الحرب، من خلال مشاركة فعالة للطيارين العراقيين إلى جانب القوات الشمالية. وقال عبدالرحمن الجفري، نائب رئيس مجلس الرئاسة الجنوبي، في تصريحات سابقة له، إن قصف الطائرات المغيرة، من ارتفاعات عالية، يعكس حقيقة تحذيراتنا من أن الطيارين هم عراقيون.

واستنكرت وزارة الدفاع الجنوبية هذا الحادث، الذي استهدف أهم المنشآت حيوية في اليمن كله، وتعهدت بإنزال العقاب الرادع بالمسؤولين عن ذلك. وقال شهود عيان إن خزاناً ثانياً، مجاوراً للخزان الذي قصفته الطائرات الشمالية، اشتعلت فيه النيران أيضاً، وإنّ إطفاء النيران جرى بمساعدة رجال المطافئ والمواطنين، الذين هُرعوا إلى موقع الحادث، لتقديم العون والمساعدة.

واعتبر مصدر عسكري جنوبي، أن ضرب المصفاة تصعيد خطير للحرب، وتحد صارخ لإرادة المجتمع الدولي، الذي أعلن، من خلال مجلس الأمن، وقفاً فورياً لإطلاق النار.

ج. تعرضت عدن، للمرة الأولى، منذ بداية الحرب، لأعنف قصف عشوائي. واستهدفت مدفعية القوات الشمالية حي خورمكّسر الراقي، حيث تقيم بعثات دبلوماسية، ويوجد فندق "عدن"، الذي يقيم فيه الصحافيون، والمراسلون، وممثلو الصليب الأحمر الدولي. وشاهد عدد من الصحافيون سقوط قذائف عدة في محيط الفندق. ولم تذكر السلطات في عدن أي تفاصيل، عن أضرار القصف، الذي بدأ عنيفاً وتصاعد بدءأً من الخامسة والربع، بعد الظهر. وشوهد احتراق أحد الأبنية السّكنية، وسيارات الإسعاف، التي تنقل المصابين إلى مستشفي الجمهورية في الحي نفسه. وخيم جو من القلق والرعب على عدن، وزاد من صعوبة الوضع انقطاع المياه، عن عدد من الأحياء.

وأكد نائب الرئيس اليمني الجنوبي، عبدالرحمن الجفري، خلال تفقده مصفاة عدن، برفقة عضو مجلس الرئاسة، ناصر مسعود، "أن القيادة اليمنية الجنوبية سترد بقوة على عدوان صنعاء، وفي الوقت المناسب". وأضاف: "يبدو أن الرئيس علي عبدالله صالح، يحاول اقتباس بعض الخطوات التي نفّذها الرئيس العراقي، صدام حسين، أثناء غزوه للكويت". وأفاد الجفري، أن عدن أسرت أحد الطيارين من منفذي الغارة على المصفاة. وكان آلاف من سكان البريقة، قد اضطروا للنزوح إلى وسط العاصمة الجنوبية، هرباً من القصف، وتجنباً لآثار الدخان الأسود.

عاود الطيران الشمالي قصف مصفاة عدن مجدداً ليل 5/6 يونيه 1994. فاندلعت حرائق في بعض خزانات الوقود. واستنكر عضو مجلس الرئاسة في جمهورية اليمن الديمقراطية، سليمان ناصر مسعود، هذه الأعمال العدوانية، الخارجة على القيم الوطنية والإنسانية. وناشد مجلس الأمن، وجامعة الدول العربية، والأشقاء والأصدقاء، أن يضعوا حداً للغطرسة والغرور والهمجية، التي تحكم تصرفات حكام صنعاء. قال إنّ القيادة السياسية الجنوبية تبحث في إمكان قصف منشآت نفطية شمالية، رداً على قصف مصفاه عدن، الذي وصفه بأنه تصعيد خطير في الحرب، لا يمكن السكوت عليه.

د.  تحدثت أوساط سياسية وعسكرية رفيعة المستوى في صنعاء، عن توجه سياسي وعسكري، إلى وقف النار، لكن التطورات الأخيرة حالت دون إعلان القرار الحكومي بهذا الشأن. ولم تستبعد المصادر نفسها، أن تتخذ صنعاء قراراً بوقف النار، بعد استكمال مشاوراتها على الصعيدين السياسي والعسكري.

وكانت وزارة الدفاع في صنعاء، توقفت قبل أيام عن إصدار بيانات عن سير المعارك العسكرية. واكتفت مصادر الوزارة بتكذيب بعض ما ورد في وسائل الإعلام التابعة للحزب الاشتراكي، من "اتهامات استهدفت النيل من الحقائق العسكرية على ساحة القتال".

ووفقاً لما أكدته المصادر والمعلومات، أصبحت ثلاث محافظات يمنية في جنوب البلاد وشرقها، "تحت السيطرة المطلقة للقوات المسلحة الحكومية، وهي محافظات أبين، وشبوة، ولحج.

7. في 7 يونيه 1994

أ.  أبلغت حكومة اليمن الشمالي، الأمين العام للأمم المتحدة، أن وقف النار، بناء على قرار مجلس الأمن الرقم (924)، في جبهة القتال، سوف يسري في الساعة الثانية عشرة، ليل الاثنين ـ الثلاثاء "6 يونيه/ 7 يونيه 1994".

ب. قالت مصادر سياسية يمنية رفيعة المستوى، إن قبول القيادة الشمالية تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم (924)، بشأن وقف إطلاق النار، جاء نتيجة عاملين أثنين، في آن واحد:

الأول : اقتناع صنعاء أن الحرب لن تحقق أهدافها، في القضاء على القيادة الجنوبية، وفرض الوحدة بالقوة.

والثاني: هو الاتصالات التي أجرتها الإدارة الأمريكية، بشأن ضرورة تنفيذ القرار الدولي، قبل وصول الأخضر الإبراهيمي، مبعوث الدكتور بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى صنعاء اليوم. وحذرت من أنها ستدعو إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، ليحث على تنفيذ القرار، الذي أصدره بشأن اليمن.

وعلى الرغم من ذلك صدرت إشارة مناقضة، من الدكتور عبدالوهاب الديلمي، عضو الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، وذلك في فتوى أصدرها، حرّم فيها وقف القتال، وأحل لأفراد القوات الشمالية "نهب وسلب وقتل أي مواطن من الملحدين، أبناء المحافظات الجنوبية"، باعتبار ذلك "غنيمة حرب". جرى في الوقت الذي كانت صنعاء تحاول فيه تحقيق أية مكاسب ممكنة على الأرض، قبل تنفيذ وقف القتال، في منتصف الليلة الماضية.

وكانت الرئاسة المصرية قد أصدرت بياناً، نددت فيه بقصف القيادة الشمالية لمصفاة عدن، واتهمتها بعدم الالتزام بوعودها في هذا الشأن. ودعت إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن، ووقف القتال، لإتاحة الفرصة أمام الجهود الدولية لتهيئة المناخ للحوار السياسي الموصِّل إلى حل للصراع في اليمن.

وجاء ذلك بعد يوم واحد، من صدور بيان المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي، الذي عبّر فيه عن قلقه من استمرار القتال. وأشار إلى أن دول مجلس التعاون، لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ما يجري من نزيف للدم، وتدمير في اليمن.

ج. وكان الدكتور عبدالعزيز، الدالي "مبعوث الرئيس الجنوبي علي سالم البيض"، قد التقى كلاً من روبرت يلليترو "مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط"، ومارتن أنديك "مسؤول الشرق الأدنى في مجلس الأمن القومي الأمريكي"، بمقر وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن أمس. وعبر الدالي، عن ارتياحه عقب اللقاء، الذي دار حول وقف إطلاق النار، والعودة إلى الحوار السياسي، والدور الأمريكي في حل الأزمة".

وأكد الدالي أنه "لم يُطرح موضوع الاعتراف، أو طلب وصول قوات دولية إلى اليمن، لمراقبة وقف إطلاق النار في هذه المرحلة"، ولكنه لم يستبعد ذلك في وقت لاحق، "إذا استمر العدوان". و"لن نتردد في ذلك حينئذ".

وأشار الدالي، إلى "أن الاعتراف الدولي سيأتي أولاً، من الدول الشقيقة ثم الصديقة". و"أن ذلك يسير في طريقه العادي الطبيعي". وكان المهندس حيدر أبو بكر العطاس، "رئيس وزراء اليمن الديموقراطية"، قد اجتمع مع الدكتور عصمت عبدالمجيد "الأمين العام للجامعة العربية". وصّرح عقب الاجتماع أن "الاعتراف باليمن الديموقراطية ليس هو القضية الأولى على جدول أعمالنا، وإنما القضية هي وقف نزيف الدم". وأشاد بالبيان الذي أصدره وزراء خارجية التعاون الخليجي أول من أمس، وذلك الذي أصدرته الرئاسة المصرية أمس أيضاً.

وقد أعلن أعضاء قيادة المؤتمر الشعبي العام، في المحافظات الجنوبية والشرقية، قطع صلتهم التنظيمية بالقيادة في صنعاء، اعتباراً من أول أمس، احتجاجاً على "كل ما يجري من دمار ومآس في اليمن، وعلى عدم الالتزام الفوري بوقف إطلاق النار، وتطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 924".

د. استمر قرار وقف إطلاق النار، الذي أعلنت صنعاء قبوله، لمدة خمس ساعات فقط خلال يوم 7 يونيه 1994، حيث تجددت المعارك العنيفة، وعلى كل الجبهات. وأفاد مراسل وكالة "فرانس برس"، على جبهة القتال، أن القوات الشمالية استولت على بلدة صبر، التي تبعد نحو 18 كم شمالي عدن، حيث دارت معارك عنيفة بين الجانبين. وتسعى القوات الجنوبية إلى احتواء تقدم الشماليين، وتدور معارك شرسة بالمدفعية الثقيلة على هذه الجبهة. وقال ضباط جنوبيون إن القوات الشمالية، تركز قوة نيرانها على منطقة تبعد عشرة كيلو مترات شمالي خور بندر تواهي، الذي يفصل عدن عن ضاحية عدن الصغرى الصناعية. و قد سقطت قذائف الشماليين على الأرض، على مسافة كيلو مترين شمالي محطة كهرباء الحسوة الرئيسية في عدن. وقصفت القوات الشمالية، ميناء عدن للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب. ولا حظ مراسل وكالة "فرانس برس"، أن القذائف انفجرت في المرسى، من دون أن تصيب السفن، أو منشئات الميناء، وقد أطلقت القذائف من الخطوط الشمالية، الواقعة على بعد حوالي عشرين كيلومتراً شمالي عدن. وأن أحياء عديدة من عدن باتت محرومة من الكهرباء والمياه. وأعلن متحدث عسكري في عدن، أن القوات الجنوبية صّدت هجوماً واسع النطاق، في شمالي محافظة حضرموت. وقال المتحدث إن "القوات الجنوبية، أرغمت القوات، التي شنت فجر اليوم هجوماً واسع النطاق، في شمالي حضرموت، على التقهقر، وتقوم حالياً بتطهير جيوب المقاومة"، وأن وسائل الدفاع الجوي أسقطت طائرة ميج 21 (MIG-21)، شمالية في منطقة المعارك.