إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية









الفصل الأول

المبحث الرابع

مجالات الاتفاق والاختلاف في السياسة الإسرائيلية ـ الأمريكية

على الرغم من أن المتغيرات الحادة فرضت نفسها على المنطقة والعالم خلال الثلاثة عقود الماضية، إلا أن العلاقات السياسية ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ارتبطت بمقومات رئيسية تبناها النظام السياسي الأمريكي ذاته. وعلى ذلك استمرت العلاقات السياسية الفريدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وربما حدثت أزمات في بعض الأحيان ولكن يتم حلها فوراً بأسلوب هادئ، أو كما وصفها هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في وصفه للخلاف الذي حدث بين الدولتَين عام 1975، نتيجة للتشدد الإسرائيلي أثناء مباحثات فض الاشتباك الثاني في سيناء، "أنه كان مثل خلاف عائلي".

والقول إن صداقة الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل هي تعهد قومي، وأن التعامل بينهما يتم على أساس عائلي هو توصيف جديد في العلاقات الدولية يندر حدوثه أو تكراره، وخصوصاً أن الولايات المتحدة الأمريكية في علاقاتها الخارجية لا تهتم إلا بمصالحها الإستراتيجية، ومدى ما يمكن تحقيقه لمساندة تلك المصالح خلال التعاون مع أيّ دولة من دول العالم.

وفي عالم السياسية ليس هناك شيء يتسم بالثبات، فالتغير سمة من سمات الحياة السياسية، وانعكس ذلك على العوامل التي أدت إلى تحديد الرؤية الأمريكية لإسرائيل فبحجم هذا التغير ونوعيته، حدث باستمرار التوجه في الرؤية الأمريكية لإسرائيل.

والتغير في العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية، لا بد أن يتدخل فيه عامل خارجي، وهو علاقة الدول العربية بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن المصالح العربية – الأمريكية تفوق المصالح الإسرائيلية – الأمريكية، وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه لن يتم تفعيل الدور الأمريكي لتحقيق المصالح العربية ما لم تبادر الدول العربية نفسها إلى الضغط في هذا الاتجاه، وقد أثبتت الأحداث التاريخية خلال العقود الثلاثة الماضية تلك النظرية.

والواقع أن تحليل مضمون ومقومات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط يكشف عن نتيجة مهمة، فحواها أنه إذا كان هناك تغير ما لحق بمحددات العلاقات السياسية الأمريكية لإسرائيل أو الشرق الأوسط (مثل أزمة غزو العراق للكويت في أغسطس 1990)، فإن هذا التغير نشأ في القوى الإقليمية للمنطقة، وأثر تأثير مباشراً على محددات السياسة الأمريكية الإسرائيلية، علماً بأن الأمر لم يؤد إلى تغيير حاد في العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية، ولكن اتجه فقط إلى تعديل أسلوب التعامل السياسي لواشنطن تجاه إسرائيل أثناء مرحلة إدارة الأزمة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في فترات التعارض الحاد ما بين سياسات إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، فلا بد أن تجد إسرائيل نفسها منصاعة لإستراتيجية واشنطن، وبخاصة إذا كان هناك تفاهم ما بين الإدارة الأمريكية والكونجرس على توجه معين.

كما أنه في مجال مرتكزات الأمن الإسرائيلي، فإن القرار الإستراتيجي الأمريكي يتوازن مع الهدف الإسرائيلي، على أساس أن اختلال الأمن قد يضر بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في المنطقة.

أولاً: المبادئ التي تتأسس عليها مجالات الاتفاق في السياسة الإسرائيلية ـ الأمريكية

هناك العديد من المبادئ التي أخذت طابعاً إستراتيجياً وتاريخياً تأسست عليه العلاقات ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وجعلت من هذه العلاقات "حالة خاصة" بين دولة عظمى وأخرى إقليمية وتحدد من خلالها مجالات الاتفاق بين الدولتَين. وهذه العلاقات تستند على الآتي:

1. جماعات الضغط اليهودي المنتشرة، والتي تتدخل في صنع القرار الأمريكي وتوجهه دائماً لمصلحة إسرائيل.

2. تعاطف الإدارات الأمريكية المتعاقبة، كذلك الشعب الأمريكي مع إسرائيل، لكونها امتداداً للحضارة الغربية في الشرق الأوسط.

3. تصنيف إسرائيل نقطة متقدمة لتحجيم القوى المناوئة للمصالح الأمريكية في المنطقة.

4. إن العلاقات مبنية على أساس أن إسرائيل تمثل احتياطياً إستراتيجياً أمريكياً متقدماً في منطقة الشرق الأوسط، وهذا الاحتياطي لا بد أن يتدعم باستمرار، ويكون ذا قدرة تتناسب مع قدرة القوة الرئيسية (الولايات المتحدة الأمريكية) في نظم التسليح، وتطابق الإستراتيجية. لذا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لا تبخل على إسرائيل بأيّ شيء، بل على العكس من ذلك، فإن هذا المبدأ تطور في الآونة الأخيرة من منظور أن ربط إسرائيل باتفاقيات إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والإغداق عليها بأنواع متقدمة من التسليح يضمن لها التفوق النوعي في المنطقة، هي عملية نفسية ضرورية لطمأنة إسرائيل على كيانها، ومن خلال تلك الطمأنينة، يمكن للولايات المتحدة الأمريكية دفع عملية السلام للأمام.

5. إن العلاقات مبنية على أساس تجسيد وحدة المصالح والأهداف الإستراتيجية المشتركة وبما يجعل مصلحة كلّ منهما متكاملة مع مصلحة الأخرى. فإسرائيل تمثل في الرؤية الأمريكية "عاملاً حيوياً ومهماً للدفاع عن أمن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية". أمّا من وجهة نظر إسرائيل، فهي الحليف المضمون الذي يساندها في الصراع العربي ـ الإسرائيلي ويحقق لها أحد مبادئ نظرية الأمن الإسرائيلية.

وقد تميزت هذه السياسة منذ نشأة إسرائيل بأنها وثيقة الصلة بمقومات المجتمع المدني المؤسسي والمجتمع السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها جاءت تعبيراً عن دوافع حقيقية في صلب الإستراتيجية الأمريكية الشاملة تجاه منطقة الشرق الأوسط، وقد حافظت هذه الرؤية الإستراتيجية على مسارها العام باتجاه التنامي والتصعيد لمصلحة الانحياز مع إسرائيل وإبراز وتأكيد الدعم الأمريكي لها في شتى المجالات.

صحيح أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، مرت في مراحل متعددة كانت تتطلب تعديلاً في نمط وآليات السياسة طبقاً لطبيعة المرحلة ومتطلباتها، لكن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لم يلحقها تغيير أساسي في محدداتها الرئيسية والمتبلورة حول المبادئ المنفذة عملياً بالالتزام الدائم بأمن وقوة وتفوق وازدهار إسرائيل.

ثانياً: المتغيرات المؤثرة على التنسيق السياسي الإسرائيلي ـ الأمريكي خلال العقود الثلاثة الماضية، وانعكاساتها

طبقاً للتسلسل الزمني، فإن المتغيرات الحادة، وجدت طريقها لتؤثر على السياسة الأمريكية بشدة نحو تحقيق نوع من التوازن ـ في أقلّ درجاته ـ في تعاملها مع أطراف المنطقة، وكانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تبذل من الجهد، والمناورات السياسية والأمنية الكثير من أجل فصل القضايا عن بعضها، بحيث يتحقق لإسرائيل وضع خاص في مضمون السياسة الأمريكية وتوجهاتها تجاه المنطقة. ومن المعروف أنه خلال الثلاثة العقود الماضية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ارتبطت بالعديد من الالتزامات السياسية والأمنية تجاه دول المنطقة، طبقاً لرؤيتها في تحقيق مصالحها. ولكنها في جميع الأوقات كانت تضع في مقدمة توجهاتها الاحتفاظ بالإستراتيجية الرئيسية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه إسرائيل، والتي تتحدد في ثلاث ركائز هي:

1. الحفاظ على أمن إسرائيل.

2. ضمان بقاء إسرائيل، والتصدي للتهديدات الرئيسية الموجهة إليها.

3. ضمان تفوق إسرائيل المطلق، وبما يحقق لها التأثير كقوة فاعلة في المنطقة.

وتنقسم المتغيرات خلال الثلاثة عقود الماضية إلى ثلاث مراحل زمنية، يمكن إيجازها في الآتي:

1. المرحلة الأولى: المتغيرات المترتبة على نتائج حرب أكتوبر 1973

هي الأساس الذي صاغت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجيتها على ضوئه، لاستمرار الحفاظ على مصالحها في المنطقة، وفي العالم، مع تجنب مواجهة رئيسية مع القوة العظمى الأخرى وقتها "الاتحاد السوفيتي". والمتغيرات طبقاً للرؤية الأمريكية تتلخص في الآتي:

أ. استمرار حالة الحرب ما بين العرب وإسرائيل يمكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية مع الاتحاد السوفيتي. وقد ثبت ذلك عملياً في أحداث يومَي 25 و24 أكتوبر 1973، عندما اكتشفت الولايات المتحدة أن الاتحاد السوفيتي يحشد بعض القوى لدفعها لمساندة الدول العربية، فبادرت إلى رفع درجة استعداد القوة الذرية الأمريكية إلى الحالة القصوى، وبما أدى إلى وقوف العالم على حافة حرب ذرية.

ب. استمرار الصراع لن يكون في مصلحة إسرائيل، والنصر الذي حققه العرب قد غير الأوضاع في الشرق الأوسط، ولا يمكن أن تعود عجلة الزمن إلى الوراء. وهو ما صرح به هنري كيسنجر به يوم 9 أكتوبر 1973 في أعقاب فشل الهجوم المضاد الإسرائيلي على الجبهة المصرية.

ج. استخدام العرب سلاح البترول، هدد الاقتصاد الأمريكي واقتصاديات العالم الغربي بالكامل، وفي الوقت نفسه، أدى إلى زيادة الفوائض النقدية العربية، وهذه الفوائض ستؤثر على الاقتصاد الأمريكي، فيما لو استثمرت بعيداً عنه.

د. إسرائيل بمفردها ليست قادرة على تأمين المصالح الأمريكية في المنطقة وخاصة البترول، لذلك يجب أن تتولى الولايات المتحدة الأمريكية بنفسها الحفاظ على مصالحها، وذلك بالارتباط بالحلفاء العرب وإيران بشكل متزايد (ومن تلك اللحظة ظهرت إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية للفصل بين قضايا البترول والصراع العربي الإسرائيلي).

هـ. استمرار الإدارات الأمريكية في التأييد الأعمى لإسرائيل، سوف يفقدها حلفاءها الطبيعيين في المنطقة لذلك يجب أن توازن علاقاتها بين العرب وإسرائيل.

و. أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن بعض الأقطار "الراديكالية" وفي مقدمتها مصر، بدأت تسعى نحو تسوية سلمية، وأنها حريصة على إعادة الجسور المقطوعة مع واشنطن، على أساس أنها القوة الوحيدة القادرة على دعم وإنجاز مثل هذه التسوية، كما أنها بدأت تسعى نحو الحصول على المعونات المالية من الدول الغربية، والاتجاه نحو سياسة الانفتاح الاقتصادي، ولذلك فإنها توجهت إلى تدعيم علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ز. أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن مصلحتها العليا تتحدد في استغلال نتائج الحرب، في التقارب مع الدول العربية الفاعلة، من أجل تقليص نفوذ الاتحاد السوفيتي في المنطقة.

ح. أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن التغير الذي نشأ من المنطقة نفسها، وبقرار عربي مؤثر لا بد أن يصاحبه تغيير في الإستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط (مع استمرار الحفاظ على إستراتيجيتها تجاه إسرائيل) من أجل تحقيق ثلاثة مبادئ رئيسية هي:

(1) ضرورة التوصل إلى تسوية لمشكلة الشرق الأوسط، بعد أن أثبت الصراع صعوبة تحقيق الاستقرار في المنطقة.

(2) أن يكون للسياسة الأمريكية توجهان، أحدهما نحو إسرائيل، والآخر نحو العرب، مع محاولة تنسيق المواقف من أجل الحفاظ على المصالح الأمريكية.

(3) إيجاد آليات جديدة في السياسة الأمريكية، من أجل التوصل إلى اتفاقيات عربية – إسرائيلية ممكنة، وذلك من خلال تأدية الولايات المتحدة الأمريكية دور الوسيط لتقليل فجوة الخلاف بين مطالب إسرائيل في الحدود الآمنة، ومطالب العرب في استرداد أراضيهم المحتلة.

طـ. وقد أدى هذا المتغير إلى انطلاق عملية السلام في المنطقة، بدءاً بتوقيع اتفاقية السلام المصرية ـ الإسرائيلية عام 1979، وتقليص الوجود السوفيتي في المنطقة، وقد التزمت الولايات المتحدة الأمريكية خلال هذه المرحلة بالآتي:

(1) السلام ضروري لازدهار إسرائيل.

(2) الأقطار العربية المعتدلة والحليفة للولايات المتحدة الأمريكية، تطالب بدور أمريكي ناشط لتحقيق السلام، والحفاظ على أمنها.

(3) تحقيق السلام يُعَدّ دعماً لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة بعيداً عن منافسات السوفيت.

(4) التحرك الأمريكي يضع في حسبانه باستمرار أمن إسرائيل، وأن نشوء علاقات أمريكية وثيقة مع طرف عربي، لا يعني أن هذه العلاقة تؤثر على إسرائيل.

ي. أفرز هذا المتغير أيضاً تعاظماً في الحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة، وتعاظماً في التنسيق السياسي الأمريكي ـ الإسرائيلي، والذي بدأ يأخذ طابعاً جديداً، وهو عقد الاتفاقيات الإستراتيجية، التي تحقق من خلالها إسرائيل الحصول على التكنولوجيات الأمريكية المتقدمة وتبادل المعلومات الإستراتيجية، والتصنيع المشترك في المجالات العسكرية المختلفة.

وقد أنجزت إسرائيل عام 1981، وما بعدها، ما كانت تسعى إلى تحقيقه منذ إنشائها، وذلك عندما وقعت الاتفاق الإستراتيجي الأول مع الولايات المتحدة الأمريكية، والذي ينص على تعاون "إستراتيجي أمريكي – إسرائيلي"، ضد التهديدات الأمنية الموجهة لسلامة المنطقة، والتي قد تأتي من الاتحاد السوفيتي أو قوات من الخارج يسيطر عليها السوفيت أو يتيحون استقدامها للمنطقة لمساعدة أحد الأطراف ضد إسرائيل.

وقد تتابعت تلك الاتفاقيات وتطورت وتنوعت لتشمل جميع المجالات السياسية والأمنية والإستراتيجية والتكنولوجية، بما حقق أكبر استفادة لإسرائيل في بناء قدرتها الدفاعية، وإحداث التفوق المطلق.

وربما كان التقرير الذي عرضه "روبرت ماكفرلين"، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس ريجان، على الكونجرس في أغسطس 1984، يوضح الارتباط الإسرائيلي ـ الأمريكي. يقول التقرير:

أ. إن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في تحالف عميق للدفاع عن الحرية في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع.

ب. ستواصل الولايات المتحدة الأمريكية دعمها الذي لا يهتز لأمن إسرائيل، ولعلاقات ثنائية قوية ولقدرة العمل معاً للدفاع عن المصالح المشتركة.

ج. إن إدارة الرئيس ريجان قدمت لإسرائيل:

(1) أول اتفاقية للتعاون الإستراتيجي.

(2) أوسع وأكبر مستوى متقدم من التعاون الدبلوماسي.

(3) شراء التقنية العالية والأدوات التكنولوجية من إسرائيل للعسكرية الأمريكية.

(4) المساعدة الأمريكية لتطوير إسرائيل للطائرة "لافي" وسفن الحراسة "سعر – 5".

(5) تحويل المساعدات الأمريكية لإسرائيل إلى منح لا تُرَدّ.

(6) إحراز تقدم في مفاوضات منطقة التجارة الحرة.

(7) تشديد فرض القوانين المناهضة لأنظمة المقاطعة العربية لإسرائيل.

ومن المفارقات أنه في عهد الرئيس ريجان أيضاً، وعندما أبدت المملكة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية في بداية صيف 1985، استعدادات لتقديم مبادرة سلام مع إسرائيل، وتسوية لمسألة الأراضي المحتلة من خلال مؤتمر دولي للسلام، وعلى الرغم من أن الرئيس ريجان عَدّ ذلك خطوة متقدمة لعملية السلام في المنطقة وأظهر نوعاً من التجاوب لبيع صفقة سلاح أمريكية "محدودة" للأردن ... إلا أن مجلس الشيوخ رفض الموافقة على هذه الاتفاقية، على الرغم من حضور الملك حسين شخصياً للدفاع عنها. وجاء في قرار مجلس الشيوخ: "إن إسرائيل حليف مستقر ويعتمد عليه بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. وحيث إن أمن إسرائيل هو من المصلحة القومية للولايات المتحدة الأمريكية، وحيث إن الأردن مستمر في معارضة اتفاقية كامب ديفيد ويؤيد العراق ويشتري أسلحة سوفيتية تهدد أمن إسرائيل، فإن قناعة المجلس هي عدم بيع أسلحة للأردن".

وعلى الرغم من كلّ المظاهر السلبية، من جراء العلاقات الأمريكية الإسرائيلية فإن الدول العربية حصلت على قسط من الاستقرار نتيجة لتحكم الولايات المتحدة الأمريكية في مسار الصراع العربي – الإسرائيلي في أعقاب حرب أكتوبر1973 واستبدال المفاوضات مكان التهديدات العسكرية في معظم الأوقات (فيما عدا العدوان الإسرائيلي على لبنان عامَي 1978، 1982)، نتيجة لقناعة الولايات المتحدة الأمريكية بسقوط نظرية الأمن في الشرق الأوسط المبنية على أنه يظل الأمن مضموناً بفضل تفوق إسرائيل، إلى جانب عدم قدرة العرب على استخدام أسلحتهم الإستراتيجية وفي مقدمتها البترول العربي.

انعكاسات المرحلة الأولى من المتغيرات على التنسيق السياسي الإسرائيلي ـ الأمريكي

تصاعد التنسيق في العلاقات السياسية والإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وأدى إلى نتائج عميقة لمصلحة إسرائيل، من أجل تصعيد قدرتها بصفتها دولة فاعلة في المنطقة، وأهمها:

أ. الدعم المفرط، بما أدى إلى تضخم آلة إسرائيل العسكرية، بما لا يقاس بتطور مشروعها الاستيطاني، ومما جعل هاجس القيادة الإسرائيلية المتواصل، وهي تبحث عن الأمن، تجده في مواكبة العلاقات المتميزة مع واشنطن التي أغدقت عليها المنح والمساعدات والقروض، لتمكينها من تأدية دورها في إستراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط.

ب. توجه إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاعتماد على الذات في البناء الإستراتيجي للدولة بدءاً من أسباب الحياة نفسها، مروراً بازدهار الاقتصاد، إلى امتلاك القدرة العسكرية المتفوقة،التي تستمد أسلحتها طبقاً لفكر إسرائيلي ومن مصانع إسرائيلية على درجة من التقدم العلمي مستمدة من الخبرات والتكنولوجيات الأمريكية نفسها.

ج. الحفاظ على درجة من الاستقلالية السياسية عن القرار الأمريكي (وبموافقة من واشنطن)، وخصوصاً فيما يتعلق بالتوجه الأمريكي نحو عملية السلام؛ إذ حيث تتفق الدولتان على أن وجهة النظر الإسرائيلية هي التي يجب أن يؤخذ بها في عملية السلام.

د. قطع الطريق على الأطراف الإقليمية، والعربية – خصوصاً – عند الوصول إلى درجة متقدمة في تحسين مواقعها من واشنطن، حتى تستمر السياسة الأمريكية التقليدية تحقق دائماً أمن إسرائيل كأولوية ثابتة.

هـ. اختراق الأوضاع الداخلية للأقطار العربية، من خلال مد اليد للتناقضات المحلية وتغذيتها كالموقف في مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية، والوقوف إلى جانب المسيحيين في مواجهة المسلمين مما يعمق جذور الحرب الأهلية ودعم الحركة الكردية شمال العراق للإخلال بالتوازن في العراق وإفقاد الحكومة العراقية سيطرتها على الدولة، وتأكيد وجود دور رئيسي لها في قضايا المنطقة وخصوصاً عملية السلام، وضبط التسلح والأمن الإقليمي وغيرها.

2. المرحلة الثانية: المتغيرات الناتجة من حرب تحرير الكويت (1990 – 1991)

هذه المرحلة سبقتها ولحقتها متغيرات أساسية، تفاعلت جميعاً، لتبرز مرحلة هامة من مراحل التنسيق ما بين السياسة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة:

·  سبق هذه المرحلة الانتفاضة الفلسطينية الأولى "انتفاضة أطفال الحجارة" "1987 – 1990"، والتي أدت إلى انكشاف إستراتيجي لإسرائيل بأن تعرضت الحدود الإسرائيلية المباشرة، والمناطق المأهولة في داخل إسرائيل لعمليات عدائية مؤثرة تتعارض مع نظرية الأمن الإسرائيلية التي تعمل على نقل الحرب بعيداً عن إسرائيل، ونقلت الحرب لأول مرة إلى داخل الكيان الإسرائيلي، بما أدى إلى انزعاج أمريكي، وجعل منظمة التحرير الفلسطينية طرفاً معنوياً في الصراع مع إسرائيل وذلك للمرة الأولى.

·  وسبقها النصر السياسي العسكري الذي أحرزه العراق بعد ثماني سنوات من الصراع مع إيران في حرب طويلة ومريرة لقبت "بالحرب المنسية". وقد شاركت الولايات المتحدة في تحقيق هذا النصر بدعمها للعراق عسكرياً وسياسياً؛ وربما كانت تقصد من ذلك تغيير سلوك العراق تجاه علاقته مع إسرائيل. وقد أدى هذا النصر إلى لجوء العراق إلى ارتداء لباس المنتصر، ومحاولته تنصيب نفسه زعيماً للأمة العربية، وتبني القضية الفلسطينية بصفتها قضية العرب الأولى. وقد بدا النظام العراقي في لحظة من اللحظات وكأنه يملك ترسانة حربية هائلة – خصوصاً في مجال الصواريخ- قد لا تستطيع أن تهزم إسرائيل في ميدان القتال، وإنما تستطيع على الأقل أن ترغمها على إجراء حساب يحد من الجموح، وربما كان تصريح الرئيس صدام حسين "بأنه يمكنه حرق نصف إسرائيل" دليلاً على ذلك.

·  إن مرحلة حرب تحرير الكويت جاءت في لحظة مأساوية ينهار فيها الاتحاد السوفيتي كقوة عالمية كبرى، وبالتالي فإن الحليف الإستراتيجي للأمة العربية بدأ يتأكل، وتنتقل القوة بكاملها إلى الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الرئيسي لإسرائيل.

·  وعندما انتهت حرب الخليج الثانية، كان العالم العربي كلّه يعيش في تمزق شديد، وكانت إسرائيل تراقب الموقف، حيث إن الحرب، أدت إلى تهيئة ظروف إقليمية لمصلحة إسرائيل، وسقطت محاذير كثيرة لم يتنبه أحد من الدول العربية لسقوطها، حيث تزامن ذلك مع ما أطلق عليه "عصر التسويات الكبرى" أو "النظام العالمي الجديد".

·  وتزامن أيضاً انتهاء الحرب مع بداية لتشرذم عربي هائل من آثار تلك الحرب، التي لم تؤد فقط إلى إخراج قوة فاعلة في النظام العربي من الحسابات القومية، ولكنها أدت إلى تعاظم الشكوك العربية – العربية واللجوء إلى حليف أجنبي لنشر الأمن على الأرض العربية، تخوفاً من عدوان عربي على دولة عربية أخرى وهذا يمثل مساساً بالنظام العربي.

أ. مؤتمر مدريد تحوُّل رئيسي في مسار العلاقات السياسية الإسرائيلية ـ الأمريكية

بعد توقف نيران حرب الخليج الثانية بأسبوع واحد، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطاب احتفال النصر أمام الكونجرس في 6 مارس 1991، "أن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة بحزم على تسوية الصراع العربي – الإسرائيلي، حيث تستطيع شعوب الشرق الأوسط كلّها أن تعيش في سلام وازدهار".

أعقب ذلك اضطلاع "جيمس بيكر" وزير الخارجية الأمريكي بثماني زيارات للمنطقة لتهيئة الأجواء من أجل صياغة إطار يتوصل من خلاله الأطراف إلى معاهدات سلام نهائية للصراع في الشرق الأوسط. وقد عقد مؤتمر في مدريد (أسبانيا) في 30 أكتوبر 1991، لمدة ثلاثة أيام، وخرج بقرارات هامة في شأن التسوية السلمية من خلال التفاوض المباشر بين إسرائيل وكلّ بلد عربي على حدة، كذلك أقر مبدأ الأرض مقابل السلام، أساساً للمفاوضات الثنائية، مع عقد مفاوضات إقليمية متعددة الأطراف لتحديد مستقبل المنطقة.

وقد قبلت الدول العربية المشاركة في المؤتمر "صيغة مدريد" من منطلق أن الصراع ليس في مصلحتها. وفي الوقت نفسه، شعرت فيه إسرائيل بأن استمرار الصراع لا يؤثر بطريقة سلبية على مصالحها، وبالتالي فلم يكن لديها ما يدعو لقبول هذا الحل الوسط "الأرض مقابل السلام" والذي ترجح قبوله حتى الآن، حيث إن التيار الديني المتشدد في إسرائيل يقدم في مطالبه الأرض على تحقيق السلام، مستنداً على القوة الإسرائيلية.

كذلك فإن نتنياهو عندما رأس حكومة إسرائيل نادى بشعار جديد، وهو الأمن مقابل السلام، أيْ أمن إسرائيل يجب أن يسبق أيّ اتفاقيات سلام، وهو مبدأ أخذ يتصاعد ويهبط في حكومات ما بعد نتنياهو؛ وبالتالي فإن مبدأ "الأرض مقابل السلام" أصبح تفسيره – دبلوماسياً – يأتي من منطلق غامض يصعب تصويره.

وقد أدى إحساس الولايات المتحدة الأمريكية بأن إسرائيل ترفض تنفيذ مقررات مدريد إلى نوع من الغضب الأمريكي، وبالتالي فقد مارست عليها ضغوطاً هائلة، في مقدمتها تأجيل الاتفاق على قرض الضمانات الذي طلبته إسرائيل بمبلغ عشرة مليارات دولار من أجل مواجهة تدفق هجرة اليهود السوفيت إليها. وقد أدت عوامل هذه الضغوط إلى إطاحة حكومة إسحاق شامير. ووصل إسحاق رابين للحكم، وكان لديه قدرة على امتلاك مفاتيح الاتصال مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب توجه حزب العمل برئاسته إلى خوض تجربة جديدة للسلام مع العرب في نطاق التوجه الأمريكي. وقد تصاعدت عملية السلام في عهد رابين برعاية أمريكية كاملة وقد أنجز رابين عدة اتفاقيات قبل اغتياله في 4 نوفمبر 1995 ثم كانت هناك عدة متغيرات بعد رابين، تعثرت خلالها عملية السلام... ويمكن إيجاز أحداث هذه الفترة في الآتي:

ب. أوسلو من منظور إسرائيلي ـ أمريكي، كبداية لخطوات السلام في عهد رابين

كانت أولى نتائج مؤتمر مدريد، هي المباحثات السرية الإسرائيلية الفلسطينية والتي احتضنتها النرويج، وفوجئ العالم كلّه بنتائجها، بما فيه الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، حيث إنها وعلى الرغم من علمها بوجود "قناة أوسلو" إلا أنها ظلت، وحتى اللحظة الأخيرة تفضل أن يكون الاتفاق عن طريق مفاوضات واشنطن، ثم إن السرعة التي جرت بها صياغة إعلان المبادئ في صورته النهائية قد لا تكون واضحة أو مفهومة لدى واشنطن. وكان رأي الولايات المتحدة الأمريكية الذي عرضه "دينيس روس" منسق عملية السلام في الشرق الأوسط " أنه لا يعتقد أن هذا الاتفاق هو خطوة على الطريق الصحيح لسببَين":

(1) أن بيريز بهذا الاتفاق أعاد الحياة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت هذه المنظمة قد دخلت قبرها بالفعل.

(2) أن الجهد الأمريكي كان يركز على سورية، لأنها أهم طرف باق في المعادلة العربية بعد مصر، وهذا الاتفاق سوف يعطل دخول سورية إلى "عمق عملية السلام".

ودارت مناقشات حادة، وانتهى الأمر بأن أعلن شيمون بيريز، أن إسرائيل أدرى بمصالحها، وتم الاتفاق على أن يخرج الإعلان وحفلة التوقيع من واشنطن وبرعاية الرئيس كلينتون في 13 سبتمبر 1993.

وكانت آمال إسرائيل معلقة بواشنطن، وحجم الدعم الذي سوف تقدمه في هذه المناسبة، حيث تبنت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الاتفاق وتغاضت عما حدث قبل ذلك من أن حكومة النرويج هي صاحبة الفضل فيه. وعَدَّه الرئيس كلينتون إنجازاً يمكن أن يسانده في حملاته الانتخابية.

ج. معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية

في أعقاب أوسلو، فإن الإدارة الأمريكية كانت واعية تماماً لما قد يتكرر من محادثات سرية، ما بين إسرائيل وإحدى دول الجوار العربية، وكانت الأردن مرشحة بشدة لعقد اتفاق سلام، لذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية رعت منذ البداية تلك الاتفاقية، والتي انتقل الرئيس كلينتون إلى وادي عربة في الأردن لتوقيعها مع الملك حسين وإسحاق رابين، في 26 أبريل عام 1994. وقد حققت هذه الاتفاقية ميزات جديدة لإسرائيل في أحقيتها لاستئجار أراض عربية، كذلك التطبيع الاقتصادي مع الدول الموقعة معها اتفاقية سلام.

د. المفاوضات السورية – الإسرائيلية

استكمالاً لمسار السلام في منطقة الشرق الأوسط، فقد استؤنفت مفاوضات سورية – إسرائيلية عام 1995، برعاية أمريكية من أجل التوصل إلى اتفاقية سلام. ووصل الطرفان إلى ما تسميه سورية "وديعة رابين" وهي اتفاق بشأن انسحاب إسرائيلي كامل من الجولان، نظير ضمانات سورية. ولكنها أوقفت نتيجة انفجارات تولتها منظمات لبنانية فدائية في إسرائيل، وما أعقبها من عدوان إسرائيلي على لبنان.

هـ. مؤتمر قمة صانعي السلام في شرم الشيخ

عقد هذا المؤتمر برعاية الرئيس كلينتون، وبحضور أقطاب العالم في 13 مارس 1996، لمساندة ودعم جهود السلام في الشرق الأوسط، حيث إن التفجيرات الثلاثة التي هزت تل أبيب والقدس، أدت إلى اهتزاز توجه الحكم في إسرائيل نحو عملية السلام، والتي كان يتولاها شيمون بيريز، في أعقاب اغتيال إسحاق رابين في4 نوفمبر1995.

وقد أظهرت الولايات المتحدة الأمريكية تعاطفاً هائلاً مع إسرائيل، وتوجه الرئيس كلينتون في أعقاب المؤتمر "ليقدم تعازيه" لأهالي الضحايا والمصابين، ويؤكد دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل والوقوف إلى جوارها.

و. عملية عناقيد الغضب، وتحوُّل المسار الإسرائيلي إلى التشدد في عملية السلام

لم يكن شيمون بيريز موفقاً في حساباته الخاصة بتصعيد الموقف، في أعقاب العمليات الفدائية ونشاط حزب الله اللبناني في جنوب لبنان، حيث أدت عملية عناقيد الغضب التي بدأت في 11 أبريل 1995، وأودت بحياة أبرياء نتيجة للعدوان على معسكر "قانا" للاجئين في لبنان 18 أبريل عام 1996، إلى رد العرب في إسرائيل بحجب أصواتهم عن بيريز، وبذلك فاز نيتنياهو في انتخابات مايو 1996، وصعد إلى الحكم، معبراً عن صلف وتشدد الليكود في مسار السلام.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ضغطت بكلّ قوّتها على نيتنياهو من أجل استمرار مسيرة السلام في المنطقة، وخصوصاً على الجانب الفلسطينى، وقد أمكن التوصل إلى اتفاق إعادة انتشار القوات الإسرائيلية في الخليل في 17 يناير 1997، ثم اتفاق "واي ريفر" في 23 أكتوبر 1998.

تعاقبت بعد ذلك المحاولات لاستمرار مسيرة السلام، وأهمها ما حدث في عامَي 1999 و2000 برعاية أمريكية ضاغطة على الأطراف، وأهمها المحادثات السورية – الإسرائيلية، في نهاية عام 1999، ثم مؤتمر كامب ديفيد الثاني لحل القضية الفلسطينية في يوليه / أغسطس عام 2000. وكلا المؤتمرَين فشل، ولم تنجح الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق السلام الشامل، كما كان يريد الرئيس كلينتون خلال فترتَي رئاسته ( – 2000).

ز. الشرق أوسطية باتفاق سياسي أمريكي ـ إسرائيلي

الشرق أوسطية هي طرح إسرائيلي، عرضه شيمون بيريز عام 1993، ثم صاغه في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" وكان المبدأ المعلن الذي تستند إليه الفكرة هو تسخير عملية السلام من أجل تعاون اقتصادي في المنطقة. ولكن الحقيقة التي كشفت عنها التطورات أنه مشروع لتأسيس نظام إقليمي، يهدف إلى "إنشاء مجموعة إقليمية من دول المنطقة لها سوق مشتركة وهيئات مركزية منتخبة تتشكل وفق نموذج المجموعة الأوروبية"، وتدمج إسرائيل سياسياً في المنطقة.

وعلى ذلك فإن المشروع يتضمن تثبيت النظام السياسي الجديد في المنطقة على أرضية صلبة، وبناء هيكل متكامل تسانده اللجان الفنية والاقتصادية والتنسيقية المشتركة.

والشرق أوسطية – طبقاً لوجهة النظر الإسرائيلية – تنطوي على مراحل زمنية وسياسية وتنظيمية محددة.

(1) المرحلة الأولى: التسوية العربية – الإسرائيلية، ويقترح "بيريز" إنجازها على مرحلتَين فرعيتَين:

(أ) الأولـى: تنتهي بعقد اتفاقيات سلام ثنائية بين إسرائيل وكلّ دولة عربية على حدة، من خلال المفاوضات الثنائية.

) الثانية: تنتهي بتطبيع العلاقات الإسرائيلية – العربية من خلال المفاوضات المتعددة الأطراف.وتدخل عملية التطبيع في المشروع الإسرائيلي بصفتها شرطاً ضرورياً لبناء النظام الإقليمي الجديد.

(2) المرحلة الثانية: بناء اقتصاد إقليمي مشترك في المنطقة، ويُنْجَزعبر ثلاث مراحل فرعية:

(أ) الأولى : إقامة مشروعات تعاون مشتركة ثنائية ومتعددة الأطراف.

(ب) الثانية : إشراك مؤسسات دولية في إنجاز مشروعات تتطلب استثمارات رأسمالية ضخمة.

(ج) الثالثة: إقرار سياسة اقتصادية للمجموعة الإقليمية الشرق أوسطية تتوافق مع إنشاء وتطوير مؤسسات إقليمية رسمية.

والشرق أوسطية كانت تجسيداً لتسوية الصراع العربي – الإسرائيلي من وجهة نظر حزب العمل الإسرائيلي. لذلك، فقد تحقق العديد من الخطوات في سبيل تنفيذ المراحل الأولى من الخطة، ولكن وتطور الأحداث وصعود حزب الليكود للحكم أديا إلى عرقلة مسيرة هذا النظام، حتى توقف تماماً، وخصوصاً مع اشتعال الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

ز. الانتفاضة الفلسطينية الثانية

مع تعثر مسيرة السلام، وفي محاولة من أريل شارون لإحباط خطط حزب العمل في استمرار المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية من أجل بناء دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، فقد بادر إلى دخول المسجد الأقصى في 28 سبتمبر 2000، وهو الحدث الذي فجر الانتفاضة الفلسطينية احتجاجاً على مبادرة شارون تصحبه قوة أمنية من نحو ثلاثة آلاف جندي إلى دخول المسجد الأقصى.

ومنذ تلك اللحظة تطورت الانتفاضة، وتطور أسلوب القمع الإسرائيلي، وتوقفت مسيرة السلام الفلسطينية – الإسرائيلية، وانتهكت جميع الاتفاقيات السابقة، وأعاد الجيش الإسرائيلي احتلال مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، وعمل على تدمير البنية التحتية في الأراضي الفلسطينية وحصار السلطة الفلسطينية من خلال خمس خطط متوالية، كان نصيب كل منها الفشل، لتنتقل إلى خطة أخرى بعد عدة شهور أو أسابيع. وكلّها كانت تستهدف إحكام الحصار على المدن الفلسطينية، واستخدام العنف والقتل وسياسة التجويع لإيقاف الانتفاضة، وحصار السلطة الفلسطينية ثم إنشاء جدار واقٍ على نمط سور برلين ليفصل ما بين الأراضي الإسرائيلية وأراضي السلطة الفلسطينية. وهذه الخطط هي:

(1) خطة المائة يوم.

(2)  خطة جهنم.

(3) خطة بكل الألوان.

(4) خطة حقل الأشواك.

(5) خطة السور الواقي.

ط. انعكاسات المرحلة الثانية على السياسة الإسرائيلية ـ الأمريكية في المنطقة

(1) ثبت أن الولايات المتحدة الأمريكية ترعى عملية سلام بالغة الصعوبة والتعقيد، من دون أن تتاح لها رؤية صحيحة وواضحة لآفاق السلام الذي يمكن الوصول إليه بما يتناسب مع طبيعة وأوضاع المنطقة. وبالتالي فإنه يتضح أن الإستراتيجية الأمريكية ما زالت أسير معطيات عصر الحرب الباردة:

(أ)  فهي تعطي إسرائيل وزناً إستراتيجياً بارزاً في سياستها، بالمنظور السابق نفسه، من دون إدراك أن العالم والمنطقة قد تغيرا تماماً.

(ب) أسهم التحالف الإسرائيلي ـ الأمريكي في المنطقة، في تعطيل تبلور النظام العالمي الجديد الذي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تفعيله، وربما ظهر الخلل، في سؤال يوجهه الأمريكيون أنفسهم لإداراتهم وهو: "لماذا يكرهونا هؤلاء العرب؟".

(ج) أثار اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية التي تهتم بقضايا حقوق الإنسان وجرائم الحرب امتعاضاً من جميع الدول، خاصة أنها تحاول أن تستثني إسرائيل من عقوبات تلك المحكمة.

(د) أثار استثناء الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل من توقيع معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وتبني واشنطن للرؤى الإسرائيلية والدفاع عنها، نموذجاً صارخاً لازدواجية المعايير.

(هـ) أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل العنان لإملاء الشروط في عقد الاتفاقيات مع العرب، وبما يؤدي باستمرار إلى إفشال تلك المفاوضات. وبالتالي فقد تخلت واشنطن عن مبدأ "راعي السلام" الذي يجب أن يكون عادلاً بين الأطراف.

(2) عجز الولايات المتحدة الأمريكية عن إدراك مغزى تحول إسرائيل إلى عبء إستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وقد اتضح ذلك من الدلائل الآتية:

(أ) على الرغم من المتغيرات الجذرية التي شهدتها المنطقة والعالم، فإن إسرائيل ظلت من وجهة نظر أمريكية "رصيداً إستراتيجياً" ولم تولِ الولايات المتحدة الأمريكية اهتماماً من تحول إسرائيل إلى عبء إستراتيجي مؤثر على مصالحها الإستراتيجية، خلال أزمة الخليج وعاصفة الصحراء وما بعدها.

فقد كان اشتراك قوات عربية في عاصفة الصحراء يستحيل معه إشراك إسرائيل، والتي ألقت بكل ثقلها حتى تحصل على أكبر مكاسب نظير ضمان عدم دخولها تلك الحرب. وقد تجاوبت الولايات المتحدة الأمريكية مع هذه الفرضية حتى لا تكون إسرائيل سبباً في انهيار التحالف. ومن هنا فإن تنفيذ السياسة الأمريكية في تلك المرحلة، كان يستوجب إقناع أو إجبار "الحليف الإستراتيجي" في أن يتوارى عن الصورة نهائياً، وكان الثمن لذلك باهظاً في صورة مساعدات اقتصادية، ومساعدات عسكرية ومعلوماتية وغيرها.

(ب) أدى اقتراح الرئيس صدام حسين خلال أزمة الخليج الثانية، ربط انسحابه من الكويت في مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، إلى إحراج الولايات المتحدة الأمريكية وأجبرها على أن تقطع على نفسها عهداً تجاه تسوية قضية الأراضي العربية المحتلة بعد الانتهاء من تحرير الكويت.

(ج) كان على الرئيس بوش أيضاً – بعد انتهاء الحرب – أن يمارس ضغوطه على إسحاق شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي لكي يشارك في مؤتمر مدريد للسلام. وسرعان ما تصاعدت الخلافات نتيجة رفض تل أبيب مراعاة ما رأته واشنطن من متطلبات لتهيئة البيئة المحلية والإقليمية أمام المفاوضات، وقد ترتب على ذلك شن إسرائيل حملة ضد الرئيس بوش، تبناها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية أدت إلى عدم تجديد رئاسته لفترة ثانية للولايات المتحدة الأمريكية.

(د) نجاح إسرائيل في تعظيم رصيدها داخل المجتمع الأمريكي، أمكنها من شن حملات ضد أيّ مسؤول أمريكي، وقد أعطى ذلك إسرائيل قدرة على التحرك ومقاومة أيّ قرار أمريكي لا يتوافق مع رؤيتها، وقد تجلى ذلك على النحو الذي حدث في أبريل 1998، عندما فشلت الإدارة الأمريكية في إقناع الحكومة الإسرائيلية بقبول مبادرتها التي وافقت عليها السلطة الفلسطينية.

وعندئذ بادر واحد وثمانون عضواً من مجلس الشيوخ الأمريكي بتوجيه رسالة إلى الرئيس كلينتون يطالبونه بعدم نشر المبادرة الأمريكية " حتى لا يؤدي ذلك إلى تقويض الثقة مع إسرائيل". ولم تجد الإدارة الأمريكية سوى توجيه بيان يحمل اعتذاراً لإسرائيل وتذكر فيه "أن إدارة الرئيس كلينتون هي أكثر الإدارات الأمريكية التي ساندت وتساند إسرائيل".

(هـ) أهداف الإدارة الأمريكية من إدارة "عملية السلام" في الشرق الأوسط والمتفق عليها مع إسرائيل يتحدد في:

· التوصل إلى ترتيبات أمنية سياسية تسهم في تأمين واستقرار مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.

· تدعيم مكانة إسرائيل، لكونها حليفاً إستراتيجياً في المنطقة، وذلك بالسعي لاحتلالها موقعاً متميزاً في النظام السياسي الإقليمي البازغ، وضمان تواصل تفوقها العسكري.

· الضغط عبر البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، من أجل تحويل اقتصاديات المنطقة إلى الاقتصاد الحر أو المفتوح، وتقليص دور الدولة في السيطرة على الاقتصاد، وتوفير بيئة ملائمة لنشأة الاقتصاد الخاص وربما كان هذا هو المعيار الرئيسي وراء تأييد الولايات المتحدة الأمريكية لمشروع إقامة سوق شرق أوسطية، وإصرارها على إنهاء المقاطعة العربية لإسرائيل، لما يسببه ذلك من قيود على نشاط الشركات الأمريكية في العالم العربي.

· تشجيع الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل على استثمار اتفاق التجارة الحرة المبرم بين البلدَين، لكي تبني لنفسها موقعاً تجارياً إقليمياً متميزاً في المنطقة.