إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الوحدة اليمنية والحرب الأهلية (1994)






المناطق القابلة للانفجار العسكري
المرحلة الأولى
المرحلة الثالثة
المرحلة الثانية
انتشار بعض قوات الشطرين
اليمن الجنوبي
اليمن الشمالي
جغرافية مسرح العمليات اليمني



القسم الأول: ردود الأفعال الداخلية والعربية والدولية تجاه الأزمة اليمنية، والحرب الأهلية

ثانياً: الأزمة اليمنية في الإطار العربي

1. انقسمت المواقف العربية بين تيارين رئيسيين، أحدهما أيد بقوة مسلك حكومة صنعاء، وضم دول العراق، والسودان، وقطر، وإلى حد ما الأردن، وليبيا، وسورية. وتعود أسباب هذا التأييد إلى مزيج من الاعتبارات التاريخية والأيديولوجية، والتقارب في المفاهيم والمصالح. أما التيار الثاني، وضم دول الخليج الخمس، فيما عدا قطر، إلى جانب مصر، فرفض مسلك حكومة صنعاء، وتعاطف نسبياً مع موقف الحزب الاشتراكي. واستند هذا السلوك إلى التخوف من أن يؤدي الحسم العسكري، إلى تغيير المنظومة اليمنية، بصورة كلية داخلياً وإقليمياً، ومن ثم إيجاد مصدر آخر للتوتر الإقليمي. وقد نشرت عدة تقارير صحفية ـ لم تثبت في الواقع بصورة كافية ـ تضمنت تقديم كل من العراق والسودان دعماً عسكرياً إلى حكومة صنعاء، وهو ما أدى إلى إعادة شحن الواقع العربي بذكريات حرب الخليج. وبدا الوضع العربي مرشحاً إلى تكرار حالة الانقسام الحاد، التي عرفها مع غزو العراق للكويت في نهاية عام 90، ومطلع عام 91.

2. التحرك المصري:

في ظل هذا الانقسام جاء التحرك المصري، الذي يعد ممثلاً لفريق الدول العربية، التي رفضت أسلوب حكومة صنعاء، في الحسم العسكري، وركزت على ضرورة الحوار السياسي الموسع، والدعوة للفصل بين القوات الموالية لحكومة صنعاء، والقوات الموالية للحزب الاشتراكي. وفي الوقت نفسه، إبداء الاستعداد للتوسط، بين الطرفين.

ومما تجدر الإشارة إليه، أن السياسة المصرية إزاء الأزمة اليمنية، تأثرت بعدد من المحاذير السابقة، المتعلقة بكون اليمن إحدى قنوات، من حيث التمويل وتسهيل عمليات التدريب، لموجة الإرهاب في مصر، لا سيما أن هناك جماعات أصولية يمنية، لا تخفي تأييدها للجماعات المصرية المستخدمة للعنف. وقد ازدادت التخوفات المصرية، من أن يكون أسلوب الحسم العسكري، الذي اتبعته صنعاء، وشاركت في تأجيجه الجماعات الأصولية اليمنية، سواء المنضوية تحت لواء حزب التجمع اليمني للإصلاح أو غيرها، مقدمة لسيطرة هذه الجماعات على السياسة اليمنية، ومن ثم توفير تربة إقليمية خصبة، لمزيد من عمليات الإرهاب في مصر. وساعد على ذلك رؤية قوامها أن الحزب الاشتراكي، هو عنصر توازن في الساحة اليمنية، وأن وجوده يمثل عامل سيطرة رئيسي على انتشار النفوذ الأصولي، لذلك فإن غيابه أو إضعافه، قد يؤثر سلباً على المنظومة اليمنية، بطريق غير مباشرة ـ على مصالح مصرية رئيسية.

جاء التحرك المصري على أكثر من مسار:

الأول :

إرسال مبعوث خاص، في محاولة لاستطلاع الأوضاع، ودرس إمكانية القيام بوساطة مصرية، منفردة أو مجتمعة، مع طرف عربي آخر.

والثاني:

الدعوة إلى اجتماع طارئ للجامعة العربية، لبحث الأزمة اليمنية، وإبداء الاستعداد بإرسال قوات عربية تضم قوات مصرية، للفصل بين القوات اليمنية المتحاربة. إلاّ أن رفض الجانب الحكومي اليمني لهذا الاقتراح، فضلاً عن انتقادات داخلية، أدى إلى عدم طرحه أصلاً، في دورة الجامعة العربية.

والثالث:

القيام باتصالات مع دولة الإمارات العربية، والدول العربية الخليجية الأخرى، للبحث في موقف موحد، ضد تمسك حكومة صنعاء، والرئيس علي عبدالله صالح شخصياً، بالاستمرار في أسلوب الحسم العسكري.

والرابع:

المشاركة مع الدول الخليجية الخمس، في طرح الأزمة اليمنية على مجلس الأمن مرة ثانية، بعد تمكن حكومة صنعاء من تفريغ القرار 924 من مضمونة، والالتفاف على ما تضمنه من وقف فوري للقتال.

وعلى المسارات الأربعة، تحدد الموقف المصري بناء على ثلاثة مبادئ:

المبدأ الأول:

ضرورة وقف القتال فوراً، وعدم قبول سياسة الحسم العسكري، التي تمارسها حكومة صنعاء.

المبدأ الثاني:

عدم المساس، بما أسماه وزير الخارجية عمرو موسى، الثوابت السياسية الموجودة، على الساحة اليمنية.

المبدأ الثالث:

الوحدة لا تفرض بالقوة.

وقد عبّرت هذه المبادئ عن قدر من التعاطف الضمني مع أطروحات الحزب الاشتراكي، ولكنها لم تصل إلى حد تبني مواقف كاملة، لا سيما فيما يتعلق بالاعتراف بدولة اليمن الديموقراطي، التي أعلنت في 21 مايو.

وتطبيقاً لهذه المبادئ، مع إبداء الاستعداد للتدخل، المحسوب بدقة، لوقف القتال، بعد أن تعثرت تماماً مهمة الجامعة العربية، نظراً لرفض حكومة صنعاء التجاوب معها، وجدت مصر في اهتمام مجلس الأمن، بناء على مساع خليجية، تطوراً يمهد إلى تدويل الأزمة اليمنية، وهو ما كان موضعاً لتحذيرات الرئيس مبارك غير مرة، ولكنه من جانب آخر قد يؤدي إلى وقف نزيف الدم اليمني. ومن هنا أيدت مصر قرار مجلس الأمن رقم 924، الذي دعا إلى وقف القتال فوراً. وفي مرحلة تالية، وبعد تعثر مهمة الأخضر الإبراهيمي، التي استندت إلى هذا القرار، ومع استمرار القتال ومحاصرة قوات الحكومة لعدن، وضرب المنشآت الاقتصادية فيها، اتجهت مصر إلى مسايرة الجهود الخليجية، التي أدت إلى إعادة نظر مجلس الأمن للأزمة اليمنية مرة أخرى، وصدور القرار الرقم 931، الذي لم يتضمن، بدوره، أية آلية لوقف القتال، وهو الأمر الذي عولت عليه المساعي الخليجية كثيراً. وعندما استطاعت القوات الحكومية، بعد أربعة أيام من صدور القرار الدولي، محاصرة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، ومركز تجمع قيادات الحزب الاشتراكي، ثم الدخول إلى عدن في 7 يوليه، اعتبرت مصر أن هذا التطور لا يعني نهاية الأزمة، ولكنه بمثابة فصل جديد لها، يتطلب العمل على تحقيق المصالحة الوطنية الموسعة، وتجاوز سياسة الانتقام الحزبي، أو المناطقي، والسيطرة على أعمال العنف وتقليل المظاهر العسكرية.

3. المواقف الخليجية:

اهتمت الدول الخليجية بتطورات الأزمة اليمنية، بناء على نوعين من الاعتبارات، أولهما: اعتبارات سياسة عملية خاصة، بما يمكن أن تقود إليه الحرب اليمنية، من مشاكل للدول المجاورة. وثانيهما: اعتبارات إستراتيجية، تتعلق بما يمكن أن يحمله اليمن الموحد، ذو التجربة الديموقراطية، والمستقر داخلياً، على التوازن الإقليمي العام في جنوب الجزيرة العربية، فضلاً عن اعتبارات أخرى، ذات صلة بتداعيات غزو العراق للكويت، وكون اليمن قد ناصرت العراق، أو على الأقل، لم تؤيد تحرير الكويت بالقوة.

ووفقاً للاعتبارات السياسية، يمكن فهم الاهتمام الخليجي، ونداءات الشيخ زايد، رئيس دولة الإمارات، للرئيس علي صالح بوقف القتال. وكذلك التخوف المعلن من قبل السعودية، من أن يؤدي الاستمرار في الحرب، إلى تدفق أعداد من اللاجئين إليها، بما يعنيه ذلك من مشكلات، هي في غنى عنها. ووفقاً للاعتبارات الإستراتيجية، يمكن استيعاب الموقف الخليجي الذي قادته السعودية، ودعمته الكويت، والإمارات، والذي حاول منع انتهاء الأزمة اليمنية، وفق صيغة طرف منتصر وآخر مهزوم، لما يعنيه ذلك من تغيير في صيغة التوازن اليمني الداخلي، وربما سيطرت تيارات سياسية وفكرية، تُكِنُ كثيراً من مشاعر الكراهية للمملكة، وتلقي عليها اللوم فيما يعانيه اليمن من أزمة اقتصادية. وفي السياق نفسه، يمكن فهم مبررات تقديم دعم للحزب الاشتراكي، وقادة الدولة المعلنة في الجنوب، ولكن دون أن يصاحب ذلك اتخاذ خطوات سياسية محددة، للاعتراف بتلك الدولة الجنوبية. وفي المحصلة الأخيرة يمكن القول إن الهدف الرئيسي، الذي سيطر على التحركات الخليجية، هو الحفاظ على الوضع اليمني، والحيلولة دون تحويل اليمن إلى بؤرة ضغط سياسية واستراتيجية في جنوب الجزيرة تماثل بؤرة الضغط الموجودة في الشمال.

على الصعيد العملي، جاءت التحركات الخليجية في مسارين رئيسيين، أولهما مسار عربي وفق صيغة وفد الجامعة العربية، التي فشلت تماماً، ثم المسار الثاني، وهو العمل على تدويل الأزمة وطرحها على مجلس الأمن، وتحويلها إلى قضية استقرار إقليمي، تستدعي تدخلات دولية حازمة، مثلما كان الوضع إبان حرب الخليج الثانية. وإذا كان المسار العربي قد فشل، نظراً لبسالة حكومة صنعاء في الدفاع عن حجتها في السيادة، وأن القضية داخلية، في الأساس وليست حرباً بين طرفين، لذا فإن المسار الدولي ـ من زاوية الأهداف الخليجية الصريحة والضمنية ـ لم يحقق مراميه على النحو المرجو، وهو ما سوف يتم إيضاحه عند معالجة الأزمة اليمنية في النطاق الدولي، ومساعي الدول الخليجية في طرح القضية أمام مجلس الأمن.

4. فشل مهمة الجامعة العربية:

بالرغم من اختلاف درجة الانقسام العربي، إزاء الأزمة اليمنية، عنها في حالة الغزو العراقي، فقد ألقت حالة الغزو العراقي بظلها على تحركات الجامعة العربية، التي افتقرت إلى عناصر الضغط المناسبة، لدفع حكومة صنعاء للتجاوب مع جهودها، التي استهدفت في المقام الأول احتواء القتال، والتوسط بين الطرفين المتحاربين. وقد كان المنطق السياسي الذي اعتمدت عليه حكومة صنعاء، ويستند إلى مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومبدأ سيادة الدولة، وحريتها في معالجة أزماتها الداخلية، بالطريقة التي تراها مناسبة، كفيلاً بعدم توفير أي غطاء معنوي أو سياسي مناسب، لتحركات الجامعة العربية. ومن هنا لم تستطع الجامعة العربية، أن تلعب الدور الوساطي، الذي عولت عليه بعض الدول العربية، وهو الهدف الضمني الذي انطوت عليه مهمة وفد الجامعة، الذي قبلت صنعاء استقباله في 11 مايو، بعد تردد عدة أيام، تحول فيها القتال إلى حرب مواقع شبه ثابتة، في مواقع قريبة من الحدود الشطرية السابقة للوحدة، مع بروز تفوق نسبي لقوات الحكومة، سواء من حيث العدد، أو المعدات القتالية.

وطوال مدة وجود وفد الجامعة العربية في اليمن، والتي استمرت أكثر من ثمانية أيام متواصلة، حددت حكومة صنعاء دور في استطلاع الأوضاع اليمنية، وليس القيام بدور وساطة بين الطرفين. كما ربطت أي تجاوب مع مهمة الوفد، الساعي إلى وقف إطلاق النار، بعدة شروط وهي: اعتراف الطرف الآخر، أي الحزب الاشتراكي ومناصروه، بوجود شرعية واحدة، على صعيد المؤسسات الدستورية، وقيادة الجيش اليمني. وأن يقبل البيض ومن معه، إما تسليم أنفسهم إلى العدالة، مع التأكيد بتقديم ضمانات كافية لمحاكمتهم بصورة عادلة، وإما إعطاؤهم فرصة لمغادرة البلاد. وقد بدت هذه الشروط بمثابة رفض قاطع لمهمة وفد الجامعة، من ناحية، وللنداء الذي توجه به علي سالم البيض، للجامعة بالعمل على وقف القتال، من ناحية أخرى.

 

ثالثاً: الأزمة اليمنية في الإطار الدولي

1. في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن الأزمة اليمنية، وجدت اهتماماً دولياً كبيراً، نظراً للموقع الإستراتيجي الذي تمثله اليمن، ورغبة الدول الكبرى في النظام الدولي، تحاشي حدوث توترات في منطقة شبه الجزيرة العربية. وهي تضع في الاعتبار تداعيات أزمة الخليج الثانية، التي لم تنته إلى الآن.

ويمكن إجمال الاهتمام الدولي بالأزمة السياسية في اليمن، في إطار حرص هذه الدول على حل الأزمة، بشكل يحفظ الوحدة والديموقراطية في اليمن. وبرز في هذا السياق تصريحات صدرت عن وزارات خارجية كل من، الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وفرنسا، وألمانيا، التي تؤكد جميعها على ضرورة حل الأزمة في اليمن، عن طريق الحوار والتفاهم بين أطرافها.

2. على الرغم من أن الأزمة اليمنية، انطوت على أعمال قتال مفتوحة، وعلى تهديدات للمصالح النفطية الغربية، العاملة في وسط وجنوب اليمن، وعلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، لا سيما أهالي عدن، الذين حوصروا وتعرضوا للقصف العشوائي، من قبل قوات حكومة صنعاء، وعاشوا دون مياه صالحة للشرب أياماً طويلة، وعلى توقعات قوية بسيطرة الاتجاهات الأصولية على السياسة اليمنية، فإن المواقف الدولية، خاصة من قبل القوى الكبرى، تحددت في ضوء الاعتبارات الإستراتيجية بعيدة المدى، ولم تتأثر كثيراً بأحداث القتال اليومية الجارية. وكان قوام هذه الاعتبارات من المنظور الغربي، هو أن جنوب الجزيرة اليمنية لا يحتمل العودة مرة أخرى، إلى صيغة الدولتين المنفصلتين، بما يعنيه ذلك من احتمالات أكبر لعدم الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل. ومن هنا اجتمعت المواقف الغربية الأوربية والأمريكية، إلى جانب الموقفين الروسي والياباني، على تأييد صيغة الوحدة اليمنية القائمة، ولم تتأثر هذه الدول بمواقف اليمن، أثناء حرب الخليج الثانية، وعدم مشاركته في جهود التحالف الدولي ضد العراق. ومن ثم لم تبد اهتماماً كبيراً بمساعي الدول الخليجية لتدويل الأزمة، أو بتشكيل تكتل إقليمي مدعوم دولياً ضد حكومة صنعاء. واقتصر تعاملها مع الأزمة من منطلق محاصرة تداعيات القتال من منظور إنساني، مع تأييد ضمني لأطروحات حكومة صنعاء، بأن الأزمة في جوهرها داخلية، وليست إقليمية. وفي المحصلة النهائية كان قوام هذه المواقف الغربية، في صالح حكومة صنعاء، على الرغم من بعض الانتقادات أو البيانات الحادة نسبياً، التي طرحت تحديداً عند اشتداد حصار عدن، وقصف منشأتها الاقتصادية.

3. الموقف الأمريكي:

تميز الموقف الأمريكي جُزئياً عن المواقف الغربية، في أنه عبّر عن رفض الانفصال صراحة، منذ الأيام الأولى لاندلاع القتال. وجاء ذلك في صورة مذكرة، أعدتها وزارة الخارجية في الرابع من مايو، في ختام زيارة رئيس الوزراء آنذاك، حيدر العطاس، ولم يكن قد فصل بعد من منصبه. أكدت المذكرة أن الانفصال لن يحظى بأي مصداقية دولية، كما تضمنت ستة إجراءات لإعادة بناء الثقة، وإنهاء الأزمة سلمياً، وهي: فصل القوات الشمالية والجنوبية لمسافة 70 كيلومتراً، والاتفاق على إيقاف أي تحركات عسكرية، وبذل الجهود لتحسين الاتصالات بين القيادات العسكرية، على مستوى الضباط في مراكز القيادات العسكرية، والتفاوض المباشر بين الرئيس علي عبدالله صالح، ونائبه علي سالم البيض، وأن يتخذ الجانبان إجراءات تؤدي إلى عودة المسؤولين الجنوبيين إلى صنعاء، للمساهمة في إدارة الحكومة، ويعكس فحوى المذكرة أنها انطلقت، من إمكانية حل المشكلات بين الرئيس ونائبه، في إطار الدولة الموحدة، وهو الأمر الذي لم يعد ذا جدوى مع استمرار القتال، وتأكيد صنعاء على أسلوب الحسم العسكري. ومن هنا حدث تعديل جزئي في الموقف الأمريكي، حيث ركز على ضرورة وقف القتال، على اعتبار أنه لا حل عسكري للأزمة اليمنية، وتأييد مساعي الجامعة العربية الساعية إلى هذا الهدف. وعلى الرغم من فشل مساعي الجامعة، فإن الموقف الأمريكي لم يحد عن تأييد دولة الوحدة، بل اعتبرها الأسلوب الأمثل لحل المشكلات اليمنية، في إطار الديموقراطية، والشرعية الدستورية، مثلما عبرت عن ذلك رسالة الرئيس كلينتون، إلى الرئيس علي عبدالله صالح في 18 مايو، والتي تضمنت تشديداً، على وقف القتال، وضرورة ضبط العسكريين للنفس، وكذلك، من أسمتهم الرسالة، الذين يسعون إلى إعادة تزويد الفئات المتقاتلة بالأسلحة.

4. وعلى الرغم من توجيه القيادة في جنوب اليمن، جهداً كبيراً في اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، في محاولة إقناعها بممارسة ضغط أكبر، على حكومة صنعاء، حافظت الإدارة الأمريكية على موقفها الخاص بدعم الوحدة، ورفض مساعي الانفصال تحت أية ذريعة، وهو ما تم التعبير عنه بوضوح شديد بعد إعلان دولة الجنوب. فقد تضمن بيان رسمي أمريكي رفضاً لهذا الإعلان، على اعتبار أن المسائل الخطرة في مصير اليمن، يجب ألا تتقرر وسط حمى المعارك، ولأن الانفصال سيكون مصدر قلق، وسيمد أمد القتال، ويؤدي إلى سقوط مزيد من الضحايا، ومزيد من المعاناة. وكان مثل هذا الموقف الأمريكي، تأييداً قوياً لحكومة صنعاء، في مواجهة قادة الدولة المعلنة في الجنوب. وتجسيداً لهذا الموقف المبدئي، أيدت الإدارة الأمريكية مساعي الدول الخليجية في مجلس الأمن، من زاوية العمل على وقف القتال، للاعتبارات الإنسانية، ودون أن يكون ذلك مرهوناً بممارسة ضغوط على حكومة صنعاء، كما كانت ترغب في ذلك، الدول الخليجية، أو مقدمة لتدويل الأزمة، كما كان الحال في الغزو العراقي للكويت. ولذلك، وفي أثناء الإعداد للقرار الرقم 924، أيدت الإدارة الأمريكية التحفظات البريطانية. والتي طالبت بتعديل صيغة مسودة القرار المقدمة من الدول الخليجية، بحيث تتضمن الإشارة إلى الجمهورية اليمنية، أو ما يفيد بأن اليمن دولة واحدة، وألا تكون الدعوة إلى وقف إطلاق النار ملزمة، أو مرتبطة بعقوبات معينة، حيال عدم التقيد من قبل أي من الطرفين المتحاربين. وقد تكرر الموقف نفسه عند مناقشة صيغة القرار الرقم 931، الذي صدر في نهاية يونيه، والذي جاء في صورة مطالبة من مجلس الأمن بوقف القتال، وإبعاد الأسلحة الثقيلة عن عدن، ولم يتضمن أية إشارة إلى آلية ملزمة لوقف القتال، مثلما كانت تدعو إلى ذلك الدول الخليجية، وقادة دولة الجنوب المعلنة.

وهكذا، كانت محصلة الموقف الأمريكي، هي التقليل من فرص فرض أسلوب خاصٍ للحل، عبر المنظمة الدولية، أو التلويح بعقوبات محددة، على الطرف المستمر في القتال.

رابعاً: الأزمة اليمنية في مجلس الأمن

1. بعد أن فشلت مهمة وفد الجامعة العربية، سعت الدول الخليجية إلى إدخال مجلس الأمن طرفاً رئيسياً في الأزمة، وهو ما رفضته حكومة صنعاء بشدة، معتبرة إياه تدخلاً في شؤونها الداخلية. ولم يجد هذا المسعى تأييداً كافياً من القوى الخمس الكبرى في المجلس، خاصة، وأن تحركات الدول الخليجية، بدت أقرب إلى تأييد دولة الجنوب المعلنة. إلاّ أن اشتداد هجوم القوات الحكومية في الفترة التالية لإعلان دولة الجنوب، في 21 مايو، وتدهور دفاعات الجنوبيين، في أكثر من موقع. فضلاً عن تقدم قوات حكومة صنعاء صوب عدن، وما صاحبه من نداءات جنوبية تدعو إلى سرعة تدخل مجلس الأمن، وتخوفات يمنية وإقليمية، من حدوث مواجهات واسعة، وسقوط ضحايا كثيرين. كل ذلك ساهم في قبول فكرة معالجة مجلس الأمن للأزمة اليمنية، لكن من منطلق عدم المساس بالوحدة، وعدم فرض حل بالقوة، واعتبار جهود المجلس محاولة لوقف القتال فقط.

وبالفعل صدر القرار الأول لمجلس الأمن، الذي حمل الرقم 924، كمحصلة توفيقية للمطالب المتعارضة يمنياً وخليجياً ودولياً. ولذلك، تضمن القرار إشارة إلى الجمهورية اليمنية، ودعوة إلى وقف القتال، وحظراً على تصدير السلاح، ودعوة إلى العودة إلى المفاوضات، ومطالبة للأمين العام بإيفاد بعثة لتقصي الحقائق، من أجل تقييم إمكانيات تجديد الحوار بين الأطراف المعنية، دون أن تكون مرتبطة بوقف إطلاق النار. ووفقاً لهذه الصيغة التوفيقية، قبل الطرفان اليمنيان التعامل مع القرار، كما أيدته دول الخليج.

إلاّ أن استجابة الأطراف اليمنية مع بنود القرار، اختلفت تبعاً للحالة القائمة في الواقع، والتي كانت تشهد تفوقاً مستمراً للقوات الحكومية، مقابل تدهور مستمر للقوات الجنوبية. ولذا، جاء تعامل حكومة صنعاء مع القرار ذي شقين، أحدهما معلن وقوامه الترحيب بالقرار، والنظر إليه من زاوية أنه يؤكد على الوحدة، والشرعية الدستورية للجمهورية، والتأكيد على الاستعداد إلى التعامل مع بنود القرار بصورة إيجابية. والثاني عملي، وقوامه التشديد على حصار عدن، وفتح جبهات في أكثر من موقع، ومحاولة سبق الزمن في إحداث تغيرات جوهرية على الأرض، قبل أن تبدأ مهمة مبعوث الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي أثار دول الخليج الخمس، إلى الحد الذي أدى بها في اجتماعات المجلس الوزاري، الذي عقد في أبها 5 يونيه، إلى التلويح باتخاذ إجراءات ضد الطرف، الذي لا يلتزم بالقرار 924، المعني به حكومة صنعاء، والنظر إلى الأمر من زاوية أنه يتضمن واقعاً انفصالياً، " تمثل في أن أحد الطرفين أعلن عودته إلى وضعه السابق، وقيام جمهورية اليمن الديموقراطية، وأنه إزاء هذا الأمر لا يمكن للطرفين اللذين اتفقا على الوحدة التعامل في إطارها، "إلا بالطرق والوسائل السلمية".

وبالفعل، حين بدأ الأخضر الإبراهيمي مهمته في 9 يونيه، أي بعد عشرة أيام من صدور القرار الدولي، كانت ملامح أوضاع القتال مختلفة في كثير من جزئياتها، التي كانت تؤكد اقتراب عدن من حافة السقوط، في أيدي القوات الحكومية، أو بعبارة أخرى، كان الواقع يشهد تفوقاً كبيراً لقوات صنعاء، مقابل تدهور شديد في الأوضاع العامة للدولة المعلنة، في الجنوب. وفي ظل أوضاع كهذه كان طبيعياً، أن تضع صنعاء حدوداً معينة، للتجاوب مع أطروحات كل من المبعوث الدولي، وقادة دولة الجنوب. ولهذا، رفضت صنعاء الأفكار الداعية لوضع مراقبين، كما استبعدت الحوار مع سالم البيض. وتعاملت مع مطالب إقامة هدنة باستخفاف شديد، واستمرت في تحركاتها العسكرية ناحية حضرموت، وعاصمتها المكلا، التي اتجه إليها سالم البيض، بعد اشتداد الحصار على عدن. كما طرحت حكومة صنعاء عدداً من المبادرات مستحيلة التنفيذ، مثل الدعوة إلى حوار مع عناصر غير انفصالية من الحزب الاشتراكي، لمدة خمسة أيام متتالية في صنعاء. وقد ساهم ذلك في إفشال مهمة الأخضر الإبراهيمي، حيث لم يستطع أن يحقق الحد الأدنى، مما تضمنه القرار الدولي.

2. ساهم فشل مهمة المبعوث الدولي، في إثارة قضية مفادها، أن عدم تنفيذ بنود القرار رجع إلى غياب عنصر الإلزام. كذلك، فإن انهيار إعلانات الهدنة هو نتيجة لغياب آلية محددة، لمراقبة وقف إطلاق النار، وتحديد الطرف المسؤول عن انهياره. ولذا، تمحورت المطالب اليمنية، الجنوبية والإقليمية، في ضرورة إعادة الأزمة اليمنية، مرة أخرى، إلى مجلس الأمن الدولي، لمعالجة هاتين النقطتين، على وجه التحديد. ومرة أخرى لعبت المطالب المتعارضة يمنياً وإقليمياً، وعدم تأييد القوى الدولية لتدخل دولي مباشر في تطورات الأزمة، والحقائق التي ساهمت في تشكيلها القوات الموالية للحكومة في صنعاء، ولا سيما إحكامها حصار عدن، وتقدمها المستمر صوب المكلا، فضلاً عما أثير حول وجود حوار مع عناصر معتدلة من الحزب الاشتراكي، حول صفقة بإلغاء الانفصال، مقابل وقف إطلاق النار وفصل القوات، لعبت جميعها، دوراً كبيراً في تحديد الطريقة، التي عالج بها مجلس الأمن تطورات الأزمة.

في ظل هذه التطورات، إلى جانب تصريحات يمنية مؤكدة على عدم السماح للمجلس بالتدخل في الشؤون الداخلية، صدر القرار رقم 931 متضمناً تسع فقرات شملت: إعادة المطالبة بوقف النار فوراً، وأن يشمل كل العمليات الأرضية والبحرية والجوية، والتعبير عن الألم من جراء الإصابات التي تقع بين المدنيين في عدن، ودعوة الأمين العام ومبعوثه الخاص، إلى مواصلة المحادثات تحت رعايتهما، بهدف تنفيذ وقف دائم لإطلاق النار، وإمكانية إنشاء آلية مقبولة للجانبين، والتأكيد على وقف إمدادات الأسلحة، وأن الخلافات السياسية لا تحسم بالسلاح، وإبداء الأسف من الحالة الإنسانية الناجمة عن النزاع، وأن يقدم الأمين العام تقريراً مرحلياً عن تنفيذ القرار بأسرع ما يمكن، وأن تبقى المسألة قيد النظر.

3. وللمرة الثانية أتى قرار مجلس الأمن خالياً من أية صيغة إلزامية، لا سيما في الجزئية الخاصة بتشكيل آلية لوقف إطلاق النار، وهي التي طرحها القرار الدولي كإحدى نقاط البحث بين الطرفين، على أن يصلا إلى صيغة مقبولة، وبحيث يفضل أن تشترك فيها بلدان من المنطقة، لرصد وقف النار، والتشجيع على احترامه، والمساعدة على منع انتهاكه. وبعبارة أخرى، جاء القرار فارغ المضمون، وساعد على ذلك أن قوات صنعاء استطاعت في اليوم التالي لصدوره، الدخول إلى عدن، والسيطرة على نصفها، في الوقت الذي كثفت فيه من هجومها على المكلا. ومن ثم تشكل واقع يمني جديد تماماً، أصبحت الدعوة فيه إلى وقف إطلاق النار، والتعامل على أساس وجود طرفين متقابلين، غير ذات بال. وحين استكملت القوات الحكومية السيطرة على عدن والمكلا، بعد ستة أيام من صدور القرار الدولي، تأكد تماماً أن قرار مجلس الأمن لم يعد له أي معنى، خاصة وأن قادة الدولة المعلنة في الجنوب تركوا البلاد، ولم يعد هناك من ينازع حكومة صنعاء، ومؤسساتها الشّرعية. أو بعبارة أخرى، فقد انتهت الحملة العسكرية، كما انتهت احتمالات الانفصال مرة أخرى، إلى شمال وجنوب. وتأكد الدور المحدود، الذي أراده دعاة التدخل الدولي في الأزمة اليمنية، كما تأكد التوازن الإقليمي الجديد في جنوب الجزيرة، بوجود دولة يمنية موحدة، بكل ما يعنيه ذلك من دلالات آنية ومستقبلية معاً، وحيث يسيطر عليها تحالف من التوجهات القبلية التقليدية، والتوجهات الأصولية، مقابل انزواء كامل لدور الحزب الاشتراكي، والقوى التحديثية الأخرى، ربما لعقد كامل من الزمان أو أكثر.