إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / القومية العربية









تقديم

تقديم

       "القومية" في الاصطلاح هي صلة اجتماعية عاطفية، تنشأ من الاشتراك في الوطن واللغة والتاريخ؛ وهي تكريس لهوية مشتركة واعتداد بها، وتمييز لها عمن يحملون أو يعتدون بهويات مختلفة أو مخالفة.

       و"القومية" لغة: اشتقاق لغوي من جذر كلمة "قوم"، التي تعني جماعة من الناس، (وقيل هي للرجال خاصة)، تربطهم وحدة اللغة والثقافة والمصالح المشتركة؛ وقد تنحدر هذه الجماعة أو لا تنحدر من جد واحد حقيقي أو مجازي، ومن ثم يُعد أفرادها أنفسهم أقارب، مثل الأخوة، أو أبناء العمومة.

       وإذا كانت الوطنية هي النسبة لمكان المولد والإقامة، وتعني حب هذا المكان والاعتزاز والاعتداد به، والاستعداد للدفاع عنه، والتضحية في سبيله؛ فإن "القومية" تنسب إلى "القوم" أو "الجماعة" أو "الأمة"، التي يربط أفرادها، لغة، وثقافة، وذكريات جماعية، ومصالح مشتركة. فالوطن يشير إلى "المكان" والقومية تشير إلى "الإنسان". وبالطبع، فالعلاقة بين الوطن والأمة هي علاقة عضوية حميمة؛ فكل قوم، أو أمة، لابد لهم من وطن، في البداية، يعيشون فيه، ويكتسبون كل الصفات والخصائص التي تجعل منهم جماعة بشرية، أو أمة متميزة عن غيرها من الأقوام أو الأمم.

       والقومية بهذا المعنى، لها أسس "موضوعية" وأخرى "ذاتية". أمّا الموضوعية فهي: الأصول العرقية والثقافية واللغوية المشتركة، والتي تنشأ على مر العصور والقرون. أمّا الذاتية فهي: "الإدراك" و"الوعي" الجماعي بهذا المشترك، وتعميقه، وتدعيمه فكرياً ووجدانياً وسلوكياً؛ والسعي إلى تحويله إلى مشروع مجتمعي سياسي.

       ويساعد في تنمية القومية، موضوعياً وذاتياً، وجود تحديات جماعية، سواء كانت هذه الأخيرة مخاطر حقيقية أو متوهمة، أو طموحات مقبولة، ومعقولة، أو نزعات جامحة وطائشة. وقد عرفت البشرية كل هذه الألوان والتنويعات القومية، في القرنين الأخيرين: التاسع عشر، والعشرين، وأصبح هناك تراث علمي ضخم في دراسة القومية والقوميات. بل وأصبحت "الدولة القومية" (Nation-State) هي أساس العلاقات الدولية منذ معاهدة وستفاليا (1648)، بين مجموعة من الدول الأوروبية، الصاعدة على أشلاء إمبراطوريات قديمة، في القرن السابع عشر.

       وخلاصة القول، أن "القومية" كمصطلح، يعني مجموعة مترابطة من المعتقدات الجماعية، بوجود روابط عرقية أو ثقافية، أو لغوية، أو روحية مشتركة، وأن هذه الروابط تعطي أصحابها الحق في مشروع مجتمعي خاص بهم، بما في ذلك إنشاء كيان سياسي متميز، أو مستقل عن غيره من الكيانات المجاورة.

       وقد وصلت الدعوة القومية إلى أوجها، في أوروبا، خلال القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، وكانت الحروب المصاحبة للوحدة الألمانية والوحدة الإيطالية، ثم الحربان العالميتان (1914 ـ 1918 و1939 ـ 1945)، هي التجليات الدرامية للقوميات الأوروبية.

       أما خارج أوروبا، فقد انتشرت الدعوات القومية، منذ أواخر القرن التاسع عشر، ووصلت إلى ذروتها في خمسينيات، وستينيات القرن العشرين. وأمّا القومية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، فقد ارتبطت بحركات الاستقلال وتقرير المصير.

       وضمن هذا السياق التاريخي الحديث، ظهرت وتبلورت ونمت الدعوة للقومية العربية، في أواخر القرن التاسع عشر، ووصلت إلى أوجها في منتصف القرن العشرين. والذين يطلقون على أنفسهم، أو يطلق عليهم الآخرون، اسم "العرب" أو "الأمة العربية" هم الأقوام والشعوب والجماعات التي تصل أعدادها، في نهاية القرن العشرين، إلى أكثر من ربع مليار نسمة، ويقطنون الكتلة الجغرافية الممتدة من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي وأواسط أفريقيا، ومن الخليج العربي ـ الفارسي إلى المحيط الأطلسي؛ وينتظمون في إحدى وعشرين دولة مكتملة قانونياً، وأخرى ما زالت تسعى إلى هذا الاكتمال القانوني، وهي فلسطين. وتجمعهم منظمة إقليمية واحدة تحمل صفتهم القومية المشتركة، وهي "جامعة الدول العربية"، التي تأسست عام 1945 كخطوة مؤسسية نحو مزيد من التضامن، أو التكامل، أو التوحد.

       وتتعرض الأجزاء التالية، للجذور التاريخية للأمة العربية، ثم للدعوة المعاصرة للقومية العربية، وأخيراً لواقع واستشراف مستقبل الوطن العربي والأمة العربية.