إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / حزب البعث، نشأته وتطوره









المبحث الثاني: بداية ظهور الأحزاب السورية

‌‌المبحث الثاني: بداية ظهور الأحزاب السورية

       ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌كانت الإرهاصات الحزبية الأولى في سورية، خلال عهد الحكم العثماني. ففي عام 1883 م قامت حركة انفصالية بين نصارى مدينة بيروت، في كلية اليسوعيين التابعة لطائفة البروتستانت. وأعلنت معارضتها للإمبراطورية العثمانية، ووزعت منشورات سرية في بيروت ودمشق، تحرض الشعب على الثورة ضد العثمانيين. وموَّلت الحكومة الفرنسية هذه الحركة، لنشر نفوذها في المنطقة.

وفيما يلي عرض موجز، لأهم الجمعيات والأحزاب، التي ظهرت في تلك الفترة:

أولاً: الجمعيات والأحزاب السياسية، أثناء فترة الحكم العثماني

       خلال الفترة من عام 1908، حتى عام 1920، شهدت الساحة الحزبية في سورية، سبعة عشر اتجاهاً سياسياً (جمعية أو حزب سياسي)، ويمكن إجمالها فيما يلي:

1. جمعية الإخاء العربي العثماني

هي أول جمعية عربية تأسست في الآستانة، بعد إعلان الدستور العثماني عام 1908. وقد افتُتح مقرها في 2 سبتمبر 1908. ونص قانونها الأساسي، ألاّ تضم غير العرب. وهي جمعية قومية مخلصة للدولة العثمانية، تسعى للمحافظة على أحكام الدستور، بالتعاون مع جمعية الاتحاد والترقي. وترمي إلى جمع كافة العناصر الإسلامية، من دون تفريق، وتمكين الرابطة بينهم، وإصلاح الشؤون المختلفة، ورفع شأن الأمة العربية من النواحي الاقتصادية والثقافية، والدفاع عن مصالح العرب في الآستانة، وما إلى ذلك. وكانت تمارس نشاطها علنا وبصورة صريحة، ولكنها تلاشت بسبب فقدان الانسجام بين أعضائها. وأخيراً ألغتها الحكومة، وحلّ محلها المنتدى الأدبي.

2. المنتدى الأدبي

أسسه بعض الطلبة العرب عام 1909 م في استانبول، بعد أن أسفرت الحكومة الاتحادية عن نياتها. وكان ثقافيا في ظاهره، سياسياً في حقيقته. وكان المنتدى الأدبي يقوم بدور سياسي فعّال، وإن كان يتستر بالعناية بالطلبة العرب في العاصمة، باعتباره داراً لهم، يجتمعون فيها ويختلفون إليها.

3. حزب الحرية والائتلاف العثماني

لما ألغت الحكومة جمعية الإخاء العربي العثماني، وهي أولى ثمرات تنظيمهم السياسي، انفصل النواب العرب في مجلس المبعوثين، الذين أتوا إلى هذا المجلس بعد انتخابات ديسمبر سنة 1908م، عن جمعية الاتحاد والترقي. وألفوا كتلة برلمانية ضمت أكثر من ستين نائباً، في مارس سنة 1911. وأسهموا مع العناصر التركية المعتدلة في المجلس، ومع النواب غير الأتراك، في تكوين هذا الحزب، الذي وقف موقف المعارض من الاتحاديين. وكان يهدف إلي تحقيق اللامركزية الإدارية، التي ستصبح شعارا للهيئات السياسية العربية فيما بعد.

4. جمعية العربية الفتاة

تُعد هذه الجمعية، أعظم الجمعيات العربية، التي أنشئت بعد إعلان الدستور العثماني عام 1908. وقد أسسها عام 1911 م في باريس، ثلاثة من الشبان العرب، الذين أتموا دراستهم في استانبول العاصمة وهم: الدكتور أحمد قدرى، وعونى عبدالهادي، ورستم حيدر. ثم انضم إليهم رفيق التميمي، ومحمد المحمصاني، وعبدالغني العريسي، وجميل مردم. وقد أرادوا من الجمعية أن تكون للعرب، بمثابة جمعية الاتحاد والترقي للترك. وكان شعار الجمعية، في أول تكوينها، النهوض بالأمة العربية إلى مصاف الأمم الحية، واغتنام الفرص لتحقيق هذه الأمنية، مع عدم الانفصال عن الترك. على أن هذا البرنامج عُدِّل بعد الحرب العالمية الأولى، واتجهت النية نحو العمل لاستقلال البلاد العربية، وتحريرها في نطاق أمة عربية واحدة، وكيان عربي موحد. وقد انتقل مركز الجمعية عام 1913 إلى بيروت، ثم إلى دمشق عام 1914. ومن الذين دخلوا فيها، بعد انتقالها وقبل إعلان الحرب العالمية الأولى: نسيب البكري، عارف الشهابي، توفيق الناطور، محمد الشربقي، عمر حمد، توفيق البساط، رفيق رزق سلوم، سيف الدين الخطيب، صالح حيدر، إبراهيم حيدر والشيخ كامل القصاب. أمّا بعد إعلان الحرب، فقد دخل فيها: علي رضا الركابي، وياسين الهاشمي. ومن الذين دخلوا الجمعية في هذا الدور الدكتور عبدالرحمن الشهبندر، وعمر الأتاسي، وعادل أرسلان، ويوسف حيدر، ورشيد طليع. كما انتسب إليها في 26 مارس 1914، سمو الأمير فيصل بن الحسين، وهو في طريقه إلى استانبول. وقد كانت هذه الجمعية، على اتصال بالقوميين العرب، في سائر المناطق العربية، وفي المهجر. وكانوا جميعاً ينفذون ما يقرره مركز الجمعية. وهي التي دعت إلى عقد المؤتمر العربي في باريس عام 1913، عندما كان مركزها هناك. وقد ظل سرها مكتوما إلى أن أعلنت الحكومة العربية بدمشق، إثر دخول الجيش العربي إليها عام 1918م. وقد تولت العمل باسمها في دمشق لجنة إدارية، مؤلفة من السادة: علي رضا الركابي، ياسين الهاشمي، الدكتور أحمد قدري، نسيب البكري، رفيق التميمي، توفيق الناطور.

وكانت هذه اللجنة تسيطر على الحكومة سيطرة تامة، فما كان شيء يتم إلاّ بأمرها وإرادتها. وإثر عودة سمو الأمير فيصل من أوروبا في مايو 1919 تألفت اللجنة من السادة: ياسين الهاشمي، الدكتور أحمد قدري، رفيق التميمي، سعيد حيدر، أحمد مريود، عزت دروزه كسكرتير، وشكري القوتلي كأمين صندوق. ولكن أثرت الحملات الشديدة، التي وُجهت إلى هذه اللجنة عليها، فقد استقالت في شهر مارس 1920 م وخلفتها لجنة جديدة، اختارها الأعضاء في اجتماع كبير عقد في منزل على رضا الركابي، برئاسة سمو الأمير زيد، وهي مؤلفة من: علي رضا الركابي، نسيب البكري، سعيد حيدر، خالد الحكيم، الدكتور أسعد الحكيم، ومحمد الشربقي سكرتيراً، وجميل مردم أمين الصندوق.

5. الجمعية القحطانية

وهي جمعية سرية تأسست عام 1909م في استانبول، من مدنيين وعسكريين. وغايتها بث المبادئ الصحيحة، بين أبناء الأمة العربية، وجمع الكلمة، وتوحيد الصفوف. وأن تؤلف الولايات العربية مملكة واحدة، تصبح جزءاً من إمبراطورية مزدوجة، تركية عربية. وقد مارست نشاطها السياسي سراً، وبصورة شفهية فقط. وقد انتشرت مبادئ هذه الجمعية بين العرب وضباطهم، في الجيش العثماني، وكثر عدد الداخلين فيها. ومن الذين انضموا إليها: الدكتور عزت الجندي، وحسن حمادة، وعبدالكريم الخليل، وعلي النشاشيبي، وعادل أرسلان، وأمين لطفي حافظ وغيرهم، واستمرت حتى عام 1913م.

6. حزب اللامركزية الإدارية العثماني

تأسس في القاهرة إثر انكسار الدولة العثمانية في حرب البلقان، في أواخر عام 1912. وكان يهدف إلى الدعوة بالوسائل المشروعة، إلى تطبيق اللامركزية الإدارية في الولايات العثمانية، لحمايتها من الضغط الخارجي، والمنازعات الداخلية. وهو وإن لم يكن حزبا خفياً، إلاّ أنه لم يكن مرخصاً. وقد قصر مساعيه أخيراً، على مصلحة العرب، بسبب سلوك الاتحاديين العدائي. وقد أنشأته نخبة من المفكرين، منهم رفيق العظم، الذي تولى رئاسة الحزب، واسكندر عمون نائب الرئيس، وسامي العظم، وحقي العظم ومحب الدين الخطيب، والدكتور شبلي شميل.

7. جمعية بيروت الإصلاحية

أسس هذه الجمعية، في 23 صفر 1331 هـ الموافق 31 يناير 1913م، أعيان من بيروت وكبارها ونوابها، الذين كانوا أول من لبى الصوت، الذي ارتفع في القاهرة مطالباً بالإصلاح على أساس اللامركزية الإدارية. وقد وضعتَ برنامجاً من خمس عشرة مادة، لكي تنال بها البلاد العربية الحكم الذاتي، متجاوبة في ذلك مع العربية الفتاة، واللامركزية الإدارية. وقد حل الاتحاديون الجمعية في أبريل 1914م، واعتقلوا زعماءها.

8. مؤتمر باريس العربي عام 1913م

عُقد هذا المؤتمر في 18 يونيه 1913م في باريس، بدعوة من لجنة الشِّبان العرب الموجودين فيها، وقوامها: عبدالغني العريسي، وندره المطران، وشكري غانم، وعوني عبدالهادي، وجميل مردم، وشارل دباس، ومحمد المحمصاني، وجميل معلوف. وقد قام فيها العريسي بوظيفة السكرتير. وقد أعطى هذا المؤتمر دعماً كبيراً لكل الجمعيات السياسية في الوطن الأم، من أجل نشر القضية العربية في الخارج، والمناقشة في حقوق العرب ضمن الإمبراطورية العثمانية، وضرورة الإصلاح على أساس اللامركزية الإدارية، مع إشراك العرب في الإدارة المركزية، إشراكاً فعلياً، وغير ذلك من الحقوق. وكانت قرارات المؤتمر تأكيداً لمبادئ حزب اللامركزية في القاهرة، وجمعية الإصلاح في بيروت، مع عدم التخلي عن السلطنة العثمانية، لأنّ بتقويتها يقوى مركز العُنصر العربي فيها، مع إدخال الإصلاحات الضرورية لحمايتها من الأخطار، التي تهدد الإمبراطورية، والمؤامرات التي تحاك ضدها.

9. جمعية العهد

أنشأ هذه الجمعية، في أكتوبر 1913م، البكباشي عزيز علي المصري، لتحل محل الجمعية القحطانية. وكان برنامجها هو برنامج الجمعية القحطانية، وإن كان قد صيغ بلغة عسكرية. وهي تسعى وراء الاستقلال الداخلي للبلاد العربية، على أن تظل متحدة مع حكومة الآستانة، أسوة باتحاد المجر مع النمسا. وكانت لا تضم إلاّ العسكريين، زيادة في الحرص على سريتها. وقد أصبحت بالنسبة للعسكريين، (كالفتاة) بالنسبة للمدنيين. ولكن الحكومة العثمانية اعتقلت عزيز علي المصري، مؤسس الجمعية، بتهمة سوء التصرف، وحكمت عليه بالإعدام. وبما أن المحكمة لم تكن تعرف شيئا عن هذه الجمعية، فإنها لم توجه إليه أية تهمة بسببها. ولم تعف الحكومة عنه، إلاّ بعد أن تدخلت السلطات البريطانية في أمره. وقد سافر إلى القاهرة، وأسس فيها الجمعية الثورية العربية، مع الإبقاء على جمعية العهد. وهذه الجمعية الجديدة دعت صراحة، إلى استقلال العرب التام وتأليف دولة عربية لا مركزية. وكانت على اتفاق تام مع حزب اللامركزية، في القاهرة.

10. جمعية العهد السورية

كانت هذه الجمعية من الجمعيات العربية، التي أُنشئت في الأصل في إستانبول، في العهد العثماني. وكانت تعمل لمصلحة العرب، وقد أصبح مركزها، في العهد العربي الفيصلي، بدمشق. وفي أواخر عام 1918 م خضعت للظروف، وانقسمت إلى قسم سوري وآخر عراقي، يعمل كل منهما لخدمة قضية بلده مستقلاً. وكان معظم أعضاء الجمعية من الضباط، بينهم عدد من المدنيين، وموظفي الحكومة منهم (فؤاد الشهابي، حسن الحكيم، حسني البرازي). وكان موقف الجمعية من الأحداث المهمة، منسجماً مع موقف جمعية الفتاة. وقد انحلت الجمعية في سورية، عند زوال العهد الفيصلي. أمّا لجنتها الإدارية، فكانت تتألف من السادة: حسني البرازي، ومحمد إسماعيل "الطباخ"، ولطفي الرفاعي، وعارف التوام، ورشيد بقدونس، وفؤاد الشهابي، وحسن الحكيم.

11. اللجنة الوطنية العليا

أُنشئت هذه اللجنة في نوفمبر 1918 م بدمشق، من مختلف الهيئات والأحزاب، برئاسة الشيخ كامل القصاب، لتكون مظهراً من مظاهر النشاط الشعبي، وللضغط على المترددين بوجوب الدفاع عن البلاد. وقد اقتصر نشاطها على دمشق وحدها، ولم تكن خاضعة لحزب معين.

12. حزب الاتحاد السّوري

أُنشئ هذا الحزب رسميا في ديسمبر 1918 م، وكان يعمل على استقلال سورية، بعد انسحاب الحكومة العثمانية في أواخر سبتمبر 1918 م. وهو يهدف إلى تكوين دولة سورية مستقلة استقلالاً تاماً، بضمان عصبة الأمم، تحكمها حكومة ديمقراطية، على مبدأ اللامركزية، وبقوانين مدنية، ما عدا ما يتعلق منها بأحكام الأحوال الشخصية، فإنها تبقى على ما هي عليه، وفق ما نص على حقوق الأقليات.

13. حزب الاستقلال العربي

أُنشئ هذا الحزب عام 1919م، ليضم المؤيدين والمناصرين، الذين لم يكن من المستحسن انتسابهم إلى (الفتاة)؛ وليكون مظهراً خارجيا لنشاط "جمعية العربية الفتاة"، التي ظلت سريـة إلى أن أذاعتها هيئتها المركزية، في الخامس من شهر فبراير 1919م. وأعلنت أنها ستمارس نشاطها العلني باسم هذا الحزب، الذي يخضع لتوجيهات الهيئة المركزية (الفتاة)، والذي تدير بواسطته حركة الانتخابات العامة، وتطبق مبادئ الجمعية، التي تساعدها على الوصول إلى غايتها، التي هي وحدة البلاد العربية، واستقلالها استقلالاً تاماً، بجميع معانيه القانونية والسياسية، وتحريرها من كل نفوذ أجنبى، وليعمل كل ما تود (الفتاة) عمله في مختلف الميادين، لنشر المبادئ الوطنية، وتقوية الشعور العربي بين طبقات الأمة وتنظيم الأعمال السياسية، وعقد الاجتماعات والمظاهرات، والإشراف على الصحف، التي كان يصدرها بعض أعضاء الجمعية، أو مؤيدوها. وقد أصبح هذا الحزب العمود الفقري للحياة الحزبية في سورية، والمسيطر على البلاد، بحيث لا يقرر عمل، ولا تُؤلف وزارة، وتُوضع خطة، إلاّ بالاتفاق معه. وكانت أول لجنة إدارية تتولى أعمال الحزب، مؤلفة من السادة: سعيد حيدر، وأسعد داغر، وعزت دروزة، وزكي التميمي، وفوزي البكري، وعبدالقادر العظم، وسليم عبدالرحمن.

14. النادي العربي

أُنشئ هذا النادي في دمشق عام 1919، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، واستوحيت فكرته، من فكرة "المنتدى الأدبي" في استانبول. وقد انحصر نشاطه في دمشق، وإن كان قد أسس له فروع في المدن السورية، حتى إن سمو الأمير فيصل ألقى بعض خطبه فيه. كما عقد المؤتمر السوري أولى جلساته بالنادي العربي، إلى أن انتقل إلى بناية العابد.

15. حزب التقدم

أُسس هذا الحزب في سورية، ليكون مظهراً برلمانيا لجمعية العربية الفتاة، وحزب الاستقلال العربي وذلك لتحقيق أهداف الفتاة داخل البرلمان. وأعضاؤه متشبثون بالاستقلال، وعدم التساهل تجاه المطامع الأجنبية، ويحملون، في الوقت نفسه، مبادئ اجتماعية وإصلاحية.

16. الحزب الديمقراطي

أُنشئ ليؤلف الجبهة البرلمانية، في مقابل حزب التقدم، في المؤتمر السوري. وكان من المعارضين (للفتاة)، والناقمين على الحكومة. كما كان يُعارض في الحقوق السياسية للمرأة. وقد انفرط عقده عقب دخول الفرنسيين دمشق، في يوليه 1920.

17. الحزب الوطني السوري

أُنشئ هذا الحزب في 25 يناير 1920 بدمشق، نتيجة التيارات الشخصية التي قامت في صفوف جمعية (الفتاة)، وبسبب الدِّعايات الإقليمية، والصراع المحتدم بين الشباب القائمين على دفة (الفتاة)، والشيوخ، وبين التقدميين والمحافظين. وكان منهاج الحزب ينص على استقلال سورية الطبيعية، كحزب الاتحاد السوري، ولكنه يرمى إلى تقوية الصلات القومية والأدبية بين الشعوب العربية، مع التساوي في الحقوق المدنية والسياسية بين جميع أبناء الوطن السوري، على اختلاف المذاهب والعناصر. وهو يؤيد المبدأ الملكي الديموقراطي، برئاسة سمو الأمير فيصل. ويتميز عن الأحزاب بالنص على السعي لتحسين النظام الاجتماعي، بتأسيس صناديق التعاون الاقتصادي والخيري، وتنشيط النقابات التجارية، وجمعيات العمال.

ثانياً: الأحزاب السياسية في عهد الانتداب الفرنسي

       شهدت تلك الفترة، نوعين من الأنشطة الحزبية في سورية، الأول: الأحزاب والاتجاهات والجمعيات، التي مارست نشاطها السياسي داخل سورية، والآخر: تلك التي تأسست وباشرت نشاطها السياسي، خارج سورية.

1. الأحزاب السياسية داخل سورية

أ.  حزب الشعب

هو أول حزب سياسي أنشئ رسميا في سورية، بعد الاحتلال الفرنسي، وبعد إطلاق حرية تشكيل الأحزاب، بزعامة الدكتور عبدالرحمن الشهبندر. وكانت الغاية من تأليفه، جمع الصفوف الوطنية في هيئة سياسية تنطق باسمها، والعمل لتأمين وحدة سورية واستقلالها، بالطرق المشروعة. وانتخاب مجلس تأسيسي انتخاباً حراً، يسن دستورا للبلاد؛ وقيام حكومة دستورية، تضع أسس العلاقات بين سورية وفرنسا، مع العمل في سبيل الإصلاح الاجتماعي، وتشجيع الصناعة الوطنية، وما إلى ذلك من الإصلاحات. وقد افُتتح رسميا يوم الجمعة 5 يونيه 1925 م في دار الأوبرا العباسية بدمشق. وكان مجلس إدارة الحزب يتألف من اثني عشر عضواً هم: الدكتور عبدالرحمن الشهبندر، فارس الخوري، جميل مردم، لطفي الحفار، فوزي الغزي، توفيق شامية، إحسان الشريف، سعيد حيدر، حسن الحكيم، عبدالمجيد الطباخ، وأبو الخير الموقع، أديب الصفدي، وقد تولى أمانة السر العامة الدكتور إحسان الشريف وخلفه فيها حسن الحكيم، كما تولى السيد أبو الخير الموقع أمانة الصندوق.

وبعد أن أُسست للحزب فروع في حمص وحماة وحلب واللاذقية، بدأ يتصل باللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني بمصر، وبالوفد السوري في أوروبا، وبرجال سورية العاملين في الساحل، وبزعماء جبل الدروز، وسائر ذوى الرأي والفكر في البلاد. فانتعشت الحركة الوطنية على يد حزب الشعب، وبدأ صوتها يرتفع. بيد أن السلطة الفرنسية، شتتت أعضاء الحزب بعد قيام الثورة الوطنية السورية، بقيادة سلطان باشا الأطرش عام 1925 م، وأغلقت نادي الحزب.

ب.  الحزب الحديدي

تألف هذا الحزب في دمشق عام 1922م. وكان يوزع سراً نشرات معادية للانتداب الفرنسي، الأمر الذي أدى إلى اعتقال بعض أعضائه، ومن بينهم: نادر الساطي، محمود البيروتي، والحكم عليهما بالسجن وإرسالهما إلى جزيرة "أرواد"، حيث التقيا هناك بالدكتور الشهبندر، وحسن الحكيم، وسعيد حيدر، وإخوانهم.

ج.  حزب الوحدة

هذا الحزب هو الحزب الآخر المرخص بعد حزب الشعب. وقد ضم لفيفا من رجال الإدارة، والموظفين الموالين للانتداب، والذين يميلون للتفاهم مع الفرنسيين. أما برنامج الحزب فينص على توحيد سورية، تحت حكومة واحدة مستقلة، ذات سيادة. ويهدف إلى النهوض الاقتصادي، وتخفيف الضرائب، وإيجاد التآلف بين المجتمع السوري، وتحسين حالة الطبقة العاملة. غير أن هذا الحزب، لم يكن له نشاط ملموس. وقد حُلّ عند نشوب الثورة الوطنية السورية، عام 1925.

د.  الكتلة الوطنية

تألفت هذه الكتلة بعد أن أذاع "موسيو بونسو" المفوض السامي الفرنسي الجديد، بعد عودته من رحلته إلى باريس، بياناً في 26 يوليه 1926 م، أعلن فيه تمسك فرنسا بواجبها الانتدابي في البلاد. وكانت الكتلة تأمل أن، تحل محل حزب الشعب الذي حُلّ في 5 يونيه 1925م، وشتته الفرنسيون، وأغلقوا ناديه، بعد قيام الثورة الوطنية السورية عام 1925م. ومن أبرز زعماء الكتلة السادة: هاشم الأتاسي، فارس الخوري، سعدالله الجابري، جميل مردم، عبدالرحمن الكيالي، لطفي الحفار، وشكري القوتلي.

هـ.  عصبة العمل القومي

شُكلت هذه العصبة في المؤتمر، الذي عقده بعض الشباب المثقف في سورية ولبنان، في قرنايل (لبنان) عام 1933م. وهدفها استقلال العرب التام، وسيادتهم المطلقة، ووحدتهم الشاملة، مع عدم التعاون مع المنتدبين، ومع الحكومات، التي يقيمونها، انسجاماً مع مبدأ عدم الاعتراف بهم. بيد أن هذه العصبة كانت تحمل عوامل الضعف منذ البداية، إذ كانت "عصبة" ولم تكن حزباً منظماً. كما كانت تمثل في برنامجها رأى الطبقة المثقفة ومثلها السياسي الأعلى، بينما الرأي العام السوري، لم يكن مستعداً لقبول مثل هذا البرنامج المتطرف.

و.  الجبهة الوطنية المتحدة

تألفت هذه الجبهة في 22 أكتوبر 1935 بدمشق. وضمت الأشخاص، الذين لم ينضموا إلى الكتلة الوطنية. وكان هدفها الأسمى في منهاجها: (وطن عربي واحد، وعلم عربي واحد). ولكنها قصرت جهودها على سورية لتحريرها، وإزالة تجزئتها. وكانت ترفض سياسة المراحل، فيما دون ذلك. كما كانت ترمى إلى توحيد المناطق الساحلية والداخلية السورية، مع اجتناب قاعدة اللامركزية، على أن يُستفتى لبنان في تقرير مصيره. وتقبل بعقد معاهدة مع فرنسا، تتضمن إلغاء الانتداب، والاعتراف باستقلال البلاد وسيادتها ووحدتها، وتكفل لسوريه من الحقوق ما تضمنته المعاهدة العراقية، المعقودة مع بريطانيا عام 1930 م، مع مراعاة الفارق الزمني. كما أنها تنبذ الطائفية، وتحظر الجبهة على أعضائها قبول المناصب، والاشتراك في الانتخابات، إلاّ بقرار من لجنتها المركزية.

ز.  الإخوان المسلمون

الإخوان المسلمون هم من حيث الأساس، جماعة دينية قامت بدور سياسي. وقد تألفت عام 1928 بمصر، وأهدافها متنوعة: منها أهداف دينية علمية، أي شرح دعوة القرآن الكريم، وعرضها عرضاً يوافق روح العصر؛ وأهداف عملية، ترمي إلى تقريب وجهات النظر بين الطوائف الإسلامية، وحسم ما بينها من خلافات؛ وأهداف اقتصادية، تهدف إلى تنمية الثروة القومية، ورفع مستوى المعيشة؛ وأهداف وطنية، تناضل ضد الاستعمار وتحرير المسلمين من النفوذ الأجنبي، والسير نحو الجامعة الإسلامية سيراً حثيثاً، ومناصرة التعاون العالمي مناصرة صادقة، وإقامة الدولة الصالحة، التي تنفذ فيها أحكام الإسلام وتعاليمه عملياً، والمشاركة في بناء السلام العالمي، والحضارة الإنسانية، على أساس جديد من تآزر المادة والروح. وعلى هذا الأساس انتقلت دعوة الإخوان المسلمين عام 1937، من مصر إلى سورية. وتوحدت بينهما الأهداف والاسم، برئاسة مراقب عام هو الشيخ "مصطفى السباعي". وفي المؤتمر، الذي عقد في سورية عام 1946، حددت الجماعة أهدافها بما يلي: تحرير الأمة العربية وتوحيدها، وحفظ عقيدتها على أساس الإسلام، وإصلاح المجتمع ومحاربة الاستعمار بالتعاون مع الهيئات المختلفة، ومحاربة محاولة التفرقة بين الطوائف والأديان، وإصلاح جهاز الدولة بتنفيذ القوانين دون محاباة.

ح.  الهيئة الشعبية

قامت هذه الهيئة عام 1938، على أنقاض من الجبهة الوطنية المتحدة، وذلك برئاسة الدكتور عبدالرحمن الشهبندر. ومن جملة من انضم إليها زكى الخطيب، ونصوح بابيل، والدكتور منير العجلاني. وكانت الهيئة المذكورة كالكتلة الوطنية، مؤلفة من مجموعة من الأشخاص، اتفقت على برنامج سياسي معين، لظرف معين. أما الخطوط العريضة، التي تضمنها برنامج الهيئة فهي: العمل للوحدة السورية الشاملة، وألاّ تقل المعاهدة، المزمع عقدها مع فرنسا، عن معاهدة العراق مع بريطانيا نصاً وتطبيقاً، وأن تكون خطوة للاستقلال، والسعي لجعل سورية عضواً في الاتحاد العربي المنتظر، وضمان الحرية والمساواة للطوائف والمذاهب، وتوجيه البلاد نحو حكم صالح، يحقق لها نهضة قومية، وإنشاء جيش وطني، وحماية الإنتاج القومي، وتشجيع الاقتصاد الوطني، وجعل التعليم الأول إلزامياً.

وكان موقف الهيئة الشعبية من الحكومة، موقف الناقد والمعارض، إذ لم تر في المعاهدة، التي تبنتها الكتلة الوطنية، ما يكفى لتحقيق أماني البلاد خصوصاً بعد ما أُلحق بها من ذيول. وكانت تصف سياسة رئيس الحكومة، جميل مردم، في مفاوضاته مع الفرنسيين، بأنها ذات وجهين، أحدهما وجه الاستسلام أمام الأجنبى، والآخر وجه الغرور أمام الشعب. ولكن هذه الهيئة انفرطت بعد اغتيال رئيسها الدكتور عبدالرحمن الشهبندر، في 6 يوليه 1940.

2. الأحزاب السياسية خارج سورية

أعلنت ثلاثة اتجاهات سياسية، عن قيامها، في تلك الفترة، خارج سورية وهي: لجنة تنفيذية في القاهرة، وحزبان في بيروت.

أ. اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني

بناء على المنشور، الذي وجهته اللجنة التنفيذية لحزب الاتحاد السوري في مصر، في 1 أبريل 1921، إلى الأحزاب والجمعيات، التي تطالب بوحدة سورية واستقلالها، والذي دعتها فيه إلى مؤتمر سوري عام يعقد في جنيف، للتفاهم فيما بينها على المبادئ والمساعي، وعلى رفع صوتها في العالم المتمدن في وقت واحد، ولتبرهن بكل ما لديها من الحجج والأدلة والوثائق، على حق سورية في الحرية والاستقلال، ولكي تقوم بالوسائل المشروعة، لدى مجلس عصبة الأمم، لسماع رأى البلاد قبل الحكم عليها بإبرام صك الانتداب. وقد عُقد هذا المؤتمر فعلا في 21 أغسطس 1921 م برئاسة الأمير ميشيل لطف الله، وحضره عدد من الأشخاص يمثلون الأحزاب والهيئات السورية في الوطن والمهاجر. واستمر حتى 21 سبتمبر 1921م حيث اختتم أعماله بتشكيل لجنة باسم "اللجنة التنفيذية للمؤتمر السوري الفلسطيني"، وعهد إليها بالسعي لتحقيق مطالب البلاد الخمسة، التي قررها، وهي:

  • الاعتراف بالاستقلال والسيادة لسوريه ولبنان وفلسطين.
  • الاعتراف بحق هذه البلاد في أن تتحد معاً في حكومة مدنية، مسؤولة أمام مجلس نيابي ينتخبه الشعب.
  • وأن تتحد مع باقي الدول العربية المستقلة، في شكل ولايات متحدة "فيدرالية".
  • إلغاء الانتداب حالا، وجلاء الجنود الفرنسية والإنجليزية عن سورية ولبنان وفلسطين.
  • إلغاء وعد بلفور.

وقد اتُخذت القاهرة مركزاً لهذه اللجنة، التي كان ميشيل لطف الله المحرك الأساسي لها.

ب. الحزب القومي السوري

أسس هذا الحزب في 16 نوفمبر 1932 في بيروت (لبنان)، شخص واحد هو أنطون سعادة. لذلك يختلف إنشاء هذا الحزب عن الأحزاب الأخرى، التي تنبثق عادة عن اجتماع أو مؤتمر. وهدف الحزب هو المناداة بقومية إقليمية سورية خاصة، والاعتراض على فكرة القومية العربية. وهي في رأيه ذات حدود جغرافية، تمتد من جبال طوروس في الشمال، إلى قناة السويس في الجنوب، شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة. ومن البحر السوري (الأبيض المتوسط) في الغرب، إلى الصحراء في الشرق، حتى الالتقاء بنهر دجلة. ويدخل في ذلك فلسطين، التي يعتبرها الحزب جزء لا يتجزأ من وطن كامل، غير قابل التجزئة، لأمة واحدة، هي الأمة السورية، أما المبادئ التي يهدف إليها الحزب فهي، فصل الدين عن الدولة، وإلغاء الإقطاع، وتنظيم الاقتصاد القومي، على أساس الإنتاج، وإنصاف العمل، وصيانة مصلحة الأمة والدولة، وإعداد جيش قوى يكون ذا قوة في تقرير مصير الأمة والوطن. ومن مبادئه كذلك، إيجاد نهضة قوية، تكفل تحقيق مبادئه، وتؤدي إلى الاستقلال، مع إيجاد جبهة عربية.

وقد أُتهم هذا الحزب باغتيال رياض الصلح، رئيس الحكومة اللبنانية عام 1951 بعمان، وباغتيال العقيد عدنان المالكي عام 1952 بدمشق، حتى أن أنطون سعادة، مؤسس الحزب نفسه، حكم عليه في لبنان بالإعدام، وتم تنفيذ الحكم في بيروت.

ج. الحزب الشيوعي

أُعلن عن هذا الحزب في المؤتمر الذي عقد في بيروت، بين 31 ديسمبر 1942م و2 يناير 1943. وتتلخص أهداف الحزب وبرنامجه في: العمل لاستقلال وسيادة سورية وتحريرها الكامل، والمحافظة على نظامها الجمهوري الديموقراطي، والتضامن مع البلاد العربية لاستكمال تحريرها وتوثيق الروابط بينها، وبسط السياسة الوطنية على المؤسسات الأجنبية، وتأمين الحريات الديمقراطية، ورفع مستوى البلاد الاقتصادي، بحماية صغار المنتجين، ومعالجة البطالة، وحماية العمال بوضع تشريع لهم، وتحرير الفلاح من البؤس، وتوزيع الضرائب توزيعا عادلاً. بيد أن هذا الحزب تعرض لنقمة الرأي العام السوري، حين أيد قرار تقسيم فلسطين الصادر عن هيئة الأمم المتحدة في عام 1947، تمشياً مع موقف الاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية الأخرى. وخرجت في البلاد مظاهرات ضد هذا الحزب، وهاجم المتظاهرون مكاتبه وتوارى خالد بكداش، زعيم الحزب، آنئذ عن الأنظار.

ثالثاً: الأحزاب السياسية منذ عهد الاستقلال (عام 1946م)

       تأسست خمسة أحزاب سياسية في بداية عهد الاستقلال، وذلك خلال الفترة من عام 1947، حتى عام 1952، وهي:

1. الحزب الوطني السوري

انبثق هذا الحزب عن مؤتمر عقد بدمشق عام 1947، على أنقاض الكتلة الوطنية بعد أن تصدعت أركانها. وتتلخص برامج الحزب في: وحدة الأمة العربية والسعي لتحريرها، ويعتبر الصهيونية حركة عدائية، خطرة على الكيان العربي فيه، ويبنى سياسته الخارجية، على أساس إقامة الصلات الودية مع الدول الأجنبية، على مبدأ المساواة والمصالح المتقابلة، واستقلال سورية استقلالاً مطلقاً سليماً، وبالذود عن هذا الاستقلال بجميع الوسائل. وفي السياسة الداخلية رعاية الدستور، في جميع نواحي حياتها العامة، وتوجيهها في سياسة إنسانية، تقوم على خطة شاملة منظمة، تكفل تطورها الرفيع، وترمى إلى رفع مستواها، من جميع الوجوه، وتحقيق العدل الاجتماعي فيها. وفيما يتعلق بالناحية الاقتصادية والمادية، فإن أهداف الحزب كانت تسعى إلى استثمار مرافق البلاد، وزيادة إنتاجها، مع الاستفادة من رأس المال الأجنبي والخبرة الأجنبية بتعويض لا يمس المصلحة العربية، ولا يخل باستقلال الوطن وتقدمه المطلق من المؤثرات الأجنبية. وفي الوقت نفسه، يأخذ الحزب بفكرة السياسة الاقتصادية الموجهة، وحماية الصناعات المحلية، خصوصا في دور تكوينها إلى أن تصبح قادرة، على المنافسة الحرة.

2. حزب البعث

ظهر هذا الحزب إلى الوجود، عندما عقد أول مؤتمر له في 7 أبريل1947 م بدمشق. وأقر فيه دستور الحزب المفّصل، ونظامه الداخلي. أما أهدافه، التي حددها حينذاك، فهي: الوحدة والحرية والاشتراكية، وهو حزب قومي عربي شعاره: (أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة). وتتضمن أهدافه الإيمان بالقومية العربية، ووحدة الأمة العربية وحريتها، وأن لهذه الأمة شخصية حية قابلة للتجدد والانبعاث، وأن انبعاثها يتميز مع مدى حرية الفرد، ومدى الانسجام بين تطوره، وبين المصلحة القومية؛ وأن للبلاد العربية رسالة خالدة، تظهر بأشكال متجددة متكاملة في مراحل التاريخ، وترمي إلى تجديد القيم الإنسانية، وحفز التقدم البشري، وتنمية الانسجام والتعاون بين الأمم، وبأن السيادة والسلطة مصدرهما الشعب، ويؤمن بأن الاشتراكية ضرورة منبعثة من صميم القومية العربية، وأنها هي التي تحقق للعرب إمكاناتهم. ولكنه يدعو إلى اشتراكية عربية، مستمدة من روح العرب، وحاجاتهم الاجتماعية، ونهضتهم الحديثة. ويعمل على إيجاد نظام اقتصادي عادل معقول، يحول دون الأحقاد والنزاعات الداخلية، ودون استثمار طبقة لأخرى، إذٍ بذلك تكون الاشتراكية خادمة للقومية العربية، وعنصراً مهماً من عناصر بعثها وتحقيقها. وصفة الحزب الأساسية أنه حزب انقلابي، أي أنه لا يقول بالإصلاح والتطور كوسيلة لتصحيح الأوضاع الفاسدة في البلاد، بل بالقتال في سبيل الانقلاب العربي.

3. حزب الشعب

تشكّل هذا الحزب في مؤتمر عقده نواب الكتلة الدستورية، في المجلس النيابي ومؤيدوهم، عام 1948 في لبنان، برئاسة رشدي الكيخيا. وهو حزب يؤمن بالوحدة العربية، ويسعى وراء تحقيقها، ويرى فلسطين جزءاً لا يتجزأ من الوطن العربي، ويرى وجوب العمل في مقاومة النفوذ الأجنبي، ويلح الحزب في السياسة الداخلية، على تحقيق شرط التوازن بين السلطات، توطيداً للنظام الجمهوري، والحكم الشعبي. ويرى ضرورة تعديل دستور 14 مايو 1930، تعديلاً جوهرياً يحقق سيادة الأمة وسلطاتها، وسلامة مبدأ فصل السلطات من طغيان إحداها على الأخرى، ومسايرة التطور، ضمن حدود النظام النيابي. أما في الميدان الدولي، فيرى أن تسير سياسة سورية الخارجية، على أساس المصلحة المتقابلة، وعدم تفضيل دولة على أخرى إلاّ بالقدر، الذي تقتضيه المصلحة القومية. أما عن السياسة الاجتماعية، فيتضمن منهاج الحزب فصلاً مستفيضاً، يرمى إلى العمل على رفع مستوى معيشة المواطنين، ويؤيد الحركة النقابية العمالية، ويطالب بوضع تشريع لضمان حقوق الفلاح. ويميل الحزب إلى اعتبار الزراعة، أساس الحياة الاقتصادية في البلاد. لذلك يضع بنوداً لتحديد الملكية في المستقبل دون أن يكون لذلك مفعول رجعى. وللحزب اتجاه معتدل نحو الاشتراكية، فهو يقر مبدأ التأميم، ويهتم بالتشريع الاجتماعي، حتى إن دستور 5 سبتمبر 1950، الذي وضعته الجمعية التأسيسية، يعبر، تقريباً، عن برنامج ومبادئ هذا الحزب.

4. حزب التعاون الاشتراكي

أعلن فيصل العسلي، نائب دمشق في المجلس النيابي السوري، في 27 ديسمبر 1948، قيام هذا الحزب. وهو يطالب في برنامجه بالعمل، على قيام اتحاد سياسي بين العرب والمسلمين، تدعمه قوة عسكرية موحدة، وينتهج السياسة الاقتصادية، على أساس إنماء القوى المنتجة وتنسيقها، تنسيقاً يضمن رفع مستوى الشعب المادي والثقافي، وتقدماً زراعياً على أساس المزارع التعاونية، واتجاهاً نحو التصنيع. وينادى بتأميم المرافق العامة، وتوزيع حق التصرف توزيعاً تعاونياً اشتراكياً، يؤمن الانتفاع المشترك للمالك المتصرف والدولة، وينادى بصيانة حق الملكية ومصادرة التملك غير المشروع وتقديس حق العمل.

5. حركة التحرير العربي

أسس هذا الحزب العقيد أديب الشيشكلي، ليتخذ منه متكأ شعبياً لحكمه، بعد أن حل في 6 أبريل 1952 م جميع الأحزاب السياسية في سورية. ولكن هذا الحزب فقد وجوده الشرعي، بعد انتهاء حكم أديب الشيشكلى، إذ لم تكن له قاعدة شعبية في سورية.

ويصنف الدكتور محمد فرج الأحزاب، التي قامت في سورية في بداية استقلالها، إلى ثلاثة أنواع:

أ. أحزاب قومية

تسعى لتطوير المجتمع السوري، والنهوض بمرافقه، في حدود القومية العربية، وأهداف جامعة الدول العربية، وفي إطار الوحدة العربية الشاملة، وهي: الحزب الوطني ـ وحزب الشعب ـ وحزب البعث ـ والحزب العربي الاشتراكي ـ ثم حزب البعث العربي الاشتراكي بعد اندماج الحزبين الأخيرين.

ب. الحزب القومي السوري

أنشأه أنطون سعادة، وهو صاحب نظرية خاصة تدعو لأن تكون سورية، بحدودها الطبيعية، بلداً مستقلاً له كيانه الخاص، وقوميته الخاصة، أي أنه كان انفصاليا في عقائده. ينادى بأن سورية للسوريين، وأن هؤلاء يكونون أمة مستقلة عن العرب، وأنهم أكثر العرب تمدناً وحضارة وتقدماً.

ج. الحزب الشيوعي

ويستمد مبادئه وأهدافه من خارج سورية، ويسعى إلى إقامة مجتمع شيوعي.

إضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين.

وقد أدت كثرة الأحزاب في سورية، إلى تشتيت الجهود الحزبية، وضعف الأحزاب، وعدم وجود حزب كبير يتمتع بأغلبية معقولة في البرلمان، مما عرقل أعمال الدولة، وأدى إلى تغيير الوزارات وتعديلها بين لحظة وأخرى - بجانب عوامل أخرى. كما كان من نتائج كثرة الأحزاب، افتقارها إلى الشخصيات القومية الصالحة لتولي مهام الحكم، مما كان له أثره في تعذر قيام حزب واحد بأعباء الحكم.

وعلى الرغم من كثرة الأحزاب السياسية في سورية، فإن أيا منها لم يتمكن من الحصول على الأغلبية المعقولة، في الانتخابات البرلمانية. بل إنه رغم تعدد الأحزاب السياسية، فإن عدد النواب من المستقلين عن الأحزاب السياسية، كان يفوق عدد نواب بقية الأحزاب السورية ! ففي فترة حكم "هاشم الأتاسى" ـ على سبيل المثال ـ إثر انقلاب 25 فبراير عام 1954 م، وفي ظل وزارة مكونة من وزراء من حزبي الشعب، والوطني برئاسة (سعيد الغزي)، الذي قرر العودة إلى الحياة النيابية، وإجراء انتخابات برلمانية حزبية. وأجريت الانتخابات البرلمانية في جو ديموقراطي سليم يوم 24 سبتمبر عام 1954م؛ وكانت نتائجها كما يلي: المستقلون (64) نائباً ـ حزب الشعب (30) ـ حزب البعث (22) ـ الحزب الوطني (19) ـ الحزب القومي السوري (نائبين) ـ الحزب الشيوعي (نائب واحد) ـ بقية الأحزاب (4 نواب).

ويتضح من ذلك:

ـ حصول المستقلين على أعلى نسبة في المقاعد (64 مقعداً من 142 مقعداً)، أي بنسبة 45%.

ـ عدم تمكن أي حزب، من الأحزاب السياسية المتعددة، من تحقيق الأغلبية البرلمانية، التي تمكنه من تشكيل الحكومة.