إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / حزب البعث، نشأته وتطوره









الفصل الثاني

الفصل الثاني

نشأة حزب البعث

       بعد الثورة الفرنسية، وتحول فرنسا من الملكية إلى الجمهورية، بدأت فرنسا تصدر إلى الدول الأوربية الأخرى بعض المفاهيم الجديدة في اللغة السياسية، وأصبحت الأحزاب السياسية في أوروبا تنقسم إلى ثلاثة اتجاهات:

ـ أحزاب اليمين.

ـ أحزاب اليسار الاشتراكي.

ـ أحزاب الوسط.

       وتأثر مفكرو سورية ومثقفوها، بتلك الأفكار السياسية ـ الجديدة ـ من دون ما تمييز حقيقي، بين المعنى الأيديولوجي لليمين، أو اليسار، أو الوسط. فقد كانت الأحزاب والجماعات السياسية، السالف ذكرها، سواء داخل سورية، أو خارجها، محاكاة شكلية فقط لأفكار ومبادئ، تلك الأحزاب الغربية.

       ويرى بعض الدارسين، أن النضال الوطني السوري، قبيل فترة الاستقلال، كان يجمع بين ثلاثة مستويات، في آن واحد، هي:

1. المستوى الوطني

ضد الاستعمار الفرنسي، الذي كان يتمثل في قضية جلاء القوات الفرنسية عن الأراضي السورية، والحصول على الحكم الذاتي الوطني، وإلغاء نظام الانتداب الفرنسي.

2. المستوى القومي

كان النضال الوطني السوري، يعد مقدمة طبيعية للنضال القومي العربي. فغالبية البرامج الحزبية السورية، كانت تهدف إلى وحدة النضال العربي. وكان هناك ارتباط وثيق في تاريخ سورية المعاصر، بين المشكلة الفلسطينية، من ناحية، ومجريات الأحداث السياسية داخل سورية، من ناحية أخرى.

3. المستوى الاجتماعي

وهو النضال في خط السير نحو الأعمق، أي في اتجاه القواعد الشعبية. فالنضال الاجتماعي سمة جوهرية، في صميم التجانس الوطني، والوحدة القومية. وهو، أيضا، يستهدف وحدة الشعب، في فئاته المختلفة، وفي تكويناته الاجتماعية (العشيرة، الحى، الطائفة، القرية، المدينة).

       ولم تتمكن كل الأحزاب السورية ـ خاصة حزب البعث ـ من استيعاب العناصر الثلاثة للنضال: (الوطني ـ القومي ـ الاجتماعي).

       فالأحزاب، التي استجابت للنضال القومي وحده، كان مصدرها العنصرية واليمينية المتطرفة، كالحزب السوري القومي، والحزب الوطني.

       أّما أحزاب اليسار، فلم تستطع أن تواجه مسؤولية الثورية الاجتماعية. على الرغم من هذه اليسارية، فقد بقيت الأحزاب القومية والاشتراكية، والشيوعية، تستمد قواها من المصادر نفسها، التي يعتمد عليها النضال الوطني تارة، والنضال القومي تارة أخرى، ولكنها ـ في كل الأحوال ـ كانت ذات خط يميني.

       فالحزب الشيوعي لم ينشأ إلاّ على حساب قوى اليمين في سورية ! بل إنه لم يطرح أفكار الصراع الطبقي، أو الثورة الاجتماعية، كما هي منطلقات الفلسفة الماركسية، التي كان يتبناها هذا الحزب!.

       أما حزب البعث، فقد كانت نشأته خلال السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وما بعدها، وهي نشأة تجمع وطني، قومي، لا يختلف عن بقية الأحزاب السورية الأخرى.

النشأة الأولى لحزب البعث السوري:

       يُعد زكي الأرسوزي هو المؤسس الأول لحزب البعث السوري. وهو من مواليد عام 1900م في لواء الأسكندرونة بجبال العلويين، واستقر مع عائلته في مدينة إنطاكية، التي كانت جزءاً من سورية، حيث أنهى الأرسوزى دراسته الابتدائية، والثانوية. كما تعلم ـ أيضاً ـ اللغة التركية، واللغة الفرنسية. وبعد ضم لواء الأسكندرونة إلى تركيا، غادر الأرسوزى مدينة إنطاكية في نهاية عام 1938م، حيث أقام في دمشق. وبدأ يمارس نشاطه السياسي، الناجم عن ثقافته الأوربية المتأثرة بأفكار الفيلسوف الألماني "نيتشه"، والفلاسفة الفرنسيين: "ديكارت" و "كانت "، و"برجسون". ونشط "الأرسوزى" في نشر أفكاره البعثية، بين زملائه "أساتذة الثانوي"، وطلابه بمدرسة (التجهيز الأولى)، التي سميت (جوده الهاشمي) فيما بعد. وكان يدعو إلى تأليف حزب قومي، ليحقق من خلاله أفكاره البعثية. وكانت مدرسة (التجهيز الأولى)، هي المدرسة الثانوية الوحيدة الرسمية آنذاك، وطلابها في مقدمة الطلاب، الذين كانوا يشاركون في النضال، ضد المحتل الفرنسي، وحكوماته المتعاونة مع الزعماء السوريين التقليديين، الذين كانوا يمثلون الكتلة الوطنية، وقد ابتعدوا بالتدريج عن قواعدهم الشعبية، نظير الاقتراب السياسي من الحاكم الأجنبي، استعداداً لوراثته في حكم سورية بعد الجلاء. وبناءً على ذلك، كان طلاب المرحلة الثانوية هم جنود البعث الأوائل، الذين حملوا لواء النضال ضد الاحتلال الفرنسي. وكانوا يمثلون ـ في ذلك الوقت ـ الطبقة المثقفة ذات الأصول الشعبية، أو الأقرب إلى الطبقة الوسطى. وبدأت هذه الطبقة تنمو بزيادة عدد المدارس الابتدائية والثانوية في المدن السورية، خاصة دمشق.

المؤسسون الأوائل لحركة "البعث" السوري

       كان البعث السوري "حركة فكرية" في بادئ الأمر، تضم بجانب "زكي الأرسوزي"، كلاً من: جلال السيد "من دير الزور"، ووهيب الغانم "علوي من أسكندرون"، وجمال الأتاسي "من حمص"، وعلي حيدر "من اللاذقية"، وصدقي إسماعيل "من اللاذقية"، وعبدالحليم قدور "من منطقة قاره"، وسامي الجندي "من السّلمية".

       وكانت أفكار "الأرسوزي" تدور، حول بعث التاريخ العربي بحضارته، وتوحيد الأقطار العربية، وإنشاء دولة عصرية جديدة. وبدأ بأفكاره البعثية يؤلف "نواة البعث العربي"، واستطاع أن يطرح فكراً قوميا مثالياً، يتخطى حدود الطوائف المحلية، ويجمعها كلها في جبهة واحدة. فقد كان مفكراً ومثقفاً عربياً من طراز فريد، امتزجت دراسته للفلسفة في فرنسا، مع جذوره العربية، وعبقريته الفكرية، وشخصيته الجذابة، وحماسه القومي الملتهب، وعناده النضالي. فأصبح زعيما شعبيا في ذلك الوقت. وكانت شخصية "الأرسوزى" المتفردة والمثالية، سبباً في إصابة الزعماء التقليديين بالذعر والقلق. وبدأوا في محاربته بأسلوبين:

الأول:  فرض العزلة السياسية حوله، واضطهاده. وتعاون في تحقيق هذا الهدف، القيادات التقليدية للاتجاهات والأحزاب السياسية، مع قيادات الانتداب الفرنسي.

الثاني:  الالتفاف حول فكر البعث، واستهلاك شخصية الأرسوزي واحتوائه. وقد باشر هذا الأسلوب كل من: "ميشيل عفلق، وصلاح البيطار". ففي عام 1938 جرت محاولة لإنشاء "منظمة البعث" وكانت تتكون من: الأرسوزي ـ وميشيل عفلق ـ وصلاح البيطار ـ وميشيل قوزما ـ وشاكر العاصي. وعرض ميشيل قوزما تمويل الحزب مادياً، ولكن اختلافات هؤلاء المؤسسين أدت إلى إخفاق منظمة البعث، من قبل أن تبدأ. وغادر الأرسوزي دمشق في عام 1939 إلى بغداد، ليمارس وظيفته "معلم ثانوي" في بغداد. ثم عاد إلى دمشق بعد أقل من عام، معلناً سخطه على نظام الحكم في العراق. وبعد عودته استؤنفت المناقشات، بينه وبين "ميشيل عفلق"، في شأن إنشاء حزب البعث. ولم يتفقا إذ كان كل منهما، يسعى إلى رئاسة الحزب.

       وأخذ ميشيل عفلق يحاصر الأرسوزي، سواء من داخل حزب البعث ـ قبل إعلانه رسميا ـ أو من خارج الحزب، ثم بدأ يكون حلقات من أتباعه، أخذت تنمو وتتسع. وكان لعفلق، بحكم انتمائه إلى عائلة مسيحية تسكن حي "الميدان" في دمشق، علاقات قوية مع عائلات الجنوب (حوران، وجبل العرب)، وبعض الأسر الدرزية. وعن هذا الطريق جُندت أعداد كثيرة من طلاب الدروز ومثقفيهم، في دمشق والسويداء مركز محافظة جبل العرب. وبذلك كانت العناصر الحزبية المكونة لنواة حزب البعث، تتكون من: المثقفين من الأساتذة والطلاب والموظفين ـ وشريحة من الطائفية السورية وهي: الجذور العلوية ثم الدرزية، فالإسماعيلية والمسيحية" على التوالي". وكانت تلك التركيبة ـ غير المتجانسة ـ سببا في عدم وجود شعبية لحزب البعث في سورية، وذلك لوجود تناقضات فكرية وثقافية واجتماعية وطائفية، بين الرعيل الأول للحزب.

       وفي عام 1941، بدأت فكرة قيام التنظيمات والحركات الحزبية في دمشق، وكلها تدعو لمبادئ القومية العربية، باستثناء الكتلة الوطنية، التي كان من أهدافها (سيادة البلاد مع تمسكها بالعقيدة الإسلامية). وتكوّن محور ثلاثي (ميشيل عفلق ـ صلاح البيطار ـ جلال السيد) لتشكيل "البعث"، مع إقصاء الأرسوزي عن قيادة التنظيم البعثي. وكان منهج البعث ـ في ذلك الوقت ـ معارضة الحكومات السورية، في أي عمل تقوم به، إن أخطأت أو أصابت على السواء. فقد كان الحزب، منذ أيامه الأولى، يلتزم بموقف المعارضة لكل شئ تقوم به الحكومات الوطنية المتعاقبة، حتى ولو كان لمصلحة الوطن والمواطنين. وبدأ الحزب في إعلان شعاراته وإطلاقها بين أتباعه. وكانت شعاراته الأولى هي:

"أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة"

*

والبعث حانت ثورته

الدهر دارت دورته

*

لبيك بعث العربِ

قد أسمعتنا دعوته

*

       ومضى حزب البعث يعمل في الخفاء، دون إذن رسمي بالترخيص له حتى عام 1946، حين أصبح حقيقة واقعة، يمارس نشاطه السياسي بصورة علنية.

الإعلان الرسمي لحزب البعث

       أعلن رسميا عن قيام حزب البعث، في 4 أبريل عام 1947 م، حيث عقد الحزب أول مؤتمر رسمي له ـ بعد الإعلان عن المولد الرسمي للحزب ـ من 4 إلى 6 أبريل في "مقهى الرشيد" بدمشق، برئاسة جلال السيد. وانتخب ميشيل عفلق عميدا لحركة البعث، وصلاح البيطار، وجلال السيد، ووهيب الغانم، أعضاء في اللجنة التنفيذية. وفي نهاية المؤتمر تم إقرار "دستور البعث"، الذي نصت المادة السادسة منه على الآتي:

       (حزب البعث العربي، انقلابي، يؤمن بأن أهدافه الرئيسية في بعث القومية العربية، وبناء الاشتراكية، لا يمكن أن تتم إلاّ عن طريق الانقلاب، والنضال، وأن الاعتماد على التطور البطيء، والاكتفاء بالإصلاح الجزئي، يهددان هذه الأهداف بالإخفاق والضياع، لذلك يقرر:

  1. النضال ضد الاستعمار الأجنبي، لتحرير الوطن العربي تحريرا مطلقاً كاملاً.
  2. النضال لجمع شمل العرب كلهم، في دولة مستقلة واحدة.
  3. الانقلاب على الواقع الفاسد، انقلابًا يشمل جميع مناحي الحياة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية).

ونصت المادة السابعة على أن:

       (الوطن العربي هو هذه البقعة من الأرض، التي تسكنها الأمة العربية، التي تمتد بين جبال طوروس وجبال بشتكويه "جبال إيران"، وخليج البصرة، والبحر العربي، وجبال الحبشة، والصحراء الكبرى، والمحيط الأطلسى، والبحر الأبيض المتوسط).

ونصت المواد من 26 حتى 28 على:

       (أن حزب البعث يؤمن بأن الثروة الاقتصادية في الوطن العربي، ملك للأمة العربية ... وأن التوزيع الراهن للثروات في الوطن العربي غير عادل. لذلك، يعاد النظر في أمرها، وتوزع بين المواطنين توزيعاً عادلاً ... المواطنون جميعا متساوون بالقيمة الإنسانية، ولذا فالحزب يمنع استثمار جهد الآخرين).

حزب البعث وعصر الانقلابات العسكرية

       اتسمت فترة ما بعد الاستقلال، بظاهرة "عدم الاستقرار السياسي" منذ 17 أبريل عام 1947م حتى بداية حكم "حافظ الأسد"، في 14 مارس 1971م (ثلاثاً وعشرين سنة، وعشرة شهور، وسبعة وعشرين يوماً) إذ تعاقب على سورية، خلال تلك الفترة، تسعة عشر نظاما للحكم. وكان متوسط استقرار الحكم في تلك الفترة، يبلغ سنة واحدة وثلاثة أشهر!..

علاقة حزب البعث برموز الانقلابات العسكرية في تلك الفترة

البعث والانقلاب العسكري الأول (30 مارس 1949)

       قاده "حسني الزعيم" قائد الجيش، وأطاح بالحكم الوطني، وبرئيس الجمهورية "شكري القوتلي"، ورئيس الوزراء "خالد العظم".

       وأصدر حزب البعث ـ في حينه ـ بياناً يعلن فيه:"... ليس ما حدث في سورية انقلاباً، فهو في الواقع خطوة نحو الانقلاب، وإننا نستبشر بهذا الحادث، ونعلق عليه الآمال، ولكن علينا أن نوسع أفقنا، وننظم صفوفنا، وأن ننظر دوما إلى الأمام، إلى العُلا. فالانقلاب، الذي يطمح إليه الشعب العربي، هو انقلاب شامل، الانقلاب الذي يجب أن نسعى إليه دائما، وأن نجعل من انقلابنا الحاضر وسيلة وخطوة نحوه، هو الانقلاب الذي يحقق للشعب العربي في جميع أقطاره الاشتراكية العربية والوحدة العربية"

       وكانت قيادات حزب البعث (ممثلة في ميشيل عفلق)، تسدي النصح لحسني الزعيم، وتعلن تأييدها ومناصرتها له، إلى أن أعلن حل الأحزاب السياسية في سورية، ومن بينها ـ بالطبع ـ حزب البعث. فبدأ حزب البعث ـ ومعه بقية الأحزاب السورية ـ يهاجم حسني الزعيم. وفي 30 مايو عام 1949، أصدر حزب البعث بيانا شديداً حمل فيه على حسني الزعيم، متهماً إياه بالقيام بتصرفات غير مسؤولة، لا تليق بالحكم. فأصدر الزعيم أوامره إلى (العقيد إبراهيم الحسيني) مدير الشرطة العسكرية، باعتقال ميشيل عفلق وبعض أعضاء الحزب بسجن المزة العسكري. كما سلمّ (أنطون سعادة)، زعيم الحزب القومي السوري، إلى السلطات اللبنانية، حيث عقدت له محاكمة صورية في بيروت، وحُكم عليه بالإعدام.

وجدير بالذكر أن واقعة غريبة قد حدثت خلال تلك الفترة، من حكم حسني الزعيم، وهي:

       انتُخب حسني الزعيم يوم السبت 25 يونيه عام 1949، لمنصب رئاسة الجمهورية. وكان هو المرشح الوحيد، إذ كان محظوراً على أي مواطن أن يتقدم بترشيح نفسه، لمنصب رئاسة الجمهورية. وكان اليوم التالي للانتخاب (الأحد 26 يونيه 1949)، معداً لاستقبال وفود المهنئين والمباركين، بانتخابه لرئاسة الجمهورية. وكان مفتي دمشق على وشك إعلان ثبوت رؤية هلال شهر رمضان المبارك، وأن أول أيام شهر رمضان هو الأحد 26 يونيه. ولكن حسني الزعيم أمر بتأجيل إعلان رؤية هلال شهر رمضان إلى اليوم التالي، لكي تتمكن الوفود من تقديم واجب التهنئة له، كما كان معداً ومرتباً من قبل. وتقرر أن يبدأ صوم رمضان اعتبارا من يوم الاثنين 27 يونيه، بدلاً من الأحد 26 يونيه!!...

رسالة ميشيل عفلق، إلى حسني الزعيم:

       أثناء حبسه بسجن المزة العسكري، أرسل ميشيل عفلق إلى حسني الزعيم، رسالة شهيرة، أثارت جدلاً كبيراً لدى الساسة والمؤرخين، نصها:

"سيدي دولة الزعيم

       إن هذه التجربة الأخيرة قد علمتني أشياء، ونبهتني إلى أخطاء كثيرة. لقد انتهيت إلى أننا بحكم العادة، بقينا نستعمل أسلوباً لم يعد يصلح في عهد الإنشاء والعمل الإيجابي .. والحق أننا في قلوبنا وعقولنا، أردنا هذا الانقلاب منذ الساعة الأولى، ولا نزال نعتبر أن واجبنا خدمته وتأييده، ولكن الأسلوب الذي اعتدناه طيلة سنين عديدة، من المعارضة للانتداب، والعهد السابق، هو الذي بقيت آثاره في كياننا وبعض تصرفاتنا، وهو الذي أبعد عنكم ـ يا دولة الزعيم ـ حقيقتنا، وأظهرنا بمظهر المعارض، لعهد وضعنا فيه كل آمالنا، وصممنا على خدمته بتفانٍ وإخلاص.

سيدي دولة الزعيم

       إنني قانع كل القناعة، بأن هذا العهد، الذي ترعونه وتنشؤونه، يمثل أعظم الآمال وإمكانات التقدم لبلادنا، فإذا شئتم فسنكون في عداد الجنود البنائين، وإذا رغبتم في أن نلزم الحياد والصمت، فنحن مستعدون لذلك.

       إن هذه المجموعة من الشباب، التي يضمها البعث العربي، قد عملت كثيراً في الماضي من دون قدوة من النزاهة والوطنية الصادقة، وإن ماضيها يشفع لها عندكم، يا سيدي، لكي تعذروا ما ظهر منها من تسرع برئ، وأن وراء هذا النزق نفوساً صافية، ومؤهلات ثمينة للخدمة العامة، ما أجدر عهدكم أن يفتح لها، مجال الفتح والإنتاج. أما أنا، يا سيدي الزعيم، فقد اخترت أن أنسحب نهائيا من كل عمل سياسي، بعد أن انتهيت بمناسبة سجني، إلى أخطاء أورثتني إياها سنون طويلة من النضال القومي، ضد الاستعمار والعهد السابق، وأعتقد بأن مهمتي قد انتهت، وأن أسلوبي لم يعد يصلح لعهد جديد، وأن بلادي لن تجد من عملي، أي نفع بعد اليوم.

سيدي دولة الزعيم ..

       أنتم اليوم بمكان الأب لأبناء البلاد، ولا يمكن أن تحملوا حقداً لأبنائكم، ولقد كان لنا في التجربة تنبيه كاف ومفيد.

       اتركوا لنا المجال، لكي نصحح خطأنا، ونقدم لكم البراهين، على وفائنا وولائنا".

       وقد أُفرج عن ميشيل عفلق، بعد أيام قليلة من تقديم تلك الرسالة. ولكنه جوبه بثورة عارمة، من بعض أعضاء الحزب، سيما الشباب. فقد عقد اجتماع في مدينة حمص، برئاسة صلاح البيطار، وأجمع الحاضرون على ضرورة محاكمة عفلق، وإزاحته من الأمانة العامة للحزب. ورُشح وهيب الغانم، أحد تلاميذ زكي الأرسوزي، لتولي أمانة الحزب، إلا أنه رفض قبول المنصب بناءً على ضغوط أنصار عفلق، بزعامة جلال السيد، أحد مؤسسي الحزب الأوائل. وكانت تلك أولى الصدمات، التي تلقاها شباب حزب البعث من أحد قيادات الحزب، إذ كان التساؤل العام، الذي ساد بينهم: كيف لا يستطيع عفلق معاناة السجن، وتحمل ما أصابه في سبيل عقيدة آمن بها، ويسعى إلى نشرها في صفوف المجتمع العربي؟ وكان هذا الموقف المتخاذل من عفلق، أول نكسة سياسية لأعضاء الحزب وأنصاره ومبادئه. وعلى إثر ذلك أعلن عفلق اعتزاله العمل السياسي، وهاجر إلى البرازيل، حيث عمل بالتجارة مع خاله شكري زيدان المقيم هناك، ريثما تهدأ الحملة عليه من مريديه، ومن رجال السياسة، وعامة الشعب السوري.

البعث، والانقلاب العسكري الثاني (14 أغسطس 1949م)

       وقع الانقلاب العسكري الثاني صباح 14 أغسطس عام 1949، وقاده اللواء سامي الحناوي. وفور علم ميشيل عفلق بهذا الانقلاب، طار عائداً من البرازيل إلى سورية معلنا تأييده المطلق لهذا الانقلاب. وكانت أهم أهداف انقلاب 14 أغسطس 1949:

  • إقامة اتحاد بين سورية والعراق.
  • إحياء مشروع "الهلال الخصيب".

       وحظي انقلاب 14 أغسطس، بتأييد كبير من قيادات حزب البعث. وتولى ميشيل عفلق وزارة المعارف، في الحكومة السورية الجديدة (في أوائل شهر ديسمبر عام 1949م).

البعث، والانقلاب العسكري الثالث (19 ديسمبر عام 1949م)

       وقع الانقلاب العسكري الثالث، بقيادة العقيد أديب الشيشكلي، وأُعلنت الأحكام العرفية. وأسرع حزب البعث بتأييد هذا الانقلاب، ولكن ما لبث الحزب أن بدأ في انتقاد أديب الشيشكلي، ومهاجمة تصرفاته وسياساته في البلاد.

البعث، والانقلاب العسكري الرابع (2 ديسمبر عام 1951م)

       وهو أيضاً الانقلاب الثاني لأديب الشيشكلي! واستمر حزب البعث في مناهضة حكم الشيشكلي، على الرغم من سيطرته على البلاد، وتوليه رئاسة الجمهورية.

       وفي عام 1952، اندمج حزب البعث مع الحزب العربي الاشتراكي، الذي كان يرأسه "أكرم الحوراني"، تحت اسم "حزب البعث العربي الاشتراكي". وأصبح يسيطر عليه، ثلاثة من أقطاب السياسة في سورية، هم: ميشيل عفلق ـ وصلاح البيطارـ وأكرم الحوراني.

       وتضامنت الأحزاب السورية ضد الشيشكلي، حيث عُقدت الاجتماعات السرية، ونظّمت مظاهرات الاستنكار والمعارضة، من أحزاب: الشعب ـ والوطني ـ والبعث ـ والشيوعي. وعقدوا عزمهم على إسقاط حكم الشيشكلي، على الرغم من تعارض أفكارهم ومبادئهم وبرامجهم الحزبية. وإزاء ذلك اعتقل الشيشكلي قيادات تلك الأحزاب، ومن بينهم ثلاثي حزب البعث عفلق ـ والحوراني ـ والبيطار.

       وفي 24 سبتمبر عام 1953، أجريت الانتخابات البرلمانية، وحصل حزب البعث على 22 مقعداً من 142 مقعداً، "جملة عدد أعضاء المجلس النيابي"، أي بنسبة 15.5% من المقاعد، إذ تفوق على حزب البعث ممثلي حزب الشعب، والمستقلين (أكثر من 45%) من جملة المقاعد.

الانقلاب العسكري الخامس (25 فبراير عام 1954م)

       أَعلنَ هذا الانقلاب، من إذاعة حلب، النقيب مصطفى حمدون، رئيس موقع حلب العسكري، (وهو من أنصار أكرم الحوراني!) حيث أعلن العصيان المسلح على حكم الشيشكلي بإيعاز من الحوراني، وأُفرج عن القيادات السورية السياسية، ومن بينهم ثلاثي حزب البعث عفلق، والحوراني، والبيطار.

       وفي مارس 1954 جرى تشكيل وزارة جديدة، برئاسة صبري العسلي، تكونت من ائتلاف حزبي الشعب والوطني، ولم تضم أي ممثل لحزب البعث. ولذلك، لقيت تلك الوزارة معارضة شديدة من حزب البعث.

       وفي تلك الأثناء، اتجهت أنظار غالبية السوريين إلى الإسكندرية، حيث يقيم شكري القوتلي، بطل الجلاء في نظرهم. وأُرسلت إليه آلاف البرقيات، من مختلف الأحزاب والهيئات السياسية (عدا حزب البعث)، تدعوه إلى العودة لوطنه ومعاودة تولي المسؤولية. كما سافر إليه في الإسكندرية أعداد كبيرة من السوريين، لحثه على العودة إلى سورية. وإزاء ذلك دبّر حزب البعث، بقيادة عفلق والحوراني، تظاهرات في سورية تندد بشكري القوتلي، وتصفه بأنه " مندوب سام "، وأنه أداة في يد السياسة الأمريكية. وعلى الرغم من ذلك، عاد القوتلي إلى سورية، وتولى رئاسة الجمهورية في 6 سبتمبر 1955م.

البعث، والوحدة المصرية السورية

       خلال شهر يناير 1958، استقبل جمال عبدالناصر وفداً سورياً، مكوناً من (22) ضابطا يمثلون القوات المسلحة السورية، وتناقشوا معه حول "حتمية الوحدة المصرية ـ السورية"، خاصة بالنسبة لسورية، التي كانت تعيش في ظروف مضطربة، نتيجة عدة عوامل داخلية وخارجية، من أهمها "الصراع الحزبي المرير، وضغوط حلف بغداد، والتهديدات العسكرية الإسرائيلية". وقد قال لهم عبدالناصر: (ما هي صفتكم في الحديث عن هذا الأمر؟)، أنا أعرف أنكم تمسكون في أيديكم بزمام القوة الحقيقية في سورية، ولكني من ناحيتي، لا أقبل في مثل هذه الأمور، أن أتحدث إلاّ مع حكومة مسؤولة).

       وفي اليوم التالي حضر ـ على الفور ـ صلاح البيطار (وزير خارجية سورية، وأحد قيادات حزب البعث)، معلناً موافقة الحكومة السورية، على إتمام الوحدة بين مصر وسورية. وعندما اشترط عبدالناصر لإتمام الوحدة ـ فيما اشترطه ـ أن يتوقف النشاط الحزبي في سورية، وافق صلاح البيطار على كل شروطه الأخرى، وبالنسبة لهذا الشرط، أعلن عن ضرورة رجوعه إلى قيادة حزب البعث، في هذا الشأن. وبالفعل، وافقت الأحزاب السورية كلها على شروط عبدالناصر، ومن بينها حزب البعث. وعلى الرغم من حماس قيادات حزب البعث للوحدة المصرية ـ السورية، وإسناد مناصب مهمة لهم في بداية الوحدة (أكرم الحوراني نائباً لرئيس الجمهورية ـ صلاح البيطار وزيراً للثقافة والإرشاد القومي) إلاّ أن هذا الوفاق، بين عبدالناصر وحزب البعث، لم يستمر طويلاً، إذ بدأ عبدالناصر يهاجم حزب البعث وعقيدته ومبادئه هجوماً عنيفاً، كما اشتد الحزب في التهكم على نظام الحكم، وعلى زعامة عبدالناصر. ووصل الخلاف ذروته عام 1959، عندما كان عبدالناصر في زيارة لدمشق، وقد أُعد له مهرجان خطابي كبير (رسمي وشعبي) في سينما الزهراء، حضره كبار رجال الدولة، وجمهور كبير من المواطنين، وألقى عبدالناصر خطاباً مهماً، تهجم فيه على موقف حزب البعث، وعلى تآمر قيادته على الوحدة. وقد نال هذا الهجوم استحسان جميع الحضور، وقوطع خطاب عبدالناصر بعاصفة من التصفيق الحاد، أكثر من مرة. وكان ثاني هجوم يشنه عبدالناصر على البعثيين يوم 23 ديسمبر 1959 في بورسعيد، أثناء إلقاء خطابه بمناسبة "عيد النصر"، حيث ندد فيه بالحزبية والنشاط الحزبي، وقال: "أي شخص يعمل في الحزبية خارج الاتحاد القومي، إنما يعمل من أجل دولة أجنبية، أو يكون عميلاً لدولة أجنبية". وفي اليوم التالي قدم الوزراء البعثيون استقالاتهم من الحكومة. وأعلن صلاح البيطار التصريح التالي: " إن التعاون مع جمال عبدالناصر قد أصبح في حكم الخيانة، بعد أن ثبتت خيانته لمبادئ الوحدة العربية".

       وبعد انفصال 28 سبتمبر 1961، أصدر ميشيل عفلق بياناً من بيروت، يوم 4 أكتوبر، يؤيد فيه الانفصال، وأطلق حزب البعث على واقعة الانفصال، مُسمى "الانتفاضة". وأقيم مؤتمر سياسي كبير في دمشق، شاركت فيه كل الأحزاب السياسية، ومن بينها حزب البعث، لتأييد "الانتفاضة السورية". ومثّل الحزب في هذا المؤتمر صلاح البيطار. وفي ذلك الوقت انفصل أكرم الحوراني، بحزبه القديم "العربي الاشتراكي"، عن حزب البعث، وشارك أيضا في هذا المؤتمر.

البعث، وانقلاب 8 مارس 1963

       كان دور البعث في الانقلابات السابقة، ينحصر في التحريض على الانقلاب، أو تأييده، أو القيام بدور الشريك التابع، في تنفيذ الانقلاب. ولكن في انقلاب مارس 1963، كان حزب البعث هو المخطط، والمنفذ للانقلاب. وأصبح هذا التاريخ عيداً قومياً لسورية، يُحتفل به كل عام، بجانب عيد الجلاء (17 أبريل).

       وقد نفّذ هذا الانقلاب، اللواء زياد الحريري، وشُكّل "المجلس الوطني لقيادة الثورة"، برئاسة الفريق لؤي الأتاسي.

       وفي 29 يونيه 1963، أصدر الفريق لؤي الأتاسي، بعد موافقة المجلس الثوري، مرسوماً تشريعياً بالرقم (89)، ينص على تشكيل منظمات "الحرس البعثي القومي". وهي منظمات شعبية عسكرية، تتألف من المتطوعين السوريين والمتطوعات، ومن جنود وضباط الصف، وضباط الاحتياط غير المطلوبين للخدمة في القوات المسلحة، وأيضا من المتطوعين والمتطوعات، من الأقطار العربية. وكانت مهمة "الحرس البعثي"، حماية النظام، وحفظ الأمن، والتوجه القومي.

       ويعد عام 1963، بداية ممارسة السلطة الفعلية لحزب البعث، سواء في سورية، أو في العراق؛ إذ تمكن حزب البعث من الوصول إلى السلطة، يوم 8 فبراير عام 1963 في العراق، وأيضاً في سورية يوم 8 مارس عام 1963. وكان حزب البعث يخطط، أيضا، لتولى زمام السلطة في الأردن، حيث جرت اتصالات سرية، بين قيادات حزب البعث في سورية، مع عدد من الضباط الأردنيين، للقيام بانقلاب عسكري بعثي في الأردن، تحدد له يوم 8 أبريل عام 1963. وكان الانقلاب يستهدف اغتيال الملك حسين. ولكن تشاء الأقدار أن إسرائيل، هي التي حالت دون إتمام هذا الانقلاب!، فقد أدلى "مورخاي هود"، قائد سلاح الطيران الإسرائيلي السابق، بتصريح في جريدة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية قال فيه:

       "لقد أنقذت الملك حسين من الموت في فترة التوتر بين سورية والأردن، فبينما كان يطير في سماء الأردن، أسقط سلاح الجو الإسرائيلي أربع طائرات ميج سورية، كانت تطارده".

البعث واتفاق الوحدة الثلاثية

       كانت شعارات البعث، في تلك الفترة، تندد بالانفصال السوري ـ المصري، وتطالب بالوحدة العربية، ولكن على أسس كونفدرالية، وليست وحدة شاملة، كما حدث في وحدة سورية ومصر. وعُقدت في القاهرة، خلال شهر مارس 1963، عدة اجتماعات تمهيدية، لإعلان الوحدة الثلاثية بين (مصر، وسورية، والعراق). وكان الوفد العراقي برئاسة علي صالح السعدي، ويشغل منصب نائب رئيس الوزراء، وأحد قيادات البعث العراقي. وكان الوفد السوري برئاسة ميشيل عفلق. وكان الهدف الرئيسي من تلك الاجتماعات، هو رغبة البعث (العراقي والسوري)، في إحراج عبدالناصر، عن طريق إصرارهما على التمسك بالوحدة الكونفدرالية، وبالقيادة الجماعية (للجمهورية العربية المتحدة)، باعتبار أنه سوف يرفض هذا الطلب، وأنه لن يتخلى عن موقع القيادة، الذي ينفرد به. ولكن عبدالناصر فاجأهم بقبول مبدأ القيادة الجماعية، وألاّ تكون الوحدة اندماجية !، وتم توقيع اتفاق الوحدة الثلاثية في 17 أبريل عام 1963 م بالقاهرة. وفي اليوم التالي لإعلان الوحدة وقعت اضطرابات دموية شرسة في دمشق بين الناصريين من جانب، والبعثيين من جانب آخر، ذهب ضحيتها 170 قتيلاً، وتمكن الضباط البعثيون بقيادة اللواء أمين الحافظ، من السيطرة على الموقف، والقضاء على الفئات الناصرية، ومحاكمتهم عسكرياً وإعدامهم. وهكذا فشلت تلك الوحدة فور إعلانها.

       وخلال تلك الفترة تحًول مشروع الوحدة الثلاثية، إلى حرب إعلامية بين الدول الثلاث، بين مصر وسورية، وبين سورية والعراق (بقيادة عبدالسلام عارف). وتراشق كل جانب الاتهامات والانتقادات اللاذعة. ففي إحدى خطب عبدالناصر، خلال شهر أبريل عام ،1963 قال عن البعث: (إن الديمقراطية، التي يتحدث عنها حزب البعث، هي طبعاً ديمقراطية البعث في أن يقتل الناس ويضعهم في السجون، وفي أن يتآمر الحزب؛ لأن البعثيين أناس متآمرون وحكمهم مبنى على الإرهاب والدماء والقتل، الواحد يستغرب لما يشوف البلد كلها ضدهم، طبعا همّ جماعة كدابين، ما هي الأهداف اللي قاعدين من أجلها، بيقولوا وحدة واشتراكية وحرية، وهم غدروا بالوحدة، وغدروا بالحرية، الحرية بقيت سجون ومعتقلات، والاشتراكية اللي بيتكلموا عليها اشتراكية مزيفة، إحنا دفعنا لحزب البعث أموال، أموال كثيرة، سبعين ألف جنيه، وأربعين ألف جنيه في فترات متقاربة، والمبلغ استلمه ميشيل عفلق، واليوم يتحالف حزب البعث مع الاستعمار ومع أعوان الاستعمار، اسمعوا جميع محطات الاستعمار، وأقرأوا جميع صحف الاستعمار، والصحف العميلة وشوفوا بتقول إيه على حزب البعث، بيسقفوا لحزب البعث، وسعداء جدا بحزب البعث، دي الريحة اللي إحنا شفناها النهارده، واللي تدعو إلى الشبهه، راديو لندن يدافع عن حزب البعث، الجرايد الناطقة باسم الاستعمار باللغة العربية وباللغات الأجنبية بتدافع عن حزب البعث. إذن هل يستطيع البعث أن يسأل نفسه بعد هذا هل هو ماشى في الطريق الصحيح؟. لقد أصبح حزب البعث يعتمد على العناصر التي تعاونت مع الاستعمار ليضع البلاد داخل مناطق النفوذ الاستعمارية. حينما يكون حزب البعث خارج الحكم فهي الحرية البرلمانية، أما إذا كان في الحكم، فإن الحرية هي حرية الحزب الواحد، وهو حزب البعث).

       وأضاف عبدالناصر في مناسبة أخرى: (شعار الحرية لحزب البعث أن تكون المغانم للبعثيين، وتكون الفرص للبعثيين، وتكون المساواة للبعثيين، أما باقي الشعب فيحرم من المساواة ويحرم من حقه في الحياة، ويحرم من حقه في العيش، ويحرم من حقه في العمل. هذا هو شعار الحرية بالنسبة لهؤلاء الساسة، الذين احترفوا سرقة الشعارات، واحترفوا سرقة المبادئ، والذين آمنوا أن سبيلهم إلى تحقيق أهدافهم وتسلطهم، هو السبيل اللا أخلاقي، الذين يسيرون في طريق الاستعمار، ليحققوا أهداف الاستعمار، إذن حزب البعث اللي طول عمره كذاب، لما يطلع بيان من القيادة القومية بيكون هذا البيان كذاب. حزب البعثيين يتبع سياسة انتهازية، ويحاول يلعب بقضايا المصير، ولكن الشعب العربي كشفهم، والشعب العربي عارف أساليبهم، وعارف أساليب الغدر والطعن في الظهر، وعارف حقدهم).

       وفي المقابل وجه ميشيل عفلق عدة اتهامات لعبدالناصر، منها: (إن السياسة التي اتبعتها البيروقراطية الإقليمية العقائدية، التي تحكم القاهرة، كانت مع الأسف الشديد نسخة من السياسة التي كانت في القاهرة قبل عام 1952م. أي سياسة إقليمية توسعية، قصيرة النظر، تعمل لإضعاف الأقطار العربية، لتبقى هي المتفوقة والمسيطرة، فلا تقوم ثورة إلا إذا عملت لهذه الأجهزة).

       كما رددت إذاعة وصحف دمشق اتهامات حزب البعث لعبدالناصر، التي تصفه بالديكتاتور العربي، وبأنه يحاول إقامة إمبراطورية عربية ناصرية، تحقيقاً لمجده الشخصي، وأنه يريد وحدة عربية تحت زعامته وسيطرته ...