إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الوحدة اليمنية والحرب الأهلية (1994)






المناطق القابلة للانفجار العسكري
المرحلة الأولى
المرحلة الثالثة
المرحلة الثانية
انتشار بعض قوات الشطرين
اليمن الجنوبي
اليمن الشمالي
جغرافية مسرح العمليات اليمني



القسم التاسع: تطورات الموقف السياسي خلال الفترة، من 16 يونيه إلى 23 يونيه 1994

القسم التاسع: تطورات الموقف السياسي خلال الفترة، من 16 يونيه إلى 23 يونيه 1994

1. يوم 16 يونيه 1994

صرحت مصادر عربية مطلعة في نيويورك أمس، بالآتي :

أ.  إن الفكرة الأبرز على صعيد إنشاء آلية الإشراف، على وقف النار بين الأطراف اليمنية، تقوم على "توسيع" اللجنة العسكرية المشتركة، التي تضم ستة من كبار ضباط القوات المسلحة، اليمنية، وخمسة ضباط أردنيين، وخمسة ضباط عُمانيين، والملحق العسكري الأمريكي، والملحق العسكري الفرنسي، لتشمل ملحقين عسكريين من الدول الأخرى، الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

ب. تدعم الولايات المتحدة الأمريكية، إنشاء لجنة عسكرية مشتركة، تضم عناصر من الشمال، والجنوب، "للإشراف على وقف النار، ومراقبته"، كما صرح بذلك، مساعد وزير الخارجية الأمريكي، لشؤون الشرق الوسط، السفير روبرت بللبترو. وأنها ترحب "بتعزيز" اللجنة "بوجود دولي"، إنما ليس من قوات الأمم المتحدة التي اعتبرها بلليترو "غير ملائمة لهذه المهمة".

ج. كان السبب الأساسي لعودة الإبراهيمي فجأة، طلباً من صنعاء، من أجل مزيد من تبادل الرأي والمشاورات، بغرض البحث في آلية للإشراف على وقف النار. كما كان الإبراهيمي ينوي إقناع الأطراف اليمنية المعنية، بعقد محادثات بين شخصيات كبيرة مقبولة لدى الطرفين، في موقع قريب من اليمن، قد يكون القاهرة، أو باريس، أو جنيف، ورجحت أن تكون باريس مكان اللقاءات المقترحة، دون أن تستبعد كلياً إمكانية عقدها في نيويورك.

د. لا ينوي الإبراهيمي القيام برحلات مكوكية بين صنعاء وعدن، أو صنعاء والمكلا، بل يفضل أن يرسل كل من الطرفين، وفداً من شخصين أو ثلاثة، يلعب الإبراهيمي بينهما دور الوسيط، لتنشيط الحوار، وحضهما على بذل المزيد من المرونة، على نحو ما نص القرار الرقم (924).

2. يوم 17 يونيه 1994

أ. واصل المبعوث الدولي، الأخضر الإبراهيمي، اتصالاته لتنفيذ قرار وقف إطلاق النار. ودعا سالم صالح محمد، الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني، عضو مجلس الرئاسة، إلى تضافر كافة الجهود الخيرة، في المملكة العربية السعودية، ودول الخليج، ومصر وسورية، ودول المغرب العربي، والمجتمع الدولي، للعمل على وقف ما يتعرض له الشعب في اليمن، من تدمير لقدراته ومقوماته، وعلاقاته الاجتماعية.

وطالب سالم صالح باتخاذ إجراءات رادعة، ضد الرافض والمماطل للإرادة الدولية والعربية، المستجيبة لإرادة الشعب اليمني في الجنوب والشمال، بوقف فوري للقتال. وقال إن الحوار تحت قصف المدافع مرفوض، وإن إرادة الحوار تتجسد من خلال وقف القتال فوراً، وعودة العسكريين إلى ثكناتهم، وإنهاء حالة الطوارئ.

ب. وفي جدة أذيع رسمياً، أن خادم الحرمين الشريفين، استقبل أمس، السيد حيدر أبو بكر العطاس، يرافقه السيد عبدالله الاصنج، وحضر المقابلة سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وسمو الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، وسمو الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي. وكان سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز، قد استقبل في قصره في جدة، السيد حيدر العطاس، والسيد عبدالله الأصنج. وحضر المقابلة سمو الأمير سعود الفيصل. وفي وقت لاحق أعلن أن جلالة الملك فهد بن عبدالعزيز، استقبل السيد الأخضر الإبراهيمي.

ج. وفي صنعاء، عقد الأخضر الإبراهيمي اجتماعين، الأول، مغلقاً على انفراد مع الرئيس علي عبدالله صالح، تناول مسألة إحياء اللجنة العسكرية المشتركة، كآلية للإشراف على وقف النار، كما عقد الثاني مع كبار المسؤولين، وضم رئيس الوزراء بالوكالة السيد محمد سعيد العطار، ونائب رئيس الوزراء السيد عبدالوهاب الأنسي، ووزير التخطيط والتنمية الدكتور عبدالكريم الإيرياني، ووزير الخارجية السيد محمد سالم باسندوه.

وصرح الإبراهيمي عقب انتهاء الاجتماعين، "بأن المحادثات كانت مفيدة، وصبت في مسألتين أساسيتين، هما وقف النار، وبدء الحوار بين الأطراف المعنية، في الجمهورية اليمنية".

د. وفي أبو ظبي أبلغ الرئيس اليمني مساء أمس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قبوله وقفاً فورياً لإطلاق النار في اليمن، وموافقته على تشكيل اللجنة العسكرية المشتركة، لتثبيت وقف إطلاق النار، على أن تضم اللجنة ممثلين للدول المجاورة، والدول العربية والأجنبية.

وكانت تلك هي المرة الأولى، التي يعلن فيها الرئيس اليمني شخصياً، قبوله تشكيل اللجنة العسكرية، على أن تضم ممثلين لدول عربية وأجنبية.

وكانت صنعاء اقترحت إحياء اللجنة العسكرية، التي شكلها الرئيس اليمني من الطرفين الشمالي والجنوبي قبل اندلاع الحرب. وقالت مصادر ديبلوماسية إن قرار الرئيس اليمني بالموافقة على تشكيل اللجنة، بعناصرها المتعددة الأطراف، يعتبر موافقة على جزء من المبادرة، التي اقترحتها عدن، وسلمتها إلى السيد الإبراهيمي.

وأعرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، عن "أمله بأن تكون هذه الخطوة إيذاناً بانفراج الأزمة اليمنية، وإنهاء الحرب المدمرة بين الأشقاء في البلد الواحد، وتهيئة الأجواء لإعادة الأمن، والاستقرار في اليمن".

ولفت مراقبون النظر إلى أن الاتصال الهاتفي، بين الشيخ زايد والرئيس علي عبدالله صالح، هو الأول منذ 21 (أيار) مايو الماضي. كما أنه أول اتصال مع مسؤول يمني شمالي، منذ 26 من الشهر الماضي، حين زار الشيخ عبدالله الأحمر رئيس مجلس النواب اليمني، الإمارات لاستطلاع موقف أبو ظبي، من تصريحات حملت اعترافاً ضمنياً بـ "جمهورية اليمن الديموقراطية"، التي أعلنها الرئيس علي سالم البيض في عدن.

وذكرت مصادر ديبلوماسية، أن الاتصال الهاتفي بين الشيخ زايد، والرئيس علي عبدالله صالح، سيعيد قنوات الاتصال بين أبو ظبي، وصنعاء، خصوصاً في حال التزام القوات الشمالية وقف إطلاق النار.

هـ. وفي تصريح للشيخ عبدالله الأحمر، رئيس مجلس النواب اليمني، نفى أن يكون هناك أي إنذار من دول أو جهات خارجية، تلقته الحكومة اليمنية، يمنع القوات الشرعية من دخول عدن والمكلا، وقال: "إن هذا غير صحيح، ومثل هذا الإنذار، يعتبر تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لليمن، وهذا ما نرفضه، ونقف صفاً واحداً ضده. وأن دخول عدن والمكلا متروك للعسكريين، الذين لهم حساباتهم الخاصة، كما أن الحفاظ على أرواح المواطنين المدنيين من السكان، مسؤولية القيادة الشرعية، التي تهدف إلى اقتلاع جذور الانفصاليين في الحزب الاشتراكي، وليس هدفها تدمير المنشآت والممتلكات، والتضحية بالأرواح البريئة". وأضاف "أن اليمن ترفض أي تدخل خارجي في شؤونها الداخلية. وهذه الأزمة شأن داخلي، والجمهورية اليمنية دولة ذات سيادة، ولسنا دعاة حرب، لأن الحرب مكروهة، ولكن عندما تكون مفروضة علينا، من أجل الحفاظ على مبادئ وقضايا سيادية ومصيرية، ويجمع عليها الشعب، فهي مشروعة". ونفي ما تردد من شائعات، عن أن تكون حكومة المملكة العربية السعودية، دفعت بقواتها على الحدود بين البلدين، وقال "إن هذه الأنباء عارية عن الحقيقة".

وأشار إلى أنه سيقوم بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، على رأس وفد برلماني قريباً، في ضوء ما أقره مجلس النواب أخيراً بتكليف أعضائه زيارة الدول العربية الشقيقة، واطلاعها على آخر التطورات اليمنية، وتأتي السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي في طليعة هذه الدول.

و. ذكرت مصادر يمنية شمالية، أن الرئيس علي عبدالله صالح، يواجه صعوبات فعلية، في إقناع المتشددين العسكريين بالعروض، التي حملها إلى صنعاء، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، والتي تدور حول إمكانية تشكيل لجنة مراقبة عسكرية يمنية، وعربية، ودولية، للإشراف على وقف إطلاق النار، استجابة لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم (924).

ولم تحدد هذه المصادر، أسماء هؤلاء المتشددين العسكريين، لكن يسود اعتقاد بأن المقصود، هم المجموعة التي تشكل مراكز القوى الأساسية في البلاد، التي يطلق عليها اسم مجموعة "سنحان"، نسبة إلى إحدى عشائر قبائل حاشد الصغيرة، وهي العشيرة نفسها التي ينتمي إليها الرئيس، علي عبدالله صالح.

        وإذا كان المقصود هو هذه المجموعة، فإن من بين أهم رموزها العقيد الركن علي محسن صالح الأحمر، قائد الفرقة الأولى المدرعة، ومحمد أحمد إسماعيل الأحمر، قائد اللواء الثاني صاعقة، وإخوة الرئيس غير الأشقاء، علي صالح عبدالله الأحمر، قائد الحرس الجمهوري، ومحمد صالح عبدالله الأحمر، قائد القوات الجوية والدفاع الجوي.

ز. وفي القاهرة، عبر الأخضر الإبراهيمي عن أسفه، لعدم الالتزام بقرار وقف النار، وصرّح أنه ينتظر رد صنعاء، على المقترحات التي قدمها إلى اليمنيين في الشمال والجنوب، في أن يعين كل طرف ممثلين لحضور اجتماع يعقد في القاهرة، لبحث تكوين آلية تعمل من أجل الأشراف على وقف إطلاق النار.

وقال الإبراهيمي إن الجنوبيين أبلغوه موافقتهم على هذا الاجتماع، ولكنه ما يزال في انتظار رد الشماليين. وحذر من أنه سيترك القاهرة بعد استكمال مشاوراته مع المسؤولين المصريين، إلى نيويورك إذا رأى اليمنيون أن هذا الاجتماع غير مناسب.

3. يوم 18 يونيه 1994

أ.  على الرغم من الضغط العسكري الشمالي على عدن، وإعلان وزير التخطيط اليمني، عبدالكريم الإيرياني، عزم الحكومة الشمالية على دخول عدن، إلاّ أن ذلك لم يمنع متابعة البحث عن حلول سياسية. ويتركز هذا البحث، في الوقت الراهن، على عقد اجتماع غداً الأحد 19 يونيه، في القاهرة، بين ممثلين للشمال والجنوب، بغية البحث في تشكيل هيئة عسكرية، تشرف على وقف النار.

كما صرحت مصادر مطلعة، أن واشنطن تمارس ضغوطاً لمنع صنعاء من اقتحام عدن، إلاّ أنها تفّضل في الوقت الراهن، عدم فرض عزلة سياسية على الشمال، تسهيل الحلول السياسية.

ب. وقالت مصادر عربية في نيويورك، إنه اتُفق على استضافة الاجتماعات بين وفدين يمنيين سياسيين في القاهرة، للبحث في تشكيل اللجنة العسكرية المشتركة، التي ستشرف على وقف النار. وأوضحت أن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، السيد الأخضر الإبراهيمي الذي وصل إلى القاهرة أمس من جدة، يأمل بعقد الاجتماع غداً الأحد، على أن تسمي عدن ثلاثة سياسيين رفيعي المستوى، ليسوا بين الـ16 الذين تعتبرهم صنعاء "انفصاليين"، للمشاركة في الاجتماعات.

وكشفت المصادر نفسها أن صنعاء، اقترحت تشكيل الوفد المفاوض، من ممثلين للائتلاف الحاكم، الذي يضم المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي، والتجمع للإصلاح، لمناقشة موضوع اللجنة العسكرية المشتركة. لكن عدن رفضت موقف صنعاء، لأنها تعتبر الائتلاف الحكومي غير قائم.

وأشارت المصادر نفسها إلى قبول صنعاء وعدن، فكرة إشراف اللجنة العسكرية المشتركة على وقف النار وتوسيعها. وقالت إن الإبراهيمي، يود أن يحمل في يده الموافقة على تشكيل اللجنة العسكرية والتفاصيل المتعلقة بآلية الإشراف على وقف النار، عندما يعود الأسبوع المقبل إلى نيويورك، لرفع تقريره إلى الأمين العام ومجلس الأمن. إلاّ أن هذه المصادر توقعت أن يواجه البحث في هذه التفاصيل عراقيل، لا سيما أن عدن تريد أن تكون اللجنة تحت إشراف الأمم المتحدة، بينما تريدها صنعاء محلية، بمشاركة دولية أوسع. وأكدت هذه المصادر أن هناك ضغوطاً عديدة على الإبراهيمي، للإسراع في استكمال ما يسعى إليه، كي لا يعطي الانطباع إلى صنعاء، بأن في إمكانها استغلال هذه الاجتماعات والاتصالات، لتحقيق الحسم العسّكري.

ج. وعُلم من مصادر عربية، على اتصال بالإدارة الأمريكية، أن واشنطن بدأت تفقد صبرها مع صنعاء، بسبب استمرار قصفها عدن، وقالت هذه المصادر، أن واشنطن بينما تشدد على ضرورة ضبط صنعاء، وعدم السماح لها استغلال مهمة الإبراهيمي، لاستكمال الحسم العسكري، فإنها تنصح، أيضاً، دول المنطقة المعنية، بالتريث في استخدام ورقة الاعتراف بالانفصال، كي لا تتشدد المواقف والمواجهة العسكرية، ويحاول الأمريكيون بلورة أفكار لجهة تحسين الاتصالات بين العسكريين، للاتفاق على "مفهوم" وقف النار، كي لا تستمر صنعاء وعدن في تبادل اتهامات البدء بخرق وقف النار. كما ذكر بيان للخارجية الأمريكية، أن صنعاء أعطت ضمانات متكررة، بأنها لن تفرض حصاراً على عدن، أو تحاول الاستيلاء عليها بالقوة.

د. أوضح مصدر حكومي يمني، أن المقترحات، التي تقدمت بها صنعاء، لعقد اجتماع للاتفاق على تشكيل لجنة الإشراف على وقف النار، نصت على أن يعقد الاجتماع في القاهرة أو جدة أو دمشق أو الرباط، وأن يحضر الاجتماع ممثلون بعدد "متساو" من حزب المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي للاتفاق على القضايا الآتية:

(1) من هي الدول التي يمكن إضافتها إلى اللجنة العسكرية المشتركة السابقة، التي كانت تتكون من قادة وضباط يمنيين، وضباط أردنيين، وعُمانيين، والملحقين العسكريين الأمريكي والفرنسي (وقد اقترحت صنعاء إضافة مراقبين عسكريين من سورية والمغرب).

(2) قوام المراقبين العسكريين من هذه الدول وعددهم، وقد اقترح أن يكون هناك مراقب من كل دولة ستشارك في اللجنة، في محاور القتال الرئيسية في اليمن، وعددها خمسة محاور: ثلاثة في عدن، ومحور غرب محافظة حضرموت، ومحور خامس في وادي حضرموت.

(3) الترتيبات العملية والميدانية التي ستتخذ لتثبيت وقف إطلاق النار.

(4) الترتيبات العسكرية على الأرض الخاصة بكيفية عمل المراقبين، فستترك للجنة المشتركة.

4. يوم 19 يونيه 1994

أ.  واجه الاجتماع، المقرر أن يعقد اليوم في القاهرة، بين أطراف الأزمة اليمنية، عراقيل، بسبب الخلافات الأساسية القائمة بين هذه الأطراف، خصوصاً أن صنعاء تخشى أن يتخذ شكل لقاء شمالي ـ جنوبي، مع ما يعنيه ذلك من إضفاء شرعية دولية على "جمهورية اليمن الديموقراطية".

وقد وصل وفد جنوبي، بالفعل، للمشاركة في المحادثات المزمعة، إلاّ أن السلطات الشمالية أبلغت الإبراهيمي أنها لن توفد أحداً، إلا بعدما تلغي القيادة الجنوبية علناً، قرارها بإقامة دولة منفصلة في الجنوب.

ثم عادت وأبلغت مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، السيد الأخضر الإبراهيمي، بموقفها بشأن اجتماع القاهرة، بين وفدٍ من صنعاء، وعدن، للبحث في آلية الإشراف على وقف النار، مؤكدة أن هذا اللقاء يجب أن يتم في صيغة محادثات غير مباشرة، وليس وجهاً لوجه، ويجب أن يكون على أساس الائتلاف الثلاثي القائم في الحكومة، وألا يشكل أي نوع من الاعتراف أو التعامل مع "الانفصاليين"، وإنما هو محاولة للتفاهم، وفقاً لقرار مجلس الأمن الرقم (924)، على آلية وقف النار.

ب. من ناحية أخرى، تحدثت مصادر مصرية بمرارة، عن ما وصف بـ "ازدواجية المواقف"، التي تبدر عن القيادة الشمالية، التي كانت على ما يبدو قد وافقت في اتصالها مع الحكومة المصرية، على حضور محادثات القاهرة. وقد نفى عمرو موسى، وزير الخارجية المصري، بغضب أن تكون مصر قد عرضت الوساطة أو الرغبة، باستضافة مؤتمر سلام يمني، في مثل الظروف الراهنة.

وفي واشنطن، قال مسؤول في الإدارة الأمريكية أمس، إن بلاده تراقب تطورات الوضع في اليمن. وتنتظر الرد على مبادرة الإبراهيمي، ودعوته إيفاد ممثلين عن الجانبين في القاهرة، لبدء المفاوضات".

وعن قصف عدن والقتال حولها قال المسؤول الأمريكي "إن هناك قتالاً جارياً، ولا يوجد وقف حقيقي للنار. وأشار إلى أن السفارة الأمريكية في صنعاء، ليس لها طريق إلى عدن"، إشارة إلى عدم إمكانية وصول المسؤولين فيها، إلى المدينة.

ج. ويتوقع الخبراء الغربيون "عمليات عسكرية جديدة"، ذات نطاق واسع حول مدينة عدن، ومنطقة شبوة الغنية بالنفط. ويبدو أن القيادة الشمالية، واقعة تحت تأثير أولئك الذين يصرون على أن أي محادثات لوقف إطلاق النار، ينبغي أن تبدأ بشكل جدي فقط، بعد أن تكون قوات صنعاء قد حققت لها موطئ قدم داخل منطقة عدن. من جانبه عبر الدكتور عبدالعزيز الدالي، مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الاشتراكي اليمني، عن استعداد عدن للحوار في أي كان، من أجل وقف القتال، ولكنه شدد على أهمية أن يتخذ مجلس الأمن القرار، الذي يلزم صنعاء بتنفيذ القرار السابق الرقم (924).

د. نفى السيد حيدر أبو بكر العطاس، رئيس الوزراء في "جمهورية اليمن الديموقراطية"، تصريحات للدكتور عبدالكريم الإيرياني، وزير التخطيط اليمني، عن تدخل دول الخليج في النزاع اليمني، وتزويدها عدن بالأسلحة، ورحب العطاس بنتائج زيارته، التي اختتمها أمس السبت 18 يونيه، للمملكة العربية السعودية، وقال: "لقد وجدت خلال الزيارتين اللتين قمت بهما أخيراً للسعودية، تفهماً كبيراً من خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبدالعزيز، ومن كل الأخوة المسؤولين في المملكة العربية السعودية، وأستطيع القول إنني في هذه الزيارة أكثر تفاؤلاً بالمستقبل"، ونوه بالموقف السعودي قائلاً: "إن المملكة العربية السعودية تقف بكل الإمكانيات لمساعدة شعبنا في المحنة، التي يعيشها حالياً". وأكد استعداد القيادة الجنوبية للحوار، ولكن بعد وقف النار وفصل القوات، مشدداً على رفض إحياء اللجنة العسكرية، التي شُكلت قبل اندلاع الحرب.

وأهاب العطاس بالمنظمات الإقليمية والدولية "الإسراع في تقديم مساعدات إنسانية عاجلة إلى الشعب اليمني، في محافظة عدن، والمحافظات المحيطة بها، التي تعاني من نقص حاد في الإمدادات الطبية والغذائية والخدمات، بسبب القصف المستمر، الذي تعرضت له من جانب قوات اليمن الشمالي". ودعا القيادة العسكرية في صنعاء، إلى "الانصياع لقرارات المجتمع الدولي والشرعية الدولية، بوقف القتال، وتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 924".

هـ. وفي صنعاء، نفت الحكومة اليمنية في أول رد لها على بيان وزارة الخارجية الأميركية الأخير، المتعلق بالوضع في اليمن، أن تكون قد تعهدت للإدارة الأمريكية عدم دخول القوات المسلحة الحكومية مدينة عدن. وقال مصدر مسؤول: "سبق للحكومة اليمنية إبلاغ حكومتي الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية، أنها ستؤجل دخول القوات المسلحة، قوات الشرعية والوحدة، عدن، لمطاردة فلول الانفصاليين المتمردين، الذين يتمترسون بالسكان داخل المدينة، إذا وجدت الحكومة حلاً سياسياً مناسباً، يقوم على أساس إنهاء حال التمرد، وإجراء الحوار في إطار الجمهورية اليمنية، والتزام دستورها والشرعية الدستورية الناتجة عن انتخابات 27 (نيسان) أبريل 1993، ومنع التدخل في الشؤون الداخلية اليمنية بما ينهي الحرب بحقن الدماء".

وأكد المصدر أن الحكومة اليمنية تذكر، أن استمرار الوضع الراهن على ما هو، واستمرار حال التمرد، واستمرار إمداد المتمردين بالأسلحة، والعتاد العسكري، لإطالة أمد الصراع، يفرض على الحكومة في الجمهورية اليمنية، الاضطلاع بمسؤوليتها الوطنية والدستورية، وإنهاء حال التمرد، وتجد نفسها ملزمة، طبقاً لحقها الدستوري والقانوني، التعامل مع الخارجين على الشرعية الدستورية، بالطريقة المناسبة لها، وفي أي مكان على الأرض اليمنية. وتأمل الحكومة اليمنية بأن يتفهم الأشقاء والأصدقاء ذلك".

5. يوم 20 يونيه 1994

أ.  وصل أمس إلى القاهرة وفد صنعاء، وهو برئاسة عضو اللجنة العليا في حزب المؤتمر الشعبي العام، السيد علي منصور رشيد، ويضم الدكتور عبدالوهاب الروحاني، والسيد أحمد الإيرياني. أما حزب التجمع اليمني للإصلاح فيمثله السادة عبدالله الأكوع، وعبدالقادر القيري، والدكتور منصور الزنداني، أعضاء الهيئة العليا للحزب.

وقال مصدر حكومي في صنعاء، إن الحكومة اليمنية أرسلت مندوبين إلى الحوار في القاهرة، "في إطار الائتلاف الثلاثي الحاكم، لتبرهن على صدقيتها، والتزامها مبدأ الحوار من أجل إنهاء الأزمة اليمنية، في إطار الجمهورية اليمنية، والوحدة والشرعية الدستورية، على أساس نتائج الانتخابات النيابية، التي جرت في البلاد في 27 (نيسان) أبريل 1993، وانتهت إلى إقامة الائتلاف الثلاثي في الحكم بين أحزاب المؤتمر الشعبي والاشتراكي، والتجمع اليمني للإصلاح.

ب. التقى وزير الخارجية المصري، السيد عمرو موسى، وفداً جنوبياً، ضم عضو مجلس الرئاسة في "جمهورية اليمن الديموقراطية" السيد سالم صالح محمد، الذي صرح بأن لقاء الوفدين الشمالي والجنوبي " يعتمد على قرار صنعاء وقف إطلاق النار، والتزامها الفعلي بقرار مجلس الأمن". وأتهم صنعاء بأنها "تحاول الالتفاف علىالجهود المبذولة وتضيع الوقت"، معتبراً أن المطلوب الآن هو "العودة إلى مجلس الأمن، واتخاذ قرار جديد، يردع الطرف المخالف لقراره السابق". لكنه أوضح أن عودتنا للمجلس ستتقرر بناء على نتائج جهود مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، ومحاولاته إيجاد آلية لوقف إطلاق النار. ولفت النظر إلى أن "القتال مستمر بضراوة لمحاولة تطويق عدن، وهناك مقاومة باسلة أدت إلى تغير الأوضاع في محافظتي شبوة، ولحج، حيث بدأت المقاومة الشعبية للاحتلال، تأخذ مداها".

وقال: "عدن لديها قضية، ونحن كيان معترف به، ونواجه الآن غزواً، واحتلالاً، وحرباً، وهتكاً للأعراض، وفي هذه الحال من حقنا أن نطلب أي مساعدات للدفاع عن حقنا وعن مصيرنا، والدول التي تمد اليمن الجنوبي بالسلاح، هي الدول التي تقف إلى جانب الحق، واحترام الحوار والسلام في المنطقة. وهذه الدول هي دول عربية ودول صديقة".

وقال السيد سالم صالح "إن الحرب تعطي نتائج أخرى، لهذا فإن مائدة المفاوضات هي، التي ستحدد المستقبل في اليمن، ولا يمكن لهذا المستقبل أن يعود إلى ما قبل الحرب، والوحدة لا يمكن أن تفرض بالقوة، لأنها وإن كانت تمت طواعية، إلاّ أنها تعرضت للأسف الشديد لتدمير داخلي، من جانب قوى لا تريد الوحدة، وتعتقد أن الوحدة هي الدم، وانتهاك حقوق الآخرين. من هنا فإن مثل هذه الوحدة، التي لا تقوم على أسس صحيحة، لا يمكن لها أن تستمر لأن الصواريخ والمدافع نسفت هذه الوحدة الهشة".

ج. أشتد أمس عنف المواجهة بين طرفي الأزمة اليمنية على الصعيدين السياسي والعسكري، ووصلت جهود الأمم المتحدة لاحتوائها إلى حافة الانهيار، وعلى الرغم من قرار صنعاء، في آخر دقيقة، إرسال وفد للمشاركة في لقاء القاهرة، حيث أجرى الأخضر الإبراهيمي المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، اتصالات منفردة مع وفدي الشمال والجنوب، لبحث آلية وقف إطلاق النار وتثبيته، أعلن بعدها أن هذه الاجتماعات مجرد بداية. وقال أنه يعتقد أن مهمته في القاهرة انتهت. مما يدعم قول المصادر بأنه لم يحقق أي تقدم.

التقى الأخضر الإبراهيمي، أمس، وفداً من "جمهورية اليمن الديموقراطية"، ضم كلاً من سالم صالح محمد، وعبدالله الأصنج، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وعبدالعزيز الدالي، عضو المكتب السياسي ومسؤول العلاقات الخارجية في الاشتراكي، والسفير شاهر سيف، المندوب اليمني الدائم لدى الجامعة العربية سابقاً. ثم اجتمع مع وفد عدن المكلف بالتفاوض حول إيجاد آلية للإشراف على وقف النار، الذي كان وصل إلى القاهرة مساء أول من أمس. ويترأس الوفد نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط، محسن محمد أبو بكر بن فريد العولقي، الأمين العام لـ "رابطة أبناء اليمن"، ويضم السادة قاسم عبدالرب عضو مجلس النواب وعبدالجليل غيلان سفير اليمن السابق في مصر وعبدالعزيز الباكري وعلي السقاف (أعضاء في التجمع اليمني الذي يترأسه السيد عبد القوي مكاوي، عضو مجلس الرئاسة)، كما حضر اللقاء السيد عبد الله الأصنج، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وقال الإبراهيمي "إن اللقاء جاء في إطار الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار وإيجاد الآلية الخاصة بتطبيقه"، معرباً عن تفاؤله بنجاح مهمته "لأن هناك محاولات جادة لتشكيل لجنة لمراقبة وقف إطلاق النار". لكن الأصنج أتهم صنعاء بأنها تمارس الالتفاف على قرار مجلس الأمن الرقم (924)، ولا تستجيب لمنطق العقل ودعوة الخير، التي كررها الرئيس المصري، محمد حسني مبارك، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وعبرت عنها المملكة العربية السعودية، مؤكداً استجابة "اليمن الديموقراطية" الكاملة للجهود، شرط أن يحضر وفد صنعاء "ملتزماً متطلبات السلام وقرار مجلس الأمن ونداء الضمير، الذي يحرّم على المسلم قتل أخيه المسلم".

ونبه الأصنج إلى ضرورة أن يكون وفد صنعاء "مخولاً اتخاذ قرارات ملزمة للمسؤولين في صنعاء"، مطالباً حكومة صنعاء بأن تلتزم متطلبات قرار مجلس الأمن، وتستجيب لرغبة المجتمع الدولي، وتنهي أعمال العدوان. لكنه شكك في "إمكان أن يكون وفد صنعاء مخولاً اتخاذ قرارات"، وعزا ذلك إلى أن الرئيس علي عبدالله صالح "لا يثق بأحد ممن حوله ولا يحترم تعهداته". فشدد على ضرورة أن يقدم الشماليون مقترحات مكتوبة، تعبر عن وجهة نظر صنعاء.

د. اجتمع الإبراهيمي، بعد ذلك، مع وفد صنعاء، الذي يترأسه علي منصور رشيد، يضم خمسة أعضاء يمثلون الأحزاب المتحالفة في القيادة الشمالية.

وأعلن المتحدث باسم الوفد الشمالي، عبدالله الأكوع، بعد الاجتماع أن "البحث تركز على الوسائل والآليات، التي تمكننا من تفعيل موضوع اللجنة العسكرية لوقف إطلاق النار"، التي تشكلت في (كانون الأول) ديسمبر 1993.

هـ. وأتهم محسن محمد بن فريد، الذي يرأس وفد الجنوب، وفد صنعاء بأنه يسعى إلى إفشال كل الجهود الدولية المبذولة، لوقف القتال. وقال إن وفد صنعاء جاء إلى القاهرة، وهو يحمل مطالب يدرك مسبقاً أنها غير مقبولة. وأن الوفد الشمالي طرح على المبعوث الدولي، أن يكون الاجتماع في إطار الائتلاف الحاكم (الاشتراكي والشعب والإصلاح)، وأن تكون اللجنة العسكرية السابقة، هي المخولة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي.

و. يرى معظم المراقبين أن فرص عقد مؤتمر سلام كامل تعتبر، في الوقت الحاضر، "ضئيلة تماماً"، بينما يستمر القتال حول عدن، وفي أبين وشبوة.

أما قضية وقف إطلاق النار، فيعتبرها المراقبون الشماليون مشكلة ثانوية، إذا تم التغلب على المشكلة الأهم المتعلقة بالخطوة التالية لوقف القتال، باعتبار أن الرئيس عبدالله صالح، لا يستطيع أن يأمر قواته بوقف القتال، إذا لم يضمن أنه استطاع الحفاظ على الوحدة، وهو الهدف الرئيسي المعلن من وراء الحرب، الدائرة في البلاد منذ أكثر من سبعة أسابيع. وذكر مسؤول يمني كبير، في اتصال هاتفي معه في صنعاء، أن خلافاً حاداً نشب بين كبار رموز القيادة الشمالية، حول مهمة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، الأخضر الإبراهيمي، والاقتراح الذي تقدم به قبل يومين، لعقد لقاء القاهرة بين وفدين من صنعاء ومن عدن. وقال هذا المسؤول إن الخلاف استدعى عقد اجتماع طارئ، برئاسة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، حضره رئيس مجلس النواب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، والدكتور عبدالمجيد الزنداني، وعبدالله النسي، عن التجمع اليمني للإصلاح. كما حضره الدكتور عبد الكريم الإيرياني، والدكتور محمد سعيد العطار، والعقيد علي محسن الأحمر، عن حزب المؤتمر الشعبي العام. وذكر المسؤول أن خلافاً عاصفاً ساد أجواء هذا اللقاء، وأن الدكتور الإيرياني كان أول المتحدثين، ربما بتنسيق مع الرئيس علي صالح، وأنه ـ أي الإيرياني ـ شدد على أن صنعاء جربت كل السبل والوسائل، وأنه من المستحيل الاستمرار في الوضع على هذا النحو إلى ما لا نهاية.

وحسب قول المسؤول اليمني، فإن الإيرياني شدد على أن بلاده أصبحت معزولة، وأنها خسرت دول الجوار، والكثير من الدول العربية، وأنها وضعت في دائرة العراق والرئيس العراقي، صدام حسين، وأن هذا سيؤدي بها إلى وضع لا تحسد عليه.

ز. وصل إلى القاهرة يوم الجمعة الماضي، وفد مجلس النواب اليمني، لعقد اجتماعات مع مسؤولين برلمانيين في مصر، فيما كان وفد الجنوب قد التقى رئيس مجلس الشعب (البرلمان) المصري، الدكتور فتحي سرور، وعدداً من المسؤولين المصريين.

ح. وفي أحدث نداء من نوعه، وجهت أمس نساء محافظة حضرموت الجنوبية بيان مناشدة، إلى زعماء العالم وزوجاتهم، وإلى الأمين العام للأمم المتحدة، وعدد من الشخصيات الدولية البارزة، والصحف، ووسائل الإعلام، تدعوهم فيه إلى بذل مساعيهم الحميدة لوقف الحرب، خصوصاً وقف القصف، الذي تتعرض له عدن، ومدن الجنوب، والذي أدى إلى سقوط مئات الضحايا، خصوصاً من النساء والأطفال العزل. ووقع على البيان، الذي عنون باسم اتحاد نساء اليمن (حضرموت)، مئات من الشخصيات النسائية، ونساء عاملات وأمهات.

6. يوم 21 يونيه 1994

أ.  حذرت صنعاء، من أن جيشها، سيقتحم عدن، إذا حدث اعتراف دولي بالانفصال.

ب. كان مقرراً أن يغادر الإبراهيمي القاهرة اليوم، ذلك أن فشل جهوده في عقد اجتماع، بين وفدي اليمن شماله وجنوبه للبحث في وقف إطلاق النار، عجل بإنهاء زيارته للعاصمة المصرية. ومن المقرر أن يقدم الإبراهيمي إلى الأمين العام للأمم المتحدة، تقريراً عن نتائج محادثاته في اليمن ومصر، وفي عدد من دول المنطقة، على رأسها المملكة العربية السعودية. وقبيل مغادرة الإبراهيمي القاهرة، عقد اجتماعاً موسعاً مع وفد صنعاء بناء على طلب الوفد، أعيد خلاله طرح تشكيل آلية لتثبيت وقف إطلاق النار، في اليمن.

وطلب الإبراهيمي من وفد صنعاء، الذي نقل إليه رسالة من الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، تلقاها الوفد خلال وجوده في القاهرة، إبلاغ الرئيس اليمني ضرورة وقف النار، كشرط لأي حوار يمكن أن يتم. وتضمنت رسالة صنعاء تأكيد احترامها لقرار مجلس الأمن الرقم(924)، الداعي إلى وقف النار في اليمن.

وتحدثت مصادر خليجية في نيويورك، عن قرار جديد سيصدره مجلس الأمن، يتضمن نشر مراقبين دوليين في اليمن. وأشارت إلى عقوبات سياسية قد تفرض على صنعاء، وقد تترجم باعتراف بـ "جمهورية اليمن الديموقراطية".

وعلى صعيد المواقف السياسية، صعّد رئيس مجلس الرئاسة في "جمهورية اليمن الديموقراطية"، السيد علي سالم البيض من لهجته، ونُقل عنه قوله "لا يمكن أن نقبل استعماراً أكثر تخلفاً"، معتبراً أن صيغة "الجمهورية العربية اليمنية"، التي يحاول الرئيس علي عبدالله صالح فرضها عبر الوحدة، هي أسوأ من أيام الاستعمار البريطاني.

ج. فشل مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، سواء في اتجاه جمع وفدي شمال وجنوب اليمن، أو الاتفاق على وقف إطلاق النار، ووضع آلية للإشراف على تثبيته. ودعا الإبراهيمي "أطرافاً أخرى" إلى "الاتصال بالأخوة في اليمن، لحضهم على وقف إطلاق النار"، وقال أنه سيتوجه إلى نيويورك اليوم، لتقديم تقرير إلى الأمين العام للأمم المتحدة. ومجلس الأمن، عن "الإجراءات التي يرى ضرورة اتخاذها في هذا الصدد". وغادر وفد الجنوب برئاسة السيد سالم صالح محمد، عضو مجلس الرئاسة، ووفد لجنة التفاوض برئاسة وزير التخطيط السيد محسن محمد أبو بكر بن فريد، إلى تونس، في جولة في دول المغرب العربي.

وغادر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة السيد الأخضر الإبراهيمي القاهرة أمس، في طريقه إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك.

د. وفي نيويورك، بدأت الأطراف المعنية بالأزمة اليمنية، التحضير لإستراتيجية ما بعد تقرير الإبراهيمي، الذي يتوقع تقديمه إلى مجلس الأمن في غضون سبعة أيام. وقالت مصادر خليجية، إن الخطوة التالية، ستهدف إلى تحميل الرئيس علي عبدالله صالح، مسؤولية انتهاكات وقف النار، وما يترتب عليها من إجراءات في المجلس، وتوقعت هذه المصادر أن يصدر قرار أخر عن المجلس، "ربما يحدد فترة لامتثال الجميع لوقف النار، ويطلب من الإبراهيمي استئناف مساعيه، في إطار تفويض أوسع، ينقل مهماته من الوسيط المستمع، إلى الوسيط الناشط الذي يقدم أفكاراً". وتحدثت المصادر الخليجية عن قرار جديد لمجلس الأمن، ينطوي على عنصر المراقبين الدوليين، لوقف النار في إطار دعوة الدول إلى "التطوع" بمراقبين. وأشار إلى "عقوبات سياسية"، تُفرض على حكومة الجمهورية اليمنية، ملمحة إلى أن "الاعتراف بجمهورية اليمن الديموقراطية" هو ضمن العقوبات السياسية. وقالت إن من شأن هذين الإجرائيين "تضييق الخناق" على الرئيس علي عبدالله صالح. وأن الإستراتيجية تقوم على "تضييق الخناق عليه عبر إجراءات قانونية". وتوقعت أن "يتصرف كما تصرف الرئيس العراقي، صدام حسين، كلما فقد صوابه".

هـ. أجرى السيد محمد سالم باسنده وزير الخارجية اليمني، محادثات في لندن أمس مع وزير الخارجية البريطاني دوجلاس هيرد (Douglas Hurd)، ويتوقع أن يجري اليوم مزيداً من المحادثات مع المسؤولين البريطانيين.

وحث هيرد باسندوه بشدة على "العمل السريع" لوقف إطلاق النار، على أساس القرار الرقم (924)، الذي تعلق لندن عليه "أهمية خاصة". حيث يتردد، أن هناك بصيص أمل في التوصل إلى صيغة لوقف النار، ولم يعلن أي معلومات عنها.

و. وحملت التقارير أمس، أيضاً، إشارات إلى احتمال استمرار الحرب لفترة طويلة، إذ ذكرت مصادر المخابرات، أن الطرفين فتحا قنوات اتصال بتجار الأسلحة، بغية الحصول على كميات من السلاح. وقالت المصادر إن السلطات في صنعاء على وشك إبرام اتفاق مع تاجر سلاح بلجيكي لتزويدها بناقلات جنود مدرعة. وفي الوقت نفسه، راحت صنعاء تدفع بقوات جديدة، في ما يبدو كأنه محاولة أخرى للاستيلاء، على جزء من عدن على الأقل.

لكن احتمال اتخاذ مجلس الأمن الدولي إجراءات صارمة، منها قرار ملزم بفرض مقاطعة شاملة، دفع كلاً من الطرفين لوضع قدم واحدة في الحلبة الدبلوماسية. وقالت مصادر غربية إن الصيغة الجديدة لوقف إطلاق النار، ستعرض للنقاش من جانب الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن، إضافة إلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، في وقت لاحق من الأسبوع الحالي.

7. يوم 22 يونيه 1994

أ.  صرحت مصادر دبلوماسية في كل من واشنطن ولندن، أمس، أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، اتفقتا على تصعيد الجهود الرامية لتحقيق وقف فوري لإطلاق النار، في عدن، بعد أن كثفت القوات الشمالية قصفها للمدينة، في ما يشير، على ما يبدو، إلى أن صنعاء تستعد لشن هجوم شامل لاقتحام المدينة، بعد إخفاق جهود الأخضر الإبراهيمي لوقف إطلاق النار.

وكانت لندن، أمس، نقطة التقاء الجهود الدبلوماسية المتعلقة باليمن، إذ اجتمع رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور (John Major)، مع سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، الذي اجتمع أيضاً مع دوجلاس هيرد. في حين التقى دوجلاس هوج (Douglas Houg)، وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية، ومحمد سالم باسندوه، وزير خارجية اليمن. وتلقى باسندوه إنذاراً من بريطانيا، يطالب بوقف قصف المدنيين في عدن فوراً.

وقال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، إن المحادثات بين ميجور، وسمو الأمير سعود الفيصل، تركزت حول الوضع في اليمن، مشيراً إلى أن بريطانيا تشارك المملكة العربية السعودية القلق حول الوضع الخطير في اليمن. وأكد أنها تساند مهمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة.

وبعد ذلك، بحث هيرد الوضع في اليمن مع وارين كريستوفر، وزير الخارجية الأمريكي، ومع مستشار الأمن القومي الأمريكي أنتوني ليك.

ب. وطرأ تغير واضح ذو دلالة على الموقف الغربي، عندما قال متحدثون دبلوماسيون أمريكيون وبريطانيون وفرنسيون، إن الحرب في اليمن أصبحت "ذات أبعاد أوسع"، ويمكن اعتبارها "خطراً يهدد استقرار المنطقة كلها".

وربما أفسح ذلك الطريق، أمام اللجوء إلى مواد خاصة من ميثاق الأمم المتحدة، تتيح اتخاذ إجراءات قسرية، منها فرض الحظر، دفاعاً عن السلام العالمي.

وقال متحدث بريطاني أنه أصبح للحرب الآن، تبعات أوسع تهمنا مباشرة، ونحن ننظر إليها كخطر عالمي واضح. ونحن مستعدون لاتخاذ إجراءات قوية، لدعم وقف إطلاق نار عاجل. وستثير بريطانيا وفرنسا موضوع اليمن في القمة الأوربية في كورفو، في اليونان، في نهاية الأسبوع الحالي.

ج. وأثناء لقاءات باسندوه مع هيرد وهوج، كل على حدة، حاول الوزير اليمني، كما تقول التقارير، أن يكسب دعم بريطانيا لصيغة جديدة، تحافظ على دور الأمم المتحدة، في محاولة وقف محدود ورمزي لإطلاق النار، لكن المسؤولين البريطانيين أخبرا باسندوه، بشكل صريح وحازم، وجوب وقف القتال.

ويبدو أن القوى الغربية الكبرى، مصرة على القيام بعمل ما حتى قبل أن يقدم الإبراهيمي تقريره إلى الأمين العام للأمم المتحدة. ومن المتوقع أن يصدر المؤتمر الأوربي في كورفو بياناً، حول الموضوع، في حين تمارس فرنسا ضغوطاً على صنعاء، لوقف قصف عدن.

وتركز الدبلوماسية الغربية حالياً على أربع نقاط:

(1) وقف الهجمات على عدن فوراً.

(2) الموافقة على استضافة فريق من المراقبين العسكريين، التابعين للأمم المتحدة، لتقييم الموقف مباشرة.

(3) تحديد موعد مبكر لبدء محادثات وقف إطلاق النار، بإشراف وسيط الأمم المتحدة.

(4) الاتفاق على السماح لعمليات الإغاثة الإنسانية، العمل في كل المناطق المتأثرة بالقتال.

وأخطرت صنعاء أن ممارستها أساليب تسويفية، أمر لن يغتفر، إذا تجاوز حدود معينة. ولا تفكر القوى الغربية حالياً في الاعتراف بـ "جمهورية اليمن الديموقراطية" المعلنة، ولكنها قد تعيد النظر في موقفها، إذا رفضت صنعاء وقف إطلاق النار، في وقت مبكر.

د. وتناقش الدوائر الغربية فكرة إقامة قنصليات في عدن، أو توسيع ما لديها هناك الآن، كوسيلة للضغط على صنعاء، لوقف إطلاق النار.

وفي واشنطن، قالت مصادر في الإدارة الأمريكية، إن مجلس الأمن سيركز في جلسته الطارئة المقرر عقدها خلال اليومين المقبلين، على إرسال مراقبين دوليين ومساعدات إنسانية، إلى اليمن.

واستبعدت المصادر فكرة تطبيق عقوبات اقتصادية على صنعاء، في هذه المرحلة، ولكنها أكدت أن فكرة الاعتراف يمكن التلويح بها ضمنياً، في صيغة القرار الجديد، لإجبار صنعاء على الاستجابة لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم (924)، الخاص بوقف إطلاق النار الفوري.

8. يوم 23 يونيه 1994

أ.  في وقت بات متوقعاً أن تجرى مفاوضات بين شمال اليمن وجنوبه، في نيويورك قريباً، كشف مسؤول أمريكي، معني بملف اليمن في نيويورك أمس، أن الولايات المتحدة الأمريكية، تريد أخذ المبادرة، في طرح مشروع القرار المقبل في مجلس الأمن، هي ودول أخرى دائمة العضوية في المجلس، وأخرى تعتبر محايدة. وقال إن أبرز الأفكار التي تبحث كعناصر في مشروع القرار هي:

أولا: آلية الإشراف على وقف النار وتثبيته.

وثانياً: إمكانية إرسال مراقبين لمراقبة المناطق، التي تصل إليها الأسلحة في شمال اليمن وجنوبه.

وانطلاقاً من هذا الواقع قال المسؤول، "إن على مجلس الأمن التصرف بصورة تضمن حياده، والأفضل أن تتقدم دول أعضاء في المجلس، بدل الأطراف المعنية بمشروع القرار، وشدد على ضرورة تجنب ما حدث في الجولة الأولى، من طرح ملف اليمن في مجلس الأمن، واعتبرته صنعاء، بأنه مبادرة ضدها. وقال إننا نفضل أن تأخذ الدول الدائمة العضوية في المجلس المبادرة.

ب. وتحدث المسؤول الأمريكي، عن مختلف الاحتمالات المعنية، بنشر مراقبين للإشراف على وقف النار. وقال إن موقف الولايات المتحدة الأمريكية، لا يزال يقوم على أنه "من الأفضل عدم إرسال مراقبين للأمم المتحدة"، للإشراف على وقف النار.

لكنه أكد أن كل الخيارات مفتوحة، ومن بينها الثلاثة الآتية:

أولاً: أن يترك مجلس الأمن مسألة المراقبين في يد الأمين العام الدكتور بطرس غالي، ويُبدي استعداده للموافقة على رأي الأمين العام، إذا وجد أن من المفيد إرسال مراقبين دوليين.

ثانياً: قد يدعو مجلس الأمن المنظمات الإقليمية المعنية، إلى إرسال مراقبين من الدول العربية والإسلامية، للإشراف على وقف النار.

ثالثاً: قد يقرر مجلس الأمن أن يرسل مراقبين دوليين، للإشراف على وقف النار.

ولم يستبعد المسؤول احتمال الانطلاق من آلية وقف النار، المتمثلة في اللجنة العسكرية اليمنية المشتركة، بتوسيع عضويتها لكنه قال: "إن الأطراف اليمنية عجزت عن الاتفاق على الآلية، كما تكاثرت الشروط المسبقة في شأنها".

ج. يصل اليوم إلى نيويورك وزير التخطيط اليمني، الدكتور عبدالكريم الإيرياني، لإجراء لقاءات مع أعضاء مجلس الأمن. ومن المتوقع أن يجتمع غداً بالأمين العام قبل مغادرته نيويورك، إلى واشنطن، ثم يعود إلى نيويورك عندما يبدأ مجلس الأمن الأسبوع المقبل مناقشة موضوع اليمن.

وتردد أن وفداً من الجنوب، يضم السيد حيدر أبو بكر العطاس، والسيد عبدالله الأصنج، في طريقه إلى واشنطن.