إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / أزمة لوكيربي




الأمين خليفة فحيمة
سطح الطائرة ومقدمتها
عبدالباسط المقراحي
عضد مثبت في شجرة





الفصل الثاني

الفصل الثاني

الموقف السياسي لأطراف الأزمة وردود الفعل الإقليمية والدولية

موقف الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة

        اعتباراً من منتصف شهر نوفمبر 1991، درست الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا (الأنجلوساكسون)، فكرة طرح هذه القضية على مجلس الأمن، مع احتمال أن تطلبان من المجلس فرض عقوبات اقتصادية على ليبيا، مثل فرض حظر على النفط الليبي.

        أعلنت الولايات المتحدة وفرنسا يوم 28 نوفمبر 1991، بياناً مشتركاً يطالب ليبيا الاستجابة لمطالب المحققين، وتسليم المتهمين الليبيين في هذه القضية، وأن تتعهد ليبيا بصورة جادة ونهائية عن التخلي لجميع أشكال الإرهاب وعدم تقديم أي دعم للمجموعات الإرهابية، مع دفع تعويضات لأسر الضحايا في حادث تفجير الطائرة الأمريكية، وإلاّ فإنهم سيبحثون معاً العقوبات وإجراءات الرد، التي ستمارس ضدها حالة الرفض.

        كان التنسيق كاملاً بين الدولتين، بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وباقي الدول الأوروبية، لتحديد الإجراءات الواجب اتخاذها ضد ليبيا، ودراسة بعض العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية (حظر البترول الليبي ـ فرض حصار اقتصادي كامل ـ إغلاق جميع السفارات الليبية في أوروبا). فضلاً عن التلويح بإمكانية استخدام الخيار العسكري أو العمل الخاص، انتقاماً من ليبيا لصلتها بتفجير الطائرة، مع التأكيد بأن المسؤولين في الولايات المتحدة، ينظرون في أمور أبعد من محاولة تقديم الليبيين المتهمين إلى المحاكم (تحذير ليبيا من خلال مسؤولين في الحكومة البريطانية، من عواقب رفض تسليم المتهمين).

        وكان ذلك كله، محاولة لتهيئة الرأي العام الدولي، بوجه عام، والداخلي بوجه خاص، في الولايات المتحدة الأمريكية، لقبول تنفيذ العقوبات ضد ليبيا، بما فيها العمل العسكري. والإشارة في ذلك إلى وعد الحكومة الأمريكية للشعب الأمريكي، بالتحقيق ومتابعة المسؤولين عن الحادث، والانتقام منهم.

        وفي بداية الأزمة، وعند رفض ليبيا تسليم المتهمين، بذلت كل من مصر والمغرب، جهود وساطة لدى للولايات المتحدة الأمريكية، لعدم القيام بضربة عسكرية ضد ليبيا.

        وقد برز دَوْرَيّ الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا، من خلال التحرك الدبلوماسي الدقيق، داخل الأمم المتحدة وخارجها، وعلى مستوى العلاقات الثنائية، لتأكيد موقفهما من أنهما سينفذان الوسائل السلمية، لدفع ليبيا للتجاوب بشأن حادث الطائرة. ولكن أدركت الدولتان، من خلال رد الفعل الليبي، أن الموقف سيتطور، وأنه لابد من إصدار قرار من مجلس الأمن، مع مراعاة الآتي:

صعوبة إصدار قرار في هذه المرحلة، علاوة على صعوبة تطبيقه. وأن فاعلية العقوبات تستلزم تطبيقاً ناجحاً، لحظر جوي وبري مصاحب له.

1.

تدرك الدولتان تعارض مطلب المتهمين للتسليم، مع القوانين الداخلية الليبية.

2.

تشجيع رجال القانون والبرلمانيين والشخصيات العامة، للقيام بمبادرات فردية غير رسمية، لحث القذافي على المرونة والتعاون.

3.

إحاطة السكرتير العام للأمم المتحدة بالسيناريو المقدم، والخطط البديلة، مع عدم الإفصاح عن ذلك حتى لا يضعف الضغط الدولي على ليبيا، وبما يعكس أي تراجع أو استبعاد، والتشدد إذا لزم الأمر.

4.

موقف فرنسا

        طالبت الحكومة الفرنسية، الحكومة الليبية، تقديم كل ما لديها من أدله مادية، لتسهيل الوصول إلى الحقائق. وكذا تسهيل الاتصالات واللقاءات اللازمة، حتى يمكن التعاون وبشكل فوري مع القضاء الفرنسي، للمساعدة على تحديد المسؤوليات في هذا العمل الإرهابي، وفي حالة ثبوت تورط ليبيا في تفجير الطائرة الفرنسية، فإنها ستتخذ الإجراءات العقابية ضد ليبيا، بما في ذلك قطع العلاقات الرسمية.

        وقد سعت فرنسا إلى تأكيد، أن المعلومات المتوفرة لديها حول حادث انفجار الطائرتين الأمريكية والفرنسية، تكفي للاقتناع بمسؤولية ليبيا المباشرة، بينما تكشف المخابرات الفرنسية عن صحة الادعاء بأن ليبيا على علاقة بحادث تفجير الطائرة الأمريكية، وأن تقاريرها تشير إلى تورط أطراف أخرى، وتطالب بضرورة تسليم المتهمين الليبيين، في كل من حادث انفجار الطائرة الفرنسية والطائرة الأمريكية، وتؤيد فرض عقوبات على ليبيا.

الموقف الليبي

        نفت ليبيا الاتهامات الغربية بشدة، ورفضتها رسمياً. وهو الأمر الذي اعتبرته الدول الغربية نوعاً من التشدد لسياسة دعم ومساندة الإرهاب. كما أعلنت ليبيا عن ضرورة تحويل ملفات التحقيق إلى جهات قضائية أخرى محايدة للنظر فيها. وجهت وزارة الخارجية الليبية مذكرة للأمم المتحدة يوم 26 نوفمبر 1991، تتهم فيها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بأنهما يثيران نزاعاً حول قضية الطائرة، كحجة لشن هجوم على ليبيا، وهذا يمثل تهديداً للسلام والأمن في كل أنحاء العالم.

        كما استدعت الخارجية الليبية سفراء الدول المعتمدين لديها، وعرضت عليهم وجهة نظرها ورفضها لهذه الاتهامات. وأعلنت القيادة الليبية عن استعدادها، لاستقبال لجنة دولية محايدة للتحقيق في الاتهامات الأمريكية ـ البريطانية. وطلب قاضي التحقيق الليبي، من واشنطن ولندن تزويده بصورة رسمية من الوثائق، والمحاضر، الخاصة بالتحقيق، أو إصدار أوامر لتمكينه من الاطلاع عليها.

        وفي الفترة من 25 ـ 29 نوفمبر 1991، أجرت ليبيا جولات مكثفة في العديد من الدول العربية، بهدف اطلاعها على آخر تطورات الموقف وسبل التصدي لها، مع اتخاذ عمل موحد للمجابهة. وتمثلت الزيارات في الآتي:

زيارة أبو زيد عمر إلى مصر يوم 25 نوفمبر،  وإلى سورية والأردن يوم 26 نوفمبر، وإلى لبنان يوم 27 نوفمبر، وإلى اليمن يوم 28 نوفمبر 1991.

1.

زيارة العقيد مصطفى الخروبي لكل من المملكة العربية السعودية يوم 24 نوفمبر، وسلطنة عُمان والكويت يوم 25 نوفمبر، والإمارات يوم 26 نوفمبر 1991.

2.

زيارة الخويلدي الحميدي لكل من المغرب يوم 22 نوفمبر،  وإلى الجزائر يوم 23 نوفمبر، وإلى تونس يوم 25 نوفمبر 1991، مع تقديم طلب رسمي إلى المغرب بصفته رئيس لاتحاد دول المغرب، للتدخل لدى أمريكا وبريطانيا، ضد الاتهامات الموجهة إلى ليبيا.

3.

زار أبو بكر يونس السودان يوم 25 نوفمبر، وعبدالرازق أبو بكر باكستان يوم 28 نوفمبر.

4.

زيارة رئيس المجلس الشعبي عبدالرازق سوسا إلى طهران يوم 27 نوفمبر، وإلى تركيا يوم 30 نوفمبر، وسلم رسائل إلى رؤساء الدولتين.

5.

التقى الرئيس معمر القذافي يوم 25 نوفمبر 1991 عدداً من الوفود الإسلامية (من الاتحاد السوفيتي، والهند، وباكستان، وأفغانستان) وأكدوا على دعم ليبيا.

6.

        وفي إطار تخفيف الضغط، وإظهار اهتمام ليبي للمطالب الغربية، اتخذت القيادة الليبية قراراً بتعيين العقيد يوسف عبدالقادر الديري رئيساً جديداً لجهاز المخابرات الليبي، بهدف تطوير الجهاز والتعاون الكامل مع القاضي المكلف بالتحقيق حول ادعاءات تورط الجهاز الليبي في حوادث الطائرة (كان المسؤول عن المكتب إبراهيم بشاري الذي عين وزيراً للخارجية).

        دعوة جامعة الدول العربية (من خلال اجتماع لوزراء الخارجية)، لبحث الاتهامات ضد ليبيا واتخاذ موقف عربي موحد، والاحتجاج لدى الأمم المتحدة على الاتهامات الأمريكية والبريطانية ضدها.

أظهرت القيادة الليبية اعتدالاً وتعقلاً في إدارة الأزمة، وذلك من خلال إعلانها عن الآتي:

إغلاق جميع المعسكرات، التي كانت تستخدم للتدريب داخل ليبيا (5 معسكرات).

1.

وقف جميع المساعدات إلى العناصر الإرهابية.

2.

تعاون الجهات الليبية مع بريطانيا بالنسبة للجيش الجمهوري الأيرلندي (أعلنت بريطانيا أن المعلومات مفيدة ولكن غير كافية)، ثم قالت بريطانيا بعد ذلك، أنها تسرعت في هذا الرأي.

3.

ترحيل المنظمات الفلسطينية المتطرفة من ليبيا، وعلى رأسها القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل.

4.

إعلان ليبيا استعدادها لتسليم المتهمين إلى دولة محايدة، مثل مالطة، لإجراء المحاكمة لهم.

5.

إعلان ليبيا عن استعدادها لاستقبال قاضي التحقيق الفرنسي، الذي يباشر التحقيق في قضية سقوط الطائرة الفرنسية (UTA).

6.

أعلنت ليبيا عن استعدادها لتقبل الخطوات الآتية، لضمان جدية التحقيق ونزاهته، من خلال الآتي:

قبول التحقيق المشترك، بحيث يشترك في التحقيق والاستجواب قضاة من أمريكا وإنجلترا وفرنسا.

1.

قبول التحقيق الدولي، أي تشكيل لجنة تحقيق دولية من جانب الأمم المتحدة.

2.

دعوة منظمات حقوق الإنسان، ونقابات المحامين، وأسر الضحايا، لمتابعة التحقيق.

3.

قبول الرجوع لمحكمة العدل الدولية، لتحديد الجهة المختصة وتحديد الاختصاص.

4.

        كان التحرك الليبي لاحتواء الأزمة كبيراً وشاملاً، على المستوى الإقليمي والعربي، يواكبه تحرك على المستوى الأفريقي والأسيوي والأوروبي، من خلال المنظمات والهيئات العالمية (منظمة الوحدة الأفريقية ـ مجموعة عدم الانحياز ـ الأمم المتحدة).

ردود الفعل الإقليمية والدولية

الدول العربية

        أيدت بعض الدول العربية موقف ليبيا رسمياً وإعلامياً، مع اتخاذ موقف مضاد للتحرك والاتهامات الأمريكية (العراق، والسودان)، كما دعت دول عربية أخرى إلى ضرورة ضبط النفس، وعدم تصعيد الموقف إلى مرحلة الصراع المسلح (سورية، والأردن، والجزائر)، واكتفت دول أخرى بالإشارة إلى إجراء اتصالات للوساطة (المملكة العربية السعودية)، ورفضت بعض الدول الاتهام الأمريكي لليبيا، واتخذت خطوات واتصالات للوساطة، مع مطالبة الأطراف المعنية لحل الأزمة بالطرق السلمية (تونس، ومصر).

ويتلخص دور مصر في هذه المرحلة، في الآتي:

1. رفض مصر طلباً أمريكيا يقضي بإغلاق الحدود بين مصر وليبيا، وكذا رفضت وقف برامج التعاون في كافة المجالات بين مصر وليبيا تنفيذا للطلب الأمريكي.

2. قامت مصر بجهود وساطة كبيرة لمنع قيام عمل عسكري ضد ليبيا. وقد سافر الرئيس مبارك إلى فرنسا في محاولة منه لتصفية هوة الخلاف، والتأكيد على ضرورة عدم استخدام القوة ضد ليبيا (زيارة الرئيس لباريس يوم 26 مارس 1992).

3. أعلنت مصر عن ضرورة مقاومة الإرهاب، وإدانة أي عملية إرهابية.

4. ضرورة احترام الشرعية الدولية من ناحية، وحقوق ليبيا السياسية، من ناحية أخرى.

         كما قامت المغرب بدور سياسي كبير لحل الأزمة، وتمثل ذلك من خلال زيارة العاهل المغربي الملك الحسن، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، للوساطة في حل الأزمة.

الاتحاد السوفيتي

        اعلنت وزارة الخارجية السوفيتية، عن رغبة البلاد في أجراء دراسات دقيقة ومتأنية، حول حادث لوكيربي، قبل توجيه مثل هذه الاتهامات لليبيا، خاصة أن المتهم هو الدولة وليس أفراد أو منظمات (الجدير بالذكر أن الاتحاد السوفيتي لم يقوم بدور فعال في أي أزمة، منذ تفكك الاتحاد السوفيتي ولم يقم باستخدام الفيتو).

ألمانيا

        أعلنت وزارة الخارجية الألمانية عن اقتناعها بمسؤولية ليبيا، في الاعتداء على الطائرتين الأمريكية والفرنسية، ومطالبتها بتسليم المتهمين للمحاكمة. وقد استغلت وسائل الإعلام هذا الموقف، وجددت الحملة على امتلاك ليبيا إمكانية تصنيع الغازات الكيماوية، سواء في مصنع الرابطة أو في إنشاء مصنع جديد لذلك في منطقة سبها.

إيطاليا

        مطالبة ليبيا باتباع قواعد القانون الدولي (مطالبه غير مباشرة لتسليم المتهمين)، مع إلغاء زيارة زعيم الحزب الاشتراكي الإيطالي لليبيا، بصفته ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة، كاحتجاج ضمني، أو عدم موافقة على أسلوب ليبيا وموقفها.

مالطا

        أعلن رئيس وزراء مالطا أمام البرلمان، أن بلاده تعاونت بشكل جيد وكبير مع المحققين في حادث سقوط الطائرة الأمريكية (بان أمريكان)، وأثبتت أن رحلة طيران الخطوط الجوية المالطية التي توجهت إلى فرانكفورت من مالطا يوم 21 نوفمبر 1988، لم تكن بها أي حقائب مشحونة بلا راكب (يأتي ذلك عكس ما أعلنته بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، في مؤشرات دلائل الاتهام).

إيران

        رفضت الموقف الأمريكي وأشارت إلى أن الأسباب، التي أدت إلى الاتهامات المنسوبة إلى ليبيا وإظهارها في هذا الوقت، يرجع إلى رفض ليبيا انعقاد مؤتمر السلام، ورفضها أيضا التحرك الأمريكي في هذا الإطار.

إسرائيل

        أكد خبراء إسرائيليين أن عناصر من منظمة الجبهة الديموقراطية الفلسطينية، التي يتزعمها أحمد جبريل متورطة مع ليبيا في تفجير الطائرة الأمريكية، وأستند الخبراء في اعتقادهم على الآتي:

نتائج التحقيق التي قامت بها الجهات المختصة، سواء في واشنطن أو لندن، غير كاملة وغير دقيقة.

1.

الاعتقاد بأن جهاز التفجير الذي أدى إلى سقوط الطائرة، هو من خمسة أجهزة كانت لدى أفراد المنظمة، الذين اجتمعوا في ديسمبر 1988 في مدينة فرانكفورت الألمانية، الليلة التي سبقت تفجير الطائرة، وقد عُثر على عدد (أربعة) أجهزة فقط، ويعتقد أن الجهاز الخامس هو الذي استخدم في التفجير.

2.

منظمة حلف شمال الأطلنطي (الناتو)

        أعرب عن تأييده لمطالبة الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، للسلطات الليبية بتسليم المتورطين بتفجير الطائرتين الأمريكية والفرنسية، عامي 1988، 1989.

المؤسسات العربية والإسلامية

        أصدرت كل من الجامعة العربية، والأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي (مقره جدة)، ومجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي، والأمانة للقيادة الشعبية الإسلامية العالمية (مقرها ليبيا)، ما يفيد رفض الاتهامات الأمريكية والبريطانية، ومطالبة التعاون من خلال المحافل الدولية للبحث عن الحقائق، ومنع تنفيذ عمليات عسكرية ضد ليبيا.