إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية









المبحث الخامس

المبحث الخامس

الدعم الأمريكي لإسرائيل في المجال الاقتصادي

(1948 – 1985)

في البداية كان الغرض من الدعم المالي الخارجي، هو تشجيع الهجرة إلى إسرائيل واستيعاب المهاجرين إليها، وتطوير زراعتها وصناعتها. وفي مواجهة قرار الجامعة العربية بمقاطعة إسرائيل وفرض حصار اقتصادي عليها، سارعت الدول الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لعقد الاتفاقيات التجارية معها وتقديم القروض والهبات إليها وتشجيع الاستثمارات الخاصة المباشرة، عندئذ تمكنت إسرائيل من اجتياز مرحلة التأسيس وتطوير الزراعة والصناعات الغذائية.

وفي الستينيات، رُكِّز على تطوير الصناعة والخروج إلى أفريقيا وآسيا، وتدفقت الأموال الأمريكية لتطوير اقتصاد إسرائيل وتسليحها، وارتفعت بدرجة طفيفة أهمية القطاع الصناعي، بينما انخفضت أهمية الزراعة في توليد الدخل القومي وارتفع المحتوى المستورد لمكونات الإنتاج، وطوال واحد وعشرين عاماً من 1948 إلى 1968، بلغ فائض الاستيراد نحو 7.5 مليارات دولار.

وتحرص إسرائيل على تحقيق معدل نمو اقتصادي مرتفع، بلغ في المتوسط 9.2% سنوياً خلال الفترة من عام 1950 إلى عام 1971، وبالفعل فلقد تضاعف الناتج القومي بالأسعار الثابتة نحو خمس مرات فيما بين عامَي 1950 و1969. كما تضاعف نصيب الفرد من هذا الناتج نحو ثلاث مرات في المدة نفسها وبلغ نصيب الفرد الواحد من الدخل (1156) دولاراً في عامَي 1968 و1969، ثم ارتفع وأصبح (2098) دولاراً في عام 1974 على أساس أن الدولار يساوي 6 ليرات. وفي عام 1974 أصبح الناتج القومي لإسرائيل 8.5 مليارات دولار، فيما كان الناتج القومي – على سبيل المثال – لدولة مثل مصر لا يتعدى 8.5 مليارات دولار والفرق في عدد السكان بيِّن. ولذلك يستهلك الاقتصاد الإسرائيلي سنوياً أكثر مما يولده جهازه الإنتاجي من سلع وخدمات، وذلك على الرغم من ارتفاع معدل التراكم الرأسمالي فيه واختفاء ما يمكن أن يُسمَّى ادخاراً محلياً.

وفي إسرائيل تزيد الموارد الكلية على إجمالي الناتج القومي، مما أتاح جهداً استثمارياً مكثفاً أدى إلى ارتفاع معدل النمو السنوي، من دون أن يصاحب ذلك ضغط على مستويات الاستهلاك، وقد أدى ذلك إلى الكشف عن ظاهرتَين متناقضتَين تماماً، فقد شهد الاقتصاد الإسرائيلي ظاهرة ارتفاع معدلات التراكم الرأسمالي، إذ مثلت الاستثمارات نحو 30% من الناتج القومي الإجمالي وهي نسبة عالية بكلّ المعايير.

ويهدف التمويل الخارجي أساساً إلى تمويل التكوين الرأسمالي في الاقتصاد الإسرائيلي، فقد ارتفعت نسبة رأس المال الأجنبي إلى الاستثمارات من 25% في السنوات الخمس الأولى لنشوء إسرائيل إلى 38% في السنوات الخمس التالية، ثم إلى 45% في السنوات الخمس التي بعدها، وفي بعض السنوات بلغ حجم التمويل الخارجي إلى ما يقترب من 34% من الناتج القومي الإجمالي.

ويجري تدفق رأس المال من الخارج عبر عجز ميزان المدفوعات الإسرائيلي، فلقد كان فائض الاستيراد هو المصدر الأساسي لتمويل عملية التراكم الرأسمالي، حتى ليمكن القول بأنه على خلاف دول العالم، فإن موارد الاقتصاد الإسرائيلي تتشكل من الناتج القومي وعجز الميزان التجاري. ويمثل فائض الاستيراد نسبة تراوح بين 18 و27% من إجمالي الموارد المتاحة بل تزيد أحياناً التدفقات المالية من الخارج على عجز الميزان التجاري، فخلال الفترة ما بين عامَي 1949 و1967 بلغت التدفقات الخارجية (4889.8) مليون دولار، وفيما بين عامَي 1949 و 1967 تجمع لدى إسرائيل احتياطي من العملات الأجنبية بلغ 713 مليون دولار يضاف إلى فائض عام 1967 وقدره 293 مليون دولار، فأصبح احتياطيها 1006 ملايين دولار

إنها ظاهرة فريدة في نوعها أن تنشأ دولة بأكملها نشوء مشروع اقتصادي تموله الرأسمالية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا وحده كاف لبيان الالتقاء العضوي بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. وظلت المساعدات الخارجية بنداً ثابتاً من جملة الموارد المتاحة لإسرائيل سنوياً، مما يفسر عملية البحث الدائم من قبل إسرائيل عن مورد مالي خارجي جديد، كلما أشرف مورد مالي قديم على النضوب. ففي عام 1952 مثلاً، التزمت الحكومة في ألمانيا الغربية أن تدفع لإسرائيل والهيئات اليهودية الأخرى تعويضات تبلغ (854) مليون دولار، وعندما بدأت هذه التدفقات الهامة في التناقص، ازدادت التعويضات الفردية بشكل غير متوقع، كما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية حملة تشجيع استثمار رأس المال الخاص الأمريكي في إسرائيل حينما أخذت حملات الجباية الدولية في التقلص.

وعلى هذا النحو تدفقت الأموال على إسرائيل من الخارج بصفة دائمة، واستخدمت لذلك كلّ القنوات الممكنة مثل الهبات والتبرعات والتعويضات الجماعية والفردية والقروض الحكومية والاستثمارات، ولعبت الحركة الصهيونية العالمية دوراً بارزاً في توفير الدعم الخارجي. وبرزت دولتان اضطلعتا بدور خاص لدعم إسرائيل هما ألمانيا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وتكونت في الوقت نفسه شركات للاستثمار جمعت بين كبار الرأسماليين في العالم من يهود وغير يهود، وهناك ثلاث قنوات اتخذها التحويل الخارجي للاقتصاد الإسرائيلي وهي التحويلات من طرف واحد والتحويلات الرأسمالية والاستثمارات الأجنبية.

دور الولايات المتحدة الأمريكية لدعم اقتصاد إسرائيل

أولاًً: مرحلة جولات الصراع العربي- الإسرائيلي (1948 – 1974)

ارتبطت الحركة الصهيونية العالمية منذ البداية بحركة الرأسمالية العالمية، وفي بداية القرن علقت الصهيونية العالمية آمالها على ألمانيا ذات الرأسمالية الاقتصادية الصاعدة والمنافسة لبريطانيا، وبعد "تصريح بلفور" وانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، انتقل الولاء إلى بريطانيا العظمى التي فتحت أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية. ومنذ الحرب العالمية الثانية نقلت المنظمة الصهيونية العالمية مقرها إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأخذت تعلق عليها الآمال، بكونها السند الرئيسي للحركة الصهيونية، ولم تظهر الولايات المتحدة الأمريكية دعمها الصريح والمكشوف إلا مع حرب يونيه 1967، ومنذ ذلك التاريخ وهي لا تخفي علاقاتها الخاصة بإسرائيل ولا التزامها الكامل نحوها.

1. على الرغم من أن الحكومة الأمريكية قد اعترفت بدولة إسرائيل منذ اللحظة الأولى لإعلان نشوئها في 15 مايو 1948، إلا أن الدعم المالي الرسمي الأمريكي لإسرائيل لم يظهر بشكل مباشر إلا عام 1951، حيث بلغ 100 ألف دولار، بل لقد ظلت مساعدات الحكومة الأمريكية لإسرائيل متواضعة للغاية لفترة طويلة، حيث كانت تصل إلى نحو 60-100 مليون دولار سنوياً في المتوسط وبنسبة 1.2% من إجمالي المساعدات الرسمية الأمريكية خلال الفترة من1951 إلى 1970، وكانت القفزة الكبرى في المعدل السنوي للمساعدات مع بداية عام 1971 وحتى عام 1973، حيث بلغ متوسطها ما بين 480 – 600 مليون دولار سنوياً، لكن المساعدات الرسمية الأمريكية لإسرائيل عادت وارتفعت مرة أخرىمنذ عام 1974، حيث بلغ متوسطها السنوي نحو2257) مليون دولار، بنسبة راوحت بين 20 و25% من إجمالي المساعدات الرسمية الأمريكية لكلّدول العالم.

2. إجمالي المساعدات الأمريكية لإسرائيل" اقتصادية – عسكرية": بلغت خلال الفترة من عام 1951 وحتى عام 1959 552.9 مليون دولار تمثل نحو 1.2% من إجمالي المساعدات الأمريكية عن تلك الفترة والتي بلغت 45536 مليون دولار، وازدادت خلال الفترة بين عامَي 1960 و1969 إلى 834.8 مليون دولار تمثل نحو 1.4% من إجمالي المساعدات الأمريكية التي بلغت 61528 مليون دولار، وازدادت خلال الفترة بين عامَي 1970 و1974 إلى 4356.9 مليون دولار.

3. كان أول تمويل قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، في نوفمبر 1949، في صورة قرض من البنك الأمريكي للتصدير والاستيراد بمقدار 135 مليون دولار، منها 20 مليون دولار للآلات الصناعية، وفي عام 1951، قدمت الولايات المتحدة الأمريكية هبة بمبلغ 65 مليون دولار، وقرضاً من بنك التصدير والاستيراد الأمريكي قدره 30 مليون دولار، بينما كانت حصيلة سندات إسرائيل 74 مليون دولار، وكان الغرض من الهبة تنفيذ عدد من المشروعات الإسرائيلية الهامة مثل إنجاز مشروع مصنع السماد الكيماوي ومشروع بوتاس البحر الميت وإنتاج الكبريت والفوسفات واستغلال مصافي البترول في حيفا وشراء زوارق صيد وسيارات نقل مجهزة بثلاجات.

4. كذلك استفادت إسرائيل منذ عام 1951 من المعونة الفنية طبقاً لبرنامج النقطة الرابعة، وفي عام 1952 قدمت الولايات المتحدة الأمريكية 73 مليون دولار لتوطين المهاجرين والنهوض العمراني والاقتصادي وكان بنك التعمير والاستيراد قد بادر منذ العام الأول لنشوء إسرائيل بمنحها قرضاً بمبلغ مائة مليون دولار، ومنذ عام 1955 حصلت إسرائيل على مساعدات أمريكية طبقاً لبرنامج فائض الحاصلات الزراعية، ناهيك من التبرعات التي قدمتها منذ اللحظة الأولى، الجمعيات اليهودية والهيئات الخيرية والصناديق التابعة للاحتكارات الكبرى مثل روتشيلد وفورد وروكفلر.

5. بعد حرب يونيه 1967، صارت الولايات المتحدة الأمريكية هي المصدر الرئيسي للأموال الأجنبية على اختلاف أشكالها من تبرعات وقروض واستثمارات، وعلى سبيل المثال، فإن المساعدات الأمريكية التي قدمتها خلال السنوات الخمس الأولى التي تلت العدوان قد تجاوزت ضعف ما قدمته الولايات المتحدة الأمريكية من مساعدات مماثلة لإسرائيل طيلة العشرين عاماً السابقة، وفيما بين عامَي 1969 و 1972 أيْ خلال 4 سنوات حصلت إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية على 1369.6 مليون دولار، أيْ ما يزيد على ما تلقته منها طوال العشرين عاماً من 1949 إلى عام 1968، الذي بلغ 1327.4 مليون دولار.

6. تصاعدت المعونات الرسمية الأمريكية لإسرائيل ابتداءً من عام 1971، عندما قفزت القروض العسكرية الأمريكية من 85 مليون دولار في عام 1969 إلى 545 مليون دولار عام 1971،علاوة على 55.5 مليون دولار قروض برنامج الغذاء، وتلقت إسرائيل مساعدات قدرها 973.7 مليون دولار خلال عامَي 1972 و1973.

7. وفي عام 1973، تلقت إسرائيل 912 مليون دولار منحة مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية، خلاف المساعدات التي بلغت 492.8 مليون دولار، وفي عام 1974 بلغت المنح المباشرة 790 مليون دولار، فلقد أستأنفت الولايات المتحدة الأمريكية مساعدتها الضخمة لإسرائيل بهدف تحويل موازين القوى لمصلحتها، فحصلت إسرائيل بعد الحرب على مساعدات قدرها 2646.35 مليون دولار لتمويل شراء الأسلحة منها مليار ونصف المليار دولار في شكل منحة عسكرية، وعلى 982.7 مليون دولار قروض عسكرية، والباقي منح اقتصادية ، وظلت تخصص مبلغاً منها مماثلاً لتمويل مشتريات الأسلحة. وفي السنوات التي تلت حرب أكتوبر، أصبحت الهبات والقروض الميسرة من الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل تتراوح بين مليار ونصف مليار دولار سنوياً.

8. والقروض الأمريكية لإسرائيل، تُعَدّ قروضاً ميسرة تماماً، حيث تحصل على فترات سماح للتأجيل، والإعفاءات الدورية من الديون السابقة، والمبادرة بتقديم منح أو قروض جديدة، علاوة على المعاملة التفضيلية في التعريفة الجمركية والمعاملة الضريبية المتميزة التي تعامل بها الهبات الممنوحة لإسرائيل، كلّها تجعل القروض الأمريكية مثل قروض سندات إسرائيل.

9. وعن المساعدات الأمريكية لإسرائيل، فتقدر إحصائيات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن إدارة الرئيس جونسون قدمت لإسرائيل ما مقداره (359) مليون دولار خلال الفترة من 1964 حتى 1968 منها نحو 151 مليون دولار هي مساعدات اقتصادية ولبرامج الغذاء، وبذلك بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تحتل المرتبة الأولى في تزويد إسرائيل بالسلاح والأموال والدعم السياسي.

وفي عهد الرئيس نيكسون – وعلى الرغم من أنه لم يكن مديناً بنجاحه لأصوات اليهود – إلا أنه أرسل 50 طائرة فانتوم لإسرائيل وأكثر من 75 مليون دولار مساعدات اقتصادية، والتي ظلت ترتفع باطراد ليصل مجمل المساعدات في الموازنات المعلنة في الفترة من 1968 حتى 1974 نحو 4.623 بلايين دولار. أمّا الرئيس فورد فقد كان من أوائل النواب الذين طالبوا إسرائيل في عام 1970 بعدم الانسحاب من أية أراضٍ عربية محتلة، وكان من أجرأ الرؤساء في حضور حفلات الجباية الصهيونية للأموال لإسرائيل، كما سجل أرقاماً قياسية في الدعم والمواقف المنحازة لإسرائيل، وأول من سلح إسرائيل بطائرات أف 15، أف 16 وصواريخ بيرشنج القادرة على حمل رؤوس نووية.

10.وفيما يتعلق بالتبرعات والهبات اليهودية الأمريكية، فقد وصل حجم تبرعات اليهود الأمريكيين لإسرائيل منذ عام 1948 وحتى بداية عام 1975 إلى أكثر من 11 مليار دولار، واللافت، على سبيل المثال، أنه خلال حرب 1967 جُمعَت تبرعات طوارئ بلغت 175 مليون دولار في يوم واحد. كما جمعت منظمة "سندات إسرائيل" منذ نشوء إسرائيل وحتى عام 1971 مبلغ 1890مليون دولار وتباع السندات بأجل يراوح بين 10 و15 سنة بفائدة تبلغ 4%، ولصاحب السند أن يطلب الدفع عند الاستحقاق بالليرة الإسرائيلية لغرض الاستثمار أو السياحة داخل إسرائيل، وتقدر المبيعات الأمريكية من سندات إسرائيل بنحو 70% من مبيعاتها في العالم.

والواقع أن تبرعات المنظمات الصهيونية الأمريكية تزيد عادة من المساعدات الحكومية الأمريكية لإسرائيل، ويقدم التبرعات الخاصة كبار الرأسماليين حيث تفرض ضريبة على دخولهم لمصلحة إسرائيل، كذلك فإن هذه التبرعات تشكل مع حصيلة سندات إسرائيل التي تباع في الولايات المتحدة الأمريكية، وسيلة ملائمة لإخفاء الحجم الحقيقي للمساعدة الأمريكية لإسرائيل.

11.وفيما يتعلق بالاستثمارات الأمريكية في إسرائيل: فتتمتع هذه الاستثمارات بضمانات خاصة، إذ تحصل على الحدّ الأقصى من التسهيلات والامتيازات الممنوحة لأصحاب رؤوس الأموال الخاصة. وقبل نشوء إسرائيل، كانت الاستثمارات الأمريكية تتعاون مع الوكالة اليهودية في إرساء بدايات الاقتصاد اليهودي في فلسطين، ولعبت الدور البارز عندئذ شركتان هما (الشركة الاقتصادية الفلسطينية) و (الشركة الأمريكية الفلسطينية)، وقد تأسست الأخيرة لتنمية علاقات التجارة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وللمساعدة في تنمية الموارد الاقتصادية ومنح عون مالي للمشروعات التجارية والمصرفية والائتمانية والصناعية والزراعية والتعاونية، وقد عمدت الشركة إلى تأسيس شركات عديدة داخل إسرائيل، بالمشاركة مع الهستدروت "الاتحاد العمالي الاشتراكي".

12. وبعد تأسيس إسرائيل، أقبلت رؤوس الأموال الأمريكية عليها، خلال عشر سنوات من عام 1952 حتى عام 1962، وزادت رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة في إسرائيل 3-4 مرات، بينما زادت الاستثمارات الأمريكية فيها أكثر من 8 مرات. وقبل حرب يونيه 1967، بلغت قيمة الاستثمارات الأمريكية في إسرائيل مليار دولار، وأصبح رأس المال الأمريكي عندئذ يمثل 60% من مجموع الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل، حيث كان نمو 200 شركة أمريكية تشكل شبكة كاملة من الفروع والوكالات في جميع أنحاء الاقتصاد الإسرائيلي، وكان أهمها شركة (امبال) لتصنيع البترول والغاز، والتي شاركت في تأسيس بنك التنمية الصناعية الإسرائيلي الأمريكي، بهدف تمويل المشروعات الصناعية والاستثمارات طويلة الأمد.

13. وبعد حرب يونيه 1967، زحف رأس المال الأمريكي إلى إسرائيل، حيث قفز من 40 مليون دولار عام 1967 إلى 93 مليون دولار خلال الستة الأشهر الأولى من عام 1968، وتدفقت رؤوس الأموال الأمريكية على الأراضي التي احتلت، فشيدت فندق هليتون القدس وفندق هيات هاوس في القدس العربية، كما نفذت الشركات الأمريكية مشروعات قيمتها 106 ملايين دولار تضم المؤسسات العملاقة التالية: موتورولا، مونسانتو، وستنجهاوس، فنادق هوليداى، وتيكو للكيماويات، كما نفذت مجموعة إخوان ماير أعمال الاستثمار وتمويل التجارة الخارجية، ودخلت استثمارات أمريكية تحت أسماء مستعارة في تأسيس شركات للتنقيب عن البترول في خليج السويس ومياه البحر المتوسط، مثل شركة بتروكان وشركة أعمال البحر الميت التي تستغل الاحتياطيات الهائلة للفوسفات في البحر الميت، وسعت الولايات المتحدة الأمريكية لبناء خط أنابيب البترول "إيلات ـ عسقلان" ليكون البترول العربي تحت سيطرة إسرائيل.

14.ويمكن القول إن العون الأمريكي لإسرائيل هو فيض دافق بلا حدود، فالتحويلات الأمريكية التي كانت تمثل 20% من إجمالي التدفقات المالية لإسرائيل قد ارتفعت في السنوات التي تلت حرب 1973إلى 50%، والاستثمارات الأمريكية أصبحت تمثل 62 – 70% من إجمالي الاستثمارات الخاصة في إسرائيل. ولا شك أن المساعدات الأمريكية لإسرائيل لا تقف عند حدّ هذا التمويل بكافة أشكاله، فهناك مساعدات أخرى غير مباشرة تتمثل في تيار التجارة المتبادلة إذ تستوعب الولايات المتحدة الأمريكية 20% من صادرات إسرائيل، وفي مقدمتها الماس، كما أنها تزود إسرائيل بأغلب وارداتها الإستراتيجية، وفي مقدمتها البترول والخامات والمنتجات الزراعية. كما تتعاون معها أيضاً في مجال البحوث العلمية والتطبيقية وفي نقل التكنولوجيا وكلّها علاقات عضوية تسهم في تطوير الاقتصاد الإسرائيلي على الرغم من مشاكله الهيكلية المزمنة.

ثانياً: مرحلة الاستقلال الاقتصادي الإسرائيلي (1975- 1985)

خلال هذه المرحلة حاولت إسرائيل إحداث نوع من الاستقلال الاقتصادي عن الولايات المتحدة الأمريكية وهذا ما أوضحه إيجال ألون في عام 1977، عندما قال :" إنه ليس هناك أخطر على مستقبلنا الروحي والعقائدي واستقلالنا، من المساعدات التي نتلقاها من الإخوة والأصدقاء"، كما طالب عايزرا وايزمان الرئيس الأسبق لإسرائيل بمزيد من الاستقلال الإسرائيلي عن الولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت نفسه كانت هناك اتجاهات مستمرة من قبل المنظمات الصهيونية الأمريكية من أجل مساعدة إسرائيل لتوسيع علاقاتها الاستثمارية والاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك زيادة حجم الاستثمارات الأمريكية في إسرائيل، وتوسيع حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، فنجد أن إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، قد نجح في عام 1976 بالتعاون مع القيادات اليهودية الأمريكية في إنشاء منظمة أعمال أطلق عليها اسم "لجنة التنمية الاقتصادية لإسرائيل"، والتي كان الهدف منها هو مساعدة إسرائيل اقتصاديا وتقنياً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وقد نجحت هذه المنظمة بالفعل في العمل مع أكثر من 200 شركة إسرائيلية، وتشكل مجلس إدارة هذه المنظمة من عدد من كبار رجال الأعمال الأمريكيين والإسرائيليين، وقدمت في يونيه 1983 خطة عمل لتحقيق استقلال مالي لإسرائيل قبل عام 1990، وكان من أبرز بنود هذه الخطة:

1. انخراط منظمات يهودية ورجال أعمال يهود في الاستثمار داخل إسرائيل.

2. انخراط هذه المنظمات في توسيع حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتوسيع عمليات تسويق الصادرات الإسرائيلية داخل الأسواق الأمريكية.

3. جذب بنوك أمريكية إلى إسرائيل، علاوة على جذب 50 شركة أمريكية ذات تقنية عالية لبناء مصانع لها في إسرائيل.

4. ضرورة انتهاج إسرائيل سياسة صناعية للمستثمرين الأجانب.

5. بيع حكومة إسرائيل لأجزاء من القطاع الحكومي للقطاع الخاص.

6. إنشاء وتطوير منظمة تسويق خاصة لتبادل الاستثمارات في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، مع العمل على أن تصبح إسرائيل مركزاً لسوق تجارية عالمية حرة.

7. وضع برامج في الولايات المتحدة الأمريكية لتوفير الفرص لدعوة اليهود للعيش في إسرائيل.

8. إنشاء برامج لتوسيع وتطوير الصادرات الإسرائيلية، مع توسيع وتطوير عمليات البحوث الصناعية والتطوير، خاصة مراكز البحث والجامعات والمعاهد الإسرائيلية.

ومن المحاولات الأخرى للاستثمار في إسرائيل، ما بادر إليه عدد من الأثرياء اليهود والمسيحيين الأصوليين الصهاينة من تأسيس ما يسمى صندوق إسرائيل الإستراتيجي في دالاس بولاية تكساس برأسمال قدره (140) مليون دولار، ومن أجل الدعاية لهذا الصندوق لجذب الاستثمارات الأمريكية إلى إسرائيل قال رئيس الصندوق: "إن إسرائيل هي القوة العظمى التالية، ونحن نحقق أرباحاً كثيرة بالاستثمار في إسرائيل والتي تملك أفضل العقول في العالم وتنتج أعظم المنتجات بأسعار منافسة، ولقد استطاعت إسرائيل أن تقتحم سوق المال والبورصة في نيويورك بشركاتها الطبية ونظمها البنكية وأساليب التقنية العالية".

واليهودي الأمريكي يشعر وهو خارج إسرائيل بأن قوّته التي يتمتع بها في الساحة الأمريكية تعود إلى قوة إسرائيل التي يحتمي بها وتخترق القوانين الدولية وقواعد الشرعية الدولية. ولتعويض النقص الذي يحس به - نظراً لعدم استجابته لنداء دولة إسرائيل للهجرة إليها والبقاء في أمريكا-  فإنه يقُدم لإسرائيل مُختاراً أو مُضطراً ضريبة عالية سياسية واقتصادية ومالية وفي صور وأشكال مختلفة.

هذا وقد شهد عام 1974 رقماً قياسياً في جمع الجباية، حينما جمع بليون دولار من اليهود وأصدقائهم وأرسل إلى إسرائيل، وفي هذا العام نفسه، وحينما حدد الكونجرس سقفاً للمبيعات العسكرية لإسرائيل بمبلغ 730 مليون دولار. وكان مطلوباً من إسرائيل أن تقترض 300 مليون دولار لتغطية جزء من هذه المشتريات، عندئذ تقدمت الحكومة الأمريكية بضمان هذا القرض حيث قامت بتغطيته عدة جهات صهيونية منها بيوت مال يملكها الصهيوني لوب روديس بطرح سندات ضمان مدتها عشرون عاماً، واشترت جزءاً منها مقاطعات محلية في لوس أنجلوس وشيكاغو وتنيسي ووسكاونسن وميتشجن، بالإضافة إلى اتحاد صناعة الملابس النسائية، وقد أعلن وقتها سكرتير عام هذا الاتحاد قائلاً:"نحن مهتمون بهذا القرض لأنه يخدم قضية هامة".

وخلال الفترة من 1975 وإلى 1985 وصل مجمل المساعدات الأمريكية لإسرائيل إلى 27342.6 مليون دولار، منها (16600) مليون دولار مساعدات عسكرية ومنح وقروض اقتصادية تبلغ قيمتها 9424.5 مليون دولار، والباقي مساعدات في مجال برنامج الغذاء ومنح لتوطين المهاجرين اليهود وقروض إسكان بضمانات ومنح للمستشفيات والمدارس.

وتقسم هذه المساعدات إلى ثلاث فترات زمنية كالآتي:

1. الفترة 1975- 1977

إجمالي حجم المساعدات الأمريكية لإسرائيل 5265.7 مليون دولار، منها مساعدات عسكرية 3 مليارات دولار، و1854.5 مليون دولار مساعدات اقتصادية، علاوة على 33.6 مليون دولار برامج غذاء و 70 مليون دولار لتوطين مهاجرين، و 75 مليون دولار قروض إسكان، 12 مليون دولار منح للمستشفيات والمدارس، علاوة على أنواع أخرى.

2. الفترة 1978- 1981

إجمالي المساعدات الأمريكية لإسرائيل 11295 مليون دولا، منها 7400 مليون دولار مساعدات عسكرية، (3119) مليون دولار مساعدات اقتصادية، 50 مليون دولار قروض إسكان، 15.7 مليوناً منح مستشفيات ومدارس، 12.9 مليون دولار لبرنامج التغذية، 95 مليون دولار لتوطين المهاجرين، علاوة على أنواع أخرى.

3. الفترة 1982- 1985

إجمالي المساعدات الأمريكية لإسرائيل 10781.9 مليون دولار، منها 6200 مليون دولار مساعدات عسكرية و4451 مليون دولار مساعدات اقتصادية و 52.5 مليون دولار لتوطين المهاجرين اليهود، 14.9 مليون دولار منح مستشفيات ومدارس علاوة على أنواع أخرى.

ومع تصاعد حجم المساعدات وأسلوب دفعها بصفتها منحاً لا ترد واستخدام بعضها لتطوير صناعات عسكرية إسرائيلية داخل أمريكا، فإن الحكومة الأمريكية أنفقت ما يقارب 1500 دولار على كلّ إسرائيلي بعد أن كان المبلغ 700 دولار قبل عام 1973، وذلك يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية أنفقت على كلّ إسرائيلي ما نسبته 40% مما تنفقه على المواطن الأمريكي الذي يبلغ متوسط الإنفاق له3700 دولار، كما أن إسرائيل تأخذ أكثر من ثلث المساعدات الكلية المقررة للعالم الثالث كلّه.

ويمكِّن التحليل الميزات التي اتصفت بها هذه المساعدات خلال الفترة من 1975 إلى 1985،  من تعرُّف مساحة أكبر من هذه المساعدات وأهم الميزات الخاصة بها.

1. منذ عام 1975، تسلمت إسرائيل كلّ المساعدات الاقتصادية نقداً، كما سمح لإسرائيل بحرية استعمال المساعدات بدون تحديد للمشروعات أو البرامج أو الأغراض.

2. منذ عام 1979، مُنحت إسرائيل حق الدخول في مناقصات وعطاءات القوات المسلحة الأمريكية وخاصة في مشروعاتها فيما وراء البحار، كما سمح لها أيضاً بتسديد قيمة الأسلحة الأمريكية مقابل بضائع إسرائيلية.

3. منذ عام 1980 وبعد توقيع معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية عام 1979، تعهدت الولايات المتحدة الأمريكية، بتزويد إسرائيل بالنفط عند حدوث أزمة تؤدي لانقطاعه عن إسرائيل، وهو أول اتفاق من نوعه تعطيه الولايات المتحدة الأمريكية لإحدى الدول.

4. في عهد إدارة الرئيس رونالد ريجان سمح لإسرائيل باستخدام 900 مليون دولار من المساعدات الأمريكية لتطوير الطائرة ليفي على الرغم من منافستها للطائرات الأمريكية، وعلى الرغم من أن تقديرات وزارة التجارة الأمريكية تشير إلى أن قيمة تصدير بليون دولار يخلق فرص عمل لنحو 24 ألف عامل أمريكي.

5. منذ موازنة عام 1984، بدأت إسرائيل في تسلم قيمة كلّ المساعدات المالية المخصصة لها مرة واحدة، في بداية السنة المالية في شهر أكتوبر، بخلاف أسلوب الأقساط وهو ما كان متبعاً في تسلم المساعدات سابقاً.

6. أقر الكونجرس تشريعاً يقضي بألاَّ تقلّ قيمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل منذ موازنة عام 1984 عن مستوى قيمة الأقساط السنوية لديونها للولايات المتحدة الأمريكية، ومن المعروف أنه قد أُجِّل دفع هذه الديون التي تقدر بنحو 23.5مليار دولار منها 11.5 مليار دولار تخص الحكومة الأمريكية و 9.5 مليارات دولار ديون عسكرية تخص البنتاجون وحده. ومنذ العام نفسه، تحولت كلّ أنواع المساعدات الأمريكية لإسرائيل إلى منح لا ترد.

وبعد 35 عاماً من الصداقة الإسرائيلية ـ الأمريكية، يأتي الرئيس الأمريكي ريجان ليقول :" إن إسرائيل هي رصيد إستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية وحليف وشريك في حماية المصالح المشتركة في الشرق الأوسط".

الأزمة المالية في إسرائيل خلال الثمانينيات

خلال عقد الثمانينيات وبسبب حرب لبنان، واجه الاقتصاد الإسرائيلي مشاكل عديدة، لعل أبرزها هو انخفاض الإنتاجية وسقوط معدل النمو الاقتصادي إلى الصفر، بالإضافة إلى المعدلات العالمية للتضخم وصعود حجم الدين الخارجي، وقد أُجِّل دفع الأقساط والفوائد في محاولة لإسقاطهما نهائياً، هذا بالإضافة إلى (5) مليارات دولار تخص يهود العالم وخاصة يهود الولايات المتحدة الأمريكية من حملة السندات والأوراق المالية الإسرائيلية، وينظر إليها في جملتها بشكل عام على أنها نوع من المشاركة في بناء إسرائيل وتعويض عن عدم هجرتهم إليها، وهي عموماً قروض طويلة الأمد وبفائدة منخفضة نسبياً، وكذلك نحو 6 مليارات من الدولارات من مدخرات الإسرائيليين في البنوك الإسرائيلية وتتميز بأنها ذات مدد قصيرة الأجل، إضافة إلى قروض على أسس تجارية تخص بشكل أساسي بنوكاً أمريكية وبعض بنوك ألمانيا الغربية.

وهكذا يتضح أن أكثر من 70% من هذا الدين الخارجي لإسرائيل غير مبني على أسس تجارية متعارف عليها، أمّا بقية الدين، فهو يعود على البنوك التجارية بما فيها البنوك الإسرائيلية، ونصف هذه البقية تقريباً مبني على أساس قروض قصيرة المدى.

ويقول الكاتب الإسرائيلي رافائيل بنفينيستى:" هناك اعتقاد دائم وسط الرأي العام والسياسيين من إسرائيل ، بأنه إذا ساءت الأحوال، فإن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تهب لنجدتنا ومساعدتنا"، ويقول أيضاً: "لا أحد يهتم مادام وراءه بنك يدفع".

كما يقول ستيفن سيجال الأستاذ بجامعة كاليفورنيا:" يجب أن لا ينظر إلى المساعدات الأمريكية على أنها إحسان لإسرائيل، بل يجب النظر إليها بصفتها جزءاً من الأمن والدفاع والمصالح الحيوية الأمريكية مثل حلف الناتو تماماً، وأن إسرائيل ليست مشكلة للولايات المتحدة الأمريكية بل رصيد وسند لها".

وعموماً فمنذ صيف عام 1984، وبعد شهور قليلة من توقيع اتفاق التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، تولت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل علني مسؤولية علاج الأزمة الجديدة في الاقتصاد الإسرائيلي، وفي أغسطس 1984، زار الولايات المتحدة الأمريكية فريق عمل إسرائيلي برئاسة وزير المالية. تحدثت الجرائد الأمريكية عن اقتراح بمنح إسرائيل معونة مالية عاجلة تراوح ما بين 700 مليون ومليار دولار، وكانت إسرائيل قد طلبت معونة عاجلة قيمتها نحو مليار دولار بالإضافة إلى مليارَين و600 مليون دولار المقررة في موازنة عام 1985.

وفي المشروع المقدم من الإدارة الأمريكية إلى الكونجرس والخاص بالمساعدات العسكرية والاقتصادية لإسرائيل في موازنة عام 1985، تبنى السناتور الجمهوري " شارلز بيرسي"، مع بعض القيادات الصهيونية مثل "كلارنس لونج" الديموقراطي، اقتراحاً بزيادة المساعدات أكثر مما طلبت الإدارة الأمريكية لتصبح صفقة كاملة تضم مليار و400 مليون دولار هي مساعدات عسكرية بزيادة قدرها 55 مليون دولار على مساعدات عام 1984 ومليار و200 مليون دولار مساعدات اقتصادية بزيادة قدرها 290 مليون دولار على المخصص في عام 1984؛ لكي تساعد إسرائيل في حل أزمتها الاقتصادية وخاصة مشكلة النقص في السيولة النقدية.

ولأول مرة في تاريخ العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية، تقدمت الحكومة الأمريكية بعدة مقترحات لإصلاح الاقتصاد الإسرائيلي في عام 1985 والذي أطلق عليه خطة "هيبرت" ذات النقاط العشر والتي تتضمن "استقطاع مليارَين من الدولارات من الموازنة التي بدأت في أبريل 1985 وخفض الاستهلاك خاصة من السلع المستوردة وتحديد مستوى معين من التضخم تلتزم به الحكومة واستقطاع من الدعم الحكومي للسلع وإعادة تثمين قيمة الشيكل وزيادة حجم القوة الاقتصادية وتجميد الأجور من أجل خفض الأسعار وزيادة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وتحقيق استقلالية بنك إسرائيل عن الحكومة".

وفي الوقت نفسه، فقد تصاعدت الضغوط الإسرائيلية والصهيونية الأمريكية ومعها الكونجرس، تطالب كلّها بالإفراج عن المساعدات الإضافية لإسرائيل من دون انتظار حدوث إصلاح في الاقتصاد الإسرائيلي. وفي 15 مايو 1985، طلب الرئيس ريجان رسمياً من الكونجرس الموافقة على تقديم مليار ونصف المليار دولار مساعدة خاصة لإسرائيل، حيث قام مجلس الشيوخ بإقرارها في اليوم عينه، بينما كانت لجنة الشؤون الخارجية واللجنة الفرعية للمخصصات في مجلس النواب قد وافقتا على هذا المبلغ قبل أن يطلب منهما الرئيس رسمياً، وهكذا حصلت إسرائيل على المساعدات العادية والطارئة، وهذا يعني أن اللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة الأمريكية قادر على الضغط على الإدارة الأمريكية والكونجرس من أجل دعم إسرائيل بمطالبها من المساعدات حتى لا يتأثر اقتصادها بأيّ شكل من الأشكال.

وواقع الأمر أن نحو ثلثَي المساعدات التي حصلت عليها إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية كانت لأغراض عسكرية، وجاء نصيب المساعدات الاقتصادية أقلّ من الثلث، وبهذا تكون المساعدات الأمريكية عنصراً حاسماً لدعم الأمن القومي الإسرائيلي، حتى لا تتحمل إسرائيل عبء المطالب العسكرية التي قد تؤثر بشكل مباشر على اقتصادها، بحيث يمكن تخصيص جزء من مواردها لأغراض التطور الاقتصادي، هذا بالإضافة إلى حجم المنح والقروض الاقتصادية، فإن حجم المساعدات العسكرية يصل إلى نسبة 57 – 65% من حجم المساعدات الأمريكية، ويصل حجم المساعدات الاقتصادية إلى نسبة 30-35%.

ومنذ عام 1976 وحتى عام 1985، زاد حجم المساعدات العسكرية الأمريكية بشكل واضح، فوصلت وصلت إلى نحو 1400 – 1700 مليار دولار، 50% - 60% منها في المتوسط في شكل قروض والباقي منح بمتوسط سنوي (500 – 850) مليون دولار، وبلغت هذه المنح خلال هذه السنوات العشر (7700) مليون دولار. كما أن القروض العسكرية قروض ميسرة جداً، حيث تسدد على 30 سنة بعد فترة سماح مدتها عشر سنوات وبسعر فائدة 2 – 3 %.

ومع بداية عقد الثمانينيات كان هناك تطور مهم آخر في العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، فقد اتخذ الكونجرس قراراً بأن تصبح المساعدات الاقتصادية الأمريكية لهذه الدولة جميعها في شكل منح منذ العام المالي 1981، وكان من نتيجة ذلك أن أصبحت المنح تمثل 80% من المساعدات التي حصلت عليها إسرائيل خلال الفترة من 1974 إلى 1983. ويمكن القول إن هذه الفترة تمثل عقد التحول الإستراتيجي، ويدعم هذا الاستنتاج أن هذه التطورات قد توجت بتوقيع مذكرة التفاهم حول التعاون الإستراتيجي بين البلدَين في 30نوفمبر1981.

إنه من الملاحظ من خلال عرض هذه المساعدات المالية، أن هناك ارتباطاً بين الخط البياني لهذه المساعدات وموقف الحرب والسلام في منطقة الشرق الأوسط، فلقد كانت الطفرة الكبرى فيها عام 1974انعكاساً لنتائج حرب أكتوبر 1973، وإعلاناً عن التزام الولايات المتحدة الأمريكية الحاسم بحماية إسرائيل وضمان تفوقها، كما كانت الطفرة الكبرى الأخرى بعد ذلك بخمس سنوات عام 1979، بمناسبة توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل إيذاناً ببدء مرحلة السلام بمبادرة مصرية وتصور إسرائيلي ومباركة أمريكية، ومن ثم فهو أمر مثير للخيال والتأمل أن يكون كلّ من الحرب والسلام سبباً في تصاعد حدة التأييد الأمريكي لإسرائيل والدعم المالي لها.