إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية









المبحث الأول

ثالثاً: مرحلة استرداد إسرائيل لدورها الإستراتيجي (1973 – 1981)

بانتهاء حرب أكتوبر1973 وحتى توقيع معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية في مارس 1979، انتقل وضع إسرائيل في السياسة الأمريكية من حدّ أقصى غير معقول إلى حد أدنى غير متوقع، ليعاود الصعود خطوة خطوة، لكن دون أن يصل في نهاية المرحلة لمستواه الأصلي، وتتكون هذه المرحلة من فترتَين.

1. الفترة الأولى : إعادة النظر في وضع إسرائيل الإستراتيجي (1973-1976)

أ . كان وضع إسرائيل قبل حرب أكتوبر 1973، يفترض أنها لن تضطر في المستقبل المنظور لخوض حرب أخرى مثل حرب يونيه عام 1967 لسببَين هما: التفوق العسكري الإسرائيلي الذي يردع العرب عن السعي لشن معركة لاسترداد أرضهم، علاوة على التفوق الإسرائيلي المتفق مع الأوضاع الإقليمية التي تلت حرب عام 1967.

ب. وعندما نشبت حرب أكتوبر 1973، وعلى الرغم من اكتشاف إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية أن النيات العربية لشن الحرب أصبحت وشيكة، فقد كان للإدارة الأمريكية وإسرائيل موقف يعتمد على قوة إسرائيل تمثل في الآتي:

(1) عدم مبادرة إسرائيل بضربة إجهاض عند اكتشافها يوم 5 أكتوبر 1973، أن العمل العسكري أصبح وشيكاً، بل عمدت إلى استشارة واشنطن بشأن عدم تحمل مسؤولية البدء بالاشتباك.

(2) إدراك وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر أهمية توقف المعارك بعد أن تسترد إسرائيل المكاسب العربية الأولى، وقبل أن تنزل بخصومها هزيمة كاملة أيْ عدم السماح لإسرائيل بأكثر من انتصار محدود.

(3) مسارعة الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسبوع الأول بتقديم طائرات " إف – 4 " وعمل جسر جوي لإمداد إسرائيل بالسلاح.

ج. ويمكن الخروج من هذه الفترة بالآتي:

(1) إن إسرائيل وجدت نفسها لأول مرة منذ نشوئها في وضع هش إزاء الولايات المتحدة الأمريكية، فالحكومة الإسرائيلية لم تتصرف حين طلبت السلاح بمثل هذا الإلحاح، تصرف الشريك الإستراتيجى، بل تصرف الخائف على بقائه.

(2) لم تقرر الولايات المتحدة الأمريكية أن تساعد إسرائيل على هذا القدر من الاتساع لأن إسرائيل تقدم لها خدمات، بل إن واشنطن هي التي قدمت خدماتها لإسرائيل وكأن ثمة معاهدة ضمان تربطها بها.

(3) إن الجسر الجوي الأمريكي لم يكن تدخلاً أمريكياً مباشراً يشتمل على مشاركة جنود أمريكيين، بل ربما كان له تأثير حاسم في أداء الجيش الإسرائيلي، ولا سيما رفع معنوياته، ووصل حجم المجهود الجوي إلى نقل نحو 28 ألف طن من المعدات والأسلحة بطائرات النقل الأمريكية العملاقة وتشمل هذه المعدات دبابات الباتون وطائرات فانتوم أف– 4 وسكاي هوك وغيرها، وذلك منذ 14 أكتوبر1973،  كما وصل حجم الجسر البحري المتزامن مع الجسر الجوي إلى نقْل أكثر من 33 ألف طن من المعدات والأسلحة.

(4) اتسم التحرك الأمريكي خلال فترة إيقاف إطلاق النيران، بالممارسات المتوازنة والذي ظهر واضحاً في الوساطة الأمريكية في اتفاقات فك الاشتباك على الجبهتَين المصرية والسورية، واستغلال إسرائيل لهذه الوساطة في توقيع مذكرة التعاون عام 1975، والتي تلتزم فيها الولايات المتحدة الأمريكية ببقاء إسرائيل وأمنها.

د. المعايير الإستراتيجية الأمريكية الجديدة بعد حرب أكتوبر 1973:

(1) وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بعد حرب أكتوبر 1973، أمام ضرورة جديدة تقتضي تهيئة الظروف اللازمة للحيلولة دون نشوب حرب عربية ـ إسرائيلية كبرى، واستقطاب منطقة الشرق الأوسط، علاوة على وجود صلة بين النزاع الشرق أوسطي وبين النفط بما يعني أن واشنطن أمست لا تعتمد أو تتظاهر بالاعتماد على قوة إسرائيل، بل لا بدّ لها أن تحيد العوامل التي تضر بمصالحها وذلك باعتماد سياسة جديدة تأخذ في حسبانها المطالب العربية.

(2) إن الإبقاء على تفوق إسرائيل ونوعية العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية يفيدان واشنطن في البرهنة للعرب على أن خيارهم العسكري سيكون بالغ التكلفة، وبأن الاعتدال وتواضع المطالب سيكونان أجدى لهم، ولذا فإن السياسة الأمريكية الجديدة سترسم بين أخذ المطالب العربية في الحسبان، مع ضرورة المحافظة على قوة إسرائيل.

هـ. ومن ثم فإن جوهر السياسة الأمريكية نحو العرب أن تكون في أفضل الأحوال التزاماً إزاء العرب، فعادة إنه بقدر ما يفهمون أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتخلى عن إسرائيل فإن واشنطن تمارس نفوذها لاسترداد الحقوق العربية، وفي هذا الإطار تميزت السياسة الأمريكية بالآتي:

(1) إبقاء العرب أطول مدة ممكنة في وضع السائل إزاء البلد الذي يملك التسوية، أيْ الولايات المتحدة الأمريكية.

(2) إجبار العرب أن يدفعوا لواشنطن أغلى ثمن ممكن في مقابل استرداد بعض قطع من الأراضي "إنهاء الحظر النفطي ـ إشاعة جو من الريبة بين موسكو والدول العربية – وفتح الأسواق أمام البضائع الأمريكية".

(3) تحييد قدرة العرب على التعبير عن وضعهم مع إرجاء المسائل الشائكة إلى مرحلة لاحقة بما يؤدي إلى إثارة الانقسامات والتناقضات بين العرب أنفسهم.

2. الفترة الثانية: الاسترداد الصعب للدور الإستراتيجي (1976 – 1981)

أ . بوصول الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر Jimmy Carter" إلى الرئاسة عام 1977، تحددت سياسة الإدارة الجديدة في الشرق الأوسط في إطار المبادئ التالية:

(1) تحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى مسالمة تُشجع على المشاركة السياسية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي ولا سيما حقوق الإنسان.

(2) الاستجابة للحاجات الأساسية لكلّ طرف من الأطراف، فيما يتعلق بمشاكل الشرق الأوسط "الأمن والسلام لإسرائيل، صيغة من صيغ تقرير المصير للشعب الفلسطيني واسترداد الدول العربية لأراضيها".

ب.  وفي ضوء تلك الرؤية فإن السياسة الأمريكية الجديدة تضمن لإسرائيل:

(1) الضمان الدائم لأمن إسرائيل من خلال معاهدات سلام لا تنص على إنهاء حالة الحرب فحسب، بل على إيجاد علاقات دبلوماسية واقتصادية مع جيرانها.

(2) لو أمكن التوصل لحل المشكلة الفلسطينية، لتوقف العرب عن التوجه نحو موسكو وعن التحفظ إزاء تنمية علاقات وثيقة بواشنطن، وهو ما يمثل رصيداً إستراتيجياً لإسرائيل.

(3) فرض نظام معتدل ومستقر في الشرق الأوسط عن طريق تسوية شاملة للنزاع العربي ـ الإسرائيلي والنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي يضمن نشوء تحالف دفاعي أمريكي – إسرائيلي، وهذا ما أكده "وليام كوانت" عام 1977 والذي كان عضواً في مجلس الأمن القومي الأمريكي بقوله: "إن كارتر مستعد للنظر في حلف دفاعي أمريكي ـ إسرائيلي يكون جزءاً لا يتجزأ من تسوية شاملة"، ولكن فشلت هذه الرؤية بسبب طلب إسرائيل أن يكون التحالف على نمط حلف شمال الأطلسي، مع تراجع الإدارة الأمريكية عن البيان السوفيتي ـ الأمريكي المشترك الذي وقع قبل ثلاثة أيام من اجتماع كارتر وديان في الرابع من أكتوبر 1977، حيث شمل هذا البيان على تسوية شاملة للصراع العربي ـ الإسرائيلي ونص على احترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإنشاء علاقات سليمة وطبيعية وتوفير ضمانات دولية مع إمكانية مشاركة أمريكية ـ سوفيتية في ذلك، ودعوة مؤتمر جنيف للانعقاد قبل نهاية ديسمبر 1977، وقد رفضت الحكومة الإسرائيلية بشكل قاطع هذا البيان وبادرت إلى تعبئة اللوبي اليهودي الأمريكي لرفض البيان، علاوة على استنكار المحافظين الأمريكيين لإدخال الاتحاد السوفيتي في عملية السلام.

ج. وفور إعلان الرئيس السادات نيته زيارة القدس في نوفمبر 1977، لم تتأخر الولايات المتحدة الأمريكية في الاستفادة من هذا المتغير لممارسة دورها بشكل منفرد، وذلك بالتحرك من أجل تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، وقد وضحت النتائج بعد عدة شهور بدعوة الولايات المتحدة الأمريكية لعقد قمة كامب ديفيد في سبتمبر 1978 بحضور الرئيس السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجن، وبالطبع كانت هناك ضمانات إستراتيجية لعملية كامب ديفيد إزاء منزلة إسرائيل في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الشرق أوسطية والتي يمكن تلخيصها في الآتي:

(1) إن معنى عملية كامب ديفيد، هو أن في وسع إسرائيل أن تعود للمكانة التي كانت عليها من قبل عام 1973، حين لم يكن عليها أن تواجه الخيار العسكري العربي، وعلى هذا فإن إلغاء الخيار العسكري من خلال إخراج مصر من دائرة الصراع بتوقيعها معاهدة سلام مع إسرائيل، يوفر لإسرائيل القدرة على التحرك في إطار تحقيق التفوق في معادلة التوازن الإستراتيجية بالمنطقة ومن ثم القدرة على التدخل الإقليمي، وبما يجعلها أداة هامة لتنفيذ أهداف السياسة الأمريكية بالمنطقة.

(2) إنه في سبيل تحقيق هذه المكانة فقد وُقِّعَت مذكرة الاتفاق الإسرائيلي ـ الأمريكي في 26 مارس 1979، وهو اليوم نفسه الذي وُقِّعَت فيه معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية تحديداً، والتي تنص المادة الثالثة فيها، على أنه إذا وقع انتهاك لمعاهدة السلام وصُنِّف مهدداً لأمن إسرائيل، فإن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة للنظر في اتخاذ تدابير عاجلة مثل تعزيز حضورها في المنطقة وتزويد إسرائيل بإمدادات عاجلة لوضع حدّ لهذا الانتهاك (انظر ملحق بيان الاتفاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية 1970-1999).

رابعاً: مرحلة التحالف الإستراتيجي (1981- 2001)

سجل وصول إدارة الرئيس "رونالد ريجان" للسلطة في يناير 1981، مرحلة جديدة في وضع إسرائيل الإستراتيجي مع ملاحظة أن عمليات سوء تفاهم قد تخللته، كما تصادف وصول جورج بوش للرئاسة في يناير 1989 في عصر دولي جديد نتيجة انقلاب الأوضاع في أوروبا الشرقية ونشوب الانتفاضة الفلسطينية وحرب الخليج الثانية، وهذه المرحلة تتكون من خمس فترات:

1. الفترة الأولى: إعادة تأكيد التحالف الإستراتيجي مع تولي الرئيس ريجان للسلطة (منذ عام 1981)

يمثل وصول إدارة ريجان إلى السلطة مرحلة جديدة في تأكيد وضع إسرائيل الإستراتيجى، إذ إن فريق هذه الإدارة يصر على أن إسرائيل هي رصيد الولايات المتحدة الأمريكية الأساسي في المنطقة. وبطبيعة الحال فإن هذه الرؤية تؤدي إلى ضعف اهتمام إدارة ريجان بتسوية النزاع العربي – الإسرائيلي، ولذا رأت هذه الإدارة الدعوة إلى اجتماع إستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والأنظمة العربية الموالية للولايات المتحدة الأمريكية بهدف مواجهة "الخطر الأعظم" وهو التعديات السوفيتية. وبالطبع فإن هذا الاجتماع كان يقلل من أهمية دور مصر على الرغم من التدريبات المشتركة المصرية ـ الأمريكية، ولكن الخطة الأمريكية التي كانت تستهدف إنشاء نظام أمني إقليمي يضم الدول العربية وإسرائيل اصطدمت برفض العرب للتعاون مع إسرائيل بحجة أن إسرائيل أخطر عليهم من الاتحاد السوفيتي، علاوة على رفض إسرائيل أن يكون معنى النظام الأمني تقديم الأسلحة إلى الدول العربية.

وقد تجلى هذا الرفض في صيف وخريف عام 1981، عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية بيع طائرات أواكس وطائرات "أف – 15" للمملكة العربية السعودية، إذ عَدَّتْ إسرائيل ذلك تهديداً لأمنها وفي المقابل حصلت إسرائيل على تعويضات مباشرة (طائرات أف – 15) إضافية، والارتفاع بوضعها الإستراتيجي بتوقيع مذكرة تفاهم إستراتيجي بين البلدَين في30 نوفمبر 1981 (انظر ملحق المحددات الرئيسية لمذكرة التفاهم الإستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، 30 نوفمبر 1981). علاوة على تأكيد الرئيس الأمريكي رونالد ريجان لرئيس الوزراء الإسرائيلي بيجن في سبتمبر1981، أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حليفتان وأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بنشوء أيّ خطر يهدد إسرائيل.

2. الفترة الثانية: التعاون الإستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية (1982 – 1989)

وبدأت السياسة الأمريكية خلال هذه المرحلة تأخذ أبعاداً جديدة تجاه دول المنطقة مع إعطاء أسبقية مطلقة وأساسية لقضية المواجهة مع الاتحاد السوفيتي، ومحاولة إقناع دول المنطقة بأن الخطر الأساسي الذي يتهددها هو خطر النفوذ السوفيتي، ومن ثم تحركت الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق هدفَين رئيسيَّين:

أ. الأول : محاولة إقناع دول المنطقة بأهمية الحماية الأمريكية لها، وما يستتبع ذلك من التسليم بضرورة الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وضرورة مساهمة دول المنطقة في الترتيبات التي تُعِدِّ الولايات المتحدة الأمريكية لها.

ب. الثاني : إيجاد شكل من أشكال التحالف غير المعلن بين محور كامب ديفيد والدول الأخرى المرتبطة بالسياسة الأمريكية في المنطقة.

ولكن كان هناك بالطبع عدد من المتغيرات التي أثرت في إمكان تحقيق الولايات المتحدة الأمريكية لهذَين الهدفَين ويأتي في مقدمتها الغزو الإسرائيلي للبنان في يونيه 1982والوصول إلى بيروت ومحاصرتها ثم اقتحامها ومن ثم كان تدخل الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إيقاف إطلاق النار لإنقاذ الكوادر الفلسطينية من الإبادة، وما تلا ذلك من اتفاق على إخراج قوى المقاومة الفلسطينية من لبنان، ثم ارتكاب إسرائيل مذبحة صبرا وشاتيلا ضد الفلسطينيين.

ومن ثم كانت الضغوط الأمريكية على إسرائيل من أجل الانسحاب من بيروت، حيث خضعت إسرائيل لهذه الضغوط، ومع ذلك ظلت العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية وثيقة، نتيجة لاتفاق أهداف طرفَيها في الحصول على مكاسب كنتيجة مباشرة لغزوا إسرائيل للبنان، وكذلك بسبب عدم إمكانية انتقاد المسؤولين الأمريكيين لإسرائيل.

وفي ضؤ عجز واشنطن عن فرض حل سلمي فيما سمي بالمستنقع اللبناني، فقد حدث تقارب ملموس بين البلدَين بما أدى إلى تعزيز المكانة الإستراتيجية لإسرائيل، حيث لم تجد الولايات المتحدة الأمريكية أمامها خياراً لحماية مشاة البحرية من بعض الضربات الانتحارية التي وجهت إليها في بيروت، سوى من خلال الجيش الإسرائيلي، ومن ثم جعل التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل أولوية من أولويات الإدارة الأمريكية، وهو ما دفعها إلى توقيع التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل في 29 نوفمبر1983. وقد ساعد على توقيع هذا الاتفاق حالة الانقسام التي سادت العالم العربي والتي ضمنت عدم حدوث ردود فعل عربية مؤثرة.

والواقع أن هذا الاتفاق يعني تحولاً في العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية، ويؤكد تحالف الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل، كما يعني انتقال التعاون بينهما لتحقيق مخطط مشترك من أجل ترتيب الأوضاع في المنطقة لخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية وهذا يعني أن تصبح إسرائيل الشريك الكامل للسياسة الأمريكية في قضايا المنطقة وإن كلّ عمل تضطلع به إسرائيل توافق عليه الولايات المتحدة الأمريكية كحليف وعلى استعداد لمساندتها. كذلك يعني الاتفاق زيادة القدرات العسكرية الإسرائيلية وخاصة تلك الهجومية على حساب التوازن العسكري مع الدول العربية ويقوي من دورها كرجل البوليس الأمريكي في المنطقة.

والجدير بالذكر أن الهدف الإسرائيلي الحقيقي من وراء هذا الاتفاق هو تحقيق أكبر قدر من الدعم الأمريكي في كافة المجالات (السياسية – العسكرية – الاقتصادية) بما يحقق لإسرائيل زيادة في قدراتها لإحراز التفوق الإستراتيجي على الدول العربية ومن ثم فرض تسوية إسرائيلية للصراع العربي – الإسرائيلي تحقق أمن وسلامة إسرائيل.

والواقع أن التطور المطرد في العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية، وصولاً لصيغة التحالف لم يمر دون مشاكل، خاصة من جانب المعارضة الداخلية الأمريكية للمساعدات الضخمة التي تقدم لإسرائيل، وقد جاء ذلك على لسان أبرز ممثلي الحزب الجمهوري الأسبق "بوب دول Bob Doll". كذلك كان هناك التغير السلبي في صورة إسرائيل كمجتمع للحرية والديموقراطية بعد غزو لبنان وأحداث الانتفاضة الفلسطينية، إلا أن هذا التغير قد أضر بمصالح إسرائيل وصورتها أمام العالم والإدارة الأمريكية، كما أضر بمصالح اليهود الأمريكيين وقدرتهم على ممارسة ضغوط على الإدارة الأمريكية.

3. الفترة الثالثة: العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية (1989-1993)

أ . حدثت خلال هذه الفترة العديد من المتغيرات وهي انتهاء الحرب الباردة بين القوتَين العظميَين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، ثم حدوث حربَين في منطقة الخليج الأولى بين العراق وإيران والتي استمرت ثمانية أعوام حتى عام 1988 واستمرار آثارها حتى عام 1990، ثم حرب الخليج الثانية بغزو العراق للكويت عام1990، ثم انعقاد مؤتمر السلام في مدريد عام 1991، مع تبني منظمة التحرير الفلسطينية – مدفوعة بالثقة التي استمدتها من الانتفاضة في الأراضي المحتلة – مبادرة سلام تدعو إلى تعايش سلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ثم تفكك الاتحاد السوفيتي أواخر عام1991، ومن ثم انفردت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة ووجدت الإدارة الأمريكية الجديدة - برئاسة الرئيس جورج بوش عام 1989- نفسها أمام اتجاهَين في آن واحد وإن لم يتسق أحدهما مع الآخر، ويتمثلان في الآتي:

(1) الاتجاه الأول: الاستعداد لمواصلة التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل على الرغم من أن انتهاء الحرب الباردة، يقوض أحد أسس هذا التعاون، ومن ثم أصبحت واشنطن قليلة الحماس إزاء إعطاء إسرائيل دوراً إستراتيجياً في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه إعطاء مضمون لأول حوار رسمي أمريكي مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا هو الاتجاه الذي أخذت به الإدارة الأمريكية.

(2) الاتجاه الثاني: ويعني التقدم على طريق إجراء تسوية فلسطينية ـ إسرائيلية، وإسرائيلية ـ عربية، وهو ما سيؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة إلى إعادة النظر في الدور الإستراتيجي الإسرائيلي، ولكن واشنطن لم تأخذ بهذا الاتجاه، نتيجة لصعوبته، من وجهة نظر علاقاتها الإستراتيجية والسياسية بإسرائيل، وإن كان يتفق مع المتغيرات والتوقعات العربية والفلسطينية.

ومن ثم اتبعت سياسة الدعم التقليدي لإسرائيل وبما يحقق المصالح الأمريكية وبما يتفق مع المستجدات الدولية والإقليمية والتي تمثلت في الآتي:

(1) مطالبة رئيس الحكومة الإسرائيلية "إسحاق شامير" بالتقدم بدوره خطوة باتجاه الفلسطينيين ويقدم خطة سلام مع الحرص على إعطائه جميع الضمانات الضرورية لمواصلة التعاون الإستراتيجي الذي بدأته الإدارة السابقة "المشاورات – البحث والتطوير – تخزين المعدات الأمريكية في إسرائيل- التدريبات المشتركة".

(2) قبول خطة شامير في مايو 1989 بشأن الحكم الذاتي في الأراضي الفلسطينية المحتلة كأساس للنقاش مع المصريين.

(3) تقليص الحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية وتحجيمه.

(4)  الإقفال المفاجئ لأبواب الهجرة المفتوحة في الولايات المتحدة الأمريكية، أمام اليهود السوفيت بهدف توجيه تلك الهجرة نحو إسرائيل.

ب. وفي ضوء المتغيرات العديدة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال تلك الفترة، وهي تحولات ذات أهمية إستراتيجية وتُعَدّ نتاجاً طبيعياً للتغيرات الجذرية التي طرأت على المنظومة العالمية، وقد شملت هذه المتغيرات:

(1) السماح لليهود السوفيت بالهجرة إلى إسرائيل وبما يؤدي إلى بناء إسرائيل الكبرى.

(2) تفاقم النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وتجميد كافة المبادرات لحل المشكلة الفلسطينية بسبب التعنت الإسرائيلي والتهرب من أيّ مبادرات تؤدي إلى تحقيق السلام ومنها مشروع النقاط الذي اقترحته مصر في يونيه 1989، وخطة "جيمس بيكر James Baker" وزير الخارجية الأمريكي لتحقيق السلام في نوفمبر 1989 والتي ترتكز على خمسة بنود بهدف التوفيق بين وجهتَي النظر المصرية والإسرائيلية من أجل بدء حوار فلسطيني – إسرائيلي.

(3) اندلاع حرب الخليج الثانية عام 90/1991، وتولِّي الولايات المتحدة الأمريكية قيادة التحالف الدولي من أجل إجبار العراق على الخروج من الكويت، وقد أدت هذه الحرب إلى نتائج أثرت تأثيراً مباشراً في توازن سباق التسلح المطَّرِد قبل اندلاعها، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية استجابت لمطالب إسرائيل، وأرسلت نظام الصواريخ المضاد للصواريخ " باتريوت" للدفاع عن إسرائيل ضد الصواريخ العراقية، كما استجابت أيضاً لرغبتها في الاشتراك في برنامج مبادرة الدفاع الإستراتيجي S D I، حتى تؤكد للعالم بصفة عامة، وللدول الإقليمية بصفة خاصة أنها قفزت لمصاف الدول العظمى في مجالات التعاون.

كما كشفت حرب الخليج الثانية لمخططي الإستراتيجية الأمريكية، ضرورة إنشاء مخازن طوارئ، ومناطق للوجود المسبق لاستخدامها كقواعد انطلاق داخل منطقة الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي رفضت فيه كل من مصر والمملكة العربية السعودية فكرة الولايات المتحدة الأمريكية في إنشاء هذه المخازن وتلك المناطق، قبلت كلّ من إسرائيل وتركيا هذَين العرضَين.

(4) انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي، أَدَّيا إلى نشوء حاجة أمريكية إلى البحث عن إطار إستراتيجي جديد للشرق الأوسط، بحيث ينطوي هذا الإطار الجديد على استبعاد تلك الجوانب التي تجاوزتها التحولات العالمية.

كما أدى انتهاء الحرب الباردة إلى انهيار الإطار الإستراتيجي القديم الذي ظل يحكم العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية منذ الخمسينيات والذي كان يستند إلى أن إسرائيل تمثل أفضل وسيلة لحماية المصالح الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط في إطار المواجهة العالمية الكبرى ضد الاتحاد السوفيتي القديم، بما انطوى عليه ذلك من تصور وجود إمكانية لتوظيف إسرائيل كنقطة وثوب إستراتيجية على الاتحاد السوفيتي في حالة نشوب أي حرب معه، وكذلك توظيفها في خلق سياج في المنطقة لمنع نفاذ الاتحاد السوفيتي خارج حدوده، واستطاع الجانبان من خلال هذا التصور أن يبلورا تقويماً مشتركاً للأخطار والتهديدات، وبالتالي كان من الطبيعي أن ينهار هذا الإطار مع انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، ثم تأكد استنفاد ذلك الإطار مع اندلاع حرب الخليج الثانية، بما لا يدع مجالاً عن تأكُّل القيمة الإستراتيجية لإسرائيل لدى الولايات المتحدة الأمريكية خلال تلك الفترة ولكن مع ذلك، فبالرغم من المتغيرات السابقة إلا أن التعاون الإستراتيجي بين الدولتَين استمر في العديد من المجالات مثل :إشراك إسرائيل في نظام الدفاع الكوني المضاد للصواريخ الباليستية، ومواصلة إمداد إسرائيل بالأسلحة المتطورة والحديثة، علاوة على تجديد العمل باتفاقيات التعاون الإستراتيجي التي سبق توقيعها بين البلدَين وتخزين الأسلحة الأمريكية في إسرائيل.

(5) مؤتمر مدريد للسلام في 30 أكتوبر 1991، جاء نتيجة مباشرة لحرب الخليج الثانية، وقد تحددت إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية قبل وخلال المؤتمر وبعده في ثلاثة محاور رئيسية هي:

( أ ) تأمين المصالح الغربية والأمريكية في المنطقة العربية خاصة منطقة الخليج لضمان تدفق البترول.

(ب ) إعادة صياغة هياكل ومضمون الاستقرار في المنطقة على ضوء المعطيات الجديدة في الوضع العالمي.

(ج) تأمين وجود إسرائيل والتوصل إلى تسوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي بعد انتهاء دور الاتحاد السوفيتي، مع إعادة هيكلة القوات الإسرائيلية بما يساعدها على الاستعداد للتصدي لأيّ هجمات برية واسعة النطاق قد تتعرض لها مستقبلاً وتعزيز القوات الجوية الإسرائيلية بصفتها الوسيلة الأكثر سرعة وحسماً للتصدي لأيّ عدائيات من قبل الدول المجاورة.

( د ) الحدّ من التسلح للعديد من دول المنطقة حفاظاً على تفوق إسرائيل المطلق واستمرار انفراد إسرائيل بالتسلح النووي.

4. الفترة الرابعة: العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية في ظل النظام العالمي الجديد (1993 – 2001)

أ. مع انفراد الولايات المتحدة الأمريكية كقطب وحيد في العالم، ووقوفها على قمة النظام العالمي، بدأت تتبنى سياسة خارجية لتحقيق مصالحها القومية والتي تؤدي إلى: تحقيق الأمن الوطني الاقتصادي بتوفير أقصى قدر من حرية التجارة مع العالم وإحراز التفوق العسكري المطلق والحفاظ على أمن إسرائيل كجزء لا يتجزأ من الأمن الأمريكي، ووفقاً للمفهوم السابق يبرز أمن إسرائيل والبترول كمصالح رئيسية للولايات المتحدة الأمريكية بالشرق الأوسط، وقد حددت بذلك الولايات المتحدة الأمريكية أهدافها الإستراتيجية تجاه إسرائيل، من خلال ضمان أمن وتفوق إسرائيل عسكرياً وتكنولوجياً وحضارياً لتصبح قوة مستقلة فاعلة قادرة على الاضطلاع بدورها الحيوي في الإستراتيجية الأمريكية بالمنطقة. ومن ثم ركزت الولايات المتحدة الأمريكية خلال هذه المرحلة، على تقوية القدرات العسكرية الإسرائيلية (التقليدية – غير التقليدية)، لكونها قدرات محسوبة ومضافة للقدرات الأمريكية المخصصة لمنطقة الشرق الأوسط، خاصة في مجالَي الردع وبناء النظام الدفاعي المضاد للصواريخ بالمنطقة، وهذا ما تؤكده المشاركة الأمريكية المادية والتكنولوجية في النظام الصاروخي الإسرائيلي المضاد للصواريخ (أرو) ودعوة وزير الدفاع الأمريكي خلال زيارته للمنطقة عام 1999، دول الخليج للاشتراك في هذا النظام، وتزويدها بأنظمة للإنذار المبكر، يمكن أن تربطها بالنظم الأمريكية وإسرائيل، فيما أطلق عليه مبادرة الدفاع التعاوني بالمنطقة كما تمثل إسرائيل ركيزة محورية لشبكة من محاور التعاون العسكري بالمنطقة والتي تمتد من تركيا شمالاً لتأمين مصالحها بشرق البحر المتوسط، وتطويق منطقة النفط من الشمال، وإنشاء علاقات قوية مع دول القرن الأفريقي جنوباً لحماية المصالح بالبحر الأحمر، مع تطويق المنطقة من الجنوب لمنع امتداد الإرهاب، وبالطبع يمكن ذلك في إطار التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار تحقيق مصالحها بالمنطقة.

ب. وفي إطار عملية السلام التي شهدتها المنطقة حتى عام 2000، يمكن القول أن هناك ثوابت في العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية في إطار التوصل لاتفاقات إطار للتسوية السياسية، فقد انحسر الدور الأمريكي في إطار تقديم المقترحات والتسهيلات لتحقيق التقارب والتفاهم وإن مالت نحو التصور الإسرائيلي الذي عرض في مباحثات كامب ديفيد الثانية عام 2000 بواسطة رئيس الوزراء الإسرائيلي حينئذ "أيهود باراك"، وفي الوقت نفسه التأكيد على أهمية تفوق الجانب الإسرائيلي الذي يملك الأوراق الأكثر تأثيراً في عملية التفاوض مع الفلسطينيين والسوريين، إضافة إلى تعزيز وتلبية المطالب الأمنية الإسرائيلية وهو ما يتضح من الآتي:

(1) اتخاذ قرار باستثناء إسرائيل من عمليات التصوير فائق الدقة للأقمار الصناعية الأمريكية ومنع الشركات الأمريكية من تسويق أيّ صور فضائية لإسرائيل. وذلك في إطار تعزيز الإجراءات الأمنية لإسرائيل، وفي الوقت نفسه عدم الكشف عن الأسلحة النووية الإسرائيلية وأسلحة الردع بما فيها الصواريخ الباليستية الموجهة ضد أهداف عربية والأسلحة المضادة للصواريخ.

(2) تأكيد الطرفَين الاتفاقات الأمنية والدفاعية التي وقعت في نوفمبر 1998 (انظر ملحق مشتملات اتفاقية التعاون الإستراتيجي، سنة 1998)، والتي اشتملت على زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل على مدار عشر سنوات لتصبح مليارَين و400 مليون دولار بدلاً من مليار و800 مليون دولار، والتدخل الأمريكي المباشر في أيّ عمليات بالمنطقة تستهدف إسرائيل مع توفير شبكة للدفاع المضاد للصواريخ لإسرائيل ودعمها بنظم تسليح حديثة للردع، إضافة إلى تعزيز مجالات تبادل المعلومات بين أجهزة الاستخبارات في البلدَين.

(3) الاتفاق خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك لواشنطن في يوليه 1999 ونتائج زيارة باراك للولايات المتحدة الأمريكية (انظر ملحق  مذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، يوليه 1999)، على تشكيل جهاز إستراتيجي مشترك للتخطيط العسكري لدعم قوة الردع الإسرائيلية والتعاون الثقافي لمواجهة التهديدات المحتملة ضد إسرائيل، مع التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون في مكافحة الإرهاب وتقديم الولايات المتحدة الأمريكية وعداً بمساعدة إسرائيل في الحصول على مصادر مياه على المستوى الإقليمي.

(4) دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك والوقوف بجانبه لخفض الضغوط الداخلية عليه، مع توفير المناخ والمساحة الزمنية للمناورة السياسية بين المسارات والموضوعات من خلال:

(أ) إصدار الكونجرس الأمريكي مجموعة من القرارات للضغط على الدول العربية لقبول الشروط الإسرائيلية لتحقيق السلام، على غرار القرار الخاص الذي يربط بين تقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية، ومدى التزام الفلسطينيين بمتطلبات الأمن تجاه إسرائيل.

(ب) منع صدور أيّ قرارات إدانة من المنظمات الدولية ضد الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة حيث اعترضت واشنطن على مشروع المحكمة الدولية الجنائية في يوليه 1998، عندما عَدَّ الاستيطان من جرائم الحرب، وكذا منع انعقاد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف عام 1999 لبحث الأوضاع في الأراضي المحتلة وفقاً لاتفاقات جنيف.

(5) وعلى جانب آخر تبرز قضية التسوية والدعم الأمريكي لإسرائيل في الإعداد للانتخابات الأمريكية التي جرت في نوفمبر 2000، من خلال ضغط الكونجرس على الإدارة الأمريكية لتنفيذ قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس، وكذا تعهد مرشح الحزب الديموقراطي بالحفاظ على أمن إسرائيل وتعزيز تفوقها العسكري على الدول العربية.

(6)  في إطار أعمال المؤتمر السنوي للشؤون العامة الإسرائيلية ـ الأمريكية "إيباك" عام 2000، أُكِّد دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي "أيهود باراك" والإشارة في البيان النهائي للمؤتمر - في سابقة أولى منذ عام 1948- إلى عدم معارضة إنشاء دولة فلسطينية.

5. الفترة الخامسة: العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية بعد أحداث سبتمبر 2001

أ . أكدت الولايات المتحدة الأمريكية التزامها بأمن إسرائيل ورفضها للعنف الموجه إليها وطالبت السلطة الفلسطينية بتهدئة الأوضاع بهدف استئناف التفاوض حول تطبيق توصيات ميتشيل وخطة تينت.

ب. تصريحات وزير الخارجية الأمريكي كولين باول في 19 أكتوبر 2001، والتي لخص فيها رؤية بلاده لاستئناف مسيرة التسوية والتي ذكر خلالها أنه "لايمكن أن يكون هناك سلام دون الاعتراف الصريح والقاطع بحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية داخل حدود آمنة، فبدون ذلك يصبح السلام مستحيلاً وفي الوقت نفسه فإن استمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية وتوسيع المستوطنات لا يوفر لإسرائيل السلام والأمن، كما أن إشعار الفلسطينيين بالعجز والافتقار إلى السلطة، يُعَدّ دعوة للمواجهة وليس للاستقرار من ثم فإن حصول الفلسطينيين على دولة يُعَدّ أمر ضرورياً ومشروعاً، بحيث لا تكون ملاذاً للإرهاب ولا لأولئك الذين يعتزمون تهديد إسرائيل.

ج. إرضاءً لإسرائيل صنفت الولايات المتحدة الأمريكية المنظمات الفلسطينية المناضلة من أجل تحرير الأرض منظمات الإرهابية، بل أعطت إسرائيل الضوء الأخضر للقضاء على هذه المنظمات من خلال إعادة احتلال الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية، وكذلك عَدَّت إسرائيل كشريك أساسي لها في الحرب ضد الإرهاب. هذا في الوقت الذي نجحت فيه إسرائيل من خلال استخدام سطوة الإعلام الصهيوني في استثمار التفجيرات الاستشهادية لإحداث تداخل بين مفهوم الكفاح الوطني والإرهاب الدولي، خاصة في ضوء تهيؤ المجتمع الأمريكي لتقبل الادعاءات الإسرائيلية.

د . كما شهدت هذه الفترة ضغوطاً أمريكية على الدول العربية لكي لا تتجاوز مواقفها من إسرائيل خطوطاً حمراء معينة، ولا تأخذ هذه الضغوط بالضرورة شكل الأوامر المباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية لحكومات الدول العربية، ومن المؤكد أن الدول العربية تضع في حسبانها رد الفعل الأمريكي لو أنها اتخذت موقفاً مغالياً في العداء لإسرائيل،  ولا يعني ذلك أن النظم العربية جميعها عاجزة عن الاختلاف مع الموقف الأمريكي بدرجة أو بأخرى، فبعضها يناصب السياسة الأمريكية العداء وبعضها الآخر يمارس إزاءها نوعاً من الاستقلالية.

هـ. ويمكن القول أنه منذ وصول الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش إلى السلطة، حدث تراجع ملحوظ في عملية السلام، حيث تحول هذا الدور من الشريك الكامل إلى المراقب ثم جمود شبه كامل عقب أحداث 11 سبتمبر   2001 فضلاً عن إلصاق تهم الإرهاب بالمنظمات الفلسطينية التي تناضل من أجل الحصول على الاستقلال، مع عدم بروز إجراءات أمريكية ملموسة للتطبيق خريطة الطريق التي أعلنها الرئيس بوش في نوفمبر2002 بشأن إنشاء دولة فلسطينية بنهاية عام 2005، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1397 الصادر في 13 مارس 2002 حيث تفتقد هذه الخطة آليات فعلية للتنفيذ.