إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الوحدة اليمنية والحرب الأهلية (1994)






المناطق القابلة للانفجار العسكري
المرحلة الأولى
المرحلة الثالثة
المرحلة الثانية
انتشار بعض قوات الشطرين
اليمن الجنوبي
اليمن الشمالي
جغرافية مسرح العمليات اليمني



القسم الأول: ردود الأفعال الداخلية والعربية والدولية تجاه الأزمة اليمنية، والحرب الأهلية

القسم الأول: ردود الأفعال الداخلية والعربية والدولية تجاه الأزمة اليمنية، والحرب الأهلية

عام:

على الرغم من أن الأسباب الداخلية للأزمة، شكلّت عوامل جوهرية لاستمرار حدة الصراع وتصاعده، بين شطري اليمن، إلا أن عوامل إقليمية، كان لها تأثير واضحٌ، على مجريات الأحداث وتفاقمها.

وقد كان الموقف الواضح والمعلن لجامعة الدول العربية، ومعظم المجموعة العربية، ودول العالم، يدعو لرأب الصدع، وضبط النفس، وحل الخلافات بالوسائل السلمية، لكن التداعي السريع للأحداث، وما صاحب الموقف العسكري من مفاجآت، برزت في مواجهة قوات الشطر الجنوبي لليمن، يثير الكثير من التساؤلات، حول بعض المعلومات، التي بثتها وكالات الأنباء، عن تغذية الصراع، ودعم بعض القوى الإقليمية لقوات اليمن الشمالي، لأسباب سياسية وأيديولوجية ودينية. مع الأخذ في الاعتبار، أن الخبراء العسكريين، أكدوا أن القوات الجنوبية كانت أفضل تدريباً، وتنظيماً، قبل الحرب، ومع ذلك مُنيت بالهزيمة. ومن المؤكد أن الهزيمة العسكرية للجنوب، قد تعقبها ممارسة قهر من الشمال تجاه الجنوب، والتمييز ضده في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكل ذلك ـ بالطبع ـ سوف يترك بصمات واضحة ـ ولفترة طويلة ـ على العلاقات اليمنية الشمالية ـ الجنوبية.

وفي هذا الإطار، فإن ردود الأفعال المختلفة، بعد اندلاع الحرب الأهلية في اليمن، أظهرت تفاعلات محلية يمنية، وكذلك ردود فعل عربية إقليمية، فضلاً عن ردود الفعل للمحيط الدولي، سواء من المنظمات الدولية أو الدول الغربية.

أولاً: رد الفعل اليمني "الداخلي" للحرب الأهلية

1. على الرغم من أن اليمن الموحد، واجه أزمات سياسية واقتصادية، منذ اليوم الأول لقيامه في مايو 1990، إلاّ أن عام 1994 انطوى على تحد خاص، تمثل في اللجوء إلى خيار القوة العسكرية لإنهاء الدور السياسي والعسكري للحزب الاشتراكي، الذي أعلنت بعض قياداته، في غمرة المواجهة العسكرية، العودة مرة أخرى إلى الأوضاع السابقة على قيام الوحدة، وإعلان قيام دولة اليمن الديموقراطي، بحدودها الشطرية نفسها السابقة، على قيام دولة الوحدة.

2. وعلى مدى شهري مايو ويونيه، اللذين استمر فيهما القتال، بدت الأزمة اليمنية، وهي أزمة داخلية في الأساس، قابلة لأن تكون أزمة إقليمية، وربما دولية أيضاً. وتمحور الصراع بين اتجاهين رئيسين: الاتجاه الأول عبرت عنه حكومة صنعاء، وركز على أن الصراع القائم، هو صراع داخلي بين حكومة شرعية، تستند إلى انتخابات تشريعية، وإلى تأييد ودعم شعبين، وبين فئة متمردة تعمل على العودة إلى الماضي، وقوامها الرئيسي عناصر من الحزب الاشتراكي اليمني، بقيادة علي سالم البيض. وأن جوهر الصراع هو الوحدة في مواجهة الانفصال، وأن هذا الصراع يدور في إطار دولة واحدة، معترف بها عربياً ودولياً، وأن من حق الحكومة الشرعية، التعامل مع هذه الفئة بكل الطرق المشروعة، بما في ذلك القوة المسلحة، بهدف إفشال مشروعها الانفصالي.

أما الاتجاه الثاني، فقد عبرت عنه بعض قيادات في الحزب الاشتراكي، ورابطة أبناء اليمن، ودعا إلى أن الأزمة اليمنية في جوهرها، ليست أزمة انفصال ضد وحدة، وإنما هي أزمة بين كيانين منفصلين، أو على الأقل لكل منهما طبيعته الخاصة. وأن أحد هذين الكيانين وهو الشطر الشمالي السابق، الأكثر عدداً في السّكان، والأشد تقليدية، يسعى إلى فرض هيمنته بالقوة المسلحة على الكيان الآخر، وهو الشطر الجنوبي، وأنه طالما أثبتت فترة الوحدة السابقة ـ ما بين مايو 1990 إلى أبريل 1994 ـ عدم قدرتها على تطوير الواقع اليمني، أو الاعتراف بخصوصية أبناء الجنوب، فإن من حقهم السعي إلى بلورة هذه الذاتية، من خلال الخروج من مشروع الوحدة نفسه، باعتباره مشروعاً سياسياً وتنموياً لم يثبت جدواه. فضلاً عن أن من حقهم إيجاد، أو على الأقل العودة، إلى الشكل السياسي والقانوني الدولي السابق، الذي يعيد لهم هذه الذاتية، ويبعد عنهم هيمنة أبناء الكيان الآخر. وفي هذا السياق ركز هذا الاتجاه على مقولة، إن الوحدة هي بالأساس عمل تطوعي، وأنها لا تفرض بالقوة، وأن من حق من دخل مشروعاً وحدوياً متطوعاً، أن يخرج منه عندما يرى ذلك.

وفي غضون الأزمة، استند الاتجاه الأول إلى مبدأ سيادة اليمن الموحد، وطالما أن هذه الأزمة، هي بين حكومة شرعية وفئة متمردة، فليس من حق القوى الخارجية، سواء الإقليمية أو الدولية، التدخل، أو محاولة مساعدة الفئة المتمردة بأي صورة، فضلاً عن أن المنظمة الدولية ليس من حقها النظر في هذه الأزمة. وقد ظلت حكومة صنعاء، تبني موقفها على أساس، أن جهود التعريب أو التدويل، ما لم تصاحب بإنهاء التمرد، وابتعاد الفئة المتمردة عن البلاد، والاعتراف المطلق باليمن الواحد، لن تكون مقبولة، وسوف ترفض جملة وتفصيلاً.

أما الاتجاه الآخر فعبر عن منحى مختلف، قوامه طلب المساعدة العربية والدولية، انطلاقاً من أن تلك المساعدة سوف تسهم في بلورة الذاتية الجنوبية، على نحو أوضح، من جانب، وتقود إلى الاعتراف بوجود كيانين مختلفين، من جانب آخر.

ومن هنا كانت الأزمة اليمنية في شقها الظاهري، صراع بين مبدأ السيادة الداخلية لليمن الموحد، كما أكدت على ذلك حكومة صنعاء، وبين مبدأ التدويل بما ينطوي عليه من تدخل خارجي، وترجع عن الوحدة، الذي سعت إليه بعض قيادات الحزب الاشتراكي، ورابطة أبناء اليمن.

وعلى الصعيد العملي، تجاوبت حكومة صنعاء مع الضغوط العربية والدولية، التي سعت إلى طرح مطالب إنسانية، عبر الجامعة العربية أو الأمم المتحدة، إلاّ أن هذا التجاوب لم يكن سوى نوع من التعامل المحسوب، مع هذه الضغوط، بغية تفريغها من مضمونها، وعدم ترك الساحة الدولية للفريق المناوئ، وأيضاً لعدم الظهور كدولة تتحدى المجتمع الدولي. وساعد على ذلك، أن القوى الدولية الأساسية في مجلس الأمن، خاصة الولايات المتحدة، وفرنسا، وإنجلترا، وروسيا، قد عبرت عن تأييدها لدولة الوحدة اليمنية، وأوضحت أن تدخلها ليس لفرض حل معين، بقدر ما هو مراعاة لاعتبارات إنسانية، تتعلق بالرغبة في وقف القتال، وتوفير مناخ مناسب للحوار السياسي. يضاف إلى ذلك، أن أياً من الدول الإقليمية، التي تعاطفت مع أطروحات قيادة الحزب الاشتراكي، لم تجرؤ على تأييد الانفصال والاعتراف بالدولة الجديدة. كذلك، فإن بعض الإشارات السياسية والإعلامية، التي أعلنتها دول خليجية، واعتبرت كنوع من الاعتراف الضمني بالدولة المعلنة في الجنوب، لم تكن تخرج، في حقيقة الأمر، عن عملية تكثيف للضغوط على حكومة صنعاء، لغرض وقف القتال، والتجاوب مع جهود مجلس الأمن. ومن ناحية أخرى، فإن الدولة المعلنة في الجنوب، لم تجد من يناصرها عملياً، لا سيما على صعيد الاعتراف القانوني والسياسي. وعلى الرغم من توافر مؤشرات على تقديم أطراف إقليمية مجاورة صنوفاً من الدعم العسكري والمادي ـ قدرتها حكومة صنعاء بحوالي 3.3 مليار دولارـ إلا أن هذا الدعم لم يكن له أثر كبير، في تغيير موازين القوى على أرض الواقع.

في هذا السياق، جاءت التدخلات الخارجية في الأزمة اليمنية محدودة التأثير، على الأقل من زاوية عدم القدرة على دفع حكومة صنعاء إلى تغيير إستراتيجيتها في الحسم العسكري، والتخلي عن بعض أو كل المبادئ، التي صاغتها لتحركها الداخلي والخارجي معاً. وكذلك، من زاوية عدم نجاحها ـ أي التدخلات الخارجية ـ في توفير الحد الأدنى من مقومات البقاء، لمشروع الدولة، التي أعلنت في الجنوب.

3. وقد عانى الحزب الاشتراكي بعد الوحدة، من هزة شديدة، ناتجة عن التحول من حزب الدولة الوحيد، في الشطر الجنوبي السابق، إلى أحد الأحزاب المشاركة في ائتلاف حكومي، في ظل نظام تعددي. وقد فعلت هذه الهزة فعلها، عندما تنامي الشعور بعدم حصول الحزب، على ما يساوي إسهامه في الوحدة. وقد تبين ذلك خلال الدورة الحادية والثلاثين للجنة المركزية للحزب الاشتراكي، التي انعقدت في نوفمبر 1993، وبرز فيها من خلال الحوارات، أن الحزب الاشتراكي قدم نظام دولة كاملة، وثلثي الأرض والثروة والكادر الوظيفي، لدولة الوحدة، إلاّ أن شركاءه في الحكم تجاهلوا ذلك. لذلك، كانت تلك الدورة نقطة تحول في سياسة الحزب الاشتراكي، إذ بدأ يطالب بأسس جديدة، تحتكم إلى التوازن بين الشطرين. وأدت قلة تجاوب قيادة حزب المؤتمر الشعبي العام، مع هذا الشعور إلى الإحساس بالغبن، وتفاقم الأزمة وتصاعدها بسرعة، مع أوائل عام 1994.

وكانت قيادة حزب المؤتمر الشعبي، تستطيع أن تحد، من تفاقم الأزمة، بإظهار اهتمام أكبر تجاه شعور قيادة الحزب الاشتراكي بالغبن، عندما لجأ علي سالم البيض إلى اعتكافه الثالث، كرد فعل لما اعتبره، تهميشاً لدوره كشريك رئيسي في صنع الوحدة، وتقليصاً لصلاحياته.

4. وقد برهنت أحداث الأزمة اليمنية وتطوراتها، أن أحزاب الائتلاف الحاكم " المؤتمر العام، والإصلاح، والاشتراكي" لم يعرفا الحوار في تاريخهم، بل اعتادا حل خلافاتهم عبر تصفيات جسدية. لذا، أخفقت جميع الوساطات العربية، والمحاولات التي قامت بها قوى يمنية، لإقناعهم بالحوار. فلا جهود تنظيم حوار وطني أثمرت، ولا الوساطات العربية نجحت، وقد وصلت أزمة الثقة بينهم إلى منتهاها، حتى إن بعض أحزاب المعارضة طالبت باستقالة العليين معاً "علي صالح، وعلي سالم البيض، ولم يكن هذا ممكناً، "بل عملا كلاهما للحيلولة دون توحيد الجيشين في مؤسسة عسكرية وطنية محايدة، تنأى بنفسها عن الصراعات السياسية والحزبية، وقد حرص كل من قيادتي الحزبين "المؤتمر والاشتراكي، على الاحتفاظ بولاء جيشها، ولا فارق هنا بين الولاء العقائدي لجيش الجنوب، والولاء القبلي العائلي لجيش الشمال، فقد تعامل كل من الحزبين مع جيشه كما لو كان ميليشياً تابعة له.

5. على الرغم من انتصار القوات الشمالية، واستيلائها على عدن وحضرموت، والحفاظ على الوحدة بالقوة العسكرية، فإنه يصعب القول، هل هذا العمل يضمن بحد ذاته الاستقرار؟ ذلك أن الفرص الحقيقية لاستقرار تجربة الوحدة، والديموقراطية، قد أصبحت أقل بكثير، بعد الحرب الأهلية، عنها قبلها. وفي هذا الإطار فإن محاولات الحكومة المركزية، تسوية خلافاتها عن طريق الحوار، وليس العنف، أصبح موضع شك إلى حد كبير. ذلك أن حكومة علي عبدالله صالح، لو كانت صادقة في اقتناعها بأفضلية الحوار، لما شنت الحرب أصلاً، ولاتبعت أسلوب الحوار بحسن نية منذ البداية. واتضح من خلال المعلومات المختلفة، أن قيادة اليمن الشمالي، هي المسؤولة عن شن الحرب، ولم يكن في نية اليمن الجنوبي فرض الانفصال بالقوة العسكرية، وقد جاء إعلان دولة مستقلة في الجنوب، كرد فعل دفاعي ضد الحرب، التي شنها الشماليون ضدها.

6. ويخشى قادة الشمال من أن يؤدي إعمال قواعد الديموقراطية، والاعتراف بحق الجنوب في المشاركة السياسية بصورة متكافئة، أو في اختيار ممثليهم لممارسة أعمال السلطة، أن يؤدي ذلك إلى انتهاج البرنامج نفسها، الذي طبقه الحزب الاشتراكي في الجنوب، قبل وأثناء الحرب الأهلية، مما يعني إعادة إنتاج الأزمة السياسية، التي قادت إلى الحرب. واتضح ذلك من الصراع، الذي دار داخل القيادة في صنعاء، سواء في حزب المؤتمر، أو حزب الإصلاح، بشأن خطوات المستقبل، ودور الحزب الاشتراكي في العملية السياسية، في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، وما يستتبع ذلك من سياسات على المستويات الداخلية والإقليمية.

فبعض أعضاء حزب المؤتمر، يعتقدون أن استمرار دور فاعل للحزب الاشتراكي، سوف يحقق فوائد عديدة، أهمها ضمان مصالحة فعلية، واسترضاء لأنصاره. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن اشتراك الحزب الاشتراكي، في السلطة السياسية، سوف يمكن اليمن من الحصول على مساندة إقليمية ودولية، فضلاً عن أن الحزب الاشتراكي، يعتبر عامل توازن للحد من جموح حزب الإصلاح، ولكن الشرط الذي يضعه هذا الفريق، يتمثل في ضرورة تعديل برنامج الحزب الاشتراكي، بدءاً من اسمه ونهاية بسياساته.

وثمة اتجاه ثان داخل حزب المؤتمر، يدعو لاسترجاع دور قوي للحزب الاشتراكي. وينظرون لشخصيات رئيسية يمكنها لعب دور مستقبلي، وهي العناصر، التي حافظت على نقاط التقاء مع صنعاء أثناء الحرب. وينادي بعض أعضاء المؤتمر، بضرورة تقوية التيار الناصري للرئيس السابق علي ناصر محمد، الموجود في دمشق منذ أحداث عام 1986، لضرب مجموعة علي سالم البيض، داخل الحزب. ويرى هؤلاء أن علي ناصر محمد ورجاله يمتلكون تأثيراً شعبياً، يساندهم في تهدئة مشاعر القهر، التي تعرض لها سكان عدن نتيجة الحرب، أما حزب الإصلاح، الذي يرأسه الشيخ عبدالله الأحمر، فيرى بعض أعضائه، وعلى رأسهم عبد المجيد الزنداني، ضرورة استبعاد الحزب الاشتراكي تماماً من المشاركة السياسية، في المرحلة القادمة، ويصل هؤلاء إلى درجة الاعتراض على جملة سياسات الحزب الاشتراكي، ويقولون إنهم حاربوا وضحوا بدمائهم، ومن حقهم أن تعتمد وجهات نظرهم، ومبادئهم في مجمل سياسات الدولة.

والحقيقة أنه في حالة انتصار وجهة نظر حزب الإصلاح، فأن ذلك يعني امتداد وتوطيد علاقات الهيمنة الشمالية على الجنوب، وتكريس منطق الانتصار والهزيمة، في مجال العملية السياسية، بما قد يؤدي، على أحسن الفروض، إلى تسليم الجنوبيين لمنطق السلطة المركزية، كحالة اضطرارية غير طوعية، بما يكرس الانفصال الواقعي، الذي يجعل شعب الجنوب، ينسحب من أي مشروع سياسي ينضوي تحته، عندما تتوافر له الظروف المناسبة، ليرفض سياسة الدمج القسري، بما يؤدي إلى تغذية الروح القبلية، التي تبرر النزعة الانفصالية، ومشروعية كيانها الاقليمي.

7. ولعل ممارسات القيادة في صنعاء، تتنافى مع مفهوم العفو الشامل، الذي أعلنه الرئيس علي عبدالله صالح، متضمناً استعداده لإشراك الحزب الاشتراكي في العملية السياسية. فقد منع الرئيس اليمني بعض أعضاء مجلس الوزراء من الحزب الاشتراكي، من حضور اجتماعات الوزارة في عدن، التي خصصت لبث الثقة في سكان الجنوب، وإصلاح أوضاعهم المعيشية المتدهورة. كما قيّد حرية العاملين في جهاز الأمن الداخلي، وإحلال أعضاء ينتمون لحزب الإصلاح محلهم، إضافة إلى التصريحات العدائية المتوالية من قبل قادة الإصلاح، خاصة عبدالمجيد الزنداني، الذي يصر على استبعاد الحزب الاشتراكي من السلطة، على الرغم من أن جزءاً لا يُستهان به، من قادة الحزب وأعضائه عارضوا الانفصال، كما عارضوا الحرب.

8. تمزق الحزب الاشتراكي بعد الحرب، وانقسم إلى أربع تيارات، تتنازع المؤسسة الاشتراكية، أولها التيار الوحدوي، وهو الذي يؤيد الحكومة المركزية في الشمال، وقرر منح العقيد علي محسن الأحمر، أركان حرب الفرقة الأولى المدرعة، ميدالية فتاح من الدرجة الأولى، تقديراً لجهوده الوطنية في الحفاظ على الوحدة، وترسيخ دعائمها، ونشرت هذا البيان صحيفة " التيار الوحدوي"، التي تعبر عن وجهة نظر ما يعرف في صنعاء، باسم تيار عبد الفتاح إسماعيل، ويعتبر ذلك انقلاباً جذرياً في موقف تيار، عرف عنه أنه الأكثر ثورية.

أما التيار الثاني فيمثله أنصار" اللجنة التحضيرية"، لانعقاد المؤتمر الرابع للحزب. والتيار الثالث يعبر عنه الحزب الاشتراكي بقيادته الراهنة، ممثلة بالأمين العام علي عبدالله صالح عباد، وهو التيار الشرعي في نظر الهيئات الرسمية اليمنية. والتيار الرابع عبارة عن تيارات موزعة خارج البلاد، بعضها يلتزم مواقف الحزب، وبعضها الآخر يعترض عليها علناً أو ضمناً.

إن الحزب الاشتراكي الشرعي، هو الأكثر تنظيماً وتمثيلاً للحزب الأم، والتيارات الأخرى الموجودة في الداخل خاصة، تنازع الحزب شرعيته، ويمثل أنصار اللجنة التحضيرية بالتحديد "القيادات الوسطية" في الاشتراكي. وقد اتخذت إجراءات تنظيمية، من ضمنها فصل قيادات الحزب بأكملها، في الداخل والخارج، باعتبارها غير شرعية، لأنها أيدت الانفصال، والسعي لانتخاب هيئة قيادية جديدة.

أما تيار عبدالفتاح إسماعيل، فيمثل مجموعة الشبان " المتحمسين"، الذين يدينون بالولاء لعبدالفتاح إسماعيل، ويعتبرون أن شرعيتهم تنطلق من شرعية مؤسس الحزب"، ويتلقى التيار دعماً كبيراً من الدولة.

9. اتفق ممثلو رابطة أبناء اليمن، وممثلون عن قيادات الحزب الاشتراكي اليمني، والتجمع الوطني اليمني، وعدد من ممثلي الشخصيات المستقلة، على إعلان تشكيل الجبهة الوطنية للمعارضة، والتصدي ومواجهة ما أسموه "قوى الهيمنة والتسلط والاستبداد"، في صنعاء وأعلنت الجبهة ما يلي:

أ. رفضها لنتائج الحرب والعمل على إزالة آثارها، استناداً لقراري مجلس الأمن رقمي 924، و931.

ب. رفضها محاولات طمس شخصية الجنوب، وإذلال الإنسان فيه بقوة السلاح، و"القهر والتسلط".

ج. تعمل الجبهة على إنهاء، سيطرة التحالف العسكري الاستخباراتي.

د. تعمل الجبهة لتحقيق مصالحة وطنية شاملة، تستهدف ما يلي:

(1) إعادة الاعتبار للجنوب

(2) معالجة جراحات الصراع السياسي والاجتماعي، في كل مراحله:

(أ) بين أبناء الجنوب لبعض.

(ب) بين أبناء الشمال ولبعض.

(ج) بين أبناء الجنوب والشمال.

(3) إجراء استفتاء شعبي عام، في كل المحافظات الشمالية والجنوبية، على صيغة وحدة، يتفق عليها ويرتضيها الشعب اليمني.

(4) وضع صيغة لإقامة وحدة تستند إلى مضمون وثيقة العهد والاتفاق.

هـ. تلتزم الجبهة بالمنهج الديموقراطي، وميثاق حقوق الإنسان، وبناء الاقتصاد الوطني الحر.

و. تبذل الجبهة جهوداً مكثفة لتصحيح مسار العلاقات، مع دول الجوار العربية.

وأعلن عن إنشاء هذه الجبهة في أواخر عام 1994، ولم يُسمع عن نشاط فاعل لها.

 

10. تفاعل التيارات الإسلامية، مع الأزمة اليمنية:

أ.  كان من أهم إفرازات أزمة الوحدة اليمنية، هو لفت الانتباه إلى تفاعل التيارات الإسلامية مع الأزمة. وقد بات واضحاً أن خريطة التيارات الإسلامية في اليمن معقدة للغاية، لا تقل عن بلدان عربية أخرى. وكان للتيارات الإسلامية دورها الواضح في تصاعد حدة الأزمة السياسية، وتعاظم هذا الدور بشكل حاد، خلال فترة الصراع العسكري، ولذا كان من الصعب إغفال تأثير التيارات الإسلامية على نتائج المعارك، وحسم الحرب الأهلية اليمنية، وما بعدها.

ب. فمنذ بداية الحرب، وقادة الحزب الاشتراكي، يلحون على تلوين الصراع بصبغة إسلامية، والتلويح بخطر الأصولية، فقدموا أنفسهم كمن يحارب من أجل منع إقامة دولة إسلامية أصولية، تشكل تهديداً لدول أخرى، وكان هدفهم من وراء ذلك، استثارة قوى إقليمية ودولية، للمبادرة، في تقديم العون لهم.

غير أن الاشتراكيين تعاملوا في الوقت نفسه، مع إسلاميين، جمعهم مع الاشتراكيين عداوتهم لعلي عبدالله صالح، والمؤسسة العسكرية الحاكمة، وأيضاً الخوف من أن يمد الرئيس علي عبدالله صالح، سلطته الكاملة على الجنوب وأبنائه، وتمثل هؤلاء الإسلاميون في حزب رابطة أبناء اليمن، بزعامة عبدالرحمن الجفري، ذي الميول الإسلامية المعتدلة، والحريص على مصلحة الجنوب وأبنائه. كما نجح الحزب الاشتراكي في مرحلة ما قبل إعلان الانفصال، في استمالة حزب الحق الإسلامي، ذي الميول الزيدية. وكانت حجة علي سالم البيض القوية، أن شركاءه الجدد ليسوا أصوليين تماماً، وإنما وطنيون تقليديون، معتدلون، يؤمنون بدور للدين الإسلامي في الدولة الجديدة. حتى إن وثيقة إعلان دولة اليمن الديمقراطية، تنص على أن الإسلام دين الدولة، والشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.

ج. وقد اتضح أن البعد الأصولي موجود في كلا المعسكرين، الجنوبي والشمالي. ففي الجنوب توجد الحركة الإسلامية الحديثة، في معظم المحافظات، خصوصاً عدن، وشبوة، وأبين وحضرموت، وتضم أعضاء من الأخوان المسلمون. كما يوجد البعد الأصولي الحقيقي في الشمال، حيث يشارك الأصوليون في مجلس الرئاسة وفي الحكومة، وفي مجلس النواب، ويحتلون مواقع مهمة في عدد كبير من الأجهزة الأمنية، حتى إن بعض المراقبين يرون، أنه ربما يجيء يوم، يقيم فيه الإسلاميون على أرض اليمن دولتهم المنشوده، تحقيقاً لِما وصفه به مؤسس الإخوان المسلمين، الإمام حسن البنا، اليمن عام 1948، بأنها بيئة صالحة للمشروع الإسلامي، إذا لم يلوثها الاستعمار بفكره التخريبي.

د. ومن أمثلة تفاعل التيارات الإسلامية، مع الصراع اليمني، ما يلي:

(1) في شهر أغسطس 1993، عندما اشتدت الأزمة اليمنية، وأخذت منحنياً خطراً، لمّح الاشتراكيون أن عمليات الاغتيال، التي يتعرض لها قادتهم، يقف وراءها قوى إسلامية، داخل اليمن وخارجه، بهدف فتح ملف الثأر المتراكم منذ تولى الاشتراكيين السلطة. وأراد الحزب الاشتراكي، إغلاق الملف نهائياً بعد الوحدة، انطلاقاً من مبدأ، أن الوحدة تُجب ما قبلها. وعلى الرغم من أن اتفاقية الوحدة، حملت بنداً بهذا المعنى، إلاّ أن كثيرين رفضوا القبول به، على أساس أن هناك عشرات الألوف من المتضررين من أبناء الجنوب، وأنه لابد من حل جذري للمشكلة. وقدم الشيخ الزنداني، مشروعاً متكاملاً، يتضمن اعتراف الحزب الاشتراكي بأخطاء الماضي، وتحديد المتضررين، ودفع تعويضات لهم، لكن الحزب الاشتراكي رفض المشروع، بحجة أن الحزب ليس وحده، الذي أرتكب أخطاء الماضي.

(2) كان لأعضاء حزب الإصلاح من الجنوبيين، وتنظيم الجهاد المرتبط بأسامة بن لادن، دور كبير في تسهيل الاستيلاء على محافظة شبوه، فقد كانوا يعملون من داخل المدن، والمناطق العسكرية.

(3) عاد الإخوان المسلمون المرتبطون بحزب الإصلاح، إلى العمل السري أثناء الحرب، واختفوا في شوارع عدن، وبعد اكتشاف مخططهم والقبض على عدد منهم، قصفت القوات الجنوبية بعض القرى في لحج، المعروفة بولائها لحزب الإصلاح.

(4) قاتل أحد لواءات الوحدة، في صف الحزب الاشتراكي الجنوبي، ومعظم أفراد هذا اللواء من الإخوان المسلمين الشماليين، وهم على خلاف مع حركة الإخوان، التي ارتبطت بحزب الإصلاح.

(5) وفي حضرموت، المميزة تاريخياً وحضارياً واجتماعياً، حيث تتركز قوة العلماء الإسلاميين والصوفيين، ممن ينتمي إليهم علي سالم البيض، والجفري، وحيدر العطاس، ومعظمهم في مدينة تريم وسط وادي حضرموت. وعلى الرغم من أن علي سالم البيض، كان يعوّل عليهم كثيراً في مقاومة قوات علي عبدالله صالح، إلاّ أنهم لم يناصروا علي سالم البيض، ولم يرحبوا بجيش علي عبدالله صالح، وإنما انتظروا ما تُسفر عنه نتائج المعركة، وظهور المنتصر، فهم لم يتناسوا أن شر السياسة وصل إليهم في يوم ما، وتعرضوا لاضطهاد كبير، خلال فترة هيمنة الحزب الاشتراكي على الجنوب، ومده العقائدي. وهذا ما حاولت إذاعة صنعاء استثارته فيهم، بتذكيرهم بالجروح القديمة، ولكنهم ما كانوا يثقون في الأسرة العسكرية الحاكمة في الشمال، ويخشون هيمنتهم على ما تبقى من خصوصيات الحضارمة. وكان لموقفهم المحايد، السبب الرئيسي في التقدم السريع للقوات الشمالية، لمسافات شاسعة في اتجاه المكلا، مما حقق المفاجأة، وسهل سقوط مطار الريان، ومدينة المكلا. إلاّ أنه بعد انتهاء الحرب، بدأ يزداد لدى الحضارمة الشعور بالمواطنة، وازداد اقتناعهم بأن هناك شمال وجنوب، خاصة بعد ما تعرضت عدن وحضرموت إلى عمليات النهب والسرقة، وهتك الأعراض، والجرائم البشعة، بعد صدور الفتوى، بجواز قتل الضعفاء من شيوخ ونساء وأطفال، تحت إدعاء إن الكفار الانفصاليين متمترسون بهؤلاء. ولذلك تغيرت نظرتهم للحرب، وأصبحوا يرون فيها غزواً، يستهدف الأرض والأموال والأعراض. وبدأت عقلية المواطن الحضرمي تستشعر خطر الغزاة الشماليين.

(6) التيارات الإسلامية بعد الحرب:

(أ) بعد انتهاء الحرب اليمنية، ظهرت التيارات الإسلامية على الساحة اليمنية أكثر قوة، وأشد نفوذاً، مما كانت عليه قبل الحرب. في الوقت الذي كان الحزب الاشتراكي يواجه أخطر أزمة، في تاريخه.

(ب) عقد مؤتمر لعلماء الدين في اليمن، استمر ثلاثة أيام، وانتهى في 13 يوليه 1994. وأطلقوا عليه "مؤتمر النصر"، وحضره الشيخ عبدالمجيد الزنداني، والشيخ عبدالله الأحمر، رئيس حزب الإصلاح، والقاضي إسماعيل الحجي. وضم المؤتمر معظم علماء الدين في اليمن، ومن مختلف المناطق والمذاهب. وقد دعا العلماء إلى تعديل الدستور، ليكون دستوراً إسلامياً، بما يجعل الشرعية الإسلامية المصدر الوحيد للقوانين. وطالبو بعدم السماح بعودة الاشتراكيين للحكم، وشنوا هجوماً عنيفاً على الحزب الاشتراكي عموماً، وليس على المجموعة الانفصالية فقط، وطالبوا بإنشاء بنك إسلامي في اليمن، وكان واضحاً من كلمات المؤتمرين، أن ما جرى في اليمن. كان جهاداً مشروعاً، وانتصاراً للإسلام على الإلحاد. وعادوا إلى التذكير بالماضي، حيث ردد المتحدثون أن علماء الدين في اليمن، هم اللذين تفاعلوا مع النظام الجمهوري، وأنهم علّموا الناس أن النظام الجمهوري من الإسلام، واستمر تفاعلهم مع الثورة والوحدة، حتى جاءت المعركة الأخيرة، فوقفوا مع القوات المسلحة والشعب والوحدة.

(ج) أصبح حزب التجمع للإصلاح يتصرف في اليمن، تصرف المنتصر، الذي يرى أنه حقق هدفه بالقضاء على غريمة الحزب الاشتراكي. ويطالب المتشددون في الحزب، بعدم عودة الحزب الاشتراكي، وإنهاء الائتلاف الثلاثي القائم، على أساس أن الاشتراكي خسر موقعه في السلطة.

وتعرض الرئيس علي عبدالله صالح، لضغوط داخلية شديدة، من حلفائه في حزب الإصلاح، لقطع جميع العلاقات مع خصومهم التقليديين، في الحزب الاشتراكي اليمني.

ولم يكتف حزب التجمع بضغوطه، بل مَاَرسَ داخل اليمن ممارسات "انتقامية"، ضد الحزب الاشتراكي وعناصره. بدأت هذه الممارسات باستمرار حملة التحريض الدينية في المساجد، والمحافظات على الحزب. وقاد هذه الحملة الشيخ عبدالمجيد الزنداني، الذي يلقي خطبة يوم الجمعة كل أسبوع، ويكرسها للتحريض على "الحزب الملحد والكافر". وتنتهي الممارسات بقيام العناصر المسلحة في تجمع الإصلاح، التي استطاعت التسلل إلى ألوية الجيش، وجهاز الأمن السياسي، بعمليات ملاحقة وتخوين، لكوادر الحزب الاشتراكي في عدن والمكلا. وذكرت أنباء وردت إلى مصادر دبلوماسية غربية في صنعاء، أن عناصر من جماعة "الجهاد الإسلامي" بقيادة طارق الفضلي، الموجود في محافظة أبين الجنوبية، تقوم بعمليات انتقام، وصلت إلى درجة القتل، في حق بعض المسؤولين الأمنيين السابقين، في الحزب الاشتراكي.

كما بدأت قيادات حزب التجمع في التحرك، داخل اليمن الجنوبي، لمحاولة كسب تأييد العلماء الجنوبيين، للحكومة المركزية في صنعاء.

(د) أعلن الشيخ عبدالمجيد الزنداني، عضو مجلس الرئاسة اليمني، وزعيم التيار المتشدد في حزب التجمع للإصلاح، أن التغيرات التي أحدثتها الحرب، تستوجب تعديل وضع الحكومة، ولم ينف أن حزب الإصلاح يسعى للسيطرة على الحياة السياسية في اليمن، وقال: "نحن دعاة مبادئ، ونريد ترك تلك المبادئ أن تنتشر وأن تعم". وأشار إلى مساعي التجمع، لإقامة نظام حكم إسلامي في اليمن، وقال: "إننا نؤمن بأن الإسلام دين شامل، يستجيب لكل مطالب الحياة". وأعترف، بأنه سيسعى إلى الطلب من البرلمان اليمني، تعديل الدستور، بشكل يؤكد أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع في اليمن، وأن أي مسلم يعلم أن دين الله كامل، لا نقص فيه، وأن فيه الهدى لكل أمر مطلوب في شريعة الإسلام، والشعب اليمني يعرف هذه البديهيات من ديننا، ولم تؤثر فيه الأفكار الوافدة، التي تدعو إلى فصل الدين عن الحياة، ففصل الدين عن الحياة دعوة غريبة عن الإسلام، لأن ذلك يعني أننا نتهم أحكام الله بالقصور والجهل، أو نتهمها بعدم المناسبة، ومن يقول ذلك، كأنه يدعي أنه اعلم وأحكم من الله.