إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الوحدة اليمنية والحرب الأهلية (1994)






المناطق القابلة للانفجار العسكري
المرحلة الأولى
المرحلة الثالثة
المرحلة الثانية
انتشار بعض قوات الشطرين
اليمن الجنوبي
اليمن الشمالي
جغرافية مسرح العمليات اليمني



القسم الثاني: حصاد الحرب وتقويم الأداء العسكري

القسم الثاني: حصاد الحرب وتقويم الأداء العسكري

أولاً: الآثار الاقتصادية للحرب الأهلية اليمنية

1. أدت الأزمة السياسية في اليمن، إلى تفاقم التدهور في الاقتصاد اليمني، حتى تعذر على الحكومة الاتفاق على وضع ميزانية الدولة للسنة المالية 1994، إذ أصيبت ميزانية عام 1993، بعجز بلغ 35.3 %، وفقاً للأرقام الرسمية، صاحبه تراجع في معدلات النمو في الدخل القومي، وانخفاض حصيلة الدولة من العملات الأجنبية.

وقد تزامن هذا النقص الملحوظ في موارد النقد الأجنبي، مع اضطراد كبير في الاعتمادات النقدية المخصصة لتمويل الموارد الغذائية، ونفقات الخدمات السيادية، وفاقم من ذلك، ضعف الرقابة على كثير من النواحي الاقتصادية، والمالية، والنقدية، والتراخي في مواجهة التهرب الجمركي، وتدخل بعض الجهات، بما يعوق تحصيل الموارد السيادية للدولة.

وقد جاءت الحرب الأهلية لتدمر المنشئات الصناعية والعقارية، والبنية الأساسية للدولة، والمشاريع. وشردت أكثر من نصف مليون شخص، وقُتل وجرح فيها أعداد ضخمة من الطرفين، اختلفت المصادر في تقديرها، ودمرت فيها 600 دبابة، وحوالي 35 طائرة. جرى كل ذلك الدمار، والخراب والقتل، في دولة مدرجة في قائمة أكثر الدول فقراً في العالم. لذلك، فإن الاقتصاد اليمني واجه مأزقاً حقيقياً، حيث نهض من حرب دمرت بنيته الأساسية، وجيشه، وخلقت حالة من الشكوك حول المستقبل السياسي للوحدة، وهددت مناخ الاستثمار فيه.

2. وبعد الحرب، كانت البنية الأساسية مدمرة أو شبه مدمرة، الطرق، والمدارس، ومحطات الكهرباء، والمطارات، وأصبح سعر لتر الماء يباع بحوالي 15 ريالاً يمنياً. كانت الحكومة اليمنية تتجه إلى رفع الدعم عن السلع والخدمات بالتدريج، وربما إلى الاقتراض من الخارج، وتوزيع الموظفين على المحافظات، ولكن هذا التصحيح سيترك آثاراً سلبية على عامة المواطنين المتضررين من الغلاء، لأن رفع الدعم المباشر عن السلع، سيقابله زيادة الأسعار، وزيادة الغلاء(انظر جدول معدل ارتفاع الأسعار بعد الحرب الأهلية اليمنية).

جاءت الحرب الأهلية، لتدمر المنشآت الصناعية، والعقارية، والبنية الأساسية للدولة، وتزيد من معدلات التدهور في الاقتصاد اليمني. وتكفي الإشارة إلى أن نسبة التضخم قد ارتفعت إلى 300 %، وانخفضت قيمة الريال اليمني أمام الدولار من 70 ريالاً للدولار قبل اندلاع المعارك، إلى أكثر من ألف ريال للدولار أثناء الحرب، وإن كان قد انخفض بعد الحرب، إلى حوالي 115 ريالاً للدولار. وقد أشارت أحدث التقارير التي أعدها البنك المركزي اليمني، حول الأوضاع الاقتصادية في اليمن، إلى ارتباط انهيار سعر صرف الريال اليمني، بعوامل كثيرة، منها تداعيات الأزمة السياسية، ووصولها لحالة الحرب، إضافة إلى العجز المتزايد في الموازنة العامة للدولة، الذي زاد عن 36 مليار ريالٍ يمني، وهي بالطبع قد تصل إلى أرقام أكبر، إذا أضفنا إليها تكاليف الحرب. هذا إلى جانب احتجاز النقد الأجنبي لدى العديد من الجهات الاقتصادية، وعدم توريده للبنك المركزي، فضلاً عن تعرض الاقتصاد اليمني لعدد من الانتكاسات، انعكست بدورها على ميزان المدفوعات، ومنها الآثار السلبية لأزمة الخليج على تحويلات المغتربين، وحجم المعونات والقروض، وعائدات الصادرات، وضعف الثقة في العملة المحلية، مما أدى إلى اعتبار الدولار مخزناً للقيمة. وكانت الحرب هي المسمار الأخير في نعش الاقتصاد اليمني.

وحسبما أعلنته الحكومة اليمنية، فإن خسائر الحرب، المباشرة وغير المباشرة، بلغت نحو (11) مليار دولار، نجمت بالأساس، عن حدوث تدمير واضطراب شديد، في الإدارات، والمنشآت الاقتصادية، وتأثير المعارك على نشاط شركات استخراج البترول، أهم الصادرات وعصب الاقتصاد اليمني، الذي يبلغ إنتاجه حوالي 320 ألف برميل يومياً. وبالطبع، فقد أضيف جانب كبير من فاتورة الحرب، على ديون اليمن، التي تبلغ حوالي (8.5) مليار دولار، تصل خدمتها إلى 237.9 مليون دولار سنوياً، بما يجعلها تقبع في الترتيب الدولي ـ وفقاً لتقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية 1993 ـ عند رقم (130) حيث لا تأتي بعدها من البلدان العربية كلها، سوى الدولتين.

3. كما تسببت الحرب، بعد توقف الأعمال العسكرية، في حدوث " انقلاب" كامل في محافظة عدن، استمر لعدة أيام. وقد تمثل ذلك في "غياب" كامل لسلطات الدولة، شجع الكثير من أفراد القوات الحكومية، والمواطنين، على نهب وسلب وتدمير كثير من المؤسسات، والشركات المملوكة للدولة (قطاع عام وقطاع مختلط)، وبعض مكاتب فروع الوزارات، وبعض المدارس، وبعض كليات جامعة عدن. وكان النهب على نطاق واسع، وفي حالات كثيرة ترك النهب تلك المؤسسات "خاوية على عروشها". وقد قدرت تكلفة ذلك بـ 35 مليار دولار، كما قدرت تكلفة التعويضات للمواطنين المضاربين من الحرب، بحوالي 5.5 مليار دولار، طبقاً لما صرح به الدكتور عبدالكريم الإيرياني، وزير التخطيط والتنمية، لراديو صوت أمريكا، في أغسطس 1994م.

4. والمديونيات اليمنية من الموضوعات التي تستحق اهتماماً كبيراً، لأنها تشوه الاقتصاد اليمني، حسب قول وزير التخطيط اليمني، الذي يتصور أن الحلول المستقبلية للاقتصاد اليمني تتمثل في الآتي:

أ. اتخاذ خطوات عملية لتثبيت قاعدة الحرية الاقتصادية، وهذا يتطلب إعادة النظر في مجموعة من القوانين، منها قوانين الاستثمار، والضرائب، والجمارك، والقوانين الإجرائية، التي تعرقل عمل المستثمرين.

ب. أن يترافق هذا مع إعطاء صلاحيات أوسع للمحافظات، في إقرار المشاريع التنموية، ذات الطابع المحلي.

ج. إعادة النظر في موضوع الخصخصة، لنقلها من مفهومها الضيق إلى المفهوم الأكثر شمولاً، وهو أن الخصخصة لا تعني التخلص من المؤسسات العامة، بتسليمها إلى القطاع الخاص، ولكن يجب القيام بإصلاحات مصرفية ووظيفية، وتجاوز الأنظمة السابقة في هذا الشأن.

5. وعلى هذا، فإن مهمة شاقة تواجه الحكومة اليمنية، وهي إعادة بناء وإعمار المناطق المتضررة من الحرب، وإعادة إصلاح المؤسسات، والمنشآت النفطية، والاقتصادية الحيوية، التي طالتها القذائف، والصواريخ، فضلاً عن منشآت البنية التحتية، والمرافق، خاصة في محافظات عدن، وأبين، وشبوة، إلى جانب ملء الفراغ، الذي تركته حكومة الحزب الاشتراكي في الجنوب، حيث شكل الجنوبيون الغالبية الساحقة في عدد الوظائف بعد الوحدة. وباندلاع الحرب، اضطر معظم العاملين إلى الانسحاب المؤقت إلى قراهم، ومنازلهم، لتوقف عمل الأجهزة الإدارية.

وتتراوح تقديرات الاقتصاديين لتكاليف إصلاح المنشآت الحيوية، بالنسبة لعدن فقط، حوالي 3 مليارات دولار، تزداد إلى 15 مليار، بالنسبة لكل المدن اليمنية. ذلك أن عدن هي، التي تحملت تقريباً العبء الفعلي للحرب الأهلية، وتعرضت بنيتها الأساسية لما يشبه التدمير الكامل، خاصة مرافق المياه، والصحة، والإسكان، والمنشآت الحيوية من مطارات، ومصافي تكرير البترول، وميناء عدن، فضلاً عن الخسائر البشرية.

وتبدو المعضلة الحقيقية، التي تواجه الحكومة اليمنية، فيما يتعلق بقضية الإعمار، وإصلاح ما دمرته الحرب، في قدرة الحكومة على تمويل هذه الأعمال، في ظل عاملين أولهما يتعلق بمشكلتها الاقتصادية، التي تعاني منها قبل الحرب وبعدها، والثاني هو تدهور علاقاتها مع معظم الأطراف الفاعلة، إقليمياً ودولياً.

 

ثانياً: تقويم الأداء العسكري

1. شكلت الحرب الأهلية في اليمن، نموذجاً كلاسيكياً على الحرب التقليدية. وكانت منذ بدايتها، أقرب إلى نمط الحرب النظامية بين الشطرين، الشمالي والجنوبي، وطيلة مراحل الصراع المسلح، بدأ السلوك العسكري الشمالي، أقرب إلى التطبيقات العملية، المقتبسة من العقيدة العسكرية السوفيتية القديمة، لا سيما في الحرص الشديد على السرعة والمفاجأة، مع الاعتماد بشكل أساسي على عناصر الحشد، وقوة النيران وسرعة الحركة. وفي إطار هذا الطابع النظامي ـ التقليدي العام للحرب، فإن متابعة تطورات الصراع المسلح، تكشف عن أخطاء فادحة ارتكبتها الأطراف المتصارعة، على المستويين الإستراتيجي والتكتيكي، فالاندحار التدريجي للقوات الجنوبية، لا يعود فقط إلى التفوق الكمي للشماليين بشرياً وتسليحياً، وإنما يعود، في الوقت ذاته، إلى العديد من الأخطاء الإستراتيجية والتكتيكية، التي وقعت فيها القيادة الجنوبية. وبالمثل، فإن بطء تقدم القوات الشمالية، في أراضي جنوب اليمن، لم يكن عائداً فقط، إلى متانة الدفاع الجنوبي، في المراحل الأولى من الحرب، بقدر ما يعود في الوقت نفسه، إلى أن القيادة الشمالية، وقعت أيضاً في العديد من الأخطاء.

2. وقعت قيادات الحزب الاشتراكي، في جنوب اليمن، في أخطاء عديدة، وكان بعض هذه الأخطاء، ناتجاً عن تجاهل بعض الأوليات والبديهيات، في العمل السياسي والعسكري، بما قد يدفع إلى الاعتقاد، بأن حالة الغفلة الواضحة، التي طبعت سلوك القيادة الجنوبية، ربما كانت قد ساهمت بدرجة ما، في تشجيع القيادة الشمالية على المبادرة بشن الحرب، حتى قبل استنفاذ كافة بدائل الحل السياسي. فعلى الرغم من أن القيادة الجنوبية، كانت تلمس منذ فترة ليست بالقصيرة، العديد من المؤشرات، الدالة على وجود نوايا لعسكرة الأزمة السياسية في البلاد، من جانب القيادة الشمالية، والعديد من العناصر المؤثرة المحيطة بها، ومع أن الحزب الاشتراكي لم يكن يعاني نقصاً في مصادر المعلومات، عن التحركات العسكرية الشمالية، إلا أنه لم يتخذ الاستعدادات العسكرية الكافية، لا سيما في مجال التعبئة، وإعادة نشر وتوزيع قواته، على المحاور والاتجاهات المهددة، علاوة على أنه لم يضع لنفسه أهدافاً واضحة خلال عملية إدارة الصراع المسلح، واقتصر السلوك الجنوبي، على سلسلة من ردود الأفعال، على المبادرات الشمالية.

3. ولهذه الأسباب، كانت القوات الجنوبية في أسوأ أوضاع الانتشار، عند بدء الصراع المسلح. وعلى الرغم من صمودها، واستبسالها، في الدفاع خلال المراحل الأولى من الحرب، فإن أدائها العملياتي ظل، مع ذلك، أدنى مما كان متوقعاً في بداية الصراع. ففي بداية الحرب، أشارت التحليلات العسكرية العديدة، إلى أن القوات الشمالية لن تحقق انتصاراً سهلاً وسريعاً، بسبب ارتفاع الكفاءة القتالية للقوات المسلحة الجنوبية. إلاّ أن هذه الكفاءة لم تبد واضحة خلال العمليات العسكرية، بل إن القوات الجنوبية لم تنفذ مبدأ من المبادئ المعروفة لفن الحرب تنفيذاً بارعاً، بما في ذلك مبدأ الدفاع النشط، الذي كان بمثابة الركيزة الرئيسية في توجيه المجهود العسكري الجنوبي بأسره. وبصورة أكثر تحديداً، يبدو واضحاً أن الدفاعات الجنوبية، كانت تتحطم تحت وطأة الكثافة العددية للقوات الشمالية، مما يضطر الجنوبيين إلى الانسحاب انسحاباً تكتيكياً، من المواقع الواقعة تحت ضغط شمالي عنيف. إلاّ أن الانسحابات التكتيكية الجنوبية، لم تستغل جيداً، في الكثير من الحالات، لإعادة بناء خطوط دفاعية أكثر قوة، في المناطق الخلفية. علاوة على أن تلك الانسحابات، لم تستغل في إعادة بناء الحشود الجنوبية في العمق، والتخطيط لشن هجمات مضادة لاستعادة المواقع المحتلة، الأمر الذي تسبب في نشوء حالة من "الانحسار التدريجي"، للقوات الجنوبية عن العديد من أنحاء جنوب اليمن، وبات وجودها يقتصر تقريباً على عدن وحضرموت، عقب ستة أسابيع من العمليات العسكرية.

4. وبالمثل، فإنه على الرغم من الانتصارات التدريجية المتوالية، التي حققتها القوات الشمالية في حلبة الصراع المسلح، إلا أن أداء تلك القوات لم يخل من أخطاء فادحة، مما تسبب، ضمن عوامل أخرى، في إبطاء سير العمليات العسكرية. وجعلها تقتصر على معدلات أدنى مما كانت متصورة، في التخطيط العسكري الشمالي، ولعل أهم تلك الأخطاء، تمثل في بطء حركة القوات الشمالية نفسها، في المراحل الأولى من الحرب. ذلك، أن تلك القوات لم تتقدم بالسرعة الكافية في اتجاه المحافظات الجنوبية، الأمر الذي كاد يعرض القوات الشمالية الموجودة هناك للتصفية، بسبب تأخر وصول التعزيزات العسكرية إليها. وفي الوقت نفسه، يبدو واضحاً أنه على الرغم من كافة الترتيبات، التي اتخذتها القيادة الشمالية، إلاّ أنها عانت خلال العمليات من بعثرة القوات في الكثير من المحاور. ذلك أن سعيها إلى تحقيق تفوق حاسم، في الاتجاهات الأربعة، المختارة للهجوم في وقت واحد، أدى إلى تشتيت المجهود العسكري للقوات الشمالية، في اتجاهات عديدة، الأمر الذي تسبب، في أحد جوانبه، في إطالة زمن العمليات، وعدم نجاح تلك القوات في تأمين التفوق العددي، في مواجهة القوات الجنوبية. إضافة إلى ذلك، أن هذه الاشكالية ذاتها أدت إلى نشوء العديد من الصعوبات الإدارية، في مواجهة القوات الشمالية، حيث كانت الفكرة الرئيسية في خطة عمليات القيادة الشمالية، تتمحور حول تشكيل ما يمكن وصفه بـ (فكي كماشة) في الجنوب، تتقدم بمقتضاها القوات الشمالية على عدة محاور في اتجاه عدن، مروراً بمحافظة (لحج)، وإذا اكتمل التقاء الفكين في تلك المحافظة، فإن الطريق يصبح مفتوحاً بعد ذلك نحو عدن. إلاّ أن هذه الخطة، أدت إلى اتساع مواجهة وعمق جبهة العمليات، التي وصلت في أدنى حالاتها إلى حوالي 80 ميلاً، ومن ثم ازدادت الصعوبات الإدارية الناتجة عن هذا الوضع، في الوقت الذي تكثف فيه القيادة الشمالية عملياتها العسكرية في اتجاه محافظة (حضرموت)، الواقعة في شرق البلاد، والبعيدة للغاية عن مراكز الإمداد الرئيسية. والواقع، أن هذه الأوضاع فرضت عبئاً ثقيلاً على القوات الشمالية، فقد أدت إلى إضعاف التعاون والاتصالات، بين قيادات القوات بعضها بعضاً، ومع قيادة الجبهة. علاوة على أنها كانت تنطوي على إمكانية إضعاف، قدرة القوات الشمالية على الاحتفاظ بالأراضي، التي استولت عليها في الجنوب، وذلك حال تعرضها لعمليات حرب عصا بات منظمة، من جانب القوات الجنوبية.

5. ومن ثم، يبدو انتصار القوات الشمالية في جنوب البلاد، قريباً من نمط (الانتصار البيروسي) المعروف في التاريخ العسكري، الذي يميز الانتصارات العسكرية، التي تتحقق بتكلفة عالية للغاية. بما قد ينزع عن الانتصار قدراً كبيراً من قيمته. إذ صرح وزير التخطيط اليمني الدكتور الإيرياني، أن عدد ضحايا الحرب حوالي 7 آلاف قتيل من العسكريين والمدنين، و15 ألف جريح. كما صرح الرئيس علي عبدالله صالح، في خطابٍ له في مدينة تعز، يوم 27 يوليه 1994، أن الحرب كلفت الشعب اليمني اكثر من ثلاثة بلايين دولار. وعدا التكاليف المادية والبشرية الهائلة، التي ترتبت على الحرب الأهلية في اليمن، فإن التكلفة الأكثر خطورة ربما كانت تتمثل بالأساس، في الفجوات والحواجز النفسية، التي يمكن أن تنشأ بين الشمال والجنوب، بفعل التجربة الأليمة، التي عاشها الشعب اليمني في الشطرين. فالوحدة لا يمكن أن تفرض بالقوة، وبالذات في حالة دولة اليمن.

6. ومن تتبع إدارة الصراع خلال الحرب الأهلية، التي استغرقت ما يقرب من الشهرين والنصف، فإن ثمة شواهد في غاية الأهمية، كانت ملفتة للانتباه، يعتقد أنها كانت ذات تأثير مباشر على تغيير موقف العمليات لطرفي الصراع، بشكل مفاجئ، يثير الحيرة. فقد اتفقت جميع الآراء، على أن القوات الشمالية، أقل تدريباً وكفاءة من القوات الجنوبية، وأقل معرفة وخبرة بطبيعة الأرض في مسرح العمليات، في حين تقاتل القوات الجنوبية الأفضل تدريباً، والأحدث تسليحاً، والأكثر تنظيماً وكفاءة، على أرضها التي تلم بكل تفاصيلها ومسالكها ودروبها.

وبدا واضحاً، أن الموقف في بداية العمليات، كان لصالح القوات الجنوبية، خاصة في جبهتي عدن وأبين، وفي المناطق الحدودية، على الرغم من الخسائر، التي منيت بها وحدات من أكفأ قواتها، في مناطق عمران، وحرف سفيان، والعرقوب، وذمار، في الشطر الشمالي، نتيجة تصفية هذه الوحدات بواسطة القوات الشمالية، مع بدء القتال، مما أدى إلى عدم اشتراك تلك القوات في الحرب، أو على الأقل تحييدها.

وظل الموقف يتأرجح في صالح الشماليين تارة، وفي جانب الجنوبيين تارة أخرى، حتى بات واضحاً للقيادة الشمالية، في إحدى مراحل الصراع، أن ما كانوا يسعون إليه، من تحقيقي أهدافهم في حرب خاطفة سريعة، أصبح صعباً، وشبه مستحيل، مما جعلهم يخففون من تشددهم حيال المبادرات المطروحة لحل الأزمة بالطرق السلمية. كما بدا واضحاً أنهم يعُدّون أنفسهم، لخوض حرب استنزاف، بعيدة الأمد.

ولكن دخول القوات الحكومية إلى عدن، قلب كل التوقعات، وأثار تساؤلات حول كيف تمكنت هذه القوات من دخول المدينة، المحصنة طبيعياً وعسكرياً، دون مقاومة تذكر؟ وكانت توقعات العديد من المراقبين العسكريين والدبلوماسيين، تتحدث عن أن القوات الحكومية تحتاج إلى فترة شهرين، على الأقل، لدخول المدينة. وكانت تتوقع إلحاق خسائر كبيرة بها، إذا حاولت دخول عدن بالقوة، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، والمدينة سقطت خلال أقل من يومين، بعد المعارك العنيفة، التي وقعت في شمال عدن، في الحوطة، والوهط، وصبر، ودار سعد. وفي يوم الخميس 7 يوليه 1994، دخلت القوات الحكومية وسط عدن، دون أي مقاومة تذكر.

وأهم هذه الشواهد هي:

أ.  بقاء عدد كبير من الوزراء الجنوبيين، في حكومة الوحدة اليمنية، وكانت لهم آراؤهم المتشددة، والأكثر تصلباً، ضد قيادات الحزب الاشتراكي الجنوبي، ووجهوا لهم أعنف الاتهامات، وعارضوا الانفصال بقوة، ربما أشد من وزراء شماليين. وقد بدا ذلك من تصريحاتهم المتكررة، وتدخلهم في الحرب الدائرة لصالح القوات الشمالية، وكان لبعضهم دور كبير في تغيير وتأرجح ولاء بعض القبائل، في جبهات القتال في الشطر الجنوبي، كما كان لتحركاتهم ونشاطهم، عند تناول القضية بالطرق الدبلوماسية، داخلياً، وإقليمياً ودولياً، الفضل في أن وصلت جميع السبل لحل الأزمة سلمياً، إلى طريق مسدود.

ومن هؤلاء الوزراء، عبدالقادر باجمال، نائب رئيس الوزراء[1]، ومحمد سالم باسندوه، وزير الخارجية[2]، وعبدالله أحمد غانم وزير العدل[3]، وكان هؤلاء من ضمن المرشحين لتشكيل الحكومة، بعد حسم الحرب الأهلية.

ب. على الرغم من معارضة عدد، من أفراد الأسرة الحاكمة العسكرية في صنعاء، عُين العميد الركن عبده ربه منصور هادي "جنوبي"، وزيراً للدفاع، خلفاً للوزير السابق هيثم قاسم طاهر "جنوبي"، الذي أقيل من منصبه. وينتمي الوزير الجديد إلى محافظة أبين الجنوبية، وهو من أهم القادة العسكريين الجنوبيين، وكان يشغل منصب رئيس أركان الجيش الجنوبي، خلال حكم الرئيس السابق علي ناصر محمد، وتمكن من النزوح إلى صنعاء عقب الحرب الأهلية في اليمن الجنوبي، وعمل مستشاراً للرئيس علي صالح محمد.

وقد كان قائداً للقوات الشمالية، التي دخلت منطقة مكيراس الإستراتيجية، في اليوم الثاني للمعارك، وأدى دوراً رئيسياً في سقوطها دون أي مقاومة، ولم تستغرق معركتها أكثر من 4 ساعات

ومن الجدير بالذكر، أن معركة مكيراس قلبت موازين القوى لصالح الشماليين، فمن هناك فُتح الطريق لدفع قوات حكومية، وأسلحة قتالية، وإمدادات إدارية إلى محافظة شبوه شمالاً، عن طريق محور لودر ـ المحفد، وإلى محافظة أبين جنوباً، حيث كان لواء العمالقة الشمالي محاصراً في زنجبار

ج. عينت صنعاء ضباط جنوبيين سابقين، من رجال علي ناصر محمد، لقيادة القوات الحكومية، على كافة جبهات القتال، خاصة في المراحل المهمة والحاسمة، أثناء إدارة العمليات. وهؤلاء الضباط ممن أضيروا من أحداث يناير 1986، وتمكنوا من الهرب إلى صنعاء، على إثر هذه الأحداث، مع العديد من القادة العسكريين الجنوبيين، الذين كانوا جميعهم من محافظتي أبين وشبوه، وهم من أشد المعارضين لعلي سالم البيض ومجموعته. وبعد فترة من هروبهم شكلوا قوات عسكرية كبيرة في اليمن الشمالي، أطلق عليها اسم قوات الوحدة، ضمت إلى صفوفها أعداداً كبيرة من الأفراد الجنوبيين. وكان لهؤلاء القادة العسكريين الجنوبيين الدور الرئيسي في تحول نتائج المعارك، لصالح القوات الحكومية. ولا شك أن الرئيس علي عبدالله صالح، استطاع أن يكسب هؤلاء القادة الجنوبيين، وجعلهم يقاتلون بشراسة لصالحه، ضد أعداء الأمس واليوم، ليس فقط لرد اعتبارهم العسكري، ورغبتهم في الانتقام لما حصل لهم في أحداث يناير 1986، ولكن، أيضاً لأن هؤلاء الضباط يعرفون تماماً التكتيكات والأسرار العسكرية للجيش الاشتراكي الجنوبي، لكونهم شغلوا مناصب قيادية في ذلك الجيش، قبل أكثر من تسع سنوات. وكان لهم اتصالات مع بعض الضباط والقادة في الجيش الجنوبي. وقد استطاع هؤلاء، القادة بالفعل أن يقنعوا بعضهم بالانضمام إلى القوات الحكومية، أو بالتسليم وعدم القتال. ويقال إن هؤلاء القادة استخدموا مختلف وسائل الإغراء من أجل كسب بعض قادة الجيش الجنوبي وضباطه واستمالتهم، منها منحهم الرتب والمناصب، ومنها استخدام الأموال. ونتيجة لذلك استسلمت، بالفعل، وحدة عسكرية جنوبية كاملة، في قاعدة عتق العسكرية، إلى لواء شلال الشمالي، الذي يقوده العقيد علي سالم قطن "جنوبي"، مما جعل القوات الشمالية تسيطر على عتق في أقل من 36 ساعة، بعد إعلان الانفصال.

وكان للدور، الذي لعبه القادة الجنوبيون السابقون، أن صرح العميد الركن هيثم قاسم طاهر، وزير الدفاع الجنوبي في يوم 4 يونيه 1994، بوجود خيانات داخل الجيش الجنوبي، وهو واقع لا يقتصر على الجيش فقط، وإنما يمتد إلى القبائل، وبعض أعضاء الحزب الاشتراكي، وأثر ذلك على سير المعارك، حول عدن، وفي محور شبوة، ومحافظة حضرموت. كما أدى إلى خسارة القوات الجنوبية، في معارك حاسمة، كما حدث في مكيراس، والعند، وعتق. وهذه المعارك هي التي جعلت القوات الشمالية تحقق تقدمها، وتصل إلى شمال عدن وشرقها، ثم إلى محافظة حضرموت

* وهؤلاء القادة الجنوبيين هم:

(1) العميد الركن عبده ربه منصور هادي

وكان يقود محور عدن، وعين أثناء العمليات زيراً للدفاع. وهو من مواليد منطقة الوضيع بمحافظة أبين.

(2) العميد أحمد مساعد حسين

وكان وزيراً للأمن في حكومة الرئيس السابق علي ناصر محمد، وهو ينتمي إلى محافظة شبوه الجنوبية، التي عين محافظاً لها، وفي الوقت نفسه، قائداً للجبهة الشرقية، وهي أخطر الجبهات وأهمها، وتتضمن اتجاه حضرموت.

(3) العميد أحمد عبدالله الحسني

وكان قائداً للقوات البحرية الجنوبية، في عهد علي ناصر محمد، عين قائداً لمحور أبين.

(4) العقيد الركن عبدالله علي عليوه

كان رئيساً للأركان في الجنوب، في عهد علي ناصر محمد. وعين قائداً للمحور الأوسط، الذي يمتد من مدينة عتق، حتى حضرموت جنوباً، وكان له دور رئيسي في القتال على جبهه حضرموت.

(5) العقيد صالح أحمد الحارثي

من أبناء شبوة، وعُين نائباً لقائد المحور الأوسط "عتق ـ حضرموت".

(6) العقيد أحمد علي محسن

عُين محافظاً لشبوه، بعد تعين العميد أحمد مساعد حسين ـ محافظ شبوه ـ وزيراً للنقل.

(7) وتولى العديد من القادة العسكريين الجنوبيين السابقين قيادة الألوية، التي تعمل على الجبهة الشرقية وجبهه أبين، من بينهم:

(أ) العقيد عبدالله منصور

من أبناء أبين، قائداً للواء الثالث من ألوية الوحدة.

(ب) العقيد سالم علي قطن

من أبناء محافظة شبوة، قائداً للواء شلال الذي، يقاتل في جبهة حضرموت.

(ج) العقيد محمد طيمس

من أبناء أبين، قائداً للواء الخامس المدرع، ويقاتل في جبهة حضرموت.

(د) العقيد أحمد العكروب

من محافظة أبين، وعين رئيس عمليات لواء العمالقة، كما كان هناك الكثير غيره من الضباط الجنوبيين، يقودون وحدات عسكرية تقاتل بجانب قوات العمالقة في جبهة زنجبار.

ووضعت تحت قيادة هؤلاء القادة، أحد عشر لواء، من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية، ودفع بهم في الأنساق الأولى للقوات المقاتلة. ويذكر أنهم هم اللذين خاضوا القتال، بشراسة وإصرار

د. اشتراك عدد كبير من مقاتلي تنظيم الجهاد الإسلامي الجنوبي، وميليشيات حزب التجمع للإصلاح الإسلامي، المناهضين للحزب الاشتراكي في القتال الدائر، مما أثر بشكل بالغ على تطور موقف العمليات الحربية، في مختلف جبهات القتال، وتأكد ذلك من خلال الآتي:

(1) ضمت ميليشيات حزب التجمع للإصلاح، التي اشتركت في القتال إلى جانب القوات الشمالية، عدداً كبيراً من مقاتلي تنظيم الجهاد الإسلامي الجنوبي، الذي يتخذ من جبل المراكشة، في شمال محافظة أبين مقراً له. وقد أسرت القوات الجنوبية ما بين 80، 90 شخصاً منهم. وتشير المصادر إلى أن عناصر الجهاد الإسلامي، كانت تشكل مقدمة القوات الشمالية في القتال داخل محافظة لحج وشبوه، ولعبت دوراً مهماً في زعزعة واختراق الدفاعات الجنوبية هناك، باعتبار بعضها ينتمي إلى تلك المناطق. كما اقتحمت ميليشيات حزب التجمع والإصلاح، بعد سقوط قرية صبر بالحوطة، سجناً فيها وأطلقت سراح السجناء المتهمين، بعضوية الجماعات المتطرفة

(2) صرحت مصادر إسلامية في اليمن، أن مجموعة كبيرة من المجاهدين الجنوبيين، وعلى رأسهم الشيخ طارق الفضلي، شاركوا في الحرب، في صف القوات الشمالية، منذ بدء القتال. وأكدت إصابة الشيخ الفضلي في معارك عدن الأخيرة، إصابة نقل على أثرها إلى صنعاء، واستدعى الأمر علاجه في الخارج، ويُذكر أن الشيخ الفضلي كان تحت الإقامة الجبرية في صنعاء، منذ أكثر من عام، بعد اتهامه بالمشاركة في مخطط الاغتيالات السياسية ضد الحزب الاشتراكي ورموزه

وفي عدن، صرح أحد قيادات الجماعات الإسلامية واسمه "أبو أنس"، أن الإسلاميين شاركوا في الحرب مع الجيش على كل الجبهات. وذكر أنه شارك مع قائد هذه الجماعات، طارق الفضلي، والعشرات من المجاهدين، في معركة دخول عدن، وأوضح أنه أصيب وطارق الفضلي خلال هذه المعركة، وأن إصابته طفيفة، في حين أن طارق الفضلي سافر إلى خارج اليمن للعلاج من إصابته، ولوحظ أن تلك العناصر أصبحت تابعة لجهاز الأمن السياسي، الذي أنشأ مقراً له في مدينة لحج شمال عدن

وفي حديث صحفي للشيخ عبد المجيد الزنداني، اعترف أن جماعة الجهاد الإسلامي في اليمن شاركت في الحرب، مع القوات الحكومية. وفي موقع آخر اعترف أن مجموعات عديدة من جماعة الجهاد الإسلامي، ومجموعات كبيرة من التجمع اليمني للإصلاح والقبائل المؤيدة له، شاركت في القتال على جبهات المكلا، وحضرموت، ولحج، ويافع، وأبين وغيرها، وردد: "كنا نخوض المعركة جيشاً وشعباً"

(3) صرح مصدر مسؤول في قيادة المحور الساحلي، بمحافظة حضرموت، أن أمير تنظيم الجهاد الإسلامي في اليمن، مسلم باراسين أبومهدي، لقى مصرعه يوم 8 يونيه 1994، في المعركة الدائرة بين القوات الجنوبية والشمالية، أثناء محاولته الأخيرة التسلل من شبوه، إلى محافظة حضرموت. وقال المصدر، إن باراسين كان قد أقام معسكراً في منطقة كود العوالق في شبوه، ضم عدداً من مقاتلي الجماعات الأصولية من بلدان عربية مختلفة

(4) اكتشفت القيادة الجنوبية، اشتراك عناصر من تنظيم الجهاد الإسلامي اليمني الجنوبي، الموجودين داخل مدينة عدن، في القتال الدائر حول المدينة، لصالح القوات الشمالية، بعد تسليحهم بهاونات، يتم إخفاءها ليلاً في الأحياء والمزارع المحيطة بعدن، واشتركت في قصف مدينة عدن في المراحل الأخيرة من العمليات "اعتباراً من يوم 15 يونيه 1994"، وقد تمكنت عناصر الأمن الجنوبية من القبض على مائتين منهم، بعد اشتباك معهم في حي الشيخ عثمان، وعثرت على مخازن للأسلحة والذخائر التابعة لهم، داخل أحياء مدينة عدن

(5) كشفت تقارير عسكرية جنوبية، أن خمسة آلاف من عناصر تنظيم الجهاد، ممن ينتمون إلى ما يسمى "تنظيم الأفغان العرب"، ومن بينهم أجانب، وصلوا إلى ميناء الحديدة الشمالي على البحر الأحمر. وأكدت التقارير، أن هذه العناصر نقلت على وجه السرعة إلى الخطوط الأمامية للقوات الشمالية، المحاصرة لمدينة عدن

 

هـ. كانت القوات الشمالية، تضم بين صفوفها، ما لا يقل عن 10 آلاف مقاتل جنوبي، من أنصار الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، وكانوا قد رحلوا إلى اليمن الشمالي برفقته، عقب الحرب الأهلية، وشارك الكثير منهم، بالفعل، في الحرب الأهلية

وقد صرح الرئيس السابق علي ناصر محمد، المقيم في دمشق،بذلك علناً، عندما دعا إلى وقف إطلاق النار، ورفض إرسال قوات عربية للفصل بين الجانبين المتقاتلين، وأكد أن القوات التابعة له تقاتل من أجل مستقبل واستقراره الشعب اليمني.

و. لم يكن ولاء الكثير من القبائل ومواطني الشطر الجنوبي، خاصة المنتمون منهم إلى المحافظات، التي كانت تشكل جبهات القتال الرئيسية "لحج، وعدن، وشبوة، حضرموت"، مضموناً للقيادة الجنوبية. فقد كان لبعضهم موقف مناوئ منذ بداية الصراع، والبعض الآخر تغير، وتأرجح ولاءهم نتيجة إغراءات وتدخلات وتأثيرات خارجية، والبعض اتخذ موقف الحياد من الطرفين، وانتظر نتائج المعارك. ومن أبرز الأمثلة على ذلك:

(1) قبل بدء العمليات، أدخلت القيادة الشمالية، كميات كبيرة من الأسلحة، من منافذ سرية، إلى محافظتي حضرموت، وشبوه، ووزعتها على المواطنين وأفراد القبائل هناك

(2) في يوم 14 مايو 1994، أكدت مصادر عسكرية موثوق بها، أن قادة عسكريين من أبناء الجنوب تابعين للقوات الحكومية، قاموا بمناورات، واتصالات لاستمالة القوات الجنوبية، والقبائل، في محافظة شبوة. كما تحدثت المصادر نفسها عن وقوف رجال القبائل اليمنية الجنوبية، وعدد كبير من المواطنين، إلى جانب القوات الحكومية، الأمر الذي أسهم في فتح جبهة قتال جديدة في محافظة شبوة النفطية، مما كان له أكبر الأثر في تشتيت جهود القوات الجنوبية، في هذه المرحلة الحاسمة من الحرب.

(3) لعبت قبائل محافظتي شبوة وآبين دوراً مهماً، في خسارة القوات الجنوبية، لمواقعها في هاتين المحافظتين، بشكل قطع الاتصال البري بين حضرموت وعدن، وقد تطوعت أعداد كبيرة من أفراد قبائل أبين وشبوة، للقتال مع القوات الحكومية، تحت إمرة القادة الجنوبيين السابقين، وكل دافعهم الرئيسي وراء ذلك، ما حدث لهم خلال أحداث يناير 1986. فقد كانت معظم هذه القبائل من أنصار الرئيس السابق علي ناصر محمد، وتعرضت خلال تلك الأحداث، إلى عمليات قمع وقتل واسعة على أيدي قيادات الجيش الجنوبي، التي كان معظمها من الضالع ولحج، ورأت هذه القبائل في الحرب الراهنة فرصتها للثأر

كما أن بعض قبائل المنطقة تبدل ولاءه، بعد أن تلقوا رشاوى هائلة من الشماليين. وقد أكد محسن بن فريد، الأمين العام لحزب رابطة أبناء اليمن، الذي تولى منصب نائب رئيس الحكومة الجنوبية، أن نجاح القوات الشمالية في احتلال بلدتي عتق والنقبه في محافظة شبوه، يرجع إلى عدم وقوف قبيلة العوالقه، التي تعتبر أكبر قبائل شبوه، وتضم حوالي 20 ألف مسلح، والتي ينتمي إليها شخصياً، في وجه القوات الشمالية. وأوضح أن لأفراد القبيلة تجربة غير مشجعة مع الحزب الاشتراكي، في المرحلة الماضية. وأشار إلى أنه اتفق مع القيادة الجنوبية، على أن يتوجه إلى إحدى المناطق في شبوه، لوضع زعماء القبيلة في صورة التطورات الجديدة، لدفعها إلى اتخاذ موقف مغاير، وزجها في القتال الدائر في المنطقة. كما أدى ذلك إلى دفع القيادة الجنوبية لتعديل شبكة تحالفاتها في تلك المنطقة، وعينت أحمد فؤاد الصريمه محافظاً لشبوه، وهو من أبناء قبيلة العوالقه، وسبق له أن قاد عصياناً مسلحاً ضد الحزب الاشتراكي في يوم من الأيام، وعلى الرغم من ذلك أُسندت إليه قيادة تحالف القوات الجنوبية، هناك للدفاع عن المنطقة.

(4) صرح عبدالقادر باجمال "جنوبي"، نائب رئيس الوزراء، ومن الموالين لصنعاء، قائلاً، إن هناك عدداً من المنضويين تحت ألوية القوات الشمالية، سيرفضون وقف إطلاق النار، ذك أن المسألة بالنسبة لهم، تعدت كونها حرب وحدة وانفصال، إلى حرب ثأر، وقال: "إن هناك من يقاتل في صفوفنا ممن لهم قتلى بسبب أحداث يناير في الجنوب، وهؤلاء يرون أن لهم ثأراً، يتعين عليهم أخذه". وفي تصريح آخر للمسؤول نفسه، ذكر أن نائبين جنوبيين من أبناء المكلا بمحافظة حضرموت، يتوليان توجيه القوات الشمالية باتجاه مدينة المكلا.

ز. فسر مصدر دبلوماسي يمني في بيروت، نجاح القوات الشمالية في إسقاط عدن، ودخول المكلا في محافظة حضرموت، بأنه عائد إلى تضعضع صفوف القوات الجنوبية، وافتقارها لبيئة شعبية حاضنة، وأوضح أنه منذ الإعلان عن قيام جمهورية اليمن الديمقراطية، فقد الاشتراكيون مقاليد الأمور على الأرض في عدن، التي أمسك بها معارضوهم السابقون، قبل الوحدة

ح. وفي الإطار نفسه، صرحت مصادر يمنية في لندن، أن السيد علي سالم البيض، الذي وصل إلى سلطنة عمان، يرفض التحدث إلى أي مسؤول جنوبي باستثناء نائبه، السيد عبدالرحمن الجفري، وأوضح المصدر أن علي سالم البيض، في حالة من الإحباط، بعد ما شعر أن الجميع قد خذلوه

وإن ما تم سرده من شواهد، تدعو إلى الحيرة، وتثير الكثير من الأسئلة، وأهم الأسئلة التي تفرض نفسها هي:

من الذي حقق انتصاراً على القوات الجنوبية في الحرب الأهلية اليمنية، على مسرح العمليات في الشطر الجنوبي، وكيف هُزمت القوات الجنوبية؟

 

 



[1]  يعد عبدالقادر باجمال وهو جنوبي، من أنصار الرئيس اليمني السابق، علي ناصر محمد.

[2]  محمد سالم باسندوه، وزير الخارجية في حكومة الوحدة، من مواليد عدن عام 1935.

[3]  عبدالله أحمد غانم، وزير العدل في حكومة الوحدة، وهو من أبناء عدن.