إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / أزمة لوكيربي




الأمين خليفة فحيمة
سطح الطائرة ومقدمتها
عبدالباسط المقراحي
عضد مثبت في شجرة





الفصل السادس

الفصل السادس

انعقاد المحكمة

         انعقدت في 5 أبريل 2000، بقاعدة زايست بهولندا، محاكمة الليبيين عبدالباسط المقراحي والأمين خليفة فحيمة، المشتبه فيهما بتفجير طائرة شركة "بان آم" الأمريكية، فوق بلدة لوكيربي الأسكوتلندية، في 21 ديسمبر 1988، قبل أحد عشر عاما.

         كان نحو 20 من أقارب المقراحي وفحيمة، و30 من أقارب الضحايا الأمريكيين، ومثلهم من البريطانيين، قد حضروا الجلسة الافتتاحية، إلى جانب المراقبين الدوليين الخمسة، الذين عينهم الأمين العام للأمم المتحدة، وعشرات من الصحفيين.

         وبعدما سوّيت بعض الجوانب الإجرائية، بين الدفاع والادعاء، وتُليت لائحة الاتهام بحق المقراحي وفحيمة، من قِبل كاتب المحكمة، الذي سجل، أيضاً، أن المشتبه فيهما ينفيان الاتهامات الثلاثة الموجهة إليهما.

         وفي مستهلّ مرافعته، قال محامي المقراحي، وليام تيلور، إنّ موكله يرغب في استدعاء عدد من الشهود، وأنه قدّم قائمة بهم. من جهته قال محامي فحيمة، ريتشارد كين، إنه، أيضاً، سلّم قائمة بالشهود، وأنه سيقدم لاحقاً قائمة بستة شهود إضافيين، بمن فيهم المدعو محمد أبو طالب المعتقل في السويد، والمشتبه في انتمائه لجماعة "أحمد جبريل ـ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة"، وآخرون يعملون في مخبز، في العاصمة المالطية.

         قال محاميا المتهمين الليبيين، إنّ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة، بزعامة أحمد جبريل، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني المنشقة عنها، مسؤولتان عن هذا الاعتداء. وأنهما سيقدّمان إلى المحكمة، أدلة من شأنها تجريم، ما لا يقل عن عشرة من الأعضاء الناشطين في جبهة النّضال الشعبي الفلسطيني، وعدد من عناصر الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة.

         وتشتمل الوثيقة، أيضاً، على أسماء ثمانية مسؤولين آخرين، في هذا التنظيم. ولكن لم يقدم الدفاع أي تفاصيل، عن هؤلاء الأشخاص، باستثناء ثلاثة منهم.

         ويواجه المقراحي وفحيمة تهماً ثلاث، هي: "التآمر للقتل" و"القتل" و"انتهاك قانون السلامة الجوية". وتتعلق التهمة الأولى، التي تشكل أساساً للتهمتين الأخريين، بحصولهما على أجهزة توقيت لتفجير القنبلة، والاحتفاظ بمواد متفجرة، ووضعها مع جهاز التوقيت داخل جهاز راديو / مسجل، ووضع الجهاز داخل حقيبة مع ملابس اشتراها المقراحي، حسبما يزعم الادعاء، من متجر في العاصمة المالطية، وأخيراً وضع الحقيبة على متن الطائرة المالطية، التي أوصلتها إلى فرانكفورت، حيث وضعت على متن طائرة تابعة لـ "بان آم"، أوصلتها إلى لندن، لتستقر على متن الطائرة المنكوبة، المتجهة إلى مطار كنيدي في نيويورك.

         وبعد الانتهاء من الإجراءات الرسمية، الخاصة بالمحكمة الأسكوتلندية، بدأ الادعاء، الذي عليه إثبات إحدى التهم الثلاث، باستدعاء الشهود. فاستمع إلى مسؤول المراقبة الجوية في مطار هيثرو، ريتشارد دوسن، الذي قدم شرحاً لتقسيمات نظام المراقبة الجوية الأربعة الرئيسية، للمجال الجوي البريطاني. وبعد انتهائه من شهادته، سأل القاضي، اللورد سذرلاند، الدفاع إن كان يريد استجواب الشاهد. فلم يرغب الدّفاع في ذلك. ثم استُدعى شاهد آخر، روبرت كورت، وهو مراقب جوي، كان يؤدي مهامه وقت وقوع الكارثة. وشرح الشاهد الارتفاع، الذي كانت تحلق عنده الطائرة واتجاهها. وكذلك لم يشأ الدفاع مساءلة هذا الشاهد أيضاً. ثم استدعى شاهد ثالث، جون توب، وهو مراقب للملاحة الجوية في أسكوتلندا. وشرح، أيضاً، ارتفاع الطائرة ومسارها قبيل الكارثة.

         وباستثناء بعض الأمريكيين، فإن جل الحاضرين قدّروا أن من السابق لأوانه، الحكم على سير المحاكمة ونزاهتها. وقد عيّن الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، خمسة دبلوماسيين مراقبين للمحاكمة. وقد قال أحدهم: "دورنا هو المراقبة فقط، والمحاكمة ما زالت في بدايتها، لكننا إذا وجدنا ما يقلقنا حيال سيرها، فإننا سنبلّغ فوراً الأمين العام للأمم المتحدة، وكذلك منظماتنا".

         ومن جهة أخرى، قال الدكتور جيم سواير، المتحدث باسم الضحايا البريطانيين، إنه يشعر بارتياح بالغ لانعقاد المحكمة. وقال: "طيلة سنوات قال لنا السياسيون، إن المحاكمة مستحيلة، وها نحن الآن نحضرها. والقرار بات الآن بيد المحكمة".

         واللافت أن ليبيا قررت حضور المحاكمة إعلامياً، بشكل مكثف. فقد أوفد التليفزيون الليبي بعثة لتغطية وقائعها. وتبث البعثة يومياً رسالة تليفزيونية إلى ليبيا، إضافة إلى تغطية مستمرة لصالح وكالة الأنباء الليبية "جانا". ويذكر أن جلسة محاكمة لوكيربي، عُلقت فترة من الزّمن، للقيام بأعمال فنية عاجلة، بعد أن حالت مشاكل في نظام الصوت، دون سماع بعض أعضاء المحكمة لوقائع الجلسة، بشكل جيد.

المتهمان والادعاء

1. عبدالباسط المقراحي

         ولد في طرابلس عام 1952، وكان موظفاً في الخطوط الجوية الليبية في مالطة، وقت انفجار طائرة "بان أمريكان" فوق لوكيربي. وتقول الشرطة الإسكوتلندية إن وظيفته كانت غطاء لعمله الحقيقي، كضابط استخبارات ليبي. وقد درس المقراحي في الولايات المتحدة في السبعينيات. ويقول الادعاء إنه كان يستخدم أربعة جوازات سفر. وعندما صدر قرار الاتهام ضده، في عام 1991، قال المقراحي: "إنه رجل يحب الحياة الهادئة، ولم يقع أبداً في مشاكل مع أحد". ويدافع عن المقراحي المحامي ويليام تايلور.

2. الأمين خليفة فحيمة

         ولد عام 1956 في سوق جمعة في ليبيا، وكان مدير محطة الخطوط الليبية في مالطة، وقت وقوع انفجار لوكيربي. ينفي فحيمة، المتزوج ولديه خمسة أطفال، أن يكون قد عمل مع الاستخبارات الليبية، ويؤكد أنه رجل عائلي. ويدافع عنه المحامي ريتشارد كين.

المدعي العام الإسكوتلندي اللورد كولين بويد

         يمثل اللورد بويد الادعاء، في ما يتوقع أن يكون أطول وأغلى محاكمة في تاريخ القضاء البريطاني فقد تستغرق 18 شهراً، وتتكلف حوالي 100 مليون جنيه إسترليني (حوالي 160 مليون دولار). تسلم كولين بويد منصبه، بعد استقالة المحامي العام السابق، لورد هاردي، في فبراير 1999، في ظروف أثارت جدلاً. وفشل كولين بويد، أول توليه الإدعاء، في محاولة لتأجيل المحاكمة، بدعوى أنه لم يحصل على تفاصيل كاملة من الشهود الـ 119، الذين سيجلبهم الدفاع. ويساعده فريق يضم المحامي اليستر كامبل، والمحامي آلان ترنبول.  

دور منظمة أحمد جبريل في الحادث

         رفضت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ التي يتزعمها أحمد جبريل ـ الاتهام، الذي وجهته هيئة المحامين عن دور الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في حادث تفجير الطائرة. وقالت الجبهة، إنّ أصابع الاتهام في هذه الكارثة، تشير إلى المخابرات الإسرائيلية. وقال طلال ناجي، الأمين العام المساعد للجبهة، "إنّها أكدت، منذ بداية أزمة طائرة لوكيربي، عدم علاقتها إطلاقاً بهذه الحادثة، التي سبق لبعض الأوساط والجهات في بريطانيا والولايات المتحدة، أن حاولت اتهام الجبهة بها، بعد شهرين على وقوعها. وقد نفت الجبهة مراراً علاقتها بهذه الحادثة. وذلك أنّ الجبهة، لم يسبق لها أن نفذت عمليات، ضد أهداف مدنية، أو طائرات، وهي، منذ بداية انطلاقتها، تركز كفاحها ضد العدو الصهيوني، وأهدافه داخل فلسطين المحتلة". واستغرب ناجي ما "ورد على لسان محامي الدفاع (عن الليبيين) في هذا الصدد. وقال: إن أصابع الاتهام يجب أن توجه إلى العدو الإسرائيلي، خاصة "الموساد"، بالتعاون مع بعض الجهات الخارجية". ويعتقد ناجي أن لجوء هيئة الدفاع، إلى إلقاء اللوم على الجبهة، هو عودة للتهمة الأمريكية ـ البريطانية، التي ظلت توجه للجبهة لمدة ثلاث سنوات (1988 ـ 1991)، قبل توجيه الاتهام إلى ليبيا. وأكد ناجي أن الجبهة لا تعتقد، أن ليبيا تقف وراء هذه الحادثة.

         وعن الفلسطيني، محمد أبو طالب، الذي ورد ذكره في المحاكمة، قال ناجي: "إنّ (أبو طالب) لا علاقة له بالجبهة الشعبية، لا من قريب ولا من بعيد. ولم يكن يوماً عضواً في الجبهة. وهو معتقل الآن في السويد، ويمكن الاتصال به".

         ومن المعروف، أن الجبهة تأسست عام 1964، تحت اسم "جبهة التحرير الفلسطينية من أجل تحرير فلسطين". وبعد نكسة يونيه 1967، انضمت جبهة التحرير الفلسطينية، التي يتزعمها أحمد جبريل إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي أسسها الدكتور جورج حبش، في نوفمبر من العام نفسه، لكنها انشقت عن الجبهة عام 1968، باسم الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة. وقال جبريل في تبريره للانشقاق، إنه يريد التركيز أكثر على العمل العسكري، بدلاً من الإعلام والدعاية. وفي السبعينيات، انشق محمد عباس (أبو العباس) عن القيادة، ليشكل فصيلاً يحمل الاسم الأول للقيادة العامة. وتعدّ الجبهة من أشد الفصائل الفلسطينية معارضة للحلول السلمية، لا سيما اتفاقات أوسلو. وتقف موقفاً معادياً للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وخاضت ضد قواته معارك ضارية في لبنان، لا سيما في المخيمات الفلسطينية، في محيط مدينة طرابلس. ودعت إلى اغتيال عرفات أكثر من مرة، خاصة بعد أن وصفته بالخيانة، بعد توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993.

         وتتخذ الجبهة من دمشق مقراً لها، فضلا عن قواعد عسكرية في لبنان. كما أن لها وجوداً محدودًا، في الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد تخصصت القيادة العامة بالعمليات الخاصة، إذ نفذت عدداً من العمليات عبر الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية، مستخدمة وسائل غير مألوفة، مثل الطائرة الشراعية للتغلب على السياج الإلكتروني، الذي تقيمه إسرائيل على طول الحدود مع لبنان.

القذافي والمحاكمة

         أكد الزعيم الليبي معمر القذافي، أنه سيحترم الحكم، الذي ستصدره محكمة قضية لوكيربي. وقال: إنّ كل الأطراف اتفقت، على قبول حكم المحكمة. لكنه رفض افتراضاً بأن الليبيين المتهمين في تفجير الطائرة فوق لوكيربي، كانا يعملان وفقاً لتوجيهات مباشرة من ليبيا، وعدّه افتراضاً سخيفاً.

         وصرّح القذافي، في حديث لشبكة تليفزيون سكاي، أذيع قبل ساعات من بداية المحاكمة، أن الليبيين سيتحملان المسؤولية بشكل منفرد، إذا ثبت، بعد المحاكمة، أنهما مذنبان. فالأمر الآن في يد القضاء، ولم يعد مسألة سياسية بل قانونية. وأوضح، أنه لن يقبل إجراء المزيد من التحقيقات، المتعلقة بتفجير الطائرة في ليبيا، إذا ثبتت إدانة المتهمين. ولكنه استدرك أن ذلك، في الحقيقة، أمر غيرُ مرجّح أو محتمل. فالمحكمة ستحاكم هذين المتهمين فقط، وهي معنية بهما فقط، إلاّ أنها إذا تجاوزت ذلك، ستدور في حلقة مفرغة. وأضاف، أن المسؤولية في ما يتعلق بهذا الأمر منفردة، وأن المحاكمة ستجرى للحكم عليهما، وليس على ما إذا كانا من عملاء المخابرات الليبية، وأن المحكمة ستعقد لمعرفة ما إذا كانا مذنبين أم غير مذنبين، وما إذا كانا ارتكبا هذا العمل أم لا، والمحكمة غير معنية بما إذا كانوا من المخابرات الليبية أم لا. وقال القذافي: إنه لا يتحمل منذ عام 1977 أي مسؤوليات سياسية أو إدارية في البلاد، لأنه سلّم السلطة للشعب الليبي.

         وقد سعى القذافي لإلقاء المسؤولية، على أقارب أي من ضحايا الطائرة الإيرانية، التي اسقطتها  سفينة حربية أمريكية، في الخليج عام 1988. وقال إن هؤلاء الضحايا، الذين قتلتهم الولايات المتحدة، لهم أقارب وأسر، وربما أخذوا بالثأر. وأنّ هذا لا يعني أن إيران، كدولة أو الحكومة الإيرانية، مدانة أو متهمة، فمسألة لوكيربي، مسألة فردية.

موقف أُسَر الضحايا، مِنَ البريطانيين والأمريكيين

         منذ حادثة انفجار (الرحلة الرقم 103)، فوق بلدة لوكيربي بإسكوتلاندا، في 21 ديسمبر 1988، ووفاة كل من كان على متن الطائرة، توقفت شركة "بان أمريكان" عن العمل. وظهر العديد من نظريات المؤامرة والشكوك، منذ ذلك الحين وإلى الآن. والذي لا شك فيه، أن الحادثة ظلت حية في عقول وقلوب كثير من ذوي الضحايا، بينما سلّم عدد منهم بقضاء الله وقدره، واستسلم لما حدث. ولكن الطبيب جيم سواير، الذي عُدّ المتحدث باسم عائلات الضحايا البريطانيين، خصص وقته منذ وقوع الحادثة للتوصل إلى الحقيقة، في مقتل ابنته فلورا، التي كانت من بين ركاب تلك الرحلة.

         ولعل محاكمة الليبيين، الأمين خليفة فحيمة، وعبدالباسط المقراحي، التي بدأت في هولندا في 5 أبريل 2000، تمثل الخطوة الأولى العملية في تحقيق العدالة، والوصول إلى الحقيقة، لكنها، كما يقول سواير،" ستكون خطوة أولى فقط". "وفي نهاية المحاكمة سنعرف، ما إذا كان المتهمان مذنبين، إلاّ أن المحاكمة لن تجيب عن الكثير من الأسئلة الرئيسية لدينا"، وأهمها السؤال، الأكثر أهمية، وهو: من الذي أمر بتفجير الطائرة"؟

         وقد أورد الُمدّعون الأمريكيون والبريطانيون، في معرض اتهاماتهم عام 1991، أن المتهمَين هرّبا حقيبة داخلها قنبلة، إلى داخل طائرة من مالطة متجهة إلى فرانكفورت، ثم حوّلت إلى مطار هيثرو في لندن، ثم إلى طائرة "بان أمريكان" (الرحلة رقم 103)، المتجهة إلى الولايات المتحدة. حتى إذا أدانت المحكمة المتهمَين، فإنهما لا يمكن أن يكونا قد أقدما على تدبير هذه العملية، بمبادرة شخصية منهما. بمعنى آخر، لا بد أن تكون هناك جهة أخرى وراء هذا الحادث.

         لذلك، فإنّ جورج ويليامز، ممثل أسر ضحايا الطائرة من الأمريكيين، لا يساوره أدنى شك في أن السلطات الليبية، أمرت بتدبير تفجير الطائرة وتنفيذه. وتأكيداً لوجهة نظره، يقول ويليامز، إن المتهميَن الليبيين من عناصر المخابرات، وأنهما تلقيا تعليمات بتنفيذ هذه العملية. أما جيم سواير، ممثل أُسر الضحايا البريطانيين، فيبدو أقل تأكيداً، فيما يتعلق بدور السلطات الليبية، كما أنه أكثر ميلاً نحو نظرية ضلوع إيران، وإلى حد ما منظمة فلسطينية بسورية، في تدبير الحادث. فقد أَسقطت سفينة حربية أمريكية، طائرة ركاب إيرانية، قبل ستة أشهر من حادثة لوكيربي، مما أدى إلى مصرع 290 شخصاً كانوا على متنها. ويرى سواير أن هذا يُعدّ دافعاً كافياً لإقدام إيران، على الانتقام. ويرى سواير، كذلك، أن الدافع يعدّ أهم جانب ينبغي النظر إليه، إذا أريد حل لغز الإقدام على تفجير الطائرة.

         ويعكس اختلاف النظريات، وتباين الاتهامات، مدى معاناة أسر ضحايا الطائرة، وبحثهم المستمر عن الحقيقة، وتطبيق العدالة، إذ لدى بعض أسر الضحايا شعوراً، أنهم يسبحون عكس تيار نظريات المؤامرة المتعددة، وإحساساً بعدم إبداء حكوماتهم الاهتمام اللازم بالقضية. فكل أسرة تعاملت مع موت أحد أفرادها، في هذا الحادث، بطريقتها الخاصة. فبعضهم انسحب، وحاول الاستمرار في الحياة بصورة عادية، فيما حوّل آخرون الحزن والغضب، إلى نشاط مستمر سعياً لمعاقبة الجناة.

         وهكذا اختار الطبيب البريطاني جيم سواير "64 عاما"، طريق البحث المستمر عن الحقيقة، وفرّغ نفسه لذلك. فَقَدَ سواير ابنته فلورا، وهي طالبة طب متفوقة، قُبلت لتلقي دراسات عليا في الطب، بجامعة كمبريدج البريطانية. وحصلت فلورا على تذكرة سفر في آخر لحظة، إذ كانت في طريقها إلى الولايات المتحدة لقضاء عطلة عيد الميلاد. إلاّ أنّ فلورا لقيت حتفها قبل يوم واحد فقط، من عيد ميلادها الـرابع والعشرين. وتملأ صور فلورا جدران غرفة استقبال الضيوف، بالمنزل الريفي الذي  يملكه جيم سواير، في فينستول، وهي لا تبعد كثيراً عن مدينة بيرمنجهام. كما أن جيم وزوجته جين، زرعا غابة من 4500 شجرة، أطلقا عليها "غابة فلورا". وأصبح البحث عن تحقيق العدالة، قضية أساسية لسواير، الذي ترك عمله كطبيب، حتى يتفرغ لهذا العمل. واضطرت هذه المهمة سواير للسفر إلى دول عديدة، والاتصال بعدد كبير من الشخصيات، ابتداء من الزّعماء الأفارقة، إلى جامعة الدول العربية، إلى الرئيس معمّر القذافي نفسه.

         ثم زار سواير ليبيا مرتين، بعد زيارته الأولى، مما أثار غضب الكثير من العائلات الأمريكية. فقد أعربت الأمريكية سوزان كوهين، التي فقدت ابنتها ثيودورا، عن استيائها من سفر سواير إلى ليبيا، وقالت: إن المحاكمة ليست ثمرة سفر سواير إلى ليبيا، وأنها "لا تعدو (أي المحكمة) أن تكون اتفاقاً، بعد أن حصل القذافي على كل ما يريده".

من وقائع المحكمة في اليومين الأولين

         كُرّست الجلستان الأوليتان، من المحاكمة، لسماع إفادات شهود، من سكان بلدة لوكيربي والمناطق القريبة منها، ووصف ما شاهدوه عندما انفجرت طائرة الـ "بان آم" الأمريكية، فوق البلدة الإسكوتلندية، مساء 21 ديسمبر 1988، مما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها، إضافة إلى 11 شخصاً، من أهل البلدة.

         وكان بين الشهود ستيفن تيجل، الذي كان عائداً في سيارته من مقر عمله، عندما وصل إلى قرية في الطريق، اسمها جرين هيد، وشاهد وميضاً في السماء، قرابة السّاعة السابعة مساء. فقال: "لم يخطر ببالي في حينه، أن ما شاهدته كان مصدره طائرة، ولكن بعد حين شاهدت جسماً برتقالي اللون، يهبط ككرة نارية نحو الأرض. وعندما ارتطم بالأرض شاهدت كتلة نارية على شكل (V). عرفت أن منطقة ارتطام الجسم بالأرض، كانت باتجاه لوكيربي". وأضاف، "عندما وصلت إلى البيت، وبعد أن تناولنا طعام العشاء أنا وزوجتي وأطفالي، قطع التليفزيون برامجه ليقول إن طائرة سقطت".

         وبعد شهادة تيجل، استجوب الادعاء روبرت بيكوك، وهو من سكان قرية هايتي، التي تقع على بُعد ستة أميال قرب لوكيربي. قال بيكوك، الذي كان يعمل آنذاك سائق شاحنة، "كنت في البيت مع زوجتي وابني وابنتي.. سمعت صوتاً فخرجت في حوالي الساعة السابعة مساء. زميلة ابنتي جاءت لزيارتنا، قالت: اسمعوا الرعد. قلت: هذا ليس رعد. خرجت ثانية بعد تواصل الصوت، فشاهدتُ طائرة ارتفاعها ما بين 8 آلاف و12 ألف قدم. عرفت أنها طائرة كبيرة، وشاهدت أحد محركاتها يحترق، والوقود يتدفق منه. الطائرة لم تكن كاملة، وبالتأكيد لم أشاهد ذيلها. شاهدت محركاً واحداً فقط، كان يحترق. واصلت النظر إلى الطائرة وهي تتجه هابطة نحو لوكيربي. تصورت أنها ارتطمت بمحطة الوقود في لوكيربي، لأنني شاهدت كرة نارية ترتفع من ذلك الموقع، وسمعت، أيضا،ً انفجاراً أضاء السماء، لمدة خمس إلى عشر دقائق".

         أما الشاهد رونالد ستيفنسن، وكان آنذاك يعيش في دمفريس القريبة من لوكيربي، فذكر أنه وعائلته كانوا يتوقعون في ذلك اليوم، وصول ابنتهم لقضاء عطلة الميلاد، وكان مقرراً أن تنزل في محطة القطار بلوكيربي. قال ستيفنسن "أوقفت السيارة في ساحة وقوف السيارات، إلى جانب المحطة، واستغربت أن الساحة كانت خالية. بقيت داخل السيارة استمع إلى الراديو، في انتظار وصول القطار. فجأة سمعت صوتاً عالياً، تصورته صوت القطار، لكن الصوت ارتفع أكثر وأكثر، فخرجت من السيارة. كان الصوت قادماً من مكان بعيد إلى يميني، وارتفع أكثر إلى ما يشبه صوت الرعد. شاهدت جسماً عبارة عن كتلة سوداء، تتخلله ألسنة اللهب، قادماً من الشمال، باتجاه الجنوب. وكان ارتفاعه ما بين 400 قدم و500 قدم. بعدها بنحو ثماني ثوان ارتطم الجسم بالأرض. لاحظت جناحاً يهوي، ولكن من دون محرك. بعدها سمعت انفجاراً، ورأيت كرة من اللهب شعرت بحرارتها. شاهدت أجساماً صغيرة تتناثر أمامي، على شارع شيروود كريسنت، كما رأيت لوحة من أحد أبواب الطائرة، تتطاير فوق رأسي". وأضاف ستيفنسن "ابنتي خرجت من القطار، وسألتني عما كان يجري. قلت لها: احتمي فأجسام متطايرة تسقط. توجهنا إلى السيارة، وقلت لها: لنغادر المدينة فوراً، خشية غلق مخارجها من قِبَل الشرطة. توجهنا إلى دمفريس ووقفنا على جسر يقطع الطريق الرئيسية، لمشاهدة ما يجري. فرأينا سيارات تحترق في الطريق، توقفنا عند أول قرية مررنا بها، وأبلغت شرطيها بما شاهدته".

         وتعدّ الشهادة الأكثر مأساوية، هي تلك، التي قدمتها الشاهدة جاسمين بيل، التي كانت تعمل في مجال الخدمات الاجتماعية. قالت بيل "كنت في تلك الليلة في لوكيربي. ذهبت لزيارة منزل عائلة لأوصل لها رزمة طعام، في شارع دوجلاس تيريس. أخي كان يعيش في منزل في شارع شيروود بارك، غير بعيد من المنزل، الذي كنت أنوي زيارته. وقفت عند منزل أخي، وعندها سمعت صوتاً مرتفعاً قادماً من مكان بعيد. ذكرت ذلك لأخي، وسألته عن ذلك الصوت، فقال: يبدو أنه رعد. كان أخي يقف خارج منزله، بينما ارتفع الصوت تدريجياً. نظرنا إلى الأعلى، فقال أخي: إنها طائرة. اذهبي إلى داخل المنزل. عندها نظرت إلى الأعلى، فشاهدت ما بدا لي كطائرة صغيرة، تمر فوق رؤوسنا. ارتفاعها كان بارتفاع سطح المنزل".

         وتابعت الشاهدة بيل: "أتذكر أنني شاهدت جسماً معدنياً، رمادي اللون ولمّاعاً. حنيت رأسي، بينما لجأ أخي إلى مرآب منزله. وخلال ثوان بدأت السماء تمطر لهباً. لم أشاهد الجسم يرتطم بالأرض، ولم أسمع سوى ما تنامي لسمعي، كصوت طائرة تمر فوق رؤوسنا. كانت الأجسام المشتعلة تتطاير من حولنا. تراجعت إلى أن أصبح ظهري مستنداً للجدار، واستمرت الكتل النارية ترتطم بالأرض. شعرت أنني سأحترق.. سحبني أخي إلى داخل منزله". وتلتقط بيل أنفاسها، ثم تتابع "بعد ثوان خرجنا من المنزل، الذي كان بابه الرئيسي يطل على شارع شيروود بارك، فرأينا أن كل شئ كان يحترق. الحدائق الأمامية، وأسقف بيوت الشارع، شاهدت زوجين مع طفليهما قادمين باتجاهنا. الزوج استعار زوج أحذية من أخي، وخرجنا ثلاثتنا لمعاينة منازل الجيران لمساعدتهم في الخروج. بعد حين انضم إلينا ابني، البالغ من العمر 19 عاما. وبينما كنت أنا وهو نعاين الدمار، تعثرنا بشيء، فسأل ابني: ما هذا؟ قلت له: يبدو لي أنه مجرد قطعة لحم. لكننا بعد حين اكتشفنا أنها جثة. حديقة منزل أخي اكتست بقطع من القماش الأبيض، فقد حرص على تغطية الأشلاء، التي سقطت على حديقته".

         ثم جاء دور الشاهد إيان وود، الذي كان يعيش، آنذاك، مع زوجته وابنتيه، في منزل بشارع روز بانك كريسنت، القريب من شارع شيروود كريسنت. قال إنه كان يعمل نهار 21 ديسمبر 1988، وعاد إلى منزله ليتسلّم رعاية ابنتيه من زوجته، التي كانت تعمل ليلاً. وجاء في شهادته "عند السابعة مساء وبينما كنت في غرفة المعيشة، وطفلتاي في إحدى الغرف بالطابق العلوي من المنزل، سمعت صوتاً مدوياً ورأيت انفجاراً. ذهبت إلى الباب الرئيسي، فكان ما شاهدته أشبه بقنبلة نووية. شعرت بحرارة الانفجار. خرجت إلى الشارع، وبعد ثوان شاهدت جسماً رمادياً، يسقط على أسقف أربعة منازل قبالة منزلي. عدت مسرعاً إلى البيت، قبل أن أخرج ثانية. عندها شممت رائحة وقود. تصورت أن طائرة حربية، أو طائرة صغيرة، ربما سقطت. السماء كانت تمطر قطعاً من زجاج، من نوافذ منازل الشارع. شاهدت جثة. أمضيت تلك الليلة في منزلي. ومنذ ذلك اليوم بدأ شعري يتساقط، وأنا الآن أتلقى العلاج".

         أما الشاهد ستيوارت كيرك باتريك، فقد تحدث عن المشاهد المروّعة، التي شاهدها في تلك الليلة، برفقة شرطي، بينما كانا يفتشان في حطام الطائرة، في حقل قريب من منزله. قال: "شاهدنا بقايا حقائب ومقاعد.. تناثرت الجثث حول منزلي،  حادث لوكيربي كان صدمة كبيرة ظلت معنا سنوات، بل إن أحد شبان البلدة انتحر. لحسن الحظ بدأت حياتنا تعود إلى مجاريها الطبيعية نوعاً ما. لكن تلك الأحداث تعود لتؤرقنا، كلّما قرأنا أو سمعنا أو شاهدنا، شيئاً عنها".

         وكذلك تحدث الشاهد وليام ولسون، الذي كان يعمل في ورشة لتصليح السيارات في لوكيربي، عن صديقه توماس فلانغان، الذي كان يعمل معه في الورشة نفسها، وترك العمل متجهاً إلى منزله في شيروود كريسنت، قبله بنصف ساعة، أي في حدود السادسة والنصف مساء. وذكر أنه لم ير صديقه بعد ذلك. فقد قضى فلانغان بين حطام منزله. و"في اليوم الثاني ذهبت لتفقد منزل فلايغان، لكن لم أجده فقد اختفى".

         ثم جاء دور كيفين أندرسون، الذي قال: إن قمرة قيادة الطائرة المنكوبة، هوت في حقل أمام منزله. و"اتجهت نحو ذلك الجسم، فشاهدت قمرة القيادة وحولها جثث. عدت لأحضر حماي لمساعدتي في البحث عن أحياء، لكننا لم نجد أحداً حياً. نظرت داخل قمرة القيادة، فشاهدت طيارين ميتين". كما تحدث الشاهدان جيمس ولسن، وجيمس بيتي، عن المشاهد نفسها، التي رواها أندرسون.

         أما المفاجأة الأولى في سياق استدعاء الشهود، فجاءت مع الشاهد الحادي عشر والأخير، مفتش الشّرطة السّابق في لوكيربي، جيفري كاربنتر، الذي قال: "كنت أشاهد التليفزيون مع طفلي، بينما ذهبت زوجتي إلى بيت أحد الجيران. سمعت صوتاً عالياً، لكنني تجاهلته في البداية، ظناً أنه صوت طائرة حربية.. بعدها بدأ منزلنا يهتز وارتفع الصوت، وأيقنت أن شيئاً ما حدث، وسمعت انفجاراً هائلاً". وتحدث كاربنتر عن الإجراءات، التي اتخذها باعتباره رجل شرطة، فقال: "رد فعلي الأول كان استعمال الهاتف لطلب النجدة، لمنطقة شيروود كريسنت. لكن الهاتف كان صامتاً. ورد فعلي الثاني كان أن أقود سيارتي باتجاه المكان، وهذا ما فعلته". وأضاف، أنه التقى في المنطقة العديد من رجال الشرطة، الذين يسكنون هناك، وأن الأولوية بالنسبة لنا، كانت ضمان أن الطرق للمنطقة سالكة، حتى تصل إليها أجهزة الخدمات من إسعاف وإطفاء وما شابه.  

         وخلافا لبقية الشهود، عندما سأل القاضي محامي المقراحي، بيل تيلور، إن كان يريد مساءلة الشاهد كاربنتر، أجاب المحامي: نعم، وبادر تيلور بسؤال كاربنتر عما إذا كان يتفق معه، بأن حطام الطائرة انتشر شرقاً حتى بحر الشمال، ومن ثم كان من الصعب ضمان الموقع، حفاظاً على ما فيه من أدلة. فأجاب الشاهد: نعم. وبسؤاله عن الوقت، الذي لاحظ فيه وصول وسائل الإعلام، إلى الموقع، أجاب كاربنتر: بعد الحادث بساعة ونصف الساعة تقريباً. وعما إذا لاحظ في الموقع ممثلي الوكالات الحكومية الأمريكية، أجاب كاربنتر: نعم. ثم سأله عما إذا كان بين هؤلاء ممثلو مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي "F B I"، فأجاب: نعم. وأشار إلى أن الأمريكيين أقاموا مركزهم الخاص في البلدة. ثم سأل تيلور الشاهد عما إذا كان بين الحاضرين شخص يدعى آل هندرشوت، فأجاب الشاهد: نعم. وكان ممثلاً لـ "F B I". وسأله كذلك عما إذا كانت في حوزتهم معدات حديثة فقال: "نعم، كان لديهم نظام ستاليت". ثم سأل تيلور الشاهد عما إذا كان أي منهم يحمل كاميرا رقمية، فأجاب: نعم.

         وهكذا انقضى اليومان الأولان للمحكمة، في سماع إفادات الشهود، أعقبتهما فترة توقف للمحاكمة، سببها عدد من العوامل والظروف.

استئناف جلسات المحكمة، بعد توقف

         كان من المقرر أن تُستأنف جلسات المحكمة، في 23 مايو 2000، في معسكر زايست في وسط هولندا. وكان اللورد رانالد ساذرلاند، رئيس المحكمة قد وافق، مع بعض التحفظ، في 11 مايو 2000، أي بعد ثمانية أيام من بدء المرافعات، على تعليق الجلسات من أجل تسريع متابعتها بعد ذلك. وجاء هذا الإرجاء بعد اتفاق، بين هيئتي الاتهام والدفاع، على استعراض أكثر من 250 من قطع الطائرة، مما يحتاج إلى بضعة أسابيع، ما لم تُعلق الجلسات. ويُفترض أن تُستدعى مجموعة جديدة من الشهود، أمام القضاة الإسكتلنديين الثلاثة. ويؤكد محضر الاتهام أن المتهمَين الليبيين وضعا في مالطة، القنبلة المصنوعة من مادة السيمتكس المتفجرة، في جهاز للتسجيل من نوع توشيبا. وبعد ذلك أخفيا الجهاز في حقيبة تحوي ملابس، أرسلت إلى فرانكفورت في ألمانيا، ومنها إلى مطار هيثرو في لندن، حيث وضعت في حاوية للحقائب من الألمنيوم على متن رحلة الطائرة التابعة لشركة بان آم، المتجهة إلى نيويورك. لكن صحيفة تايمز نشرت في 15 مايو 2000 تقريرا،ً أعده خبراء، شكك في فرضية الاتهام، بنفيه أن تكون القنبلة وضعت في جهاز للتسجيل داخل حاوية للحقائب. وأن الخبراء يرون في تقريرهم أن القنبلة، كانت مثبتة مباشرة داخل مستودع الحقائب في الطائرة.  

محقق بريطاني يشهد بخطأ نظرية تقرير الانفجار

         كشف مسؤول في مكتب التحقيق، في حوادث الطيران البريطاني، عندما مَثَلَ للشهادة في محكمة لوكيربي بهولندا، عن "خطأ خطير" في التقرير الرسمي عن سبب انفجار طائرة الـ "بان آم" الأمريكية، فوق بلدة لوكيربي الإسكوتلندية عام 1988، فقد نقلت وكالة رويترز عن شاهد الادعاء، كريستوفر بروثروي، وهو من كبار محققي مكتب التحقيق في حوادث الطيران، قوله، رداً على أسئلة محامي الدفاع عن الأمين خليفة فحيمة، أن الحسابات الصحيحة لتمدد الفقاعة الغازية، التي ولّدها الانفجار، تكشف أنه وقع في نقطة أقرب إلى قشرة بدن الطائرة، مما يوحي به التقرير الرسمي.

تأجيل جلسات المحكمة

         قرر رئيس محكمة لوكيربي الإسكوتلندية، اللورد رانالد سذرلاند، تأجيل جلسات المحاكمة، التي تجري في هولندا، حتى 30 مايو 2000، لإتاحة المجال أمام تركيب إحدى حاويات الأمتعة، على متن طائرة الـ "بان آم"، التي فُجرّت فوق لوكيربي، بناء على طلب من الدفاع. وهذا ثالث إرجاء للمحاكمة، التي بدأت في مطلع مايو 2000.

         وجاء القرار في ختام الجلسة، التي استمعت فيها المحكمة، إلى شهادة كبير المحققين في مكتب التحقيق في حوادث الطيران البريطاني كريستوفر بروثروي، الذي كشف عن أن "خطأ حسابياً مهماً"، وقع في إعداد التقرير الرسمي عن سبب الانفجار. وحسب نظرية الشاهد، فإن الانفجار وقع في مكان أقرب إلى بدن الطائرة، مما يوحي به التقرير الرسمي، مما يلقي ظلالاً على زعم الادعاء بأن الحقيبة، التي احتوت القنبلة، كانت موضوعة داخل حاوية، في مخزن الطائرة.

         وبناء على هذه المعلومات، طلب دفاع اللّيبيَين المشتبه فيهما في القضية، عبدالباسط المقراحي والأمين خليفة فحيمة، السماح بإدخال حاوية متضررة كانت على متن الطائرة المنكوبة، وأُعيد تجميع أجزائها، إلى داخل قاعة المحكمة.

         وقرر القاضي إرجاء المحاكمة حتى 30 مايو 2000، ليتمكن محققو مكتب التحقيق في حوادث الطيران، من تفكيك الحاوية، وإعادة تجميعها داخل المحكمة مرة أخرى. وكانت المحاكمة قد أرجئت 12 يوماً، اعتباراً من العاشر من مايو 2000، بناء على طلب الادعاء. وكان مقرراً أن تستأنف في الثالث والعشرين من مايو 2000، إلاّ أنها أُرجئت إلى اليوم التالي، لعطل في نظام الاختزال الإلكتروني، الخاص بوقائع المحكمة.

تحليل أدلة التفجير

         بعد يوم من انفجار الطائرة الأمريكية في "الرحلة الرقم 103"، فوق بلدة لوكيربي، باسكوتلندا، في 21 ديسمبر عام 1988، انطلق مئات المحققين لتمشيط المنطقة، لجمع الأدلة والقرائن. وقادتهم المواد، التي اكتشفوها، إلى الاستخلاص أن قنبلة قد انفجرت لتمزق جسم الطائرة، إلى قطع صغيرة. وتحول التحقيق إلى أكبر عملية سبر للإرهاب، في تاريخ البشرية، شمل نحو 40 بلداً. وبعد سنوات من العمل الدائب، المضني، وجد المحققون أن خيوط القنبلة تمتد إلى ليبيا، وإلى اثنين من ضباط مخابراتها، فصدر القرار بتوجيه الاتهام إليهما عام 1991، وهما الآن يمثلان أمام القضاء.

الدليل الذي عثر عليه المحققون

         وسط المئات من قطع الحطام، الذي جُمع عند لوكيربي، عثر المحققون على قطعة من حطام لوحة دائرة كهربائية لجهاز راديو / مسجل، من نوع توشيبا، وأنّ القطعة تحمل بقايا مواد بلاستيكية متفجرة. وكان هناك جهاز توقيت رقمي من صنع سويسري، داخل جهاز الراديو المسجل.

         ووجد محللو المخابرات الأمريكية، أن قطع وشظايا جهاز التوقيت، تشبه ذلك المستخدم عام 1986 في محاولة نسف السفارة الأمريكية في توجو، وكانت تلك المحاولة قد أُسندت إلى المخابرات الليبية. كذلك عُثر على علامات تجارية، وقميص ممزق، جرى لف الراديو الملغوم به.

         وتعقب المحققون أثر القميص، والعلامات التجارية، فوجدوا أنها تعود إلى متجر في مالطة، حيث اشترى أحد المتهمين ملابس منه، في 7 ديسمبر عام 1988. ونزل الليبي المقصود في فندق هوليداي إن، على مبعدة 300 ياردة من المتجر المذكور. وكذلك هناك قطع من حقيبة سامسونايت بنية اللون، لم يكن لها مالك. وكانت هذه الحقيبة على متن الطائرة في رحلتها رقم 103، من دون مرافق. وعند تحليل قطع من الحطام، عثر المحققون على حقيبة السامسونايت، التي حوت جهاز الراديو المسجل من نوع توشيبا، الذي حوى القنبلة. وقد شحنت الحقيبة في حاوية أمتعة خاصة، نقلت إلى الطائرة في فرانكفورت. وهناك دفتر ملاحظات يخص أحد المتهمين، يحوي إشارات حول سبل سرقة بطاقات شحن أمتعة المسافرين في مالطة، من أجل توجيه الحقيبة من مالطة إلى فرانكفورت، ثم إلى رحلة الطائرة الأمريكية. لذلك جزم المحققون أن الانفجار، وقع في مخزن الأمتعة الأمامية. وأنّ حاوية الأمتعة، التي نقلت حقيبة السامسونيات، وضعت في مقدمة مخزن الأمتعة في طائرة البوينج، خلال وجودها بلندن.

         وهناك قطع أدلة أخرى، عُثر عليها في لوكيربي، تحوي بقايا مادة سيمتكس التفجيرية. وتشبه المواد البلاستيكية المتفجرة، التي عُثر عليها في السنغال عام 1984، في خواص المواد التفجيرية، التي عثر عليها في لوكيربي. وقد أُلقي القبض على رجلين هناك في السنغال، وبحوزتيهما جهاز تفجير، يشبه الجهاز الموجود بين الحطام في إسكوتلندا. وربط خبراء التحقيقات الجنائية عملية توجو والسّنغال، بالمخابرات الليبية. كذلك ضُبط دفتر يوميات يحوي أسماء وملاحظات، يُعتقد أن الذي كتبها هو الأمين خليفة فحيمة. وعند ذلك برز اسم شريكه الضابط عبدالباسط المقراحي. أما كيف عثر المحققون على هذا الدفتر، فما يزال ذلك طي الكتمان. وقد عاد المتهمان إلى ليبيا، في وقت توجيه الاتهام إليهما عام 1991. وتطلب الأمر قوات أمريكية، وسنوات من التفاوض، قبل أن توافق ليبيا على تسليم المشبوهين، إلى المحاكمة في هولندا.

         ومن مفاجآت المحكمة، عقب استئنافها في 5 يونيه 2000، ما نسب إلى منشق إيراني يزعم أنه أشرف على "عملية الإرهاب الخارجي"، لإيران طوال عشرة سنوات، أن بلاده متورطة مباشرة في تفجير الطائرة. وأفادت شبكة التليفزيون الأمريكي "سي. بي. أس"، أنها أجرت مقابلة مع المنشق الإيراني، ويدعى أحمد بهبهاني، في تركيا، أبلغها في المقابلة أن لديه "وثائق" تؤكد ضلوع طهران في التفجير. وهذه ليست المرة الأولى، التي يجري فيها الحديث عن احتمال ضلوع إيران، في تفجير الطائرة. وهو ما نفته طهران مراراً.