إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / حزب البعث، نشأته وتطوره









المبحث الرابع: البعث، من وجهة نظر قادته

المبحث الرابع: البعث، من وجهة نظر قادته

       إضافة إلى هذه الانتقادات المتعددة، التي وجهها الحرس الجديد لحزب البعث، ضد مرحلة الحرس القديم، فإن وجهة نظر بعض قادة الحزب في المرحلة الأولى، تؤيد ـ إلى حد كبير ـ تلك الانتقادات، بل إن بعضها ينتقد ـ أيضاً ـ النظام البعثي الجديد!

* وجهة نظر جلال السيد:

       (.. إن حزب البعث نشر جواً من الإرهاب الفكري والمادي، مما أذل المواطن العربي السوري، ثم جعله يميل إلى استعمال النفاق تقية، وتخلصاً مما يهدده من مصير أسود. بدلا من أن يذهب حكم البعث إلى نفخ الإباء، والأنفة في النفوس، فإنه قد راح يستل ما في النفوس من بقايا لهذه الصفات، التي هي ضرورية لمواجهة العدو. لقد جنح حزب البعث، بعد تسلمه السلطة، إلى أسلوب لا إنساني، فعاقب على الشبهة، ونفّذ مبدأ المسؤولية الجمعية، وقتل، وسجن، وأفقر، وجوّع كل من يرى أنه ليس مؤيداً ولا مؤمناً بالحزب، ثم مدّ بعضهم يده إلى خزانة الدولة، فعمل فيها إسرافاً وبعثرة ... لقد سلك حكام انقلاب الثامن من آذار (مارس) 1963، مسالك أعطت بعض الحق، ليقول الناس فيها أقوالاً، تصف ظواهر الأمور البادية للعيان، فهي في نظر الناس:

  • ثورة الجهل على العلم، وذلك برفع الجهلاء من الحزبيين، وخفض العلماء سواهم.
  • ثورة التحلل، وقطع الأواصر الاجتماعية عن المروءات والأخلاق العربية.
  • ثورة الإلحاد والمروق على الدين، ومناخه الروحي.
  • ثورة المصالح المادية على المعاني السامية، والمصطلحات الإنسانية.
  • ثورة الماركسية، على القومية وتراثها العربي الثمين.

       لذلك، فإن الشعب قد ملّ وضجر من الانقلابات العسكرية، التي كانت تقع في سورية بين وقت وآخر.

* وجهة نظر اللواء فهد الشاعر:

       (إن جيشنا يشتغل في السياسة ثماني عشرة ساعة، ويأكل وينام خمس ساعات، ويتدرب ساعة واحدة في اليوم ... إن هذا الجيش لن يرجى منه نفع ساعة المحنة).

* وجهة نظر زكي الأرسوزي

(.. قام صلاح البيطار، وميشيل عفلق ـ معاً ـ بسرقة مبادئ البعثية، وأفكارى الحزبية؛ وأعلنا من وراء ظهري، عن إنشاء حزب البعث).

* وجهة نظر الدكتور سامي الجندي[1]:

"أحد قيادات حزب البعث"

(.. لقد سمعت من يقول: إن عفلق جاسوس إنجليزي، والحوراني فرنسي، والبيطار لأكثر من دولة…).

وفي موضع آخر يقول:

       (.. ما يزال السؤال قائما حتى الآن، ما هو البعث؟ لم تجب القيادات أبداً، رغم تبدل الوجوه والزعامات، ولا أظنها قادرة على أن تفعل، ولو استطاعت لدلتنا على هويتها، ولعرفنا من نحن؟ ولما حار فينا البشر، وحرنا في أنفسنا كل هذه الحيرة، وإني لأذهب أبعد من ذلك، فأسأل: هل كانت القيادات مؤمنة بهذا الحكم، الذي اسمه حزب البعث؟ ... من كان يحسب منا أن تصبح كلمة "بعثي" تهمة، يدفعها بعضنا عنه بسخرية! من كان يظن منا أن يأتي يوم نخجل فيه من ماضينا، نفر منه كذنب اقترفناه عن عمد، فيلاحقنا في عيون البشر احتقارا، نكاد ننكر أننا كنا منه، نخفى هويتنا، كانت خيلاؤنا واعتزازنا إذن غرورا! كانت التضحيات، شبابنا الذي بعثرناه على دروب الشعب، أحلامنا وإيماننا، كل ذلك كان إذن عبثاً! ... ظننا أن عصور الانحطاط قد انتهت، بسلفنا من السياسيين، وأنه بدأ عهد عظيم لحضارة جديدة، فإذا نحن آخر آيات التخلف، أردنا أن نكون بعثا للمناقب والبطولة، فما بعث فينا غير عصر المماليك. عندما نذكر شبابنا تأكُلنا الحسرة، لقد بعثرناه. عندما أكتب عن البعث، بعد هذه السنوات الطويلة من الآمال والخيبة، لا بد من عناء كبير كي أتغلب على الحقد والحب، وأنا مؤمن أن أمانتي للتاريخ والفكر، هي أكبر وأقدر من أن تبيح لي الاستسلام لعاطفة. لا أظن أحداً يستطيع الكتابة عن هذه الناحية الأساسية في حياة البعث، إلاّ الذين عاشوها، ولقد ترددوا حتى الآن، أما أنا فالجو يغريني كنشوة، لا قدرة لي على الصمت الأبدي).

* وجهة نظر صلاح البيطار:

       أقام البيطار في فرنسا. بعدما أُقصى عن حزب البعث عام 1966، حيث أصدر صحيفة باسم "الإحياء العربي". وفيما يلي فقرات مما نشره في تلك الجريدة:

  • في أكتوبر عام 1966: (.. لقد تأكد أنه لم يعد هناك ثورة ولا ثورية، بل هي الجهالة والجاهلية، التي تضم الثورية على أنها قمع للشعب، بالدبابات والمدافع والمخابرات والسجون، والضرب والإرهاب والتعذيب. وفي رأيي أن الحكم العسكري، والانقلابات العسكرية أصبحت، اليوم، آفة القطر السوري، ولا يمكن أن يحل أي حكم عسكري، أو أي انقلاب عسكري، أية مشكلة في سورية، ولا أن يقيم فيها أي استقرار).
  • في نوفمبر عام 1967 م، أصدر البيطار بيانا من بيروت (عقب نكسة عام 1967) قال فيه:

       (... في عام 1965 أعلنت في بيان أذعته على الشعب، ضرورة انكفاء الجيش عن مواقع السياسة، وضرورة عودته إلى عسكريته، غير أن الانقلاب الذي وقع في 23 شباط (فبراير) 1966، قضى على هذه المحاولة، وجاءت أيام الهزيمة القومية مع إسرائيل، لتؤكد ذلك وتكرسه، ولتكشف للجميع غياب الحزب بشتى قياداته ومؤسساته، عن المعركة المصيرية، التي كانت، مع ذلك، لا يفتأ يدعو الشعب إلى خوضها، ولتعطى الدليل القاطع على عجز هذا الإطار الحزبي، عن حمل التبعات الكبرى في وجه التحديات المصيرية، التي تجابه ثورة الأمة العربية في هذه المرحلة، وأنه ـ ولا شك ـ لقرار صعب ثقيل، وليس من الهين على من هو مثلى أن يتخذه، لولا التجارب الوافية التي ملأت حياتي الطويلة في الحزب، التي أوقعت القضية العربية في المأزق الرهيب الذي هي فيه، والتي فرضت على أن أختار بين الولاء للأمة والوطن والشعب والثورة، وبين البقاء على الولاء للإطارات والأشكال والصور. ولولا شعوري بأني لن أكون وحدي، في هذا الموقع الجديد. ولا غرابة في ذلك إذا عرفنا، أن ما فتك بحزب البعث، قد فتك بالأحزاب والمنظمات العقائدية الأخرى. ولقد كشف الواقع الموضوعي، عن أن جميع هذه الأحزاب والحركات، كانت إبان النكبة في حالة غياب، يوم كان الشعب في قمة حضوره ويقظته).

  • كما نشر البيطار حديثا في مجلة " الحوادث " اللبنانية، عام 1972، قال فيه:

       (إن الصراع على السلطة داخل القيادات العسكرية، واعتماد الأنظمة على المؤسسة العسكرية لحماية نظامها من الشعب، قد أخرجت الجيش من عسكريته، ودفعته إلى حلبة السياسة؛ لأن أولى مهام الجيش، الذي هو جزء من الشعب، فتح الطريق أمام الشعب ليتخذ مكانه العلوي الطبيعي والشرعي، لذلك، يجب خروج المؤسسة العسكرية من دائرة التسييس، وإلاّ وجد الجيش نفسه حبيس الدائرة الجهنمية المعهودة وهي الصراع على السلطة بين المدنيين والعسكريين، بل والصراع بين العسكريين بعضهم مع بعض، وقيام التكتلات بين الضباط، وتوصل الجيش إلى الاضمحلال كمؤسسة عسكرية، تزخر بفضائل الجندية، وروح الانضباط، وإتقان فن الحرب).

  • وفي كتابه، الذي أصدره عام 1972، أضاف:

       (... إن الإخوان الحزبيين، قصروا همهم على التأتأة بالألفاظ الثورية والشعارات، وفي أحد الأيام عثروا على سر ثمين وهو التأميم، والحق أن التأميم هو أحد خيوط الاشتراكية، وليس الاشتراكية، إذا لم يكن مضمونه تملك الشعب لا الدولة، لوسائل الإنتاج، والأمر انتهى عند هؤلاء الإخوان الحزبيين، بمصادرة المصانع، والانقضاض على بيوت وسيارات أصحابها، وتملكها، وحلولها كطبقة جديدة فضفاضة، وموجة تركبها فئات الانتهازيين، وترفع شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية، وذلك دون أن تلتزم بالشعارات).

* وجهة نظر منيف الرزاز[2]

       (... إن أعداء حزب البعث، متعددون وكثيرون وأقوياء، ولكن أهم هؤلاء الأعداء، ليس أولئك الذين يواجهون الحزب بعدائهم. إن بعض ألدّ أعداء الحزب موجود في داخل صفوفه، حين يعجزون عن أن يحققوا الثورة في نفوسهم، ويستكينون لضغط المغريات من حولهم. إن جميع الانحرافات، التي طرأت على الحزب، وسببت فيه انشقاقا إثر انشقاق، إنما كانت نتيجة العجز عن مواجهة الطريق الصعب، والميل إلى اتخاذ الطريق السهل ... كان في ظن سورية، أيضا، أن حزب البعث يحكم سورية، ولكن الحقيقة، التي بدأت تتضح بالتدريج هي، أن من بين البعثيين في هذا القطر، حزب بعث عسكري، وحزب البعث، وأن القوة الحاكمة، هي حزب البعث العسكري ... لذلك من يملك الجيش، يملك القوة والسلطة ... وقد قام البعث في تفكيره وتكوينه السياسي على الانقلاب، ليبقى أعضاؤه ثوريين، وليبقى ثورياً لأن من مبادئه الأساسية، لا إيمان بتطور إصلاحي، ولا قبول بالحلول الوسط، ولهذا بدأ حزب البعث يكوِّن نواته في داخل الجيوش العربية، ولاسيما في سورية والعراق والأردن ... إن مظهر الانقلاب العسكري، هو السبب في استعجال الطريق للحكم، وهي مدرسة المستعجلين، التي يتزعمها أكرم الحوراني، الذي كان يضيق من مدرسة ميشيل عفلق الترددية. وليس غريبا أن المستعجلين أنفسهم، هم الذين كانوا وراء مظهر الانحراف السياسي، هم الذين كانوا وراء الانحراف العسكري، ثم إن الانقلاب العسكري خطوة في ظلام، فالشعب ـ عادة ـ لا يعرف الانقلابيين؛ لأنهم ليسوا سياسيين، وإذا عرف أشخاصهم، فهو لا يعرف اتجاهاتهم، واتجاهاتهم اليوم، ليست بالضرورة اتجاهاتهم في الغد، أو بعد الغد).

وأضاف ـ في المؤلف نفسه ـ الفقرة التالية:

       (... إن إمكانات تطوير نظرة الحزب، قد تجمدت وقبعت عند حد لا تتجاوزه، بينما كانت الأحداث تمر بالوطن العربي، وفيه، فتغير وجهه، وتطرح معطيات جديدة، لم تكن مطروحة بوضوح، عند تأسيس الحزب، وبعد أن كان فكر الحزب هو الذي يقوده، وهو الذي يعين موقفه من الأحداث، أصبحت الأحداث تسوق الحزب، أو تجره، وأصبح الحزب أسير ردود الفعل الصرفة، وحلت الشعارات محل الفهم الفكري العميق ... كلمات قصار، أصبحت تغنى عن كل الفكر الذي وراء الشعارات، وتلقف الشعار، أسهل مثالاً من الدراسة الفكرية، التي تحتاج إلى جهد ... إن طابع حكم " البعث "، كان طابع حكم عسكري مباحثى، يستند إلى أجهزة القمع، أكثر بكثير من استناده إلى ثقة الجماهير به، وثقته بالجماهير، وبرغم أن الحكم كان ينادى بأنه حكم الجماهير، وحكم العمال والفلاحين، كانت الجماهير تعيش في ظل حكم عسكري مباحثي. إن السلطة الحقيقية هي بيد ضباط الجيش والمخابرات، وكيف يمكن أن يقتنع الشعب بأن هذا الحكم حكمه، حين يعلم أن الذي يحكم فعلا هو فئة من ضباط الجيش، وحين يرى الضباط وقد شكلوا طبقة خاصة متميزة بشتى أنواع الامتيازات، كأن الحكم حكم ملوك الطوائف، لكل ملك قطعة من جهاز الدولة يتصرف فيها كما يشاء، وإن رجل المخابرات يتمتع بسلطات لا حد لها، وأن من المصلحة أن تواريه، وأن تنافق له حتى لا تتعرض لغضبه، وبطشه، وكيف يمكن للشعب أن يقتنع بأن هذا الحكم حكمه، وهو يعلم أنه ليس له طريق، أي طريق لإيصال رأيه إلى الدولة، فضلا عن اشتراكه في حمل المسؤولية، التي يتولاها بضعة عشر رجلا في رأس الدولة، يأمرون وينهون في غرف مقفلة، لا يطلع الشعب على ما يدور فيها، إلاّ من خلال ما يصدر عنها، من أوامر وتعليمات وقوانين).

* وجهة نظر خالد العظم:

يتكلم خالد العظم في مذكراته عن (عفلق، والبيطار، والحوراني) فيقول:

       (... وإنهم انقلبوا بين عشية وضحاها، يعتبرون عدم الموافقة على الوحدة خيانة قومية .. وتستحوذ على هؤلاء الثلاثة نزعة إلى السيطرة على الحكم، وتكييف اتجاهه وسياسته، حسبما يشاؤون. وهم لذلك لا يتأخرون عن اعتناق أي مذهب، أو مبدأ سياسي، أو طريقة حكم، يرون فيها الطريق الموصل إلى هدفهم. فكانوا ينادون بالديموقراطية، وبالحياة الدستورية. حينما كانوا يرجون منها أن توصلهم إلى الحكم أو السيطرة عليه. وهناك محاضر جلسات مجلس النواب من 1943 حتى أوائل 1949، ومن 1954 حتى مطلع 1958، فهي تشهد عليهم كلها. فغيرتهم على الدستور، وعلى الحريات العامة، كانت متوافقة في أقوالهم مع نقمتهم وتهجمهم على المخالفات الدستورية وما كان يرتكبه الوزراء ـ حقيقة أو ظلماً وافتراء منهم ـ من خروج على القانون والتماس للأصدقاء والأقرباء. وقد أبوا الاشتراك في الحكم، وتحمل مسؤولياته. حينما لم يقنعوا بأنهم سائرون به حسب أغراضهم. لكنهم في كل وثبة قام بها أحد الضباط الطموحين، كانوا يسعون للتسلط عليه وتوجيه خطواته وسلوكه. ثم لا يلبث هذا الطوق الخانق أن تنقطع حلقاته، فيفلت الدكتاتور من قبضة يدهم ويبعدهم عنه. وعندئذ يرتمون في أحضان المعارضة، ويشتركون في المؤامرات المعدّة لقلب النظام الذي أُقصوا عنه … وهكذا التف الحوراني حول حسنى الزعيم، صبيحة انقلابه المشهور، وصار له مكتب خاص في دائرة أركان الجيش، إلى أن أقصاه زعيم الانقلاب. وعندما انقلب الزعيم الحناوي على حسني الزعيم، استلم قيادة الجيش والسيطرة على شؤون سورية، واشترك الحوراني في الحكومة، التي ألفها هاشم الأتاسي كوزير للزراعة، وذلك حتى اليوم الذي ثار فيه فريق من الضباط واعتقلوا الحناوي ورفاقه الضباط، حين أصبح الحوراني ملازما للشيشكلي الذي عقد له لواء القيادة الفعلية. وظلت العلاقات طيبة بين الحوراني والشيشكلي، إلى أن شعر الأول بأنه غير واصل إلى أهدافه عن طريق الشيشكلي، فقلب له ظهر المجن وبدأ يتآمر ضده. فنفاه الدكتاتور إلى بيروت، ثم عمل على إبعاده عن لبنان. فهرب الحوراني إلى روما، بصحبة البيطار وعفلق.

       والمرة الوحيدة، التي أخلص فيها لنظام الحكم وسيده إخلاصا حقيقياً، كانت إثر إعلان الوحدة. وما كان هذا الإخلاص مرتبطا بعقيدة ثابتة، وإنما خلقته وغذته السلطة غير المحدودة، التي منحها عبدالناصر لجماعة البعث الاشتراكي، في إدارة شؤون الدولة وتكييف سياستها الداخلية والاجتماعية. ثم أطلق يدهم في ضرب خصومهم، الضربات القاصمة، وفي ملء دوائر الدولة بالمنتسبين لحزبهم، وتمكين محاسيبهم وأقربائهم من الإثراء والانتفاع، وتخصيصهم بعشرات الألوف من الدونمات في أراضى الغاب.

       وهكذا أثبتت التجربة، أن الحوراني وأنصاره من البعثيين ومن الاشتراكيين، كلهم انتهازيون للفرص، يقتنصون لأنفسهم ولمحاسبهم الغنائم والمرابح، ويسكتون عن انحطاط الحكم وتدهور البلاد، ويرفضون الأزمات الاقتصادية، ولو هي عمت جميع الطبقات عدا طبقتهم، ولا يعترضون على قيام الحكم الفردي البوليسي الدكتاتوري، ولو زج في السجون ألوف الناس، وقتل منهم وعذب من عذب، وشرد من شرد، ما دام القائم أو القائمون بهذه الأعمال، هم شركاؤهم في الحكم.

       أما إذا ولَّى الحاكم وجهه عنهم، وقصّ أظافرهم وقطع أيديهم، وأبعدهم عن التسلط على البشر، فيا ويله منهم، فهو دكتاتور مستبد، وطاغية يستحق الشنق، مساوئ عهده لا تحصى، مفاسده وعوراته لا تُعد ... وما العروبة والوطنية المتطرفة والديمقراطية الدستورية إلا مُلاءات يلتفّ بها هؤلاء إخفاء لهزالهم الوحشي، وقناعا يسترون به وجههم الشيطانى، وذلك خداع للناس وتخويف لهم، فلا يقاومونهم. حتى إذا ما كثر عديدهم وقويت سواعدهم، ألقوا هذه البراقع وهجموا على فريستهم، هجوم الذئاب على النعاج، يعملون فيها تهشيماً وأكلاً.

       ويضيف: وقد خدعنا بهم قبلا، واستهوتنا أقوالهم المعسولة، وبهرتنا حميتهم وغيرتهم على الوطن، وصفقنا لخطبهم الرنانة، فظننا بهم الخير وكان هو الشر بعينه. فاتفقنا معهم وحالفناهم ضد أصدقاء لنا وأقرباء، اعتقاداً منا أننا نحالف قوماً شرفاء مخلصين للوطن، أعداء الاستعمار، فإذا بهم يقلبون لنا ظهر المجن، حينما لم يعد التحالف معنا مفيداً لهم، ويلتحقون بصف الوحدة، دون الاحتفاظ لبلدهم بما يضمن له كيانه وحقوقه وفعاليته. وهم لم يكتفوا بتركنا وشأننا، بل دأبوا على محاربتنا وتهشيمنا، وطيّ اسمنا في سجل النسيان.

ويضيف العظم في مذكراته:

       (كُتب لسوريه قبل الوحدة، أن يكون صلاح البيطار وزيراً للخارجية فيها، كما كتب له أن يلعب الدور، الذي لعبه في عام 1957، وفي المحادثات التي أدت إلى الوحدة مع مصر، وكان اشتراك البيطار في الحكم لأول مرة في حياته، ولم يحلم بهذا المنصب الخطير، كما أن أحداً لم يخطر بباله، أن صلاح البيطار يأخذ زمام وزارة خطيرة الشأن، كوزارة الخارجية، عبئاً ثقيلاً على منكبيه. فصار يأتي إلىَّ كل مساء، حاملاً الإضبارات، فيقرأ علىَّ البرقيات التي ترده من السفارات السورية، ويأخذ رأيي فيما يجب عمله في جميع شؤون الوزارة، فكنت أخلص له النصح، وأديره كتلميذ عزيز، وأرجو له النجاح؛ ذلك لأنني كنت تبنيته في انتخابات دمشق النيابية عام 1954، فكان لهذا فضل في نجاحه. وظل يتردد علىَّ، هو وأكرم الحوراني، طيلة وجوده في هذا المنصب الخطير. كان يشعر بضعفه، لاسيما أنه لم يمض وقت طويل، على قيامه بإعطاء الدروس للتلاميذ الساقطين في فحوص البروفيه، لقاء خمس ليرات سورية عن الساعة الواحدة ! وكان يجلس في دكان صغير في حي الميدان، أما الآن فها هو يقفز من ذلك الكرسي الصغير المتواضع، إلى مقعد وزارة الخارجية الوثير، ولذلك طار صوابه، وفقد اتزانه، على أن أمارات الاستعداد لم تبد عليه في بادئ الأمر، ذلك لأنه وضيع النفس، ومن كان كذلك يظل فاقد الطموح إلى العلا، يطأطئ الرأس ويفرك اليدين).

       وتابع العظم يقول: (لقد كنت ممن يحسنون الظن بالبيطار، غير عالم بأن حزبيته تعمى بصيرته، وبأن حقداً أسوداً يملأ فؤاده. وما كان يدور في خلدي أن سفرة واحدة إلى الولايات المتحدة، واجتماعا واحداً مع أحد أركان الخارجية الأمريكية، كانا كافيين لتغيير وجهة نظره في تلك الدولة. فيصرّح لشخص في طريق عودته بأنه لا مصلحة لسوريه بمعاكسة الولايات المتحدة). (وما كنت لأتصور ـ والكلام للعظم ـ أن يصرخ البيطار يوماً بكل وقاحة في وجهي قائلاً: (إذا كان خالد بك يريد استلام وزارة الخارجية فليتفضل. فأما أن تسير شؤوننا الخارجية وفق سياستي وإمّا فليستلمها غيري!) والأمر الذي أهاج غضب البيطار، لم يكن سوى أن رئيس الأركان، عفيف البزرة، هتف لي قائلاً: (جاءنا من اللاذقية بأن عدة بوارج حربية أمريكية تمر أمام المرفأ، فهل نصدر بلاغاً بذلك أم لا؟) وأردف قائلاً: (إني عند صلاح، فهل لديك مانع من إطلاع الرأي العام على هذا التحدي؟) فأجبته: "كلا" وظننت أنه عنى صلاح البيطار نفسه، في حين أنه كان يعنى صلاح الطرزى، الأمين العام للخارجية. وعندما أعلن البلاغ على لسان ناطق عسكري في الإذاعة، كان الوزراء مدعوين إلى حفلة. فوجم القوم وسألوا البيطار عن صحة الخبر، فساءه ألا يكون قد أخذ رأيه قبل الإذاعة، أو أنه أبى أن ينشر ما يزيد في تعقيد الأمور، بيننا وبين الولايات المتحدة الأمريكية. فهرول إلى مجلس الوزراء وقال ما قال. ولم أجبه إلا بالاستيضاح عما إذا كانت له سياسة غير التي تسير عليها الحكومة منذ تأليفها. وأضفت قائلا: إني لا أدرى موجباً لهذا الموقف، ولا أقبل هذه اللهجة غير الودية. واستغرب الوزراء عصبية البيطار في البدء، وسكوته المطبق بعد جوابي. وهذه الحادثة أوجدت في نفسي شكاً في البيطار وتقلباته).

       ويضيف العظم في مذكراته: (إن سورية التي رفضت دكتاتورية عبدالناصر، لا تقبل دكتاتورية ميشيل عفلق وصلاح البيطار، وهي لا تقبل أن يحكمها أمثال هؤلاء، لم ينجح أحد منهما يوماً إلا عندما ساندته هيئات أخرى، وأما لجوء عفلق إلى شعار الوحدة، فإن ذلك خدعة الأهلين بالحزب من جديد. وأن عفلق والبيطار مخدوعان، إذا اعتقدا أن الرأي العام معهما، وأنه يساعدهما ويرغب في بقائهما في الحكم ؛ لأن مدينة دمشق لا تستلطف الوجوه البعثية. فالذي يكرس الانفصال فعلاً، هو حزب البعث، واستقال وزراؤه من حكومة الوحدة، لأن المصريين لم يُقطعوه سورية ليتصرف هؤلاء بمقدراتها كما يشاؤون … فالبيطار هذا الرجل المتقلب العامل لمصلحة نفسه، ومصلحة حزبه فقط، يتهمنا نحن المواطنين، عندما يتسلم الحكم بعد الثامن من آذار "مارس" 1963، بالخيانة والعمالة؛ ويصدر مرسوما بعزل 74 شخصاً، من العاملين في الحقل السياسي، عزلاً مدنياً، ويمنعهم من ممارسة حقوقهم السياسية، ليسرح ويمرح وحده في الحقل العام، وليرقص فيه كالسيدات. إن صلاح البيطار، يراوغ ويناور ولا يصارح، وهو لا يستطيع الوقوف على قدميه وراء كرسي الحكم، إلاّ شاهراً بيده سلاح قانون الطوارئ، وهو يطلق نار الجيش على الطلاب، وهو يملأ السجون شباباً ورجالاً، وهو يقطع الماء والكهرباء، عن الأحياء الثائرة ضده … إنه مُعَقّد التفكير، كمعلمه ميشيل عفلق. إنه يفتح باب التسريح من الوظائف على مصراعيه، ليخرج من لا يدين بالبعثية العفلقية البيطارية. إنه يحشو الوظائف بالمنتسبين لحزبه العقائدى، إنه يغلق كافة الصحف، ولا يبقى في الميدان إلاّ جريدته "البعث". وهو يوقف خصومه السياسيين، ويسجنهم ويحيلهم إلى المحاكمة، أمام محكمة استثنائية، ونحن عندما كنا في الحكم، أغفلنا كل أعماله، ولم نوافق على تنفيذ الحكم الصادر عليه بالسجن شهراً واحداً، بمادة تحقير وذم أحد الصحفيين. لقد تنكر صلاح البيطار لسيده (عبدالناصر)، الذي مَّرغ وجهه على أقدامه سنين طويلة. أما نحن فلم نمسح جوخ ثيابه، ولا كنا من الدعاة له، ولا أبرزناه كرائد عظيم، بل ظللنا ننتقد أساليبه، ونفضح مؤامراته، ونحذّر الناس بجرأة من تصديق أقواله المعسولة).

       ويضيف العظم فيقول: (إن صلاح البيطار شخص لئيم وكذّاب ومضلّل، وهو الذي جعل من الحملة على السياسيين، ومن الدعوة إلى الوحدة سلّماً يرتقى به إلى رئاسة الحكم في سورية، حتى إذا ما ارتاح عجزاه على كرسيه، تكشف وجهه الحقيقي: وجه الانتهازي الوصولي، الذي يتدثر بثياب الاشتراكية والحرية، للوصول إلى مقعد الحكم. وعندها يتناسى، أو ينسى، كل هذه الشعارات، وتصبح الاشتراكية إفقار الناس، وضرب الاقتصاد الوطني، ودفن الثقة، وتصبح الحرية محصورة بالبعثيين، دون غيرهم من الناس، باعتبار هؤلاء أعداء الشعب!). وقال: (والحقيقة أن صلاح البيطار وميشيل عفلق وأكرم الحوراني، المندفعين بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، يعّدلون موقفهم لجعله دائماً متمشياً مع حزبهم، والسيطرة على سورية والعراق والأردن. وما أبلغ تصريح نائب رئيس وزراء العراق، عندما أفصح عن سريرته، حين قال "بأنه يفضل تحقيق الوحدة بعد مائة سنة بدلاً من أن يزول حزب البعث". فهذه هي حقيقة هؤلاء، وهذه هي أهدافهم المخيفة، هذه هي قوميتهم، وهذا هو نضالهم في سبيلها، يظن هؤلاء أنهم أوقفوا الشمس، وأن كراسي الحكم سمروها في مقاعدهم، وأن التاريخ سوف يسكت عن مخازيهم، ويسدل الستارعن بهلواناتهم وديماغوجيتهم، وأن أكاليل الغار سوف تلقى على قبورهم، عندما يأخذ الباري أمانته. كلاّ، وألف كلاّ. فالحقائق تخبو، ولكنها ترمى، يوماً من الأيام، عن كتفها الكذب والتضليل، وترفع رأسها، وتفضح كل فعل أثيم).

       (لذلك ـ والكلام للعظم ـ إن عفلق والبيطار جماعة مراوغون، تسيطر عليها شهوة الحكم، ويلبسهما اللؤم الأسود، ويسعيان لجعل سورية مرتعاً لهما، وحشو الأذناب في الوظائف، ويغدران بكل من يترافق معهما مؤقتاً، للوصول إلى هدفه، وهما يتلاعبان في السياسة الخارجية، وجعل كل دولة أجنبية تظنه معهما. إنهما يبعدان النظام الديموقراطي، ويعملان على تجنب الانتخابات النيابية، لخوفهما من الفشل فيها). وتطرق العظم إلى شخصية أكرم الحوراني، فقال: (إنه معروف بالتقلبات السياسية المتعددة، وأثبت أنه لا يسير مع أحد، إلا ما دام أمله بالوصول إلى هدفه مستمراً، فإذا لم يحصل ذلك انقلب عليه. لن يتخلى عن حزبيته الضيقة، ورغبته في السيادة على كل وزارة يشترك فيها، حتى يؤّمن لنفسه الشعبية، عن طريق الشعارات الاشتراكية، ولجماعته الوظائف والخدمات. وقد تأكد، فيما لحق من الأيام والحوادث، أن الحوراني لم يعد الزعيم القادر على تسيير دفة سياسة حزبه، وأنه أصبح لعبة في يد المتطرفين من جماعته، يخضع لمشيئتهم، ويتبع الخطة التي تروق لهم، وقد كان يحارب على جبهات عديدة: عبدالناصر وأنصاره، ثم جماعة حزب البعث "عفلق والبيطار"، ثم جماعة علماء الدين من إخوان مسلمين، الذين يثيرون عليه حملات متواصلة، وهذا كله إلى جانب موقف السياسيين، يمينيين ومعتدلين، ذلك الموقف العدائي منه، وعندما قامت حركة 8 آذار "مارس" 1963، لجأ إلى الاختفاء عن الأعين، دون أن يرتفع صوت في الدفاع عنه، أو أن تقوم لحزبه قائمة).

       وكشف خالد العظم سراً يعود تاريخه لعام 1943، عن سبب ظهور أكرم الحوراني في الساحة السياسية فقال: (إن الحوراني، وهو مؤسس الحزب الاشتراكي، شعر حينما دعيت البلاد إلى انتخاب مجلس النواب السوري في صيف عام 1943، بحرج موقفه الناجم عن عدائه المعلن للطبقة الغنية، والأسر المعروفة في حماة. وكان الرئيس شكري القوتلي، وأقطاب البلاد، يؤلفون القوائم الانتخابية في كل المدن السورية، فالتجأ الحوراني إلى الزعيم الوطني الحلبي (سعد الله الجابري)، الذي أخذ على عاتقه حمل زعيم حماة ووجيهها المعروف (فريد العظم)، على عدم معارضته، وذهب إليه ودخل عليه، (دخالة عرب)، ورفض تناول القهوة، ما لم يلبِّ صاحب الدار طلبه، وهكذا تمكن الحوراني من الفوز بالنيابة عن تلك المدينة، بفضل تمسك فريد العظم بالعادات والتقاليد العربية العليا، مضحيا في سبيل ذلك بآرائه الشخصية، وفادياً أمواله وأموال أولاده وأبناء عمه وجميع أثرياء حماة، لأجل إرضاء سعد الله الجابرى، إذ ظهر الحوراني، فيما بعد، أنه العدو اللدود، لفريد العظم وأولاده وأبناء عمه وجميع أثرياء حماة، وغيرها من المدن السورية. فقد كان يجد لذة في إفقار الأثرياء، وكسر نفوذهم وإذلالهم).

       وقال: (كانت الصلات بين الحوراني، وضباط الجيش السوري، متينة جداً، وتمكن بمعونة أولئك الضباط من السيطرة على مدرسة حمص العسكرية، التي كانت تخرج كل سنة عدداً من الضباط الشباب، لا يقل عن المائة. فكان لا يواظب سوى سنتين يتخرج بعدها ملازماً ثانياً، ثم يقفز المراتب بسرعة خيالية، بحيث لا تمضى عشر سنوات، حتى يصبح عقيداً أو زعيماً، وقد زاد شوق الناس للانتساب إلى المدرسة العسكرية، بنسبة عدد الانقلابات العسكرية، التي كانت تعانى منها البلاد الأمرَّين. وكانت جهود الحوراني منصرفة، إلى حشد أكبر عدد ممكن من الشباب المنتسبين إليه في المدرسة العسكرية، والسعي لحمل بقية طلابها إلى الانخراط في حزبه. وكان يلاقى العون والمساعدة من رؤساء المدرسة ومعلميها، ومن أركان قيادة الجيش نفسه).

وعلى ذلك، اعتمد الحوراني في دعم حزبه على ثلاثة عوامل:

1. ضباط الجيش

أما الضباط، فقد ذكرنا منشأ ارتباطهم بالحزب.

2. الطلاب

وأما الطلاب الشباب، فكانوا ينخدعون بكل قول، صادق أو كاذب، ينادى بالاستقلال وبمحاربة الصهيونية. لذلك، كانوا يلتفون حول الزعيم المفوّة، الذي يعدِهم باكتساح فلسطين وتخلصيهم، لا سيما بعد أن تحققوا من كذب بعض الزعماء الآخرين وشعوذتهم.

3. الفلاحين

أما الفلاحون فكان الحوراني يملأ بطونهم الجائعة وعوداً، بإعطائهم أراضى الإقطاعيين، وبإزالة كابوسهم عنهم.

       (ولم يكن، والحالة هذه، مستغربا أن ينجح الحوراني في استمالة العناصر الثلاثة الآنفة الذكر، فهو إنما كان يعد بما ليس عنده، ويمنح ما ليس يملكه: الرتب والسلطة للضباط، وفلسطين والتقدمية للطلاب، والأراضي للفلاحين. وهذا كله لم يكن من مخلفات والده، ولا من كسب يديه. فكيف لا يكيل الوعود بدون حساب، وكيف لا يستشري به الأمر إلى حد أنه لم يعد قادراً على الوقوف هنيهة، ليأخذ نَفَساً، وليرتاح قليلاً!).

       (على أن كل هذه الوعود الرخيصة، لم تكن كافية لإيصال الحوراني، إلى مركز القيادة والسيطرة الكاملة على شؤون البلاد، فيتصرف بها وبمقدراتها حسب أهوائه ومشيئته.

ذلك أن سياسته كانت تصطدم، بالعناصر التالية:

1. أصحاب رؤوس الأموال.

2. الأحزاب السياسية الأخرى.

3. الدول الأجنبية.

4. علماء الدين.

       ولم يكن مستغربا من أصحاب رؤوس الأموال، وقوفهم ضد الحوراني، وهو الذي يناصبهم العداء، وينادى بإلغاء الملكية، أو تحديدها في الأراضي والمساكن، ويحرض العمال ضد أصحاب المعامل. إلاّ أن أولئك الأثرياء، كانوا من البخل وعدم الإدراك على جانب عظيم. فلم يوحدوا صفوفهم، ولم يجمعوا الأموال لمحاربة خطر وصول الحوراني إلى الحكم، بل اعتمدوا على ألسنتهم، يطلقونها في الشتم والسب، واهمين أن المعركة بينهم وبينه، تكسبها أقدر فئة على السباب والشتائم).

       وقال العظم: (وأنا ـ شخصياً ـ لم أساير الحوراني حتى عام 1954، حين شعرت بأن مقاومته في غلوّه، لا تكون بالعنف والشدة. وذلك لانعدام العناصر المستعدة لهذا النوع من المعالجة. وتبين لي، أن أحسن وسيلة لتخفيف حدة تطرفه، هي السير إلى جانبه، والسعي لتوجيه نشاطه بمراحل مدروسة، لا نزوات طائشة، وانقلابات جذرية. فكنت، إذن، من القائلين بالتطور التدريجي الوئيد المطّرد، الذي لا يعيق الإنتاج، بل يزيد من الدخل القومي، عن طريق تحسين التوزيع. ولم أكن من القائلين بالثورة الاجتماعية؛ لأنني كنت أخشى منها على الإنتاج، أن يتوقف نشاطه، وعلى الأموال، أن تتسرب إلى الخارج، فتحرم البلاد منها. وعلى ذلك رافقت الحوراني منذ 1954، حتى أواخر 1957، ولم أمكّنه من تحقيق أية نزوة من نزواته الخطرة. فهو لم يستطع تنفيذ أي بند من بنود سياسته، إلاّ في عهد الوحدة عامي 1958 و1959، حينما ناصره عبدالناصر، فتجاوبت مبادئهما وأهدافهما. واستفاد الحوراني من جهل عبدالناصر، بواقع الحال في سورية، فأغراه بالتفاف الفلاحين جميعهم حوله. فأمر بالإصلاح الزراعي، وأهمل المشاريع الاقتصادية الكبرى، التي لو حققت، كما رسمتها في 1957، لمكنت الفلاح من الحصول واقعياً على أرض مروية، كافية لنشاطه، في الوقت الذي يبقى صاحب الأراضي القديمة غير محروم منها. فكنت إذن أسير مع هذا السيل الجارف، وأعمل على توجيهه في المسالك غير المضرة بالمجموع، حاسباً حساب طغيانه، وخطر اتساعه، عاملا على مراقبة سيره واتجاهه).

       ولخص خالد العظم موقف عفلق والبيطار والحوراني بقوله: (إن هؤلاء غير مستعدين للالتقاء عند نقطة وسط، مع مناهضي آرائهم، وكان تهجمهم على الرجالات الوطنية، افتئاتاً على الحقيقة، وتجنياً على أولئك الزعماء، فالأقطاب الثلاثة مخادعون، يلينون عند الضعف، ويكشّرون عن أنيابهم عند القوة، إنهم لم يتركوا أحداً من رجال السياسة، إلاّ اتهموه بشتى التهم الكاذبة).

* وجهة نظر الشاعر محمد سليمان الأحمد:

       اشتُهر هذا الشاعر بـ (بدوي الجبل)، وقد نظم قصيدة طويلة، عن هزيمة الجيش السوري في 5 يونيه (حزيران) عام 1967، في ظل حكم الدكتور نور الدين الأتاسي ـ والدكتور يوسف زعين ـ والدكتور إبراهيم ماخوس ـ ولواء صلاح جديد، وفيما يلي بعض أبياتها:

الأصفادِ، فالحُكْمُ وحده المكسورُ

 

هُزِم الحاكمون ـ والشعبُ في

مكانٌ من أهلهِ مهجورُ

 

هلْ دَرَتْ عَدْنُ أن مَسْجِدَها الأقصى

ويُزارُ المَبْكى ويُتْلى الزَبُورُ

 

لم يُرَتَّلْ قُرآنُ أحْمَدَ فيه

هُتكتْ أرْضُهُ فأيْنَ الغَيورُ

 

يالَذُلِّ الإسلامِ والقُدْسُ نَهْبٌ

ورئيسٌ مُسَيْطِرٌ ووزيرُ

 

خَجِلَ الحاكمونَ شَرقاً وغَرْباً

وزهوٌ ومِنْبرٌ وسريرُ

 

اشْتراكِيَّةٌ ؟! وكَنْزٌ من الدُرِّ

والظُلْمُ والخَنا والفجورُ

 

اشتراكْيةٌ ‍‍تعالِيمُها: الإثراءُ

صُفَّ جُندٌ له ودَوَّى نَفيرُ

 

اشتراكيةٌ! فإن مَرَّ طاغٍ

فيها التسهيلُ والتيسيرُ

 

باركَ اللهُ في الحنيفيةِ السمحاءِ

جُبْنٌ فاضِحٌ ومَجْدٌ عَثُورُ

 

محِنةُ الحاكِمينَ جَهْلٌ ودَعْوى

باراهُمُ ولا تَيْمورُ

 

هتكوا حُرْمةَ المساجد لاجِنكيزُ

فشِلْوٌ يعلو وشِلْوٌ يغورُ

 

قحموها على المُصَلِّينَ بالنارِ

ويبدو على الوجوهِ السرورُ

 

أمْعَنوافى مصَاحِفِ اللهِ تمزيقاً

وديسَتْ مناكِبٌ وصُدورُ

 

فُقِئَتْ أعْيُنُ المُصَلِّينَ تعذيباً

أمَوِيٌّ مُعَرِّقٌ منصورُ

 

جامِعٌ شاده على النُورِ فَحْلٌ

طيورٌ ولا استبيحتْ وكُورُ

 

لم تُرْع فيه قبل حُكْمِ الطواغِيت

مِنْهُمُ والعشيرَ فيهم عشيرُ

 

وغدا يَذْبحُ الرفيقَ رفيقٌ

لَنْ يُفيدَ التهويلُ والتغريرُ

 

ارجعوا للشعُّوبِ يا حاكميها

وجدَّتْ بعد الأمورِ أُمورُ

 

صارحُوها .. فقد تبدَّلَتِ الدنيا

وسِبابٌ مُكَرَّرٌ مَسْعورُ

 

لا يقودُ الشعوبَ ظُلْمٌ وفَقْرٌ

في غدٍ أيُّنا هُوَ المَدْحورُ !

 

لم أهادِنْ ظُلْماً وتدرى الليالي

       وعندما نالت تلك الملحمة الشعرية، استحسان الشعب السوري، دُبرت مؤامرة لاغتيال الشاعر (سليمان الأحمد)، حيث تعرض لحادث اعتداء ـ من مجهولين ـ أثناء سيره في شارع (أبى رمانة)، في دمشق، ونقل إلى أحد مستشفيات دمشق بين الحياة والموت، حيث تم إسعافه وشُفى بعد فترة علاج طويلة.

* وجهة نظر مطاع الصفدي:

       مطاع الصفدى، عضو قديم في حزب البعث، منذ نشأة الحزب في الأربعينيات. ومن أهم مؤلفاته (حزب البعث)، و(الثوري، والعربي الثوري). وخلال المرحلة الثانية من تاريخ حزب البعث (1964)، غادر سورية إلى بيروت، ثم لجأ إلى بغداد، وانخرط في حزب البعث العراقي. وانتخب عضوا في القيادة القومية لحزب البعث العراقي، وفي كتابه (حزب البعث) يقول عن الحزب:

       (يمكننا الآن، بعد إلمامنا بمختلف الخطوط الرئيسية التي تحدد لوحة الفكر البعثي، ومواقعه من تيارات الفكر الثوري العالمي، من ماركسية، ويسار غربي مستقل، وتلقاء الناصرية، يمكننا بعد ذلك كله، أن نلخص الخصائص الرئيسية لهذا الفكر، على الوجه التالي:

  1. المثالية في الفلسفة، وعلى الرغم من أن الفكر البعثي ليس له متون فلسفية محددة، فإن مواقعه وعناوينه الأيدلوجية، تقف كلها إلى جانب المثالية. على أن نفهم من هذه المثالية، رفع المبدأ القومي، إلى رتبة المطلق، واعتباره مصدر كل الفعاليات الحضارية، والنظر إلى الأمة باعتبارها ذاتاً مطلقاً، دون اعتبار لشروطها الموضوعية المتغيرة، ومراحلها التاريخية المتطورة، وتنزيه الشخصية الحزبية، والعلو بالقيادة إلى مرتبة النبوة، وتقديس المثل المجردة، مع التعامي عن حقائق الواقع، واحتقار للحياة المادية وقوانينها، وتجاهل ثقل المؤسسات الاجتماعية والمعتقدات العامة، والضرب بعرض الحائط، بكل علاقة اجتماعية موضوعية.
  2. الغيبية في الاعتقاد: إن إجلال الفكر الاعتقادي والوثوقى، بدل التحليل العلمي، أبعد الحزب باستمرار، عن اكتشاف القدرات الثورية لدى الجماهير. ونظر إلى العمل النضالي وكأنه محكوم بقوى غيبية، تدفعه من تلقاء ذاته إلى حتمية الانتصار، وهذا، بالتالي، يفرض على العضو تبعية أخلاقية وعقلية للقائد، وإيماناً به، على أنه هو القادر وحده، على تحقيق معجزات الوحدة والحرية والاشتراكية. بمجرد إلحاحه على حتمية تحقيق هذه الأهداف. ولذلك، لعبت كلمات صوفية كثيرة دور الطاقات الثورية، لدى الأجيال الأولى من الحزب، مثل (المرحلة التاريخية)، و (المصير)، و(قدر الأمة)، وغيرها من التعبيرات، التي لا تستطيع أن تُسمى القوى الاجتماعية، القابلة وحدها لتحقيق الثورة. ومن هنا كانت عزلة الحزب الدائمة عن الجماهير، حتى عندما كان إلى جانب أهدافها. ولذلك، كان يفوز بنتائج انتصارات غيره من الأحزاب، دون أن تعترف الجماهير له مرة، بحق الوصاية عليها، وقيادتها.
  3. الطوبائية والليبرالية في الاجتماع: إن عدم التفكير في الوسائل المحققة للثورة، من جهة، وإهمال الجمع بين النضال السياسي، والنضال الاجتماعي، والتأمل في مستقبلٍ كالجنة، يعاكس الوضع الراهن، المعبر عنه بشعار (الواقع الفاسد)، والانغلاق التحريمي، ضد أي تفاعل مع الفكر الثوري العالمي. كل ذلك جعل اشتراكية البعث. مجرد وصف أوصاف شاعرية لمستقبل العدالة. وهكذا كانت اشتراكيته، تمت إلى الطوبائية المعروفة في مطلع القرن التاسع عشر في أوروبا. ومن ناحية أخرى فإن الصورة، التي يعطيها عمله السياسي، تدل على فهمه للديمقراطية ضمن صيغتها الليبرالية، أي الديمقراطية الحياة النيابية التقليدية، المعزولة عن أي صراع اجتماعي. وكان من جراء ذلك، أن اتصفت مواقفه السياسية بالانتهازية والتناقض، والتذبذب بين الأطراف اليمينية واليسارية الشيوعية، مع الناصرية ثم ضدها، ثم سعى للتقرب منها، وهكذا.

* وبذلك يمكن اعتبار البعث، قبل انحرافه، أنه حزب إصلاحي، لا ثوري؛ تلفيقي وتوفيقي بين الاتجاهات المتعارضة، لا جذري. سياسي وليس باجتماعي مطلقاً، ديماغوجي، وليس بعلمي أو أيديولوجي. ولقد أدت هذه المنطلقات الفكرية، إلى النتائج الآتية:

  1. العجز عن إيجاد نظرية واضحة المعالم والمواقف، وبالتالي العجز عن تنظيم مخطط فكرى للعمل الثورى، وإعطاء الحزب نفسه للصدف السياسية، وانحصاره في دور ردود الفعل، على مبادرات غيره.
  2. العجز عن اتخاذ مواقف فكرية جريئة، من عقائد المجتمع وتقاليده. فلقد بقى الالتباس يحيط برأي الحزب، حول مفهوم الدين إجمالاً، وحول تحليله لطبيعة التجربة الإسلامية. فلم يكن يملك مرة الحجة على دحض اتهامه بالإلحاد. كما لم يملك الحجة، أيضاً، على بيان موقفه العلماني، الذي كان يُستنتج من جملة تصرفاته، الهادفة إلى الابتعاد عن الإحراجات الشائكة. ولذلك، لم يستطع فكر الحزب أن يحلل التاريخ العربي والإسلامي، وأن يضع يده على معانيه الواقعية. وبذلك تجاهل أكبر مصدر للفكرة القومية، التي يدّعيها.

وكذلك فقد تمسك الحزب في علاقاته، بين أعضائه وقياداته، بألفاظ عن الأخلاق، كثيرة، توحي بنوع من الطقسية، التي تربط بقيم البورجوازية الثقافية الصغيرة. فيسودها الملق والتحفظ والتطهر، أي مختلف مظاهر السلبية المقنعة، بكبرياء اللاّ فعل، والإحجام عن المبادهة وتحمّل المسؤولية.

  1. ظهور تيارات ثقافية وسياسية متضاربة، داخل الحزب الواحد. فكما رأينا فإن هناك جيلاً أول كان خاضعا لتأثير البرغسونية، والحيوية الجديدة المعروفة عن (أندريه جيد)، والرومانسية الجديدة التابعة لها. وهنالك تيارات ماركسية مقنعة، ووجودية وعدمية وشوفينية متعصبة عمياء، تؤدى أكثرها إلى انتهاز، من أجل زعامات الحزب الثقافية والسياسية.
  2. الفهم الوهمي لشعارات الأمة، فلقد تمسك الحزب طويلاً بالمبررات النظرية المجردة للوحدة، وللخصائص القومية، كوحدة اللغة والعرق والأرض والتاريخ. إلخ ... كما أن فكرة (البعث) نفسها، كانت توحي بنزعة استرجاعية لنموذج حضاري غامض، متأرجح بين الجاهلية والإسلام. وبذلك كانت قومية الحزب شاعرية الصورة، بمضمون رجعي فكري واجتماعي.

       وأما الاشتراكية، فلقد فهمت على أنها حلم طوبائي، معزول عن ظروفه وأداته الثورية وأصوله العلمية.

       والديمقراطية، هي ليبرالية برلمانية، لا علاقة لها بالتحول الاجتماعي الثوري.

       والانقلابية، عبارة عن معجزة علوية مجهولة المصدر، مجهولة الكيفية والهدف.

       لقد توقف فكر البعث الرسمي، عملياً، كله، عند موقفه النقدي من الحكم البورجوازي الوطني، في مرحلة النضال الاستقلالي، خلال أواسط الأربعينيات. وأما النزاعات الأخرى من ماركسية ووجودية، فلقد بقيت ضيقة التأثير، عاجزة عن تحويل أساسي لجذور الفكر البعثي، الذي يرجع كله، بميزاته وانحرافاته، إلى شخصية مؤسس الحزب نفسه، وهو ميشيل عفلق.

       وهذا يدل، في الواقع، على مدى التقصير، الذي ارتكبه عدد هائل من مثقفي الحزب، طيلة السنوات الحافلة بالأزمات والانقسامات، والتقصير عن تطوير، أو تعديل، أو تنمية الفكر البعثي، بعيداً عن السلطات السحرية، لعفلق والحوراني. حتى ضُرب على هؤلاء المثقفين، نوع من التلذذ بذل التبعية، والنفاق واسترضاء القادة، دون التجرَؤ، مرة واحدة، على تحديد نقد واضح موضوعي).

       وفي موضع آخر من المؤلف نفسه، يستطرد مطاع الصفدي في سرد وجهة نظره، عن حزب البعث، فيقول:

       مرة أخرى، يحتل البعث، في صورة انهياره الأخيرة، مكانه من الصف الاستعماري، المعادي للأهداف الطبيعية، لجماهير الشعب العربية في كل مكان.

       وبعد أن فقد مختلف مبررات وجوده، كحزب ثوري تقدمي، فإنه لم يبق له، إلاّ أن يلعب دور الحزب القومي السوري، الذي ارتمى بين أحضان الاستعمار. ثم استنفذه الاستعمار، بعد فشله في صراعه ضد التيار القومي العربي في المنطقة، وسارت الثورات العربية على حطامه. ومن الغريب أن البعث العفلقي العسكري والطائفي، قد وقع في مختلف الأخطاء، التي كانت وقعت فيها الرجعية العربية، والديكتاتورية العسكرية. وهي الأخطاء، التي طالما حاربها الحزب قبل الثامنة والخمسين في أعدائه، وأصابت من هؤلاء الأعداء مقتلاً وهلاكاً. ولعلنا نستطيع أن نوجز في النهاية، الأسباب الرئيسية لهذا المصير المأساوي، الذي بلغه حزب البعث من خلال مختلف الشرور، التي جرها على نفسه وعلى الأمة، في فترة حكمه في سورية والعراق.

       إن هذه الأسباب ترجع إلى أصل واحد، وهو تخطى الثورية العربية لمرحلة العمل الحزبي، سواء أكان حزبياً يمينياً، أو يسارياً.

       وذلك لأن الشروط الموضوعية، التي أوجدت هذه الأحزاب فيما مضى، قد تحولت وتغيرت إلى شروط من نوع جديد، صنعتها ثورات عربية كبرى، جاءت، غالباً، من فوق إرادة هذه الأحزاب، وقسراً عن مخططاتها، وأساليب عملها السياسي.

       والبعث، خاصة، الذي فقد قواعده وقادته الوحدويين، منذ تجربة الوحدة، لم تبق منه إلاّ الصورة الخارجية. وهذا ما سمح لبضعة ضباط أن يستغلوه، وأن يتخذوه قناعا لهم، لعل القناع يخفى زمناً ما، مخططهم الانفصالي الاستعماري.

       ولكن المرحلة التي بلغها الوعي العربي، كانت كفيلة بأن تكشف نوايا هؤلاء العسكريين، منذ الأيام الأولى لقيام الثوريين، في العراق وسورية. والواقع، فإن هذا الكشف لم يتحول إلى أداة نضالية منظمة، ضد البعث الجديد، إلاّ بعد مرحلة طويلة نسبياً.

       ولذلك، كان قيام الاتحاد الاشتراكي العربي للإقليم الشمالي، هو الثمرة الطبيعية لهذا الصراع، الذي فرضه البعث الجديد على الشعب العربي، في الإقليم الشمالي.

       فإذا كانت مرحلة العمل الثوري تدعو إلى إنشاء الاتحادات الاشتراكية في الأقطار العربية المتحررة، أو التي هي في طريقها إلى التحرر، فإن شعار (الحركة العربية الواحدة)، هو الذي سيؤلف أداة الثورة الاشتراكية ضمن شمولها القومي، ووحدة العمل الانقلابي في الوطن العربي.

       إننا اليوم نشهد آخر الفصول، من معركة تصفية رواسب مرحلة العمل السلبي، السابق على تفجير الثورة الاشتراكية، في العالم العربي. ومن أظلم هذه الرواسب، تجربة الانتكاس والانفصال والإرهاب، والديماغوجية السياسية، التي مثلها عسكريون وموتورون، ومراهقون، وشيوخ حاقدون، اختفوا وراء اسم حزب، كان له يوماً ما دوره التاريخي، في النضال العربي.

       إنه بقدر ما تنمو تجربة البناء الوحدوي والاشتراكي، بين بغداد والقاهرة، وحولهما بقية الأقطار العربية المتحررة، بقدر ما تضمحل مختلف قلاع الردة والانفصال، وتزول أسباب وجودها واستمرارها.

       وإذا كان ثمة ساحة حقيقية لمعركة الشعب العربي، ضد الانفصال البعثي في سورية، فهي السّاحة الجديدة، التي ستقوم على حدود الوحدة الجديدة.

       إن أداتها هي مختلف القوى النضالية، المجتمعة وراء قلعة الوحدة الجديدة هذه).



[1]  سامي الجندي: أحد قيادات حزب البعث الأوائل، إذ انضم للحزب وهو طالب في مرحلة الثانوية، وكان مرشحاً لرئاسة الوزارة السورية عام 1965، خلفا لوزارة صلاح البيطار.

[2]  كان الدكتور منيف الرزاز من الأعضاء البارزين في حزب البعث في الستينات، وانتخب أميناً عاماً لحزب البعث عام 1965، خلفاً لميشيل عفلق، ثم نقل نشاطه الحزبي إلى العراق في 1968، حيث انتخب أميناً عاماً مساعداً لحزب البعث العراقي عام 1977، ثم أقصى عن منصبه عام 1979، واعتقل في العام نفسه حتى توفي في سجنه بالعراق عام 1984.