إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / حزب البعث، نشأته وتطوره









المبحث الأول: نشأة البعث العراقي

المبحث الأول: نشأة البعث العراقي

بدأت أفكار البعث في الانتشار في العراق، في أواخر الأربعينيات، وذلك من خلال مصدرين:

الأول: الطلبة العراقيون، الذين كانوا يدرسون في سورية ولبنان، واعتنقوا الفكر البعثي.

الثاني: المعلمون السوريون البعثيون، الذين كانوا يعملون بالمدارس والجامعات العراقية.

       وفي عام 1952، اعترفت القيادة القومية للبعث في سورية، بفرع حزب البعث بالعراق، و عُيّن فؤاد الركابي أميناً للقيادة القطرية، للحزب في العراق. "وهو مهندس شيعي من بلدة الناصرية، بجنوب العراق" ولم يكن عدد أعضاء الحزب يتجاوز المائة، في ذلك الوقت. ويرجع ذلك إلى الأسباب التالية:

  1. كانت الأحزاب السياسية الأخرى (خاصة الحزب الشيوعي)، هي الأكثر انتشارا في البيئة السياسية العراقية.
  2. عدم تجاوب المواطنين في العراق، مع أفكار البعث ومبادئه، بنفس القدر، الذي تجاوبت به قطاعات متعددة في سورية، وذلك لاختلاف تركيبة المجتمع السوري، الذي يتسم بالتعددية القبلية والعرقية، عن المجتمع العراقي، الذي يتسم بالانقسام العرقي.
  3. اختلاف طبيعة سياسة الاحتلال الفرنسي في سورية، عن الاحتلال الإنجليزي بالعراق.
  4. قُرب سورية من الأحداث "الفلسطينية ـ اليهودية"، ورفع حزب البعث الشعارات القومية، التي جذبت العديد من الشباب إلى صفوف الحزب، في حين كانت تلك الأحداث غير مؤثرة، على الساحة الحزبية العراقية، لبُعده الجغرافي عن مجريات تلك الأحداث.

ولكن، منذ منتصف الخمسينيات، اتسع نطاق حزب البعث العراقي، للأسباب التالية:

  1. مساهمة الحزب في الانقلاب على الملكية عام 1958، بقيادة عبدالكريم قاسم ـ على الرغم من أن مساهمته كانت ضئيلة ـ ولكن العواطف المعادية للشيوعية بعد حكمه أدت إلى التفاف عدد كبير من المثقفين حول حزب البعث.
  2. انقسام البيئة السياسية العراقية، في ذلك الوقت، إلى اتجاهين سياسيين:

أ. التيار القومي العربي:

وقد استطاع حزب البعث أن يقود هذا التيار، الذي كان يتألف من: البعثيين، والناصريين، والسياسيين غير المتدينين، ذوى النزعة القومية.

ب. التيار اليساري:

وكان مؤلفاً من: الحزب الشيوعي العراقي، ومجموعات يسارية غير منضمة للحزب الشيوعي.

ج. كثرة الانقلابات العسكرية:

التي لعب فيها حزب البعث دورا مؤثراً. فقد شهد العراق خلال الفترة بين عامي (1958 ـ 1968) ثماني محاولات انقلابية، نجحت منها أربعة انقلابات، وفشلت أربعة أخرى.

       ومن بين الشباب، الذين انضموا إلى حزب البعث العراقي، صَدّام حسين عام 1957، عندما كان عمره عشرين عاماً. وكان له دور ملحوظ في النشاط الحزبي البعثي السوري. فعندما أطاح عبدالكريم قاسم، برفيقه عبدالسلام عارف، بعد انقلاب 14 يوليه 1958، وانفراده بالسلطة، بعد إقصاء العناصر البعثية عن الحكم، واعتقل عدد كبير من شباب البعث، من بينهم صَدّام حسين، وضعت قيادة البعث خطة، لاغتيال عبدالكريم قاسم عند مرور موكبه في شارع الرشيد، وأعد فؤاد الركابي، أمين سر الحزب، خطة الاغتيال، وحدد لها يوم 7 أكتوبر عام 1959، وكلف بها ثمانية من شباب البعث من بينهم صَدّام حسين، بعد إطلاق سراحه من المعتقل. إلاّ أن المحاولة باءت بالإخفاق، وأصيب صَدّام برصاصة في قدمه اليسرى، وتمكن من الفرار إلى بلدته "تكريت". وقد أعلن علي صالح السعدي، أن الملحق العسكري المصري في بغداد، "عبدالمجيد فريد"، هو الذي خطط لتلك العملية لتصفية عبدالكريم قاسم، وأن السفارة المصرية في بغداد، أنفقت على تلك العملية " سبعة آلاف جنيه مصري".

       وفي 8 فبراير عام 1963، وقع انقلاب بعثي في العراق بالتعاون مع الوحدويين، أطاح بعبدالكريم قاسم. وتولى قيادة الحكم عبدالسلام عارف، ولكنه لم تمض فترة، حتى أطاح عارف بالبعثيين، واعتقل الكثير منهم، بعد فشل محادثات الوحدة الثلاثية (المصرية ـ السورية ـ العراقية). وكان من بين المقبوض عليهم من البعثيين: أحمد حسن البكر، وصَدّام حسين. وتمكن الأخير من الهرب من السجن، حيث بدأ التخطيط لاغتيال عبدالسلام عارف. وبالفعل، تمكن حزب البعث من تدبير حادث انفجار الطائرة العمودية، التي كان يستقلها عارف للتنقل في جولاته. وفي محاولة لإبعاد الشبهات عن حزب البعث في تدبير ذلك الحادث، رُشح عبدالرحمن عارف، شقيق عبدالسلام عارف، لقيادة الحكم في العراق لفترة محدودة، حيث انقلب البعث في 17 يوليه 1968، علي عبدالرحمن عارف بقيادة أحمد حسن البكر، وذلك بالتعاون مع عبدالرزاق النايف، قائد الحرس الجمهوري. وتمت مكافأته على هذا التعاون، بتعيينه رئيسا للوزارة العراقية الجديدة، لمدة "ثلاثة عشر يوما فقط!"؛ إذ قام البعث بانقلاب جديد يوم 30 يوليه 1968، أطاح فيه بكل العناصر غير البعثية، التي تعاونت معه في انقلاب 17 يوليه. ثم بدأ نفوذ صَدّام يزداد، حتى أجبر أحمد حسن البكر على الاستقالة عام 1979، وانفرد صَدّام بالحكم منذ ذلك التاريخ.

ويعترف الفريق حردان التكريتي، بأحداث تلك الفترة فيقول:

       (كنا عصابة من اللصوص والقتلة، خلف ميليشيات صَدّام للإعدام ... إن انقلاب 17 يوليه كان وراءه واشنطن .. وانقلاب 30 يوليه كان وراءه بريطانيا، ممثلة في شركة نفط العراق البريطانية، وكان هذان الانقلابان بإشراف أحمد حسن البكر، الملقب "أبو هيثم"، وحردان التكريتي، وصَدّام حسين، وبإشراف مؤسس البعث الأول ميشيل عفلق ... وقد جرت اتصالات بيننا وبين صَدّام حسين، الذي كان في بيروت، ويحمل جواز سفر سوري مزور، باسم "إنطوان طعمه"، والذي أخبرنا بأنه أجرى حواراً، مع السفارتين الأمريكية والبريطانية في بيروت، بالاشتراك مع ميشيل عفلق، وأن الحكومتين الأمريكية والبريطانية تؤيدان فكرة الانقلاب، و تقديم التعاون اللازم لإنجاحه بشرطين:

الأول: أن نقدم لهما تعهدا خطياً، بالعمل وفق ما يرسمونه لنا.

الثاني: أن نبرهن على قوتنا في الداخل).

ويستطرد الفريق حردان التكريتي في اعترافاته، فيقول:

       (بعد نجاح الانقلاب تم التساهل مع شركات النفط الأمريكية، وتعيين سعدون حمادي وزيرا للنفط العراقي، "وهو المسؤول السابق عن شركة النفط البريطانية ـ العراقية").

       وجدير بالذكر، أنّ حردان التكريتي، أُعفى من منصبه في عهد أحمد حسن البكر، وعين سفيراً للعراق في الجزائر. وفي تلك الفترة وقعت حادثة شهيرة، جعلت حردان التكريتي ينشر اعترافاته المذكورة، وتلك الواقعة هي:

       (أرغمت السلطات العراقية زوجة التكريتي على مغادرة العراق، مع أبنائها الستة للحاق بزوجها في الجزائر. وقبل ركوبها الطائرة، أصروا على تطعيمها ضد الكوليرا، إلاّ أنها لفظت أنفاسها بالطائرة، وعندما طلب زوجها ـ في الجزائر ـ تشريح جثتها، تأكد أنها حقنت بمادة سامة، فقدم التكريتي استقالته من منصبه، وأقام في الكويت، وبدأ في نشر مذكراته السياسية، التي فضحت الممارسات البعثية في العراق، إلاّ أن السلطات العراقية قامت باغتياله في الكويت).

صَدّام حسين

       صَدّام حسين التكريتي، من مواليد تكريت عام 1937 م، واسمها القديم "تكريتات"، وكان سكانها من اليهود والنصارى، ينحدرون من أصول وعروق غير عربية، وهي آخر مدينة عراقية اعتنقت الدين الإسلامي. فعندما دخلها الإسلام، اعتلى كبيرهم "عبدالسطيح النسطوري" برج الكنيسة، وألقى بنفسه منه، مفضلاً الانتحار على الدخول في الإسلام.

       وفي عام 1945، غادر صَدّام بلدته "تكريت" إلى بغداد، وامتهن العديد من المهن البسيطة، إذ عمل في البداية في أحد مقاهي بغداد، وعمل أيضاً معاون سائق. ثم عمل صَدّام، بعد ذلك، عاملاً في السفارة البريطانية في بغداد، ثم كلّف بالعمل في جهاز المخابرات بالسفارة. وعاش صَدّام فترة معاناة مادية واجتماعية معاً، إذ طلق والده زوجته (صبيحة طلفاح المسلط)، والدة صَدّام، وتزوج الأب من امرأة أخرى، وتزوجت أم صَدّام من رجل ثان، إلاّ أنها طُلقت منه، وتزوجت ثالثاً. وبناءً على ذلك كفله خاله، خير الله طلفاح التكريتي، إذ رعاه ورباه وزوّجه ابنته، ساجدة خير الله طلفاح، وهي زوجة صَدّام الحالية. وكانت أول جريمة ارتكبها صَدّام، وهو في العشرينات من عمره، هي جريمة قتله لأحد أعمامه، بسبب منازعات عائلية، ولم يكمل دراسته في مرحلة التعليم المتوسط "الثانوية"، وكان يطلق عليه ـ حسب الاصطلاح العراقي ـ أنه من "الشقاوات"، إذ كان يحمل السلاح، ويسرح في أزقة منطقة التكارتة في الكرخ، ويعتدي على الناس، ويروعهم بمسدسه، حتى سمي بين معارفه بوصف "أبو مسدس". وفي عام 1957 انتقل صَدّام إلى الإقامة في سورية، حيث لقي العناية والرعاية الكاملة من حزب البعث السوري، وتعرف بفيلسوف الحزب ميشيل عفلق. وفي أواخر عام 1959 انتقل من سورية إلى مصر، حيث لقي ـ أيضاً ـ حفاوة كبيرة من عبدالناصر، واستطاع أن يلتحق بكلية الحقوق في جامعة القاهرة، استثناء من قواعد القبول بالجامعات المصرية، مستفيداً بهذا الاستثناء، الذي قرره عبدالناصر لبعض الطلبة العرب، خاصة من سورية والعراق ولبنان. إلاّ أنه لم يتم دراسة كلية الحقوق. وكان يتردد على لبنان ـ خلال إقامته في القاهرة ـ حيث كان يتلقى بعض الدورات التدريبية، في معهد "شملان" في بيروت، وهو معهد كان يطلق عليه "معهد إعداد الدبلوماسيين". وتبين، فيما بعد، أن المخابرات البريطانية، هي التي كانت تنفق على هذا المعهد. وفي عام 1960، وأثناء وجوده في القاهرة، حدثت مشاجرة بينه وبين أحد المصريين، فألقى به صَدّام من شرفة شقته، حيث سقط قتيلاً. وأُحيل صَدّام للمحاكمة الجنائية، إلاّ أن "جمال عبدالناصر" أمر بوقف إجراءات المحاكمة!. وفي تلك الفترة كان يتقاضى من الحكومة المصرية راتباً شهرياً مجزياً. ثم عاد إلى بغداد قبيل انقلاب فبراير 1963، وانقلاب يوليه 1968 حيث كان صَدّام حسين هو المدني الوحيد، الذي اشترك مع العسكريين في اقتحام القصر الجمهوري لعبدالرحمن عارف، على ظهر دبابة.

       وتدرج صَدّام في المناصب القيادية، حتى تسلم منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقية، في عهد أحمد حسن البكر.

       وفي السادس والعشرين من أكتوبر 1978، أُعلن ميثاق العمل القومي المشترك، بين العراق وسورية، بناءً على الاتفاق بين الزعيمين، السوري "حافظ الأسد" والعراقي "حسن البكر". وكان صَدّام حسين من المعارضين لهذا الاتفاق. ففي خلال تلك الفترة، كان هناك وفد عراقي في زيارة رسمية لسورية، للاتفاق على مراحل تنفيذ تلك الوحدة وخطواتها. ولما عاد الوفد العراقي إلى بغداد، أمر صَدّام حسين بقتل أعضاء الوفد جميعاً، بدعوى "التآمر على نظام الحكم البعثي في العراق"، وتبعاً لذلك وقع خلاف شديد بين الرئيس "أحمد حسن البكر"، ونائبه "صَدّام حسين"، حيث أجبره ـ الثاني ـ على الاستقالة من رئاسة الجمهورية، وأصبح صَدّام حاكماً فعلياً في العراق منذ عام 1979.

       وفي هذا المقام يجدر التنويه إلى تلك المحادثة المهمة، التي دارت بينه وبين الوفد الفلسطيني، الذي زار العراق إبان أزمة الخليج، إذ وجه أعضاء الوفد إلى صَدّام السؤال التالي:

       (قد يضربك التحالف بقنبلة نووية، وستدمر هذه القنبلة الجيش العراقي والشعب العراقي، والأخضر واليابس في العراق، فهل لديك القدرة على ذلك؟).

       فسألهم صَدّام عن تقديرهم للخسائر العراقية من هذه القنبلة، فأجابوا بأنها ستكون أكثر من خمسة ملايين مواطن عراقي، فأجابهم صَدّام بما يلي:

       (ليس من مانع لديّ في أن يقتل خمسة ملايين عراقي، في سبيل أن أحافظ على مفاتيح "بابل"، التي بين يدي، حتى ولو قُتل شعب العراق)!! ..

       وفي حديث آخر ـ إبان أزمة الخليج ـ صرح صَدّام حسين بالعبارة الشهيرة التالية:

       (إن من يجيء بعدي، سوف لن يجد في العراق إلاّ أرضاً بدون شعب)!! ..